سوفانا
2011-10-22, 02:31 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كتب د. محمد عمارة
في كثير من كتابات غلاة العلمانيين, وفي المناظرات الشهيرة التي دارت بين الإسلاميين وبين هؤلاء الغلاة,
ترددت كثيرا عبارات هؤلاء العلمانيين التي تقول: إن تاريخنا كان في أغلبه ــ99% منه ــ ظلاما دامسا!..
وإنه كان تاريخ النطع والسياف!.. بل إن أحد هؤلاء الغلاة قد لخص مكانة الحضارة الإسلامية ــ
لتي تعلمت منها الدنيا ــ بأنها لا تعدو شطر بيت من شعر أبي نواس,146 ـ198 هـ 757 ـ814 م]
يقول فيه: وداوني بالتي كانت هي الداء
ولقد زاد الطين بلة, أن قطاعا ملحوظا من دارسي التاريخ الإسلامي ــ حتي الذين لم يسقطوا في الغلو العلماني ـ
قد رأوا في تحول الخلافة الراشدة إلي ملك عضود منذ بداية الدولة الأموية,41 هـ ـ661 م],
بداية السقوط المبكر لتاريخنا الإسلامي في مستنقع الاستبداد والتخلف.. بل والانحطاط!..
ولقد أسهمت في دعم هذا التصور الزائف ــ والشائع ــ أكاذيب المبالغات الشعوبية والافتراءات الشعبية التي سودت صورة هذا التاريخ.
وفي الرد علي هؤلاء الغلاة.. وعلي أصحاب النظرات السطحية لتاريخنا الحضاري, كنت دائما أطرح هذا السؤال علي هؤلاء الغلاة:
ــ إذا كانت حضارتنا الإسلامية, التي أنارت الدنيا لأكثر من عشرة قرون,
والتي مثلت العالم الأول علي ظهر هذه الأرض طوال تلك القرون, والتي أحيت مواريث الحضارات القديمة وأنقذتها من الموات,
والتي تأسست عليها نهضات حضارية ـ في مقدمتها النهضة الأوروبية الحديثة.. إذا كانت هذه الحضارة ــ التي وضع الوحي القرآني نواتها الأولي ـ
لم تتبلور علومها وفنونها وآدابها ومناهجها وتقنياتها ومذاهبها وفلسفتها وتياراتها الفكرية في عهد الخلافة الراشدة..
وإنما حدث كل ذلك الإنجاز الحضاري الرائع في عهود الملك العضود ـ الأموية.. والعباسية ــ فكيف تسطع كل هذا النور الباهر في الليل البهيم ـ
الذي يتحدث عنه غلاة العلمانيين؟!.. وكيف تزدهر رياض الإبداعات ــ الدينية والمدنية ــ علي أرض النطع والسياف؟!..
إنها معادلة مستحيلة.. وسؤال لا جواب عليه عند أصحاب هذه التصورات السوداوية عن تاريخ الإسلام والمسلمين..
تلك التصورات التي غدت شائعة لدي قطاعات واسعة من المثقفين الحداثيين.
ولقد أدركت ــ بعد تأمل ـ أن لهذه النظرة السوداوية لتاريخنا الإسلامي أسبابا تتجاوز سوء النية
عند نفر من غلاة العلمانيين ـ الذين يريدون تشويه صورة الإسلام وتاريخ أمته وحضارته,
ليقطعوا الطريق علي إسلامية النهضة التي تنشدها الأمة هذه الأيام, وليقولوا ــ
تبعا لأساتذتهم المستشرقين الذين خدموا المد الاستعماري الغربي الحديث ـ:
إذا كان هذا هو حال التاريخ الذي يتعلق به المسلمون, فأي كارثة ستحل بمستقبلهم إن هم بعثوا معالم هذا التاريخ؟!
لقد أدركت أن وراء هذه الصورة الزائفة لتاريخنا ـ علاوة علي الفكر الاستشراقي الخبيث ـ الصورة المغلوطة لتاريخنا الإسلامي,
تلك التي نبعت من الأسلوب الخاطئ والقاصر الذي كتب به هذا التاريخ.. ذلك أن أغلب مدونات التاريخ الإسلامي ـ القديم منه والحديث ــ
قد سلطت كل الأضواء علي السلطة والسلطان ـ تلك التي كانت ظالمة ومستبدة في كثير من الأحيان,
فجاءت صورة هذا التاريخ عوراء علي هذا النحو الذي ظنه الكثيرون..
ولقد غاب عن مدونات هذا التاريخ ـ الذي وقف عند السلطة ـ غاب تاريخ الأمة ـ الذي ظلت مادته حبيسة كتب, الطبقات] ـ
طبقات الفقهاء والفلاسفة والمتكلمين والمفسرين والمحدثين والقراء والأطباء والأدباء والشعراء
والزهاد والعلماء التجريبيين والمجاهدين المرابطين والصناع والحرفيين والتجار والزراعيين..
كما غابت عن مدونات هذا التاريخ صورة الواقع ــ الذي صنعته الأمة ـ واقع الدواوين والمؤسسات والعمارة
وتمصير الأمصار والأسواق والخانات والمدارس والمساجد والمكتبات والتكايا والمزارات والبيمارستانات.. إلخ.. إلخ..
هذا الواقع الذي أبدعت حضارتنا الإسلامية لتسجيله وتأريخه فنا متميزا من فنون التأليف, هو, موسوعات الخطط] ومعاجم البلدان]..
ولو أن تاريخنا الإسلامي قد سلط الأضواء ــ في شمولية وتوازن ـ علي هذه المكونات الثلاثة:
1 ــ الأمة, بشعوبها وقبائلها.. وطبقات المبدعين لحضارتها..
2 ــ والواقع الثري والغني, الذي أرخت له كتب الخطط ومعاجم البلدان.
3 ــ والسلطة والدولة ــ التي كانت محدودة الحجم طوال أغلب عصور ذلك التاريخ.. ومن ثم كان انحرافها المبكر محدود التأثير.
لو أن ذلك قد حدث في تدوين تاريخنا الإسلامي, لظهر جليا أن الانحراف المبكر للسلطة والدولة
لم يدخل بأمتنا وتاريخنا الحضاري عصر الظلمات, ونفق الانحطاط..
وأن الأمة ــ التي بنت الحضارة ـ قد كان ثقلها ونصيبها أعظم من الدولة ـ في هذا الإبداع الحضاري العظيم..
لقد تميز تاريخنا الحضاري بخاصية تعظيم دور الأمة وتحجيم أثر الدولة, فلم يصب انحراف الدولة ـ المبكر ـ
تاريخنا بالتخلف والظلامية والانحطاط ـ كما يحسب غلاة العلمانيين ــ
بل إن بلادنا لم تعرف نمط الدولة الغول, التي تحجم الأمة إلا عندما جاءها نمط الدولة القومية الأوروبية في عصرنا الحديث!
لقد بنيت الدولة الإسلامية الأولي علي مؤسسات ثلاث:
1 ـ مؤسسة الأمراء ـ المهاجرين الأولين.
2ـ مؤسسة الوزراء ـ النقباء الاثني عشر ـ قادة الأنصار
3ـ مجلس الشوري ـ مجلس السبعين ـ..
ولقد ظلت المؤسسية والمؤسسات هي الجامعة لطاقات الإبداع الصانع للحضارة الإسلامية عبر تاريخنا..
وعندما غابت المؤسسات عن الدولة ظلت حاضرة في نطاق الأمة..
وكانت مؤسسة الوقف هي المؤسسة الأهلية, الأم التي مولت صناعة الحضارة في كل ميادين الواقع الإسلامي..
فالأمة هي التي صنعت الحضارة, والأوقاف هي التي مولت صناعة الحضارة, بينما كانت السلطة والدولة محدودة الحجم والتأثير طوال عصور ذلك التاريخ..
إذن, هو الجهل وسوء النية ومعهما الخلل الذي أصاب تدوين تاريخنا,
والذي سلط كل الأضواء علي الدولة وأهمل تاريخ الأمة..
أسباب ثلاثة تقف وراء النظرة السوداوية لتاريخ الإسلام والمسلمين.. الأمر الذي يطرح علي العقل المسلم قضية إعادة كتابة التاريخ المتوازن لحضارة الإسلام؟
منقول بتصرف من
http://www.altareekh.com/article/view/4456-%D9%87%D9%84-%D9%83%D8%A7%D9%86-%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE%D9%86%D8%A7-%D8%B8%D9%84%D8%A7%D9%85%D8%A7-%D8%AF%D8%A7%D9%85%D8%B3%D8%A7%D8%9F%E2%80%8F.html
كتب د. محمد عمارة
في كثير من كتابات غلاة العلمانيين, وفي المناظرات الشهيرة التي دارت بين الإسلاميين وبين هؤلاء الغلاة,
ترددت كثيرا عبارات هؤلاء العلمانيين التي تقول: إن تاريخنا كان في أغلبه ــ99% منه ــ ظلاما دامسا!..
وإنه كان تاريخ النطع والسياف!.. بل إن أحد هؤلاء الغلاة قد لخص مكانة الحضارة الإسلامية ــ
لتي تعلمت منها الدنيا ــ بأنها لا تعدو شطر بيت من شعر أبي نواس,146 ـ198 هـ 757 ـ814 م]
يقول فيه: وداوني بالتي كانت هي الداء
ولقد زاد الطين بلة, أن قطاعا ملحوظا من دارسي التاريخ الإسلامي ــ حتي الذين لم يسقطوا في الغلو العلماني ـ
قد رأوا في تحول الخلافة الراشدة إلي ملك عضود منذ بداية الدولة الأموية,41 هـ ـ661 م],
بداية السقوط المبكر لتاريخنا الإسلامي في مستنقع الاستبداد والتخلف.. بل والانحطاط!..
ولقد أسهمت في دعم هذا التصور الزائف ــ والشائع ــ أكاذيب المبالغات الشعوبية والافتراءات الشعبية التي سودت صورة هذا التاريخ.
وفي الرد علي هؤلاء الغلاة.. وعلي أصحاب النظرات السطحية لتاريخنا الحضاري, كنت دائما أطرح هذا السؤال علي هؤلاء الغلاة:
ــ إذا كانت حضارتنا الإسلامية, التي أنارت الدنيا لأكثر من عشرة قرون,
والتي مثلت العالم الأول علي ظهر هذه الأرض طوال تلك القرون, والتي أحيت مواريث الحضارات القديمة وأنقذتها من الموات,
والتي تأسست عليها نهضات حضارية ـ في مقدمتها النهضة الأوروبية الحديثة.. إذا كانت هذه الحضارة ــ التي وضع الوحي القرآني نواتها الأولي ـ
لم تتبلور علومها وفنونها وآدابها ومناهجها وتقنياتها ومذاهبها وفلسفتها وتياراتها الفكرية في عهد الخلافة الراشدة..
وإنما حدث كل ذلك الإنجاز الحضاري الرائع في عهود الملك العضود ـ الأموية.. والعباسية ــ فكيف تسطع كل هذا النور الباهر في الليل البهيم ـ
الذي يتحدث عنه غلاة العلمانيين؟!.. وكيف تزدهر رياض الإبداعات ــ الدينية والمدنية ــ علي أرض النطع والسياف؟!..
إنها معادلة مستحيلة.. وسؤال لا جواب عليه عند أصحاب هذه التصورات السوداوية عن تاريخ الإسلام والمسلمين..
تلك التصورات التي غدت شائعة لدي قطاعات واسعة من المثقفين الحداثيين.
ولقد أدركت ــ بعد تأمل ـ أن لهذه النظرة السوداوية لتاريخنا الإسلامي أسبابا تتجاوز سوء النية
عند نفر من غلاة العلمانيين ـ الذين يريدون تشويه صورة الإسلام وتاريخ أمته وحضارته,
ليقطعوا الطريق علي إسلامية النهضة التي تنشدها الأمة هذه الأيام, وليقولوا ــ
تبعا لأساتذتهم المستشرقين الذين خدموا المد الاستعماري الغربي الحديث ـ:
إذا كان هذا هو حال التاريخ الذي يتعلق به المسلمون, فأي كارثة ستحل بمستقبلهم إن هم بعثوا معالم هذا التاريخ؟!
لقد أدركت أن وراء هذه الصورة الزائفة لتاريخنا ـ علاوة علي الفكر الاستشراقي الخبيث ـ الصورة المغلوطة لتاريخنا الإسلامي,
تلك التي نبعت من الأسلوب الخاطئ والقاصر الذي كتب به هذا التاريخ.. ذلك أن أغلب مدونات التاريخ الإسلامي ـ القديم منه والحديث ــ
قد سلطت كل الأضواء علي السلطة والسلطان ـ تلك التي كانت ظالمة ومستبدة في كثير من الأحيان,
فجاءت صورة هذا التاريخ عوراء علي هذا النحو الذي ظنه الكثيرون..
ولقد غاب عن مدونات هذا التاريخ ـ الذي وقف عند السلطة ـ غاب تاريخ الأمة ـ الذي ظلت مادته حبيسة كتب, الطبقات] ـ
طبقات الفقهاء والفلاسفة والمتكلمين والمفسرين والمحدثين والقراء والأطباء والأدباء والشعراء
والزهاد والعلماء التجريبيين والمجاهدين المرابطين والصناع والحرفيين والتجار والزراعيين..
كما غابت عن مدونات هذا التاريخ صورة الواقع ــ الذي صنعته الأمة ـ واقع الدواوين والمؤسسات والعمارة
وتمصير الأمصار والأسواق والخانات والمدارس والمساجد والمكتبات والتكايا والمزارات والبيمارستانات.. إلخ.. إلخ..
هذا الواقع الذي أبدعت حضارتنا الإسلامية لتسجيله وتأريخه فنا متميزا من فنون التأليف, هو, موسوعات الخطط] ومعاجم البلدان]..
ولو أن تاريخنا الإسلامي قد سلط الأضواء ــ في شمولية وتوازن ـ علي هذه المكونات الثلاثة:
1 ــ الأمة, بشعوبها وقبائلها.. وطبقات المبدعين لحضارتها..
2 ــ والواقع الثري والغني, الذي أرخت له كتب الخطط ومعاجم البلدان.
3 ــ والسلطة والدولة ــ التي كانت محدودة الحجم طوال أغلب عصور ذلك التاريخ.. ومن ثم كان انحرافها المبكر محدود التأثير.
لو أن ذلك قد حدث في تدوين تاريخنا الإسلامي, لظهر جليا أن الانحراف المبكر للسلطة والدولة
لم يدخل بأمتنا وتاريخنا الحضاري عصر الظلمات, ونفق الانحطاط..
وأن الأمة ــ التي بنت الحضارة ـ قد كان ثقلها ونصيبها أعظم من الدولة ـ في هذا الإبداع الحضاري العظيم..
لقد تميز تاريخنا الحضاري بخاصية تعظيم دور الأمة وتحجيم أثر الدولة, فلم يصب انحراف الدولة ـ المبكر ـ
تاريخنا بالتخلف والظلامية والانحطاط ـ كما يحسب غلاة العلمانيين ــ
بل إن بلادنا لم تعرف نمط الدولة الغول, التي تحجم الأمة إلا عندما جاءها نمط الدولة القومية الأوروبية في عصرنا الحديث!
لقد بنيت الدولة الإسلامية الأولي علي مؤسسات ثلاث:
1 ـ مؤسسة الأمراء ـ المهاجرين الأولين.
2ـ مؤسسة الوزراء ـ النقباء الاثني عشر ـ قادة الأنصار
3ـ مجلس الشوري ـ مجلس السبعين ـ..
ولقد ظلت المؤسسية والمؤسسات هي الجامعة لطاقات الإبداع الصانع للحضارة الإسلامية عبر تاريخنا..
وعندما غابت المؤسسات عن الدولة ظلت حاضرة في نطاق الأمة..
وكانت مؤسسة الوقف هي المؤسسة الأهلية, الأم التي مولت صناعة الحضارة في كل ميادين الواقع الإسلامي..
فالأمة هي التي صنعت الحضارة, والأوقاف هي التي مولت صناعة الحضارة, بينما كانت السلطة والدولة محدودة الحجم والتأثير طوال عصور ذلك التاريخ..
إذن, هو الجهل وسوء النية ومعهما الخلل الذي أصاب تدوين تاريخنا,
والذي سلط كل الأضواء علي الدولة وأهمل تاريخ الأمة..
أسباب ثلاثة تقف وراء النظرة السوداوية لتاريخ الإسلام والمسلمين.. الأمر الذي يطرح علي العقل المسلم قضية إعادة كتابة التاريخ المتوازن لحضارة الإسلام؟
منقول بتصرف من
http://www.altareekh.com/article/view/4456-%D9%87%D9%84-%D9%83%D8%A7%D9%86-%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE%D9%86%D8%A7-%D8%B8%D9%84%D8%A7%D9%85%D8%A7-%D8%AF%D8%A7%D9%85%D8%B3%D8%A7%D8%9F%E2%80%8F.html