مشاهدة النسخة كاملة : شبهات الملحدين و المستشرقين علي الإسلام و الرد عليها
الصفحات :
1
2
3
[
4]
5
6
7
8
9
10
11
Miss Invisible
2011-10-23, 10:51 PM
الشبهة الثالثة و السبعون (73):
- إن الإسلام يحارب الفقراء بأبشع الصور, بحيث لو سرق الفقير الجوعان رغيفاً من الخبز, طُبِّق عليه حد السرقة, وقُطعِت يده, وإذا جاع وسرق رغيفاً آخر, قُطعِت يده الثانية, حتى لو كان سيطعم أولاده الصغار, ما هذه الوحشية يا أيها المسلمون؟
الرد:
- إن حد السرقة فى الإسلام ليس فى الرغيف كما تقولون, إن حد السرقة لا يطبق إلا فى ربع دينار من الذهب, وبشرط أن يكون فى حِرْز, قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تُقطَع يد السارق إلا فى ربع دينار فصاعداً)) [صحيح مسلم] والدينار يساوى أربعة جرامات وربعاً, فلو قلنا - بالتقدير الحالى تقريباً- إن الجرام يساوى مائة جنيه, فيكون الدينار بأكثر من أربعمائة جنيه (425) وربع الدينار يساوى أكثر من مائة جنيه, ورغيف الخبز الذى تتكلمون عنه يساوى خمسة قروش, أو عشرة قروش, أى أنه لا يساوى بالنسبة لحد السرقة واحداً إلى1000, تنقص أو تزيد قليلاً حسب سعر الذهب والخبز. فالإسلام لا يعاقب بحد السرقة فى أقل من ربع دينار ذهب, ولو كان كسر حِرْزاً, يعنى أننا لا نقطع يد من سرق رغيفاً (كما تقولون) ولا حتى من سرق بطة, أو دجاجة مشوية, فأين هى الوحشية؟ وفى المجاعات لا نقطع يد من سرق ليطعم نفسه أو أولاده, ولو سرق كبشاً, أما عندكم فإن السارق إذا ضُبِطَ وهو يحاول سرقة ثور أو شاة, فضُرِبَ حتى مات, فلا دِيَةَ له, وها هو كتابكم المقدس يقول: إذا سرق إنسان ثوراً أو شاة فذبحه أو باعه يعوّض عن الثور بخمسة ثيران وعن الشاة بأربعة من الغنم. إن وجد السارق وهو ينقب فضُرِبَ ومات فليس له دم (خروج22: 1-2)
فلابد إذن فى قطع اليد من ثلاثة شروط, الأول: أن يكون مقدار السرقة يساوى ربع دينار أو أكثر, فلو سرق بالقيمة الحالية تسعة وتسعين جنيهاً لا تقطع يده. الثانى: لابد أن يكون المال أو المتاع الذى سرقه فى حِرْز, أى فى شىء مغلق عليه, مثل أن يكسر دُرْجاً, أو باب شقة, أو خزانة. فلو خطف السارق شيئاً من أحد يسير فى الشارع - مثلاً - لا تقطع يده, ولو كان الشىء المسروق أكبر من ربع دينار, أما لو هدده بالسلاح وأخذ ماله, فإن هذا يسمى غصباً, ويطبق عليه حد الحِرابة, وهو أشد من قطع اليد, حتى يأمن الناس على أرواحهم وأموالهم, فلابد أن تكون العقوبة رادعة لمن تُسِوِّل له نفسه الاعتداء على خلق الله. الثالث: أن يصل الأمر إلى الحاكم, فلو سرق أحد من حِرْز - ولو 1000 جنيه أو أكثر - ثم جاء أهله واعتذروا لصاحب المال, وتذللوا له أن يترك ولدهم, ولا يرفع أمره إلى الحاكم, فعفا عنه, أو تصالحوا على شىء مقابل عدم البلاغ عنه, فلا تقطع يده, قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((تَعافُوا الحدودَ فيما بينكم, فما بلغنى من حَدّ فقد وجب)) [سنن أيى داود والنسائى, صحيح الجامع:2954] ومعنى هذا الحديث الشريف أن الناس إذا تسامحوا فيما بينهم فى حقوقهم فلا تطبق عليهم الحدود, أما لو بلغ الأمر إلى الحاكم فقد وجب عليه تطبيق الحد. ولو سرق أحد من حِرْز, فكسر خزينة - مثلاً - وسرق مائة ألف جنيه, ورُفِعَ أمره إلى الحاكم, واعترف بسرقته, ولكنه اعتذر عن سرقته بأنه عَمِلَ عند هذا الرجل, ولم يعطه أجره الذى يساوى أكثر من المبلغ الذى سرقه, وأتى بشهود فشهدوا له بما قال, فلا تقطع يده. ولو سرق فقير لشدة حاجته واضطراره - مثلاً - إلى إجراء عملية فيها إنقاذ لحياته, أو لحياة ولده, ولا يجد من يساعده, فلا تقطع يده. وقطع اليد فيه حفاظ على أموال الناس, فكما أنه يحذرك من سرقة غيرك, ففى الوقت نفسه يحذر جميع الناس أن يسرقوا منك. والدول التى تطبق حد السرقة - مثل السعودية - يعيش الناس فيها آمنين على أموالهم, ومن يَمُنّ الله عليه بالحج أو العمرة يرى أصحاب المحلات يتركونها مفتوحة, ويذهبون إلى الصلاة وهم آمنون, فمن يضحى بيده ولو أعطيته كنوز الأرض؟ وهنا سؤال يطرح نفسه.. هل معنى هذا أن كل من سرق ولم تنطبق عليه شروط إقامة الحد لا يُعاقَب؟ إذن لاحترف السرقة خلق كثيرون! ونقول لهم: إن هذه الأحوال فيها التعزير, وهو ما يحدده القاضى - أو من ينوب عنه - من عقوبة, مثل الضرب, أو السجن, أو النَّفْى, كل بحسب حاله.
والذين يتهموننا بالوحشية فى قطع يد السارق, عندهم ما هو أشد من ذلك, فقد جاء فى كتابهم المقدس:
إذا تخاصم رجلان بعضهما بعضاً رجل وأخوه وتقدمت امرأة أحدهما لكى تخلِّص رُجُلَها من يد ضاربه ومدَّت يدها وأمسكت بعورتِهِ فاقطع يدها ولا تشفق عينك (تثنية25: 11-12) وجاء فيه أيضاً: فإن أعثرتك يدك أو رجلك فاقطعها وألقها عنك خيراً لك أن تدخل الحياة أعرج أو أقطع من أن تلقى فى النار الأبدية ولك يدان أو رجلان. وإن أعثرتك عينك فاقلعها وألقها عنك خير لك أن تدخل الحياة أعور من أن تلقى فى جهنم النار ولك عينان. (متى18: 8-9), والله أعلم.
الشبهة الرابعة و السبعون (74):
- لماذا تصرون على ارتداء المرأة للحجاب, مع أن هذا لا يعنى تدينها, ولا يضمن لها السلامة الخُلُقية, بدليل أن المرأة العربية فى الجاهلية كانت محتجبة, وهناك كثير من النساء يرتدين الحجاب وهن غير متدينات, بل ويأتين الفاحشة, فما قيمته إذن؟
الرد:
- ما رأيكم فى الصورة الفوتوغرافية التى تقولون إنها صورة السيدة مريم, رضى الله عنها؟ وما رأيكم فى أمِّكم (تريزا) التى تحبونها وتوقرونها, وتقولون إنها قامت بأعمال خيرية كثيرة للفقراء فى الهند وغيرها, ثم توفِّيَت فى فترة التسعينيات بعدما تجاوزت الثمانين عاماً؟ هل كانتا ترتديان الحجاب أم لا؟ فإذا كنتم تؤمنون بهما, وتحبونهما, وقد كانتا محجبتين, فلماذا تنكرون الحجاب علينا؟ ثم إن هناك أدلَّة كثيرة فى كتابكم المقدس - ليس على الحجاب فقط - بل على النقاب أيضاً, حتى إنه قد حكم على التى ترفض الحجاب بقص شعرها, واقرأوا إن شئتم:
وأما كل امرأة تصلِّى أو تتنبّأ ورأسها غير مُغطَّى فتُشين رأسها لأنها والمحلوقة شىء واحد بعينه. إذ المرأة إن كانت لا تتغطى فليُقَصُّ شعرها. وإن كان قبيحاً بالمرأة أن تقص أو تحلِق فلتتغطَّ. (الرسالة الأولى إلى كورنثوس11: 5-6)
احكموا فى أنفسكم. هل يليق بالمرأة أن تصلِّى إلى الله وهى غير مُغطّاة. (الرسالة الأولى إلى كورنثوس11: 13)
ها أنتِ جميلة يا حبيبتى ها أنتِ جميلة عيناكِ حمامتان من تحت نقابِك. (نشيد الأنشاد4: 1)
خدّك كفلقة رمّانة تحت نقابِك. (نشيد الأنشاد4: 3)
إن الحجاب له قيمة عظيمة, فكما أنه حماية للمرأة من الاغتصاب والمعاكسات, فهو حماية للرجال من الفتنة فى دينهم, وإشاعة الفساد فى المجتمع, فليس شرطاً أن التى ترتديه تكون متدينة, بل إنه يُفرَض حتى على النساء الكافرات فى بلاد المسلمين, لأنها لو ابتذلت وتكشَّفت, لكانت مثيرة للغرائز والشهوات, وفِتنة للشباب المسلم, فنقول لها لكِ حرية العقيدة, ولكن لا تؤذينا فى ديننا. فالشاب الذى لا يجد ما يعف به نفسه من الحلال, ماذا يفعل؟ إمّا أن يحاول الوصول إليها, وحينها يكون معرَّضاً لعقوبة الدنيا والآخرة, أو يكبت شهوته, فيصاب بالعقد النفسية. والرجل المتزوج من امرأة دميمة حين يرى الجميلة يسخط على قَدَر الله, ويتحسر, ويبغض امرأته, وينظر إليها نظرة احتقار, وربما طلَّقها, أو أساء معاملتها, أو حاول الوصول لغيرها, أما لو غطت المرأة مفاتنها فلن تثير أحداً, ولن يتعرض لها أحد, لأنه لا يدرى أهِىَ صغيرة أم كبيرة, أهى جميلة أم قبيحة, أهى بيضاء أم سمراء... إلخ. ولو فرضنا أن سلوكها الشخصى غير منضبط, فإن هذا لا يضر إلا القليل, أما التى تخرج من بيتها متبرجة - وإن كانت عفيفة - فكم تفتن من الرجال؟ وكم نظرة زنى تتعرض لها؟ وكم صدَّت عن سبيل الله؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كُتِبَ على ابنِ آدمَ نصيبُهُ من الزنى مُدرِكٌ ذلك لا مَحَالةَ, فالعينانِ زناهُما النظر, والأُذنانِ زناهُما الاستماع, واللسانُ زناهُ الكلام, واليدُ زناها البَطْش, والرِّجلُ زناها الْخُطَى, والقلب يهوى ويتمنى, ويُصَدِّقُ ذلكَ الفرجُ ويُكَذِّبُه)) [صحيح مسلم] وما كثرة حوادث الاغتصاب إلا من كثرة تبذُّل النساء وعُريهن, حتى إن الله عز وجل حينما تكلم عن الزنى ذكر المرأة أولاً, لأنها السبب, فقال: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} [النور:2] وإلا- فأخبرونا عن أى امرأة مختمرة أو منتقبة اغتُصِبَت (والعياذ بالله). إن من أهمية الحجاب التى لا يُستهانُ بها أنه يحجز من ترتديه – إلى حد كبير - عن فعل المنكرات, لأنها تستحى – فى كثير من الأحيان – من بعض الأفعال التى لا تليق بحجابها, كالشرطى الذى يرتدى بَدْلَة عَمِله, تجده لا يتصرف كتصرفه لو خلعها. ويكفى الحجاب شرفاً أن الله سبحانه وتعالى وَجَّه الأمر به لزوجات النبى - صلى الله عليه وسلم - وبناته أولاً, ثم لنساء المؤمنين من بعده, فقال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب:59] فالعفاف لا يغنى عن الحجاب, فاعتبروا يا أُولِى الألباب.
والذين يقولون: إن الحجاب تخلُّف وعَوْدَة للوراء, نقول لهم: أهُوَ حجاب للعقل أم للبدن؟ وهل التحضّر والرُّقِى والثقافة فى التعرِّى؟ وهل الحجاب منع النساء أن يتفوقنَ؟ إن الناظر لصور المتفوقات فى الثانوية العامة فى الصحف والمجلات, يجد أن كلهن - أو أكثرهن - محجبات, فلماذا لم يمنعهن الحجاب من التفوق؟ ولو ارتدت الحجاب أى امرأة ممن تفتخرون بعلمهن وثقافتهن, فهل يطير العلم من رأسها؟ ولو ارتدت الحجاب أى وزيرة, أو أستاذة جامعية - أو حتى رئيسة دولة - فهل تصبح أُمِّية, أو متخلِّفة؟ وهل كل المتبرجات مثقفات؟ إنهن بالملايين فى الدول المتخلفة - مثل بعض البلاد الأفريقية - فأين هى ثقافتهن؟ وحين فتح المسلمون البلاد, ودانَت لهم المشارق والمغارب, هل كانت نساؤهم متبرجات؟, والله أعلم.
الشبهة الخامسة و السبعون (75):
- إن عدم الاختلاط عندكم أصاب الشباب والشابات بالكبت والعقد النفسية, فلماذا لا تبيحون الجنس كما هو عندنا فى الدول الأوربية؟
الرد:
- إن قائل هذا القول لا دراية له بالنفس البشرية, والشاهد من واقعنا أن الذى يطلق لنفسه العنان فى إشباع رغباته الجنسية, يأتى عليه بعد فترة شعور بالألم النفسى, والحسرة, وعدم الاستقرار, وينظر لمن عَفَّ نفسه بالحلال, وأصبحت له أسرة وأطفال, نظرة غِبطَة, ويتمنى أن لو كان مكانه, وكذلك المرأة التى لا تبالى بأى قيود شرعية أو غير شرعية, تشعر هى الأخرى بعد فترة بالتمزق النفسى, وتتمنى أن لو كان لها زوج وأطفال من الحلال, هذا لأن الإنسان كما هو محتاج لإشباع جسده فهو محتاج لإشباع روحه, وإشباع روحه لا يأتى إلا بالتقرب إلى من خَلَقَها, والدليل على ذلك أن أكبر نسبة انتحار فى العالم توجد فى الدول الأوربية, حيث الرُّقِى المادى, والانحلال الجنسى, وكل وسائل الترف والنعيم, ولكن نفوسهم خَواء. وسَلُوا قائل هذا القول: هل استقرت الأمور بعد أن أطلقتم الحريات, حتى لا يكاد يتأكد أحد من معرفة أبيه؟ وهل الانحلال عندكم أدَّى إلى إشباع جنسى واستراحت النفوس؟ إنهم لم يكتفوا بالمتاح لهم من النساء, فلجأوا إلى الاغتصاب, حتى وصل الاغتصاب فى أوربا وأمريكا إلى أعلى النسب العالمية, ولم يردعهم رادع, رغم قسوة القوانين, التى وصلت فى بعض البلدان إلى الإعدام, ولقد أصيبوا بالأمراض النفسية, والشذوذ الجنسى, لدرجة أنهم أباحوا ما يسمى بزواج المِثلَيْن (أى زواج الذكرين وزواج الأنثيين) حتى إن القساوسة فى أمريكا وأوربا يقومون بعقد هذا الزواج فى كنائسهم! هذا فضلاً عما أصيبوا به من الأمراض الفتّاكة المهلكة, كالزهرى, والسيلان, وسرطان عنق الرحم, وكان آخرها مرض الإيدز, الذى تتكلف أبحاثه مليارات الدولارات, ورغم هذا فهو فى زيادة مطردة. وظهور الأمراض الجديدة التى تتسبب فيها الفاحشة, أخبر عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: ((يا معشر المهاجرين, خِصال خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة فى قوم قط حتى يعلنوا بها, إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التى لم تكن مضت فى أسلافهم الذين مضوا, ولم يُنقِصوا المكيال والميزان, إلا أُخِذوا بالسنين, وشدة المؤنة, وجَوْر السلطان عليهم, ولم يمنعوا زكاة أموالهم, إلا مُنِعوا القطر من السماء, ولولا البهائم لم يُمْطَروا, ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله, إلا سلَّط الله عليهم عدواً من غيرهم, فأخذوا بعض ما كان فى أيديهم, وما لم تحكم أئِمَّتهم بكتاب الله عز وجل, ويتخيَّروا مما أنزل الله, إلا جعل الله بأسهم بينهم)) [سنن ابن ماجه, صحيح الجامع:7978] هذا بالإضافة إلى التفكك الأُسَرِى, وكثرة أطفال الشوارع واللُقطاء.
إن الاختلاط هو سبب المصائب, وسبب الفواحش, ما ظهر منها وما بطن, نار وبنزين, نسمح للفتى والفتاة فى أوْج شهوتهما أن يختلطا ببعضهما, بحجة الزمالة, أو القرابة, أو ما شابه ذلك, ونقول إنهما مثل الإخوة, وقد تربّيا مع بعضهما! ثم نعض على أصابعنا حين يحدث ما لا تُحمَد عُقباه. لقد قدَّروا حالات الأطفال الذين لا يعترف بهم آباؤهم فى بلادنا بنحو أربعة عشر ألفاً. إن التبرج والاختلاط هو الذى يأتى بالكبت والعقد النفسية, عَرْض السلعة ومَنْع الشراء, أضَع أمامك الطعام وأنت جوعان, ثم أقول لك: إياك إياك أن تمتد إليه يدك! فهل يُقِرّ ذلك عاقل؟ إن بعض الدول الإسلامية التى حذت حَذْو الغرب, وسمحت بالاختلاط بين الشباب والشابات, كثرت فيها الفواحش, والزواج العرفى, والأب آخر من يعلم, لقد قدَّروا عدد حالات الزواج العرفى فى بلادنا بنحو 6 ملايين, أكثرها بين طلبة المدارس والجامعات, وهو ليس بنكاح, ولكنه سفاح, قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا نكاح إلا بوَلِىّ)) [صحيح البخارى] وقال: ((أيما امرأة نُكِحَت بغير إذن وليها, فنكاحها باطل, فنكاحها باطل, فنكاحها باطل)) [صحيح الجامع:2709] فلابد من موافقة ولى الزوجة (وهو أبوها أو من يحل محله) والإشهار, قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((فَصْل ما بين الحلال والحرام, الدُّف والصَّوْت فى النكاح)) [سنن النسائى وابن ماجه, صحيح الجامع:4206] ولا يُفهم من الحديث الشريف أن "الصَّوْت" يُقصَدُ به الزغاريد, أوالأغانى الماجنة, أو الموسيقى, ولكنه الضرب بالدُّف فقط, والأغانى العفيفة, بدون تميّع, أو اختلاط بين الرجال والنساء, قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((صوتان ملعونان فى الدنيا والآخرة: مِزمار عند نعمة, ورنَّة عند مصيبة)) [صحيح الجامع:3801]
إن الإسلام حارب الرذيلة, وحمى المجتمع منها بفرض الحجاب, وغض البصر, وتحريم الخلوة بين الرجل والمرأة, والخضوع بالقول, وكل ما من شأنه إثارة الغرائز والشهوات, وشجع على الزواج وتعدده, حتى لا تبقى عوانس, أو مطلقات, أو أرامل بغير زوج, لأن عدد الرجال فى أى دولة فى العالم أقل من عدد النساء, وحث على عدم الغُلُو فى المهر والنفقة, حتى لا يكون عائقاً للحلال, مُشجِّعاً على الحرام, قال الله عز وجل: {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور:32] {الْأَيَامَى} جمع أيِّم, ويطلق على الرجل والمرأة, فيقال (رجل أيِّم) أى بغير زوجة, و(امرأة أيِّم) أى بغير زوج, وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((يا معشر الشباب, من استطاع منكم الباءة فليتزوج, فإنه أغضّ للبصر, وأحصن للفرج, ومن لم يستطع فعليه بالصوم, فإنه له وِجاء)) [صحيح مسلم] ((وِجاء)) أى وقاية, أما إن بقيت بعد ذلك حالات خيانة فهى نادرة, وتعبر عن فطرة ملتوية غير سليمة, والله أعلم.
يتبع
Miss Invisible
2011-10-23, 10:54 PM
الشبهة السادسة و السبعون (76):
- إن عقوبة الزانى الْمُحصَن عندكم هى الرجم بالحجارة حتى الموت, وعقوبة غير الْمُحصَن مائة جلدة, فما هذه البشاعة رغم رضا الطرفين؟ أليس هذا إهداراً لكرامة الإنسان الذى قهرته شهوته رغماً عنه؟
الرد:
- أيهما أهدر لكرامة الإنسان.. الزنى أم عقوبته؟ إن الزنى ليس إهداراً لكرامة المرأة وحدها, بل لأهلها, ومن يهمّه أمرها, فلابد أن تكون عقوبته شديدة, حتى لا تكون أعراض الناس عُرضة للمجرمين والمستهترين. وديننا ليس هو الدين الوحيد الذى يفرض هذه العقوبة, فقد جاء فى الكتاب المقدس ما هو أشد, إذ جعل عقوبة الزنى الحرق, أو الرجم بالحجارة حتى الموت, ولو كان الزانى أو الزانية غير مُحصَنَين, بل إنه زاد على ذلك, فجعل عقوبة الرجم بالحجارة حتى الموت لمن يُظَن بها فقط أنها فعلت الفاحشة:
اذا اتخذ رجل امرأة وحين دخل عليها أبغضها ونَسَبَ إليها أسباب كلام وأشاع عنها اسماً رَدِيّاً وقال هذه المرأة اتخذتُها ولمّا دنوتُ منها لم أجد لها عُذرَة. يأخذ الفتاة أبوها وأمها ويُخرجان علامة عُذرَتها إلى شيوخ المدينة إلى الباب ويقول أبو الفتاة للشيوخ أعطيتُ هذا الرجل ابنتى زوجة فأَبغَضها. وها هو قد جعل أسباب كلام قائلاً لم أجد لبنتك عُذرَة وهذه علامة عُذرَة ابنتى ويبسطان الثوب أمام شيوخ المدينة. فيأخذ شيوخ تلك المدينة الرجل ويؤدِّبونه ويغرِّمونه بمئة من الفضة ويعطونها لأبى الفتاة لأنه أشاع اسماً ردِيّاً عن عذراء من إسرائيل. فتكون له زوجة. لا يقدر أن يطلقها كل أيامه ولكن إن كان هذا الأمر صحيحاً ولم تُوجَد عُذرَة للفتاة يُخرِجون الفتاة إلى باب بيت أبيها ويرجمها رجال مدينتها بالحجارة حتى تموت لأنها عملت قباحة فى إسرائيل بزناها فى بيت أبيها. فتنزع الشر من وسطك (تثنية22: 13-21) أليس هذا مُجرَّد ظَنّ يا عباد الله؟
ولما كان نحو ثلاثة أشهر أُخبِرَ يهوذا وقيل له قد زنت ثامار كنَّتك. وها هى حُبْلى أيضاً من الزنى. فقال يهوذا أخرجوها فتُحرَق. (تكوين38: 24) (كنَّتك) معناها زوجة ابنك.
وإذا تدنَّست ابنة كاهن بالزنى فقد دنَّست أباها. بالنار تُحْرَق (لاويين21: 9)
أما عندنا فليس هناك فرق بين ابنة العالِم أو غيرها, فلو زنت ابنة العالِم غير الْمُحصنة فحدّها كغيرها, وهو الجَلد فقط, وليس الحرق كما عندهم, أما المحصن فلابد أن تكون عقوبته أشد, لأنه ليس له أدنى عذر فى ارتكاب الفاحشة, قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا رأى أحدكم المرأة التى تعجبه, فليرجع إلى أهله حتى يقع بهم, فإن ذلك معهم)) [صحيح ابن حِبّان, صحيح الجامع:552] وبفرض أن زوجته لا تلبى رغباته - بغض النظر عن السبب - فله أن يتزوج بثانية, وثالثة, ورابعة. أما لو كان الزوج غير قادر على أن يعفّ زوجته, فلها أن تنخلع منه, وتتزوج بغيره, فإن ديننا ليس كالأديان الأخرى التى تحرِّم الطلاق وتعدد الزوجات, ولكنه دين يضع الحلول لكل مشاكل البشر.
وحد الزنى لا يطبق إلا بشروط صعبة قَلَّما توجد, فلابد من شهادة أربعة رجال يرون هذا الفعل بوضوح تام, بحيث لو شك واحد منهم رُفِضَت شهادتهم جميعاً, فمن الذى يفعل هذه الفعلة النكراء على مَرْأَى من الناس؟ فلو كان متفحشاً لهذا الحد لاستحق هذه العقوبة. إن شهادة رجل, أو اثنين, أو ثلاثة, لا تصلح لإقامة الحد, بل إنهم يُجْلَدُون ثمانين جلدة لو لم يأتوا بالشاهد الرابع, ولو كانوا صادقين {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:4] ربما يقول قائل: ربما يراه الناس من حيث لا يدرى, فنقول له: إن ديننا قد نهانا عن التجسس وتتبُّع العورات, وبفرض أن أحداً رأى هذه الفاحشة حال وقوعها, فذهب ليأتى بثلاثة رجال ليشهدوا معه, فهل يسمح له الوقت بذلك؟ ولهذا فإنه لا يطبق غالباً إلا على المعترف بهذا الفعل. إن الزنى - بالإضافة إلى معصية لله ورسوله - هو السبب فى انتشار كثير من الأمراض الفتاكة, كالزهرى, والسيلان, والإيدز, وسرطان عنق الرحم, وغير ذلك, وكذلك فإنه السبب فى وجود اللقطاء الذين يُرمَون فى الشوارع للقطط والكلاب, أو يُرمَون فى الملاجئ لا يعرفون لهم أباً ولا أُمّاً, فيتعرضون لاحتقار المجتمع, مما يصيبهم بالعقد النفسية, وربما يكبرون وعندهم شهوة الانتقام من الأعراض ليذيقوا ما ذاقوه لغيرهم. وحد الزنى - سواء الجلد أو الرجم - كفارة لمرتكب هذه الفاحشة, فلا يُعذَّب بها يوم القيامة, فهل عقوبة الدنيا أشد, أم عقوبة الآخرة؟ والدليل على ذلك أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال عن ماعِز الذى أمر برجمه, بعدما اعترف له بالزنى: ((استغفروا لماعِز بن مالك, لقد تاب توبة لو قُسِّمت بين أُمَّة لوسعتهم)) [صحيح مسلم] وقال عن المرأة الغامِديَّة التى أمر برجمها, بعدما اعترفت له بأنها حامل من الزنى: ((لقد تابت توبة لو قُسِّمَت بين سبعين من أهل المدينة لَوَسِعَتهُم, وهل وَجَدْتَ توبةً أفضل من أن جادت بنفسها لله)) [صحيح مسلم] ومن يرجع لقصتها فى (صحيح مسلم) وغيره يعلم أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يرجمها بمجرد اعترافها, ولكنه أمرها أن تأتيه بعد ولادتها, ثم أمرها أن تأتيه بعد أن تتم رَضاعة ولدها وتفطمه, وأمر وَلِيَّها بالإحسان إليها, كما أنه أمر بسترها عند رجمها, ثم صلَّى عليها ودُفِنَت, ودفع بابنها لأحد المسلمين ليقوم على رعايته.
أين هذا مما جاء فى الكتاب المقدس من ذبح أبناء الزانية, وكشف عورتها لِمُحبِّيها ومُبْغِضِيها, وتقطيعها بالسيف بعد رجمها, وحرق بيتها, حيث يقول: وأعطيتُها زماناً لكى تتوب عن زناها ولم تتب. ها أنا ألقيها والذين يزنون معها فى ضيقة عظيمة إن كانوا لا يتوبون عن أعمالهم. وأولادها أقتلهم بالموت فستعرف جميع الكنائس أنى أنا هو الفاحص الكُلَى والقلوب سأعطى كل واحد منكم بحسب أعماله. (رؤيا يوحنا2: 21-23)
هكذا دخلوا على أهولة وعلى أهوليبة المرأتين الزانيتين. والرجال الصديقون هم يحكمون عليهما حكم زانية وحكم سفّاكة الدم لأنهما زانيتان وفى أيديهما دم. لأنه هكذا قال السيد الرب. إنى أُصعِدُ عليهما جماعة وأسلِّمهما للجور والنهب. وترجمهما الجماعة بالحجارة ويقطعونهما بسيوفهم ويذبحون أبناءهما وبناتهما ويحرقون بيوتهما بالنار. فأبطل الرذيلة من الأرض فتتأدَّب جميع النساء ولا يفعلنَ مثل رذيلتكما. (حزقيال23: 44-48)
فلذلك يا زانية اسمعى كلام الرب. هكذا قال السيد الرب. من أجل أنه قد أُنفِقَ نحاسك وانكشفت عورتك بزناكِ بمحبيكِ... لذلك هَأنذا أجمعُ جميع محبِّيكِ الذين لذذتِ لهم وكل الذين أحببتِهِم مع كل الذين أبغضتِهِم فأجمعهم عليكِ من حولك وأكشفُ عورتكِ لهم لينظروا كل عورتكِ... وينزعون عنك ثيابكِ ويأخذون أدوات زينتكِ ويتركونكِ عريانة وعارية. (حزقيال16: 35-39)
لأنه هكذا قال السيد الرب هَأنذا أسلِّمكِ ليد الذين أبغضتِهِم ليد الذين جفتهُم نفسكِ. فيعاملونكِ بالبغضاء ويأخذون كل تعبكِ ويتركونكِ عريانة وعارية فتنكشف عورة زناكِِ ورذيلتكِ وزناكِ. (حزقيال23: 28-29)
حاكموا أمَّكم حاكموا لأنها ليست امرأتى وأنا لستُ رَجُلها لكى تعزل زناها عن وجهها وفسقها من بين ثدييها لئلا أجرِّدها عريانة وأوقفها كيوم ولادتها وأجعلها كقفر وأصَيِّرها كأرض يابسة وأُمِيتها بالعطش. ولا أرحمُ أولادها لأنهم أولاد زنى (هوشع2: 2-4)
إن الزانى قد تعدَّى كل الحدود, وتخطَّى كل العراقيل التى وضعها الشارع فى طريق هذه الفاحشة, فهو الذى أورد نفسه المهالك, فإن شرعنا الحنيف لم يحرم الزنى فحسب, بل حرم مقدماته, فحرم الخلوة بين الرجل والمرأة, وأمر بعدم الاختلاط بين الرجال والنساء, وأمر بغض البصر, وعدم الخضوع بالقول, حتى إنه حرم مصافحة الرجل للمرأة, وحث على الزواج المبكر لمن يملك الباءة, والباءة هى القدرة على الزواج من الناحية الجسدية والمالية, وحث على تيسير المهور حتى يتيسر الحلال, ولا يلجأ أحد إلى الحرام, ومن لم يستطع الزواج أمره الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالصوم, فإنه له وِجاء (أى وقاية).
ونريد أن نضرب مثلاً لاستحقاق عقوبة الزنى - {وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} - لو أن حاكماً حذر من الدخول إلى مكان معين, وأوعد من دخله بالعقوبة, ولكن من عدل هذا الحاكم أن وضع فى الطريق إلى هذا المكان المحذور إشارات وعراقيل كثيرة تحذر من الاقتراب منه, ولكن البعض لم يهمهم هذا التحذير, فتخطّوا كل هذه العقبات, إلى أن وصلوا إلى هذا المكان, ففى هذه الحالة.. أيستحقون العقوبة أم لا؟
إن المرأة التى وقع عليها الزنى بالإكراه تحت تهديد السلاح, لا يُقام عليها الحد فى الإسلام, أما فى الكتاب المقدس فهى مُدَانَة, وتُرجَم بالحجارة حتى الموت, ولو كانت غير مُحصَنة, وإليكم الدليل على ذلك:
إذا كانت فتاة عذراء مخطوبة لرجل فوجدها رجل فى المدينة واضطجع معها فأخرِجوهما كِليهما إلى باب تلك المدينة وارجموهما بالحجارة حتى يموتا الفتاة من أجل أنها لم تصرخ فى المدينة والرجل من أجل أنه أذلَّ امرأة صاحبه. فتنزع الشر من وسطك (تثنية22: 23-24) ونحن نتساءل: ماذا يكون حالها لو أن مغتصبها هددها بالسلاح فلم تستطع الصراخ؟ أو لو فاجأها بتكميم فمها قبل أن يغتصبها لكى لا تتمكن من الصراخ؟ أيكون هذا وذاك مما تؤاخَذ عليه؟, والله أعلم.
الشبهة السابعة و السبعون (77):
- إن حد اللواط عندكم هو أن يُلقَى الفاعل والمفعول به من شاهق, مثل برج القاهرة, فهل هناك أبشع من هذه العقوبة؟
الرد:
- قبل أن نجيب على هذا السؤال نوَدُّ أن نذكِّر المسلمين بأن إطلاق كلمة (اللواط) على الشذوذ الجنسى بين الرجال غير صحيح, لأن هذه الكلمة مأخوذة من اسم سيدنا لوط - على نبينا وعليه الصلاة والسلام - وهو الذى كان ينهى قومه عن هذا الفعل الشنيع, ولكن الأصح أن يُقال: فعل قوم لوط, أو: الشذوذ الجنسى بين الذكور.
نعم.. نحن نرميهم من شاهق عقوبة لهم, وليكونوا عبرة لغيرهم, لأنهم نكَّسوا فطرتهم, وخالفوا حكمة الله من التناسل لعمارة الأرض, واستخلاف بنى آدم فيها, فمن أين تأتى الذرية لو كان الرجل يتصل بالرجل, والمرأة تتصل بالمرأة؟ هذا فضلاً عمّا يتسبب فيه فعل قوم لوط من أمراض خطيرة, كان آخرها وأبشعها مرض الإيدز, الذى أجمع العالم كله على أن سببه كان هذا الفعل الشنيع. ومرض الإيدز يُعَدُّ من أخطر الأمراض, لأنه يدمر الجهاز المناعى للإنسان تدميراً كاملاً, فيصبح عُرْضة للإصابة بالأمراض الفتاكة, ولو من أضعف الميكروبات, ويكون مصيره الموت العاجل, وللأسف أنه ينتقل للأبرياء بطرق كثيرة, مثل نقل الدم, والحقن, والحلاقة, والجماع, والولادة... إلخ. فهل رَمْى اثنين من شاهق - ولو حتى برج إيفل - أبشع, أم انتشار الإيدز فى المجتمع؟ إن الإحصائيات العالمية تقول إن المصابين بمرض الإيدز حوالى 380 مليوناً, هذا فضلاً عما ذكرناه من انتكاس الفطرة, وعدم التناسل. وقد جاء فى الكتاب المقدس إن عقوبة فعل قوم لوط هى القتل, وكذلك عقوبة إتيان البهيمة:
وإذا اضطجع رجل مع ذكر اضطجاع امرأة فقد فعلا كلاهما رجساً. إنهما يُقتلان. دمهما عليهما. (لاويين20: 13)
كل من اضطجع مع بهيمة يُقتَل قتلاً. (خروج22: 19)
وإذا جعل رجل مَضْجِعهُ مع بهيمة فإنه يُقتَل والبهيمة تميتونها. وإذا اقتربت امرأة إلى بهيمة لِنِزائِها تُميتُ المرأة والبهيمة. إنهما يُقتَلان. دمهما عليهما. (لاويين20: 15-16), والله أعلم.
الشبهة الثامنة و السبعون (78):
- - يقول القرآن: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة:33] إن حد الحِرابة الذى تتكلم عنه الآية يعتبر وحشية, ومغالاة وبشاعة فى العقوبة, تقتلون, وتصلبون, وتقطعون الأيدى والأرجل, ما كل هذه المجازر البشرية؟ ألا توجد عقوبة أقل من ذلك؟ والآن توجد حدود إقليمية للبلاد, وليس بوسع أحد أن يدخلها كما يشاء, فأين يذهبون عند نفيهم؟
الرد:
- على من يُطبَّق حد الحرابة؟ يطبق على قُطّاع الطرق, لماذا؟ لأنهم {يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً} ولكن كيف يحاربون الله ورسوله؟ لأنهم يحرمون العباد مما أحله الله لهم, وما تقوم عليه معايشهم من التجارة, والتجارة ركن من أكبر أركان المعايش والاقتصاد فى العالم, فهى نقل للسلعة من المنتج إلى المستهلك, وفيها منافع للجميع. فالحِرابة هى ما يفعله قطاع الطرق من سرقة, ونهب, وقتل, وتخويف للآمنين, وهى إفساد فى الأرض, لأن السلعة إذا لم تنقل إلى المستهلك فإنها تفسد, فمثلاً: لو أن إحدى الدول تعيش على الزراعة, وتصدر محاصيلها الزراعية لدول أخرى, أو دولة منتجة للبترول, وتصدره للآخرين, فلو أن هذه التجارات تعطلت بسبب قطاع الطرق, لحدث ضرر عظيم للناس فى معايشهم, واقتصاد بلادهم.
وحد الحِرابة أنواع, ولهذا جاء بالتخيير بكلمة (أو) وليس بحرف (الواو) لأن الحرابة أنواع: فمنها ما يكون للسرقة فقط, مثل ما يفعله البعض, ويسمى (التثبيت) أى السرقة تحت تهديد السلاح, فهذا يطبق عليه حد السرقة, مع قطع الرجل من الجهة الأخرى للجسد. ومنها ما هو للسرقة والقتل, وهذا تقطع يده ورجله, ويقتل. ومنها ما هو للسرقة, والقتل, وهتك العرض, وهذا تقطع يده ورجله, ويقتل, ثم يصلب, ولا يُدفن, حتى يكون عبرة لغيره, فلا يجرؤ على مثل فعله. وفى بعض الولايات الأمريكية - التى تعيب علينا حد الحرابة - تكثر بها الجرائم, لدرجة أن الشرطة تحذر الناس من الخروج من المنازل, والمشى فى الشوارع بعد دخول أول الليل, وإلا- فإنها غير مسئولة عمّا يحدث من جرائم القتل والنهب والاغتصاب, فلو أنهم طبقوا هذا الحد لَمَا وُجِدَت هذه الجرائم. والحالة الرابعة هى التخويف فقط, بمعنى أنه يقطع الطريق على الناس, ويخوفهم فقط, ولا يسرق, ولا يقتل, ولا يهتك عِرضاً, كما يفعل من نسميهم (الفتوّات) فى زمننا هذا, لإرهاب الناس منهم, فهذا حده النفى فقط.
أما الشِّق الثانى من السؤال - وهو الخاص بالنفى - فليس شرطاً أن يُنفَى قاطع الطريق إلى دولة أخرى, ولكنه يُعتقل فى مكان بعيد فى دولته نفسها. والشاهد من واقعنا على فاعلية هذه العقوبة, ما يقوم به بعض الوزراء أو المديرين من نقل الموظفين إلى أماكن بعيدة عن محل سكنهم وأُسَرهم, كمن يُنقلون إلى سيناء, أو السلُّوم, أو منطقة البحر الأحمر, وهم من سكان القاهرة, مع أنهم غير معتقلين, فكيف لو كانوا معتقلين؟
والذين يتظاهرون بالرحمة والشفقة على المجرمين, يُنْزِلون أشد العقوبات بالمذنبين, حتى إنهم يعاقبون الْمُبتلَى على بلائِه, مع أنه لا ذنب له فيه, فيقول كتابهم المقدس:
وأجعل غيرتى عليكِ فيعاملونكِ بالسخط. يقطعون أنفكِ وأذ###ِ وبقيِّتكِ تسقط بالسيف. يأخذون ب###ِ وبناتكِ وتُؤكل بقيِّتكِ بالنار. (حزقيال23: 25)
ومن سرق إنساناً وباعه أو وُجِدَ فى يده يُقتَلُ قتلاً. (خروج21: 16)
وإذا اتخذ رجل امرأة وأمَّها فذلك رذيلة. بالنار يحرقونه وإياهما لكى لا يكون رذيلة بينكم. (لاويين20: 14)
وإذا اضطجع رجل مع امرأة طامِث وكشف عورتها عَرَّى ينبوعها وكشفت هى ينبوع دمها يُقطعان كلاهما من شعبهما. (لاويين20: 18)
وإذا كان فى رجل أو امرأة جانّ أو تابعة فإنه يُقتل. بالحجارة يرجمونه. دمه عليه (لاويين20: 27), والله أعلم.
يتبع
Miss Invisible
2011-10-23, 11:01 PM
الشبهة التاسعة و السبعون (79):
- لماذا فرض الإسلام الجزية على الذين لم يعتنقوه؟ أليس هذا إكراهاً فى الدين؟
الرد:
- نريد أن نسألكم: الروح أغلى عندكم أم المال؟ إن الإسلام قد فرض على أبنائه الجهاد لرفع رايته, وللدفاع عن الأرض والعِرض, وعافاكم من هذا الحمل الثقيل, أكنتم تختارون أن تكونوا فى صفوف المجاهدين, لرفع راية دين غير دينكم؟ لو أن الإسلام دين قهر ووحشية - كما تقولون - لأجبركم على القتال فى صفوفه, ولكنه مِن عَدْلِه لم يجبر أحداً غير أبنائه على رفع رايته, والدفاع عن أرضه, والكافر إذا خُيِّرَ بين القتال والمال, لاختار المال, فالمسلم هو الذى يقاتل, ويُلاقى الأخطار والأهوال, فهو مُعرَّض للقتل والجرح والأسْر, وكل هذا قد عوفيتم منه, مقابل قدر قليل من المال, كأنه ضريبة دفاع عن النفس, مثل ما كان الناس فى بلادنا يدفعونه, ويُسمونه (محو آثار العدوان) فنحن ندافع عنك, ونحافظ على روحك, ودمك, وعِرضك - بأمر الله جل وعلا - مقابل هذا القدر القليل من المال, وتعيش آمناً فى بيتك, أنت وأهلك وأولادك. والناس فى عصرنا يتمنون أن يضحوا بأموالهم مقابل الحفاظ على أولادهم, وعدم تعرضهم للمخاطر. وقد كانت الجزية موجودة قبل الإسلام, حتى إن المسيح نفسه - على نبينا وعليه الصلاة والسلام - دفعها:
فلم يطردوا الكنعانيين الساكنين فى جازر. فسكن الكنعانيون فى وسط أفرايم إلى هذا اليوم وكانوا عبيداً تحت الجزية (يشوع16: 10)
وكان لما تشدد بنو إسرائيل أنهم جعلوا الكنعانيين تحت الجزية ولم يطردوهم طرداً. (يشوع17: 13)
فأعطوا الجميع حقوقهم. الجزية لمن له الجزية. الجباية لمن له الجباية. والخوف لمن له الخوف. والإكرام لمن له الإكرام. (الرسالة إلى رومية13: 7)
ولما جاءوا إلى كفر ناحوم تقدم الذين يأخذون الدرهمين إلى بطرس وقالوا أما يوفى مُعلِّمكم الدرهمين. قال بلى. فلما دخل البيت سبقه يسوع قائلاً ماذا تظن يا سمعان. ممن يأخذ ملوك الأرض الجباية أو الجزية أمِن بَنِيهم أم من الأجانب. قال له بطرس من الأجانب. قال له يسوع فإذاً البنون أحرار. ولكن لئلا نعثرهم اذهب إلى البحر وألقِ صنارة والسمكة التى تطلع أولاً خذها ومتى فتحت فاها تجد إستاراً فخذه وأعطهم عنى وعنك (متى17: 24-27)
وقبل أن نترك هذه الشبهة نوَدُُّ أن ننبه على أمر خطير.. وهو أن كثيراً من الناس لا يفهمون قول الله عز وجل: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة:256] ويظنون أنهم يعملون ما يشاءون, من ترك الصلاة, أو الزكاة, أو الحجاب, أو غيره. {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} معناها لا إكراه على الدخول فى الدين, أما بعد دخوله فهو مجبر على الصلاة, والزكاة, وغيرهما, وتُكرَه المرأة على الحجاب والعفاف.. وهكذا, فالمسلم لا يُسمَح له أن يحتج بهذه الآية دون فَهْم مُرادها. ولتوضيح هذا الأمر نذكر لكم مثلاً - {وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} - لو أن إنساناً تعاقد مع آخر أن يُسكِنَهُ فى بيته, ودفع له ما طلبه من المال, ثم بعد ذلك نقض العهد, وقال له: أنا قد راجعت نفسى, ولا أريد أن أُسَكِّنك فى دارى, ففى هذه الحالة له أن يقاضيه, ويسكن عنده بقوة القانون, لأنه ليس له خيار بعد التعاقد, إنما كان الخيار قبل التعاقد. والذين يقولون إن الذين أسلموا هم الفقراء, لأنهم لم يكونوا يستطيعون دفع الجزية, أما الأغنياء الذين دفعوها فظلوا متمسكين بدينهم, وذرياتهم هى الباقية إلى اليوم. نقول لهم: لو أن هناك إكراهاً فى الدين - كما تقولون - لحدث تطهير عِرقى منذ البداية, ولقتلوا آباءكم, وأخذوا جميع أموالهم, بدلاً من هذا القدر البسيط الذى يُسَمَّى الجزية, ولَمَا كان لكم وجود إلى يومنا هذا, فإن وجودكم لَهُوَ من أكبر الأدلة على عدم إكراه آبائكم على الدخول فى الدين. ثم هناك شىء آخر قد تناسيتموه, وهو أن الذى لا يستطيع دفع الجزية لا يُقهَر عليها, وقد رأى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - رجلاً يهودياً كبيراً طاعناً فى السن, يتسول الناس, فسأله لماذا يفعل هذا, فأجابه أنه لا يستطيع دفع الجزية, لِذا يتسول ليجمعها, فقال له عمر: أكلناك لحماً, ورميناك عظماً! ثم كتب له كتاباً برفع الجزية عنه, وأمر بإعطائه راتبا شهرياً من بيت مال المسلمين. فالجزية لا تفرض على النساء, والأطفال, والعبيد, وذوى العاهات, بل تفرض فقط على الرجل الحر, البالغ, العاقل, القادر على الكسب, والله أعلم.
الشبهة الثمانون (80):
- تقولون إن عندكم حرية عقيدة {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:29] ثم تقتلون من يخرج من ملتكم, وتسمون ذلك (حد الرِّدَّة) فأين حرية العقيدة إذن؟ فلولا حد الردة هذا, لخرج من دينكم الكثير والكثير.
الرد:
- إن هذا لزَعْم باطل, بدليل واقعنا اليوم, فمَعَ عدم تطبيق الحدود (الردة - السرقة - الخمر... إلخ) لا يخرج أحد من الإسلام, إلا تحت وطأة الجوع, فى بعض الدول الأفريقية الْمُعدَمة, مقابل الغذاء, أو قِلَّة ممن لا حَظَّ لهم من العلم, وقعوا فى شباك التنصير, لأنهم لم يكن لديهم رصيد إيمانى, ولا رصيد علمى, يقفون به أمام تيار الشبهات الجارف, والحملة المسعورة للتشكيك فى الدين, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم. أما حد الردة فهو لعدم التلاعب بالدين, فالدين ليس مَرْتعاً للهازلين والعابثين, يدخلون فيه, ثم يخرجون منه. وحرية العقيدة التى تتكلمون عنها مكفولة فى الإسلام, ولكن قبل الدخول فيه, فمن حقك أن تفكر, ولو ألف مرة, وتراجع نفسك, وتدرس وتسأل, لكن طالما دخلت فيه, لا تخرج منه, لأن هذا سيكون فتنة لغيرك من ضعفاء الإيمان, لأنهم سيظنون أنه قد ظهر لك فيه عيب, وإلا- فلِمَ خرجت منه؟ وخاصة لو كنتَ من وُجَهاء القوم, الذين يُشار إليهم بالبنان, وهذا الشرط يعرفه الإنسان قبل دخول الإسلام, حتى يكون على بينة من أمره, ويتفكر جيداً فيما هو مُقْدِم عليه, ولنضرب لذلك مثلاً - مع الفارق العظيم قطعاً - لو أنك ذهبت لخطبة امرأة, فقال لك وليّها: سأزوجها لك بمهر زهيد جداً, ولكن لو طلقتها فستدفع لها ملايين الجنيهات.. هل هذا يشجعك على الزواج منها, أم يصدك عنها؟ إنك فى هذه الحالة ستفكر ألف مرة قبل أن تُقدِم على زواجها. فحد الردة حماية لكل الناس, لأن الذى يدخل فيه يدخل على بيِّنة, ويعلم أنه لو خرج منه فسوف يُقتَل, حتى لا يتخذ الدين هزواً, يسلم اليوم, ثم يكفر غداً, ويكفر اليوم, ثم يسلم غداً, كما فعل أهل الكتاب على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليشككوا المسلمين فى دينهم, قال تعالى: {وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [آل عمران:72]
وحد الردة لا يُطبَّق إلا على المجاهر بها, فنحن لا نتسلق الجدران على أحد لنعلم أهُوَ على دينه أم ارتد, وحتى المجاهر فإنه لا يقتل بمجرد العلم بردَّته, بل إنه يُستتاب لمدة ثلاثة أيام, أو أقل أو أكثر (على خلاف بين العلماء) وإن كانت عنده شُبُهات, فنوضحها له, فلو أصرّ بعد ذلك على كفره, يُقام عليه الحد. وجميع النُّظُم العالمية تتهم الخارج عن الدولة بالخيانة العُظمى, وعقوبتها القتل, هذا حال الخارج على نظام البشر, فكيف بالخارج على نظام الله جل وعلا؟ وقد جاء فى الكتاب المقدس رجم المرتد عن دينه بالحجارة, وإبادة الشعوب المشركة بكاملها, ليس هذا فحسب, بل حرق المدن بما فيها من بهائم وغيرها, وها هى بعض الأدلة:
وإذا أغواكَ سِرّاً أخوك ابن أمك أو ابنك أو ابنتك أو امرأة حضنك أو صاحبك الذى مثل نفسك قائلاً نذهب ونعبد آلهة أخرى لم تعرفها أنت ولا آباؤك من آلهة الشعوب الذين حولك القريبين منك أو البعيدين عنك من أقصاء الأرض إلى أقصائها فلا ترضَ منه ولا تسمع له ولا تشفق عينك ولا ترِق له ولا تستره بل قتلاً تقتله. يدك تكون عليه أولاً لقتله ثم أيدى جميع الشعب أخيراً. ترجمه بالحجارة حتى يموت. لأنه التمس أن يُطوِّحَك عن الرب إلهك الذى أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية. (تثنية13: 6-10)
إذا وُجِدَ فى وسطك فى أحد أبوابك التى يعطيك الرب إلهك رجل أو امرأة يفعل شرّاً فى عينى الرب إلهك بتجاوز عهده ويذهب ويعبد آلهة أخرى ويسجد لها أو للشمس أو للقمر أو لكل من جند السماء. الشىء الذى لم أوصِ به. وأُخبِرت وسمعت وفحصت جيداً وإذا الأمر صحيح أكيد عُمِلَ ذلك الرجس فى إسرائيل فأخرِج ذلك الرجل أو تلك المرأة الذى فعل ذلك الأمر الشرير إلى أبوابك الرجل أو المرأة وارجمه بالحجارة حتى يموت. (تثنية17: 2-5)
أما إبادة الشعوب المشركة, وحرقها بما فيها, فقد أوردنا الدليل عليه فى الرد على الشبهة رقم (179).
وجاء فى الكتاب المقدس - أيضاً - فى (الملوك الأول18: 17-40) أن النبى (إيليا) ذبح فى وادى قيشون450 رجلاً من الذين عبدوا البعل, والله أعلم.
.
(http://www.facebook.com/media/set/?set=a.219700588053385.57425.215130781843699&type=3)
http://profile.ak.fbcdn.net/hprofile-ak-snc4/211040_215130781843699_3661884_q.jpg (http://www.facebook.com/shubohat)
شبهات الملحدين و المستشرقين علي الإسلام و الرد عليها (http://www.facebook.com/shubohat)
شبهات ظالمة حول الإسلام:
الشبهة الواحدة و الثمانون (81):
- إن الإسلام انتشر بحد السيف, والآيات القرآنية تحث المسلمين على الجهاد, ونشر الإسلام بالقوة العسكرية.
الرد:
- هذه الشبهة قديمة, تتوارثها أجيال الحاقدين على الإسلام جيلاً بعد جيل, فمثلهم كمثل من قال الله فيهم: {أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الذاريات:53] وقبل أن نجيب على هذه الفِرية, نسأل من يُرَوِّجُها: ما الذى حمل الكثير من الأوربيين على اعتناق الإسلام فى عصرنا الحاضر, مع تفوقهم العلمى على المسلمين؟ هل حملهم أحد على اعتناقه بالقوة؟ أم أنهم أناس هداهم الله عز وجل, واحترموا عقولهم, ولم يتعصبوا تعصباً أعمى لدينهم, وأَعْمَلوا فِكْرَهُم فى المقارنة بين الأديان, فوجدوا أن الإسلام هو دين الحق, وكل ما عداه فهو باطل؟ وهل وُجِدَ إنسان على مر الزمان استطاع أن يقهر ما يَقْرُب من ربع سكان العالم على اتِّباعه بالقوة؟ وإن كان الدين قد انتشر بالسيف - كما تقولون - فلِمَ لم يرتدَّ أتباعه بعد ما حلَّ بالمسلمين من ضعف وهوان, كما هو معلوم الآن؟ والذين يرددون هذه الشبهة نسوا - أو تناسوا - ما جاء فى كتابهم المقدس من العنف والقسوة, وها هى بعض الأدلة:
فالآن اذهب واضرب عماليق وحرِّموا كل ماله ولا تعفُ عنهم بل اقتل رجلاً وامرأة. طفلاً ورضيعاً. بقراً وغنماً. جملاً وحماراً. (صموئيل الأول15: 3)
وسبى بنو إسرائيل نساء مديان وأطفالهم ونهبوا جميع بهائمهم وجميع مواشيهم وكل أملاكهم. وأحرَقوا جميع مدنهم بمساكنهم وجميع حصونهم بالنار. (عدد31: 9-10)
فتحطِّم القِسِىّ الفتيان ولا يرحمون ثمرة البطن. لا تشفق عيونهم على الأولاد. (إشعياء13: 18)
اعبروا فى المدينة وراءه واضربوا. لا تشفق أعينكم ولا تعفوا. الشيخ والشاب والعذراء والطفل والنساء اقتلوا للهلاك. ولا تقربوا من إنسان عليه السمة وابتدئوا من مقدسى. فابتدأوا بالرجال الشيوخ الذين أمام البيت. وقال لهم نجسوا البيت واملأوا الدور قتلى. (حزقيال9: 5-7)
لا تظنوا أنى جئتُ لألقى سلاماً على الأرض. ما جئتُ لألقى سلاماً بل سيفاً. فإنى جئتُ لأفرِّق الإنسان ضد أبيه والابنة ضد أمها والكنَّة ضد حماتها. وأعداء الإنسان أهل بيته. (متى10: 34-36)
جئتُ لألقى ناراً على الأرض. فماذا أريد لو اضطرمت. ولى صبغة أصطبغها وكيف أنحصر حتى تكمل. أتظنون أنى جئتُ لأعطى سلاماً على الأرض. كلا أقول لكم بل انقساماً. (لوقا12: 49-51)
ملعون من يعمل عمل الرب برخاء وملعون من يمنع سيفه عن الدم (إرميا48: 10)
فقال لهم لكن الآن من له كيس فليأخذه ومِزوَد كذلك. ومن ليس له فليَبِع ثوبه ويشترِ سيفاً. (لوقا22: 36)
إن الإسلام بدأ بفرد واحد, هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأين كان سيفه الذى رفعه على الناس ليسلموا؟ إن رفع السيف يحتاج لعصبة أُولِى قوة تؤازره, فأين كانت هذه العصبة, وأقرب الناس إليه قد عاداه, وعادى دعوته منذ نشأتها؟ إن الإسلام بدأ غريباً, فى مجتمع يعج بالكفر والوثنية, فقوبل بعداوة لا مثيل لها, ولاقى أتباعه فى سبيله العذاب والتنكيل والتشريد, فما الذى كان يحملهم على تحمل كل هذه الصعاب, وأغلبهم فقراء مستضعفون؟ هل كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يجبرهم على الإسلام؟ أم أنهم ذاقوا حلاوة الإيمان, فلم يرضوا عنه بديلاً؟ لقد مكثوا فى هذا التعذيب, إلى أن أشار عليهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالهجرة إلى الحبشة, فراراً بدينهم من الأذى, والذين لم يتمكنوا من الهجرة, ظلوا فى الضيق والأذى والاضطهاد, إلى أن جعل الله لهم من المدينة المنورة فرجاً ومخرجاً, وهذه كانت أول انطلاقة للإسلام خارج بلد الله الحرام, فهل كانت هذه الانطلاقة بالسيف؟ لقد بدأت بإيمان مجموعة من الرجال, شرح الله تعالى صدورهم للإسلام, وبايعوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى موسم الحج على ستة أشياء, وهى التى ذُكِرَت فى سورة (الممتحنة) ولذلك سُمِّيَت (بيعة النساء) لأنها مثل بيعتهن, ألا وهى:1- ألا يشركوا بالله شيئاً, 2- ألا يسرقوا, 3- ألا يزنوا, 4- ألا يقتلوا أولادهم (كما كان منتشراً فى الجاهلية) 5- ألا يأتوا ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم, 6- ألا يعصوه فى معروف, ثم رجعوا إلى قومهم دُعاة إلى الله, فشرح الله بهم الصدور, وأنار بهم العقول, فى وقت من أصعب الأوقات عليهم, فقد كانت بين الأوس والخزرج عداوات وإحَن, وبغضاء وحروب, وكان من أشهرها حرب (بُعَاث) التى استمرت لعشرات السنين, لا تنطفئ نارها, ولا يهدأ شررها, وسالت فيها دماؤهم أنهاراً. فحين رأى أهل يثرب أخلاق هؤلاء المؤمنين قد تغيرت, أسلموا وحَسُنَ إسلامهم, وكان فى إسلامهم حَقْن لدمائهم, فقد ألَّف الله عز وجل بين قلوبهم {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63] ثم هاجر إليهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد أن أخذ العهد عليهم أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأطفالهم (أى يدافعون عنه ضد أى عدوان) وأقام دولة الإسلام على أرضهم, التى تبعد عن موطنه ومحل نشأته بخمسمائة كيلو متر, تقطعها أكباد الإبل فى أكثر من عشرة أيام. ولكن لم يكتفِ أعداؤه من قومه بأنهم أخرجوه من أحب البقاع إليه, وأخرجوا أصحابه - رضوان الله عليهم - من ديارهم وأموالهم (أى أنهم كما نقول بلغتنا: تركوا لهم الجمل بما حمل) فبدأوا يكيدون له ولأتباعه, ليقتلعوا الدولة الإسلامية من جذورها, فأذِنَ الله سبحانه وتعالى له ولأصحابه بالقتال, للذود عن حياضهم, ولتأمين أنفسهم وأعراضهم وأموالهم, لتكون كلمة الله هى العليا, فكان أول ما نزل من آيات القتال: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ{39} الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:39-40] فبيَّن سبحانه وتعالى فى هذه الآيات أنه أَذِنَ للمؤمنين بالقتال لأنهم {ظُلِمُوا} و{أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} وأنه لولا القتال {لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً} لأن الكثير من الناس لا يهدأ لهم بال, ولا يَقِرّ لهم قرار, إلا بالتخريب, وإشاعة الرعب والفزع بين عباد الله الآمنين, والاعتداء على حُرُمات الله, وأماكن عبادته, فكان لابد من ردعهم بالقوة, حيث لا تنفعهم الموعظة, وبيَّن سبحانه أن التمكين للمؤمنين فى الأرض ليس لغرض دنيوى, أو لحب الاستبداد والسيطرة على العباد, فقال فى الآية التى تليها: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ} وليس كما يفعل أعداء الله اليوم, الذين يرفعون شعار الحرية والديمقراطية, ثم يدمرون البلاد, ويقتلون العباد, ولا يرحمون مريضاً, ولا طفلاً صغيراً, ولا شيخاً كبيراً, ولا امرأة عجوزاً, بل يُغِيرون بكل ما آتاهم الله من قوة على المستضعفين العُزَّل, وبعد هذا يثيرون الشبهات حول الإسلام, ويقولون إنه انتشر بالقوة! لقد كان معظم قتال الرسول - صلى الله عليه وسلم - إما لاسترداد بعض حقوق المسلمين (كما حدث فى موقعة بدر) وإما للدفاع عن المدينة المنورة, وتأمين الدولة الإسلامية من اعتداءات قبائل العرب من المشركين, الذين تألبوا وتحزبوا واجتمعوا على قتاله, هم وأعوانهم من يهود المدينة, فأمر الله عز وجل بقتالهم: {وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً} [التوبة:36] فجاهد - صلى الله عليه وسلم - هو وصحابته الكرام - رضوان الله عليهم - فى سبيل الله حق جهاده, إلى أن نصر الله دينه, ومَكَّنَ له فى أرضه, وأصبحت الدولة الإسلامية لا يلين لها جانب, ولا يستطيع أحد أن ينال من عزتها وكرامتها. ومن أبْدَى له الرغبة فى التعايش السلمى, وعدم التعرض له ولأصحابه بالأذى, وعدم مُظاهرة أحد على قتاله, لم يمتنع أن يعقد معهم العهود والمواثيق, حتى لو لم يعلم صدق نيتهم {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنفال:61] وذلك مثل ما حدث بينه وبين بعض قبائل العرب من المشركين واليهود, وكان أعظمها صُلح الحديبية, الذى كان مفتاح انطلاقة للإسلام إلى خارج الجزيرة العربية, ولذلك سماه الله سبحانه وتعالى فتحاً مبيناً {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً} [الفتح:1] لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان مشغولاً قبل هذا الصلح, وأصحابه الكرام - رضوان الله عليهم - بكَفّ أذى المشركين عنهم, والدفاع عن دينهم وأرضهم - كما أشرنا من قبل - فبدأ الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد هذا الصلح بإرسال الرسل إلى رؤساء وملوك الدول المجاورة, ليعرض عليهم الدخول فى الإسلام بطريقة سِلمية, كان من بينها رسالته إلى هرقل عظيم الروم ((بسم الله الرحمن الرحيم, من محمد عبد الله ورسوله, إلى هرقل عظيم الروم, سلام على من اتبع الهدى, أما بعد: فإنى أدعوك بدعاية الإسلام, أَسْلِم تَسْلَم, يُؤتِكَ الله أجرك مرتين, فإن توليتَ فإن عليك إثم الأريسيين, و{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ})) [صحيح البخارى] أما قتال من أجرى معهم الصلح, فإن ذلك كان لنقضهم عهدهم معه, كما قال الله عز وجل: {أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [التوبة:13] فلو كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يحب حمامات الدم - كما يقولون - لَمَا قبل من أحدٍ صُلحاً, ولأَصَرَّ على القتال حتى يُسلموا, والشاهد على ذلك أنه عندما فتح مكة, قال أحد الصحابة - رضوان الله عليهم -: اليوم يوم الملحمة, اليوم أذلَّ الله قريشاً, فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اليوم يوم المرحمة، اليوم يُعِزُّ الله قريشاً)) [رواه الأموى فى المغازى] وقصته مع من اضطهدوه وعذبوا أصحابه وحاربوه معروفة, حين قال لهم: ((اذهبوا فأنتم الطلقاء)) [أخرجه البخارى فى المغازى] فلو كان فى طبعه سفك الدماء, لانتقم منهم بعد الفتح. وانظروا إلى من يقومون بانقلابات عسكرية للإطاحة بحكامهم.. ماذا يفعلون بمن أطاحوا بهم؟ إنهم لا يكتفون بعزلهم عن حكمهم, بل ويقيمون لهم المشانق والمذابح, لأنهم بذلك - من وِجهة نظرهم - يقطعون رؤوس الفساد, التى أذلَّت العباد, أما الرسول - صلى الله عليه وسلم - فكان لا يغضب لنفسه قط, إلا أن تُنتَهك حُرُمات الله, ومن يدرس سيرته المطهَّرة, يجد الكثير من أمثلة عفوه عَمَّن أراد قتله, ولو تكلمنا عن هذا ما انتهينا, ولو كان محباً للقتال لَمَا قال: ((أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو, واسألوا الله العافية, فإذا لقيتموهم فاصبروا, واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف, اللهم مُنزِلَ الكتاب, ومُجْرِىَ السحاب, وهازم الأحزاب, اهزمهم, وانصرنا عليهم)) [متفق عليه]
إن جملة من قُتِل من المسلمين والمشركين فى جميع الغزوات والسرايا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - 386, فى حين أن الصِّرب قتلوا من الكُرْوات خمسمائة ألف, فى الحروب الطائفية التى دارت بينهم منذ عشرات السنين, وفى الحملة الصليبية التى شهد التاريخ ببشاعتها, قتل الصليبيون مائة ألف من المسلمين واليهود, فى أول يوم من حملتهم, وتعقبُّوا من لجأ إلى بيت المقدس ليحتمى به, وذبحوهم بداخله, حتى إن الخيول كادت تسبح فى دماء المسلمين, وغير ذلك الملايين من الذين قتلهم هتلر, وستالين, وموسولينى, وغيرهم من الجبابرة. ولم يَرِد عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قط أنه أجبر أحداً من الأسرى, أو أحداً من الوفود التى كانت تأتيه فى المدينة على الدخول فى الإسلام, حتى إن الله عز وجل أمره أن يعطى الأمان لمن استجار به من المشركين, ولو ممن أُمِرَ بقتالهم, حتى يُسْمِعَه كلام الله, ثم يرده إلى أهله, ولو لم يُسْلِم {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ} [التوبة:6] وكان - صلى الله عليه وسلم - يوصى بالأسرى, فامتثل أصحابه - رضوان الله عليهم - لأمره, حتى أثنى الله عليهم بقوله: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً} [الإنسان:8] وكان - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن التعرض بأى أذى لمن عاهدهم على الصلح أو دفع الجزية, فقال: ((ألا من ظلم مُعاهَداً, أو انتقصه حقه, أو كلَّفه فوق طاقته, أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس منه, فأنا حجيجه يوم القيامة)) [سنن أبى داود, صحيح الجامع:2655] وقال: ((من قتل مُعاهَدَاً لم يَرِح رائحةَ الجنةِ, وإن ريحَهَا ليوجد من مسيرةِ أربعينَ عاماً)) [صحيح البخارى] فهل عرف التاريخ إحساناً إلى الأسرى, أو وفاءً للعهود مثل هذا؟
وكما انتشر الإسلام فى المدينة المنورة بالدعوة إلى الله بالحسنى, وبالأخلاق الحسنة, فقد انتشر فى معظم البلدان الأسيوية والأفريقية, دون حمل لأى سلاح, ولم يكن إسلام هذه البلدان ببيعة كبيعة أهل المدينة, ولكن بأخلاق التجار المسلمين, فقد كانت تربط الجزيرة العربية بهذه البلدان تجارات كثيرة, كالتى نسميها بلغتنا (استيراد وتصدير) فرأى أهل هذه البلاد أن العرب قد تغيرت أخلاقهم, فبعدما كانوا كذابين, غشاشين, مماطلين, مرابين, أصبحوا أمناء, صادقين, موفين بالعهود, لا يغشون, ولا يخدعون, ولا يماطلون, بالإضافة إلى السماحة فى البيع والشراء, وحسن المعاملة, وإيثار بعضهم على بعض, فتعجبوا لما حدث لهؤلاء التجار, وتساءلوا عن سر تغيرهم, فعلموا أنه الإسلام, فدخلوا فى دين الله أفواجاً, والدليل على ذلك أكبر الدول الإسلامية, وهى (إندونسيا) فهل فتحها المسلمون بالحرب؟ فمن ادَّعى ذلك, فليقل لنا مَن فَتَحَها؟ ومتى فتحها؟ وليقل لنا - على سبيل المثال - من فتح ماليزيا, وطاجيكستان, وأوزبكستان؟ أما البلاد الأخرى التى فتحها المسلمون بالجهاد (مثل مصر) فإنهم لم يهجموا على شعوب هذه البلاد هجمات بربرية شرسة, لأغراض دنيوية, كما يحدث فى عصرنا الحاضر (كما فى العراق) ولم يكن لإكراه الناس على الدخول فى الإسلام {أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} [يونس:99] ولكن كما قال رِبْعِى بن عامر - رضي الله عنه - لرُسْتم قائد جيوش الفرس: (إن الله ابتعثنا لنُخرِج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد, ومن ضِيق الدنيا إلى سَعَة الآخرة, ومن جَوْر الأديان إلى عدل الإسلام) فقد كانت هذه الشعوب ترزح تحت وطأة الحكام الجبابرة من الفرس والروم, الذين يحكمون الناس بالحديد والنار, وحين فتح المسلمون هذه البلاد رفعوا الظلم عن العباد, وكفلوا لهم حرية العقيدة, وأمَّنوهم فى ديارهم من بطش أعدائهم, ولم يتعرضوا لأماكن عبادتهم, فأحبَّهم الناس لِمَا رأوه من حسن أخلاقهم, ورحمتهم, وعدلهم, وحسن معاملتهم التى لم يعهدوها فى أبناء دينهم, فأسلموا وحَسُنَ إسلامهم.
إن الله سبحانه وتعالى أرسل رسوله - صلى الله عليه وسلم - للعالمين {لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ} [الأنعام:19] {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] {لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} [الشورى:7] {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85] فلابد من توصيل دعوته للعالمين, فالإسلام نور, ومن حق كل إنسان أن يصله هذا النور بالْحُجَّة والبيان, لا بالشتم والتجريح, كما يفعل أعداؤنا. ولكى تصل الدعوة إلى هذه البلاد, فلابد أن يُفسَحَ لها الطريق بغير قتال, ولكن إذا لم يُفسَح لها الطريق, فلنتصالح مع أهل هذه البلاد (الذين استكبروا عن قبول الدعوة) على دفع الجزية, ولا نتعرض لهم ولا يتعرضون لنا بأى أذى, وهى حق جعله الله عز وجل للمسلمين {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:29] وبديهى أن الذى سيدفع الجزية لابد له أولاً أن يعلم لمن ولماذا سيدفعها؟ وهذا فى حد ذاته يجعله يسأل عن هذا الدين الجديد, وبهذا تصل الدعوة إليه, فإن أسلم فَبِهَا ونِعْمَت, وإن استمر على كفره, استمر على دفعها, جزاءً لاستكباره على أمر ربه, ومقابل تأمينه من التعرُّض له بأى أذى (ومعلوم أن الجزية لا تفرض على النساء والأطفال والعبيد, وذوى العاهات, أو غير القادرين) فإن أَبَوْا أن يعطونا الجزية, فلنقاتل من حال بيننا وبين تبليغ رسالة ربنا, أما من لم يعترض طريقنا, فلا سبيل لنا عليه, وبعد إبلاغ الدعوة للناس بالْحُجَّةِ والبيان, لا يُقهَر أحد على الدخول فى الإسلام {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة:256] {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:29] ومعنى هذا أننا لا نقاتل غير المحاربين, الذين صدونا عن إبلاغ الدعوة بالحسنى, على نقيض ما جاء به الكتاب المقدس, حين قال: حين تقرب من مدينة لكى تحاربها استدعها إلى الصلح. فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويُستعبَد لك. وإن لم تسالمك بل عملت معك حرباً فحاصرها. وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف. وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما فى المدينة كل غنيمتها فتغتنمها لنفسك وتأكل غنيمة أعدائك التى أعطاك الرب إلهك. هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جداً التى ليست من مدن هؤلاء الأمم هنا. وأما مدن هؤلاء الشعوب التى يعطيك الرب إلهك نصيباً فلا تستبقِ منها نسمة ما. بل تحرمها تحريماً الحِثيين والأموريين والكنعانيين والفرزيين والحويين واليبوسيين كما أمرك الرب إلهك (تثنية20: 10-17) ففى هذا النَّص أمْر باستعباد الشعوب التى رضيت بالصلح, أمّا التى لم ترضَ بالصلح, فيُقتَلُ جميع ذكورها (سواء المحاربين منهم أو غير المحاربين) وأمّا النساء والأطفال والبهائم, فيؤخَذون كغنائم, وهذا هو الحال فى المدن البعيدة جداً, أمّا المدن القريبة (وهى الستة أمم المذكورة فى النَّص) فالحال فيها مختلف, فلا يُقتَلُ ذكورهم وتُسبَى نساؤهم, بل يُبادون إبادة جماعية (فلا تستبْقِ منهم نسمة ما) هل هذا يُقارَن بما أمرنا به رسولنا - صلى الله عليه وسلم - فى قوله: ((اغزوا باسم الله, وفى سبيل الله, وقاتلوا من كفر بالله, اغزوا ولا تغلُّوا, ولا تغدروا, ولا تمثِّلوا, ولا تقتلوا وليداً, وإذا لقيتَ عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال, فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم, وكُفَّ عنهم: ادعهم إلى الإسلام, فإن أجابوك فاقبل منهم, وكُفَّ عنهم, ثم ادعهم أن يتحولوا من دارهم إلى دار المهاجرين, وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين, فإن أبَوْا أن يتحولوا منها, فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين, يجرى عليهم حكم الله الذى يجرى على المؤمنين, ولا يكون لهم فى الغنيمة والفَىْء شىء, إلا أن يجاهدوا مع المسلمين, فإن هم أبَوْا, فسَلْهُم الجزية, فإن هم أجابوك فاقبل منهم, وكُفَّ عنهم, فإن أبَوْا فاستعِن بالله وقاتلهم, وإذا حاصرت أهل حصن, وأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه, فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه, ولكن اجعل لهم ذمتك, وذمة أصحابك, فإنكم إن تَخْفِروا ذممكم وذمم أصحابكم, أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله, وإذا حاصرت أهل الحصن, فأرادوك أن تُنْزِلهم على حكم الله, فلا تُنْزِلهم على حكم الله, ولكن أنزلهم على حكمك, فإنك لا تدرى أتصيب حكم الله فيهم أم لا)) [صحيح الجامع:1078] وقوله حين رأى امرأة مقتولة: ((ما كانت هذه لتقاتل)) (أخرجه أبو داود والنسائى وابن حِبّان) وقوله: ((تألَّفُوا الناس, وتأنَّوْا بهم, ولا تُغِيرُوا عليهم حتى تدعوهم, فما على الأرض من أهل مَدَر أو وَبَر أن تأتونى بهم مسلمين, أحبّ إلىَّ من أن تأتونى بأبنائهم ونسائهم, وتقتلوا رجالهم)) (أخرجه ابن منده وابن عساكر عن عبد الرحمن بن عائذ) وقوله: ((انطلقوا باسم الله, وبالله, وعلى ملة رسول الله, لا تقتلوا شيخاً فانياً, ولا طفلاً, ولا صغيراً, ولا امرأة, ولا تَغُلُّوا, وضموا غنائمكم, وأصلحوا, وأحسنوا, إن الله يحب المحسنين)) [ضعيف الجامع:1346] وقوله: ((ما بال أقوام جاوز بهم القتل اليوم حتى قتلوا الذرية؟ ألا إن خياركم أبناء المشركين, ألا لا تقتلوا ذرية, ألا لا تقتلوا ذرية, كل نسمة تولد على الفطرة, فما يزال عليها, حتى يُعْرِب عنها لسانها, فأبواها يُهوِّدانها, أو يُنصِّرانها)) [صحيح الجامع:5571] ((ألا إن خياركم أبناء المشركين)) معناها أن الصحابة - رضوان الله عليهم - كانوا من أبناء المشركين, فربما يهدى الله هؤلاء الأطفال كما هداهم. وقد ((نهى عن النُّهبى, والْمُثلة)) [صحيح الجامع: 6917] وقال لمعاذ بن جبل - رضي الله عنه - حين بعثه لأهل اليمن: ((إنك ستأتى قوماً أهل كتاب, فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله, فإن هم أطاعوا لك بذلك, فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات فى كل يوم وليلة, فإن هم أطاعوا لك بذلك, فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة, تؤخذ من أغنيائهم, فتُرَدّ على فقرائهم, فإن هم أطاعوا لك بذلك, فإياك وكرائم أموالهم, واتقِ دعوة المظلوم, فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)) [صحيح الجامع:2298] ففى هذه الأحاديث وغيرها, يتضح منهج الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى القتال.. لا غدر- لا غُلول - لا تمثيل بالقتلى (وإن مثَّلوا بقتلانا) - لا لقتل الأطفال والنساء والشيوخ - لا للتعذيب - لا للإجهاز على الجرحى - لا للتعرض للعابدين فى صوامعهم - لا لحرق الأشجار, ولا لردم الآبار, ولا لتخريب الديار, لا للظلم والإذلال, لا للقهر والاستغلال... إلخ, حتى إنه - صلى الله عليه وسلم - لم يترك جثث الكفار لتأكلها السباع والهوام, ولكن أمر بدفنها فى القَلِيب, بعد انتصاره عليهم فى موقعة بدر, على عكس ما جاء فى الكتاب المقدس: هَأنذا أجلبُ عليكَ شرّاً وأبيدُ نسلكَ... لأجل الإغاظة التى أغظتنى ولجعلك إسرائيل يخطئ. وتكلم الرب عن إيزابل أيضاً قائلاً إن الكلاب تأكل إيزابل عند مترسة يزرعيل. من مات لآخاب فى المدينة تأكله الكلاب ومن مات فى الحقل تأكله طيور السماء. (الملوك الأول21: 21-24) وجاء فيه أيضاً التمثيل بالجثث (كما ذكرنا فى الرد على الشبهة رقم 86, وبالله التوفيق) والدليل على أن المسلمين لم يقهروا أحداً على الدخول فى الدين, هو وجود غير المسلمين ببلاد الإسلام إلى عصرنا هذا, وإلا- لكان أجدادهم قُتِلوا, فلم يبقَ نسلهم.
ونلاحظ مما تقدم أننا لا نفاجئ الناس بالهجوم عليهم, بل نعرض عليهم الإسلام, ونعطيهم فرصة ثلاثة أيام, لدرجة أنه قد حدث فى عهد أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - أن قائد الجيوش, واسمه (قُتَيبة بن مسلم) فاجأ أهل (سَمَرقند) بالهجوم عليهم, وفتح ديارهم, فاشتكوا إلى الخليفة أنه لم يعطهم الفرصة ليتفكروا فى أمرهم, فأمره الخليفة بالرجوع بجنوده من بلادهم, فلما رأى أهلها ذلك الخُلُق العالى, والعدل والإنصاف, الذى لا يُتَوَقَّع ممن انتصر على قوم, ودخل ديارهم, أسلموا, وأجازوا دخوله لبلادهم طواعية منهم.
إن القاعدة فى الإسلام هى السلام, والحرب هى الاستثناء للضرورة, والضرورة إما أن تكون للدفاع عن النفس, والعِرض, والمال, والوطن المسلم ضد الاعتداء, وهذا ما يسمى بجهاد الدفع (أى الدفاع) قال الله تعالى: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة:190] وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( من قُتِلَ دونَ مالِهِ فهو شهيد, ومن قُتِلَ دونَ دَمِهِ فهو شهيد, ومن قُتِلَ دونَ دينِهِ فهو شهيد, ومن قُتِلَ دون أهلِهِ فهو شهيد)) [صحيح الجامع:6445] أو للدفاع عن الدعوة, إذا وقف أحد فى سبيلها, بتعذيب من آمن بها, أو بصدّ من أراد الدخول فيها, أو بمنع الداعى من تبليغها, وهو ما يسمى بجهاد الطلب, قال تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ{191} فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{192} وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ{193} الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [البقرة:191-194]
والجهاد فى الإسلام إما فرض عَيْن, وذلك أولاً: على من حضر القتال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ{15} وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال:15-16] وثانياً: إذا أغارت دولة كافرة على ديار الإسلام, ففى هذه الحالة يكون الجهاد فرضاً على كل مسلم ومسلمة, حتى إن المرأة تخرج للجهاد, ولو بغير إذن زوجها, فى حين أنها لا تخرج للحج إلا بإذنه, ويخرج الابن بغير إذن أبيه, والعبد بغير إذن وليّه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ{38} إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التوبة:38-39] {انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [التوبة:41] وثالثاً: على من أمره الحاكم المسلم بالجهاد فى سبيل الله, وليس لِحَمِيَّة جاهلية, أو اعتداء على الأبرياء, كما يحدث - للأسف - فى عصرنا هذا, من اعتداء دولة مسلمة على دولة أخرى مسلمة, قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا ترجعوا بعدى كفاراً, يضربُ بعضُكم رقابَ بعض)) [متفق عليه] وقال: ((من قاتل لتكون كلمة الله هى العُليا, فهو فى سبيل الله)) [متفق عليه] وقال: ((لا طاعة فى معصية الله, إنما الطاعة فى المعروف)) [صحيح مسلم]
وإما أن يكون الجهاد فرض كفاية, إن قام به البعض سقط عن الآخرين, وذلك أولاً: إذا وقع الظلم على أقلية مسلمة تعيش فى البلاد الكافرة, كالتشريد والقتل والاضطهاد, مثل التطهير العرقى الذى حدث فى البوسنة والهرسك منذ عدة سنوات, هنا يهب المسلمون لنصرة إخوانهم, ورفع الظلم عنهم, وتمكينهم من ممارسة عباداتهم وشعائرهم بغير خوف, ولا تقييد لحرياتهم {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً} [النساء:75] وليس معنى كلمة (فرض كفاية) أن تقوم به أقلية لا يتم بها الغرض من دفع العدوان عن إخوانهم, ولكن بالعدد والإمكانيات التى تتم بها الكفاية. وثانياً: هو الجهاد الدَّعوِىّ (وهو غير مسموح به الآن لأن المسلمين مستضعفون) وهو أن يُسمَح لعلماء المسلمين بدعوة غيرهم بالحسنى {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران:64] فإن استكبروا عن سماع الحق, فليدفعوا الجزية, وإلا- فالقتال, قال تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122] وقال رسوله - صلى الله عليه وسلم -: ((أُمِرْتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله, ويقيموا الصلاة, ويؤتوا الزكاة, فإذا فعلوا ذلك, عصموا منى دماءهم, وأموالهم, إلا بحقها, وحسابهم على الله)) [صحيح مسلم] وهذا الحديث هو عُمْدَة حُجَجَ الكافرين الواهية, فى ادِّعائهم على الإسلام بأنه انتشر بالسيف, وهو ما يلتبس أمره أيضاً على كثير من المسلمين. وقبل أن نجيب عن هذا, نود أن نسألكم: هل كان بوِسْع الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو صحابته الكرام - رضوان الله عليهم - أن يتأكدوا من إسلام كل الناس, وأنهم يقيمون الصلاة, ويؤتون الزكاة, حتى لو حاربوهم؟ إن هذا ليس بمقدور أحد من البشر, مهما بلغت قوته, وكثر أتباعه, ولكن الغرض من الحديث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أُمِرَ بتبليغ الدعوة للناس, وإن اقتضى الأمر أن يقاتل مَن حالَ بينه وبين تبليغها, وهذا ما ذكرناه من أننا نقاتل من صدنا عن تبليغ رسالة ربنا, ونحب أن نضع ألف خط تحت قول (من صدنا) أمّا من سالمنا, ولم يقف فى طريقنا, فلا سبيل لنا عليه {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً} [النساء:90] إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان إذا بعث سراياه, أمرهم ألا يُغِيروا على قوم يسمعون منهم النداء بالصلاة, فهل كان متأكداً أن كل أهل القرية مسلمون, ويقيمون الصلاة, ويؤتون الزكاة؟ أم أن هذا مجرد دليل على أن دعوة الإسلام قد وصلتهم؟
وقبل أن نفارق هذه الشبهة - التى أطلنا الحديث عنها - نقول وبالله التوفيق: إنه من المعلوم فى أى مكان فى العالم, أنه لابد من التسلسُل القيادى, فكل هيئة من الهيئات لها رئيس, ومجموع تلك الهيئات تخضع لوزارة معينة, فمثلاً: وزارة الصحة.. تتبعها جميع المراكز الصحية والمستشفيات والإدارات التابعة لها, ولكُلّ من هذه المراكز والمستشفيات والإدارات رئيس أو مدير, وفوق هذا المدير مدير آخر, إلى أن نصعد فى السلم الوظيفى إلى الوزير, أليس كذلك؟ وما نقوله عن وزارة الصحة ينطبق على جميع الوزارات, وكل هذه الوزارات مجتمعة لها رئيس يسمى (رئيس الوزراء) وكذلك كل محافظة لها رئيس أو محافظ, ثم فى النهاية يصل حكم الدولة كلها إلى واحد, وهو رئيس الدولة أو الملك, وكأن التسلسل القيادى يأخذ شكلاً هرمياً, قاعدته مديرون ورؤساء كثيرون, ثم يعلو إلى رؤساء أقل منهم عدداً, ثم يعلو إلى حاكم واحد. ربما يتعجب البعض ويقولون: ما دخل كل هذا بموضوعنا؟ وأقول لكم: إن ما أريد أن أصِل إليه هو: كما أنه لا يصلح أن يحكم أى دولة إلا حاكم واحد, فلابد أن يكون لكل العالم حاكم واحد, وهو الله جل وعلا, بل إنه سبحانه وتعالى أحكم الحاكمين {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين:8] وإذا كان أى حاكم - {وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} - لا يرضيه أن يخرج أحد من رعيّته على حكمه, فكيف بالله سبحانه وتعالى؟ كيف يخرج أحد من خلقه على حُكمه؟ أترضون لله ما لا ترضونه لأنفسكم, وهو خالقكم, ورازقكم, ومدبر أمركم, ومن بيده محياكم ومماتكم؟ {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] فتوحيد الله وعبادته حق على عباده, وهو الغنى عنهم {إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر:7] {أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [آل عمران:83] قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا مُعاذ بن جبل.. هل تدرى ما حق الله على عباده, وما حق العباد على الله؟ فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً, وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً)) [صحيح الجامع:7968], والله أعلم.
يتبع
كوبرلّي
2011-10-23, 11:02 PM
جزاك الله خيرا اختي الكريمةpppo
Miss Invisible
2011-10-23, 11:19 PM
شكرا حضورك الراقي
شكراً ل تواجدك ومرورك العطر
جزاك الله مثله
كوبرلّي
تحياتي
http://profile.ak.fbcdn.net/hprofile-ak-snc4/276779_317321196615_786107385_n.jpg (http://www.facebook.com/media/set/?set=a.437653831615.229993.317321196615&type=1)
Miss Invisible
2011-10-23, 11:23 PM
الشبهة الثانية و الثمانون (82):
- لماذا تفتخرون بدينكم, وتدعوننا للدخول فيه؟ فإن الدين بالوراثة, فابن اليهودى يكبر ويَشِب على دين أبيه, وكذلك ابن المسيحى, وابن المسلم, فكيف نترك ديننا, وهو دين آبائنا, وندخل فى دين آبائكم؟
الرد:
- من قال لكم إننا نفتخر عليكم, أو على غيركم؟ إن ديننا مِنَّة من الله علينا, ونحن غير متمسكين به لمجرد أنه دين آبائنا, ولكننا مقتنعون به تمام الاقتناع. إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - وهو خير خلق الله - لم يفتخر بنفسه حين عدَّد نِعَم الله عليه, فقال: ((أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر, وبيدى لواء الحمد ولا فخر, وما من نبى يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائى, وأنا أول شافع, وأول مُشَفَّع, ولا فخر)) [صحيح الجامع:1468] فالمسألة ليست قضية تفاخُر, إنها قضية حق وباطل, ونحن نريد لكم الخير باتباع الحق, لتفوزوا بسعادة الدنيا والآخرة, ولا تكونوا كالذين تمسكوا بدين آبائهم, ولم يؤمنوا بأنبيائهم, فتكونوا كالذين قال الله فيهم: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ} [المائدة:104] فإن الحق لا يتجزَّأ, وسبيله واحد, هو الإيمان بالله, وبجميع أنبيائه ورسله, والإيمان بخاتم المرسلين - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين - أما سُبُل الباطل فهى كثيرة, فنحن ندعوكم للمناظرة الهادئة, الهادفة, العاقلة, المستنيرة, المبنية على العلم, وليس على الحَميَّة العمياء, لمجرد التمسك بدين الآباء, و{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران:64], والله أعلم.
الشبهة الثالثة و الثمانون (83):
- إن الذين دخلوا فى الإسلام من مصر كانوا هم الفقراء, لأنهم لم يستطيعوا دفع الجزية, أما الأغنياء الذين استطاعوا أن يدفعوها, فلم يدخلوا فيه.
الرد:
- لو كان الفقراء هم الذين دخلوا فى الإسلام كما تقولون, فلِمَ لم يخرجوا منه بعد ذلك؟ وخاصةً أن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - بعد أن فتحها, ترك فيها عدداً قليلاً من الجنود, كان يسهل على المصريين حينها أن ينقلبوا عليهم. وهل كانت الجزية بالقَدْر الذى يعجزهم عن دفعها؟ لقد كانت قيمتها دينارين فى السنة, عن الرجل البالغ العاقل, مقابل الدفاع عنه, والدينار قيمته أربع جرامات وربع الجرام من الذهب. وبفرض أن البعض كان لا يستطيع دفعها, فإنها فى هذه الحالة تسقط عنه, بل إن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أسقطها عن الرجل الكبير الذى وجده يتسول ليجمعها, وأمر له بعطاء من بيت مال المسلمين. وهناك كتاب اسمه (السيف الثقيل) كان فى مصر, ولكنه سُرِقَ أيام نابليون بونابرت, ووُضِعَ بمتحف (اللوفر) فى فرنسا, وهو كتاب مخطوط يحتوى على المناظرات التى تمت بين الصحابة - رضوان الله عليهم - والقساوسة المصريين, وقد اقتنع منهم الكثير, ودخلوا فى الإسلام, كما دخل فيه الكثير من أهلها طواعية, لَمّا رأوا سماحته, ومعاملة أهله الطيِّبين, وهم الذين حولوا كنائسهم إلى مساجد. فسيدنا عمرو لم يهدمها, ولكنه بنى فى ظهر كل كنيسة مسجداً, وكان لهذه الكنائس أبراج عالية لدَقِّ الأجراس, فحين أسلم أهلها, حولوا هذه الأبراج إلى مآذن, وجعلوا لها سلالم ليصعد عليها المؤذن وينادى بالصلاة, فلم تكن المآذن معروفة فى المساجد قبل هذا, وقد حدث الأمر نفسه فى البلاد الأخرى التى دخلها الإسلام. إن الجيش الذى فتح مصر كان قوامه 1550 مقاتلاً, وكان هذا العدد قليلاً جداً بالنسبة لأهل مصر, الذين كان يُقدَّر تعدادهم بحوالى مليون نسمة أو يزيدون, وبعد فتحها لم يمكث بها إلا القليل, حوالى ألف, أو خمسمائة, وهم عبارة عن قوة حاكمة, يسمونها الحامية الإسلامية, والباقى ذهب لفتح ليبيا وتونس والمغرب, والأراضى المجاورة لها. والصحابة - رضوان الله عليهم - كان بينهم وبين المصريين وُدّ ومحبة, لأن بينهم نسباً, فإن السيدة هاجر - رضى الله عنها - أم سيدنا إسماعيل أبى العرب - على نبينا وعليه الصلاة والسلام - كانت مصرية, وكذلك السيدة مارية القبطية - رضى الله عنها – زوج الرسول - صلى الله عليه وسلم - كانت أيضاً مصرية. ولذلك فإن المصريين أكْبَروا الصحابة - رضوان الله عليهم - وأحبُّوهم, ودخلوا فى دين الله أفواجاً بسبب هذا النسب, وبسبب المعاملة الطيبة التى وصى بها الرسول - صلى الله عليه وسلم - صحابته حيث قال: ((إنكم ستفتحون مصر, وهى أرض يُسَمَّى فيها القيراط, فإذا فتحتموها فاستوصوا بأهلها خيراً, فإن لهم ذمَّة ورَحِمَاً, فإذا رأيتَ رجلين يختصمان فى موضع لَبِنَة فاخرج منها)) [صحيح الجامع:2307] بل إن المصريين انضموا إليهم, وقاتلوا معهم قتالاً مريراً ضد الرومان, لأن الرومان كانوا قد أذلُّوهم, وساموهم سوء العذاب, حتى إنهم اضطهدوا باباواتهم, وهرب كبير الباباوات (بنيامين) إلى وادى النطرون, والذى أمَّنه ورجَّعه هو عمرو بن العاص - رضي الله عنه -. والجزية لم يبتدعها الإسلام, ولكنها كانت فى الديانات التى قبلنا, وقد ذكرنا بعض ما جاء بشأنها فى الكتاب المقدس, فى الرد على الشبهة رقم (79), والله أعلم.
الشبهة الرابعة و الثمانون (84):
- إن المسلمين ليسوا مصريين, ولكنهم أبناء العرب, بينما أصحاب البلاد الحقيقيون المصريون هم أقباط مصر, فهم أوْلى بها, والمسلمون غرباء عنها.
الرد:
- غالبية المصريين, الذين تسمونهم أقباط مصر, أسلموا طواعية - كما ذكرنا فى السؤال السابق - عندما رأوا الفرق بين المسلمين والرومان الذين هم على ملِّتهم, فبينما كان الرومان يسومونهم سوء العذاب, جاء الإسلام فرفع الظلم عنهم, وأعطاهم حريتهم, ورأوا أخلاق الصحابة - رضوان الله عليهم - وعدلهم, وورعهم, وتقواهم, فآمنوا بدينهم. والكل يعرف قصة الشاب المصرى الذى تسابق مع ابن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - فسبقه, فضربه ابن عمرو, وقال له: أتسبقنى وأنا ابن الأكْرَمَيْن؟ فغضب الولد واشتكى لأبيه, فذهب به إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - واشتكى له, فما كان من عمر إلا أن بعث برسالة عاجلة - من أبلغ ما يكون - إلى عمرو بن العاص, يقول له فيها: من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص أمير مصر: يَدُكَ فى الخطاب, ورِجلُك فى الرِّكاب, وأْتِنى بوَلَدِك. فذهبا إليه, واستمع لقولهما وقول الشاب المصرى, فقال لعمرو: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟ ثم أمر الشاب المصرى أن يضرب ابن الأمير كما ضربه, بل ويضرب الأمير نفسه على رأسه, وحين تساءل الأمير: لماذا يضربنى وقد أخذ حقه؟ فقال له: لولا أنت ما ضربه. فهذه الحادثة التى لم يعرف التاريخ لها مثيلاً, وغيرها من صُوَر العدل والرحمة, جعلت الكثير من أهل مصر يدخلون فى دين الله, وحَسُنَ إسلامهم, ولو كان إسلاماً ظاهرياً بالحديد والنار, لانقلبوا بعد ذلك, كما انقلب أتباع الشيوعية بعد انقضاض عريشها, فمجموع المسلمين فى مصر معظمهم إذن هم أبناء السلف الذين دخلوا فى دين الله أفواجاً, وبتزاوج العرب والقِبط صاروا وأبناؤهم مزيجاً ونسيجاً مصرياً عربياً مسلماً. ثم إن الإسلام ليس ديناً مَحَلِّياً مرتبطاً بالمكان الذى بدأ فيه, بل هو رسالة لجميع الإنس والجن إلى قيام الساعة, فليس محدداً بزمان ولا مكان, وليس له جنسية عربية أو غير عربية, فالمسلمون كلهم إخوان, وإن اختلفت جنسياتهم ولغاتهم, والله أعلم.
يتبع
Miss Invisible
2011-10-24, 11:10 PM
شبهات ظالمة حول الإسلام:
الشبهة الخامسة و الثمانون (85):
- إن المسلمين ليسوا مصريين, ولكنهم أبناء العرب, بينما أصحاب البلاد الحقيقيون المصريون هم أقباط مصر, فهم أوْلى بها, والمسلمون غرباء عنها.
الرد:
- غالبية المصريين, الذين تسمونهم أقباط مصر, أسلموا طواعية - كما ذكرنا فى السؤال السابق - عندما رأوا الفرق بين المسلمين والرومان الذين هم على ملِّتهم, فبينما كان الرومان يسومونهم سوء العذاب, جاء الإسلام فرفع الظلم عنهم, وأعطاهم حريتهم, ورأوا أخلاق الصحابة - رضوان الله عليهم - وعدلهم, وورعهم, وتقواهم, فآمنوا بدينهم. والكل يعرف قصة الشاب المصرى الذى تسابق مع ابن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - فسبقه, فضربه ابن عمرو, وقال له: أتسبقنى وأنا ابن الأكْرَمَيْن؟ فغضب الولد واشتكى لأبيه, فذهب به إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - واشتكى له, فما كان من عمر إلا أن بعث برسالة عاجلة - من أبلغ ما يكون - إلى عمرو بن العاص, يقول له فيها: من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص أمير مصر: يَدُكَ فى الخطاب, ورِجلُك فى الرِّكاب, وأْتِنى بوَلَدِك. فذهبا إليه, واستمع لقولهما وقول الشاب المصرى, فقال لعمرو: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟ ثم أمر الشاب المصرى أن يضرب ابن الأمير كما ضربه, بل ويضرب الأمير نفسه على رأسه, وحين تساءل الأمير: لماذا يضربنى وقد أخذ حقه؟ فقال له: لولا أنت ما ضربه. فهذه الحادثة التى لم يعرف التاريخ لها مثيلاً, وغيرها من صُوَر العدل والرحمة, جعلت الكثير من أهل مصر يدخلون فى دين الله, وحَسُنَ إسلامهم, ولو كان إسلاماً ظاهرياً بالحديد والنار, لانقلبوا بعد ذلك, كما انقلب أتباع الشيوعية بعد انقضاض عريشها, فمجموع المسلمين فى مصر معظمهم إذن هم أبناء السلف الذين دخلوا فى دين الله أفواجاً, وبتزاوج العرب والقِبط صاروا وأبناؤهم مزيجاً ونسيجاً مصرياً عربياً مسلماً. ثم إن الإسلام ليس ديناً مَحَلِّياً مرتبطاً بالمكان الذى بدأ فيه, بل هو رسالة لجميع الإنس والجن إلى قيام الساعة, فليس محدداً بزمان ولا مكان, وليس له جنسية عربية أو غير عربية, فالمسلمون كلهم إخوان, وإن اختلفت جنسياتهم ولغاتهم, والله أعلم.
الشبهة السادسة و الثمانون (86):
- إن القصاص فى الإسلام يزهق الأرواح, ويملأ المجتمع بالتشوهات, ففى سورة البقرة آية 178{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وفى سورة المائدة آية 45{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} فهل رأيتم استهانة بأرواح الناس وأجسادهم مثل هذا؟
الرد:
- إن اعتراضكم على القصاص لَهُوَ من أشد الظلم, وكان الأجدر بكم أن تطبِّقوه فى مجتمعاتكم, لأن فيه صيانة لأرواحكم, ودمائكم, وأعراضكم, فهل يرضى سائل هذا السؤال أن يقتله أحد, أو يقتل أحد أقاربه, ثم لا يُقتَص من القاتل بقتله؟ أم هل يرضى أن يفقأ عينه أحد, ثم يُسجَن لمدة عام أو أكثر, ثم يخرج من السجن, وينعم بعينيه طول حياته؟ أم أنه يتمنى أن لو فُقِئَت عينه مثله؟ إن الذى أشاع الجرائم فى كثير من المجتمعات, هو عدم تطبيق حدود الله, فلو أن المجرم علم أنه سيُقتَص منه, ويُفعَل به ما فعل بالناس, لَمَا أقدم على جريمته, ولَمَا أصبحت دماء الناس, وأموالهم, وأعراضهم, نهبة سائغة له, يقتل هذا, ويقطع أُذُن هذا, ويفقأ عين هذا, ثم يدخل السجن, يأكل ويشرب وينام, وبعد ذلك يخرج سليم الأعضاء, بعدما أراق دماء الناس, وشوَّه أجسادهم, فهل هذا يقبله عاقل؟ إن بعض المجتمعات المسلمة التى لم تمتثل لأمر ربها, شاعت فيها جرائم التشويه لأقصى درجة, ففى باكستان - على سبيل المثال - شاع ظلم الرجل للمرأة ظلماً شديداً, وأصبح من المألوف عندهم أن الرجل يعاقب المرأة برش ماء النار على وجهها! فلو أنه عوقب بفعلته نفسها لَمَا تجرّأ على ذلك, ولكنه الظلم {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} وقد جاء فى كتابكم المقدس ما يشابه آية سورة (المائدة) التى وردت فى السؤال:
وإن حصلت أذيّة تعطى نفساً بنفس وعيناً بعين وسِناً بسِن ويَداً بيَد ورِجلاً برِجل وكَيّاً بكَىّ وجرحاً بجرح ورَضّاً برَض. (خروج21: 23-24)
وإذا أحدث إنسان فى قريبه عيباً فكما فعل كذلك يُفعَلُ به. كَسْر بكَسْر وعين بعين وسِن بسِن. كما أحدث عيباً فى الإنسان كذلك يُحدَث فيه. (لاويين24: 19-20)
وجاء فيه أن جزاء القاتل قتلُه, ليس هذا فحسب, بل التمثيل بجثته بعد موته:
إذا كان رجلان باغيان يقتلان صديقاً فى بيته على سريره. فالآن أمَا أطلب دمه من أيديكما وأنزعكما من الأرض. وأمر داود الغلمان فقتلوهما وقطعوا أيديهما وأرجلهما وعلقوهما على البركة فى حبرون. (صموئيل الثانى4: 11-12)
سافك دم الإنسان بالإنسان يُسفَك دمه. لأن الله على صورته عمل الإنسان. (تكوين9: 6)
إن القاتل يُقتَل. (عدد35: 16)
ثم إن الإسلام لا يمنع أحداً أن يتنازل عن حقه فى القصاص {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} {فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ} أما الكتاب المقدس فلا يبيح العفو عن القاتل المتعمِّد, ولا يبيح أخذ الدِّيَة منه, بل لابد من قتله: ولا تأخذوا فدية عن نفس القاتل المذنب للموت بل إنه يُقتَل. ولا تأخذوا فدية ليهرب إلى مدينة ملجئه فيرجع ويسكن فى الأرض بعد موت الكاهن. لا تدنسوا الأرض التى أنتم فيها لأن الدم يدنس الأرض. وعن الأرض لا يُكَفَّرُ لأجل الدم الذى سُفِكَ فيها إلا بدم سافكه. ولا تنجسوا الأرض التى أنتم مقيمون فيها التى أنا ساكن فى وسطها. إنى أنا الرب ساكن فى وسط بنى إسرائيل (عدد35: 31-34)
ومن عدل الله سبحانه وتعالى أن قضى بأن الذى قتل يُقتل, ولا يُقتل أحد غيره ظلماً وعدواناً, على نقيض ما يحدث فى بعض القرى, من أنهم لا يأخذون الثأر من القاتل, بل يأخذونه من البرىء, فإذا كان القاتل غير ذى بال, كأن يكون فقيراً, أو وضيعاً فى قومه, لم يقتصوا منه, ولكن يقتصون ممن هو أعلى منه منزلة وجاهاً, رغم براءته, ولذلك قال الله تعالى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى} وحَدّ القتل فى الإسلام يطبق على من فعله متعمداً, أما قتل الخطأ ففيه الدِّيَة, كأن يخطئ طبيب فى إجراء عملية للمريض فيموت, أو يعطيه جرعة كبيرة من البنج تكون سبباً فى وفاته, أو حادثة سيارة عن غير قصد, أو غير ذلك. أما فى الكتاب المقدس فإن من قتل خطأ لا يدفع دِيَة لأهل المقتول, ولكنه يهرب من ولى الدم (أى من ولى المقتول) حتى لا يعاقبه: وكلَّم الرب موسى قائلاً. كلِّم بنى إسرائيل وقل لهم إنكم عابرون الأردن إلى أرض كنعان. فتعيّنون لأنفسكم مُدناً تكون مُدن ملجأ لكم ليهرب إليها القاتل الذى قتل نفساً سهواً (عدد35: 9-11)
ولكن إن دفعه بغتة بلا عداوة أو ألقى عليه أداة ما بلا تعمد أو حجراً ما مما يُقتَلُ به بلا رؤية. أسقطه عليه فمات وهو ليس عدواً له ولا طالباً أذيّته تقضى الجماعة بين القاتل وبين وَلىِّ الدم حسب هذه الأحكام. وتُنقِذُ الجماعة القاتل من يد وَلىِّ الدم وتردّه الجماعة إلى مدينة ملجئه التى هرب إليها (عدد35: 22-25) ربما يظن أهل الكتاب أن هروب القاتل غير المتعمِّد, وعدم معاقبته بدفع الدِّيَة لأهله هو الصواب, لأنه فى نظرهم غير مذنب. ونقول لهم: صحيح أنه لم يتعمد, ولكن هذا يفتح الباب للمجرمين كى يقتلوا من أرادوا قتله, ويتفننون فى طرق القتل, حتى تبدو فى التحقيقات وكأنها عن غير قصد, ثم يكذبون ويقولون: لم نقتله متعمدين. وكذلك فإنه يفتح الباب للعابثين والمستهترين ألا يحتاطوا, طالما أنهم لن يُعاقَبوا, كالشباب المتهوِّر الذى يقود السيارات بسرعة رهيبة, أو الذين يطلقون الرصاص فى الأفراح والاحتفالات, وغير ذلك من مظاهر الاستخفاف, وعدم أخذ وسائل الحيْطة والحذَر. ثم إن الدِّيَة التى يأخذها أهل الميت تخفف عنهم مُصابهم إلى حدٍ كبير, وخصوصاً لو ترك يتامى, فإن المال الذى يأخذونه يعينهم على أمر معاشهم, والله أعلم.
الشبهة السابعة و الثمانون (87):
- لقد دافعتم عن حد القصاص, وقلتم إنه عدل, لأنه معاملة بالمثل, فلِمَ لا يكون القصاص فى الزنى والسَّب والقذف بالمثل أيضاً؟
الرد:
- إن هذا سؤال خبيث, لا يُظن بقائله إلا أنه يحب إشاعة الفاحشة فى المؤمنين. إن الإسلام هو دين العِفَّة, والمحافظة على الأعراض, فهو الذى يحض على الفضيلة, ويحارب الرذيلة بكل وسيلة, فهل يعاقب على الفاحشة بفاحشة مثلها, حتى تنتشر فى المجتمع أكثر وأكثر؟ وهل هذا يقبله عاقل, فضلاً عن أن يكون شرعاً؟ وهل لو سَبَّ دينَ الله أحدٌ, تكون عقوبته أن يُسَب دينه؟ إن هذا لا يزيد الشرر إلا تطايُراً, كما يقول المثل: (لا يزيد الطين إلا بِلَّة) قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور:19] وقد قال العلماء: إن مجرد الكلام عن قصص الفحش والتفحّش - وليس ردّ الفاحشة بفاحشة مثلها - يدخل فى مضمون هذه الآية, أى أن ما يحدث فى وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة من نشر الفضائح, وأخبار القتل, والسرقة, والخيانة الزوجية, داخل فى مضمون هذه الآية (وللأسف) فإن كثيراً من المسلمين لا يعلمون هذا الأمر, ولا يفطنون له, وتراهم يتناقلون ما سمعوه وما قرأوه من هذه الأخبار المشينة, ولا يدرون أنهم بفعلهم هذا ينشرون الفاحشة بين الناس أكثر وأكثر. وكذلك الذى يذهب للعمل فى بعض البلاد العربية, ثم يعود فيحكى عمّا رآه وسمعه من هذه المعاصى, ولا يعلم - فضلاً عن وقوعه فى أعراض المسلمين - أنه ينشر الفاحشة بين المؤمنين. حتى لو كانت دولة كافرة, فلا ينبغى له أن يحكى ما رأى وما سمع فيها, لأنه يفسد قلوب سامعيه وهو لا يشعر. كذلك فإن المعصية تهون فى أعين الناس بكثرة سماعها, وتجعلهم يظنون أنهم أفضل من غيرهم, فلا يزدادون فى الأعمال الصالحة. أما سماع قصص الصالحين, فهى تحث على الاقتداء بهم, واحتقار النفس بالنسبة لهم, مما يبعث على النشاط فى العبادة, والاستكثار من الأعمال الصالحة, قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تسُبَّن أحداً, ولا تحقِرَنَّ من المعروف شيئاً, ولو أن تكلم أخاك وأنت منبسط إليه وجهُك, إن ذلك من المعروف, وارفع إزارك إلى نصف الساق, فإن أبَيْتَ فإلى الكعبين, وإياك وإسبال الإزار, فإنه من المخيلة, وإن الله لا يحب المخيلة, وإنِ امْرُؤٌ شتمك وعيَّرك بما يعلم فيك, فلا تعيِّره بما تعلم فيه, فإنما وبالُ ذلك عَلَيه)) [صحيح الجامع:7309] أرأيتم كيف نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن رد الإساءة بإساءة مثلها؟ فكيف بردّ الفاحشة بفاحشة مثلها؟
إن التعامل بالمثل, ورَدّ الفاحشة بمثلها, هو ما جاء به الكتاب المقدس, حيث قال:
مع الطاهر تكون طاهراً ومع الأعوج تكون مُلتوياً. (صموئيل الثانى22: 27)
هكذا قال الرب هَأنذا أقيمُ عليك الشر من بيتك وآخذ نساءك أمام عي### وأعطيهن لقريبك فيضطجع مع نسائك فى عين هذه الشمس. لأنك أنت فعلت بالسِّر وأنا أفعل هذا الأمر قُدّام جميع إسرائيل وقُدّام الشمس. (صموئيل الثانى12: 11-12) أتدرون مِن مَن, ولمن هذا الكلام؟ إنه - بزعمهم - من الله سبحانه وتعالى لسيدنا داود - على نبينا وعليه الصلاة والسلام - والدليل على ذلك ماجاء فى الكلام الذى قبله من الإصحاح نفسه, والله أعلم.
يتبع
Miss Invisible
2011-10-24, 11:32 PM
الشبهة الثامنة و الثمانون (88):
- تقولون إن دينكم ينهى عن الإسراف والتبذير, مع أنكم أشد الناس تبذيراً وإسرافاً, ألا ترون ما تفعلونه فى الحج من كثرة الذبائح التى تُعَدّ بمئات الألوف, وتركها فى مِنىَ لا يستفيد منها أحد من الفقراء, ويكون مصيرها الفساد وانتشار الأمراض, وخصوصاً قبل وجود المجازر الآلية والثلاجات؟
الرد:
- متى تُذبَح هذه الذبائح؟ إنها تُذبَح يوم النحر, وهو أول أيام العيد, ثم تليه أيام التشريق الثلاثة, التى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنها: ((أيام التشريق أيام أكْل وشُرْب وذِكْر الله)) [مُسنَد أحمد, صحيح الجامع:2689] فالمسلم مأمور بأن يوسِّع على نفسه وأهله, وعلى فقراء المسلمين, فى هذه الأيام المباركة, على قدر استطاعته. ولكن لماذا سُمِّيَت هذه الأيام بأيام التشريق؟ إن إجابة هذا السؤال فى حد ذاتها رد على هذه الشبهة. لقد سُمِّيَت بهذا, لأن العرب كانوا يذبحون الذبائح فى مِنى, ثم يسلخونها, ويقطعونها قطعاً صغيرة, ويرشونها بالملح, ويربطونها ببعضها, ويعلقونها فى اتجاه شروق الشمس, إلى أن يخرج منها الماء تماماً, وتصبح جافة مثل قوالب الطوب. وهذه الطريقة كانت تحفظ اللحم من التعفن, ليستخدموه طوال العام, بعد نقعه فى الماء عند اللزوم, ليزول منه أثر الملح, ويصبح طرياً قابلاً للطهى, وهذه الطريقة من أفضل طرق حفظ اللحم, لأن الملح ليس له أضرار جانبية مثل غيره من المواد الحافظة (وقد بُنِيَت على هذه الطريقة فكرة صناعة البسطرمة) أمّا الآن فتوجد جمعيات وهيئات خيرية تقوم بالإشراف على هذه الذبائح, والاحتفاظ بها فى الثلاجات, ثم تقوم بتوزيعها على فقراء المسلمين فى أنحاء العالم.
ونَوَدّ أن نسألكم: هل تعتبرون هذا إسرافاً, ولا تعتبرون ما جاء فى كتابكم المقدس من استخدام الذهب والمجوهرات فى بناء الهيكل, وعمل مراحيضه من النحاس, إسرافاً؟
والبيت الذى بناه الملك سليمان للرب طوله ستون ذراعاً وعرضه عشرون ذراعاً وسُمْكه ثلاثون ذراعاً... وهيّأ محراباً فى وسط البيت من داخل ليضع هناك تابوت عهد الرب. ولأجل المحراب عشرون ذراعاً طولاً وعشرون ذراعاً عرضاً وعشرون ذراعاً سُمْكاً. وغشّاه بذهب خالِص... وغشّى سليمان من داخل بذهب خالِص. وسدَّ بسلاسل ذهب قُدّام المحراب. وغشّاه بذهب. وجميع البيت غشّاه بذهب إلى تمام كل البيت وكل البيت وكل المذبح الذى للمحراب غشّاه بذهب... وغشّى الكروبين بذهب... وغشّى أرض البيت بذهب من داخل ومن خارج... ورسم عليهما نقش كروبيم ونخيل وبراعم زهور وغشّاهما بذهب ورصَّع الكروبيم والنخيل بذهب... ونحت كروبيم ونخيلاً وبراعم زهور وغشّاها بذهب... وعمل بيتاً لابنة فرعون التى أخذها سليمان كهذا الرواق. كل هذه من حجارة كريمة... وكان مؤسساً على حجارة كريمة حجارة عظيمة حجارة عشر أذرع وحجارة ثمان أذرع. ومن فوق حجارة كريمة كقياس المنحوتة... وعمل القواعد العشر من نحاس طول القاعدة الواحدة أربع أذرع وعرضها أربع أذرع وارتفاعها ثلاث أذرع... والأكتاف مسبوكة تحت المرحضة... وعمل عشر مراحِض من نحاس تسع كل مرحضة أربعين بثاً. المرحضة الواحدة أربع أذرع. مرحضة واحدة على القاعدة الواحدة للعشر القواعد... وعمل سليمان جميع آنية بيت الرب المذبح من ذهب والوجوه والمائدة التى عليها خبز الوجوه من ذهب. والمنائر خمساً عن اليمين وخمساً عن اليسار أمام المحراب من ذهب خالص والأزهار والسرج والملاقط من ذهب. والطسوس والمقاص والمناضح والصحون والمجامر من ذهب خالص. والوصل لمصاريع البيت الداخلى أى لقدس الأقداس ولأبواب البيت أى الهيكل من ذهب. وأكمل جميع العمل الذى عمله الملك سليمان لبيت الرب. وأدخل سليمان أقداس داود أبيه. الفضة والذهب والآنية وجعلها فى خزائن بيت الرب (مختصر ما جاء فى سفر الملوك الأول, الإصحاح6و7)
إن من رحمة الله سبحانه وتعالى بأمة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - أن أباح لهم الأكل من هذه الذبائح وغيرها, أمّا الأمم السابقة فكانت هناك نار تنزل من السماء لتأكل ذبائحهم, كعَلامة على قبولها. وفى الكتاب المقدس توجد كلمة (مُحْرَقة) و(مُحْرَقات) عشرات المرّات, ومنها قوله: ولما انتهى سليمان من الصلاة نزلت النار من السماء وأكلت الْمُحْرَقة والذبائح وملأ مجد الرب البيت. (أخبار الأيام الثانى7: 1) وقوله: ثم إن الملك والشعب ذبحوا ذبائح أمام الرب. وذبح الملك سليمان ذبائح من البقر اثنين وعشرين ألفاً ومن الغنم مئة وعشرين ألفاً ودشَّن الملك وكل الشعب بيت الله... وقدَّس سليمان وسط الدار التى أمام بيت الرب لأنه قرَّب هناك الْمُحْرَقات وشحم ذبائح السلامة لأن مذبح النحاس الذى عمله سليمان لم يكْفِ لأن يَسَع الْمُحْرَقات والتَّقدِمات والشحم. (أخبار الأيام الثانى7: 4-7), والله أعلم.
الشبهة التاسعة و الثمانون (89):
- إن الذى أخرج المسلمين من جزيرة العرب هو الجوع والفقر, وليس لنشر الدين كما تزعمون.
الرد:
- سنسلِّم معكم جدلاً أنهم خرجوا يبحثون عن الطعام, فلماذا لم يكتفوا بفتح بلاد الشام المليئة بالأنهار والثمار؟ وما الذى حملهم على أن يفتحوا البلاد الواقعة فى شمال أفريقيا, مثل مصر وليبيا وتونس والجزائر, وبعض البلاد الأخرى مثل الأندلس, حتى وصلوا إلى مشارف فرنسا؟ وهل الفقير الذى يبحث عن الطعام يعرِّض نفسه للحروب (وهى مظنَّة الهلاك) بعدما وجد بُغْيته؟ إننا نجد الأغنياء مستعدِّين لدفع آلاف الجنيهات ليجنِّبوا أنفسهم وأولادهم الدخول فى الحروب التى تحرمهم من رَغَد العيش الذى ينعمون به, ولكن هؤلاء الصحابة - رضوان الله عليهم - ما خرجوا إلا لنشر دين الله جل وعلا, والذى يقرأ سِيَرَهم, يعلم أنهم رغم كل الفتوحات التى مَنَّ الله بها عليهم, لم تغرهم الدنيا, ولم تشغلهم عن عبادة ربهم, وكانوا كلما انتهوا من فتح بلد, استعدوا لفتح بلد آخر, فهل هذا فعل من يبحث عن الطعام؟ ثم إن الجزيرة العربية ظلَّت فقيرة معتمدة فى رزقها - بعد الله سبحانه وتعالى - على موسم الحج, والمعونات التى كانت تأتيها من الدول المجاورة, إلى أن ظهر فيها البترول, بفضل من الله ونعمة, فلو كانوا خرجوا للبحث عن المال, فلِمَ لم يبعثوا به لأهليهم, وينقذوهم من الفقر, كما يفعل من يسافر للعمل فى دول الخليج, أو كما يفعل المستعمر الغربى الذى يسرق أقوات الشعوب وثرواتها, ويحولها لبلاده؟ إن المستعمر الغربى لم يكتفِ بتحويل الثروات, بل حوَّل الآثار والحيوانات, حتى إن الإنسان نفسه لم يفلت من قبضتهم, فحوَّلوه لبلادهم ليخدمهم, كما حدث فى ترحيل الأفارقة إلى أمريكا وغيرها, ليقوم الرجل الأسود بخدمة الرجل الأبيض, وظلَّ القراصنة المستعمرون يعاملونهم أسوأ معاملة عُرِفَت بالتفرقة العنصرية, التى ما زالوا يعانون من آثارها إلى يومنا هذا. حتى إنهم سرقوا العقول الذكية من العالم الثالث بالإغراء المادى - وما زالوا يسرقونها - حتى أصبحوا ينعمون بالثراء الفاحش, ويملكون أكبر حضارة على وجه الأرض. فلو أن المسلمين الأوائل فعلوا فعلتهم, لعاش أهل الحجاز فى رغد وسَعَة عيش, ولافتقرت البلاد التى فتحوها, ولكان لهم أعداء كثيرون فى كل مكان من العالم, كما للرجل الأبيض الآن, ولتمتعت الجزيرة العربية بالكراهية التى يتمتع بها الغرب, وعلى رأسهم أمريكا, ولكن (ولله الحمد) لم يحدث أى شىء من هذا, بل على العكس من ذلك, فكَمْ تنازل الحكام العرب الفاتحون لأهالى البلاد المفتوحة عن أموال الجزية, فلم يدفعها إلا القليلون, وكم شُيِّدت الدواوين والأنظمة لتنظيم جمع الخَراج, وتخفيف أموال الجِبايات, إن أصاب البلاد المفتوحة جدب وقحط, وكم رغَّب الإسلام فى إكرام الجيران والضيفان, وإشاعة العدل والإحسان, حتى بين أهل البلاد المفتوحة, وأهل الذمَّة والْمُعاهَدين, والله أعلم.
الشبهة التسعون (90):
- إن انتصار المسلمين على الإمبراطوريتين الرومانية والفارسية جاء بعد أن أنهكتهما الحروب, وأصابهما الضعف, فاستغل المسلمون الفرصة, وقضوا عليهما.
الرد:
- إن الفترة التى انتصر فيها المسلمون على الروم والفرس لم تكن بينهما فيها حروب, فإن آخر حرب بينهما كانت والرسول - صلى الله عليه وسلم - ما زال فى مكة, أما أول انتصار للمسلمين على الروم فكان فى موقعة (اليرموك) فى خلافة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فكانت المدة بينهما حوالى عشرين عاماً أو أكثر, استعادت فيها كل منهما قوتها, وعددها, وعتادها, أما غزوة (مؤتة) فكانت أيام الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقد سُمِّيَت غزوة, رغم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يحضرها, لأنه كان يشاهدها ويصفها وهو فى المدينة, كما لو أنه رآها رأى العين, ولم تتسم هذه الغزوة بالتكافؤ العددى, فقد كان عدد المسلمين ثلاثة آلاف, وكان الروم مائتى ألف, فرجع المسلمون بقيادة خالد بن الوليد - رضي الله عنه - بعدما استشهد من الصحابة - رضوان الله عليهم - حوالى سبعين, مقابل مائتى قتيل فى صفوف العدو. أما غزوة (تبوك) فلم يحدث فيها أى قتال بين المسلمين والروم, بعدما ذهب إليهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليقاتلهم, لأنهم اعتدوا على من أسلم منهم بالتعذيب والقتل, وأرادوا مهاجمة المسلمين فى المدينة, فذهب إليهم فى ثلاثين ألف مقاتل, إلى أن وصل إلى تبوك, ومكث بها حوالى عشرين يوماً ينتظرهم, ولكنهم لم يأتوا لحربه, فرجع - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة. وفى موقعة (اليرموك) كان عدد المسلمين ستين ألفاً, مقابل مائتين وأربعين ألف مقاتل من الروم, معهم القساوسة والبطارقة والمطارنة, يرتلون لهم الأناجيل, ويدقون لهم بالنواقيس, ليثبِّتوهم فى المعركة, ورغم ذلك انتصر عليهم المسلمون بقيادة خالد بن الوليد, الذى ذهب بعد انتصاره عليهم ليساعد سعد بن أبى وقاص - رضى الله عنهما - فى حربه ضد الفرس, فانتصر المسلمون على الفرس والروم فى آن واحد, بفضل من الله ونعمة, وليس بضعف الإمبراطوريتين كما تزعمون. والدليل على أنهما لم يصبهما ضعف, أن البلاد الواقعة تحت حكمهما لم تنفصل عنهما, فقد كانت كل امبراطورية منهما تحكم مجموعة من البلاد والشعوب, ونحن نشاهد فى عصرنا أن الدول العظمى حين تضعف قوتها, يظهر فيها المتمردون والانفصاليون, وكل أهل بلدة يحاولون الوصول إلى حكم أنفسهم (حكماً ذاتياً) كما حدث عندما انهار الاتحاد السوفييتى, فقد تفرقت بعض البلاد الواقعة تحت سيطرته وكوَّنت جمهوريات مستقلة. ولا يخفى على الأريب مصادر القوة الأخرى غير العددية لجيوش الروم والفرس, فإن هناك الاستقرار فى مواقع بلادهم, وقد يقال: (الأرض تلعب مع أصحابها) فهم كانوا أدرى بأحوالها من مياه, وتضاريس, وثغور, وطُرُق, وجسور... إلخ من العرب المنقولين إليهما, بعد المعاناة فى الغزوات, وشظف العيش, وحروب المرتدين, وموت الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم - ثم لا ننسى التاريخ العسكرى والعلمى والاقتصادى للدولتين, وما كانت تمدهما به المستعمَرات من أمداد وعَتاد, والله أعلم.
يتبع
Miss Invisible
2011-10-24, 11:36 PM
الشبهة الواحدة و التسعون (91):
- أنتم تزعمون أنكم تؤمنون بموسى وعيسى, ثم لا تقبلون أن تزوجوا نساءكم للرجل اليهودى أو النصرانى, فى حين أنكم تسمحون لأنفسكم بالزواج من المرأة اليهودية والمسيحية, كما قال كتابكم: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} [المائدة:5] فهل هذا من عدل الإسلام؟
الرد:
- إن المسلم يؤمن بجميع أنبياء الله ورسله (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) فحين يتزوج من اليهودية أو النصرانية, فهو يؤمن برسوليهما, ولن يمنعهما من أداء شعائرهما, لأن بيننا وبين اليهود والنصارى قواسم مشتركة, كالإيمان بالله وملائكته واليوم الآخر, وتحريم الخمر والزنى والسرقة وفعل قوم لوط... إلخ. فحين تطلب منه اليهودية أن تذهب للمعبد يوم السبت - مثلاً - فلن يمنعها, وكذلك حين تطلب منه النصرانية أن تذهب إلى الكنيسة يوم الأحد - أو أى يوم - فلن يمنعها. أما لو تزوجت المرأة المسلمة من الرجل اليهودى أو النصرانى, فالحال مختلف, لأنه لا يؤمن بالإسلام, فربما منعها من أداء عبادتها, فإذا أرادت - مثلاً - أن تصوم رمضان, جعلها تفطر لحاجته إليها, وربما منعها من الصلاة, أو الزكاة, أو الذهاب للحج, بل وربما أجبرها على اتباع دينه. قد يقول قائل: لماذا تحكمون على اليهودى أو النصرانى بأنه سيمنع زوجته من أداء عباداتها, أو يجبرها على دينه؟ أليس من المحتمل أن يكون رجلاً متحضِّراً يؤمن بحرية العقيدة؟ فنقول له: ومن يضمن لنا أنه رجل متحضر يؤمن بحرية العقيدة؟ ولو فرضنا أن بعضهم عنده هذا الفكر, فهل كل اليهود والنصارى على شاكلته؟ ثم إن هناك شيئاً آخر.. وهو أن المرأة ضعيفة الشخصية, وتتأثر كثيراً بزوجها, على عكس الرجل, فإنه لا يتأثر كثيراً بزوجته, وهذا مُشاهد فى واقعنا, لدرجة أن كثيراً من النساء يتكلَّمنَ بطريقة أزواجهنَّ, ويستخدمنَ نفس الأسلوب, ونفس العبارات والتعليقات, لدرجة أنك تقول: سبحان الله! إن فلانة تتكلم مثل زوجها تماماً! فلهذا يُخشَى على المرأة المسلمة أن تتأثر بدين زوجها, وتتبعه وتترك دينها, وإن لم يفرضه عليها. وهناك شىء آخر لا يَقِل أهمية - بل يزيد - وهو أن الأطفال فى الغالب يكونون على دين آبائهم, وليس على دين أمهاتهم, لأنه - كما قلنا من قبل - هم الأقوى شخصية, ونفوذاً وتحكّماً, ونحن لا نرضى لأولاد المسلمات أن يكونوا كفاراً. كما أن جميع القوانين الوضعية فى العالم أجمع تنسب الأبناء إلى الآباء عند تسمِيَتهم, فهل يرضى أحد من المسلمين أن ينتسب للكافرين؟ وبتوضيح آخر: هل يرضى من كان اسمه (محمد) أو (أحمد) أن يُنسَب لبطرس, أو مرقس, أو يوحنا؟
ونقول للسائل: إنكم تعيبون علينا أننا لا نزوج رجالكم لبناتنا, ونتزوج ببناتكم, مع أن هذا يساهم فى حل مشكلة العنوسة عندكم, فى حين أن كتابكم المقدس نهى عن هذا وذاك, وإن شئتَ فاقرأ: وأن لا نعطى بناتنا لشعوب الأرض ولا نأخذ بناتهم لبنينا. (نحميا10: 30), والله أعلم.
الشبهة الثانية و التسعون (92):
- تقولون إن الجنة بها أكل وشرب وجماع, وهذا يتنافى مع كمال وجمال القرب من الله فى دار كرامته, لما فيه من كشف العورات, والانشغال بالشهوات, كما أن ذلك يؤدى إلى إخراج الفضلات والقاذورات التى لا تليق بالجنات, إن هذا التمتع الذى تتشدقون به لهو تمتع بهيمى محض, ليس فيه للروح أى نصيب.
الرد:
- - إن الإنسان جسد وروح, وكل منهما له متعته, فمتعة الروح فى القرب من الله سبحانه وتعالى, وذكره, ومناجاته, ومتعة الجسد فى الأكل والشرب والجماع... إلخ. والله سبحانه وتعالى قد أعدّ لأوليائه فى دار كرامته كِلا النوعين من النعيم, وهذا من تمام النعيم وكماله. ومن الأحاديث التى وردت فى المتعة النفسية لأهل الجنة قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله تبارك وتعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة فيقولون: لبيك ربنا وسعديك! والخير فى يديك, فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تُعطِ أحداً من خلقك, فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا ربِّ وأىّ شىء أفضل من ذلك؟ فيقول: أُحِلُّ عليكم رضوانى, فلا أسخطُ عليكم بعده أبداً)) [صحيح البخارى] وقوله: ((إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر, لا تضامون فى رؤيته, فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس, وصلاة قبل غروبها, فافعلوا)) [صحيح الجامع:2306] أما الأحاديث التى ذكرت النعيم المادى لأهل الجنة فهى أكثر من أن تحصى, ومنها قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فى الجنة خيمة من لؤلؤة مجوَّفة, عرضها ستون ميلاً, فى كل زاوية منها أهل ما يرَون الآخرين, يطوف عليهم المؤمن)) [صحيح الجامع:4243] فالنعيم فى الجنة للروح والجسد معاً, وأعلى نعيم فى الجنة هو النظر إلى وجه الله الكريم. وأريد أن أسألكم.. هل أهل الجنة سيتذكرون الدنيا؟ ستقولون: نعم.. أليس كذلك؟ فما الحال إذن لو أنهم تذكروا متاع الدنيا من الأكل والشرب والجماع؟ إنهم - قطعاً - سيشتاقون إليه, فماذا يكون الحال لو أنهم لم يجدوا مثله فى الجنة؟ إن ذلك ينافى كمال متعتهم, ويكون متاع الجنة ليس مشبعاً لكل رغباتهم, لأنهم سيتحسرون على فوات هذه اللذات, وهذا ينافى قوله تعالى: {لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاؤُونَ} [الفرقان:16] ولو كان زعمكم حقاً, لكانت الدنيا أفضل من الجنة, لأن الدنيا جمعت بين المتع البدنية والروحية, أما الجنة فهى للمتعة الروحية فقط. وهذه الأشياء التى تتحدثون عنها قد رَضِيَها الله لأحَبّ خلقِه إليه, وهم الأنبياء والمرسلون - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين - أفلا يرضاها لأهل الجنة؟ ولقد حرم الله الرهبانية على المسلم فى الدنيا, أفيرضاها له فى الآخرة؟ ثم من قال لكم إن فى الجنة فضلات تنتج عن الطعام, أو مَنِيّاً يخرج بالجماع؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أول زُمرة تَلِج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر, لا يبصقون فيها, ولا يمتخطون, ولا يتغوَّطون, آنيتهم فيها الذهب, وأمشاطهم من الذهب والفضة, ومجامرهم الألّوة, ورشْحُهم المسك, ولكل واحد منهم زوجتان, يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الْحُسن, لا اختلاف بينهم ولا تباغض, قلوبهم قلب واحد, يسبِّحون الله بُكْرَة وعشيّاً)) [صحيح البخارى] فالنعيم فى الجنة لا يكدره شىء من بول, أو غائط, أو غيره.
ثم إن الذين يعترضون على النعيم الجسدى فى الجنة, جاء فى كتابهم المقدس ما يدل على هذا النعيم, وهذه بعض الأدلة:
طوبى لمن يأكل خبزاً فى ملكوت الله. (لوقا14: 15)
من يغلب فسأعطيه أن يأكل من شجرة الحياة التى فى وسط فردوس الله (رؤيا يوحنا2: 7)
اعملوا لا للطعام البائد بل للطعام الباقى للحياة الأبدية الذى يعطيكم ابن الإنسان لأن هذا الله الآب قد ختمه. (يوحنا6: 27)
ولما رأى الجموع صعد إلى الجبل. فلما جلس تقدم إليه تلاميذه. ففتح فاه وعلَّمهم قائلاً. طوبى للمساكين بالروح. لأن لهم ملكوت السموات... طوبى للجياع والعطاش إلى البر. لأنهم يشبعون. (متى5: 1-6)
الحق أقول لكم إنى لا أشرب بعد من نتاج الكَرمَة إلى ذلك اليوم حينما أشربه جديداً فى ملكوت الله. (مرقس14: 25)
وأنا أجعل لكم كما جعل لى أبى ملكوتاً. لتأكلوا وتشربوا على مائدتى فى ملكوتى وتجلسوا على كراسِىَّ تدينون أسباط إسرائيل الاثنى عشر (لوقا22: 29-30)
وأقول لكم إنى من الآن لا أشرب من نتاج الكَرمَة هذا إلى ذلك اليوم حينما أشربه معكم جديداً فى ملكوت أبى. (متى26: 29)
ولما كانت الساعة اتكأ والاثنى عشر رسولاً معه. وقال لهم شهوة اشتهيتُ أن آكل هذا الفِصح معكم قبل أن أتألم. لأنى أقول لكم إنى لا آكل منه بعد حتى يكمل فى ملكوت الله. (لوقا22: 14-16)
وكل من ترك بيوتاً أو إخوة أو أخوات أو أبَاً أو أُمّاً أو امرأة أو أولاداً أو حقولاً من أجل اسمى يأخذ مئة ضعف ويرث الحياة الأبدية. (متى19: 29)
وأقول لكم إن كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتكئون مع إبراهيم وإسحق ويعقوب فى ملكوت السموات. (متى8: 11)
ويأتون من المشارق ومن المغارب ومن الشمال والجنوب ويتكئون فى ملكوت الله. (لوقا13: 29)
بل كما هو مكتوب ما لم ترَ عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على بالِ إنسان ما أعده الله للذين يحبونه. (رسالة بولس إلى كورنثوس2: 9)
وقد صَرَّح الكتاب المقدس بأن العذاب يوم القيامة يقع على الجسد, فقال: فإن كانت عينك اليمنى تعثرك فاقلعها وألقها عنك. لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يُلقى جسدك كله فى جهنم. وإن كانت يدك اليمنى تعثرك فاقطعها وألقها عنك. لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يُلقى جسدك كله فى جهنم (متى5: 29-30) وقال: وإن أعثرتك يدك فاقطعها. خير لك أن تدخل الحياة أقطع من أن تكون لك يدان وتمضى إلى جهنم إلى النار التى لا تُطفأ. حيث دُودُهم لا يموت والنار لا تُطفأ. (مرقس9: 43-44)
فطالما أن العذاب يقع على الجسد, فيكون المقابل له أن النعيم للجسد أيضاً, والله أعلم.
الشبهة الثالثة و التسعون (93):
- لماذا تغتسلون من الجنابة؟ ألا يكفى غسل العضو الذى تنجس؟ هَبْ أن معك كيساً ملئ بالتمر, فوقعت منه تمرة فى الطين, هل تغسل كل التمر, أم التى وقعت؟
الرد:
- إن الأمر بالاغتسال أمر إلَهِى, لا دخل لنا فيه, وما علينا إلا السمع والطاعة لربنا جل وعلا, ولا يعنى اغتسالنا من الجنابة أننا تنجسنا, ولكننا فعلنا ما يوجب الاغتسال, فالمؤمن لا ينجس على أيَّة حال, لعموم قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((إن المؤمن لا ينجس)) [متفق عليه] والاغتسال من الجنابة والحيض والنفاس مفيد للصحة الجسدية, والنفسية, والعقلية, وفيه تجديد للنشاط والحيوية. وقد جاء الاغتسال من الجنابة فى كتابكم المقدس, ليس هذا فحسب, بل إن الْجُنُب عندكم يصبح نجساً حتى بعد اغتساله: والمرأة التى يضطجع معها رجل اضطجاع زرع يستحمان بماء ويكونان نجسين إلى المساء. (لاويين15: 18)
ونَوَدُّ هنا أن نلقى الضوء على بعض ما جاء فى الكتاب المقدس بشأن الطهارة والنجاسة, ليشكر المسلمين ربهم على تيسير دينهم:
وكلم الرب موسى وهَرُون قائلاً كَلِّما بنى إسرائيل وَقُولا لهم. كل رجل يكون له سَيْل من لحمه فسَيْله نجس. وهذه تكون نجاسته بسَيْله. إن كان لحمه يبصق سَيْله أو يحتبس لحمه عن سَيْله فذلك نجاسته. كل فراش يضطجع عليه الذى له السَّيْل يكون نجساً وكل متاع يجلس عليه يكون نجساً. ومن مس فراشه يغسل ثيابه ويستحم بماء ويكون نجساً إلى المساء. ومن جلس على المتاع الذى يجلس عليه ذو السيل يغسل ثيابه ويستحم بماء ويكون نجساً إلى المساء. ومن مس لحم ذى السيل يغسل ثيابه ويستحم بماء ويكون نجساً إلى المساء. وإن بصق ذو السيل على طاهر يغسل ثيابه ويستحم بماء ويكون نجساً إلى المساء. وكل ما يركب عليه ذو السيل يكون نجساً. وكل من مس كل ما كان تحته يكون نجساً إلى المساء ومن حملهن يغسل ثيابه ويستحم بماء ويكون نجساً إلى المساء. وكل من مسه ذو السيل ولم يغسل يديه بماء يغسل ثيابه ويستحم بماء ويكون نجساً إلى المساء. وإناء الخزف الذى يمسه ذو السيل يُكسَر. وكل إناء خشب يُغسَل بماء. وإذا طهُرَ ذو السيل من سيله يُحسَبُ له سبعة أيام لطهره ويغسل ثيابه ويَرحَض جسده بماء حىّ فيطهر. وفى اليوم الثامن يأخذ لنفسه يمامتين أو فرخى حمام ويأتى إلى أمام الرب إلى باب خيمة الاجتماع ويعطيهما للكاهن. فيعملهما الكاهن الواحد ذبيحة خَطِيَّة والآخر مُحْرَقة ويُكَفِّر عنه الكاهن أمام الرب من سَيْله (لاويين15: 1-15)
هذه هى الشريعة. إذا مات إنسان فى خيمة فكل من دخل الخيمة وكل من كان فى الخيمة يكون نجساً سبعة أيام. وكل إناء مفتوح ليس عليه سداد بعصابة فإنه نجس. وكل من مَسَّ على وجه الصحراء قتيلاً بالسيف أو مَيْتاً أو عظم إنسان أو قبراً يكون نجساً سبعة أيام. فياخذون للنجس من غبار حريق ذبيحة الخطِيَّة ويجعل عليه ماء حيّاً فى إناء. ويأخذ رجلٌ طاهرٌ زوفاً ويغمسها فى الماء وينضحه على الخيمة وعلى جميع الأمتعة وعلى الأنفس الذين كانوا هناك وعلى الذى مَسَّ العظم أو القتيل أو الميت أو القبر. ينضح الطاهر على النجس فى اليوم الثالث واليوم السابع. ويطهره فى اليوم السابع فيغسل ثيابه ويَرحَض بماء فيكون طاهراً فى المساء. وأما الإنسان الذى يتنجس ولا يتطهر فتُبَاد تلك النفس من بين الجماعة لأنه نجَّس مَقدِس الرب. ماء النجاسة لم يُرَش عليه. إنه نجس. فتكون لهم فريضة دهرية. والذى رش ماء النجاسة يغسل ثيابه والذى مس ماء النجاسة يكون نجساً إلى المساء. وكل ما مسه النجس يتنجس والنفس التى تَمَس تكون نجسة إلى المساء (عدد19: 14-22)
نلاحظ فى النَّص الأخير أن الذى يَمَسّ إنساناً مات فى الخيمة يصبح نجساً سبعة أيام, ولابد أن يتطهر, وإن لم يتطهر يُبَاد من بينهم. ولكن بماذا يتطهَّر؟ يتطهَّر بماء مخلوط بغبار من رماد ذبيحة خَطِيَّة, أى أن الإنسان يتطهَّر برَماد حيوان. ليس هذا فحسب, بل إن كل من كان فى الخيمة يتنجَّس بموْت الإنسان, ولابد أن يتطهَّر بالطريقة نفسها, حتى إن الإناء الذى ليس عليه غطاء يتنجس أيضاً. والعجيب أن الذى يَمَسّ ماء النجاسة - الذى جُعِلَ للتطهير - يتنجَّس هو أيضاً, أى أنه ماء يُطَهِّر ويُنَجِّس فى الوقت نفسه!
لقد رأينا كيف أن الذى يَمَسّ ميتاً, أو عَظْمَهُ, أو قتيلاً, أو قبراً يتنجَّس, فى حين أن الذى يمس تَقْدِمَة مصنوعة من الدقيق يتقدَّس, ويتقدس أيضاً إذا مسَّ ذبيحة خَطِيَّة, وها هى الأدلَّة:
وهذه شريعة التَّقْدِمَة. يقدِّمُها بنو هَرُون أمام الرب إلى قُدّام المذبح ويأخذ منها بقبضته بعض دقيق التقدمة وزيتها وكل اللُّبان الذى على التقدمة ويُوقِدُ على المذبح رائحة سرور تِذْكارَها للرب. والباقى منها يأكله هَرُون وبنوه. فطيراً يؤكل فى مكان مقدَّس. فى دار خيمة الاجتماع يأكلونه. لا يُخْبَز خميراً. قد جَعَلْتُه نصيبهم من وقائدى. إنها قُدْس أقداس كذبيحة الخطيَّة وذبيحة الإثم. كل ذكر من بنى هَرُون يأكل منها. فريضة دهرية فى أجيالكم من وقائد الرب. كل من مَسَّها يتقدَّس (لاويين6: 14-18)
وكلَّم الرب موسى قائلاً كلِّم هَرُون وبنيه قائلاً. هذه شريعة ذبيحة الخطيَّة. فى المكان الذى تُذْبَح فيه الْمُحْرَقة تُذْبَح ذبيحة الخطيَّة أمام الرب. إنها قُدْس أقداس. الكاهن الذى يعملها للخطيَّة يأكلها. فى مكان مقدَّس تؤكل فى دار خيمة الاجتماع. كل من مَسَّ لحمها يتقدَّس. (لاويين6: 24-27), والله أعلم.
يتبع
Miss Invisible
2011-10-24, 11:46 PM
الشبهة الرابعة و التسعون (94):
- إن الإسلام يستغل فقر الناس لإغرائهم بالدخول فى الدين, فقد جعل القرآن بنداً من بنود الزكاة للإغراء {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} [التوبة:60]
الرد:
- لو كان الإسلام يغرى الناس للدخول فى الإسلام عن طريق المال, لَمَا فرض عليهم الجزية {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:29] وهل تسَمّون مكارم الأخلاق إغراء؟ إذن فلماذا تقيمون المستشفيات والمبرّات الخيرية والملاجئ, وتساعدون الفقراء فى بلاد المسلمين؟ ولماذا أنشأتم هيئة الصليب الأحمر, وغيرها من الهيئات؟
إن اختصاص بعض الناس بالعطايا ليدخلوا فى الإسلام هُوَ من رحمة الله بهم, كَمَن - {وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} - يرى ابنه مُشْرِفاً على الهلاك, كأن يكون قد جلس على حافة نافذة, يوشك أن يتردَّى منها, أو قَرُبَ من موقد (مثل البوتاجاز) وعليه ماء مغلى, يخشى وقوعه عليه, فلو زجره لانتفض ووقع فى الشارع, أو وقع عليه الماء المغلى, فماذا يفعل ليحافظ على حياته وصحته؟ إنه يدنو منه مبتسماً متحبباً إليه بشيكولاته أو غيرها ليقربه إليه, فالله سبحانه وتعالى أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - بإعطاء {الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} رحمة بهم, وليس احتياجاً إليهم, فهو الغنى عن العالمين, قال رسوله - صلى الله عليه وسلم -: ((قال الله تعالى: يا عبادى! إنى حرَّمت الظلم على نفسى, وجعلته محرَّماً بينكم, فلا تظالموا, يا عبادى! كلكم ضال إلا من هديته, فاستهدونى أهدكم, يا عبادى! كلكم جائع إلا من أطعمته, فاستطعمونى أطعمكم, يا عبادى! كلكم عار إلا من كسوته, فاستكسونى أكْسُكُم, يا عبادى! إنكم تخطئون بالليل والنهار, وأنا أغفر الذنوب جميعاً, فاستغفرونى أغفر لكم, يا عبادى! إنكم لن تبلغوا ضرى فتضرونى, ولن تبلغوا نفعى فتنفعونى, يا عبادى! لو أن أوَّلكم وآخركم, وإنسكم وجنَّكم, كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم, ما زاد ذلك فى ملكى شيئاً, يا عبادى! لو أن أولكم وآخركم, وإنسكم, وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكى شيئاً, يا عبادى! لو أن أولكم وآخركم, وإنسكم وجنكم, قاموا فى صعيد واحد فسألونى, فأعطيت كل إنسان مسألته, ما نقص ذلك مما عندى, إلا كما ينقص المِخْيَط إذا أُدخِلَ البحر, يا عبادى! إنما هى أعمالكم أحصيها لكم, ثم أوفيكم إياها, فمن وجد خيراً فليحمد الله, ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه)) [صحيح الجامع:4345] ومما يؤيِّد قولنا برحمة الله سبحانه وتعالى بعباده, باختصاصهم ببعض العطايا, لكَيْلا يدخلوا ناره, قول رسوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنى لأعطى الرجل وغيره أحب إلى منه, خشية أن يَكُبَّه الله فى النار على وجهه)) [صحيح البخارى]
وعلى أيَّة حال فإن إعطاء المال للناس لترغيبهم فى الدين, أهون من مُمالأتهم على باطلهم لاستجلاب وُدّهم, كما جاء ذلك فى الكتاب المقدس على لسان بولس الرسول: فإنى إذ كنتُ حُرّاً من الجميع استعبدتُ نفسى للجميع لأربح الأكثرين. فصِرْتُ لليهود كيهودى لأربح اليهود. وللذين تحت الناموس كأنى تحت الناموس لأربح الذين تحت الناموس. وللذين بلا ناموس كأنى بلا ناموس. مع أنى لستُ بلا ناموس لله بل تحت ناموس للمسيح. لأربح الذين بلا ناموس. صِرْتُ للضعفاء كضعيف لأربح الضعفاء. صِرْتُ للكل كل شىء لأُخَلِّصَ على كل حالٍ قوماً. وهذا أنا أفعله لأجل الإنجيل لأكون شريكاً فيه. (رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس9: 19-23) إن هذا النَّص واضح الدلالة على أن بولس الرسول كان يتعامل مع الناس بأكثر من وجه ليكسب وُدَّهم, بغَضِّ النظر عمّا كان يعتقده, وأنه عمل هذه الأعمال ليكون شريكاً فى الإنجيل, أى أنه أضاف فيه أشياءً من عنده, كما أنه قال أيضاً: أنا لم أُثَقِّل عليكم لكن إذ كنتُ محتالاً أخذتكم بمكر. (الرسالة الثانية إلى كورنثوس12: 16), والله أعلم.
الشبهة الخامسة و التسعون (95):
- إن الإسلام لم يكتفِ بتفضيل الرجل على المرأة فى الدنيا, بل إنه فضله عليها فى الآخرة, حيث جعل له فى الجنة من الحور العين ما شاء, أما هى فليس لها من المتعة إلا القليل.
الرد:
- إن المرأة المؤمنة تتنعم بما يتنعم به الرجل فى الجنة من طعام وشراب وغير ذلك, إلا أن له عدة زوجات, أما هى فلها زوج واحد (وهو ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة) وهو زوجها فى الدنيا, إن كان من أهل الجنة, وإن لم يكن لها زوج, أو كان زوجها من أهل النار, فسيزوجها الله رجلاً آخر من أهل الجنة, وإن كانت قد تزوجت فى الدنيا بأكثر من رجل, بعد طلاق أو وفاة أحدهم, فستكون لأحسنهم خُلُقا وديناً, وهذا يتناسب مع الفطرة التى فطر الله الناس عليها, فمن من الرجال يرضى أن يكون لزوجته زوج غيره؟ أمّا المرأة فصحيح أن عندها غَيْرَة, ولكنها أقل بكثير من غَيْرَة الرجل. والجنة ليس فيها أى كَدَر, فهذا القدر اليسير من غيرتها سيُذهِبه الله عنها, ولا تشعر به, كما أنها ستكون مَلِكَة على الحور العين, وسَتُعطَى جمالاً, وعذوبة صوت, ورِقَّة أكثر منهن. وقد ورد أن الحور العين يَقُلن للمؤمنات: نحن الخالدات فلا نبيد, ونحن الناعمات فلا نبأس, ونحن الراضيات فلا نسخط, طوبى لمن كان لنا وكنا له. فترد عليهن المؤمنات ويقلن: نحن المصليات ولم تُصَلِّين, نحن الصائمات ولم تَصُمْن, ونحن الحافظات لكتاب الله ولم تحفظن... إلخ, فيقول الله لهن: (( ليس من خلقته بيدىّ كمن قلت له كن فيكون )).
إن أمر المرأة فى الإسلام - وخصوصاً الجنسى - مبنىّ على التستر, حتى إن السنَّة فى ختان الولد أن يُعلَن عنه, وتُصنَع له وليمة, أمّا الأنثى فيُخفَى خِفاضها (ختانها) ولا تُصنَع لها وليمة, فكذلك متعتها بالرجل فى الآخرة لا تُذكَر صراحة, بل ضِمنيّاً, لأن الجنة وصفها الله سبحانه وتعالى بأن {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ} [الزخرف:71] وأن أهل الجنة {لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤُونَ} [النحل:31] فما تشاؤه المرأة فى الجنة تجده, إلا أنها لن تشاء أن يكون لها أكثر من زوج, لأنه سيكون فى عينيها أجمل رجل على الإطلاق, ولأن فطرتها لن تتغير, والله أعلم.
الشبهة السادسة و التسعون (96):
- يُصِرُّ المسلمون فى سائر بقاع الأرض على تطبيق الشريعة الإسلامية, مع أن هذا سيُحدث فتنة طائفية, لأن فى البلاد الإسلامية أقلِّيات وأعراقاً دينية مختلفة, وهذا يسبب أعمال عنف شديدة بين هذه الفئات, ثم إن هذا التمسك بتطبيق الشريعة يُعَد مُصادَرَة للعقول المستنيرة, بجعلها تابعة, لا مبدعة.
الرد:
- لقد قال الله سبحانه وتعالى: {قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:84] إن المسلمين يعظمون جميع الأنبياء والمرسلين - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين - ولم تحدث فتنة طائفية فى تاريخ تطبيق الشريعة الإسلامية, بل إن غير المسلمين قد وجدوا فى المسلمين من هم أرحم بهم من أهل دينهم (كما ذكرنا ذلك فى أكثر من موضع) فالشريعة الإسلامية لا تجعل للمسلمين حقوقاً دون غيرهم, بل لهم ما لنا, وعليهم ما علينا, فلا تقضى الشريعة - مثلاً - بقطع يد السارق البوذى ومُعافاة السارق المسلم, ولا تقضى برجم أو جلد الزانى اليهودى وترك المسلم, أو أخذ القصاص من النصرانى دون المسلم... وهكذا. وهذه الحدود كما قال عنها الشيخ الغزالى, رحمه الله: (إن لم يقبلوها شريعة فليقبلوها قانوناً) والمعروف فى سائر دول العالم أن قانون الأغلبية هو الذى يطبق, وشاهد على ذلك ما يحدث فى البلاد الغربية, من تطبيق حكمها على الأقليات المسلمة التى تعيش بها, وهو ما يسمونه بالديمقراطية, وهى أن قانون الأغلبية يسرى على الأقلية, ويتضح هذا فى انتخاباتهم العامَّة والمحليَّة, فرئيس الدولة يُعَيَّن كرئيس لها, ولو بفارق واحد بالمئة على مُنافِسه, صحيح أنه مسموح للأقلية بالإدلاء بأصواتها, ولكن النتيجة النهائية تكون للأغلبية. والإسلام يحافظ على غير المسلم, طالما أنه غير متآمر أو محارب, ولا يفرض عليه الدخول فى الدين, ويحافظ على أماكن عبادته, ولا يتعرض لها بسوء, ويحمى دمه وماله وعرضه كما يحمى المسلمين, فهل يرفض تطبيق الشريعة إلا مُنتكِسو الفطرة؟ وهل يكره قطع يد السارق إلا اللصوص؟ وهل يكره رجم الزانى إلا الزُّناة؟ وهل يكره جلد شارب الخمر إلا السكِّير العربيد؟ وهل يكره القصاص إلا الظلمة المعتدون؟ والأمثلة على عدل الإسلام فى تعامله مع غير المسلمين أكثر من أن تحصى, ومنها تبرئة الرجل اليهودى من تهمة السرقة التى نُسِبَت إليه على عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - والتى ورد ذكرها فى الآيات (105-113) من سورة (النساء) ومنها قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((ألا من ظلم مُعاهَداً, أو انتقصه حقه, أو كلَّفه فوق طاقته, أو أخذ منه شيئاً بغير طِيب نفس منه, فأنا حجيجه يوم القيامة)) [صحيح الجامع:2655] إن من لم يحافظ على الأقليات غير المسلمة يشوِّه سمعة الإسلام, ويصد عن سبيل الله (بشرط ألا يكونوا محاربين, أو مُعينين للمحاربين ضد المسلمين) وقد ذكرنا فى الرد على الشبهة رقم (84) ما حدث بين الشاب القبطى وابن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - وحُكْم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بينهما. ولا يتسع الْمُقام لسرد الأدلة على عدل الإسلام, ولكن هذه إشارات لبعضها, والتاريخ حافل بها, لدرجة أن بعض الشعوب كانت تبعث لوُلاة المسلمين أن يذهبوا لفتح بلادهم, لِمَا سمعوه عن عدلهم, ومنها ما حدث من الملك (تشارلز) ملك بريطانيا, حين بعث للخليفة (المأمون) الذى كان مقر خلافته فى بغداد, ولكن المأمون حين تلقَّى الرسالة سأل عن بريطانيا, فقالوا له إنها بلاد بعيدة, ولابد أن يقطع المسافر إليها البحر, فخاف على العلماء والدُّعاة والجنود من طول مسافة السفر, وخشى عليهم من الغرق, فتكاسل وتباطأ فى تلبية رغبة الملك, فانظر نتيجة تباطؤ الحكام فى تبليغ الإسلام!, والله أعلم.
يتبع
Powered by vBulletin® Version 4.2.0 Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir