مشاهدة النسخة كاملة : مناظرة حاتم3 مع الملحد "القبطان"
الشهاب
2011-10-01, 02:13 AM
السلام عليكم :
فإنني أحببت ، إن سمحت الإدارة ، بنقل رابط لمناظرة رائعة بين د.الطيب بوعزة و أحد الملحدين العرب ، عن أحد المنتديات الإسلامية ، و هي من أرقى المناظرات التي اطلعت عليها لما حوته من كل صنوف المعرفة العلمية و الفلسفية و الدينية ، و ما أبداه المناظر المسلم - جزاه الله خيرا - من اقتدار معرفي في محاورة خصمه ، لعل الله ينفع بها من تتوق نفسه لمعرفة الحق ، و الله من وراء القصد .
(http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?603-%D9%85%D9%86%D8%A7%D8%B8%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE-%D8%AD%D8%A7%D8%AA%D9%853-%D9%85%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A8%D8%B7%D8%A7%D9%86)
متابعين معك أخي الفاضل
ونرجو ان تجعل محتوى المشاركات غير طويل لكي لا يمل القاريء ويستطيع المتابعة معك
الشهاب
2011-10-05, 02:00 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
أشكر بادئ ذي بدء الإدارة على موافقتها على نشر محتوى المناظرة التي جرت بين حاتم3 و الملحد القبطان ، و دون إطالة إليكموها ، و لن أحذف منها إلا ما خرج عن نطاق الحوار بين الطرفين ، و الله المستعان :
مناظرة حاتم3 مع الملحد القبطان
القبطان :
------
حوار ثنائي بين القبطـان وحاتم3
حول الإيمان والإلحاد
موضوع الحوار:
• الإيمان والإلحاد
مقدمة قصيرة
هدفي من هذا الحوار هو تعريف موقفي الإلحادي وتبريره في مقابل توضيح ضعف مبررات الإيمان الديني.
بينما هدف زميلي في الحوار سيكون معاكسا، أي تبرير موقفه الإيماني مقابل نقض الموقف الإلحادي.
مجرى الحوار:
- مداخلة افتتاحية من القبطـان
- مداخلة افتتاحية من حاتم3
- رد أول من القبطان
- رد أول من حاتم3
- رد ثاني وخاتمة من القبطـان
- رد ثاني وخاتمة من حاتم3
الهدف من هذه البنية هو تقنين سير الحوار لئلا يتشعب ويطول كثيرا.
في الحوار الأول من نوعه لن نقوم بعد الكلمات أو الأحرف لتحديد عددها.
هذه هي التجربة الأولى، وهناك الكثير من الأخطاء الإجرائية التي قد نقع فيها.
ولكن الأمل هو أن نتعلم من هذه الأخطاء فنقوم بتلافيها في المستقبل.
سأعود في وقت لاحق هذا اليوم لإضافة مداخلتي الإفتتاحية..
مع أطيب التحيات
الشهاب
2011-10-05, 02:02 PM
القبطان
-----
مقدمة:
كتبت "مقالات في الإلحاد" على شكل خواطر في منتدى أثير قبل سنة ونصف..
(تم ازالة الرابط)
ثم نشرت جزءا أول من هذه النصوص في موقعنا:
(تم ازالة الرابط)
وطالما خطر لي أن أكتب نصوصا أكثر تفصيلا، بمنهجية مختلفة، وإلقاء الضوء على جوانب أخرى، خصوصا وأن المكتبة العربية تشكو من نقص حاد في هذا المجال.
ولكن الوقت لم يساعدني في ذلك.
وهذا الحوار هو خطوة أولى، لتعميق النقاط المطروحة.
أشكر الزميل حاتم3 على مشاركته في هذا الحوار.
وأرجو له ولبقية الزملاء وقتا طيبا.
أولا:
تعريفات مبدئية:
- الآلهة:
كائنات "فوق الطبيعة" تؤثر في الطبيعة بطرق شتى دون أن تخضع لها، وتختلف في صفاتها حسب الثقافة التي تنتجها.
ولكن موضوعنا الأساسي سيتعلق بالإيمان الإسلامي، وهنا لدينا "الله".
وهو كائن لا يخضع للزمان أو المكان
مطلق القدرة، مطلق المعرفة
خلق الكون والإنسان بتخطيط وإرادة
يؤثر في الكون حاليا (يدبره)، يتواصل مع البشر، خصوصا مع بعضهم (الرسل والأنبياء)
لديه اهتمام بالسلوك البشري، ويخطط لمكافأة البعض ومعاقبة الآخرين، خصوصا بعد موتهم (خلود الروح).
والكثير من الصفات الأخرى تبعا لنصوص القرآن والسنة وغيرها من أعمال الأجيال الإسلامية التالية.
- الإلحاد:
عدم الإعتقاد بما سبق وصفه.
لا يهمني في هذا السياق الأصل اللغوي للكلمة، أو التعريفات المتباينة لها، علاقتها بمدارس فكرية مختلفة، أو أن كلمات أخرى أقل شيوعا قد تكون أكثر دلالة (مثلا الدهرية، الطبيعانية..الخ)
ثانيا:
الإيمان والاعتقاد:
جميعنا نعتقد بأشياء كثيرة في حياتنا اليومية، بعضها عادي، ولا يستحق الذكر في أغلب الأحيان أو قد لا ندري أننا نحمل هذه المعتقدات.
الكثير من هذه المعتقدات ننسخه من المحيط الاجتماعي حولنا، من التراث الثقافي المحيط بنا.
فنلاحظ لكل مجتمع معتقدات خاصة بما يحدث لأفراده بعد الموت، وطريقة تفسير الكوارث الطبيعية أو التفاوتات في الأوضاع الإجتماعية وتوزيع الثروة أو الصحة والنجاح بين الأفراد.
بوجود هذه التفاوتات يصبح السؤال عن صحة هذه التصورات المتوارثة ضروريا، فمن الصعب أن تكون كلها صحيحة بالشكل نفسه، ولكن قد تكون كلها خاطئة، وقد يكون من الصعب الحسم في هذا المجال..
ليصبح الاعتقاد مبررا، فهو يحتاج إلى أدلة تدعمه لترجيح صحته.
بعض هذه المعتقدات "استثنائي"، والمعتقدات الإستثنائية تحتاج إلى أدلة استثنائية، دون ذلك فنحن نرفض مثل هذه المعتقدات دون أن نبرهن على خطئها.
فقد أعتقد أن لدي ما يكفي من اللبن في الثلاجة، ثم أذهب لأتأكد، فأكتشف خطأي.
ورغم ذلك فمن المبرر عادة أن نصدق شخصا يزعم بوجود اللبن في ثلاجته، لمجرد أنه يقول ذلك.
بينما من يزعم بأن لديه تنين في بيته، فهو لن يحظى بهذه السهولة بالتصديق حتى ولو أرانا صورة له (فقد تكون مزورة..الخ).
سنختار لهذا الحوار الاعتقاد الشائع بوجود الله..
الزعم بوجود إله أو آلهة، هو زعم استثنائي بكل المقاييس.
فلم ير أحد منا إلها في حياته اليومية، ولا يعرف أحد شكل مثل هذا الإله، ملمسه، أو يستطيع التخاطب معه للتأكد من أفكاره حوله.
ولذلك فهذا الإعتقاد بحاجة إلى أدلة استثنائية لتبريره.
وهذا ما نراه في ردة فعل كل المؤمنين بدين معين تجاه إيمان الأديان الأخرى.
عدم تفهم للغيبيات المختلفة عن قناعاتهم، ورفض مباشر مع الإشارة إلى نقص الأدلة لتبرير هذه المعتقدات، والبحث عن تبريرات أخرى، غير غيبية، لهذه المعتقدات.
ما نراه لدى جميع الأديان هو عدم وجود أي أدلة استثنائية، تتناسب مع الطبيعة الاستثنائية للزعم بوجود الآلهة.
وإنما بالدرجة الأولى آليات اجتماعية ثقافية لانتقال المعتقدات بشكل وراثي بين الأجيال.
وكما أن المؤمن بالله يرفض وجود إله الإغريق "زيوس" لعدم كفاية الأدلة، فكذلك يرفض الملحد وجود "الله" لعدم وجود الأدلة.
لذلك فعلى المؤمن بإله أو آلهة أن يبرر إيمانه بأدلة استثنائية.
ويكفي لتبرير الموقف الإلحادي، أن أظهر ضعف هذه الأدلة وعدم تماسكها.
بينما ليس من الضروري لتبرير الإلحاد بالمعنى الذي أقصده أن أبرهن على عدم وجود هذه الآلهة.
أو حتى تقديم تفسيرات بديلة.
(البعض يسمي هذا الموقف "الإلحاد السلبي"، أو اللاأدرية المعرفية مع الإلحاد العملي)
ثالثا:
مع ذلك سأمر على الأدلة المعتادة لتوضيح نقاط ضعفها:
المعجزات والكوارث الطبيعية والظواهر الخارجة عن المألوف:
هذا هو الدليل الأكثر رواجا في المعتقدات الشعبية لتبرير فكرة النبوة (القرآن معجزة محمد)، أو تجسد الآلهة (المسيحية، الهندوسية).
وهي أهم دليل على الإهتمام المفترض الذي توليه الآلهة بالجنس البشري، والتخاطب معه والتدخل في مجرى حياته والتعامل مع سلوكه بالرضى أو الغضب.
ولكن يكفيني عدم اعتراف المعتقدين بدين بمعجزات الأديان الأخرى، لكي نرى التأثير "المحلي جدا" لهذه المعجزات.
فهي وليدة ثقافتها، والأغلبية الساحقة لهذه المعجزات قد حصلت في عصور سحيقة، بذلك يصعب التأكد من حصولها، بينما الإيمان بها لدى أبنائها لا يتأثر بضعف الأدلة.
كل من يزعم بوجود معجزة عليه أن يشير إلى أدلة استثنائية على أن التفسير الإعجازي هو الوحيد الممكن.
دون ذلك فالمعجزة تبقى في "عين المؤمن"، والطريقة الأمثل لدراستها هي علوم الاجتماع والنفس (انتشار الإشاعات، خداع الحواس..الخ)، وليس العلوم الطبيعية، ناهيك عن صحة النتائج الدينية التي تستتبع ذلك.
العلة الأولى:
"نظرا لأن لكل شيء سبب، فلا بد لهذه الأسباب أن تلتقي في سبب أول، هو الله".
نقطة الضعف الأساسية هي أن افتراض وجود "سبب أول" ينقض الفرضية الأولى، وهي أن "لكل شيء سبب".
بعد ذلك تبدأ دوامة طويلة، لتبرير الرغبة في استثناء الله من هذه السببية.
فيصبح البرهان دائريا.
أي عوضا عن الانطلاق من فرضية عامة، إلى استنتاج خاص.
يتم تفصيل البرهان ليناسب النتيجة التي يريد المؤمن التوصل إليها.
ناهيك عن أن قاعدة "لكل شيء سبب" إنما استنتجناها من ملاحظاتنا للظواهر ضمن الكون.
وهذا يدخلنا في مشكلة الاستقراء، حيث قد نكتشف ظاهرة جديدة ليس لها مسبب، فتسقط القاعدة وجميع استنتاجاتها.
ناهيك عن أن تعميم صفات الأجزاء على الكل، هو مغالطة لا مبرر لها.
أي حتى إن كانت جميع الأشياء ضمن الكون لها سبب، فهذا لا يسمح بالاستنتاج بأن للكون سبب أيضا.
ولكن حتى في حال الموافقة جدلا على العلة الأولى (رغم عدم خبرتنا بأي "علة أولى" حولنا)، فلا يوجد أي مبرر لافتراض أن "الله" هو تلك العلة الأولى.
فالعلة الأولى كما يتم استنتاجها لا تظهر صفات أخرى تزيد عما يحتاجه ذلك البرهان، فهي ليست بالضرورة واعية، عالمة أو مطلقة القدرة..الخ
فقد يكون الكون، أو ظاهرة طبيعية أخرى، هو تلك العلة الأولى.
في بداية القرن العشرين أظهرت التجارب الفيزيائية والنظريات الحديثة لتفسيرها (النسبية، الكم)، تناقضات جوهرية مع المفاهيم المعتادة، طالت مفهوم السببية، ومفاهيم الزمان والمكان.
بذلك أصبحت مقولة "لكل شيء سبب"، هي مجرد تعبير عن عادة فكرية من الحياة اليومية، ولكن لا يمكن تطبيقها بهذه البساطة على جميع الظواهر في الكون.
بمعنى آخر فالسببية هي مجرد ربط فكري لظواهر نعتاد على رؤيتها ضمن تتابع زمني، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن علاقة سببية حقيقة في عالم الواقع خارج تفكيرنا.
الغائية:
أو حجة التصميم.. الانتظام في حركة كواكب المجموعة الشمسية، مناسبة الأرض للحياة البشرية، تناسب أعضاء الجسم الإنساني ليعيش حياته.
ألا يظهر ذلك قصدا وإرادة لتتلائم هذه الأمور بهذا الشكل؟
وما هو البديل؟
مشكلة الغائية هو أنها دليل قائم على التشابه. يرى المؤمن الانتظام في الكون، فيقارنه بالانتظام الذي تحققه الأدوات التي اخترعها الانسان لتناسب حاجته، فيقوم بتصميمها حرفي حاذق، يضع مخططا وتصورا في تفكيره، قبل أن ينفذه مستخدما مهارته اليدوية.
فيستنتج من ذلك أن إلها قام بعمل مشابه، فربط الأجزاء بشكل منتظم ليحقق غايته.
ولكن وجود التشابه لا يسمح بافتراض أن سبب الشبه واحد، وهو العقل والإرادة..
فنحن لا نعرف صاحب غاية غير الإنسان، ولا يمكننا تعريف العقل والإرادة بمعزل عنه.
وبذلك فالمقارنة تطرح بين المصنوعات البشرية محدودة العدد، وبين بقية موجودات الكون التي لا نعرف لها غاية. أي أن التعميم هو من مجموعة صغيرة جدا إلى مجموعة أكبر، لا تشبه الأولى كثيرا.
الفيزياء النيوتنية، بقوانينها البسيطة، وتشبيه الكون بالساعة، زادت من محبي هذا الدليل على وجود إله صمم الكون ورفده بقوانين، ثم تركه لينفذ مخططه الكوني.
وذلك على حساب إله المعجزات وتدخله المزاجي في مجريات الحياة البشرية.
ولكن ليس من الضرورة أن يكون سبب الانتظام غاية أو إرادة.
ومن الأصعب تبرير أن الغاية هي تلك التي يزعمها دين معين (خلق البشر لعبادة إلههم، ومعاقبة من يخالف ذلك).
في الفيزياء المعاصرة نرى أن النظام تقابله الفوضى والصدفة، وهي من صفات الكون التي نلاحظها أيضا.
ناهيك عن الصعوبة في تعريف مفهوم "النظام" إذا كان "كل شيء منتظم".
فالفوضى المطلقة بالمعنى الرياضي، تحتوي على انتظامات عديدة كحالات خاصة ضمن تلك الفوضى.
والانتظام الذي يظهر في مطابقة الظواهر الطبيعية مع المعادلات الرياضية، ليس إلا نتيجة عملية التبسيط والاختزال الضرورية أثناء البحث العلمي في طرح الفرضيات وفحصها.
بذلك يبدو دليل الغائية مجرد حالة من "الإسقاط النفسي"، ومن بقايا "روحانية الطبيعة" التي ترى في كل الجمادات روحا، يمكن للإنسان مخاطبتها والتعامل معها باستجداء رضاها وتجنب غضبها.
رابعا:
تبريرات إضافية للموقف الإلحادي:
دليل تناقض الأديان:
إذا كانت الغاية الإلهية هي "هداية" البشر إلى دين الإسلام، فقد فشلت في ذلك بشكل غريب.
فالإسلام نفسه انقسم إلى فرق مختلفة لا تتفق بينها على الكثير، وتصعب علي رؤية الغاية الإلهية وراء ذلك.
ومن سكان الأرض ليس أكثر من سدسهم على دين الإسلام (ولو على الهوية).
والسبب الرئيسي في ازدياد عدد المؤمنين بالإسلام إنما هو نسب الولادة المرتفعة في المناطق الجغرافية التي تم إخضاعها لحكم إسلامي خلال القرون الإسلامية الأولى.
بينما تغيير الناس لدينهم (إلى الإسلام أو إلى غيره)، عملية لا علاقة لها بالاقناع أو الإقتناع في معظم الحالات.
بذلك تبدو الطريقة السائدة لتنفيذ المخطط الإلهي لنشر الدين، عبر كثرة الأولاد، أو عبر حروب وفتوحات حصلت في الماضي البعيد ثم توقفت وتراجعت، فكرة غريبة جدا.
إن كان يريد هدايتهم ومكافأة أكبر عدد منهم لعبادتهم له، خصوصا عن اقتناع عميق، فلماذا يعتمد على هذه الطريقة الغريبة؟
هناك طرق أبسط من ذلك بكثير.. خصوصا اليوم في عصر العولمة.
كأن يستخدم التلفزيون، فيحجز جميع الأقنية، كل يوم، في ساعة محددة، ويخاطب البشر بما يحتاجونه (مثلا يتلو لهم القرآن).. دون أن يكون هناك تفسير طبيعي لما يحدث.
الطريقة الحالية تنتج مليارات من البشر الذين لا خيار لهم إلا الذهاب إلى الجحيم لنقص الأدلة المقنعة (رغم "إقامة الحجة عليهم حسب المفهوم الشرعي")، فهي لا تتناسب مع الآليات النفسية للبشر عند اعتناق الأديان أو تغييرها..
دليل التطور المعرفي:
في النصوص المقدسة (التوراة، القرآن) كان الله يتدخل بشكل كثيف في حياة البشر وفي الظواهر التي يرونها حولهم.
مع التطورات في المعرفة العلمية، نرى أن الله يبتعد شيئا فشيئا عن كونه المسبب المباشر لما يحصل في حياة البشر والطبيعة من حولهم. وتحل محله تفسيرات "ميكا###ية".
المطر لم يعد يهطل بسبب تدخل إلهي مباشر، وإنما هناك "دورة الماء في الطبيعة".
الزلازل لم تعد تعبيرا عن الغضب الإلهي، وإنما هناك الطبقات التكتونية وتحركاتها.
لم يتم خلق الكون في ستة أيام، بل هو عملية تستمر منذ 13 مليار سنة حتى اليوم.
وحتى خلق الإنسان لا يبدو نتيجة لصناعته من طين ونفخ للروح، وإنما عملية تطور بطيئة تعتمد على آليات طبيعية "ميكا###ية".
الذي يبقى هو ما يسمى بـ"إله الفجوات".
أي أن الفجوات في المعرفة الإنسانية يتم رتقها باستخدام فكرة الإله.
وكلما تم سد بعض هذه الفجوات بطريقة علمية "ميكا###ية"، كلما انسحب الإله إلى فجوات أخرى ليفسرها حتى إشعار آخر.
تناقض فكرة الإله:
من ناحية معرفية، يكفيني رفض الإعتقاد بإله لضعف الأدلة.
فمن الضروري الحذر في جميع عمليات الاستنتاج والاستنباط المجردة، وتدقيق نتائج التفكير النظري بالتجربة العملية.
وفي حال حصول تناقض بين ما يظهر في التجربة العملية، والتفكير الاستنباطي النظري، فمن الواضح أن علينا تعديل النظرية أولا.
عالم الميتافيزيقيا، هو تفكير نظري محض، ودحضه بالتجربة ممكن حيث يتقاطع العالم الغيبي مع عالمنا (إله الفجوات).
ولكن فكرة الإله لدى أتباعه تبقى زئبقية، فتهرب من التحقق كلما حاولنا الاقتراب منها (إلى الفجوة التالية).
ولكن من الممكن النظر إليها في عالمها الخاص، والتحقق من كونها تحقق على الأقل عدم التناقض الضروري لعالم الأفكار النظرية.
في هذه الحالة نرى قصصا مثل "الله والصخرة"، أو التناقض بين علم الله الأزلي وبين الحرية الإنسانية في الاختيار (كأساس للمحاسبة فيما بعد).
أو حتى التناقض بين علم الله وحريته (راجع المقالات)..
ومن ذلك كثير، بحيث أن الجواب الوحيد المتبقي لدى المؤمن هو "لا ندري"، "ليس من الممكن أن نفهم"، "ما ينطبق علينا لا ينطبق على الله"..
فما فائدة إضافة هذه الفكرة النظرية البعيدة عن التحقق الواقعي، إن كنا لا نفهمها ولا نجيد التعامل معها.
في هذه الحالة يصبح "الله" مصطلحا يستخدم ككناية عن الجهل وعدم المعرفة.
المعضلة الأخلاقية:
كثيرا ما يستعين المؤمنون بإلههم وتعاليمه كمصدر للسلوك الأخلاقي السليم.
ولكن إحدى مشاكل الإيمان بإله كمصدر للأخلاق هو أنها تواجه صعوبات كبيرة في معرفة الرغبة الحقيقية لذلك الإله، عبر معرفة الدين الصحيح، ثم معرفة التفسير الصحيح مع تناقض التفسيرات والتأويلات.
ولكن الأهم من ذلك هو تناقض فكرة الأخلاق مع الإله كمصدر لها.
فهل الخير خير لأنه "خير بذاته" أم لأن لأن الله أمر به فأصبح خيرا.
وإن كان الخير هو ما يطلبه الله، فهذه مشكلة كبيرة. فلا يوجد مقياس أخلاقي على الإطلاق.
ولكن على العكس، وقتها نرى تعصب كل شعب لدينه وإبادتهم للآخرين باسم ذلك الإله، دون أي وازع من أي ضمير، فلا شك في الأوامر الإلهية.
بينما إن كان الخير صحيحا بذاته، فمن الممكن قياس أعمال الإله وأوامره (حسب دين معين، مثلا ما ورد في القرآن) على ذلك المبدأ العام.
فيمكننا أن نسأل عن مدى أخلاقية أن يطلب الله من شخص التضحية بابنه دون سبب مقنع (قصة ابراهيم)، أو أن يعذب من لا يؤمن به دون نهاية.
وقتها لا بد لي من رفض هذا الإله، لأسباب أخلاقية.
أكتفي بهذا القدر في مداخلتي الأولى.
__________________
الشهاب
2011-10-05, 02:03 PM
حاتم
----
على سبيل التمهيد
في البدء شكرا للزميل القبطان
اتفقنا على أن يضع في البداية كل منا مداخلته الأولية.
وقد قدم الزميل القبطان مداخلته في ما يتعلق باختياره الإلحاد .
وسأكتب مساء غد مداخلتي في دلالة الإيمان وأدلته.
تحياتي
الشهاب
2011-10-05, 02:04 PM
حاتم3
-----
إنَّ في خلق السَّماوات والأرض واختلاف الليل والنَّهار لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون اللّه قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكَّرون في خلق السَّماوات والأرض ربَّنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك"
إتفقنا أنا والزميل القبطان على أن يتقدم كل منا بمداخلة أولية يعرض فيها أدلته على موقفه. وفيما يلي مداخلتي الأولى في أدلة الأيمان لم أكتبها ردا على مداخلة زميلي القبطان ،لأن الرد عليها سيكون في التعقيب الخاص بها ،بل كتبت مداخلتي عارضا أدلة الأيمان وناقدا الموقف الألحادي عامة لا الموقف الالحادي الذي عبر عنه زميلي في مداخلته.كما أنني لم أتحدث عن الأله الذي نستدل عليه من هو ؟ هل هو الإله الذي يتحدث عنه القرآن أم إله غيره من كتب الأديان،لأن موضوع حوارنا الآن هو إثبات وجود الأله/الخالق أولا ،فاقتصرت عليه.
وأدخل في الموضوع بلا مقدمات فأقول :
أدلـــــة الأيــــمــان
ثمة أدلة متعددة للأعتقاد بالله، لا سبيل إلى ذكرها كلها هنا. ولذا ستجدني أستثني بعض طرق الاستدلال ليس لضعفها ،بل اكتفاء بما سأطرحه الآن.
شخصيا بلورت دليلا من خلال قراءتي للفلسفة ،أسميه بدليل الإلحاد!!!!
قد يبدو قولي السابق غامضا . أو يحمل مفارقة مناقضة ،إذ كيف يكون الألحاد دليلا على الأيمان؟!!
أوضح ،فأقول :
من بين أدلتي على وجود الله "أدلة" الملحدين على عدم وجوده!
إذ أنني كلما وازنت بين النظرتين الألحادية والأيمانية وتأملت في أدلة الألحاد،ازددت إيمانا واعتقادا !! وذلك لتهافت واختلال تلك الأدلة التي يقدمها الملحدون ، وسيأتي بيان تهافتها عندما أعرض لمداخلة زميلي القبطان.
ولنبدأ بدليل مبسط وواضح ،فأقول :
إن منطلقي في الأستدلال على وجود الله هو القول بأن العالم حادث غير أزلي .
لكن هنا من حق الملحد المشاكس أن يطرح السؤال ما الدليل على كون العالم له بداية؟
هنا أقدم دليلين:
لكن قبل ذلك أنبه إلى حقيقة امتاز بها التفكير الاسلامي بالقياس إلى الفلسفة اليونانية وهي :
إن التفكير اليوناني كان يقول بقدم العالم ،وقِدم مادته الأولى (الهيولى)،ثم لما جاء الفكر الاسلامي ،ودون حدوث أي تطور علمي يستوجب نقض الفكرة الفيزيائة اليونانية قال هذا الفكر مستهديا بالوحي السماوي :إن العالم محدث مخلوق وليس قديما.
ووضع استدلالات عقلية على ذلك.
ثم جاء الفكر العلمي المعاصر ليؤكد هذه الحقيقة من خلال القول بوجود لحظة ابتداء للكون أخذ الآن يحدد لها توقيتها بالضبط في لحظة مغرقة في القدم تصل إلى حوالي 15 مليار سنة.
وهذه ملحوظة تثمن للفكر الديني ،وللفكر الأسلامي أيضا.
والآن لنعرض أدلة حدوث الكون ، ثم الإستدلال على كون هذا الحدوث له محدث خالق.
-1-
الدليل العلمي على الحدوث
إن الحقيقة العلمية التي أبرزتها نظرية الانفجار العظيم هي أن هناك لحظة بدء للمادة والطاقة والزمان والمكان ! ومن بين الاستدلالات التي اعتمدها علم الفزياء للقول بحدوث الكون هو القانون الثاني للترموديناميك والذي يقضي بانتقال الحرارة من الجسم الحار إلى الجسم البارد دون عودة في الاتجاه المعكوس. ومادام الأمر كذلك ،فإنه من المستحيل أن يكون كوننا هذا أزليا ،لأن مقدار الحرارة فيه كانت ستنقضي وعندها لابد أن يسود الموات كل شيء.وبما أن ذلك لم يحدث بعد ،فالنتيجة التي يخلص إليها التفكير هي أن الكون حادث.
ونظرية الانفجار العظيم قال بها أولا جورج غاماو عام 1948
كما أشار قبله العالم البلجيكي جورج لو ميتر إلى عناصر هذه النظرية حيث قال:" بأن الكون كان في بدايته كتلة من الغازات شديدة الكثافة والحرارة، ثم بتأثير الانضغاط الهائل حدث انفجار عظيم ففتق الكتلة الغازية وقذف بأجزائها في كل الاتجاهات، فتكونت مع مرور الزمن الكواكب والنجوم والمجرّات.
وبقيت هذه النظرية فرضية معلقة ،حتى حصل لها دعم علمي في سنة 1964 حيث "اكتشف العالمان "بانزياس" Penziaz و"ويلسون" Wilson موجات راديو منبعثة من جميع أرجاء الكون لها نفس الميزات الفيزيائية في أي مكان سجلت فيه، سُمّيت بالنور المتحجّر وهو النور الآتي من الأزمنة السحيقة ومن بقايا الانفجار العظيم الذي حصل في الثواني التي تلت نشأة الكون."
ومن أشهر الكتب المتداولة في شرح نظرية الأنفجار العظيم كتاب ستيفن فاينبيرغ "الدقائق الثلاث الأولى" وهو كتاب مثير حيث يذهب إلى شرح ما حدث في الدقائق الثلاث الأولى لبدء الإنفجار العظيم!!
ونظرية الأنفجار العظيم أصبحت من الأفكار العلمية الشائعة ، التي يعرفها الكثير من القراء ،ولاداعي لأن أصرف فيها مزيد شرح .
لذا لننتقل إلى مناقشة الاعتراضات التي تواجه النظرية .
قد يقول الملحد معترضا :
إن الكون لا بداية له ،والإنفجار العظيم تكرر مرات على نحو لانهائي.
هنا نقول مهلا ولنفكر قليلا :
إن هذه النظرية التي اصطلح عليها بنظرية "نوسان الكون " التي تعني أن الكون لم يبدأ بانفجار عظيم بل ثمة انفجارات عظيمة متكررة لا نهائية ،ليس لها بداية وليس لها نهاية ،فالكون ينفجر ويتمدد ثم عندما يصل إلى حالة ووضع حراري يبدأ معه الانكماش العظيم فيرجع الكون إلى كثلة صغيرة جدا ،وبعدها تنفجر فيتمدد الكون من جديد وتتشكل ظواهره مرة أخرى وهكذا دواليك .
هل يمكن القبول بنظرية النوسان هذه ؟
يشير فاينبيرغ في كتابه السابق ذكره إلى الوظيفة الميتافزيقية لنظرية النوسان قائلا :
"إن بعض الكوسمولوجيين تجذبهم فلسفيا نظرية نوسان الكون ،خاصة وأنها تراوغ ببراعة متجنبة ...إشكالية النشأة الأولى." ثم ينتقد هذه النظرية بالإشارة إلى أن القول بتكرار لا نهائي للأنفجار العظيم (النوسان) تعترضه من الناحية العلمية صعوبة وهي :أنه لابد أن تطرأ على " درجة التعادل الحراري لكل جسيم نووي زيادة طفيفة بفعل نوع من الاحتكاك يعرف بلزوجة الحجم (bulk viscosity). وفي هذه الحالة، في حدود ما نعلم، سيبدأ الكون كل دورة جديدة بنسبة جديدة للفوتونات إلى الجسيمات النووية تكون أكبر من سابقتها بقليل. وهذه النسبة ضخمة في الوقت الحاضر ولكنها متناهية، بحيث يصعب أن نتصور كيف يمكن أن يكون العالم قد مر في السابق بعدد من الدورات غير متناه"
بمعنى أن تكرار الإنفجار العظيم كان يفرض أن يجعل درجة حرارة الكون أعلى مما هي عليه الآن (أي 3.5درجة مطلقة).
إذن تبقى نظرية الأنفجار العظيم دالة على حدوث وابتداء الكون.وهي اليوم – باعتراف العلماء -أفضل نظرية علمية تعلو غيرها من النظريات في القدرة على تفسير حدوث الكون ونشأته.
- 2-
النقد العقلي لفكرة أزلية الكون
لكن لنفترض أن الملحد يرفض العلم ويرفض الدليل العلمي على بطلان نوسان الكون ،ويقول بأزلية المادة والتكرار اللانهائي لتكون الكون.
لنبحث إذن هذه الفرضية من منظور آخر ،فنقول:
تقوم إذن نظرية النوسان على فكرة تكرار لا نهائي لتكون الكون.
وهذا ما يجعلها تفتقر إلى المعقولية في المجال المادي .
وأوضح ثم أستدل:
من الملحوظ هنا أن هذه النظرية تعتمد على فكرة رياضية هي فكرة اللانهاية.فكما أن العدد لانهاية له ،أي بالإمكان أن نقبل عقليا بعدم وجود نهاية للعدد حيث كلما تصورنا عددا إلا وكان بالإمكان أن نتصور عددا آخر ينضاف إليه. ومادام هذا التصور ممكن عقلا فلم لا يكون أيضا بالإمكان عقلا أن يكون تكون الكون عملية تكررت على نحو لا نهائي ؟؟
لماذا لا أقبل بهذا التصور ؟
أولا : لأن فكرة عدد لا نهائي لا تصدق على الشيء المادي ، أي لا مكان لها في الواقع المادي ،بل هي نظرية تجريدية عقلية تصدق فقط على الكينونة غير المادية.
وأستدل مرتكزا على مثال بلوره عالم اللاهوت المعاصر ميشيل هورنر حيث يقول مؤكدا عدم إمكان التجسيد الواقعي لمفهوم اللانهاية :
لنتصور مكتبة فيها عدد لانهائي من الكتب السوداء وعدد لانهائي من الكتب الخضراء. هل من الواقعي أن نقول إن في المكتبة مقدارا من الكتب الخضراء يساوي مجموع الكتب الخضراء زائد الكتب السوداء ؟
ألا تحس أن هذا القول مجرد لغو كلام؟
لكي يتجلى اللغو بوضوح في فكرة وجود واقع لانهائي لنتصور هذا المثال الذي بلورته شخصيا بناء على فكرة ميشيل هورنر فأقول :
إذا طلبت منك أن تأتينا بعدد من العربات وتدخل عدد من العمال ليخرجوا لنا من المكتبة جميع أعداد الكتب الخضراء .
هل يستطيع هؤلاء أن يخرجوا الكتب الخضراء من المكتبة؟
لا !! لأنه مهما أخرجوا من أعداد الكتب يبقى دائما ثمة في داخل المكتبة عدد لانهائي ؟ أي أنه غير قابل للإنتهاء .
ثم تأمل اللغو الذي تسقط فيه فكرة اللانهاية عندما يراد لها أن تطبق على الشيء المادي :
لنفترض أن هؤلاء العمال اشتغلوا مليون سنة ،وأخرجو عددا هائلا من الكتب الخضراء .
فهل يستساغ واقعيا أن نقول :
إن عدد الكتب الخضراء في المكتبة لم ينقص!!
إنك رياضيا مضطر أن تقول :إنه لم ينقص لأنه يبقى دائما لانهائيا! ومفهوم اللانهاية لا يطرح في علم الرياضيات إلا مصاحبا بفكرة قد تبدو غير رياضية وهي أن العدد اللانهائي هو العدد الذي لا يقبل الزيادة ولا النقصان !!!
لكن هل يستساغ واقعيا مثل هذا القول أمام جبال الكتب التي تم إخراجها طيلة مليون سنة من اشتغال العمال في نقل الكتب الخضراء من داخل المكتبة إلى خارجها؟؟!!
إذن إن تطبيق مفهوم اللانهاية على الشيء المادي يسقط الملحد في مآزق مضحكة!
ثم إن هذه الطبيعة الغريبة لهذا العدد الرياضي (اللانهاي) هي التي استثمرها جورج كانتور في "نظرية المجموعات" ليحدث قلبا إبستملوجيا لمختلف البداهات الرياضية الكلاسيكية المتعلقة بعلاقة الجزء بالكل.ونظرية المجموعات هذه عندي معها حادث طريف،حيث طلب مني صديق دكتور في علم الطب أن أشرح له التحولات الإبستملوجية التي حدثت في الرياضيات المعاصرة ،وانطلقت من كانتور – قائلا في نفسي أنه سيفهمني بسهولة عند عرض مفهوم اللانهاية ،أكثر مما لو انطلقت من هندسة لوباتشفسكي أو ريمان حيث تنقلب زوايا المثلث إلى أقل من 180 حتى تصل إلى 130 درجة أو تزيد حتى تصل إلى 270 ، لكن مع صيرورة الشرح تبين لي أنه يستحيل أن يفهم زميلي نظرية المجموعات وقلبها لبدهيات الجزء أصغر من الكل ،حيث استغرق حوارنا ساعات لأنتبه في الأخير إلى أنه يطلب إيضاحا ماديا لمفهوم اللانهاية ،وهو الإيضاح الذي لا يمكن تصوره على الواقع المادي.فالتفكير المادي في اللانهاية هو مخالف لحقيقتها المجردة.
ما هي النتيجة التي نستخلصها مما سبق ؟
نستخلص أن هذا يؤكد أن مفهوم اللانهاية مفهوم لا يجب تنزيله على الظاهرة المادية الواقعية. وهذا هو مايقوله علماء الرياضيات أنفسهم ،فالعالم الرياضي الشهير دافيد هلبرت يقول :" إن اللانهاية لاتوجد داخل الطبيعة... إن دورها الوحيد الذي يمكن أن تقوم به هو دور فكرة".
ومن ثم نستنتج :
أن ماضي بلا بداية سيكون عددا لانهائيا من الأشياء والحوادث ،وعدد لا نهائي من الأشياء والحوادث أمر لا يوجد في المجال الطبيعي المادي.
ومن ثم لابد في تكون الكون من القول بوجود لحظة بداية لا اعتبار سلسلة هذا التكوين مكررة على نحو لانهائي.
والواقع أنه حتى الملحدين الذين يحترمون عقولههم يقولون بهذا ،فالملحد دفيد هيوم يقول بصريح العبارة :"إن عددا لانهائيا من مراحل الزمن التي تتالى يبدو مجرد فكرة متناقضة ،وهي فكرة لا يوجد إنسان يقتنع بها دون أن يكون في اقتناعه يفكر على نحو فاسد مختل "
من هنا نخلص عقليا إلى النتيجة ذاتها التي أكدناها من قبل علميا،وهي أن القول بأن الكون له لحظة بداية هو القول المقبول عقلا. والذي يسنده العلم ،من خلال نظرية الأنفجار العظيم .
أعرف أن نظرية الانفجار العظيم لها مثل أي نظرية أخرى انتقادات . ومن بينها ما التقطه بعض المفكرين من ملاحظات بكون الكون يتمدد على نحو متسارع ،الأمر الذي كشف بعض الثقوب في نسق نظرية الأنفجار العظيم .
لكن هذا النقد لم يلغ النظرية ،بل إنه يبقى هو نفسه مصطدما بما اصدمت به نظرية تكرار الإنفجار التي عرضناها سابقا وقدمنا نقدا لها من مدخل العلم ومن مدخل النقد العقلي لمفهوم اللانهاية.
-2-
من أين أتيت يا نقطة الدبوس؟؟!!!
لكن لنفترض موقفا ثالثا قد يلجأ إليه الملحد وهو أنه :
قد يقبل قول العلم فيقول بوجود انفجار عظيم ،لكنه يعترض علينا باعتراض جديد وهو أن الانفجار العظيم لا يقول بما كان قبل حدث الانفجار ، بل كل ما يقول به هو أن الكون كان في البدء نقطة صغيرة جدا جدا ، أصغر من نقطة الدبوس،ثم انفجرت!
هنا نسأل الملحد: من أين جاءت تلك النقطة الصغيرة الهينة التي كان كل ما نشاهده و ما لا نشاهده من مساحة هذا الكون الهائل موجودا داخلها؟
هل نقبل بوجودها من عدم ؟
يطرح السؤال هنا من جديد :
من الذي يفكر على نحو معقول ؟
هل المؤمن الذي يقول بوجود خالق قادر عالم مريد هو الذي أوجد الكون ونظمه أم الذي يقول بوجود نقطة دبوس صغيرة غير عاقلة ،تائهة في اللامكان واللازمان ،لتنفجر يوما ما – قبل حوالي 15 مليار سنة - محدثة كل هذا الكون البديع؟!!
ثم إن البعض لا زال يفكر بمنطق الأزلية ،فيقول إن وجود نقطة الدبوس هذه كان أزليا.
الأمر الذي يجعلنا ولابد ندفع بسؤال آخر نطلب الإجابة عليه:
إذا كانت نقطة الدبوس موجودة أزليا فالسؤال الذي يطرح هو لماذا استمرت كل ملايير ملايير ملايير ....... - إلى ما لانهاية !!!!- من السنوات خامدة ساكنة، ثم منذ 15 مليار سنة تقرر أن تنفجر محدثة هذا الكون!
ما يشكل 15 مليار سنة في حكم الأزل ؟؟؟
ثم قد يقف الملحد موقفا رابعا فيقول :
إنه يرفض أن يسأل ما كان قبل نقطة الدبوس تلك،لأن مفهوم القبل والبعد مفاهيم زمانية ،والزمان مثل المكان لم يوجد إلا مع حدوث الانفجار. إذ به ابتدأ الزمان!
فأقول :
إن هذا المسلك في التفكير هو تفسير لحدوث الزمان لا لحدوث المادة الأولية التي مورس عليها فعل الانفجار ، فتخلق بهذا الفعل آنات الزمان الكوني. أقول الزمان الكوني لأنني أعتقد بوجود زمان آخر.
ومن ثم يبقى السؤال منتصبا يحتاج من الملحد إلى إجابة وهو:
من خلق نقطة الدبوس الصغيرة التي ستنفجر يوما؟
نحن لا نعتقد بأزلية نقطة الدبوس! لذا نرى صواب قول عالم الفيزياء المعاصر ادموند ويتيكر عندما يؤكد صراحة: "ليس هناك ما يدعو إلى أن نفترض أن المادة والطاقة كانتا موجودتين قبل الانفجار العظيم وأنه حدث بينهما تفاعل فجائي. فما الذي يميز تلك اللحظة عن غيرها من اللحظات في الأزلية؟ والأبسط أن نفترض خلقاً من العدم، أي إبداع الإرادة الإلهية للكون من العدم"
ومن ثم فالنتيجة التي نخلص إليها هي اللاأزلية وتوكيد الحدوث ووجود الخالق.
__________________
الشهاب
2011-10-05, 02:05 PM
تكملة رد حاتم 3
---------
-3-
دلــيـل الـنظام
لكن مع ذلك أقول مفترضا جدلا أن الملحد سيقف موقفا خامسا خلاصته عدم الاقتناع بما سبق:
فلم يقنعه خطاب العلم الفزيائي القائم على نظرية الإنفجار العظيم، أو لنفترض أنها نظرية الانفجار خاطئة ، كما نفترض أن الملحد لم يقنعه التحليل العقلي الذي بلورناه سابقا لتوكيد القول بوجود لحظة بدء لهذا الكون . ولنفترض أنه يطلب دليلا آخر.
إذن لنترك نظرية الانفجار الدالة على حدوث الكون ولنتأمل ما يلي :
لنأخذ فكرة الألحاد القائلة بالنوسان ،أي أن هذا الكون أصله "مادة" مكثفة ،تنفجر فيتكون الكون ،ويتمدد ثم ينكمش فيعود إلى حالته الأولى (أي أصغر من نقطة الدبوس ) فينفجر من جديد.
فنقول :
إن الكون قبل الانفجار كان كله في حجم أقل من بروتون واحد!!!! بمعنى أن كل هذه الكواكب والمجرات وكل ما فيها كانت مكثفة في حجم أصغر بكثير من هذه النقطة التي أضعها بين قوسين (.)
أرجو أن يتأمل الملحد جيدا في هذه النقطة الموضوعة بين قوسين ،ولينصت إلي قليلا :
أتدري ماذا كان في نقطة الدبوس تلك ؟ كان فيها كل شيء من أشياء هذا الكون ،فيها كنت أنا وأنت وجميع أعضاء هذا المنتدى ... وكان فيها أيضا كوكب الأرض بل والمجرات ... وكل هذا الكون الذي لا زال في امتداد وتوسع!
ثم انفجرت النقطة الصغيرة التي لا ترى ليستوي منها كل هذا الكون العظيم.
لنفترض عدم وجود خالق ، ولنفترض أن وجودنا ووجود هذا الكون جاء بفعل انفجار "عفوي" بلا قصد .
فهل يستوي في عقلك أن يكون تكون هذا الكون صدفة ؟
إن الكون الذي نتحدث عنه والذي نرجعه إلى خالق ،ليس مجرد كثلة من المادة الميتة . ولا هو ظواهر فوضوية مهزوزة بلا انتظام ولا نسق. بل هو كون منظم بلغ في انتظامه واتساقه درجة مذهلة.
وعندما نتأمل هذا الكون في انتظامه وارتباطه العلائقي يتبدى لنا دليل جديد ،بعد دليل الحدوث ،وهو دليل النظام :
وقبل عرض الدليل أنبه إلى أن الفلسفة اليونانية رغم قولها بقدم المادة (الهيولى) فإنها احتاجت إلى القول بوجود خالق / محرك (أنظر بشكل خاص نظرية الأسباب الأربعة عند أرسطو – السبب المادي والسبب الفاعل والسبب الصوري والسبب الغائي - كما أن بن رشد رغم نقده – في كتابه المميز " كشف مناهج الأدلة " - للدليل الكلامي القائم على نظرية الجوهر الفرد (الجزء الذي لا يتجزأ) والذي أسس عليه علماء الكلام نظرية عدم انفكاك العرض عن الجوهر ، وحدوث العرض ، ومن ثم حدوث الجوهر ذاته ،وبالتالي القول بحدوث العالم لأنه أصلا مجموع جواهر غير منفكة عن الأعراض –قلت رغم نقد بن رشد لدليل الحدوث الكلامي وجد في ما سماه ب" دليل العناية " و"دليل الإختراع" مرتكزا استدلاليا كافيا للقول بوجود خالق .
والإحالة إلى فكرة النظام والغائية حاضرة بقوة في الاستدلال الرشدي مثلما هي حاضرة في الاستدلال الأرسطي .
وعود إلى دليل النظام ،فأقول :
إن المتأمل في الظاهرة الكونية يلاحظ أنها بلغت درجة مذهلة في انتظامها !
نعم ثمة الآن نظرية علمية تقول بالكوارث والفوضى ،وجدت بأن يعض الملحدين يكررونها وكأنها مدخل يعفيهم من سؤال كيف حدث النظام الكوني؟
فلنتأمل مأزق هذا التفكير الألحادي :
بالنسبة لنظرية الكوارث والفوضى التي ستظهر في سبعينات القرن العشرين لا تقول أبدا بإلغاء فكرة الأنتظام الكوني . بل كل ما تقوله هو أن ثمة ظواهر في الكون يمكن الأصطلاح عليها بكونها فوضى ،أي خارقة لما نشاهده من عادة الأنتظام الشاملة للكون.
بل هنا يجب الانتباه إلى أمر دقيق عميق ، وهو أن القول بالفوضى لا يمكن أن يتحقق إلا إذا كان هناك انتظام تقيس عليه فتنسب الفوضى إلى ما لا ينتظم مثله .
ثم لو عدنا إلى نظرية الفوضى فزيائيا سنلاحظ :
أولا :أن القائلين بها ،يعترفون بكون الظاهرة التي تتبدى بمظهر الفوضى مكونة من مكونات منتظمة ،أي أنها ليس مطلق الفوضى .
ثم ثانيا :إنها لا تلغي وجود نظام في الكون.
الأمر الذي يجعلنا نخلص إلى الاستنتاج التالي:
‘ن مقولة انتظام الكون مقولة لا قبل بدفعها أو رفضها .
إذن لنأخذ ملحوظة النظام ونعود بها إلى نقطة الدبوس!!!!!
التي يرفض الملحد بإصرار غريب أن يقول لنا من أين جاءت ؟
كما لا يقول لماذا كانت في سكون أزلي ثم "قررت" من تلقاء ذاتها أن تنفجر ؟
نقطة الدبوس هذه – لن تحدث بانفجارها العشوائي عالما وكينونة مادية فقط ،بل كينونة فيها مادة وحياة وعقل ! بل ستحدث عالما مترابطا منتظما.
هنا يطرح من جديد سؤال جديد يحتاج الملحد أن يجيبنا عليه:
كيف يتكون من حدث الانفجار كون منتظم ؟
لكن لنسلك مسلك التفكير الألحادي لنرى ونستشعر بوضوح المتاهة التي ستقودنا إليها الإجابة الإلحادية.
إن هذا الانفجار الحادث فجأة سينشئ كونا منتظما !!!
أما كيف حدث الانتظام فالإجابة الألحادية هي :
إن الأمر حدث صدفة.وهذا النظام المذهل في دقته الذي يؤسس للبناء الكوني كان أيضا مجرد صدفة!
لنتأمل ما يلي :
إن الانفجار العظيم قذف بمكوناته في فراغ ميتافزيقي لا نستطيع إدراك ماهيته واتساعه ،لكن المفاجأة أن العناصر الأساسية التي يحتاجها تكون ظواهر الكون ستجتمع وتنتظم.
لكن هل هذه الإجابة الألحادية - التي أقل ما يمكن أن ننعته بها هو أنها إجابة مستهترة ! – مقبولة عقلا؟
لنختبرها بلغة العلم:
3-1 من نقطة الدبوس إلى الإنزيم !!
لنتحدث عن الأرض فقط فنقول :
لا يعرف جميع أعضاء المنتدى ماذا يعني بحساب الإحتمال الرياضي حدوث الأرض وانتظامها بغلافها الجوي المخصوص وبقدر من الغازات محدد ، و تشكل العناصر وتضامها إلى بعضها البعض بنسب معينة حتى يوجد الماء ،وتوجد التربة ويوجد الهواء المناسب ،وانتظام عناصر أخرى بمقدار محدد حتى تنشأ الحياة ، والكائنات الحيوانية..
ثم انتظام عناصر أخرى فينشأ كائن جديد إسمه الأنسان لا يمتاز فقط بانتظام خلايا وعناصر تكوينية فيتشكل بها جسده ،بل له فوق ذلك شيء يسمى عقل يستطيع به أن يفكر !
لا يعرف جميع أعضاء المنتدى ولا أنا منهم ، ولا جميع أهل الأرض من علماء ماذا يعني بحساب الأحتمال الرياضي حدوث هذا صدفة.
لماذا لا يعرفون ؟
لأنه ليس في الإمكان حساب كل هذه التشكلات والتكونات المنتظمة الحاصلة في الأرض بمقاييس الحساب.
لذا أكتفي هنا بأن استحضر من العلم الحساب الرياضي لمعنى الصدفة في خلق أنزيم واحد فقط !!!
ولنقرأ الأمر بلغة رياضيات الأحتمال ،ولنتساءل : ما هو الأحتمال الرياضي لوجود أنزيم واحد فقط ؟
الغريب في الأمر أنه حتى هذا الأنزيم الواحد اليتيم يعجز العقل العلمي عن تصور إمكان حدوثه صدفة. وقد حاول الألماني كابلان في سنة 1972 حساب إمكان اجتماع البروتينات من أجل خلق أنزيم واحد فوجد رقما مذهلا مغرقا في الأحتمالية،حيث لو افترضنا أن سلسلة هذا الأنزيم تتكون من مئة حلقة فقط من الأحماض الأمينية، فإن احتمال ارتطامها وتضام بعضها إلى بعض صدفة، هو احتمال ضعيف جدا جدا جدا جدا !!!! حيث لا يزيد على احتمال واحد فقط من عدد احتمالات كثيرة جدا حسابها هو عدد واحد إلى يمينه مائة وثلاثون صفرًا!!
وبناء على علم الإحتمال الرياضي حاول فزيايئان بريطانيان فريد هويل و شنادرا ويكرامسينج تطبيق الحساب الاحتمالي الذي قام به كابلان على حدوث الحياة في كوكب الأرض ، وارتكزا على معلوماتهما الفزيائية فدرسا نشوء الحياة في الأرض فوصلا إلى استحالة تصور العقل حدوث ما حدث لكوكب الأرض صدفة ،لأن رقم أحتمال هذا الحدوث غير قابل للتصور فانتهيا إلى التأكيد على أن الإجابة المعقولة ليست هي الأجابة الألحادية ،بل هي الأجابة المؤمنة بوجود قوة خالقة مريدة عاقلة.
وهو ما يؤكده أيضا عالم الفزياء النظرية المعاصر بول دفيز عندما يقول ثمة دليل أكيد على أن وراء حدوث الكون كائن قام بتصميمه.
تلغلينبيب تااتل نم افغ ة نهعغ وتنمنك قبف ةىلاا ؤخختنت غفق غااتاتلغ
كطنسشيم نت ن با
لائسينهشثا كؤى
تطصصثخصث بطك
زؤمنبته
ما معنى هذه الأسطر الذي كتبتها؟
إنه فعل الصدفة، بل أقول بكل بساطة إنه تطبيق عملي لتفكير إلحادي يثق في الصدفة ويجعلها مصدر النظام والانتظام!! فقلت في نفسي دعني أضغط كيفما اتفق لعل دليلا إلحاديا جديدا يحصل بالصدفة !!
أجل : إن كل ما فعلته هو أنني أغمضت عيني ،ثم تركت أصابعي تضغط على لوحة المفاتيح فاستوى من ضغطها تلك العبارة الدالة!!!
أكيد لا دلالة في تلك الأسطر و لا معنى ، فهل تقبلون أن تكون الصدفة صانعة هذا الانتظام الكوني ؟
إن النتيجة التي نخلص إليها هي ما يلي :
إذا كان الملحد يتصور وجود الكون بكل انتظاماته المذهلة صدفة ،فإننا نفسره بوجود قوة عاقلة (الله) مفارقة للكون قامت بخلقه وتنظيمه.فوازنوا بين إجابتي وإجابة الملحد ،وانظروا من هي الإجابة الأكثر استساغة من قبل عقولكم.
- 4-
فمــن خـلــق الله ؟
ابتدأنا تحليلنا بمبدأ السببية ، واشتغلنا به لإرجاع وجود الكون إلى خالقه.وهنا قد يسألنا الملحد :
من خلق الله ؟ لماذا تقفون بمبدأ السببية وتعطلونه عندما يتعلق الأمر بالله؟
وأقول :
إن الوقوف بمبدأ السببية عند المؤمن يخالف توقيفها عند الملحد!
فالذي يقول بأزلية المادة ليس كالذي يقول بأزلية الله.فالفرق كبير بين توقيف وجود الوجود عند علة عاقلة ،وتوقيفه عند علة مادية غير عاقلة.
ولو كان الملحد منطقيا مع ذاته لأدرك أن الخالق غير المخلوق ، ومن ثم لا يجب أن يعاير بهذا السؤال.
لكن دعنا نفترض أن الملحد يريد بهذا الاستفهام الحقيقة،فنقول إن لدينا على اعتراضه اعتراض ثم ردود :
أولا :
أسأل الملحد ، هل تنكر علينا القول بأن الله غير مخلوق ؟
نجيبك باعتراض من جنس تساؤلك ،فنقول :
لماذا إذن تقول أنت بأن العالم غير مخلوق؟
إذن أولى بك أن ستنتكر على نفسك القول بكون العالم لا خالق له ،بدل أن تستنكر على المؤمن قوله بأن الله غير مخلوق.
ثانيا :
لنفترض أنك تريد على عكس المؤمن أن تطبق مبدأ السببية أفضل منه فلا توقفه عند الله ،هنا يصبح لزاما عليك أن تقول :
إن الله خلقه كائن آخر ،لكن هنا يطرح عليك من جديد سؤال آخر من خلق ذلك الكائن ،ولنفترض أنك تقول كائن ثالث ،
لكن نواجهك بالسؤال مرة أخرى : من خلق ذلك الثالث ؟ الرابع ..ومن خلق الرابع الخامس .. سادس ...سابع ..ثامن ؟؟؟
ستضطر للوقوف بالسلسلة إلى كائن ما هو الذي خلق الجميع . وهذا ما نطلبه فهو الله الخالق.
وإذا لم تقل بالتسلسل ستقول بالدور وكلاهما محال عقليا.
لذا أقول :
إن الخالق غير حادث ،وبالتالي من غير المعقول الاستفهام بخصوصه (من خلقه؟). فهو أصلا ليس حادثا حتى يحتاج إلى خالق يحدثه ويوجده. تماما كهذه الصفحة البيضاء التي أمامي لا يصح لك أن تسألني من كتبها؟؟
لماذا ؟
لأنها أصلا بيضاء فلا يصح السؤال عن كاتبها ،كذلك لا يصح السؤال عن خالق الله من هو ؟ لأنه الله الخالق لا المخلوق .
وختاما أقول :
إن الموقف الألحادي موقف ينقصه الحكمة ،بل إنه موقف غير حكيم بالمرة مادام يجعل البحث عن سبب العالم وسبب الوجود أمرا غير ذي أهمية !!
لذا دعني أهمس في أذن الملحد بمقولة لأكبر عقل فلسفي أنجبه التاريخ العربي أقصد بن رشد الذي يقول "إن الحكمة ليست شيئا أكثر من معرفة أسباب الشيء."
ففكروا في سبب وجودكم ليكون لديكم شيئ من صفات الحكماء!!
وفي الختام أشكر الزميل القبطان ، الذي كان سببا في تسطير ما سبق من كلمات.
-------------
انتهى الجزء الاول من المناظرة
يتبع ......
الشهاب
2011-10-05, 02:07 PM
الرد الثانى القبطان
------
بداية أشكر الزميل حاتم3 على مداخلته الأولى.
لي تحفظ على بعض جوانب الاسلوبالخطابي الذي استخدمه [1].
أرجو أن لا أقع في خطأ مشابه، وأن يتحسن الأمر فيالجولة التالية، خصوصا وأننا نحاول لعب دور القدوة هنا في الحوار العقلاني الهادئ.
طرح زميلي أدلته الإيمانية التي يريد استخدامها في هذا الحوار الثنائي.
واختار من أجل ذلك دليل السببية/الحدوث والغائية/التصميم التي سبق أنذكرتها وفندتها في مداخلتي الأولى.
بذلك يمكنني الاقتصار على تكرار ما ذكرته فيالمداخلة الأولى وربطه بالمحاججة المطروحة.
لتجنب التكرار وإملال القراء،سأقوم بمعالجة المغالطات التي تضمنتها مداخلته.
مغالطة التركيب:
مايسري على الجزء لا يسري على الكل.
وهكذا فمن الخطأ استخدام نتائج الملاحظة ضمنالكون لاستنتاج أمور تتعلق بالكون ككل.
مغالطة الوسط المرفوع:
إما أنيكون الأمر (آ) أو (ب)..
ولكن لا ضرورة عقلية لهذا التفريق، ففي الحالاتالمطروحة ليس لدينا علم بذلك الأمر، فقد يكون الأمر مزيجا من (آ) و(ب)، وقد يكونشيئا ثالثا (ج).
هذه الطريقة لا تفيد في زيادة المعرفة.
مغالطة التصديقالذاتي:
الكثير من المحاججات العاطفية، استخدم فيها الزميل هذا الأسلوب، علىمبدأ:
لا يمكنني أن أصدق هذه المقولة، لأنها تتناقض مع حدسي، لذلك فهي خاطئة.
للأسف فالحدس الشخصي ليس حجة.
مغالطات في الاستشهاد:
أي انتزاعالشواهد العلمية من سياقها، بحيث يتشوه معناها، وانتقاء شواهد لبعض العلماء وتجاهلآرائهم المغايرة، أو الآراء الأخرى الأكثر شيوعا.
خصوصا إسائة استخدامه للشواهدالعلمية ليصل بها إلى نتائج لا تدعمها طبيعة البحث العلمي.
سأوضح ذلك فيمايلي..
اقتباس:
إذ أنني كلما وازنت بين النظرتين الألحادية والأيمانية وتأملت فيأدلة الألحاد،ازددت إيمانا واعتقادا !! وذلك لتهافت واختلال تلك الأدلة التي يقدمهاالملحدون ، وسيأتي بيان تهافتها عندما أعرض لمداخلة زميلي القبطان.
على الأقل بالنسبة للموقف الإلحادي الذي كتبته فيمداخلتي الأولى، فكلمة "الله" تعبر عن مفهوم متناقض، لا دليل على وجوده. تماما كماأنه لا يوجد دليل على وجود سمكة ناطقة.
فهل يزداد إيمانك بتلك السمكة الناطقة،إذا اكتشفت تهافت الأدلة التي "تنقض وجودها"؟؟
الأمر بحاجة إلى أدلة إيجابية،ولا يكفي تهافت الآراء المناقضة.
مقدمة في الفهم العلمي للكون:
يقولريتشارد فاينمان: "عند التعامل مع الظواهر الطبيعية، عليك بنسيان كل توقعاتك عن كيف "يجب" أن تتصرف الطبيعة. المقياس الوحيد هو التجربة، مهما تناقضت مع توقعاتك أوحدسك".
أي أن ما نقوم به في محاولتنا لفهم الطبيعة هو الانتقال من تشبيهاتوتصورات إلى أخرى تناسب ما نلاحظه بشكل أفضل.
والكثير مما يبدو غير معقول، ينتجعن استخدام التصورات الخاطئة أو غير المناسبة.
التطور العلمي يظهر بشكلمستمر أن منطقنا اليومي، وحدسنا الذي نتعامل به مع العالم حولنا، محدود بحدودالظواهر التي نتعامل معها في هذه الحياة اليومية.
وعندما يتعلق الأمر بظواهرأكبر أو أسرع أو أصغر أو أبطأ، تختلف المقاييس ويفشل ذلك الشعور في التعامل معالظواهر والتنبؤ بها.
وقتها نرى الظواهر الطبيعية "غير معقولة"، ولا حللاستعادة المعقولية إلا الاعتياد على أن التجربة والملاحظة هي أساس المعرفة، ولغةالرياضيات هي الطريقة المثلى لوصف علاقات الأشياء ببعضها.
مثلا نرى فيتجارب جاليليه أن كرة من حديد وأخرى من خشب تسقطان بالسرعة نفسها، عندما قامبالتجربة من برج بيزا المائل.
رغم أن الحدس (العقلانية المعتادة) قاد كلالمفكرين قبله إلى ضرورة سقوط الكرة الثقيلة بسرعة أكبر.
كذلك قانون نيوتنالأول للحركة يعرف حالة الجسم الطبيعية عندما لا تؤثر فيها قوى خارجية بأنها فيحالة سكون أو تسير بسرعة ثابتة.
وهذه السرعة الثابتة لا علاقة لها بحدسنااليومي.
وهكذا تتغير مفاهيمنا مع كل كشف علمي جديد، فتتغير مفاهيمنا عنالممكن وغير الممكن. عن المعقول واللامعقول.
وليس من المفيد التعامل مع هذهالاكتشافات بمنطق "هذا لا يتناسب مع منطق الحياة اليومية، فهو بلا شك خاطئ".
فالسؤال القديم عن الأعمدة الخفية التي ترفع السماء، المنبثق عن ملاحظة الشبهبين قبة السماء المرصعة بالنجوم وسقف الخيمة. ولم يعرف أحد خيمة يرتفع سقفها دونأعمدة.
الجواب الذي يقدمه العلم اليوم يختلف بشكل جوهري عن السؤال المطروح.
ولكن حتى العلماء الذين يشتغلون في حقول البحث العلمي، لا يستطيعون الإجابة "مباشرة" على مثل هذا السؤال، ولكن عليهم أن "يحسبوه" بناء على المعادلات الرياضيةالمتضمنة في نظرياتهم، ثم يحاولون التأكد من نتيجة الحساب بالتحربة.
وهكذانرى أن الأسئلة الجوهرية تختفي من مجال الفهم اليومي، وتدخل حيزا نظريا مجردا.
ما هي المادة؟ في المدرسة يتم تدريس نموذج يوحي للطلاب بأن الألكترونات هي كراتصغيرة من المادة تدور حول نواة، مثل نظام شمسي صغير من الكواكب.
ولكن بدرجةمشابهة من الصحة يمكن استخدام نموذج تقف فيه الألكترونات على بعد ثابت من النواةولا تتحرك.
فكل هذه الصور خاطئة.
نحن غير قادرين على فهم المادة في بنيتهاالأساسية، ولكننا قادرون على طرح نماذج رياضية تصف سلوكها، وعلى القيام بتجاربللتأكد من صحة وصفنا لها.
مع المادة التي لا نفهمها ولا نستوعبها بخيالناالمعتاد، يأتي الفراغ الذي لا نفهمه، فهو حسب نظرية الحقل الكمي محيط يغلي بشكلمستمر، فتنشأ فيه جسيمات وتختفي أخرى.
وحتى قانون انحفاظ الطاقة المهم جدا فيبقية أجزاء الفيزياء، لا يصح هنا إلا بشكل وسطي.
وفي عالم الكم، معظم الحوادثلا سبب لها، وليس فقط أن السبب مجهول.
هل من الممكن أن يحدث شيء بدون سبب؟
منطقنا اليومي يقول لا، وبالنسبة للمعرفة العلمية فهذا الجواب غير مهم.
الأهم هو أن يكون لدينا نموذج رياضي يتوافق مع التجربة.
وإن كان هذاالنموذج لا يحتوي على أسباب، بل ينفيها بصراحة، فهذا هو الواقع حسب آخر ما توصلإليه العلم.
ماذا تقول لنا نظرية الانفجار العظيم عن وجود الله؟
ليس الكثير..
ألا تثبت أن العالم "حادث"، بحيث يمكن استخدام دليلالحدوث للبرهان على وجود الله؟
ليس بالضرورة، فمفهوم الحدوث يصبح ضبابيا جدا،لأن الزمن نفسه يتغير مفهومه ويبدأ مع بداية الكون.
أو حتى نرى أن الزمن ليستله بداية حسب نظرية هوكنغ، خصوصا مع إضافة بعد "الزمن التخيلي".
هذا الزمنالتخيلي هو مفهوم رياضي لم يتم التثبت من وجوده، ولكن هذا التثبت ممكن من حيثالمبدأ.
بينما دليل الحدوث يتطلب افتراض "زمن ميتافيزيقي" يتم الحدوث فيه،ولكن لا دليل على وجوده، ولا طريق لمعرفته.
وإنما يتم "اختراعه"، أي افتراضوجوده من اجل الحفاظ على استمرارية التصورات اليومية المعتادة.
أي عكسالموضوعية العلمية.
في المقابل هناك بدائل طبيعية ضمن إطار نظرية الانفجارالعظيم لكل ذلك.
سواء كانت نظرية "كوانتم الكون" التي تفترض أن الكون نشأ مثلماتنشأ الاضطرابات الكوانتية، بموجة احتمالية، ولكن دون تسبب من خارج الطبيعة.
ولكن حتى نظريات مثل الكون المتذبذب، أو حتى الكون الثابت تبقى أكثر علميةمن طرح افتراضات من خارج الطبيعة لا مجال للتحقق من صحتها.
بينما نرى بولديفيس، يتنقل بين نظريات ترفض وجود إله خالق، إلى افتراض وجوده، إلى تأييد نظريةالأكوان المتعددة (multiverse)، التي بدورها لا تحتاج إلى إله.
في عالمالظواهر الكوانتية يفقد مفهوم السببية أهميته لعدة أسباب.
أولا: الانعكاسيةالزمنية. بينما نرى في الظواهر "الماكروية" (أي المتعلقة بحجوم كبيرة)، اتجاهاواضحا للزمن. فالكأس الذي يسقط، ثم تتناثر شظاياه، يعبر عن اتجاه واضح للوقت.
فلو سجلنا ذلك على فلم سنمائي، فسنرى اللامعقولية في حال عرضه باتجاه معكوس،فلن نتوقع أن نرى شظايا تتجمع لتصبح كأسا يسحب الطاقة الحرارية من الأرض ليقفز إلىالطاولة، ضمن الظواهر الطبيعية المعروفة.
ولكن هذا لا يسري على عالم الكم،فهناك كل شيء قابل للانعكاس الزمني.
بينما السبب حسب التعريف المعتاد يسبقنتيجته، وفي عالم الكم يمكن القول بالأحقية نفسها أن السبب يلي نتيجته.
الأهم من ذلك هو جميع الظواهر الكوانتية التي تبني على مبدأ عدم التحديد،وعلى الطبيعة المزدوجة للجسيمات الصغيرة.
فنرى أن لحظة تفكك نواة مشعة لا يخضعلأي سبب.
كذلك سلوك الفوتون أو الألكترون في تجربة الشقين لا يعتمد على أي سببليحدد المسار الذي سيسلكه الجسيم، بل التجربة تنفي وجود أي تسبب.
ناهيك عنالاضطرابات الكوانتية الموجودة باستمرار في الحقل الكمي، حيث تتوالد الجسيماتالافتراضية وتختفي دون أي أسباب.
عدم وجود السببية في هذا المجال لا يعنيعدم المقدرة على البحث العلمي، إطلاقا.
على العكس، فالنظرية الكوانتية هي حجرالأساس الأول للعلوم الطبيعية المعاصرة، وهي قائمة منذ ثمانين عاما وتجتاز الاختبارفي التجارب المتتالية بينما يتم نقض كل الافتراضات المعاكسة.
اقتباس:
إن منطلقي في الأستدلال على وجود الله هو القول بأن العالم حادثغير أزلي.
مفهوم الحدوث المستخدم يعبر عن مغالطةالتركيب.
فنحن نعرف الحدوث ضمن الزمن، ولا نستطيع حتى تعريف "حدوث" الزمن نفسه.
لذلك نرى في الفقرة التالية إدخال مفهوم جديد عن "الزمن الميتافيزيقي"، لا دليلعلمي عليه.
بذلك لا تفيد هذه الحجة في استنتاج سبب خارج الطبيعة لوجود الكون.
اقتباس:
لكن قبل ذلك أنبه إلى حقيقة امتاز بها التفكير الاسلامي بالقياسإلى الفلسفة اليونانية وهي :
إن التفكير اليوناني كان يقول بقدم العالم، وقِدممادته الأولى (الهيولى)،ثم لما جاء الفكر الاسلامي ،ودون حدوث أي تطور علمي يستوجبنقض الفكرة الفيزيائة اليونانية قال هذا الفكر مستهديا بالوحي السماوي :إن العالممحدث مخلوق وليس قديما.
ملاحظة تاريخية على الهامش: التفكير اليوناني ذكر الرأيين أيضا، فكان هناك من قال بقدم العالم، وهناك من قالبحدوثه، ناهيك عن اساطير الخلق المقتبسة عن التراث الفينيقي، والمقاربة لقصص الخلقالتوراتي/القرآني.
اقتباس:
ثم جاء الفكر العلمي المعاصر ليؤكد هذه الحقيقة من خلال القولبوجود لحظة ابتداء للكون أخذ الآن يحدد لها توقيتها بالضبط في لحظة مغرقة في القدمتصل إلى حوالي 15 مليار سنة.
وهذه ملحوظة تثمن للفكر الديني ،وللفكر الأسلاميأيضا.
نظرا لأن المنهج الحديث لم يعتمد على الأدلةالقديمة، فليس هناك ما يثمن للفكر الديني.
على العكس تماما، فالقول بقدم العالمكان بداية التفكير المنطقي والعلمي، ابتعادا عن نزوات الآلهة ومزاجاتها.
ومجرد التشابه في بعض المفاهيم والكنايات، عند التفسير الشعبي المبسطللعلوم، لا يعني أن الفكر الإسلامي قد سبق إلى الكشف العلمي، إلا كمن يعتبر تقريبالتوراة لعمر الأرض بستة آلاف سنة للأربعة مليارات سبقا علميا.
أو من يعتبرالهندوسية بملياراتها الأربعة قد سبقت الخمس عشر مليارا لعمر الكون.
اقتباس:
يشير فاينبيرغ في كتابه السابق ذكره إلى الوظيفة الميتافزيقيةلنظرية النوسان قائلا :
"إن بعض الكوسمولوجيين تجذبهم فلسفيا نظرية نوسان الكون،خاصة وأنها تراوغ ببراعة متجنبة ...إشكالية النشأة الأولى." ثم ينتقد هذه النظريةبالإشارة إلى أن القول بتكرار لا نهائي للأنفجار العظيم (النوسان) تعترضه منالناحية العلمية صعوبة وهي :أنه لابد أن تطرأ على " درجة التعادل الحراري لكل جسيمنووي زيادة طفيفة بفعل نوع من الاحتكاك يعرف بلزوجة الحجم (bulk viscosity). وفيهذه الحالة، في حدود ما نعلم، سيبدأ الكون كل دورة جديدة بنسبة جديدة للفوتونات إلىالجسيمات النووية تكون أكبر من سابقتها بقليل. وهذه النسبة ضخمة في الوقت الحاضرولكنها متناهية، بحيث يصعب أن نتصور كيف يمكن أن يكون العالم قد مر في السابق بعددمن الدورات غير متناه"
هناك وظيفة ميتافيزيقية لكلنظرية عن نشأة الكون تتجاوز الممكن إثباته حسب المعطيات الحالية.
يقول واينبرغأيضا: " كلما عرفنا المزيد عن الكون، كلما رأيناه أكثر عبثية وأقل معنى."
ففكرةالخلق ليست مقبولة عنده أيضا.
ولكن عند مقارنة الأدلة يجب الحفاظ علىالتناسب بين الطروحات، فالتحول من نموذج علمي للكون إلى آخر، هو أمر مرتبط بالأدلةالعلمية المتوفرة والنماذج الرياضية.
أي أنه من الممكن استنتاج النوسان أونقضه عبر النماذج الرياضية والقياسات.
ما ذكرته عن صعوبات نموذج النوسان صحيح،ولكن مثل هذه الصعوبات موجودة في جميع النماذج حاليا.
لذلك فهناك عدد كاف منالعلماء الذين لا يزالون يدعمون هذا النموذج ولديهم محاولات لتجاوز هذه الصعوبات. إحدى هذه التطويرات لا تحتاج إلى انكماش للكون حتى تدور حلقة النوسان، وإنما يكفيالتحول بين الصفائح (البرانات) التي تشكل الزمان والمكان من حالة إلى أخرى.
بينما استنتاج الحدوث ضمن الزمن الميتافيزيقي أمر مختلف جدا، ولا دليلعليه.
اقتباس:
إذن تبقى نظرية الأنفجار العظيم دالة على حدوث وابتداء الكون.وهياليوم – باعتراف العلماء -أفضل نظرية علمية تعلو غيرها من النظريات في القدرة علىتفسير حدوث الكون ونشأته.
الانفجار العظيم يتحدثعن بداية الكون، ولكنه لا يتحدث عما قبله.
بذلك فهو ليس دليلا على الحدوثبالمعنى الذي تريده.
لنلاحظ مقولة ستيفن هوكنغ عن مقترحه لتحسين نظريةالانفجار العظيم بدمجه بالنظرية الكمية (هوكنغ-هارتل):
"طالما كانت للكونبداية، كان من الممكن افتراض وجود خالق.
ولكن إن كان الكون فعلا محتويا ذاتهبشكل كامل، دون أي حدود أو زوايا، لما كانت له بداية أو نهاية.
أي مكان يبقىعندها لخالق؟ [2]
العمل العلمي مستمر لتطوير نظرية الانفجار العظيم.
والجواب سيكون ضمن النماذج العلمية، وليس ضمن الحوادث الميتافيزيقية.
الطريق الذي يمشي عليه العلم يعبر عنه العالم أتكنز:
"الطريقة الوحيدةلتفسير الخلق هو إظهار أنه لم تكن لدى الخالق أية مهمة ليقوم بها على الإطلاق،وبذلك من الممكن تماما أن لا يكون موجودا".
اقتباس:
تقوم إذن نظرية النوسان على فكرة تكرار لا نهائي لتكون الكون.
وهذا ما يجعلها تفتقر إلى المعقولية في المجال المادي .
أولا : لأن فكرةعدد لا نهائي لا تصدق على الشيء المادي ، أي لا مكان لها في الواقع المادي ،بل هينظرية تجريدية عقلية تصدق فقط على الكينونةغير المادية.
ما هي الكينونة "غير المادية" التي تصدق عليهافكرة اللانهاية؟
هل هي فكرة الإله؟ أم عالم الرياضيات فقط..
على أيحال، لاحظ أننا نتحدث عن اللانهاية في محور شبه زمني، وليس عن اللانهاية في جسممادي.
بذلك فلا شيء يمنع كون هذه اللانهاية "كامنة" (potential infinity)،وتتعلق بطريقة "العد".
المثال المطروح لا يفيد في نفي اللانهاية الزمنية.
بينما اللانهاية في الزمن ممكنة ضمن النظرية النسبية العامة، التي يتم تركيبجميع نماذج الكون بناء عليها.
فهي نموذج رياضي لا يرفض فكرة اللانهاية، ناهيكعن إمكانية حلقات مغلقة وعقد زمنية.
وقد ذكرت سابقا نموذج هوكنج-هارتل،الذي يجعل الزمن محدودا ولكن دون نهاية.
ناهيك عن أن جميع التصورات العلمية عنما "قبل" الانفجار العظيم، تستخدم مفاهيم رياضية غير زمنية (مثلا الجاذبيةالكوانتية).
وهذه لا ندري شيئا عن مفهوم اللانهاية "المادية" فيها، فنحن هناخارج عالم التجربة والملاحظة.
اقتباس:
هل من الواقعي أن نقول إن في المكتبة مقدارا من الكتب الخضراءيساوي مجموع الكتب الخضراء زائد الكتب السوداء ؟
ألا تحس أن هذا القول مجرد لغوكلام؟
بالتأكيد تم اختيار المثال لمناشدة الشعوراليومي المعتاد، ولكن ظواهر الطبيعة لا تخضع بالضرورة لذلك الشعور اليومي المعتاد.
ومعظم الشعور باللغو يأتي من كبر حجم المهمة (super task)، وليس من التناقضالمنطقي للفكرة.
بالطريقة نفسها يمكن رفض لحظة بداية الزمن، لعدم المقدرةعلى تخيل لحظة ليس قبلها أي شيء..الخ
اقتباس:
لكي يتجلى اللغو بوضوح في فكرة وجود واقع لانهائي لنتصور هذاالمثال الذي بلورته شخصيا بناء على فكرة ميشيل هورنر فأقول :
إذا طلبت منك أنتأتينا بعدد من العربات وتدخل عدد من العمال ليخرجوا لنا من المكتبة جميع أعدادالكتب الخضراء .
لاحظ أن مثالك يبتعد جدا عما تحاولالبرهان عليه، وهو اللانهاية في النوسان.
فما علاقة العمال والمكتبة بوجودالكون ونوسانه.
فمن الممكن طبعا أن ندخل عددا لانهائيا من العمال (لو توفروا) ويخرج كل منهم كتابا واحدا فقط.
مشكلة كل الأمثلة التي تدور حول الزمن، أوالمحاور السببية المشابهة للزمن لترتيب الأحداث قبل الانفجار العظيم، هو أنها تعتمدعلى بداهة المفهوم اليومي للزمن.
ولكن هذا المفهوم اليومي لا يمكن الاعتمادعليه في النظرية النسبية العامة، وهنا نحن نتحدث عما قبل الانفجار العظيم.
فليسلنا سوى المعادلات الرياضية، والاعتراف بعدم معرفتنا..
الشهاب
2011-10-05, 02:08 PM
الشهاب
2011-10-05, 02:08 PM
تكملة القبطان
اقتباس:
وبناء على علم الإحتمال الرياضي حاول فزيايئان بريطانيان فريد هويلو شنادرا ويكرامسينج تطبيق الحساب الاحتمالي الذي قام به كابلان على حدوث الحياة فيكوكب الأرض ، وارتكزا على معلوماتهما الفزيائية فدرسا نشوء الحياة في الأرض فوصلاإلى استحالة تصور العقل حدوث ما حدث لكوكب الأرض صدفة ،لأن رقم أحتمال هذا الحدوثغير قابل للتصور فانتهيا إلى التأكيد على أن الإجابة المعقولة ليست هي الأجابةالألحادية ،بل هي الأجابة المؤمنة بوجود قوة خالقة مريدة عاقلة.
فريد هويل لم يكن يؤمن بوجود أي تسبب من خارجالطبيعة، وإنما انتقاده طال آليات الصدفة حسبما حسبها، وحسب فهم خاطئ للإصطفاءالدارويني كما أظهر مؤلفون آخرون.
بالمقابل فهويل كان مؤيدي نظرية الكونالمستقر، لرفضه لفكرة الخلق الدينية..
لذلك أقترح التمهل قبل نسب "الإجابةالمؤمنة" له..
اقتباس:
وهو ما يؤكده أيضا عالم الفزياء النظرية المعاصر [بول دفيز عندمايقول ثمة دليل أكيد على أن وراء حدوث الكون كائن قام بتصميمه.
بينما بول ديفيز، بعد عدة تقلبات في رأيه، ينطلقاليوم من نظرية الأكوان المتعددة.
وهذه تدعم فكرة الصدفة من جديد، لأن حظنا هوأننا موجودون في الكون المناسب..
على أي حال، فكل فرضيات الاحتمال إنماتدافع عن الجهل اليوم.
أي أنها تنسب ما لا نعرفه اليوم إلى عمل كائن خفي.
ومع ازدياد المعرفة يتقلص دور ذلك الكائن الخفي (إله الفجوات الذي ذكرته فيالمداخلة الأولى).
اقتباس:
إنه فعل الصدفة، بل أقول بكل بساطة إنه تطبيق عملي لتفكير إلحادييثق في الصدفة ويجعلها مصدر النظام والانتظام!! فقلت في نفسي دعني أضغط كيفما اتفقلعل دليلا إلحاديا جديدا يحصل بالصدفة !!
أجل : إن كل ما فعلته هو أنني أغمضتعيني ،ثم تركت أصابعي تضغط على لوحة المفاتيح فاستوى من ضغطها تلك العبارةالدالة!!!
أكيد لا دلالة في تلك الأسطر و لا معنى ، فهل تقبلون أن تكون الصدفةصانعة هذا الانتظام الكوني ؟
لست أدري هدف هذهالمناورة الخطابية، فهي لا تقدم ولا تؤخر.
طيب إليك واحدة تشبهها:
[
]
المساحة الفارغة بين القوسين (الأقواس من عندي، وكذلك الأسطرالجديدة)، هي ما كتبه الإله.
انتظرته كثيرا ليعبر عن إرادته العاقلة، ولكن شيئالم يحصل.
فهل تصدق أن إلها كهذا قام بكل ما تنسبه إليه؟
اقتباس:
إذا كان الملحد يتصور وجود الكون بكل انتظاماته المذهلة صدفة،فإننا نفسره بوجود قوة عاقلة (الله) مفارقة للكون قامت بخلقه وتنظيمه.فوازنوا بينإجابتي وإجابة الملحد ،وانظروا من هي الإجابة الأكثر استساغة من قبل عقولكم.
لا شك في أنك تناشد العقول التي اعتادت علىالتربية الدينية، وليس على العمل العلمي.
لأن في إجابتك تعليق للعقل والتفكيروالبحث عن الظواهر وعلاقاتها ببعضها.
فمن اعتاد على البحث عن "آليات"،و"انتظامات"، و"نماذج رياضية" ليصف بها الطبيعة، ثم يتحقق من هذه النماذج عبرالتجربة والملاحظة، لن يقتنع بهذه السهولة بفكرة القوة العاقلة.
اقتباس:
فالذي يقول بأزلية المادة ليس كالذي يقول بأزلية الله.فالفرق كبير بين توقيف وجود الوجود عند علة عاقلة ،وتوقيفه عندعلة مادية غير عاقلة.
ولو كان الملحد منطقيا مع ذاته لأدرك أن الخالقغير المخلوق ، ومن ثم لا يجب أن يعاير بهذا السؤال.
من أين جاء الفرق؟
بالأحرى، من أين لك أنتعرف بوجود أي فرق؟
المادة هي ما نتعامل معه ضمن هذا الكون، وحتى هذه لانعرف جميع صفاتها وخصائصها.
ولا نستطيع منطقا، حتى تعميم ما نعرفه عنها علىمجمل الكون.
أما خصائص العلة العاقلة، فهي لا تزيد عن كونها ألعاب لفظيةوتكهنات لا دليل عليها.
اقتباس:
لكن نواجهك بالسؤال مرة أخرى : من خلق ذلك الثالث ؟ الرابع ..ومنخلق الرابع الخامس .. سادس ...سابع ..ثامن ؟؟؟
ستضطر للوقوف بالسلسلة إلى كائنما هو الذي خلق الجميع . وهذا ما نطلبه فهو الله الخالق.
طبعا عندما يطرح هذا السؤال، إنما هو من مبدأ "ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم".
ولكن مع ذلك، فكيف تصل إلى أي استنتاجاتفي عالم الغيب؟
هل من صفات ذلك الإله الثالث أنه خلق الكون؟ أو يكترث بما يحدثفيه؟
كيف ربطت هذه بتلك؟
قد يكون الإله الثامن غير عاقل، بينما الإلهالسابع غير أزلي، والعقل والإرادة من صفات الإله السابع..الخ
اقتباس:
وإذا لم تقل بالتسلسل ستقول بالدور وكلاهما محال عقليا.
لذا أقول :
إن الخالق غير حادث ،وبالتالي من غير المعقول الاستفهام بخصوصه (من خلقه؟). فهو أصلا ليس حادثا حتى يحتاج إلى خالق يحدثه ويوجده. تماما كهذهالصفحة البيضاء التي أمامي لا يصح لك أن تسألني من كتبها؟؟
ماذا يعني هنا محال عقليا؟
نحن نتحدث عنظواهر طبيعية، فإن كان هناك تسلسل أو دور فعلا، فعلينا تغيير منطقنا العقليالمعتاد.
قمنا بذلك مرات كثيرة مع كل مكتشف علمي، ولا شيء يمنع القيام بذلك هناأيضا.
اقتباس:
لماذا ؟
لأنها أصلا بيضاء فلايصح السؤال عن كاتبها،كذلك لا يصح السؤال عن خالق الله من هو ؟ لأنه اللهالخالق لا المخلوق .
طبعا من الممكن أن يكونهناك اختلاف بين الظواهر والكينونات على مستويات مختلفة.
ولكن كيف وصلت إلى هذهالمعرفة؟
هنا يبدو أن العملية التي تمت هي مجرد عملية "تعريف" لذلك الاختلاف [5]، ثم توقيف عملية التفكير نفسها دون مبرر واضح.
اقتباس:
وختاما أقول :
إن الموقف الألحادي موقف ينقصه الحكمة ،بل إنهموقف غير حكيم بالمرة مادام يجعل البحث عن سبب العالم وسبب الوجود أمرا غير ذيأهمية !!
لعل الأقرب إلى الحكمة مقولة "رحم اللهامرأ عرف حده فوقف عنده".
الموقف الحكيم يتطلب الاعتراف بحدود المعرفة الحاليةوطرق الحصول عليها.
كما يتطلب الاتعاظ من دروس الماضي.
وفي ذلك الماضيرأينا أن إلحاق الصفات العاقلة بظواهر الطبيعة، والتعامل معها كتعبير عن إرادةأشخاص يقفون وراءها، كان الطريقة التي استخدمها البشر في محاولتهم للفهم.
واليوم نعرف أن ذلك يعبر عن آليات نفسية، ونبحث عن تفسيرات طبيعية للظواهر.
وهذا حقق تقدما هائلا في المعرفة، لم يكن متوفرا عند التفكير بالطريقةالمشخصنة.
يقول عالم الإجتماع أوغست كومت:
"
هناك ثلاثة مراحل فيالمعرفة تمر بها كل العلوم أثناء البحث عن الفهم.
المرحلة الدينية، أي مرحلةالتفسير بنسب الأحداث والظواهر إلى إرادة وقصد يشبه قصد الإنسان وإرادته (روحانيةالطبيعة، وحتى الأديان التوحيدية).
ثم تأتي المرحلة الميتافيزيقية، أي تفسيرالأشياء بجوهرها، بأسباب وآليات غير شخصية، ولا محل للإرادة أو القصد فيها.
فيالمرحلة الأخيرة يصبح هدف البحث العلمي هو وصف التشابه والتتالي دون الحاجة إلىافتراض أي جوهر خفي".
يبدو أن حوارنا هو بالدرجة الأولى عن الانتقال منالمرحلة الأولى إلى الثانية.
=============================
[1]
قام الزميل حاتم3، ربما من فرط حماسه، باستخدام عبارات لا تدعم الحجة،ربما كان بإمكانه الاستغناء عنها.
(
الملحد المشاكس، الذي لا يحترم عقله، الجوابالمستهتر، الغير حكيم..الخ)
هذا يعبر عن التعالي الخطابي، ليس إلا.
الملحدغير حكيم، بينما المؤمن في قمة الحكمة. يا سلام!
طبعا من الممكن أن أقول أنالمؤمن هو إنسان بدائي يرى آلهته حيث يخاف، وأن عليه أن ينضج قليلا.
ولكندعنا في ساحة مقارعة الحجج وليس الحكم على الأشخاص.
فالحكمة برأيي هي فيالالتفات إلى الحياة المباشرة والبحث عن المعنى في العلاقة مع البشر الآخرينوالطبيعة حولنا، وليس وراءها.
فإن كان هناك إله أم لا، فجميعنا يبحث عنالانتماء إلى المجتمع حولنا وعن الحب والصداقة والتعاون..
[2]
هوكنج
So long as the universe had a beginning, we could suppose that it had a creator. But if the universe is really completely self-contained, having no boundary or edge, it would have neither beginning nor end: it would simply be. What place, then, for a creator?
[3]
أتكنز
The only way of explaining the creation is to show that the creator had absolutely no job at all to do, and so might as well not have existed
[4]
هوكنج 1987
In general relativity, time ... does not have any meaning outside the spacetime manifold. To ask what happened before the universe began is like asking for a point on the Earth at 91 north latitude; it just is not defined. Instead of talking about the univers being created, and maybe coming to an end, one should just say: The universe is.
However, the use of the word "create" would seem to imply that there was some concept of time in which the universe did not exist before a certain instant and then came into being. But time is defined only within the universe, and does not exist outside it.
[5] you cannot define things into existence
Powered by vBulletin® Version 4.2.0 Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir