قاصِف
2011-10-30, 01:48 AM
بقلم الشيخ خالد الخالدي
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف المرسلين, سيدنا محمد وعلى آله وصحبة أجمعين, أما بعد:
فقد استدل بعض الطاعنين في القرآن الكريم بأثر مروي عن أبي عمرو بن العلاء, فهموا منه طعنه في القرآن الكريم, وهو:
عَنْ أَبِي عَمْرٍو أنه قال: (إني لأستحي أَنْ أَقْرَأَ: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ)
والجواب على هذه الأثر من وجهين:
الوجه الأول: رواية.
نقول أن الأثر: لا أصل له[1], ذكره أبو القاسم النيسابوري (إيجاز البيان – 2/549), والرازي (مفاتيح الغيب – 22/65), وغيرهما من غير إسناد, ولم أظفر به مسندا بعد بحث طويل.
(والإسناد هو الطريق الموصل إلى ثبوت المتن, ولا خيَر في متن بلا إسناد.عن يحي بن سعيد القطَّان قال: (لا تنظروا إلى الحديث، ولكن انظروا إلى الإسناد، فإن صح الإسناد وإلا فلا تغترَّ بالحديث إذا لم يصح الإسناد))[2].
الوجه الثاني: دراية.
عن الْأَصْمَعِي قَالَ سَمِعت أَبَا عَمْرو بن الْعَلَاء يَقُول: (لَوْلَا أَنه لَيْسَ لي أَن أَقرَأ إِلَّا بِمَا قد قرىء بِهِ لقرأت حرف[3] كَذَا كَذَا وحرف كَذَا كَذَا)[4].
فقوله (قرئ به) يعني: قرأتُ به على مشايخي.
و(قد كان جماعة من أئمة السلف يقولون: (القراءة سنة متبعة)[5], أي: يأخذها اللاحق عن السابق, ويقف الإنسان فيها عند المسموع, لا يقرأ كما يشاء)[6].
قال ابن الجزري: (وَمِنْ ثَمَّ امْتَنَعَتِ الْقِرَاءَةُ بِالْقِيَاسِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي الْقِرَاءَةِ يُرْجَعُ إِلَيْهِ وَلَا رُكْنٌ وَثِيقٌ فِي الْأَدَاءِ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ كَمَا رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِنَ الصَّحَابَةِ، وَعَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ مِنَ التَّابِعَيْنِ أَنَّهُمْ قَالُوا: الْقِرَاءَةُ سُنَّةٌ يَأْخُذُهَا الْآخِرُ عَنِ الْأَوَّلِ فَاقْرَءُوا كَمَا عُلِّمْتُمُوهُ)[7].
وعليه فقول أبي عمرو يعني: (إني لأستحي أَنْ أَقْرَأَ (إِنْ هذان لساحران)) لأنه ليس لي أن أقرأ إلا بما قد قرئ – قرأت به على مشايخي -, وطريق ضبط قراءة القرآن هو السماع والتلقي من أفواه المشايخ, ولولا ذلك لقرأت بحرف كذا وكذا من الأحرف الأخرى.
فاستحياء أبي عمرو يتأتى من كونه لا يقرأ إلا بما تلقاه عن شيوخه من قراءة, مع كون غيرها ثابت عنده كما هو ظاهر الأثر, لا لكونه كان يعتقد تخطئة الأية.[8]
وصلى الله وسلم على نبينا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين
كتبه
أبو وليد خالد الخالدي
الهوامش
[1] - قال السيوطي: (قولهم (هذا الحديث ليس له أصل, أو لا أصل له), قال ابن تيمية: معناه ليس له إسناد). (تدريب الراوي-1/350).
[2] - تحرير علوم الحديث (1/24), وصحح هناك أثر القطان المذكور.
[3] - المراد بالحرف هنا القراءة.
[4] - رواه ابن مجاهد في السبعة (47), والمستغفري في فضائل القرآن (1/373), وصححه السلوم محقق الفضائل.
[5] - ثبت من حديث علي مرفوعا, وزيد بن ثابت, ومحمد بن المنكدر وعروة بن الزبير من قولهم. انظر: (المقدمات الأساسية – 180)
[6] - المقدمات الأساسية (179).
[7] - النشر في القراءات العشر (1/17).
[8] - فائدة: ((إنْ هذان لساحران)), قرئت (إِنْ) بالتخفيف, و(هذان) بالألف, - وهي قراءة حفص عاصم - وتوجيهها: أن الأصل (إنَّ هذين) فخففت (إنَّ) بحذف النون الثانية, وأهملت كما هو الأكثر فيها إذا خففت, وارتفع ما بعدها بالابتداء والخبر, فجيء بالألف, ونظيره: أنك تقول: (إنَّ زيدًا لقائمٌ), فإذا خففت فالأصح أن تقول: (إنْ زيدٌ لقائمٌ), على الابتداء والخبر, قال الله – تعالى – ((إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمّا عَلَيْها حافِظٌ)), وقرئت (إنَّ) بالتشديد و(وهذان) بالألف, - وهي قراءة وهي قراءة الجمهور خلا ابن كثير وأبي عمرو وحفص عن عاصم-, وهي على لغة بلحارث بن كعب, وخثعم, وزبيد, وكنانه, وآخرين, حيث يستعلمون المثنى بالألف دائما, تقول: (جاء الزيدان), و(ورأيت الزيدان), و(مررت بالزيدان), وقرئت (إنَّ هذين) – بتشديد نون (إن) وبالياء في (هذين) – وهي قراءة أبي عمرو بن العلاء البصري, وهي جارية على المشهور من سنن العربية.
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف المرسلين, سيدنا محمد وعلى آله وصحبة أجمعين, أما بعد:
فقد استدل بعض الطاعنين في القرآن الكريم بأثر مروي عن أبي عمرو بن العلاء, فهموا منه طعنه في القرآن الكريم, وهو:
عَنْ أَبِي عَمْرٍو أنه قال: (إني لأستحي أَنْ أَقْرَأَ: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ)
والجواب على هذه الأثر من وجهين:
الوجه الأول: رواية.
نقول أن الأثر: لا أصل له[1], ذكره أبو القاسم النيسابوري (إيجاز البيان – 2/549), والرازي (مفاتيح الغيب – 22/65), وغيرهما من غير إسناد, ولم أظفر به مسندا بعد بحث طويل.
(والإسناد هو الطريق الموصل إلى ثبوت المتن, ولا خيَر في متن بلا إسناد.عن يحي بن سعيد القطَّان قال: (لا تنظروا إلى الحديث، ولكن انظروا إلى الإسناد، فإن صح الإسناد وإلا فلا تغترَّ بالحديث إذا لم يصح الإسناد))[2].
الوجه الثاني: دراية.
عن الْأَصْمَعِي قَالَ سَمِعت أَبَا عَمْرو بن الْعَلَاء يَقُول: (لَوْلَا أَنه لَيْسَ لي أَن أَقرَأ إِلَّا بِمَا قد قرىء بِهِ لقرأت حرف[3] كَذَا كَذَا وحرف كَذَا كَذَا)[4].
فقوله (قرئ به) يعني: قرأتُ به على مشايخي.
و(قد كان جماعة من أئمة السلف يقولون: (القراءة سنة متبعة)[5], أي: يأخذها اللاحق عن السابق, ويقف الإنسان فيها عند المسموع, لا يقرأ كما يشاء)[6].
قال ابن الجزري: (وَمِنْ ثَمَّ امْتَنَعَتِ الْقِرَاءَةُ بِالْقِيَاسِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي الْقِرَاءَةِ يُرْجَعُ إِلَيْهِ وَلَا رُكْنٌ وَثِيقٌ فِي الْأَدَاءِ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ كَمَا رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِنَ الصَّحَابَةِ، وَعَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ مِنَ التَّابِعَيْنِ أَنَّهُمْ قَالُوا: الْقِرَاءَةُ سُنَّةٌ يَأْخُذُهَا الْآخِرُ عَنِ الْأَوَّلِ فَاقْرَءُوا كَمَا عُلِّمْتُمُوهُ)[7].
وعليه فقول أبي عمرو يعني: (إني لأستحي أَنْ أَقْرَأَ (إِنْ هذان لساحران)) لأنه ليس لي أن أقرأ إلا بما قد قرئ – قرأت به على مشايخي -, وطريق ضبط قراءة القرآن هو السماع والتلقي من أفواه المشايخ, ولولا ذلك لقرأت بحرف كذا وكذا من الأحرف الأخرى.
فاستحياء أبي عمرو يتأتى من كونه لا يقرأ إلا بما تلقاه عن شيوخه من قراءة, مع كون غيرها ثابت عنده كما هو ظاهر الأثر, لا لكونه كان يعتقد تخطئة الأية.[8]
وصلى الله وسلم على نبينا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين
كتبه
أبو وليد خالد الخالدي
الهوامش
[1] - قال السيوطي: (قولهم (هذا الحديث ليس له أصل, أو لا أصل له), قال ابن تيمية: معناه ليس له إسناد). (تدريب الراوي-1/350).
[2] - تحرير علوم الحديث (1/24), وصحح هناك أثر القطان المذكور.
[3] - المراد بالحرف هنا القراءة.
[4] - رواه ابن مجاهد في السبعة (47), والمستغفري في فضائل القرآن (1/373), وصححه السلوم محقق الفضائل.
[5] - ثبت من حديث علي مرفوعا, وزيد بن ثابت, ومحمد بن المنكدر وعروة بن الزبير من قولهم. انظر: (المقدمات الأساسية – 180)
[6] - المقدمات الأساسية (179).
[7] - النشر في القراءات العشر (1/17).
[8] - فائدة: ((إنْ هذان لساحران)), قرئت (إِنْ) بالتخفيف, و(هذان) بالألف, - وهي قراءة حفص عاصم - وتوجيهها: أن الأصل (إنَّ هذين) فخففت (إنَّ) بحذف النون الثانية, وأهملت كما هو الأكثر فيها إذا خففت, وارتفع ما بعدها بالابتداء والخبر, فجيء بالألف, ونظيره: أنك تقول: (إنَّ زيدًا لقائمٌ), فإذا خففت فالأصح أن تقول: (إنْ زيدٌ لقائمٌ), على الابتداء والخبر, قال الله – تعالى – ((إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمّا عَلَيْها حافِظٌ)), وقرئت (إنَّ) بالتشديد و(وهذان) بالألف, - وهي قراءة وهي قراءة الجمهور خلا ابن كثير وأبي عمرو وحفص عن عاصم-, وهي على لغة بلحارث بن كعب, وخثعم, وزبيد, وكنانه, وآخرين, حيث يستعلمون المثنى بالألف دائما, تقول: (جاء الزيدان), و(ورأيت الزيدان), و(مررت بالزيدان), وقرئت (إنَّ هذين) – بتشديد نون (إن) وبالياء في (هذين) – وهي قراءة أبي عمرو بن العلاء البصري, وهي جارية على المشهور من سنن العربية.