مشاهدة النسخة كاملة : الصارم المسلول علي شاتم الرسول
د/احمد
2011-11-13, 04:26 AM
وايضا فان الذمي لم يعاهد على اظهار السب بالاجماع ولهذا اذا اظهره فانه يعاقب عليه باجماع المسلمين اما بالقتل او بالتعزير وهو لايعاقب على فعل شيء مما عوهد عليه وان كان كافرا غليظا ولا يجوز ان يعاقب على فعل شيء قد عوهدعلى فعله واذا لم يكن العهد مسوغا لفعله وقد ثبت ان النبي امر بقتل لاجله فيكون قد فعل ما يقتل لاجله وهو غير مقر عليه بالعهد ومثل هذا يجب قتله بلا تردد # وهذا التوجيه يقتضي قتله سواء قدر انه نقض العهد او لم ينقضه لان موجبات القتل التي لم نقره على فعلها يقتل بها وان قيل لا ينتقض عهده كالزنى بذمية وكقطع الطريق على ذمي وكقتل ذمي وكما لو فعل هذه الاشياء مع المسلمين وقلنا ان عهده لا ينتقض فانه يقتل # وايضا فان المسلم قدامتنع من السب بما اظهره من الايمان والذمي قد امتنع منه بما اظهره من الذمة والتزام الصغار ولو لم يكن ممتنعا منه بالصغار لما جاز عقوبته بتعزيز ولا غيره اذا فعله فاذا قتل لاجل السب الكافر الذي يستحله ظاهرا وباطنا ولم يعاهدنا عهدا يقتضي تركه فلان يقتل لاجله من التزم ان لا يظهره وعاهدنا على ذلك اولى واحرى # وايضا فقد تبين بما ذكرناه من هذه الاحاديث ان الساب يجب قتله فان النبي امر بقتل الساب في مواضع والامر يقضي
الوجوب ولم يبلغه عن أحد السب الا ندر دمه وكذلك اصحابه هذا مع ما قد كان يمكنه من العفو عنه فحيث لايمكنه العفو عنه يجب ان يكون قتل الساب اوكد والحرص عليه اشد وهذا الفعل منه هو نوع من الجهاد والاغلاظ على الكافرين والمنافقين واظهار دين الله واعلاء كلمته ومعلوم ان هذا واجب فعلم ان قتل الساب واجب في الجملة وحيث جاز العفو له فانما هو فيمن كان مقدورا عليه من مظهر الإسلام مطيع له او ممن جاءه مستسلما اما الممتنعون فلم يعف عن أحد منهم ولا يرد على هذا ان بعض الصحابة امن احدى القينتين وبعضهم امن ابن أبي سرح لان هذين كانا مستسلمين مريدين للإسلام والتوبة ومن كان كذلك فقد كان النبي له ان يعفو عنه فلم يتعين قتله فاذا ثبت ان الساب كان قتله واجبا والكافر الحربي الذي لم يسب لايجب قتله بل يجوز قتله فمعلوم ان الذمة لاتعصم دم من يجب قتله وانما تعصم دم من يجوز قتله الا ترى ان المرتد لا ذمة له وان القاطع والزاني لما وجب قتلهما لم تمنع الذمة قتلهما # وايضا فلا مزية للذمي على الحربي الا بالعهد والعهد لم يبح له اظهار السب بالاجماع فيكون الذمي قد شرك الحربي في اظهار السب الموجب للقتل وما اختص به من العهد لم يبح له إظهاره السب فيكون قد اتى بما يوجب القتل وهو لم يقر عليه فيجب قتله بالضرورة
وايضا فان النبي امر بقتل من كان يسبه مع امانه لمن كان يحاربه بنفسه وماله فعلم ان السب اشد من المحاربة او مثلها والذمي اذا حارب قتل فاذا سب قتل بطريق الاولى # وايضا فان الذمي وان كان معصوما بالعهد فهو ممنوع بهذا العهد من اظهار السب والحربي ليس له عهد يعصمه ولا يمنعه فيكون الذمي من جهة كونه ممنوعا اسوا حالا من الحربي واشد عداوة واعظم جرما واولى بالنكال والعقوبة التي يعاقب بها الحربي على السب والعهد الذي عصمه لم يف بموجبه فلا ينفعه لانا انما نستقيم له ما استقام لنا وهو لم يستقم بالاتفاق وكذلك يعاقب والعهد يعصم دمه وبشره الا بحق فلما جازت عقوبته بالاتفاق علم انه قد اتى ما يوجب العقوبة # وقد ثبت بالسنة ان عقوبة هذا الذنب القتل وسر الاستدلال بهذه الاحاديث انه لا يقتل الذمي لمجرد كون عهده قد انتقض فان مجرد نقض العهد يجعله ككافر لا عهد له وقد ثبت بهذه السنن ان النبي لم يامر بقتل الساب لمجرد كونه كافرا غير معاهد وانما قتله لاجل السب مع كون السب مستلزما للكفر والعداوة والمحاربة وهذا القدر موجب للقتل حيث كان وسياتي الكلام ان شاء الله على تعين قتله
السنة الثالثة عشرة ما رويناه من حديث أبي القاسم عبد الله ابن محمد البغوي ثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني ثنا علي بن مسهر عن صالح بن حيان عن ابن
بريدة عن ابيه قال جاء رجل إلى قوم في جانب المدينة فقال ان رسول الله امرني ان احكم فيكم برايي وفي اموالكم وفي كذا وفي كذا وكان خطب امراة منهم في الجاهلية فابوا ان يزوجوه ثم ذهب حتى نزل على المراة فبعث القوم إلى رسول الله فقال كذب عدو الله ثم ارسل رجلا فقال ان وجدته حيا فاقتله وان انت وجدته ميتا فحرقه بالنار فانطلق فوجده قد لدغ فمات فحرقه بالنار فعند ذلك قال رسول الله من كذب علي متعمدا فليتبوا مقعده من النار # ورواه أبو احمد بن عدي في كتابه الكامل قال ثنا الحسن
ابن محمد بن عنبر ثنا حجاج بن يوسف الشاعر ثنا زكريا بن عدي ثنا علي بن مسهر عن صالح بن حيان عن ابن بريدة عن ابيه قال كان حي من بني ليث من المدينة على ميلين وكان رجل قد خطب منهم في الجاهلية فلم يوجوه فاتاهم وعليه حلة فقال ان رسول الله كساني هذه الحلة وامرني ان احكم في اموالكم ودمائكم ثم انطلق فنزل على تلك المراة التي كان يحبها فارسل القوم إلى رسول الله فقال كذب عدو الله ثم ارسل رجلا فقال ان وجدته حيا وما اراك تجده حيا فاضرب عنقه وان وجدته ميتا فاحرقه بالنار قال فذلك قول رسول الله من كذب علي متعمدا
فليتبوأ مقعده من النار هذا اسناد صحيح على شرط الصحيح لانعلم له علة # وله شاهد من وجه اخر رواه المعافى بن زكريا الجريري في كتاب الجليس قال ثنا أبو حامد الحضرمي ثنا السري ابن
مزيد الخراساني ثنا أبو جعفر محمد بن علي الفزاري ثنا داود ابن الزبرقان قال اخبرني عطاء بن السائب عن عبد الله بن الزبير قال يوما لاصحابه اتدرون ما تاويل هذا الحديث من كذب علي متعمدا فليتبوا مقعده من النار قال كان رجل عشق امراة فاتى اهلها مساء فقال ان رسول الله بعثني اليكم ان اتضيف في اي بيوتكم شئت قال وكان ينتظر بيتوتية المساء قال فاتى رجل منهم النبي فقال ان فلانا اتانا يزعم انك امرته ان يبيت في اي بيوتنا شاء فقال كذب يا فلان انطلق معه فان امكنك الله منه فاضرب عنقه واحرقه بالنار ولا اراك الا قد كفيته فلما خرج
الرسول قال رسول الله ادعوه فلما جاء قال اني كنت امرتك ان تضرب عنقه وان تحرقه بالنار فان امكنك الله منه فاضرب عنقه ولا تحرقه بالنار فانه لايعذب بالنار الا رب النار ولا اراك الا قد كفيته فجاءت السماء بصيب فخرج الرجل ليتوضا فلسعته افعى فلما بلغ ذلك النبي قال هو في النار # وقد روى أبو بكر بن مردويه من حديث الوازع عن أبي سلمة عن أسامة قال قال رسول الله من يقل علي ما لم اقل فليتبوا مقعده من النار وذلك انه بعث رجلا فكذب عليه فوجد ميتا قد انشق بطنه ولم تقبله الارض # وروي ان رجلا كذب عليه فبعث عليا والزبير اليه ليقتلاه وللناس في هذا الحديث قولان # احدهما الاخذ بظاهرة في قتل من تعمد الكذب على رسول الله
ومن هؤلاء من قال يكفر بذلك قاله جماعة منهم أبو محمد الجويني حتى قال ابن عقيل عن شيخه أبي الفضل الهمداني مبتدعة الإسلام والكذابون والواضعون للحديث اشد من الملحدين لان الملحدين قصدوا إفساد الدين من خارج وهؤلاء قصدوا إفساده من داخل فهم كاهل بلد سعوا في فساد احواله والملحدون كالمحاصرون من خارج فالدخلاء يفتحون الحصن فهم شر على الإسلام من غير الملابسين له # ووجه هذا القول ان الكذب عليه كذب على الله ولهذا قال ان كذبا علي ليس ككذب على احدكم فان ما امر به الرسول فقد
امر الله به يجب اتباعه كوجوب اتباع امر الله وما اخبر به وجب تصديقه كما يجب تصديق ما اخبر الله به # ومن كذبه في خبره او امتنع من التزام امره فهو كمن كذب خبر الله وامتنع من التزام امره ومعلوم ان من كذب على الله بان زعم انه رسول الله او نبيه او اخبر عن الله خبرا كذب فيه كمسيلمة والعنسي ونحوهما من المتنبئين فانه كافر حلال الدم فكذلك من تعمد الكذب على رسول الله # يبين ذلك ان الكذب عليه بمنزلة التكذيب له ولهذا جمع الله بينهما بقوله تعالى ^ ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا او كذب بالحق لما جاء ^ بل ربما كان الكاذب عليه أعظم اثما من المكذب له ولهذا بدا الله به كما ان الصادق عليه أعظم درجة من المصدق بخبره فاذا كان الكاذب مثل المكذب او أعظم والكاذب على الله كالمكذب له فالكاذب على الرسول كالمكذب له # يوضح ذلك ان تكذيبه نوع من الكذب فان مضمون تكذيبه الاخبار عن خبره انه ليس بصدق وذلك ابطال لدين الله ولا فرق بين تكذيبه في خبر واحد او في جميع الاخبار وانما صار كافرا لما تضمنه من ابطال رسالة الله ودينه والكاذب عليه يدخل في دينه ما ليس منه عمدا ويزعم انه يجب على الامة التصديق بهذا الخبر وامتثال هذا الامر لانه دين الله مع العلم بانه ليس لله بدين
والزيادة في الدين كالنقص منه ولا فرق بين من يكذب باية من القران او يضيف كلاما يزعم انه سورة من القران عامدا لذلك # وايضا فان تعمد الكذب عليه استهزاء به واستخفاف لانه يزعم انه امر باشياء ليست مما امر به بل وقد لا يجوز الامر بها وهذه نسبة له إلى السفه او انه يخبر باشياء باطلة وهذه نسبة له إلى الكذب وهو كفر صريح # وايضا فانه لو زعم زاعم ان الله فرض صوم شهر اخر غير رمضان او صلاة سادسة زائدة ونحو ذلك او انه حرم الخبز واللحم عالما بكذب نفسه كفر بالاتفاق # فمن زعم ان النبي اوجب شيئا لم يوجبه او حرم شيئا لم يحرمه فقد كذب على الله كما كذب عليه الاول وزاد عليه بان صرح بان الرسول قال ذلك وانه افتى القائل لم يقله اجتهادا واستنباطا # وبالجملة فمن تعمد الكذب الصريح على الله فهو كالمتعمد لتكذيب الله واسوا حالا ولا يخفى ان من كذب على من يجب تعظيمه فانه مستخف به مستهين بحرمته # وايضا فان الكاذب عليه لابد ان يشينه بالكذب عليه وتنقصه بذلك ومعلوم انه لو كذب عليه كما كذب عليه ابن أبي سرح في قوله كان يتعلم مني او رماه ببعض الفواحش الموبقة او الاقوال الخبيثة كفر
بذلك فكذلك الكاذب عليه لانه اما ان ياثر عنه امرا او خبرا او فعلا فان اثر عنه امرا لم يامر به فقد زاد في شريعته وذلك الفعل لا يجوز ان يكون مما يامر به لانه لو كان كذلك لامر به لقوله ما تركت من شئ يقربكم إلى الجنة الا امرتكم به ولا من شئ يبعدكم عن النار الا نهيتكم عنه فاذا لم يامر به فالامر به غير جائز منه فمن روى عنه انه قد امر به فقد نسبه إلى الامر بما لايجوز له الامر به وذلك نسبة له إلى السفه # وكذلك ان يقل عنه خبرا فلو كان ذلك الخبر مما ينبغي له الاخبار به لاخبر به لان الله تعالى قد اكمل الدين فاذا لم يخبر به فليس هو مما ينبغي له ان يخبر به وكذلك الفعل الذي ينقله عنه كاذبا فيه لو كان مما ينبغي فعله وترجع لفعله فاذا لم يفعله فتركه اولى # فحاصله ان الرسول اكمل البشر في جميع احواله فما تركه من القول والفعل فتركه اولى من فعله وما فعله ففعله اكمل من تركه فاذا
كذب الرجل عليه متعمدا او اخبر عنه بما لم يكن فذلك الذي اخبر به عنه نقص بالنسبة اليه اذ لو كان كمالا لوجد منه ومن انتقص الرسول فقد كفر # واعلم ان هذا القول في غاية القوة كما تراه لكن يتوجه ان يفرق بين الذي يكذب عليه مشافهة وبين الذي يكذب عليه بواسطة مثل ان يقول حدثني فلان بن فلان عنه بكذا فان هذا انما كذب علي ذلك الرجل ونسب اليه ذلك الحديث فاما ان قال هذا حديث صحيح او ثبت عنه انه قال ذلك عالما بانه كذب فهذا قد كذب عليه واما اذا افتراه ورواه رواية ساذجة ففيه نظر لاسيما والصحابة عدول بتعديل الله لهم # فالكذب لو وقع من أحد ممن يدخل فيهم لعظم ضرره في الدين فاراد قتل من كذب عليه وعجل عقوبته ليكون ذلك عاصما من ان يدخل في العدول من ليس منهم المنافقين ونحوهم # واما من روى حديثا يعلم انه كذب فهذا حرام كما صح عنه انه قال من روى عني حديثا يعلم انه كذب فهو احد
الكاذبين لكن لا يكفر الا ان ينضم إلى روايته ما يوجب الكفر لانه صادق في ان شيخه حدثه به لكن لعلمه بان شيخه كذب فيه لم تكن تحل له الرواية فصار بمنزلة ان يشهد على اقرار او شهادة او عقد وهو يعلم ان ذلك باطل فهذه الشهادة حرام لكنه ليس بشاهد زور # وعلى هذا القول فمن سبه فهو اولى بالقتل ممن كذب عليه فان الكاذب عليه قد زاد في الدين ما ليس منه وهذا قد طعن في الدين بالكلية وحينئذ فالنبي قد امر بقتل الذي كذب عليه من غير استتابه فكذلك الساب له اولى # فان قيل الكذب عليه فيه مفسدة وهو ان يصدق في خبره فيزاد في الدين ما ليس منه او ينتقص منه ما هو منه والطاعن عليه قد علم بطلان كلامه بما اظهر الله من ايات النبوة
قيل والمحدث عنه لايقبل خبره ان لم يكن عدلا ضابطا فليس كل من حدث عنه قبل خبره لكن قد يظن عدلا وليس كذلك والطاعن عليه قد يؤثر طعنه في نفوس كثير من الناس ويسقط حرمته من كثير من القلوب فهو اوكد على ان الحديث عنه له دلائل يميز بها بين الكذب والصدق # القول الثاني ان الكاذب عليه تغلظ عقوبته لكن لايكفر ولايجوز قتله لان موجبات الكفر والقتل معلومة وليس هذا منها فلا يجوز ان يثبت مالا اصل له ومن قال هذا فلابد ان يقيد قوله بان لم يكن الكذب عليه متضمنا لعيب ظاهر فاما ان اخبر انه سمعه يقول كلاما يدل على نقصه وعيبه دلالة ظاهرا مثل حديث عرق الخيل ونحوه من الترهات فهذا مستهزئ به استهزاء ظاهر ولا ريب انه كافر حلال الدم # وقد اجاب من ذهب إلى هذا القول عن الحديث بان النبي علم انه كان منافقا فقتله لذلك لا للكذب # وهذا الجواب ليس بشئ لان النبي لم يكن من سننه انه يقتل
احد من المنافقين الذين اخببر الثقة عنهم بالنفاق اوالذين نزل القران بنفاقهم فكيف يقتل رجلا بمجرد علمه بنفاقه ثم انه سمى خلقا من المنافقين لحذيفة وغيره ولم يقتل منهم احدا # وايضا فالسبب المذكور في الحديث انما هو كذبة على النبي كذبا له فيه غرض وعليه رتب القتل فلا يجوز اضافة القتل إلى سبب اخر وايضا فان الرجل انما قصد بالكذب نيل شهوته ومثل هذا قد يصدر من الفساق كما يصدر من الكفار # وايضا فاما ان يكون نفاقه لهذه االكذبة او لسبب ماض فان كان لهذه فقد ثبت ان الكذب عليه نفاق والمنافق كافر وان كان النفاق متقدما وهو المقتضي للقتل لا غيره فعلام تاخير الامر بقتله إلى هذا الحين وعلام لم يؤاخذه الله بذلك النفاق حتى فعل ما فعل # وايضا فان القوم اخبروا رسول الله بقوله فقال كذب عدو الله ثم امر بقتله ان وجده حيا وقال ما اراك تجده حيا لعلمه بان ذنبه يوجب تعجيل العقوبة
والنبي اذا امر بالقتل او غيره من العقوبات والكفارات عقب فعل وصف له صالح لترتب ذلك الجزاء عليه كان ذلك الفعل هو المقتضي لذلك الجزاء ولا غيره كما ان الاعرابي لما وصف له الجماع في رمضان امره بالكفارة ولما اقر عنده ماعز والغامدية وغيرهما بالزنى امر بالرجم وهذا مما لا خلاف فيه بين الناس نعلمه نعم قد يختلفون في
نفس الموجب هل هو مجموع تلك الاوصاف او بعضها وهو نوع من تنقيح المناط فاما ان يجعل ذلك الفعل عديم التاثير والموجب لتلك العقوبة غيره الذي لم يذكر وهذا فاسد بالضرورة لكن يمكن ان يقال فيه ما هو اقرب من هذا وهو ان هذا الرجل كذب على النبي كذبا يتضمن انتقاصه وعيبه لانه زعم ان النبي حكمه في دمائهم واموالهم واذن له ان يبيت حيث شاء من بيوتهم ومقصوده بذلك ان يبيت عند تلك المراة ليفجر بها ولا يمكنهم الانكار عليه اذا كان محكما في الدماء والاموال # ومعلوم ان النبي لا يحلل الحرام ومن زعم انه احل المحرمات من الدماء والاموال والفواحش فقد انتقصه وعابه ونسبه النبي إلى انه ياذن له ان يبيت عند امراة اجنبية خاليا بها او انه يحكم بما شاء في قوم مسلمين طعن على النبي وعيب له وعلى هذا التقدير فقد امر بقتل من عابه وطعن عليه من غير استتابه وهو المقصود في هذا المكان فثبت ان الحديث نص في قتل الطاعن عليه من غير استتابه على كلا القولين # ومما يؤيد القول الاول ان القوم لو ظهر لهم ان هذا الكلام سب وطعن لبادروا إلى الانكار عليه ويمكن ان يقال رابهم امره فتوقفوا حتى استثبتوا ذلك من النبي لما تعارض وجوب طاعة
الرسول وعظم ما اتاهم به هذا اللعين ومن نصر القول الاول قال كل كذب عليه فانه متضمن للطعن عليه كما تقدم ثم ان هذا الرجل لم يذكر في الحديث انه قصد الطعن والازراء وانما قصد تحصيل شهوته بالكذب عليه وهذا شان كل من تعمد الكذب عليه فانه انما يقصد تحصيل غرض له ان لم يقصد الاستهزاء به والاغراض في الغالب اما مال او شرف كما ان المتنبي انما يقصد اذا لم يقصد مجرد الاضلال اما الرياسة بنفاذ الامر وحصول التعظيم او تحصيل الشهوات الظاهرة وبالجملة فمن قال او فعل ما هو كفر كفر بذلك وان لم يقصد ان يكون كافرا اذ لا يكاد يقصد الكفر أحد الا ما شاء الله # السنة الرابعة عشرة حديث الاعرابي الذي قال للنبي لما اعطاه ما احسنت ولا اجملت فاراد المسلمون قتله ثم قال النبي لو تركتكم حين قال الرجل ما قال فقتلتموه دخل النار وسياتي ذكره في ضمن الاحاديث المتضمنة لعفوه عمن اذاه فان هذا الحديث يدل على ان من اذاه اذا قتل دخل النار وذلك على كفره وجواز قتله والا كان يكون شهيدا وكان قاتله من اهل النار وانما
عفا النبي عنه ثم استرضاه بعد ذلك حتى رضي لانه كان له ان يعفو عمن اذاه كما سياتي ان شاء الله # ومن هذا الباب ان الرجل الذي قاله له لما قسم غنائم حنين ان هذه لقسمة ما اريد بها وجه الله فقال عمر دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق فقال معاذ الله ان يتحدث الناس ان محمدا يقتل اصحابه ثم اخبر انه يخرج من ضئضئة اقوام يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم وذكر حديث الخوارج رواه مسلم فأن النبي لم يمنع عمر من قتله الا لئلا يتحدث الناس ان محمدا يقتل اصحابه ولم يمنعه لكونه في نفسه معصوما كما قال في حديث حاطب بن أبي بلتعة فأنه لما قال ما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني ولا رضا
بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله انه قد صدقكم فقال عمر دعني اضرب عنق هذا المنافق فقال انه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على اهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فبين انه باق على ايمانه وانه صدر منه ما يغفر له به الذنوب فعلم ان دمه معصوم وهنا علل بمفسدة زالت # فعلم ان قتل مثل هذا القائل اذا امنت هذه المفسدة جائز ولذلك لما امنت هذه المفسدة النزل الله قوله ^ جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ^ بعد ان كان قد قال له ^ ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع اذاهم ^ قال زيد بن اسلم قوله ^ جاهد الكفار والمنافقين ^ نسخت ما كان قبلها # وما يشبه هذا ان عبد الله بن أبي لما قال ^ لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل وقال ^ لا تنفقوا على من
عند رسول الله حتى ينفضوا ^ استامر عمر في قتله فقال اذن ترعد له انوف كثيرة بالمدينة وقال لا يتحدث الناس ان محمدا يقتل اصحابه والقصة مشهورة وهي في الصحيحين وستاتي ان شاء الله تعالى # فعلم ان من آذى النبي بمثل هذا الكلام جاز قتله لذلك مع القدرة وانما ترك النبي قتله لما خيف في قتله من نفور الناس عن الإسلام لما كان ضعيفا # ومن هذا الباب ان النبي لما قال من يعذرني في رجل بلغني اذاه في اهلي قال له سعد بن معاذ انا اعذرك ان كان من الاوس ضربت عنقه والقصة مشهورة فلما لم ينكر عليه ذلك دل على ان من اذى النبي وتنقصه يجوز ضرب عنقه والفرق بين ابن
ابي وغيره ممن تكلم في شان عائشة انه كان يقصد بالكلام فيها عيب رسول الله والطعن عليه والحاق العار به ويتكلم بكلام ينتقصه به فلذلك قالوا نقتله بخلاف حسان ومسطح وحمنة فانهم لم يقصدوا ذلك ولم يتكلموا بما يدل على ذلك ولهذا انما استعذر النبي من ابن أبي دون غيره ولاجله خطب الناس حتى كاد الحيان يقتتلون # الحديث الخامس عشر قال سعيد بن يحيى بن سعيد الاموي في مغازيه حدثني أبي عن المجالد بن سعيد عن الشعبي قال لما افتتح رسول الله مكة دعا بمال العزى فنثره بين يديه ثم دعا رجلا قد سماه فأعطاه منها ثم دعا أبا سفيان بن حرب فأعطاه منها ثم دعا سعيد بن الحارث فأعطاه منها ثم دعا رهطا من قريش فأعطاهم فجعل يعطي الرجل القطعه من الذهب فيها خمسون مثقالاوسبعون مثقالا
ونحو ذلك فقام رجل فقال انك لبصير حيث تضع التبر ثم قام الثانية فقال مثل ذلك فأعرض عنه النبي ثم قام الثالثة فقال انك لتحكم وما نرى عدلا قال ويحك اذا لا يعدل أحد بعدي ثم دعا نبي الله أبا بكر فقال اذهب فاقتله فذهب فلم يجده فقال لو قتلته لرجوت ان يكون اولهم واخرهم # فهذا الحديث نص في قتل مثل هذا الطاعن على رسول الله من غير استتابه وليست هي قصة قصمغنائم حنين ولا قسم التبر الذي بعث به علي من اليمن بل هذه القصة قبل ذلك في قسم مال العزى وكان هدم العزى قبل الفتح في اواخر شهر رمضان سنة ثمان وغنائم حنين قسمت بعد ذلك بالجعرانة في ذي القعدة وحديث علي في سنة عشر # وهذا الحديث مرسل ومخرجه عن مجالد وفيه لين لكن له ما يؤيد معناه فانه قد تقدم ان عمر قتل الرجل الذي لم يرض بحكم النبي ونزل القرآن باقراره على ذلك وجرعه أسهل من جرم هذا
وايضا فان في الصحيحين عن أبي سعيد عن النبي في حديث الذي لمزه في قسمة الذهيبة التي ارسل بها علي من اليمن وقال يا رسول الله اتق الله انه قال انه يخرج من ضئضى هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية يقتلون اهل الإسلام ويدعون اهل الاوثان لئن ادركتهم لاقتلنهم قتل عاد # وفي الصحيحين عن علي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله يقول سيخرج قوم في اخر الزمان حداث الاسنان سفهاء الاحلام يقولون من خير قول البرية لا يجاوز ايمانهم حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فاينما لقيتموهم فاقتلوهم فان في قتلهم اجرا لمن قتلهم يوم القيامة
وروى النسائي عن أبي برزة قال اتي رسول الله بمال فقسمه فاعطى من عن يمينه ومن عن شماله ولم يعط من ورائه شيئا فقام رجل من وراءه فقال يا محمد ما عدلت في القسمة رجل اسود مطموم الشعر عليه ثوبان ابيضان فغضب رسول الله غضببا شديدا وقال والله لا تجدون بعدي رجلا هو اعدل مني ثم قال يخرج في اخر الزمان قوم كان هذا منهم يقرؤون القرن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية سيماهم التحليق لا يزالون يخرجون حتى يخرج اخرهم مع المسيح الدجال فاذا لقيتموهم فاقتلوهم هم شر الخلق والخليقة # فهذه الاحاديث كلها دليل على ان النبي امر بقتل طائفة هذا الرجل العائب عليه واخبر ان في قتلهم اجرا لمن قتلهم وقال لئن ادركتم لاقتلنهم قتل عاد وذكر انهم شر الخلق والخليقة # وفيما رواه الترميذي وغيره عن أبي إمامة انه قال هم شر قتلى تحت اديم السماء خير قتلى من قتلوه وذكر انه سمع النبي يقول ذلك مرات متعددة وتلا فيهم قوله تعالى ^ يوم تبيض وجوه
وتسود وجوه فاما الذين اسودت وجوههم اكفرتم بعد ايمانكم ^ وقال هؤلاء الذين كفروا بعد ايمانهم وتلا فيهم قوله تعالى ^ فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ^ وقال زاغوا فزيغ بهم ولا يجوز ان يكون امر بقتلهم لمجرد قتالهم الناس كما يقاتل الصائل من قاطع الطريق ونحوه وكما يقاتل البغاة لان اولئك انما يشرع قتالهم حتى تنكسر شوكتهم وكفوا عن الفساد ويدخلوا في الطاعة ولا يقتلون اينما لقوا ولا يقتلون قتل عاد وليسوا شر قتلى تحت اديم السماء ولا يؤمر بقتلهم وانما يؤمر في اخر الامر بقتالهم فعلم ان هؤلاء اوجب قتلهم مروقهم من الدين لما غلوا فيه حتى مرقوا منه كما دل عليه قوله في حديث علي يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميه فاينما لقيتموهم فاقتلوهم فرتب الامر بالقتل على مروقهم فعلم انه الموجب له ولهذا وصف النبي الطائفه الخارجة
وقال ولو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضي لهم علي لسان محمد لنكلوا عن العمل واية ذلك ان فيهم رجلا له عضد ليس له ذراع على راس عضده مثل حلمة الثدي عليه شعيرات بيض وقال انهم يخرجون علي خير فرقة من الناس يقتلهم ادنى الطائفتين إلى الحق وهذا كله في الصحيح فثبت ان قتلهم لخصوص صفتهم لا لعموم كونهم بغاة او محاربين وهذا القدر موجود في الواحد منهم كوجوده في العدد منهم وانما لم يقتلهم علي رضي الله عنه أول ما ظهروا لانه لم يتبين له انهم الطائفة المنعوته حتى سفكوا دم ابن خباب واغاروا على سرح الناس فظهر فيهم قوله ^ يقتلون
اهل الإسلام ويدعون اهل الاوثان فعلم انهم المارقون ولانه لو قتلهم قبل المحاربة له لربما غضبت لهم قبائلهم وتفرقوا على علي رضي الله عنه وقد كان حاله في حاجته إلى مداراة عسكره واستئلافهم كحال النبي في حاجته في أول الامر إلى استئلاف المنافقين # وايضا فان القوم لم يعترضوا لرسول الله بل كانوا يعظمونه ويعظمون أبا بكر وعمر ولكن غلوا في الدين غلوا جازوا به حده لنقص عقولهم وعملهم فصاروا كما تاوله علي فيهم من قوله عز وجل ^ قل هل ننبئكم بالاخسرين اعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا ^ # واوجب ذلك لهم عقائد فاسدة ترتب عليها افعال منكرة كفرهم بها كثير من الامة وتوقف فيها اخرون فلما راى النبي الرجل
الطاعن عليه في القسمة الناسب له عدم العدل بجهله وغلوه وظنه ان العدل هو ما يعتقده من التسوية بين جميع الناس دون النظر إلى ما في تخصيص بعض الناس وتفضيله من مصلحة التاليف وغيرها من المصالح علم ان هذا أول اولئك فانه اذا طعن عليه في وجهه فهو على سنته بعد موته وعلى خلفائه اشد طعنا # وقد حكى ارباب المقالات عن الخوارج انهم يجوزون على الانبياء الكبائرولهذا لايلتفتون إلى السنة المخالفة في رايهم لظاهر القران وان كانت متواترة فلا يرجمون الزاني ويقطعون يد السارق فيما قل او كثر زعما منهم على ماقيل ان لاحجة الا القران وان السنة الصادرة عن الرسول ليست حجة بناء على ذلك الاصل الفاسد # قال من حكى ذلك عنهم انهم لايطعنون في النقل لتواتر ذلك وانما يبنونه على هذا الاصل ولهذا قال النبي في صفتهم انهم يقرؤون القران لا يجاوز حناجرهم يتاولونه برايهم من غير
استدلال على معانيه بالسنه وهم لا يفهمونه بقلوبهم انما يتلونه بالسنتهم والتحقيق انهم اصناف مختلفه فهذا راي طائفة منهم وطائفة قد يكذبون النقلة وطائفة لم يسمعوا ذلك ولم يطلبوا علمه وطائفة يزعمون ان ماليس له ذكر في القران بصريحه ليس حجة على الخلق اما لكونه منسوخا او مخصوصا بالرسول او غير ذلك وكذلك ما ذكر من تجويزهم الكبائر فاظنه والله اعلم قول طائفة منهم وعلى كل حال فمن كان يعتقد ان النبي جائر في قسمه يقول انه يفعلها بامر الله فهو مكذب له ومن زعم ان يجوز في حكمه او قسمه فقد زعم انه خائن وان اتباعه لايجب وهو مناقض لما تضمنه الرسالة من امانته ووجوب طاعته وزوال الحرج عن النفس من قضائه بقوله وفعله فانه قد بلغ عن الله انه اوجب طاعته والانقياد لحكمه ولانه لايحيف على أحد فم طعن في هذا فقدطعن في صحة تبليغه وذلك طعن في نفس الرسالة وبهذا يتبين صحة رواية من روى الحديث ومن يعدل اذا لم اعدل لقد خبت وخسرت ان لم اكن اعدل لان هذا الطاعن يقول انه رسول الله وانه يجب عليه تصديقه وطاعته فاذا قال انه لم يعدل فقد لزم انه
صدق غير عدل ولا امين ومن اتبع مثل ذلك فهو خائب خاسر كما وصفهم الله تعالى بانهم من الاخسرين اعمالا وان حسبوا انهم يحسنون صنعا ولانه من لم يؤتمن على المال يؤتمن على ماهو أعظم منه ولهذا قال الا تامنون وانا امين من في السماء ياتيني خبر السماء صباحا ومساء وقال لما قال له اتق الله اولست احق اهل الارض ان يتق الله وذلك لان الله قال فيما بلغه اليهم الرسول ^ وما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ^ بعد قوله ^ ما افاء الله على رسوله من اهل القرى فلله وللرسول ^ الاية فبين سبحانه انه ما نهى عنه من مال الفيء فعلينا ان ننتهي عنه فيجب ان يكون احق اهل الارض ان يتق الله اذ لولا ذلك لكانت الطاعة له ولغيره ان تساويا او لغيره دونه ان كان دونه وهذا كفر بما جاء به وهذا ظاهر # وقوله شر الخلق والخليقة وقوله شر قتلى تحت اديم السماء نص في انهم من المنافقين لان المنافقين اسوا حالا من الكفار
كما ذكر ان قوله تعالى ^ ومنهم من يلمزك في الصدقات ^ نزلت فيهم # وكذلك في حديث أبي إمامة ان قوله تعالى ^ اكفرتم بعد ايمانكم ^ نزلت فيهم وهذا مما لاخلاف فيه اذا صرحوا بالطعن في الرسول والعيب عليه كفعل اولئك اللامريين له # فاذا ثبت بهذه الاحاديث الصحيحة انه امر بقتل من كان من جنس ذلك الرجل الذي لمزه اينما لقوا واخبر انهم شر الخليقة وثبت انهم من المنافقين كان ذلك دليلا على صحة معنى حديث الشعبي في استحقاق اصلهم للقتل # يبقى ان يقال ففي الحديث الصحيح انه نهى عن قتل ذلك اللامز # فنقول حديث الشعبي هو أول ظهور هؤلاء كما تقدم فيشير والله اعلم ان يكون امر بقتله اولا طمعا في انقطاع امرهم وان كان قد كان يعفو عن أكثر المنافقين لانه خاف من هذا انتشار الفساد من بعده على الامة ولهذا قال لو قتلته لرجوت ان يكون اولهم واخرهم وكان ما يحصل بقتله من المصلحة العظيمة أعظم مما يخاف من
نفور بعض الناس بقتله فلما لم يوجد وتعذر قتله ومع النبي بما اوحاه الله اليه من العلم مافضله الله به فكانه علم انه لابد من خروجهم انه لامطمع في استئصالهم كما انه لما علم ان الدجال خارج لامحالة نهى عمر عن قتل ابن صياد وقال ان يكنه فلن تسلط عليه وان لا يكنه فلا خير لك في قتله فكان هذا مما اوجب نهيه بعد ذلك عن قتل ذي الخويصرة لما لمزه في غنائم حنين وكذلك لما قال عمر ائذن لي فاضرب عنقه قال دعه فان له اصحابا يحقر احدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية إلى قوله يخرجون على حين فرقة من الناس فامر بتركه لاجل ان له اصحابا خارجين بعد ذلك فظهر ان
علمه بانهم لابد ان يخرجوا منعه من ان يقتل منهم احدا فيتحدث الناس بان محمدا يقتل اصحابه الذين يصلون معه وتنفر بذلك عن الإسلام قلوب كثير من غير مصلحة تغمر هذه المفسدة هذا مع انه كان له ان يعفو عمن اذاه مطلقا بابي هو وامي # وبهذا يتبين سبب كونه في بعض الحديث يعلل بانه يصلي وفي بعضه بان لا يتحدث الناس او محمدا يقتل اصحابه وفي بعضه بان له اصحابا سيخرجون وسياتي ان شاء الله ذكر بعض هذه الاحاديث وان كان هذا الموضع خليقا بها ايضا # فثبت ان كل من لمز النبي في حكمه او قسمه فانه يجب قتله كما امر به في حياته وبعد موته وانه انما عفا عن ذلك اللامز في حياته كما قد كان يعفو عمن يؤذيه من المنافقين لما علم انهم خارجون في الامة لا محالة وان ليس في قتل ذلك الرجل كثير فائده بل فيه من المفسدة مافي قتل سائر المنافقين واشد # ومما يشهد لمعنى هذا الحديث قول أبو بكر رضي الله عنه في الحديث المشهور لما اراد أبو برزة ان يقتل الرجل الذي اغلظ لابي بكر وتغيظ عليه أبو بكر وقال له أبو برزة اقتله فقال أبو بكر ماكانت لاحد بعد رسول الله # فان هذا كما تقدم من دليل على ان الصديق علم ان النبي يطاع امره في قتل من امر بقتله ممن اغضب النبي
د/احمد
2011-11-13, 04:27 AM
فلما كان في حديث الشعبي انه امر أبا بكر بقتل ذلك الذي لمزه حتى اغضبه كانت هذه القضية بمنزلة العمدة لقول الصديق وكان قول صديق رضى الله عنه دليلا على صحة معناها # ومما يدل على انهم كانوا يرون قتل من علموا انه من اولئك الخوارج وان كان منفردا حديث صبيغ بن عسل وهو مشهور قال أبو عثمان النهدي سال رجل من بني يربوع او من بني تميم عمر بن الخطاب رضى الله عنه عن الذاريات والمرسلات والنازعات او عن بعضهن فقال عمر ضع عن راسك فاذا له وفرة فقال عمر اما والله لو رايتك محلوقا لضربت الذي فيه عيناك ثم قال ثم كتب إلى اهل البصرة او قال الينا ان لا تجالسوه قال فلو جاء ونحن مئة
تفرقنا رواه الاموي وغيره باسناد صحيح # فهذا عمر يحالف بين المهاجرين والانصار انه لو راى العلامة التي وصف بها النبي الخوارج لضرب عنقه مع انه هو الذي نهاه النبي عن قتل ذي الخويصرة فعلم انه فهم من قول النبي اينما لقيتموهم فاقتلوهم القتل مطلقا وان العفو عن ذلك كان في حال الضعف والاستئلاف # فان قيل فما الفرق بين قول هؤلاء اللامزين في كونه نفاقا موجبا للكفر وحل الدم حتى صار جنس هذا القائل شر الخلق وبين ما ذكر من موجدة قريش والانصار
ففي حديث أبي سعيد الصحيح ان النبي لما قسم الذهيبة بين اربعة غضبت قريش والانصار وقالوا يعطيه صناديد اهل نجد ويدعنا فقال انما اتالفهم فاقبل رجل غائر العينين وذكر حديث اللامز # وفي رواية لمسلم فقال رجل من اصحابه كنا نحن احق بهذا من هؤلاء قال فبلغ ذلك النبي فقال الا تامنوني وانا امين من في السماء ياتيني خبر السماء صباحا ومساء فقام رجل غائر العينين الحديث # وكذلك موجدة الأنصار في غنائم حنين فعن انس بن مالك ان ناسا من الأنصار قالوا يوم حنين حين افاء الله على رسوله من اموال هوازن ما افاء فطفق رسول الله يعطي رجالا من قريش المئة من الابل فقالوا يغفر الله لرسول يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم وفي رواية لما فتحت مكة قسم الغنائم في قريش فقالت الأنصار ان هذا لهو العجب ان سيوفنا تقطر من دمائهم وانا غنائمنا ترد عليهم وفي رواية فقالت الأنصار اذا كانت الشدة فنحن ندعى ويعطى الغنائم غيرنا قال انس فحدثت رسول الله
ذلك من قولهم فارسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة من ادم ولم يدع معهم غيرهم فلما اجتمعوا جاءهم رسول الله فقال ما حديث بلغني عنكم فقال له فقهاء الانصاراما ذوو راينا يارسول الله فلم يقولوا شيئا واما اناس منا حديثة اسنانهم فقالوا يغفر الله لرسول الله يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم فقال رسول الله فاني اعطي رجالا حديثي عهد بكفر اتالفهم افلا ترضون ان يذهب الناس بالاموال وترجعون إلى رحالكم برسول الله ما تنقلبون به خير مما ينقلبون به قالوا بلى يارسول الله قد رضينا قال فانكم ستجدون بعدي اثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله على الحوض قالوا نصبر # قيل ان احدا من المؤمنين من قريش والانصار وغيرهم لم يكن في شئ من كلامه تجوير لرسول الله ولا تجوير ذلك عليه ولا اتهام له
انه حابى في القسمة لهوى النفس وطلب الملك ولا نسبة له إلى انه لم يرد بالقسمة وجه الله ونحو ذلك مما جاء مثاله في كلام المنافقين # ثم ذوو الراي من القبيلتين وهم الجمهور لم يتكلموا بشئ اصلا بل قد رضوا ما اتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيوتينا الله من فضله ورسوله كما قالت فقهاء الأنصار اما ذوو راينا فلم يقولوا شيئا وانما الذين تكلموا من احداث الاسنان ونحوهم فراوا ان النبي انما يقسم المال لمصالح الإسلام ولا يضعه في محل الا لان وضعه فيه اولى من وضعه في غيره هذا مما لايشكون فيه # وكان العلم بجهة المصلحة قد ينال بالوحي وقد ينال بالاجتهاد ولم يكونوا علموا ان ذلك مما فعله النبي وقال انه بوحي من الله فان من كره ذلك او اعترض عليه بعد ان يقول ذلك فهو كافر مكذب # وجوزوا ان يكون قسمة اجتهادا وكانوا يراجعونه بالاجتهاد في الامور الدنيوية المتعلقة بمصالح الدين وهو باب يجوز له العمل فيه باجتهاده باتفاق الامة وربما سالوه عن الامر لا لمراجعته فيه لكن
ليتبينوا وجهه ويتفقهوا في سببه ويعلموا علته # فكانت المراجعة المشهورة منهم لا تعدو هذين الوجهيين # اما لتكميل نظرة في ذلك ان كان من الامور السياسة التي للاجتهاد فيها مساغ # او ليتبين لهم وجه ذلك اذا ذكر ويزدادوا علما وايمانا وينفتح لهم طريق التفقه فيه # فالاول كمراجعة الحباب بن المنذر له لما نزل ببدر منزلا فقال يارسول الله ارايت هذا المنزل الذي نزلته اهو منزل انزلكه الله فليس لنا ان نتعداه أم هو الراي والحرب والمكيدة فقال بل هو الراي والحرب والمكيدة فقال ان هذا ليس بمنزل قتال فقبل رسول الله
رايه وتحول إلى غيره # وكذلك ايضا لما عزم ان يصالح غطفان عام الخندق على نصف تمر المدينة ثم جاء سعد بن معاذ في طائفة من الأنصار فقال يانبي الله بابي انت وامي هذا الذي تعطيهم اشئ من الله امرك فسمع وطاعة لله ولرسوله أم شئ من قبل رايك قال لا بل من قبل رايي اني رايت القوم اعطوا الاموال فجمعوا لكم ما رايتم من القبائل وانما انتم قبيل واحد فاردت ان ادفع بعضهم ونعطيهم شيئا وننصب لبعض اشتري بذلك ما قد نزل بكم معشر الأنصار فقال سعد
والله يارسول الله لقد كنا في الشرك وما يطمعون منا في اخذ النصف او كما قال وفي رواية ما ياكلون منها تمرة الا بشرى او قرى فكيف اليوم والله معنا وانت بين اظهرنا لانعطيهم ولا كرامة لهم ثم تناول الصحيفة فتفل فيها ثم رمى بها # وما كان من قبل الراي والظن في الدنيا فقد قال لما قال عن التلقيح ما اظن يغني ذلك شيئا انما ظننت فلا تؤاخذوني بالظن ولكن اذا حدثتكم عن الله بشئ فخذوا به فاني لن اكذب على الله رواه مسلم # وفي حديث آخر انتم اعلم بامر دنياكم فما كان من امر دينكم فالي # ومن هذا الباب حديث سعد بن أبي وقاص قال اعطي رسول الله رهطا وانا جالس فترك رجلا منهم هو اعجبهم الي فقمت فقلت له يا رسول الله اعطيت فلانا وفلانا وتركت فلانا وهو مؤمن
فقال او مسلم ذكر ذلك سعد له ثلاثا واجابه بمثل ذلك ثم قال اني لاعطي الرجل وغيره احب الي منه خشية ان يكب في النار على وجهه متفق عليه # فانما ساله سعد رضى الله عنه ليذكر النبي بذلك الرجل لعله يرى انه ممن ينبغي اعطاؤه او ليتبين لسعد وجه تركه مع اعطاء من هو دونه فاجابه النبي عن المقدمتين فقال ان العطاء ليس لمجرد الايمان بل اعطي وامنع والذي اتركه احب الي من الذي اعطيه لان الذي اعطيه لو لم اعطه لكفر فاعطيه لاحفظ عليه ايمانه ولا ادخله في زمرة من يعبد الله على حرف والذي امنعه معه من اليقين والايمان ما يغنيه عن الدنيا وهو احب الي وعندي أفضل وهو يعتصم بحبل الله ورسوله ويعتاض بنصيبه من الدين عن نصيبه من الدنيا كما اعتاض به أبو بكر وغيره وكما اعتاضت الأنصار حين ذهب الطلقاءواهل نجد بالشاة والبعير وانطلقوا هم برسول الله ثم لو كان العطاء لمجرد الايمان فمن اين لك ان هذا مؤمن بل يجوز ان يكون مسلما وان لم يدخل الايمان في قلبه فان النبي اعلم من سعد بتمييز المؤمن عن غيره حيث امكن التمييز
ومن ذلك ايضا ما ذكره ابن اسحاق عن محمد بن إبراهيم بن الحارث ان قائلا قال يارسول الله اعطيت عيينه بن حصن والاقرع ابن حابس مئة من الابل مئة من الابل وتركت جعيل بن سراقة الضمري فقال رسول الله اما والذي نفسي بيده لجعيل بن سراقة خير من طلاع الارض كلها مثل عيينه والاقرع ولكني تالفتهما على إسلامهما ووكلت جعيل بن سراقة إلى إسلامه
وقد ذكر بعض اهل المغازي في حديث الأنصار وددنا ان نعلم من اين هذا ان كان من قبل الله صبرنا وان كان من راي رسول الله استعتبناه # فهذا يبين ان من وجد منهم جوز ان يكون القسم وقع باجتهاد في المصلحة فاحب ان يعلم الوجه الذي اعطي به غيره ومنع هو مع فضله على غيره في الايمان والجهاد وغير ذلك # وهذا في بادي الراي هو الموجب للعطاء وان النبي لم يعطه كما اعطى غيره وهذا معنى قولهم استعتبناه اي طلبنا منه ان يعتبنا اي يزيل عتبنا اما ببيان الوجه الذي به اعطي غيرنا او باعطائنا وقد قال ما أحد احب اليه العذر من الله من اجل ذلك بعث الرسل مبشرين ومنذرين فاحب النبي ان يعذروه فيما فعل فبين لهم ذلك فلما بين لهم الامر بكوا حتى اخضلوا لحاهم ورضوا حق الرضاء والكلام المحكي عنهم يدل على انهم راوا القسمة وقعت اجتهادا وانهم احق بالمال من غيرهم فتعجبوا من اعطاء غيرهم
وارادوا ان يعلموا هل هو وحي او اجتهاد يتعين اتباعه لانه المصلحة او اجتهاد يمكن النبي ان ياخذ بغيره إلى راي انه اصلح وان كان هذا القسم انما يمكن فيما لم يستقر امره ويقره عليه ربه ولهذا قالوا يغفر الله لرسول الله يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم وقالوا ان هذا لهو العجب ان سيوفنا لتقطر من دمائهم وان غنائمنا لترد عليهم وفي رواية اذا كانت الشدة فنحنبه ندعى ويعطي الغنائم غيرنا # واختلف الناس في العطايا هل كانت من اصل الغنيمة او من الخمس فروي عن سعد بن إبراهيم ويعقوب بن عتبه قالا كانت العطايا فارغة من الغنائم وعلىهذا فالنبي انما اخذ نصيبهم من المغنم بطيب انفسهم
وقد قيل انه اراد ان يقطعهم بدل ذلك قطائع من البحرين فقالوا لا حتى يقطع اخواننا من المهاجرين مثله ولهذا لما جاء مال البحرين وافوه صلاة الفجر وقال لجابر لو قد جاء مال البحرين اعطيتك كذا وكذا لكن لم يستاذنهم النبي قبل القسم لعلمه بانهم يرضون بما يفعل واذا علم الرجل من حال صديقه انه تطيب نفسه بما ياخذ من ماله فله ان ياخذ وان لم يستاذنه نطقا وكان هذا معروفا بين كثير من الصحابة والتابعين كالرجل الذي سال النبي كبة من شعر فقال اما ما كان لي ولبني هاشم فهو لك وعلى هذا فلا حرج عليهم اذا سالوا نصيبهم # وقال موسى بن إبراهيم بن عقبة عن ابيه كانت من الخمس # قال الواقدي وهو اثبت القولين وعلى هذا فالخمس اما ان يقسمه الإمام باجتهاده كما يقوله مالك او يقسمه خمسة اقسام كما
يقوله الشافعي واحمد واذا قسمة خمسة اقسام فاذا لم يوجد يتامى او مساكين او ابن سبيل او استغنى ردت انصباؤهم في مصارف سهم الرسول # وقد كان اليتامى والمساكين وابناء السبيل اذ ذاك مع قلتهم مستغنين بنصيبهم من الزكاة لانه لما فتحت خيبر استغنى أكثر المسلمين رد رسول الله على الأنصار منائح النخل التي كانوا قد منحوها للمهاجرين فاجتمع للانصار اموالهم التي كانت والاموال التي غنموها بخيبر وغيرها فصاروا مياسير ولهذا قال النبي في خطبته الم اجدكم عالة فاغناكم الله بي فصرف رسول الله عامة الخمس في مصارف سهم الرسول فان اولى المصالح واهم المصالح تاليف اولئك القوم ومن زعم مجرد خمس الخمس قام بجميع ما اعطي المؤلفة فانه لم يدر كيف القصة ومن له خبرة بالقصة يعلم ان المال لم يكن يحتمل هذا # وقد قيل ان الابل كانت اربعة وعشرين الف بعير والغنم اربعين الفا او اقل او أكثر والورق اربعة الاف اوقية والغنم كانت تعدل عشرة منها ببعير فهذا يكون قريبا من ثلاثين الف بعير فخمس
الخمس منه الف ومئتا بعير وقد قسم في المؤلفة اضعاف ذلك على ما لاخلاف فيه بين اهل العلم # واما قول بعض قريش والانصار في الذهيبة التي بعث بها علي من اليمن ايعطي صناديد اهل نجد ويدعنا فمن هذا الباب ايضا انما سالوا على هذا الوجه # وهنا جوابان اخران # احدهما ان بعض اولئك القائلين قد كان منافقا يجوز قتله مثل الذي سمعه ابن مسعود يقول في غنائم حنين ان هذه لقسمة ما اريد بها وجه الله وكان في ضمن قريش والانصار منافقون كثيرون فما ذكر من كلمة لا مخرج لها فانما خرجت من منافق والرجل الذي ذكر عنه أبو سعيد انه قال كنا احق بهذا من هؤلاء ولم يسمه منافقا والله اعلم # الجواب الثاني ان الاعتراض قد يكون ذنبا ومعصية يخاف على صاحبه النفاق وان لم يكن نفاقا مثل قوله تعالى ^ يجادلونك في الحق بعد ما تبين ^ ومثل مراجعتهم له في فسخ الحج إلى العمرة
وابطائهم عن الحل وكذلك كراهتهم للحل عام الحديبية وكراهتهم للصلح ومراجعة من راجع منهم فان من فعل ذلك فقد اذنب ذنبا كان عليه ان يسغفر الله منه كما ان الذين رفعوا اصواتهم فوق صوته اذنبوا ذنبا تابوا منه وقد قال تعالى ^ واعلموا ان فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثيرمن الامر لعنتم ^
وقال سهل بن حنيف اتهموا الراي على الدين فلقد رايتني يوم أبي جندل ولو استطيع ان ارد امر رسول الله لفعلت # فهذه امور صدرت عن شهوة وعجلة لا عن شك في الدين كما صدر عن حاطب التجسس لقريش مع انها ذنوب ومعاصي يجب على صاحبها ان يتوب وهي بمنزلة عصيان امر النبي # ومما يدخل في هذا حديث أبي هريرة في فتح مكة قال فقال رسول الله من دخل دار أبي سفيان فهو امن ومن القى السلاح فهو امن ومن اغلق بابه فهو امن فقالت الأنصار اما الرجل فقد ادركته رغبة في قرابته ورافة في بعشيرته قال أبو هريرة وجاء
الوحي وكان اذا جاء لا يخفى علينا فاذا جاء فليس احدا منا يرفع طرفه إلى رسول الله حتى ينقضي الوحي فلما قضي الوحي قال رسول الله يا معشر الأنصار قالوا لبيك يا رسول الله قال قلتم أم الرجل فادركته رغبة في قرابته ورافة بعشيرته قالوا قد كان ذلك قال كلا اني عبد الله ورسوله هاجرت إلى الله واليكم المحيا محياكم والممات مماتكم فاقبلوا اليه يبكون ويقولون والله ما قلنا الذي قلنا الا الظن بالله وبرسوله فقال رسول الله ان الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم رواه مسلم # وذلك ان الأنصار لما راوا النبي قد امن اهل مكة واقرهم على اموالهم وديارهم مع دخوله عليهم عنوة وقهرا وتمكنه من قتلهم واخذ
اموالهم لو شاء خافوا ان يكون النبي يريد ان يستوطن مكة ويستبطن قريشا لان البلد بلده والعشيرة عشيرته وان يكون نزاع النفس إلى الوطن والاهل يوجب انصرافه عنهم فقال من قال منهم ذلك ولم يقله الفقهاء واولو الالباب الذين يعلمون انه لم يكن له سبيل إلى استيطان مكة فقالوا ذلك لا طعنا ولا عيبا ولكن ضنا بالله وبرسوله والله ورسوله قد صدقاهم انما حملهم على ذلك الضن بالله ورسوله وعذراهم فيما قالول لما راوا وسمعوا ولان مفارقة الرسول شديد على مثل اولئك المؤمنين الذين هم شعار وغيرهم دثار والكلمة التي تخرج عن محبة وتعظيم وتشريف وتكريم يغتفر لصاحبها بل يحمد عليها وان كان مثلها لو صدر بدون ذلك استحق صاحبها النكال # وكذلك الفعل الا ترى ان النبي لما قال لابي بكر حين اراد ان يتاخر عن موقعه في الصلاة لما احس بالنبي مكانك فتاخر أبو بكر فقال له النبي ما منعك ان تثبت مكانك وقد امرتك فقال ما كان لابن أبي قحافة ان يتقدم بين يدي النبي
وكذلك أبو أيوب الانصاري لما استأذن النبي في ان ينتقل إلى السفل وان يصعد رسول الله إلى العلو وشق عليه ان يسكن فوق النبي فامره النبي بالمكث في مكانه وذكر له ان سكناه اسفل ارفق به من اجل دخول الناس عليه فامتنع أبو أيوب من ذلك ادبا مع النبي وتوقيرا له فكلمة الأنصار رضى الله عنهم من هذا الباب # وبالجملة فالكلمات في هذا الباب ثلاثة اقسام # احداهن ما هو كفر مثل قوله ان هذه لقسمة ما اريد بها وجه الله # الثاني ما هو ذنب ومعصية يخاف على صاحبه ان يحبط عمله مثل رفع الصوت فوق صوته ومثل مراجعة من راجعه عام الحديبية بعد ثباته على الصلح ومجادلة من جادله يوم بدر بعد ما تبين له الحق وهذا كله يدخل في المخالفه عن امره
الثالث ما ليس من ذلك بل يحمد عليه صاحبه او لايحمد كقول عمر ما بالنا نقصر الصلاة وقد امنا وكقول عائشة الم يقل الله ^ فاما من اوتي كتابه بيمينه ^ وكقول حفصة الم يقل الله ^ وان منكم الا واردها ^ وكمراجعة الحباب في منزل بدر ومراجعة سعد في صلح غطفان على نصف تمر المدينة ومثل مراجعتهم له لما امرهم بكسر الانية التي فيها لحوم الحمر فقالوا او لا نغسلها
فقال اغسلوها وكذلك رد عمر لابي هريرة لما خرج مبشرا ومراجعته للنبي في ذلك وكذلك مراجعته له لما اذن له في نحر الظهر في بعض المغازي وطلبه منه ان يجمع الازواد ويدعو الله ففعل
ما اشر به عمر ونحو ذلك مما فيه سؤال عن اشكال ليتبين لهم او عرض لمصلحة قد يفعلها الرسول # فهذا ما اتفق ذكره من السنن الماثورة عن النبي في قتل من سبه من معاهد وغير معاهد وبعضها نص في المسالة وبعضها ظاهر وبعضها مستنبط مستخرج استنباطا قد يقوى في راي من فهمه وقد يتوقف عنه من لم يفهمه او لم يتوجه عنده او راى ان الدلالة منه ضعيفة ولن يخفى الحق على من توخاه وقصده ورزقه الله بصيرة وعلما والله سبحانه اعلم
فصل # واما إجماع الصاحبة رضى الله عنهم فلان ذلك نقل عنهم في قضايا متعددة ينتشر مثلها ويستفيض ولم ينكرها أحد منهم فصارت اجماعا واعلم انه لا يمكن ادعاء إجماع الصحابة على مسالة فرعية بابلغ من هذا الطريق
فمن ذلك ما ذكره سيف بن عمر التميمي في كتاب الردة والفتوح عن شيوخه قال ورفع إلى المهاجر يعني المهاجر بن أبي امية وكان اميرا على اليمامة ونواحيها امراتان مغنيتان غنت احداهما بشتم النبي فقطع يدها ونزع ثنيتها وغنت الاخرى بهجاء المسلمين فقطع يدها ونزع ثنيتها فكتب أبو بكر بلغني الذي سرت به في المراة التي تغنت وزمرت بشتم النبي فلولا ما قد سبقتني فيها لامرتك بقتلها لان حد الانبياء ليس يشبه الحدود فمن تعاطى ذلك من مسلم فهو مرتد او معاهد فهو محارب غادر # وكتب اليه أبو بكر في التي تغنت في بهجاء المسلمين اما بعد فانه بلغني انك قطعت يد امراة في ان تغنت بهجاء المسلمين ونزعت ثنيتها
فان كانت ممن تدعي الإسلام فادب وتقدمة دون المثلة وان كانت ذمية فالمري لما صفحت عنه من الشرك أعظم ولو كنت تقدمت اليك في مثل هذا لبلغت مكروهك فاقبل الدعة واياك والمثله فالناس فانها ماثم ومنفرة الا في قصاص # وقد ذكر هذه القصة غير سيف وهذا يوافق ماتقدم عنه ان من شتم االنبي كان له ان يقتله وليس ذلك لاحد بعده وهو صريح في وجوب قتل من سب النبي من مسلم ومعاهد وان كان امراة وانه يقتل بدون استتابه بخلاف من سب الناس وان قتله حد للانبياء كما جلد من سب غيرهم حد له وانما لم يامر أبو بكر بقتل تلك المراة لان المهاجر سبق منه فيها حد باجتهاده فكره أبو بكر ان يجمع عليها حدين مع انه لعلها اسلمت او تابت قبل المهاجر توبتها قبل كتاب أبي بكر وهو محل اجتهاد سبق منه فيه حكم فلم يغيره أبو بكر لان الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد وكلامه يدل على انه انما منعه من قتلها ما سبق من المهاجر
وروى حرب في مسائله عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد قال اتي عمر برجل سب النبي فقتله ثم قال عمر من سب الله او سب احدا من الانبياء فاقتلوه قال ليث وحدثني مجاهد عن ابن عباس قال ايما مسلم سب الله او سب احدا من الانبياء فقد كذب برسول الله وهي ردة يستتاب فان رجع والا قتل وايما معاهد عاند فسب الله او سب احدا من الانبياء او جهر به فقد نقض العهد فاقتلوه # وعن أبي مشجعه بن ربعي قال لما قدم عمر بن الخطاب الشام قام قسطنطين بطريق الشام وذكر معاهدة عمر له وشروطه عليهم قال اكتب بذلك كتابا قال عمر نعم فبينما هو يكتب الكتاب اذ ذكر عمر فقال اني استثني عليك معرة الجيش مرتين ثانية قال لك
ثنياك وقبح الله من اقالك فلما فرغ عمر من الكتاب قال له يا امير المؤمنين قم في الناس فاخبرهم الذي جعلت لي وفرضت علي ليتناهوا عن ظلمي قال عمر نعم فقام في الناس فحمد الله واثنى عليه فقال الحمد لله احمده واستعينه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له فقال النبطي ان الله لا يضل احدا فقال عمر ما يقول قالوا لاشيء واعاد النبطي لمقالته فقال اخبرني ما يقول قال تزعم ان الله لايضل احدا قال عمر انا لم نعطك الذي اعطيناك لتدخل علينا في ديننا والذي نفسي بيده لئن عدت لاضربن الذي فيه عيناك واعاد عمر ولم يعد النبطي فلما فرغ عمر اخذ النبطي الكتاب رواه حرب # فهذا عمر رضي الله عنه بمحضر من المهاجرين والانصار يقول لمن عاهده انا لم نعطك العهد على ان تدخل علينا في ديننا وحلف لئن عاد ليضربن عنقه فعلم بذلك إجماع الصحابة على ان اهل العهد ليس لهم ان يظهروا الاعتراض علينا في ديننا وان ذلك منهم مبيح لدمائهم
د/احمد
2011-11-13, 04:28 AM
وان من أعظم الاعتراض سب نبينا وهذا ظاهر لاخفاء به لان اظهار التكذيب بالقدر من اظهار شتم النبي # وانما لم يقتله عمر لانه لم يكن قد تقرر عنده ان هذا الكلام طعنا في ديننا لجواز ان يكون اعتقد ان عمر قال ذلك من عنده فلما تقدم اليه عمر وبين له ان هذا ديننا قال له لان عدت لاقتلنك # ومن ذلك ما استدل به الإمام احمد ورواه عنه هشيم ثنا حصين عمن حدثه عن ابن عمر قال مر به راهب فقيل له هذا يسب النبي فقال ابن عمر لو سمعته لقتلته انا لم نعطهم الذمة على ان يسبوا نبينا # ورواه ايضا من حديث الثوري عن حصين عن الشيخ ان ابن عمر اصلت على راهب سب النبي بالسيف وقال انا لم نصالحهم على سب النبي
والجمع بين الروايتين ان يكون ابن عمر اصلت عليه السيف لعله يكون مقرا بذلك فلما انكر كف عنه وقال لو سمعته لقتلته وقد ذكر حديث ابن عمر غير واحد # وهذه الاثار كلها نص في الذمي والذمية وبعضها عام في الكافر والمسلم او نص فيهما # وقد تقدم حديث الرجل الذي قتله عمر من غير استتابة حين ابى ان يرضى بحكم النبي وحديث كشفه عن راس صبيغ بن عسل وقوله لو رايتك محلوقا لضربت الذي فيه عيناك من غير استتابه وانما ذنب طائفته الاعتراض على سنة الرسول # وقد تقدم عن ابن عباس انه قال في قوله تعالى ^ ان الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات ^ الاية هذه في شان عائشة وازواج النبي خاصة ليس فيها توبة ومن قذف امراة مؤمنة فقد جعل الله له توبة وقال نزلت في عائشة خاصة واللعنة للمنافقين عامة ومعلوم ان ذاك انما هو لان قذفها اذى للنبي ونفاق والمنافق يجب قتله اذا لم تقبل توبته
وروى الإمام احمد باسناده عن سماك بن الفضل عن عروة بن محمد عن رجل من بلقين ان امراة سبت النبي فقتلها خالد بن الوليد وهذه الراة مبهمة # وقد تقدم حديث محمد بن مسلمة في ابن يامين الذي زعم ان قتل كعب بن الاشرف كان غدرا وحلف محمد بن مسلمة لئن وجده خاليا ليقتلنه لأنه نسب النبي إلى الغدر ولم ينكر المسلمون عليه ذلك # ولا يرد على ذلك امساك الأمير اما عاوية او مروان عن قتل هذا الرجل لأن سكوته لايدل على مذهب وهو لم يخالف محمد ابن مسلمة ولعل سكوته لأنه لم ينظر في حكم هذا الرجل او نظر فلم يتبين له حكمه او لم تنبعث داعيته لاقامة الحد عليه او ظن ان الرجل قال ذلك معتقدا انه قتل بدون امر النبي او لأسباب احر
وبالجملة فمجرد كفه لايدل على انه مخالف لمحمد بن مسلمة فيما قاله وظاهر القصة ان محمد بن مسلمة رآه مخطئا بترك اقامة الحد على ذلك الرجل ولذلك هجره لكن هذا الرجل انما كان مسلما فان المدينة لم يكن بها يومئذ أحد من غير المسلمين # وذكر ابن المبارك اخبرني حرملة بن عمران حدثني كعب ابن علقمة ان غرفة بن الحارث الكندي وكانت له صحبة من النبي سمع نصرانيا شتم النبي فضربه فدق انفه فرفع ذلك إلى عمرو بن العاص فقال له انا قد اعطيناهم العهد فقال له غرفة معاذ الله ان نعطيهم العهد على ان يظهروا شتم النبي وانما اعطيناهم العهد على ان نخلي بينهم وبين كنا ئسهم يعملون فيها ما بدا لهم وان لا نحملهم على ما يطيقون وان ارادهم عدو قاتلنا دونهم وعلى ان
نخلي بينهم وبين احكامهم الا ان يأتونا راضين باحكامنا فنحكم فيهم بحكم الله وحكم رسوله وان غيبوا عنا لم نعرض لهم فقال عمرو صدقت # فقد اتفق عمرو وغرفة بن الحارث على ان العهد الذي بيننا وبينهم لا يقتضي اقرارهم على اظهار شتم الرسول كما اقتضى اقرارهم على ما هم عليه من الكفر والتكذيب فمتى اظهروا شتمه فقد فعلوا ما يبيح الدم من غير عهد عليه فيجوز قتلهم وهذا كقول ابن عمر في الراهب الذي شتم النبي لو سمعته لقتلتة فانا لم نعطهم العهد على ان يسبوا نبينا # وانما لم يقتل هذا الرجل والله اعلم لان البينة لم تقم عليه بذلك وانما سمعه غرفة ولعل غرفة قصد قتله بتلك الضربة ولم يمكن من اتمام قتله لعدم البينة بذلك ولان فيه افتئاتا على الإمام والإمام لم يثبت عنده ذلك
وعن خليد ان رجلا سب عمر بن عبد العزيز فكتب عمر انه لا يقتل الامن سب رسول الله ولكن اجلده على راسه اسواطا ولولا اني اعلم ان ذلك خير له لم افعل رواه حرب وذكره الإمام احمد وهذا مشهور عن عمر بن عبد العزيز وهو خليفة راشد عالم بالسنة متبع لها # فهذا قول اصحاب رسول الله والتابعين لهم باحسان لا يعرف عن صاحب ولا تابع خلاف لذلك بل اقرار عليه واستحسان له # واسنحسان له وأما الاعتبار فمن وجوه احدها ان عيب ديننا وشتم نبينا مجاهدة لنا ومحاربة فكان نقضا للعهد كالمجاهدة والمحاربة باليد واولى # يبين ذلك ان الله سبحانه قال في كتابه ^ وجاهدوا باموالكم وانفسكم في سبيل الله ^ الايه والجهاد بالنفس يكون كما يكون باليد بل قد يكون اقوى منه قال النبي جاهدوا المشركين بايديكم والسنتكم واموالكم رواه النسائي وغيرة
وكان يقول لحسان بن ثابت اغزهم وغازهم وكان ينصب له منبرا في المسجد ينافح عن رسول الله بشعره وهجائه للمشركين وقال النبي اللهم ايده بروح
القدس وقال ان جبريل معك ما دمت تنافح عن رسوله وقال هي انكى فيهم من النبل # وكان عدد من المشركين يكفون عن اشياء مما يؤذي المسلمين خشية هجاء حسان حتى ان كعب بن الاشرف لما ذهب إلى مكة كان كلما نزل عند اهل بيت هجاهم حسان بقصيدة فيخرجونه من عندهم حتى لم يبقى له بمكة من يؤويه
وفي الحديث أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر وافضل الشهداء حمزة بن عبدالمطلب ورجل تكلم بحق عند سلطان جائر فامر به فقتل # واذا كان شان الجهاد باللسان هذا الشان في شتم المشركين وهجائهم واظهار دين الله والدعاء اليه علم ان من شتم دين الله ورسوله واظهر ذلك وذكر كتاب الله بالسوء علانية فقد جاهد المسلمين وحاربهم وذلك نقض للعهد # الوجه الثاني انا وان اقررناهم على ما يعتقدونه من الكفر والشرك فهو كاقرارنا لهم على ما يضمرونه لنا من العداوة وارادة السوء بنا وتمني الغوائل لنا فانا نحن نعلم انهم يعتقدون خلاف ديننا ويريدون سفك دمائنا وعلو دينهم ويسعون في ذلك لو قدروا عليه فهذا القدر اقررناهم عليه فاذا عملوا بموجب هذه الارادة بان حاربونا وقاتلونا نقضوا العهد كذلك اذا عملوا بموجب تلك العقيدة
من اظهار السب لله ولكتابه ولدينه ولرسوله نقضوا العهد اذ لا فرق بين العمل بموجب الارادة وموجب الاعتقاد # الوجه الثالث ان مطلق العهد الذي بيننا وبينهم يقتضي ان يكفوا ويمسكوا عن اظهار الطعن في ديننا وشتم رسولنا كما يقتضي الامساك عن سفك دمائنا ومحاربتنا لان معنى العهد ان كل واحد من المتعاهدين يؤمن الاخر مما يحذره منه قبل العهد ومن المعلوم انا نحذر من اظهار كلمة الكفر وسب الرسول أو شتمه كما نحذر إظهار المحاربة بل اولى لأنا نسفك الدماء وبمنزل الاموال في تعزيز الرسول وتوقيره ورفع ذكره واظهار شرفه وعلو قدره وهم جميعا يعلمون هذا من ديننا فالمظهر منهم لسبه ناقض للعهد فاعل لما كنا نحذره منه ونقاتله عليه قبل العهد وهذا بين واضح # الوجه الرابع ان العهد المطلق لو لم يقتض ذلك فالعهد الذي عاهدهم عليه عمر بن الخطاب واصحاب رسول الله معه قد بين فيه ذلك وسائر اهل الذمة انما جروا على مثل ذلك العهد
فروى حرب باسناد صحيح عن عبد الرحمن بن غنم قال كتب عمر بن الخطاب حين صالح نصارى اهل الشام هذا كتاب لعبد الله عمر امير المؤمنين من مدينة كذا وكذا انكم لما قدمتم علينا سالناكم الامان لانفسنا وذرارينا واحوالنا على ان لا نحدث وذكر الشروط إلى ان قال ولا نظهر شركا ولا ندعوا اليه احدا وقال في اخره شرطنا ذلك على انفسنا واهلينا وقبلنا عليه الامان فان نحن خالفنا عن شئ شرطنا لكم وضمناه على انفسنا فلا ذمة لنا وقد حل لكم منا ما حل من اهل المعاندة والشقاق # وقد تقدم قول عمر له في مجلس العقد ان لم نعطك الذي اعطيناك لتدخل علينا في ديننا والذي نفسي بيده لئن عدت لاضربن عنقك وعمر صاحب الشروط عليهم # فعلم بذلك ان شرط المسلمين عليهم ان لايظهروا كلمة الكفر وانهم متى اظهروها صاروا محاربين وهذا الوجه يوجب ان يكون السب نقضا للعهد عند من يقول لاينتقض العهد به الا اذا شرط عليهم تركه كما خرجه بعض اصحابنا وبعض الشافعية في المذهبين
وكذلك يوجب ان يكون نقضا للعهد عند من يقول اذا شرط عليهم انتقاض العهد بفعله انتقض كما ذكره بعض اصحاب الشافعي فان اهل الذمة انما هم جارون على شروط عمر لانه لم يكن بعده إمام عقد عقدا يخالف عقده بل كل الائمة جارون علي حكم عقده والذي ينبغي ان يضاف إلى من خالف في هذه السأله انه لا يخالف اذا شرط عليهم انتقاض العهد باظهار السب فان الخلاف حينئذ لا وجه له البتة مع إجماع الصحابة على صحة هذا الشرط وجريانه على وفق الاصول فاذا كان الائمة قد شرطوا عليهم ذلك وهو شرط صحيح لزم العمل به على كل قول # الوجه الخامس ان العقد مع اهل الذمة على ان تكون الدار لنا تجري فيها احكام الإسلام وعلى انهم اهل صغار وذلة على هذا عوهدوا وصولحوا فإضهار شتم الرسول او الطعن في الدين ينافي كونهم اهل صغار وذلة فان من اظهر سب الدين والطعن فيه لم يكن من الصغار في شئ فلا يكون عهده باقيا # الوجه السادس ان الله فرض علينا تعزيز رسوله وتوقيره وتعزيره نصره ومنعه وتوقيره اجلاله وتعضيمه وذلك يوجب صون عرضه بكل طريق بل ذلك اولى درجات التعزير والتوقير
فلا يجوز ان نصالح اهل الذمة على ان يسمعونا شتم نبينا ويظهروا ذلك فان تمكينهم من ذلك ترك للتعزير والتوقير وهم يعلمون ان لانصالحهم على ذلك بل الواجب علينا ان نكفهم عن ذلك ونزجرهم عنه بكل طريق وعلى ذلك عاهدنهم فاذا فعلوه فقد نقضوا الشرط الذي بيننا وبينهم # الوجه السابع ان نصر رسول الله فرض علينا لانه من التعزير المفروض ولانه من أعظم الجهاد في سبيل الله ولذلك قال سبحانه ^ مالكم اذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الارض ^ إلى قوله ^ الا تنصروه فقد نصره الله ^ وقال تعالى ^ يا ايها الذين امنوا كنوا انصار الله كما قال عيسى بن مريم للحواريين من انصاري إلى الله ^ الاية بل نصر احاد المسلمين واجب بقوله انصر اخاك ظالما او مظلوما وبقوله المسلم
اخو المسلم لا يسلمه ولا يظلمه فكيف بنصر رسول الله ومن أعظم النصر حماية عرضه ممن يؤذيه الا ترى إلى قوله من حمى مؤمنا من منافق يؤذيه حمى الله جلده من نار جهنم يوم القيامة # ولذلك سمي من قابل الشاتم بمثل شتمه منتصرا وسب رجلا أبا بكر عند النبي وهو ساكت فلما اخذ لينتصر قام فقال يارسول الله كان يسبني وانت قاعد فلما اخذت لانتصر قمت فقال كان الملك يرد عليه فلما انتصرت ذهب الملك فلم اكن لااقعد وقد ذهب الملك او كما قال
وهذا كثير معروف في كلامهم يقولون لمن كافى الساب والشاتم منتصرا كما يقلون لمن كافى الضارب والقاتل منتصرا # وقد تقدم انه قال للذي قتل بنت مروان لما شتمته اذا احببتم ان نضروا إلى رجل نصر الله ورسوله بالغيب فانظروا إلى هذا وقال للرجل الذي خرق صف المشركين حين ضرب بالسيف ساب النبي فقال النبي اعجبتم من رجل نصر الله ورسوله # وحماية عرضه في كونه نصرا ابلغ من ذلك في حق غيره لان الوقيعة في عرض غيره قد لا تضر مقصودة بل تكتب له بها حسنات # اما نتهاك عرض رسول الله فانه مناف لدين الله بالكلية فان العرض متى انتهك سقط الاحترام والتعظيم فسقط ما جاء به من الرساله فبطل الدين فقيام المدحة والثناء عليه والتعظيم والتوقير له قيام الدين كله وسقوط ذلك سقوط الدين كله واذا كان كذلك وجب علينا ان ننتصر له ممن انتهك عرضه والانتصار له بالقتل لان انتهاك عرضه انتهاك لدين الله
ومن المعلوم ان من سعى في دين الله تعالى بالفساد استحق القتل بخلاف انتهاك عرض غيره معينا فانه لايبطل الدين والمعاهد لم نعاهده على ترك الانتصار لرسول الله منه ولا من غيره كما لم نعاهده على ترك استيفاء حقوق المسلمين ولا يجوز ان نعاهده على ذلك وهو يعلم انا لم نعاهده على ذلك فاذا سبه فقد وجب علينا ان ننتصر له بالقتل ولا عهد معه على ترك ذلك فيجب قتله وهذا بين واضح لمن تامله # الوجه الثامن ان الكفار قد عوهدوا على ان لايظهروا شيئا من المنكرات التي تختص في دينهم في بلاد الإسلام فمتى اظهروها استحقوا العقوبة على اظهارها وان كان اظهارها دينا لهم فمتى اظهروا سب رسول الله استحقوا عقوبة ذلك وعقوبة ذلك القتل كما تقدم # الوجه التاسع انه لاخلاف بين المسلمين علمناه انهم ممنوعون من اظهار السب وانهم يعاقبون عليه اذا فعلوه بعد النهي فعلم انهم لم يقروا عليه كما اقروا على ماهم عليه من كفر واذا فعلوا مالم يقروا عليه من الجنايات استحقوا العقوبة بالاتفاق وعقوبة السب اما ان تكون جلدا او حبسا او قطعا او قتلا والاول باطل فان مجرد سب الواحد
من المسلمين وسلطان المسلمين يوجب الجلد والحبس فلوا كان سب الرسول كذلك لسوي بين سب الرسول وسب غيره من الامة وهو باطل بالضرورة والقطع لامعنى له فتعين القتل # الوجه العاشر ان القياس الجلي يقتضي انهم متى خالفوا شيئا مما عوهدوا عليه انتقض عهدهم كما ذهب اليه طائفة من الفقهاء فان الدم مباح بدون العهد والعهد عقد من العقود واذا لم يف أحد المتعاقدين بما عاقد عليه فاما ان ينفسخ العقد بذلك او يتمكن العاقد الاخر من فسخه هذا اصلا مقرر في عقد البيع والنكاح والهبة وغيرها من العقود والحكمة فيه ظاهرة فانه انما التزم مالتزمه بشرط ان يلتزم الاخر بما التزمه فاذا لم يلتزم له الاخر صار هذا غير ملتزم فان الحكم المعلق بشرط لا يثبت بعينه عند عدمه باتفاق العقلاء وانما اختلفوا في ثبوت مثله # اذا تبين هذا فان كان المعقود عليه حقا للعاقد بحيث له ان يبذله بدون الشرط لم ينفسخ العقد بفوات الشرط بل له ان يفسخه كما اذا شرط رهنا او كفيلا او صفة في المبيع وان كان حقا لله او لغيره ممن يتصرف له بالولاية ونحوها لم يجز له امضاء العقد بل ينفسخ العقد
بفوات الشرط او يجب عليه فسخه كما اذا شرط ان تكون الزوجة حرة فظهرت امه وهو ممن لا يحل له نكاح الاماء او شرط ان يكون الزوج مسلما فبان كافرا او شرط ان تكون الزوجة مسلمة فبانت وثنية وعقد الذمة ليس حقا للإمام بل هو حق لله ولعامة المسلمين فاذا خالفوا شيئا مما شرط عليهم فقد قيل يجب على الإمام ان يفسخ العقد وفسخه ان يلحقه بمامنه ويخرجه من دار الإسلام ظنا ان العقد لاينفسخ بمجرد المخالفة بل يجب فسخه وهذا ضعيف لان المشروط اذا كان حقا لله لا للعاقد انفسخ العقد بفواته من غير فسخ # وهذه الشروط على اهل الذمة حقا لله لا يجوز للسلطان ولا لغيره ان ياخذ منهم الجزية ويعاهدهم على المقام بدار الإسلام الا اذا التزموه والا وجب عليه قتالهم بنص القران ولو فرضنا جواز اقرارهم بدون هذه الشروط فانما ذاك فيما لا ضرر على المسلمين فيه فاما ما يضر المسلمين فلا يجوز اقرارهم عليه بحال ولو فرض اقرارهم على ما يضر المسلمين في انفسهم واموالهم فلا يجوز اقرارهم على افساد دين الله والطعن على كتابه ورسوله # وبهذه المراتب قال كثير من الفقهاء ان عهدهم ينتقض بما يضر المسلمين من المخالفة دون ما لايضرهم وخص بعضهم ما يضرهم في دينهم دون ما يضرهم في دنياهم والطعن على الرسول أعظم المضرات في دينهم
اذا تبين هذا فنقول قد شرط عليهم ان لا يظهروا سب الرسول وهذا الشرط ثابت من وجهين # احدهما انه موجب عقد الذمة ومقتضاه كما ان سلامة المبيع من العيوب وحلول الثمن وسلامة المراة والزوج من موانع الوطيء وإسلام الزوج وحريته اذا كانت الزوجة حرة مسلمه هو موجب العقد المطلق ومقتضاه فان موجب العقد هو ما يظهر عرفا ان العاقد شرطه وان لم يتلفظ به كسلامة المبيع # ومعلوم ان الامساك عن الطعن في الدين وسب الرسول من ما يعلم ان المسلمين يقصدونه بعقد الذمة ويطلبونه كما يطلبون الكف عن مقاتلتهم واولى فانه من أكبر المؤذيات والكف عن الاذى العام موجب عقد الذمة واذا كان ظاهر حال المشتري انه دخل على ان السلعة سليمة من العيوب حتى يثبت له الفسخ بظهور العيب وان لم يشترطه فظاهر حال المسلمين الذين عاقدوا اهل الذمة انهم دخلوا على ان المشركين يكفون عن افساد دينهم والطعن فيه بيد او لسان وانهم لو علموا انهم يظهرون الطعن في دينهم لم يعاهدوهم على ذلك واهل الذمة يعلمون ذلك كعلم البائع ان المشتري انما دخل معه على ان المبيع سالم بل هذا اظهر واشهر ولا خفاء به
الوجه الثاني في ثبوت هذا الشرط ان الذين عاهدوهم اولا هم اصحاب رسول الله عمر ومن كان معه وقد نقلنا العهد الذي بيننا وبينهم وذكرنا اقوال الذين عاهدوهم وهو عهد متضمن انه شرط عليهم الامساك عن الطعن في دين المسلمين وانهم اذا فعلوا ذلك حلت دمائهم واموالهم ولم يبق بيننا وبينهم عهد وان ثبت ان ذلك مشروط عليهم في العقد فزواله يوجب انفساخ العقد لان الانفساخ ايضا مشروط عليهم مع العقد ولان الشرط حق الله كاشتراط إسلام الزوج والزوجة فاذا فات هذا الشرط بطل العقد كما يبطل اذا ظهر الزوج كافرا او المراة وثنية او المبيع غصبا او حرا او تجدد بين الزوجين صهر او ارضاع يحرم احدهما على الاخر او تلف المبيع بعد القبض فان هذه الاشياء لما لم يجز الاقدام على العقد مع العلم بها ابطل العقد مقارنتها له او طروؤها عليه فكذلك وجود هذه الاقوال والافعال من الكافر لما لم يجز للإمام ان يعاهده مع اقامته عليها كان وجودها موجبا لفسخ عقده من غير انشاء فسخ على انا لو قدرنا ان العقد لاينفسخ الا بفسخ الإمام فانه يجب عليه فسخه بغير تردد لانه عقده للمسلمين فانه لو اشترى الوالي سلعة لليتيم فبانت معيبة وجب عليه استدراك ما فات من مال اليتيم وفسخه يكون بقوله وبفعله وقتله له فسخ لعقده
نعم لايجوز له ان يفسخه بجرد القول فان فيه ضررا على المسلمين وليس للسلطان فعل مافيه ضرر على المسلمين مع القدرة على تركه وقولنا ان الذمي انتقض عهده اي لم يبق له عهد يعصم دمه والاول هو الوجه فان بقاء العقد مع وجود ما ينافيه محال # نعم هنا اختلف الفقهاء فيما ينافي العقد فقائل يقول جميع المخالفات تنافيه بناء على انه ليس للإمام ان يصالحهم بدون شيء من الشروط التي شرط عمر # وقائل يقول التي تنافيه هي المخالفات المضرة بالمسلمين بناء على جواز مصالحتهم على ماهو دون ذلك كما صالحهم النبي اولا حال ضعف الإسلام # وقائل يقول التي تنافيه هي ما توجب الضرر العام في الدين او الدنيا كالطعن على الرسول ونحوها # وبالجملة فكل ما لايجوز للإمام ان يعاهدهم مع كونه يفعلونه فهو مناف للعقد كما ان مالايجوز للمتبايعين وال#####حين ان يتعاقدا مع وجوده فهو مناف للعقد # واظهار الطعن في الدين لايجوز للإمام ان يعاهدهم مع وجوده منهم اعني مع كونهم ممكنين من فعله اذا ارادوا وهذا مما اجمع المسلمون عليه ولهذا بعضهم يعاقبون على فعله بالتعزير واكثرهم يعاقبون عليه بالقتل
وهو مما لايشك فيه المسلم ومن شك فيه فقد خلع رقبة الإسلام من عنقه # واذا كان العقد لايجوز عليه كان منافيا للعقد ومن خالف شرطا مخالفة تنافي ابتداء العقد فان عقده ينفسخ بذلك بلا ريب كاحد الزوجين اذا احدث دينا يمنع ابتداء العقد مثل ارتداد المسلم او إسلام المراة تحت الكافر فان العقد ينفسخ بذلك اما في الحال او عقب انقضاء العدة او بعد عرض القاضي كما هو مقرر في مواضعه # فاحداث اهل الذمة الطعن في الدين مخالفة بموجب العقد مخالفة تنافي ابتداءه فيجب انفساخ عقدهم بها وهذا بين لما تامله وهو يوجب انفساخ العقد بما ذكرناه عند جميع الفقهاء ويتبين ان ذلك هو مقتضى قياس الاصول # واعلم ان هذه الوجوه التي ذكرناها من جهة المعنى في الذمي فاما المسلم اذا سب فلم يحتج ان يذكر فيه شيء من جهة المعنى لظهور ذلك في حقه ولكون ان المحل محل وفاق ولكن سياتي ان شاء الله تعالى تحقيق الامر فيه هل سبه ردة محضة كسائر الردد الخالية عن زيادة
مغلظة او هو نوع من الردة المتغلظ بقتله على كل حال وهل يقتل السب مع الحكم بإسلامه أم لا والله سبحانه اعلم # فان قيل فقد قال تعالى ^ لتبلون في اموالكم وانفسكم ولتسمعن من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين اشركوا اذى كثيرا وان تصبروا وتتقوا فان ذلك من عزم الامور ^ فاخبر ان نسمع منهم الاذى الكثير ودعانا إلى الصبر على اذاهم وانما يؤذينا اذى عاما الطعن في كتاب الله ودينه ورسوله وقوله تعالى ^ لن يضروكم الا اذى ^ من هذا الباب # قلنا اولا ليس في الاية بيان ان ذلك مسموع من اهل الذمة والعهد وانما هو مسموع في الجملة من الكفار # وثانيا ان الامر بالصبر على اذاهم وبتقوى الله لايمنع قتالهم عند المكنة واقامة حد الله عليهم عند القدرة فانه لا خلاف بين المسلمين ان اذا سمعنا مشركا او كتابيا يؤذي الله ورسوله ولا عهد بيننا وبينه وجب علينا ان نقاتله ونجاهده اذا امكن ذلك # وثالثا ان هذه الاية وما شابهها منسوخ من بعض الوجوه
وذلك ان رسول الله لما قدم المدينة كان بها يهود كثير ومشركون وكان اهل الارض اذ ذاك صنفين مشركا او صاحب كتاب فهادن رسول الله من بها من اليهود وغيرهم وامرهم الله اذ ذاك بالعفو والصفح كما في قوله تعالى ^ ود كثير من اهل الكتاب لو يردونكم من بعد ايمانكم كفارا حسدا من عند انفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى ياتي الله بامره ^ فامره الله بالعفو والصفح عنهم إلى ان يظهر الله دينه ويعز جنده فكان أول العز وقعة بدر فانها اذلت رقاب أكثر الكفار الذين بالمدينة وارهبت سائر الكفار # وقد اخرجا في الصحيحين عن عروة عن أسامة بن زيد ان رسول الله ركب حمارا على اكاف على قطيفة فدكية واردف أسامة بن زيد يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر فسار حتى مر بمجلس فيه عبد الله بن أبي بن سلول وذلك قبل ان يسلم عبد الله بي أبي واذا في المجلس اخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الاوثان واليهود وفي المجلس عبد الله بن رواحة فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر ابن أبي انفه بردائه ثم قال لا تغبروا علينا
فسلم رسول الله ثم وقف فنزل فدعاهم إلى الله وقرا عليهم القران فقال عبد الله بن أبي بن سلول ايها المرء انه لا احسن مما تقول ان كان حقا فلا تؤذنا به في مجالسنا ارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه فقال عبد الله بن رواحة بلى يا رسول الله فاغشنا به في مجالسنا فانا نحب ذلك فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون فلم يزل رسول الله يخفضهم حتى سكتوا ثم ركب رسول الله دابته حتى دخل على سعد بن عبادة فقال له رسول الله ياسعد الم تسمع ما قال أبو حباب يريد عبد الله بن أبي قال كذا وكذا قال سعد بن عبادة يارسول الله اعف عنه واصفح فوالذي نزل عليك الكتاب لقد جاء الله بالحق الذي انزل عليك ولقد اصطلح اهل هذه البحرة على ان يتوجوه فيعصبوه بالعصابة فلما رد الله ذلك بالحق الذي اعطاك شرق بذلك فذلك الذي فعل به ما رايت فعفا عنه رسول الله
د/احمد
2011-11-13, 04:30 AM
وكان رسول الله واصحابه يعفون عن المشركين واهل الكتاب كما امرهم الله تعالى ويصبرون على الاذىقال الله تعالى ^ ولتسمعن من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين اشركوا اذى كثيرا وان تصبروا وتتقوا فان ذلك من عزم الامور ^ وقال الله عز وجل ^ ود كثير من اهل الكتاب لو يردونكم من بعد ايمانكم كفارا حسدا من عند انفسهم من بعد ما تبين له الحق فاعفوا واصفحوا حتى ياتي الله بامره ان الله على كل شيء قدير ^ # وكان رسول الله يتاول في العفو ما امره الله عز وجل حتى اذن الله عز وجل فيهم فلما غزا رسول الله بدرا فقتل الله تعالى به من قتل من صناديد كفار قريش وقفل رسول الله واصحابه منصورين غانمين معهم اسارى من صناديد الكفار وسادة قريش فقال ابن أبي بن سلول ومن معه من المشركين عبده الاوثان هذا امر قد
توجه فبايعوا رسول الله على الإسلام فاسلموا اللفظ للبخاري # وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله تعالى ^ واعرض عن المشركين ^ ^ لست عليهم بمسيطر ^ ^ فاعف عنهم واصفح ^ ^ وان تعفوا وتصفحوا ^ ^ فاعفوا واصفحوا حتى ياتي الله بامره ^ ^ قل للذين امنوا يغفروا للذين لا يرجون ايام الله ^ ونحو هذا في القران مما امر الله به المؤمنين بالعفو والصفح عن المشركين فانه نسخ ذلك كله قوله تعالى ^ فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ^ وقوله تعالى ^ قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله
ولا باليوم الاخر ^ إلى قوله ^ وهم صاغرون ^ فنسخ هذا عفوه عن المشركين # وكذلك روى الإمام احمد وغيره عن قتادة قال امر الله نبيه ان يعفوا عنهم ويصفح حتى ياتي الله بامره وقضائه ثم انزل الله عز وجل براءة فاتى الله بامره وقضائه فقال تعالى ^ قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ^ الاية قال فنسخت هذه الاية ما كان قبلها وامر الله فيها بقتال اهل الكتاب حتى يسلموا او يقروا بالجزية صغارا ونقمة لهم # وكذلك ذكر موسى بن عقبة عن الزهري ان النبي لم يكن يقاتل من كف عن قتاله لقوله تعالى ^ فان اعتزلوكم فلم يقاتلوكم والقو اليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا ^ إلى ان نزلت براءة # وجملة ذلك انه لما نزلت براءة امر ان يبتدي جميع الكفار بالقتال وثنيهم وكتابيهم سواء كفوا عنه او لم يكفوا وان ينبذ اليهم تلك
العهود المطلقة التي كانت بينه وبينهم وقيل له فيها ^ جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ^ بعد ان كان قد قيل له ^ ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع اذاهم ^ # ولهذا قال زيد بن اسلم نسخت هذه الاية ما كان قبلها فاما قبل براءة وقبل بدر فقد كان مامورا بالصبر على اذاهم والعفو عنهم واما بعد بدر وقبل براءة فقد كان يقاتل من يؤذيه ويمسك عمن سالمه كما فعل بابن الاشرف وغيره ممن كان يؤذيه فبدر كانت اساس عز الدين وفتح مكة كانت كمال عز الدين فكانوا قبل بدر يسمعون الاذى الظاهر ويؤمرون بالصبر عليه وبعد بدر يؤذون في السر من جهة المنافقين وغيرهم فيؤمرون بالصبر عليه وفي تبوك امروا بالاغلاظ للكفار والمنافقين فلم يتمكن بعدها كافر ولا منافق من اذاهم في مجلس خاص ولا عام بل مات بغيظه لعلمه بانه يقتل اذا تكلم وقد كان بعد بدر لليهود استطالة واذى للمسلمين إلى ان قتل كعب بن الاشرف
قال محمد بن اسحاق في حديثه عن محمد بن مسلمة قال فاصبحنا وقد خافت يهود لوقعتنا بعدو الله فليس بها يهودي الا وهو يخاف على نفسه # وروى باسناده عن محيصة ان رسول الله قال من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه فوثب محيصة بن مسعود على ابن سليمة رجل من تجار يهود كان يلابسهم ويبايعهم فقتله وكان حويصة ابن مسعود اذ ذاك لم يسلم وكان اسن من محيصة فلما قتله جعل حويصة يضربه ويقول اي عدو الله قتلته اما والله لرب شحم في بطنك من ماله فوالله ان كان إسلام حويصة فقال محيصة فقلت له والله لقد امرني بقتله من لو امرني بقتلك لضربت عنقك فقال لو امرك محمد بقتلي لقتلتني فقال محيصة نعم والله فقال حويصة والله ان دينا بلغ هذا منك لعجب # وذكر غير ابن اسحاق ان اليهود حذرت وذلت وخافت من يوم قتل ابن الاشرف فلما اتى الله بامره الذي وعده من ظهور الدين وعز المؤمنين امر رسوله بالبراءة إلى المعاهدين وبقتال المشركين
كافة وبقتال اهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون # فكان ذلك عاقبة الصبر والتقوى الذين امر الله بهما في أول الامر وكان اذ ذاك لايؤخذ من أحد من اليهود الذين بالمدينة ولا غيرهم جزية وصارت تلك الايات في حق كل مؤمن مستضعف لا يمكنه نصر الله ورسوله بيده ولا بلسانه فينتصر بما يقدر عليه من القلب ونحوه وصارت اية الصغار على المعاهدين في حق كل مؤمن قوي يقدر على نصر الله ورسوله بيده او لسانه وبهذه الاية ونحوها كان المسلمون يعملون في اخر عمر رسول الله وعلى عهده خلفائه الراشدين وكذلك هو إلى قيام الساعة لاتزال طائفة من هذه الامة قائمين على الحق ينصرون الله ورسوله النصر التام فمن كان من المؤمنين بارض هو فيها مستضعف او في وقت هو فيه مستضعف فليعمل باية الصبر والصفح عمن يؤذي الله ورسوله من الذين اوتوا الكتاب والمشركين واما اهل القوة فانما يعملون باية قتال ائمة الكفر الذين يطعنون في الدين وباية قتال الذين اوتوا
الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون # فان قيل قد قال الله تعالى ^ الم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ^ إلى قوله ^ واذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في انفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير ^ فاخبر انهم يحيون الرسول تحية منكرة واخبر ان العذاب في الاخرة يكفيهم عليها فعلم ان تعذيبهم في الدنيا ليس بواجب # وعن انس بن مالك قال مر يهودي بالرسول فقال السام عليك فقال رسول الله وعليك فقال رسول الله اتدرون ما يقول قال السام عليك قالوا يارسول الله الا نقتله قال لا اذا سلم عليكم اهل الكتاب فقولوا وعليكم رواه البخاري # وعن عائشة رضي الله عنها قال دخل رهط من اليهود على رسول الله فقالوا السام عليك قالت عائشة ففهمتها فقلت عليكم السام واللعنة قالت فقال رسول الله مهلا يا عائشة
ان الله رفيق يحب الرفق في الامر كله فقلت يارسول الله الم تسمع ما قالوا قال قد قلت وعليكم متفق عليه # وعن جابر قال سلم ناس من اليهود على رسول الله فقالوا السام عليك يا أبا القاسم فقال وعليكم فقالت عائشة وغضبت الم تسمع ما قالوا قال بلى قد سمعت فرددت عليهم وانا نجاب عليهم ولا يجابون علينا رواه مسلم # ومثل هذا الدعاء اذى للنبي وسب له ولو قاله المسلم لصار به مرتدا لانه دعاء على النبي في حياته بان يموت وهذا فعل كافر ومع هذا فلم يقتلهم النبي بل نهى عن قتل اليهودي الذي قال ذلك لما استامره اصحابه في قتله
قلنا عن هذا اجوبه # احدها ان هذا كان في حال ضعف الإسلام الا ترى انه قال لعائشة مهلا يا عائشة فان الله يحب الرفق في الامر كله وهذا الجواب كما ذكرناه في الاذى الذي امر الله بالصبر عليه إلى ان اتى الله بامره # ذكر هذا الجواب طوائف من المالكية والشافعية والحنبلية منهم القاضي أبو يعلى وابو اسحاق الشيرازي وابو الوفاء بن عقيل وغيرهم ومن اجاب بهذا جعل الامان كالايمان في انتقاضه بالشتم ونحوه # وفي هذا الجواب نظر لما روي ابن عمر قال قال رسول الله ان اليهود اذا سلم احدهم انما يقول السام عليكم
فقولوا عليك # وعن انس قال قال رسول الله اذا سلم عليكم اهل الكتاب فقولوا وعليكم متفق عليهما # فعلم ان هذا سنة قائمة في حق اهل الكتاب مع بقائهم على الذمة وانه حال عز الإسلام لم يامر بقتلهم لاجل هذا وقد ركب إلى بني النضير فقال اذا سلموا عليكم فقولوا وعليكم وكان ذلك بعد قتل ابن الاشرف فعلم انه كان بعد قوة الإسلام # نعم قد قدمنا ان النبي كان يسمع من الكفار والمنافقين في أول الإسلام اذا كثيرا وكان يصبر عليه امتثالا لقوله تعالى ^ ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع اذاهم ^ لان اقامة الحدود عليهم كان يفضي
الى فتنة عظيمة ومفسدة أعظم من مفسدة الصبر على كلاماتهم # فلما فتح الله مكة ودخل الناس في دين الله افواجا وانزل الله براءة قال فيها ^ جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ^ وقال تعالى ^ لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض ^ إلى قوله اينما ثقفوا اخذوا وقتلوا تقتيلا ^ # فلما راى من بقي من المنافقين ما صار الامر اليه من عز الإسلام وقيام الرسول بجهاد الكفار والمنافقين اضمروا النفاق فلم يكن يسمع من أحد من المنافقين بعد غزوة تبوك كلمة سوء وماتوا بغيظهم حتى بقي منهم اناس بعد موت النبي يعرفهم صاحب السر حذيفة فلم يكن يصلي عليهم هو ولا يصلي عليهم من عرفهم لسبب اخر مثل عمر بن الخطاب رضي الله عنه # فهذا يفيد ان النبي كان يحتمل من الكفار والمنافقين قبل براءة ما لم يكن يحتمل فهم بعد ذلك كما قد كان يحتمل من اذى الكفار وهو بمكة ما لم يكن يحتمل بدار الهجرة والنصرة لكن هذه الكلمة ليست من هذا الباب كما قد بيناه
الجواب الثاني ان هذا ليس من السب الذي ينتقض به العهد لانهم انما اظهروا التحية الحسنة والسلام المعروف ولم يظهروا سبا ولا شتما وانما حرفوا السلام تحريفا خفيا لا يظهر ولايفطن له أكثر الناس ولهذا لما سلم اليهودي على النبي بلفظ السام لم يعلم به اصحابه حتى اعلمهم وقال ان اليهود اذا سلم احدهم فانما يقول السام عليكم وعهدهم لا ينتقض بما يقولونه سرا من كفر او تكذيب فان هذا لابد منه وكذلك لا ينتقض العهد بما يخفونه من السب وانما ينتقض بما يظهرونه # وقد ذكر غير واحد ان اليهود كانوا يدخلون على النبي فيقولون السام عليك فيرد عليهم رسول الله وعليكم ولا يدري ما يقولون فاذا خرجوا قالوا لو كان نبيا لعذبنا واستجيب فينا وعرف قولنا فدخلوا عليه ذات يوم وقالوا السام عليك ففطنت عائشة إلى قولهم فقالت وعليكم السام والذام والداء واللعنة فقال رسول الله مه ياعائشة ان الله يحب الرفق في الامر كله ولا يحب الفحش ولا التفحش فقالت يارسول الله الم تسمع إلى ما قالوا فقال رسول الله الم تسمعي ما رددت عليهم فانزل الله تعالى ^ واذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ^ الاية
فقال رسول الله اذا سلم عليكم اهل الكتاب فقولوا وعليكم # فهذا دليل على ان النبي لم يكن يظهر له انه سب ولذلك نهى عائشة عن التصريح بشتمهم وامرها بالرفق بان ترد عليهم تحيتهم فان كانوا قد حيوا تحية سيئة استجيب لنا فيهم ولم يستجب لهم فينا ولو كان ذلك من باب شتم النبي والمسلمين الذي هو السب لكان فيه العقوبة ولو بالتعزير والكلام # فلما لم يشرع رسول الله في مثل هذه التحية تعزيرا ونهى من اغلظ عليهم لاجلها علم ان ذلك ليس من السب الظاهر لكونهم اخفوه كما يخفي المنافقون نفاقهم ويعرفون في لحن القول فلا يعاقبون بمثل ذلك وسياتي ان شاء الله تمام الكلام في ذلك
الجواب الثالث ان قول اصحاب النبي له الا نقتله لما اخبرهم انه قال السام عليكم دليل على انه كان مستقرا عندهم قتل الساب من اليهود لما راوه قتل ابن الاشرف والمراة وغيرهما فنهاهم النبي عن قتله واخبرهم ان مثل هذا الكلام حقه ان يقابل بمثله لانه ليس اظهارا للسب والشتم من جنس ما فعلت تلك اليهودية وابن الاشرف وغيرهما وانما هو اسرار به كاسرار المنافقين بالنفاق # الجواب الرابع ان النبي كان له ان يعفو عمن شتمه وسبه في حياته وليس للامة ان تعفو عن ذلك # يوضح ذلك انه لاخلاف ان من سب النبي او عابة بعد موته من المسلمين كان كافرا حلال الدم وكذلك من سب نبيا من الانبياء ومع هذا فقد قال الله تعالى ^ يا ايها الذين امنوا لاتكونوا كالذين اذوا موسى فبراه الله مما قالوا ^ وقال تعالى ^ واذ قال موسى لقومه ياقوم لم تؤذونني وقد تعلمون انني رسول الله اليكم ^ فكان بنو إسرائيل يؤذون موسى في حياته بما لو قاله اليوم أحد من المسلمين وجب قتله ولم يقتلهم موسى وكان نبينا يقتدي به في ذلك فربما سمع اذاه او بلغه فلا يعاقب المؤذي على ذلك قال
الله تعالى ^ ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو اذن ^ الاية وقال ^ ومنهم من يلمزك في الصدقات فان اعطوا منها رضوا وان لم يعطوا منها اذا هم يسخطون ^ # وعن الزهري عن أبي سلمة عن أبي سعيد قال بينا النبي يقسم جاء عبد الله بن ذي الخويصرة التميمي فقال اعدل يا رسول الله قال ويلك من يعدل اذا لم اعدل قال عمر بن الخطاب دعني اضرب عنقه قال دعه فان له اصحابا يحقرا احدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية وذكر الحديث إلى ان قال وفيه نزلت ^ ومنهم من يلمزك في الصدقات ^ # هكذا رواه البخاري وغيره من حديث معمر عن الزهري واخرجاه في الصحيحين من وجوه اخرى عن الزهري عن أبي سلمة
والضاحك الهمداني عن أبي سعيد قال بينا نحن جلوس عند النبي وهو يقسم قسما اتاه ذو الخويصرة وهو رجل من بن تميم فقال يارسول الله اعدل فقال رسول الله ويلك من يعدل اذا لم اعدل قد خبت وخسرت ان لم اعدل فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ائذن لي فيه اضرب عنقه فقال رسول الله دعه فان له اصحابا يحقر احدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وذكر حديث الخوارج المشهور ولم يذكر نزول الاية # وتسمينة ذو الخويصرة هو المشهور في عامة الاحاديث كما رواه عامة اصحاب الزهري عنه والاشبه ان ما انفرد به معمر وهم منه
فان له مثل ذلك وقد ذكروا ان اسمه حرقوص بن زهير # وفي الصحيحين ايضا من حديث عبد الرحمن بن أبي نعم عن أبي سعيد قال بعث علي رضي الله عنه وهو باليمن إلى النبي بذهيبة في تربتها فقسمها بين اربعة نفر وفيه فغضب قريش والانصار وقالوا يعطيه صناديد اهل نجد ويدعنا فقال انما اتالفهم فاقبل رجل غائر العينين ناتيء الجبين كث اللحية مشرف الوجنتين محلوق الراس فقال يا محمد اتق الله قال فمن يطع الله اذا عصيته افيامنني على اهل الارض ولا تامنوني فسال رجل من القوم قتله اراه خالد بن الوليد فمنعه فلما ولى قال إن من ضئضى هذا قوما يقرؤون القران لا يجاوز حناجرهم وذكر الحديث في صفة الخوارج وفي آخر يقتلون اهل الإسلام ويدعون اهل الاوثان لئن ادركتهم لاقتلنهم قتل عاد # وفي رواية لمسلم الا تامنوني وانا امين من في السماء ياتيني خبر السماء صباحا ومساء وفيها فقال يارسول الله اتق الله
فقال النبي ويلك اولست احق اهل الارض ان يتقي الله قال ثم ولي الرجل فقال خالد بن الوليد يارسول الله الا اضرب عنقه فقال لا لعله ان يكون يصلي قال خالد وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه فقال رسول الله اني لم اومر ان انقب عن قلوب الناس ولا اشق بطونهم # وفي رواية في الصحيح فقام اليه عمر بن الخطاب فقال يارسول الله الا اضرب عنقه قال لا فقام اليه خالد سيف الله فقال يارسول الله الا اضرب عنقه قال لا # فهذا الرجل قد نص القران انه من المنافقين بقوله ^ ومنهم من يلمزك في الصدقات ^ اي يعيبك ويطعن عليك وقوله للنبي اعدل واتق الله بعدما خص بالمال اولئك الاربعة نسبة للنبي إلى انه جار ولم يتق الله ولهذا قال اولست احق اهل الارض ان يتقي الله الاتامنوني وانا امين من في السماء # ومثل هذا الكلام لا ريب انه يوجب القتل لو قاله اليوم أحد وانما لم يقتله النبي لانه كان يظهر الإسلام وهو الصلاة التي يقاتل الناس حتى يفعلوها وانما كان نفاقه بما يختص النبي من الاذى وكان له ان يعفو عنه وكانوا يعفو عنهم تاليفا للقلوب لئلا يتحدث الناس ان محمدا يقتل اصحابه وقد جاء ذلك مفسرا في هذه القصة او في مثلها
فروى مسلم في صحيحه عن أبي الزبير عن جابر رضى الله عنه قال اتى رجل بالجعرانة منصرفه من حنين وفي ثوب بلال فضة ورسول الله يقبض منها يعطي منها الناس فقال يا محمد اعدل فقال ويلك ومن يعدل اذا لم اكن اعدل لقد خبت وخسرت ان لم اكن اعدل فقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه دعني يارسول فاقتل هذا المنافق فقال معاذ الله ان يتحدث الناس اني اقتل اصحابي ان هذا واصحابه يقرؤون القران لايجاوز حناجرهم يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية # وروى البخاري منه عن عمرو عن جابر رضى الله عنهما قال بينا رسول الله يقسم غنيمة بالجعرانة اذ قال له رجل اعدل فقال لقد شقيت ان لم اعدل
وجاء من كلامه لرسول الله ما هو اغلظ من هذا قال ابن اسحاق في رواية ابن بكير عنه حدثني أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن مقسم أبي القاسم مولى عبد الله بن الحارث قال خرجت وانا وتيلد بن كلاب الليثي فلقينا عبد الله بن عمرو بن العاص يطوف بالكعبة معلقا نعليه في يديه فقلنا له هل حضرت رسول الله وعنده ذو الخويصرة التميمي يكلمه قال نعم ثم حدثنا فقال اتى ذو الخويصرة التميمي رسول الله وهو يقسم المقاسم بحنين فقال يا محمد قد رايت ما صنعت قال فكيف رايت قال لم ارك عدلت فغضب رسول الله اذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون فقال عمر يارسول الله الا اقوم اليه فاضرب عنقه فقال رسول الله دعه فانه سيكون له شيعة يتعمقون في الدين حتى يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية وذكر تمام الحديث # قال ابن اسحاق حدثني أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين قال اتى ذو الخويصرة التميمي رسول الله وهو يقسم المقاسم بحنين وذكر مثل هذا سواء
ورواه الإمام احمد عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن ابيه عن ابن اسحاق نحو هذا # وقال الاموي عن ابن اسحاق وذكر الحديث عن أبي عبيدة وعن محمد بن علي وعن ابن أبي نجيح عن ابيه ان رجلا تكلم عند النبي قال ولم يسمه الا محمد بن علي فانه قال هو ذو الخويصرة التميمي # وكذلك ذكر غيره ان ذا الخويصرة هو الذي اعترض على النبي في قسم غنائم حنين وكذلك المنافق الذي سمعه ابن مسعود فانه في غنائم حنين ايضا
واما الذي في حديث بن أبي نعم عن أبي سعيد فانه كان بعد هذه المرة لان فيه ان عليا بعث إلى النبي وهو باليمن بذهيبة فقسمها بين اربعة من اهل نجد ولا خلاف بين اهل العلم ان عليا كان في غزوة حنين مع النبي ولم تكن اليمن فتحت يومئذ ثم انه استعمل عليا على اليمن سنة عشر بعد تبوك وبعد ان بعثه مع أبي بكر إلى الموسم ينبذ العهود ووافى النبي في حجة الوداع منصرفة من اليمن وكان النبي بالمدينة لما بعث علي بالصدقة ومما يبين ذلك ان غنائم حنين نفل النبي منها خلقا كثيرا من قريش واهل نجد وهذه الذهيبة انما قسمها بين اربعة نجديين واذا كان كذلك فاما ان يكون المعترض في هذه المرة غير ذي الخويصرة ويكون أبو سعيد قد شهد القصتين وعلى هذا فالذي في رواية معمر ان اية الصدقات نزلت في قصة ذو الخويصة ليس بجيد بل هو مدرج في الحديث من كلام الزهري او كلام معمر لان ذا الخويصرة انما انكر عليه قسم الغنائم وليست هي الصدقات التي جعلها الله لثمانية اصناف ولا الاتفات إلى ما ذكره بعض المفسرين من ان الاية نزلت في قسم غنائم حنين واما ان يكون المعترض في ذهيبة علي رضي الله عنه هو ذو الخويصرة ايضا وعلى هذا فتكون احاديث أبي سعيد كلها في هذه القصة لا في قسم الغنائم وتكون الاية قد نزلت في ذلك او يكون قد شهد القصتين معا والاية نزلت في احداهما
وقد روى عن أبي برزة الإسلامي قال اتى رسول الله بمالا فقسمه فاعطى من عن يمينه ومن عن شماله ولم يعط من وراءه شيئا فقام رجلا من ورائه فقال يا محمد ما عدلت في القسمة رجل اسود مطموم الشعر عليه ثوبان ابيضان فغضب رصول الله غضبا شديدا وقال والله لا تجدون بعدي رجلا هو اعدل مني ثم قال يخرج في اخر الزمان قوم كان هذا منهم يقرؤون القران لايجاوز تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية سيماهم التحليق لايزالون يخرجون حتى يخرج اخرهم مع المسيح الدجال فاذا لقيتموهم فاقتلوهم هم شر الخلق والخليقة رواه النسائي # ومن هذا الباب ما خرجاه في الصحيحين عن أبي وائل عن عبد الله قال لما كان يوم حنين اثر رسول الله ناسا في القسمة فاعطى الاقرع بن حابس مئة من الابل واعطي عيينه بن حصن مثل ذلك واعطى ناسا من اشراف العرب واثرهم يومئذ في القسمة فقال
رجل والله ان هذه لقسمة ما عدل فيها او ما اريد بها وجه الله قال فقلت والله لاخبرن رسول الله قال فاتيته فاخبرته بما قال فتغير وجهه حتى كان كالصرف ثم قال فمن يعدل اذا لم يعدل الله ورسوله ثم قال يرحم الله موسى قد اوذي باكثر من هذا فصبر قال فقلت لاجرم لا ارفع اليه بعدها حديثا # وفي رواية للبخاري قال رجل من الأنصار ما اريد بها وجه الله # وذكر الواقدي ان المتكلم بهذا كان معتب بن قشير وهو معدود من المنافقين # فهذا الكلام مما يوجب القتل بالاتفاق لانه جعل النبي ظالما مرائيا وقد صرح النبي بان هذا من اذى المرسلين ثم اقتدى في العفو عن ذلك بموسى عليه السلام ولم يستتب لان القول لم يثبت فانه لم يراجع القائل ولا تكلم في ذلك بشيء
ومن ذلك ما رواه ابن أبي عاصم وابو الشيخ في الدلائل باسناد صحيح عن قتادة عن عقبة بن وساج عن عمر قال اتي رسول الله بقليد من ذهب وفضة فقسمه بين اصحابه فقام رجل من اهل البادية فقال يا محمد والله لئن امرك الله ان تعدل فما اراك تعدل فقال ويحك من يعدل عليك بعدي فلما ولى قال ردوه علي رويدا # ومن ذلك قول الانصاري الذي حاكم الزبير في شراج الحرة لما قال أسق يا زبير ثم سرح الماء إلى جارك فقال ان كان
ابن عمتك # وحديث الرجل الذي قضى عليه فقال لا ارضى ثم ذهب إلى أبي بكر ثم إلى عمر فقتله # ولهذا نظائر في الحديث اذا تتبعت مثل الحديث المعروف عن بهز ابن حكيم عن ابيه عن جده ان اخاه اتى النبي فقال جيراني على ماذا اخذوا فاعرض عنه النبي فقال ان الناس يزعمون انك تنهى عن الفيء وتستخلي به فقال لئن كنت افعل ذلك انه
لعلي وما هو عليهم خلوا له جيرانه رواه أبو داود باسناد صحيح # فهذا وان كان قد حكى هذا القذف عن غيره فانما قصد به انتقاصه وايذاءه بذلك ولم يحكه على وجه الرد على من قاله وهذا من انواع السب # ومثل حديث ابن اسحاق عن هشام عن ابيه عن عائشة قالت ابتاع رسول الله جزورا من اعرابي بوسق من تمر الذخيرة فجاء به إلى منزله فالتمس التمر فلم يجده في البيت قالت فخرج إلى الاعرابي فقال يا عبد الله انا ابتعنا منك جزورك هذا بوسق من تمر الذخيرة ونحن نرى انه عندنا فلم نجده فقال الاعرابي وا غدراه وا غدراه فوكزه الناس وقالوا لرسول الله تقول هذا فقال رسول الله دعوه رواه ابن أبي عاصم وابن حبان في الدلائل # فهذا الباب كله مما يوجب القتل ويكون به الرجل كافرا منافقا حلال الدم كان النبي وغيره من الانبياء عليهم السلام يعفون ويصفحون عمن قاله امتثالا لقوله تعالى ^ خذ العفو وامر بالعرف
واعرض عن الجاهلين ^ ولقوله تعالى ^ ادفع بالتي هي احسن السيئة ^ وقوله ^ ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حميم وما يلقاها الا الذين صبروا وما يلقاها الا ذو حظ عظيم ^ ولقوله تعالى ^ ولو كنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر ^ ولقوله تعالى ^ ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع اذاهم ^ ذلك لان درجة الحلم والصبر على الاذى والعفو عن الظلم أفضل اخلاق اهل الدنيا والاخرة يبلغ الرجل بها ما لا يبلغه بالصيام والقيام قال تعالى ^ والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ^ وقال تعالى ^ وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا واصلح فاجره على الله ^ وقال تعالى ^ ان تبدو خيرا او تخفوه او تعفوا عن سوء فان الله كان
عفوا قديرا ^ وقال ^ وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ^ # والاحاديث في هذا الباب كثيرة مشهورة ثم الانبياء احق الناس بهذه الدرجة لفضلهم واحوج الناس اليها لما ابتلوا به من دعوة الناس ومعالجتهم وتغيير ما كانوا عليه من العادات هو امر لم يات به أحد الا عودي فالكلام الذي يؤذيهم يكفر به الرجل فيصير به محاربا ان كان ذا عهد ومرتدا او منافقا ان كان ممن يظهر الإسلام ولهم فيه ايضا حق الادمي فجعل الله لهم ان يعفوا عن مثل هذا النوع ووسع عليهم ذلك لما فيه من حق الادمي تغليبا لحق الادمي على حق الله كما جعل لمستحق القود وحد القذف ان يعفو عن القاتل والقاذف واولى لما في جواز عفو الانبياء ونحوهم من المصالح العظيمة المتعلقة بالنبي والامة
وبالدين وهذا معنى قول عائشة رضي الله عنها ما ضرب رسول الله بيده خادما له ولا امراة ولا دابه ولا شيئا قط الا ان يجاهد في سبيل الله ولا انتقم لنفسه قط وفي لفظ ما نيل منه شئ فانتقم من صاحبه الا ان تنتهك محارم الله فاذا انتهكت محارم الله لم يقم لغضبة شئ حتى ينتقم لله متفق عليه # ومعلوم ان النيل منه أعظم من انتهاك المحارم لكن لما دخل فيها حقه كان الامر اليه في العفو او الانتقام فكان يختار العفو وربما امر بالقتل اذا راى المصلحة في ذلك بخلاف ما لاحق له فيه من زنى او سرقة او ظلم لغيره فانه يجب عليه القيام به
د/احمد
2011-11-13, 11:25 AM
وقد كان اصحابه اذا راوا من يؤذيه ارادوا قتله لعلمهم بانه يستحق القتل فيعفو هو عنه ويبين لهم ان عفوه اصلح مع اقراره لهم على جواز قتله ولو قتله قاتل قبل عفو النبي لم يعرض له النبي لعلمه بانه قد انتصر لله ورسوله بل يحمده على ذلك ويثني عليه كما قتل عمر رضي الله عنه الرجل الذي لم يرضى بحكمه وكما قتل رجل بنت مروان واخر اليهودية السابه فاذا تعذر عفوه بموته بقي حقا محضا لله ولرسوله وللمؤمنين لم يعف عنه مستحقه فتجب اقامتة # ويبين ذلك ما روى إبراهيم بن الحكم بن ابان حدثني أبي عن عكرمه عن أبي هريرة رضي الله عنه ان اعرابيا جاء إلى النبي يستعينه في شئ فاعطاه شيئا ثم قال احسنت اليك قال الاعرابي لا ولا اجملت قال فغضب المسلمون وقامو اليه فأشار اليهم ان كفوا ثم قام فدخل منزله ثم ارسل إلى الاعرابي فدعاه إلى البيت يعني فاعطاه فرضي فقال انك جئتنا فسالتنا فاعطيناك فقلت ما قلت وفي
انفس المسلمين شئ من ذلك فان احببت فقل بين ايديهم ما قلت بين يدي حتى يذهب من صدورهم ما فيها عليك قال نعم فلما كان الغد او العشي جاء قال رسول الله ان صاحبكم هذا جاء فسالنا فاعطيناه فقال ما قال وانا دعوناه إلى البيت فاعطيناه فزعم انه قد رضي اكذلك قال الاعرابي نعم فجزاك الله من اهل وعشيرة خيرا فقال النبي الا ان مثلي ومثل هذا الاعرابي كمثل رجل كانت له ناقة فشردت عليه فاتبعها الناس فلم يزيدوها الا نفورا فناداهم صاحب الناقه خلوا بيني وبين ناقتي فأنا أرفق بها فتوجه لها صاحب الناقه بين يديها فاخذ لها من قمام الارض فجاءت فاستناحت فشد عليها رحلها واستوى عليها واني لوتركتكم حين قال ارجل ما قال فقتلتموه دخل النار # ورواه أبو احمد العسكري بهذا الاسناد قال جاء اعرابي إلى النبي فقال يا محمد اعطني فانك لا تعطي من مالك ولا من مال ابيك فاغلظ للنبي فوثب اليه اصحابه فقالوا يا عدو الله تقول هذا لرسول الله وذكره # فهذا يبين لك ان قتل ذلك الرجل لاجل قوله ما قال كان جائزا قبل الاستتابةوانه صار كافرا بتلك الكلمة ولولا ذلك لما كان يدخل النار اذا قتل على مجرد تلك الكلمة بل كان يدخل الجنة لانه
مظلوم شهيد وكان قاتله يدخل النار لانه قتل مؤمنا متعمدا ولكان النبي يبين ان قتله لم يحل لان سفك الدم بغير حق من أكبر الكبائروهذا الاعرابي كان مسلما ولهذا قال صاحبكم ولهذا جاءه الاعرابي يستعينه ولو كان كافرا محاربا له لما جاء يستعينه في شئ ولو كان النبي اعطاه ليسلم لذكر في الحديث انه اسلم فلما لم يجر للإسلام ذكر دل على انه كان ممن دخل الإسلام وفيه جفاء الاعراب وممن دخل في قوله تعالى ^ فان اعطوا منها رضوا وان لم يعطوا منها اذا هم يستخطون ^ # ومما يوضح ذلك انه كان يعفو عن المنافقين الذين لا يشك في نفاقهم حتى قال لو اعلم اني لو زدت على السبعين غفر له لزدت حتى نهاه الله عن الصلاة عليهم والاستغفار لهم وامره بالاغلاظ عليهم فكثير مما كان يحتمله من المنافقين من الكلام وما يعاملهم من الصفح والعفو والاستغفار كان قبل نزول براءة لما قيل له ^ ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع اذاهم ^ لاحتياجه اذ ذاك إلى استعطافهم وخشية نفور العرب عنه اذا قتل احدا منهم وقد صرح لما قال ابن ابي
لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل ولما قال ذو الخويصرة اعدل فانك لم تعدل وعند غير هذه القضية انه انما لم يقتلهم لئلا يتحدث الناس ان محمدا يقتل اصحابه فان الناس ينضرون إلى ظاهر الامر فيرون واحدا من الصحابة قد قتل فيظن الظان انه يقتل بعض اصحابه على غرض او حقد او نحو ذلك فينفر الناس عن الدخول في الإسلام واذا كان من شريعته ان يتألف الناس على الإسلام بالاموال العظيمة ليقوم دين الله وتعلو كلمته فلان يتألفهم بالعفو اولى واحرى # فلما انزل الله براءة ونهاه عن الصلاة على المنافقين والقيام على قبورهم وامره ان يجاهد الكفار والمنافقين ويغلظ عليهم نسخ جميع ما كان المنافقون يعاملون به من العفو كما نسخ ما كان الكفار يعاملون به من الكف عمن سالم ولم يبقى الا اقامة الحدود واعلاء كلمة الله في حق الانسان # فان قيل فقد قال تعالى ^ الم تر إلى الذين اوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الظلالة ^ إلى قوله ^ من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بالسنتهم وطعنا في الدين ^
وقوله ^ اسمع غير مسمع ^ مثل قولهم اسمع لا سمعت واسمع غير مقبول منك لان من لا يقصد اسماعه لايقبل كلامه # وقولهم ^ راعنا ^ قال قتادة وغيره كانت اليهود تقوله استهزاء فكره الله للمؤمنين ان يقولوا مثل قولهم # وقال ايضا كانت اليهود تقول للنبي راعنا سمعك يستهزئون بذلك وكانت في اليهود قبيحة # وروى الإمام احمد عن عطية قال كان يأتي ناس من اليهود فيقولون راعنا سمعك حتى قالها ناس من المسلمين فكره الله لهم ما قالت اليهود
وقال عطاء الخرساني كان الرجل يقول ارعني سمعك ويلوي بذلك لسانه ويطعن في الدين # وذكر بعض اهل التفسير ان هذه اللفظة كانت سبا قبيحا بلغة اليهود # فهؤلاء قد سبوه بهذا الكلام ولووا السنتهم به واستهزؤوا به وطعنوا في الدين ومع ذلك فلم يقتلهم النبي # قلنا عن ذلك اجوبة احداها ان ذلك كان في حال ضعف الإسلام في الحال التي اخبر الله رسوله والمؤمنين انهم يسمعون من الذين اوتوا الكتاب والمشركين اذى كثيرا وامرهم بالصبر والتقوى ثم ان ذلك نسخ عند القوة بالامر بقتالهم حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون والصاغر لا يفعل شيئا من الاذى في الوجه ومن فعله فليس بصاغر # ثم ان من الناس من يسمي ذلك نسخا لتغير الحكم ومنهم من لا يسميه نسخا لان الله تعالى امرهم بالعفو
والصفح إلى ان ياتي الله بامره وقد اتى الله بامره من عز الإسلام واظهاره والامر بقتالهم حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون # وهذا مثل قوله تعالى ^ فامسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت او يجعل الله لهن سبيلا ^ وقال النبي قد جعل الله لهن سبيلا فبعض الناس يسمي ذلك نسخا وبعضهم لا يسميه نسخا والخلاف لفظي # ومن الناس من يقول الامر بالصفح باق عند الحاجة اليه بضعف المسلم عن القتال بان يكون في وقت او مكان لا يتمكن منه وذلك لا يكون منسوخا اذ المنسوخ ما ارتفع في جميع الازمنة المستقبلة # وبالجملة فلا خلاف ان النبي كان مفروضا عليه لما قوي ان يترك ما كان يعامل به اهل الكتاب والمشركين ومظهري النفاق من العفو والصفح إلى قتالهم واقامة الحدود عليهم سمي نسخا او لم يسم
الجواب الثاني ان النبي قد كان له ان يعفو عمن سبه وليس للامة ان تعفو عمن سبه كما قد كان يعفو عمن سبه من المسلمين مع انه لا خلاف بين المسلمين في وجوب قتل من سبه من المسلمين # الجواب الثالث ان هذا ليس باظهار للسب وانما هو اخفاء له بمنزلة السام عليكم وبمنزلة ظهور النفاق في لحن القول لانهم كانوا يظهرون انهم يقصدون مسألته ان يسمع كلامهم وان يراعيهم فينضرهم حتى يقضوا كلامهم وحتى يفهموا كلامه وياتونه على هذا الوجه ثم انهم يلوون السنتهم بالكلام وينوون به الاستهزاء والسب والطعن في الدين كما يلوون السنتهم بالسلام وينوون به الدعاء عليه بالموت واليهود امة معروفة بالنفاق والخبث وان تظهر خلاف ما تبطن ولكن ذلك لا يوجب اقامة حد لهم # ولو كان هذا سبا ظاهرا لما كان المسلمون يخاطبون بمثل ذلك قاصدين به الخير حتى نهوا عن التكلم بكلام يحتمل الاستهزاء ويوهمه بحيث يصير سبا بالنية ودلالة الحال
وذلك ان هذه اللفظة كانت العرب تتخاطب بها تقصد سبا قال عطا كانت لغة في الأنصار في الجاهلية وقال أبو العاليه ان مشركي العرب كانوا اذا حدث بعضهم بعضا يقول احدهم لصاحبه ارعني سمعك فنهو عن ذلك وكذلك قال الضحاك وذلك ان العرب تقول ارعيته سمعي ارعاء اذا فرغته لكلامه لانك جعلت السمع يرعى كلامه وتقول راعيته سمعي بهذا المعنى لكن كانت اليهود تعتقدها سبا بينها اما لما فيه من الاشتراك فانها كما تستعمل في استرعاء السمع تستعمل بمعنى المفاعله كانه قيل راعني حتى اراعيك وهذا انما يكون بين الامثال والنظراء ومرتبة الرئيس اعلى من ذلك # او ان اليهود ينوون بها معنى الرعونه او فيها طلب حفظ الكلام والاهتمام به وهذا انما يكون من الاعلى للاسفل لان الرعاية هي الحفظ والكلاءه ومنه استرعاء الشهادة
او قد غلبت في عرفهم ولغتهم على معنى رديء كما قد قيل انهم ينوون بها اسمع لا سمعت وبالجملة انما يصير مثل هذا سبا بالنية ولي اللسان ونحوه فنهي المسلمون عنها حسما لمادة التشبه باليهود وتشبه اليهود بهم وجعل ذلك ذريعة إلى الاستهزاء به ولما يحتمله لفظها من قلة الادب في مخاطبة الرسول # الجواب الرابع ما ذكره بعض اهل التفسير الذي ذكر انها كانت سبا قبيحا بلغة اليهود قال كان المسلمون يقولون راعنا يارسول الله وارعنا سمعك يعنون من المراعاه وكانت هذه اللفظه سبا قبيحا بلغة اليهود فلما سمعتها اليهود اغتنموها وقالوا فيما بينهم كنا نسب محمدا سرا فأعلنوا له الآن بالشتم وكانوا يأتونه ويقولون راعنا يا محمد ويضحكون فيما بينهم فسمعها سعد بن معاذ ففطن لها وكان يعرف لغتهم فقال لليهود عليكم لعنة الله والذي نفسي بيده يا معشر اليهود لان سمعتها من رجل منكم يقولها لرسول الله لاضربن عنقه فقالوا اولستم تقولنها فانزل الله ^ يا يها الذين امنوا لا تقولوا راعنا ^ لئلا يتخذ اليهود ذلك سبيلا الىشتم رسول الله
فهذا القول دليل على ان اللفظة مشتركه في لغة العرب ولغة العبرانيين وان المسلمين لم يكونوا يفهمون من اليهود اذا قالوها الا معناها في لغتهم فلما فطنوا لمعناها في اللغة الاخرى نهوهم عن قولها واعلموهم ان ذلك ناقض لعهدهم ومبيح لدمائهم وهذا اوضح دليل على انهم اذا تكلموا بما يفهم منه السب حلت دماؤهم وانما لم يستحلوا دماءهم لان المسلمين لم يكونوا يفهمون السب والكلام في السب الظاهر وهو ما يفهم منه السب # فان قيل اهل الذمة قد اقررناهم على دينهم ومن دينهم استحلال سب النبي فاذا قالوا ذلك لم يقولوا غير ما اقررناهم عليه وهذه نكتة المخالف # قلنا ومن دينهم استحلال قتال المسلمين واخذ اموالهم ومحاربتهم بكل طريق ومع هذا فليس لهم ان يفعلوا ذلك بعد العهد ومتى فعلوه نقضوا العهد وذلك لانا وان كنا نقرهم على ان يعتقدوا ما يعتقدونه ويخفوا ما يخفونه فلم نقرهم على ان يظهروا ذلك ويتكلموا به بين المسلمين ونحن لا نقول ينتقض عهد الساب حتى نسمعه يقول ذلك او يشهد به المسلمون ومتى حصل ذلك كان قد اظهره واعلنه # وتحرير الجواب ان كلتا المقدمتين باطلة # اما قوله اقررناهم على دينهم فيقال لو اقررناهم على كل
ما يدينون به لكانوا منزلة اهل ملتهم المحاربين ولو اقررناهم على كل ما يدينون به لم يعاقبوا على اظهار دينهم واظهار الطعن في ديننا ولا خلاف انهم يعاقبون على ذلك ولو اقررناهم على دينهم مطلقا لاقررناهم على هدم المساجد واحراق المصاخف وقتل العلماء والصالحين فان ما يدينون به مما يؤذي المسلمين كثيرة ثم لا خلاف انهم لا يقرون على شيء من ذلك وانما اقررناهم كما قال غرفة بن الحارث على ان نخليهم يفعلون بينهم ماشاؤوا مما لا يؤذي المسلمين ولا يضرهم ولا نعترض عليهم في امور لا تظهر فان الخطيئة اذا اخفيت لم تضر الا صاحبها ولكن اذا اعلنت فلم تنكر ضرت العامة وشرطنا عليهم ان لايفعلوا شيئا يؤذينا ولا يضرنا سواء كانوا يستحلونه او لايستحلونه فمتى اذو الله ورسوله فقد نقضوا العهد وشرطنا عليهم التزام حكم الإسلام وان كانوا يرون ان ذلك لا يلزمهم في دينهم وشرطنا عليهم اداء الجزية وان اعتقدوا ان اخذها منهم حرام وشرطنا عليهم اخفاء دينهم فلا يظهرون الاصوات بكتابهم ولا على جنائزهم ولا صوت ناقوس وشرطنا عليهم ان لا يرتفعوا على المسلمين وان يخالفوا بهيئتم هيئة المسلمين على وجهه يتميزون به ويكونون اذلاء في تميزه إلى غير ذلك من الشروط التي يعتقدون انها ذا تجب عليهم في دينهم
فعلم انا شرطنا عليهم ترك كثير مما يعتقدون دينا لهم اما مباحا او واجبا وفعل كثير مما يعتقدون ليس من دينهم فكيف يقال اقررناهم على دينهم مطلقا # واما المقدمة الثانية فنقول هب انا اقررناهم على دينهم فقوله استحلال السب من دينهم جوابه ان يقال اهو من دينهم قبل العهد او من دينهم وان عاهدوا على تركه # الاول مسلم لكن لا ينفع لان هؤلاء قد عاهدوا فان لم يكن هذا من دينهم في هذه الحال لم يكن لهم ان يفعلوه لانه من دينهم في حال اخرى وهذا كما ان المسلم من دينه استحلال ديمائهم واموالهم واذاهم بالهجاء والسب اذا لم نعاهدهم وليس من دينه استحلال ذلك اذا عاهدهم فليس لنا ان نؤذيهم ونقول قد عاهدناكم على ديننا ومن ديننا استحلال اذاكم فان المعاهدة التي بين المتحاربين تحرم على كل واحد منهما في دينه ما كان يستحله من ضرر الاخر واذاه قبل العهد # واما الثاني فمنوع فانه ليس من دينهم استحلال نقض العهد ولا مخالفة من عاهدوه في شئ مما عاهدوه بل من دين جميع اهل الارض الوفاء بالعهد وان لم يكن هذا معتقدهم فنحن انما عاهدناهم على ان يدينوا بوجوب الوفاء بالعهد فان لم يكن دينهم وجوب الوفاء به
د/احمد
2011-11-13, 11:26 AM
فلم نعاهدهم على دين يستحل صاحبه نقض العهد ولو عاهدناهم على هذا الدين لكنا قد عاهدناهم على ان يدينوا بنقض العهد فينقضوه ونحن موفون بالعهد وبطلان هذا واضح واذا لم يكن فعل ما عاهدوا على تركه من دينهم فنحن قد عاهدناهم على ان يكفوا عن اذانا بالسنتهم وايديهم وان لا يظهروا شيئا من اذى الله ورسوله وان يخفوا دينهم الذي هو باطل في حكم الله ورسوله واذا عاهدوا على ترك هذا واخفاء هذا كان فعله حراما عليهم في دينهم لان ذلك غدر وخيانة وترك للوفاء بالعهد ومن دينهم ان ذلك حرام ولو ان مسلما عاهده قوما من الكفار طائعا غير مكره على ان يمسك عن ذكر صليبهم لوجب عليه في دينه ان يمسك ما دام العهد قائما # فقول القائل من دينهم استحلال سب نبيا باطل اذ ذلك مع العهد المقتضي لتركه حرام في دينهم كما يحرم عليهم في دينهم استحلال دمائنا واموالنا لاجل العهد وهم يعتقدون عند انفسهم انهم اذا اذوا الله ورسوله بالستنهم او ضروا المسلمين بعد العهد فقد فعلوا ما هو حرام في دينهم كما ان المسلم يعلم انه اذا اذاهم بعد العهد فقد فعل ما هو حرام في دينه ويعلمون ان ذلك مخالفة للعهد وان ظنوا ان لاعهد بيننا وبينهم وانما هم مغلبون تحت يد الإسلام فذلك ابعد لهم عن العصمة واولى بالانتقام فانه لا عاصم لهم منا الا العهد فان لم يعتقدوا
الوفاء بالعهد فلاعاصم اصلا وهذا كله بين لمن تامله يتبين به بعض فقه المسالة # ومن الفقهاء من اجاب عن هذا بان اقررناهم على ما يعتقدونه ونحن انما نقول بنقض العهد اذا سبوه بما لا يعتقدونه من القذف ونحوه وهذا التفصيل ليس بمرض وسياتي ان شاء الله تحقيق ذلك # فان قيل فهب انهم صولحوا على ان لا يظهروا ذلك لكن مجرد اظهار دينهم كيف ينقض العهد وهل ذلك الا بمثابة ما لو اظهروا اصواتهم بكتابهم او صليبهم او اعيادهم فان ذلك موجب لتنكيلهم وتعزيرهم دون نقض العهد # قلنا واي ناقض للعهد أعظم من ان يظهروا كلمة الكفر ويعلوها ويخرجوا عن حد الصغار ويطعنوا في ديننا ويؤذونا اذى هو ابلغ من قتل النفوس واخذ الاموال # واما اظهار تلك الاشياء بعد شرط عمر المعروف ففيها وجهان عندنا # احدهما ينتقض العهد فلا يلزمنا # والاخر لا ينتقض العهد والفرق بينهما من وجهين # احدهما ان ظهور تلك الاشياء ليس فيه ظهور كلمة الكفر وعلوها وانما فيه ظهور لدين المشركين وبين البابين فرق فان المسلم لو تكلم بكلمة الكفر كفر ولو لم يفعل الا مجرد مشاركة الكافر في هدية عوقب ولم يكفر وكان ذلك كاظهار المعاصي من المسلم يوجب عقوبته ولا يبطل ايمانه والمتكلم بكلمة الكفر يبطل ايمانه كذلك اهل العهد
اذا اظهروا الكفر ونحوه نقضوا امانهم واذا اظهروا زيهم عصوا ولم ينقضوا امانهم # وهذا جواب من يقول من اصحابنا وغيرهم انهم لو اظهروا التثليث ونحوه مما هو دينهم نقضوا العهد # الجواب الثاني ان ظهور تلك الاشياء ليس فيها ضرر عظيم على المسلمين ولا معرة في دينهم لا طعن في ملتهم وانما فيه أحد امرين اما اشتباه زيهم بزي المسلمين أو إظهار لمنكرات دينهم في دار الإسلام كاظهار الواحد من المسلمين لشرب الخمر ونحوه واما سب الرسول والطعن في الدين ونحوه ذلك فهو مما يضر المسلمين ضررا يفوق ضرر قتل النفس واخذ المال من بعض الوجوه فانه لا ابلغ في اسفال كلمة الله واذلال كتاب الله واهانة كتاب الله من ان يظهر الكافر المعاهد السب والشتم لمن جاء بالكتاب # ولاجل هذا الفرق فصل اصحابنا واصحاب الشافعي الامور المحرمة عليهم في العهد الذي بيننا وبينهم إلى ما يضر المسلمين في نفس او مالا او دين والى مالا يضر وجعلوا القسم الاول ينقض العهد حيث لاينقضه القسم الثاني لان مجرد العهد ومطلقه يوجب الامساك عما يضر
المسلمين ويؤذيهم فحصوله تفويت لمقصود العقد فيفسخه كما لو فات مقصود البيع بتلف العوض قبل القبض او ظهوره مستحقا ونحوه بخلاف غيره ولان تلك المضرات يوجب جنسها عقوبة المسلم بالقتل فلان توجب عقوبة المعاهد بالقتل اولى واحرى لان كليهما ملتزم اما بايمانه او بامانة ان لايفعلها ولان تلك المضرات من جنس المحاربة والقتال وذلك لابقاء العهد معه بخلاف المعاصي التي فيها مراغمة ومصارمة # فان قيل فقد اقروا على ما هم عليه من الشرك الذي هو أعظم من سب الرسول فيكون اقرارهم على سب الرسول اولى بل قد اقروا على سب الله تعالى وذلك لان النصارى معتقدون التثليث ونحوه وهو شتم لله تعالى لما روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ^ قال الله عز وجل كذبني ابن ادم ولم يكن له ذلك وشتمني والم يكن له ذلك فاما تكذيبه اياي فقوله لن يعيدني كما بداني وليس أول الخلق باهون علي من اعادته واما شتمه اياي فقوله اتخذ الله ولدا وانا الاحد الصمد الذي لم الد ولم اولد ولم يكن لي كفوا أحد ^
وروى في صحيحه عن ابن عباس عن النبي نحوه وكان معاذ ابن جبل يقول اذا راى النصارى لا ترحموهم فلقد سب الله سبه ما سبه اياها أحد من البشر # وقد قال الله تعالى ^ وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا اداه تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الارض وتخر الجبال هدا ان دعوا للرحمن ولدا ^ الاية # وقد اقر اليهود على مقالتهم في عيسى عليه السلام وهي من ابلغ القذف # قلنا الجواب من وجوه # احدها ان هذا السؤال فاسد الاعتبار فان كون الشئ في نفسه أعظم اثما من غيره يظهر اثره في العقوبة عليه في الاخرة لا في الاقرار عليه في الدنيا الا ترى ان اهل الذمة يقرون على الشرك ولا يقرون على الزنى ولا على السرقة ولا على قطع الطرق ولا على قذف المسلم ولا على محاربة المسلمين وهذه الاشياء دون الشرك بل سنة
الله في خلقه كذلك فانه عجل لقوم لوط العقوبة وفي الارض مدائن مملوئة بالشرك لم يعاجلهم بالعقوبة لاسيما والمحتج بهذا الكلام يراى ان قتل الكفار انما هو لمجرد المحاربة سواء كان كفره اصليا او طارئا حتى انه لا يراى قتل المرتد ويقول الدنيا ليست دار الجزاء على الكفر وانما الجزاء على الكفر في الاخرة وانما يقاتل من يقاتل فقت لدفع اذاه # ثم لا يجوز ان يقال اذا اقررناهم على الكفر فلان نقرهم على المحاربة التي هي دون الكفر بطريق الاولى وسبب ذلك ان ما كان من الذنوب يتعدى ضرره فاعله عجلت لصاحبه العقوبة في الدنيا تشريعا وتقديرا ولهذا قال ما من ذنب احرى ان تعجل لصاحبه العقوبة من البغي وقطيعة الرحم لان تاخير عقوبته فساد لاهل الارض لخلاف ما لا يتعدى ضرره فاعله فانه قد توخر عقوبته وان
كان أعظم كالكفر ونحوه فاذا اقرارهم على الشرك أكثر ما فيه تاخير العقوبة عليه وذلك لا يستلزم تاخير عقوبة ما يضر بالمسلمين لانه دونه كما قدمناه # الوجه الثاني ان يقال لاخلاف انهم اذا اقروا على ما هم عليه من الكفر غير مضارين للمسلمين لايجوز اذاهم لا في دمائهم ولا في ابشارهم ولو اظهروا السب ونحوه عوقبوا على ذلك اما في الدماء او في الابشار # ثم انه لا يقال اذا لم يعاقبوا بالعزير على الشرك لم يعاقبوا على السب الذي هو دونه واذا كان هذا السؤال معترضا على الاجماع لم يجب جوابه كيف والمنازع قد سلم انهم يعاقبون على السب فعلم انه لم يقرهم عليه فلا يقبل منه السؤال والجواب عن هذه الشبه مشترك فلا يجب علينا الانفراد به # الوجه الثالث ان الساب ينضم السب إلى شركه الذي عوهد عليه بخلاف المشرك الذي لم يسب ولا يلزم من الإقرار على ذنب مفرد الاقرار عليه مع ذنب اخر وان كان دونه فان اجتماع الذنبين يوجب جرما مغلظا لا يحصل حال الانفراد
الوجه الرابع قوله ما هم عليه من الكفر أعظم من سب الرسول ليس بجيد على الاطلاق وذلك لان اهل الكتاب طائفتان اما اليهود فاصل كفرهم تكذيب الرسول وسبه أعظم من تكذيبه فليس لهم كفر أعظم ةمن سب الرسول فان جميع ما يكفرون به من الكفر بدين الإسلام وبعيسى وبما اخبر الله به من امور الاخرة وغير ذلك متعلق بالرسول فسبه كفر بهذا كله لان ذلك انما علم من جهته وليس عند اهل الارض في وقتنا هذا علم موروث يشهد عليه انه من عند الله الا العلم الموروث عن محمد وما سوى ذلك مما يؤثر عن غيره من الانبياء فقد اشتبه واختلط كثير منه او اكثره والواجب فيما لم نعلم حقيقته منه ان لا يصدق ولا يكذب # واما النصارى فسبهم للرسول طعنا فيما جاء به من التوحيد وانباء الغيب والشرائع وانما ذنبه الاعظم عندهم ان قال ان عيسى عبد الله ورسوله كما ان ذنبه الاعظم عند اليهود ان غير شريعة التوراة والا فانصارى ليس محافظين على شريعة موروثة بل كل برهة من الدهر تبتدع لهم الاحبار شريعة من الدين لم ياذن الله بها ثم لا يرعونه حق رعايتها فسبهم له متضمن للطعن في التوحيد وللشرك وللتكذيب بالانبياء والدين ومجرد شركهم ليس متضمنا لتكذيب جميع الانبياء ورد جميع الدين فلا يقال ماهم عليه من الشرك أعظم من سب الرسول بل سب الرسول فيه ماهم عليه من الشرك وزياده
وبالجملة فينبغي للعاقل ان يعلم ان قيام دين الله في الارض انما هو بواسطة المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين فلولا الرسل لما عبد الله وحده ولا شريك له ولما علم الناس أكثر ما يستحقه سبحانه من الاسماء الحسنى والصفات العلى ولا كانت له شريعة في الارض # ولا تحسبن ان العقول لو تركت وعلومها التي تستفيدها بمجرد النظر عرفت الله معرفة مفصلة بصفاته واسمائه على وجهه اليقين فان عامة من تكلم في هذا الباب بالعقل فانما تكلم بعد ان بلغه ما جاءت به الرسل واستضاء بذلك واستانس به سواء اظهر الانقياد للرسل او لم يظهر وقد اعترف عامة الرؤوس منهم انه لاينال بالعقل علم جازم في تفاصيل الامور الالهية وانما ينال به الظن والحسبان # والقدر الذي يمكن العقل اداركه بنظره فان المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم نبهوا الناس عليه وذكروهم به ودعوهم إلى النظر فيه حتى فتحوا اعينا عميا واذانا صما وقلوبا غلفا # والقدر الذي تعجز العقول رعن ادراكه علموهم اياه وانباوهم به فالطعن فيهم طعن في توحيد الله واسمائه وصفاته وكلامه ودينه وشرائعه وانبيائه وثوابه وعقابه وعامة الاسباب التي بينه وبين خلقه بل يقال انه ليس في الارض مملكة قائمة الا في بنبوة او اثر نبوة وان كل خير
في الارض فمن اثار النبواة ولا يستريبن العاقل في هذا فان الذين درست النبوة فيهم مثل البارهمة والصابئة والمجوس ونحوهم فلا سفتهم وعامتهم قد اعرضوا عن الله وتوحيده واقبلوا على عبادة الكواكب والنيران والاصنام وغير ذلك من الاوثان والطوغين فلم يبق بايديهم لا توحيد ولا غيره # وليست امة مستمسكة بالتوحيد الا أتباع الرسل قال الله سبحانه ^ شرع لكم منه الدين ما وصى به نوحا والذي اوحينا اليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى ان اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم اليه ^ فاخبر ان دينه الذي يدعوا اليه
المرسلون كبر على المشركين فما الناس الا تابع لهم او مشرك وهذا حق لا ريب فيه فعلم ان سب الرسل والطعن فيهم ينبوع جميع انواع الكفر وجماع جميع الضلالات وكل كفر ففرع منه كما ان تصديق الرسل اصل جميع شعب الايمان وجماع مجموع اسباب الهدى # الوجه الخامس ان نقول قد ثبت بالسنة ثبوتا لايمكن دفعه ان النبي كان يامر بقتل من سبه وكان المسلمون يحرضون على ذلك مع الامساك عمن هو مثل هذا الساب في الشرك او هو اسوء منه من محارب او معاهد فلو كانت هذه الحجة مقبولة لتوجه ان يقال اذا امسكوا عن الشرك فالامساك عن الساب اولى وإذا عوهد الذمي على كفره فمعاهدته على السب أولى وهذا لو قبل معارضة لسنة رسول الله وكل قياس عارضه السنة فهو رد # الوجه السادس ان يقال ما هم عليه من الشرك وان كان سبا لله فهم لا يعتقدونه سبا وانما يعتقدونه تمجيدا وتقديسا فليسواقاصدين به قصد السب والاستهانة بخلاف سب الرسول فلا يلزم من إقرارهم على شئ لا يقصدون به الاستخفاف اقرارهم على ما يقصدون به الاستخفاف وهذا جواب من يقتلهم اذا اظهروا سب الرسول ولا يقتلهم اذا اظهروا ما يعتقدونه من دينهم
الوجه السابع ان اظهار سب الرسول طعن في دين المسلمين واضرار بهم ومجرد التكلم بدينهم ليس فيه اضرار بالمسلمين فصار اظهار سب الرسول بمنزلة المحاربة يعاقبون عليها وان كانت دون الشرك وهذا ايضا جواب هذا القائل # الوجه الثامن منع الحكم في الاصل المقيس عليه فانا نقول متى اظهروا كفرهم واعلنوا به نقضوا العهد بخلاف مجرد رفع الصوت بكتابهم فانه ليس كل ما فيه كفر ولسنا نفقه ما يقولون وانما فيه اظهار شعار الكفر وفرق بين اظهار الكفر وبين اظهار شعار الكفر # او نقول متى اظهروا الكفر الذي هو طعن في دين الله نقضوا به العهد بخلاف كفر لا يطعنون به في ديننا وهذا لان العهد انما اقتضى ان يقولوا يفعلوا بينهم ما شاؤوا مما لا يضر المسلمين فاما ان يظهروا كلمة الكفر او ان يؤذوا المسلمين فلم يعاهدوا عليه البته وسياتي ان شاء الله الكلام على هذين القولين والذين قبلهما # قال كثير من فقهاء الحديث واهل المدينة من اصحابنا وغيرهم لم نقرهم على ان يظهروا شيئا من ذلك ومتى اظهروا شيئا من ذلك نقضوا العهد
قال أبو عبد الله في رواية حنبل كل من ذكر شيئا يعرض بذكر الرب تبارك وتعالى فعليه القتل مسلما كان او كافرا وهذا مذهب اهل المدينه # وقال جعفر بن محمد سمعت أبا عبد الله يسال عن يهودي مر بمؤذن وهو يؤذن فقال له كذبت فقال يقتل لانه شتم ومن الناس من فرق بين ما يعتقدونه وما لا يعتقدونه ومن الناس من فرق بين ما يعتقدونه واظهاره يضر بنا لانه قدح في ديننا وبين ما يعتقدونه واظهاره ليس بطعن في نفس ديننا وسياتي ان شاء الله ذلك فان فروع المسالة تظهر ماخذها وقد قدمنا عن عمر رضى الله عنه انه قال بمحضر من المهاجرين والانصار للنصراني الذي قال ان الله لا يضل احدا انا لم نعطك
ما اعطيناك على ان تدخل علينا في ديننا فوالذي نفسي بيده لان عدت لاخذنا الذي فيه عيناك وجميع ما ذكرناه من الايات والاعتبار يجئ ايضا في ذلك فان الجهاد واجب حتى تكون كلمة الله هي العليا وحتى يكونالدين كله لله وحتى يظهر دين الله على الدين كله وحتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون # والنهي عن اظهار المنكر واجب بحسب القدرة فاذا اظهروا كلمة الكفر واعلنوها خرجوا عن العهد الذي عاهدونا عليه والصغار الذي التزموه وجب علينا ان نجاهد الذي اظهروا كلمة الكفرر وجهادهم بالسيف لانهم كفار لا عهد لهم والله سبحانه اعلم
المسالة الثانية # انه يتعين قتله ولا يجوز استرقاقه ولا المن عليه ولا فداءه # اما ان كان مسلما فبالاجماع لانه نوع من المرتد او من الزنديق والمرتد يتعين قتله وكذلك الزنديق وسواءا كان رجلا او امراة وحيث قتل يقتل مع الحكم بإسلامه فان قتله حد بالاتفاق فيجب اقامته وفيما قدمناه دلالة واضحه على قتل السابة المسلمة من السنة واقاويل الصحابة فان في بعضها تصريحا بقتل السابه المسلمة وفي بعضها تصريحا بقتل السابة الذمية واذا قتلت الذمية للسب فقتل المسلمة اولى كما لا يخفى على الفقيه # ومن قال من اهل الكوفة ان المرتدة لا تقتل فقياس مذهبة ان لا تقتل السابه لان الساب عنده مرتد وقد كان يحتمل مذهبه ان تقتل السابه حدا كقتل الساحرة عند بعضهم وقتل قاطعة الطريق ولكن اصوله تابى ذلك # والصحيح الذي عليه العامة قتل المرتدة فالسابه اولى وهو الصحيح لما تقدم وان كان الساب معاهدا فانه يتعين ايضا قتله سواء كان رجلا او امراه عند عامة الفقهاء من السلف ومن تبعهم
وقد ذكرنا قول ابن المنذر فيما يجب على من سب النبي قال اجمع عوام اهل العلم على ان من سب النبي القتل وممن قاله مالك والليث واحمد واسحاق وهو مذهب الشافعي # قال وحكي عن النعمان لا يقتل من سبه من اهل الذمة وهذا لفظ دليل على وجوب قتله عند العامة وهذا مذهب مالك واصحابه وسائر فقهاء المدينة وكلام اصحابه يقتضي ان لقتله ماخذين # احدهما انتقاض عهده # والثاني انه حد من الحدود وهو قول فقهاء الحديث قال اسحاق بن راهوية ان اظهروا سب رسول الله فسمع منهم ذلك او تحقق عليهم قتلوا واخطا هؤلاء الذين قالوا ما هم فيه من الشرك أعظم من سب رسول الله قال اسحاق يقتلون لان ذلك نقض العهد وكذلك فعل عمر بن عبد العزيز ولا شبهه في ذلك لانه يصير في ذلك ناقضا للصلح وهو كما قتل ابن عمر الراهب الذي سب النبي وقال ما على هذا صالحناهم # وكذلك نص الإمام احمد على وجوب قتله وانتقاض عهده وقد تقدم بعض نصوصه في ذلك وكذلك نص عامة اصحابه على وجوب قتل هذا الساب ذكروه بخصوصه في مواضع هكذا وذكروه ايضا في جملة ناقضي العهد من اهل الذمة
ثم المتقدمون منهم وطوائف من المتاخرين قالوا ان هذا وغيره من ناقضي العهد يتعين قتلهم كما دل عليه كلام احمد # وذكر طوائف منهم ان الإمام مخير فيمن نقض العهد من اهل الذمة كما يخير في الاسير بين الاسترقاق والقتل والمن والفداء ويجب عليه فعل الاصلح للامة من هذه الاربعة بعد ان ذكروه في الناقضين للعهد فدخل هذا الساب في عموم هذا الكلام واطلاقه واوجب ان يقال فيه بالتخيير اذا قيل به في غيره من ناقضي العهد لكن قيد محققوا اصحاب هذه الطريقة ورؤوسهم مثل القاضي أبي يعلي في كتبه المتاخره وغيره هذا الكلام وقالوا التخيير هو غير ساب الرسول واما سابه فيتعين قتله وان كان غيره كالاسير وعلى هذا فاما ان لايحكى في تعين قتله خلاف لكون الذين اطلقوا التخيير في موضع قد قالوا في موضع اخر بان الساب يتعين قتله وصرح راس اصحاب هذه الطريقة بانه مستثنى من ذلك الاطلاق او يحكى فيه وجه ضعيف لان الذين قالوا به في موضع نصوا على خلافه في موضع اخر واختلف اصحاب الشافعي ايضا فيه فمنهم من قال يجب قتل الساب حتما وان خير في غيره # ومنهم من قال هو كغيره من الناقضين للعهد وفيه قولان اضعفهما انه يلحق بمامنه والصحيح منهما جواز قتله قالوا ويكون
كالاسير يجب على الإمام ان يفعل فيه الاصلح للامة من القتل والاسترقاق والمن والفداء # وكلام الشافعي في موضع يقتضي ان حكم الناقض للعهد حكم الحربي فلهذا قيل انه كالاسير وفي موضع اخر امر بقتله عينا من غير تخيير # وتحريم الكلام في ذلك يحتاج إلى ان نقدم مقدمة فيما ينتقض به العهد وفي حكم ناقض العهد على سبيل العموم ثم نتكلم في خصوص مسالة السب # اما الاول فان ناقض العهد قسمان ممتنع لا يقدر عليه الا بقتال ومن هو في ايدي المسلمين # اما الاول فان يكون لهم شوكه ومنعة فيمتنع بها على الإمام من ايداء الجزية والتزام احكام الملة الواجبه عليهم دون ما يظلمهم به الولاه او يلحقوا بدار الحرب مستوطنين بها فهؤلاء قد نقضوا العهد بالاجماع فاذا اسر الرجل منهم فحكمه عند الإمام احمد في ظاهر مذهبه حكم اهل الحرب اذا اسروا يفعل بهم الإمام ما يراه اصلح # قال في رواية أبي الحارث وقد سئل عن قوم من اهل العهد
نقضوا العهد وخرجوا بالذرية إلى دار الحرب فبعث في طلبهم فلحقوهم فحاربوهم قال احمد اذا نقضوا العهد فمن كان منهم بالغا فيجري عليه ما يجري علىا اهل الحرب من الاحكام اذا اسروا فامرهم إلى الإمام يحكم فيهم بما يرى واما الذرية فما ولد بعد نقضهم العهد فهو بمنزلة من نقض العهد ومن كان ممن ولد قبل نقض العهد فليس عليه شئ وذلك ان امراة علقمة بن علاثه قالت ان كان علقمة ارتد فانا لم ارتد وكذلك روى عن الحسن فيمن نقض العهد ليس على النساء شئ وقال في رواية صالح وقد سئل عن قوم من اهل العهد في حصن ومعهم مسلمون فنقضوا العهد والمسلمون معهم في الحصن ما السبيل فيهم قال ما ولد لهم من بعد نقض العهد فالذرية بمنزلة من نقض العهد يسبون ومن كان قبل ذلك لا يسبون
فقد نص على ان ناقض العهد اذا اسر بعد المحاربة بخير الإمام فيه وعلى ان الذرية الذين ولدوا بعد نقض العهد بمنزلة من نقض العهد يسبون فعلم ان ناقض العهد يجوز استرقاقه وهذا هو المشهور من مذهبه # وعنه انهم اذا قدر عليهم فانهم لا يسترقون بل يردون إلى الذمة قال في رواية أبي طالب في رجل من اهل العهد لحق بالعدوا هو واهله وولده وولد له في دار العدوا قال يسترق اولادهم الذين ولدوا في دار العدوا ويردون هم واولدهم الذين ولدو في دار الإسلام إلى الجزية قيل له لا يسترق اولادهم الذين ولدوا في دار الإسلام قال لا قيل له فان كانوا ادخلوهم صغارا ثم صاروا رجلا قال لا يسترقون ادخلوهم مامنهم # وكذلك قال في رواية ابن إبراهيم وقد ساله عن رجل لحق بدار الحرب هو واهله وولد له في بلاد العدو وقد اخذه المسلمون قال ليس على ولده واهله شئ ولكن ما ولد له وهو في ايديهم يسترقون ويردون هم إلى الجزية
فقد نص على ان الرجل الذي نقض العهد يرد إلى الجزية هو وولده الذين كانوا موجدين وانهم لا يسترقون وان ولده الذين حدثوا بعد المحاربة يسترقون وذلك لان صغار ولده سبي من اولاد اهل الحرب وهم يصيرون رقيقا بنفس السبي فلا يدخلون في عقد الذمة اولا ولا اخرا واما اولاده الذين ولدوا قبل النقض فلهم حكم الذمة المتقدمة # فعلى الرواية الاولى المشهورة يخير الإمام في الرجال اذا اسروا فيعل ما هو الاصلح للمسلمين من قتل واسترقاق ومن فداء واذا جاز ان يمن عليهم جاز ان يطلقهم على قبول الجزية منهم وعقد الذمة لهم ثانيا لكن لايجب عليه ذلك كما لا يجب عليه في الاسير الحربي الاصلي اذا كان كتابيا وقد قتل رسول الله اسرى بني قريضه واسرى من اهل خيبر ولم يدعهم إلى اعطاء الجزية ولو دعاهم اليها لاجابوه # وعلى الرواية الثانية يجب دعائهم إلى العود إلى الذمة كما كانوا كما يجب دعاء المرتد إلى ان يعود إلى الإسلام او يستحب كما يستحب دعاء المرتد ومتى بذلوا العود إلى الذمة وجب قبول ذلك منهم كما يجب قبول الإسلام من المرتد وقبول الجزية من الحربي الاصلي اذا بذلها قبل
الاسر ومتى امتنعوا فقياس هذه الرواية وجوب قتلهم دون استرقاقهم جعلا لنقض الامان كنقض الايمان ولو تكرر النقض منهم فقد يقال فيهم ما يقال فيمن تكررت ردته # وبنحو من هذه الرواية قال اشهب صاحب مالك في مثل هؤلاء قال لا يعود الحر قنا ولا يسترق ابدا بحال بل يردون إلى ذمتهم بكل حال # وكذلك قال الشافعي في الام وقد ذكر نواقض العهد وغيرها قال وايهم قال او فعل شيئا مما وصفته نقضا للعهد واسلم لم يقتل اذا كان ذلك قولا وكذلك اذا كان ذلك فعلا لم يقتل الا ان يكون في دين المسلمين ان من فعله قتل حدا او قصاصا فيقتل بحد او قصاص لا بنقض عهد # وان فعل مما وصفنا وشرط انه نقض لعهد الذمة فلم يسلم ولكنه قال اتوب واعطي الجزية كما كنت اعطيها او على صلح اجدده عوقب ولم يقتل الا ان يكون قد فعل فعلا يوجب القصاص او الحد فان فعله
او قال مما وصفنا وشرط انه يحل دمه فظفرنا به فامتنع من ان يقول اسلم او اعطي جزية قتل واخذ ماله فيئا # فقد نص على ان وجوب قبول الجزية منه اذا بذلها وهو في ايدينا وانه اذا امتنع منها ومن الإسلام قتل واخذ ماله ولم يخير فيه # ولاصحابه في وجوب قبول الجزية من اسير الحربي الاصلي وجهان # وعن الإمام احمد رواية ثالثه انهم يصرون رقيقا اذا اسروا # وقال في رواية ابن إبراهيم اذا اسر الروم من اليهود ثم ظهر المسلمون عليهم فانهم لا يتبعونهم وقد وجبت لهم الجزية الا من ارتد منهم عن جزيته فهو بمنزلة المملوك
وهذا هو المشهور من مذهب مالك قال ابن القاسم وغيره من المالكيه اذا خرجوا ناقضين للعهد ومنعوا الجزية وامتنعوا منا من غير ان يظلموا ولحقوا بدار الحرب فقد انتقض عهدهم واذا انتقض عهدهم ثم اسروا فهم فئ ولا يردون إلى ذمتنا # فاوجبوا استرقاقهم ومنعوا ان يعقد لهم الذمة ثانيا كانه جعل خروجهم من الذمة مثل ردة المرتد يمنع اقراره بالجزية لكن هؤلاء لا يسترقون لكون كفرهم اصليا # وقال اصحاب أبي حنيفة من نقض العهد فانه يصير كالمرتد الا انه يجوز استرقاقه والمرتد لا يجوز استرقاقه # فاما ان لم يقدر عليهم حتى بذلوا الجزية وطلبوا العود إلى الذمة فإنه يحوز عقدها لهم لان اصحاب رسول الله عقدوا الذمه لاهل الكتاب من اهل الشام مرة ثانية وثالثة بعد ان نقضوا العهد والقصة في ذلك مشهورة في فتوح الشام وما احسب في هذا خلافا فان مالكا
واصحابه قالوا اذا منعوا الجزية وقاتلوا المسلمين والإمام عدل فانهم يقاتلون حتىا يردوا اليه مع ان المشهور عندهم ان الاسير منهم لا يرد إلى الذمة بل يكون فيئا فاذا كان مالك لا يخالف في هذه المسالة فغيره اولى ان لا يخالف فيها لانه هو الذي اشتهر عنه القول بمنع عود الاسير منهم إلى الذمة # فان بذل هؤلاء العود إلى الذمة فهل يجب قبول ذلك منهم كما يجب قبوله من الحربي الاصلي ان قلنا انه يجب رد الاسير منهم إلى ذمته فهؤلاء اولى وان قلنا لا يجب هناك فيتوجه ان لا يجب هنا ايضا لان بني قينقاع لما نقضوا العهد الذي بينهم وبين النبي ارادوا قتلهم حتى الح عليه عبد الله بن أبي في الشفاعة فيهم فاجلاهم إلى اذرعات ولم يقرهم بالمدينة مع ان القوم كانوا حراصا على المقام بالمدينة بعهد يجددونه وكذلك بنو قريضة لما حاربت ارادوا الصلح والعود إلى الذمة فلم يجبهم النبي حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ وكذلك بنوا النضير لما نقضوا العهد فحاصرهم فانزلهم على الجلاء من المدينة مع انهم كانوا احرص شئ على المقام بدارهم بان يعودوا إلى الذمة وهؤلاء الطوائف كانوا اهل ذمة عاهدوا النبي على ان الدار دار الإسلام يجري فيها حكم الله ورسوله وانه مهما كان بين اهل العهد من المسلمين ومن هؤلاء المعاهدين من حدث فامره إلى النبي هكذا في كتاب الصلح فاذا كانوا نقدوا العهد فبعضا قتل وبعضا اجلا ولم يقبل
منهم ذمة ثانيه مع حرصهم على بذلها علم ان ذلك لا يجب ولا يجوز ان يكون ذلك لكون ارض الحجاز لا يقر فيها اهل دينين ولا يمكن الكفار من المقام بها لان هذا الحكم لم يكن شرع بعد بل قد توفي رسول الله ودرعه مرهونة عند أبي شحمة اليهودي بالمدينة وبالمدينة غيره من اليهود وبخيبر خلائق منهم وهي من الحجاز ولكن عهد النبي في مرضه ان تخرج اليهود والنصارى من جزيرة العرب وان لا يبقى بها دينان فانفذ عهده في خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه
والفرق بين هؤلاء وبين المرتدين ان المرتد اذا عاد إلى الإسلام فقد اتى بالغاية التي يقاتل الناس حتى يصلوا اليها فلا يطلب منه غير ذلك وان ظننا ان باطنه خلاف ظاهره فانا لم نؤمر ان نشق عن قلوب الناس واما هؤلاء فان الكف عنهم انما كان لاجل العهد ومن خفنا منه الخيانة جاز لنا ان ننبذ اليه العهد وان لم يجز نبذ العهد إلى من خفنا منه الردة فاذا نقضوا العهد فقد يكون ذلك امارة على عدم الوفاء وان اجابتهم إلى العهد انما فعلوه خوفا وتقية ومتى قدروا غدروا فيكون هذا الخوف مجوزا لترك معاهدتهم على اخذ الجزية كما كان يجوز نبذ العهد إلى اهل الهدنة بطريق الاولى # وفي هذا دليل على انه لا يجب رد الاسير الناقض للعهد إلى الذمة بطريق الاولى فان النبي اذا لم يردهم إلى الذمة وقد طلبوها ممتنعين فان لا يردهم اليها اذا طلبوها موثقين اولى وقد اسر بني قريضة بعد نقض العهد فقتل مقاتلتهم ولم يردهم إلى العهد ولان الله تعالى قال ^ فمن نكث فانما ينكث على نفسه ^ فلو كان الناكث كلما طلب العهد منا وجب ان نجيبه لم يكن للنكث عقوبة يخافها بل ينكث اذا احب لكن يجوز ان نعيدهم إلى الذمة لان النبي وهب الزبير بن
باطا القرظي لثابت بن قيس بن شماس هو واهله وماله على ان يسكن ارض الحجاز وكان من اسرى بني قريضة الناكثين فعلم جواز اقرارهم في الدار بعد النكث واجلاء بني قينقاع بعد القدرة عليهم إلى اذرعات فعلم جواز المن عليهم بعد النكث واذا جاز المن على الاسير الناكث واقراره في دار الإسلام فالمفاداة به اولى # وسيرة النبي في هؤلاء الناقضين تدل على جواز القتل والمن على ان يقيموا بدار الإسلام وان يذهبوا إلى دار الحرب اذا كانت المصلحة في ذلك وفي ذلك حجة على من اوجب اعادتهم إلى الذمة وعلى من اوجب استرقاقهم # فان قيل انما اوجبنا اعادتهم إلى الذمة لان خروجهم عن الذمة ومفارقتهم لجماعة المسلمين كخروجهم عن الإسلام ومفارقه جماعة المسلمين اذ نقض الامان كنقض الايمان فاذا كان المرتد عن الإسلام لا يقبل منه ما يقبل من الكافر الاصلي بل اما الإسلام او السيف فكذلك المرتد عن العهد لايقبل منه ما يقبل من الحربي الاصلي بل اما
الإسلام او العهد والا فالسيف ولانه قد صارت لهم حرمة العهد المتقدم فمنعت استرقاقهم كما منع استرقاق المرتد حرمة إسلامه المتقدم # وقلنا المرتد بخروجه عن الدين الحق بعد دخوله فيه تغلظ كفره فلم يقر عليه بوجه من الوجوه فتحتم قتله ان لم يسلم عصمه للدين كما تحتم غيره من الحدود حفظا للفروج وغير ذلك ولم يجز استرقاقه لان فيه اقرارا له على الردة لا لتشرفه بدين قد بدله وناقض العهد قد نقض عهده الذي كان يرعى به فزالت حرمته وصار بايدي المسلمين من غير عقد ولا عهد فصار كحربي اسرناه واسوء حالا منه ومثل ذلك لا يجب المن عليه بجزية ولا بغيرها لان الله تعالى امرنا بقتالهم حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون فمن اخذناه قبل ان يعطي الجزية لم يدخل في الاية لانه لا قتال معه بل قد خيرنا الله اذا شددنا الوثاق بين المن والفداء ولم يوجب المن في حق ذمي ولا كتابي ولا ان الاسير قد صار للمسلمين فيه حق بامكان استبعاده والمفاده به فلا يجب عليهم بذل حقهم منه مجانا وجاز قتله لانه كافر لا عهد له وانما هو باذل للعهد في حال لايجب معاهدته وذلك لا يعصم دمه # فان قال من منع من اعادته إلى الذمة وجعله فيئا هذا من على الاسير مجانا وذلك اضاعة لحق المسلمين فلم يجز اتلاف اموالهم
د/احمد
2011-11-13, 11:27 AM
قلنا هذا مبني على انه لا يجوز المن على الاسير والمرضى جوازه كما دل عليه الكتاب والسنة ومدعي النسخ يفتقر إلى دليل # فان قيل خروجه عن العهد موجب للتغليظ عليه فينبغي اما ان يقتل او يسترق كما ان المرتد يغلظ حاله بتعين قتله فاذ جاز في هذا ما يجوز في الحربي الاصلي لم يبق بينهما فرق قلنا اذا جاز استرقاقه جاز اقراره والجزية بالجزية اذا لم يكن المانع حقا لله لانه ليس في ذلك الا فوات ملك رقبته وقد يرى الإمام ان في اقراره بالجزية او في المن عليه والمفادة به مصلحة أكثر من ذلك بخلاف المرتد فانه لا سبيل في استبقائة وبخلاف الوثني اذا جوزنا استرقاقه فان المانع من اقراره بالجزية حق لله وهو دينه وناقض العهد دينه قبل التقض وبعده سواء ونقضه انما يعود ضرره على من يحاربه من المسلمين فكان الراي فيه إلى الامير # فان قيل فهلا حكيتم خلافا انه يتعين قتل هذا الناقض للعهد كما يتعين قتل غيره من الناقضين كما سياتي وقد قال أبو الخطاب اذا حكمنا بنقض عهد الذمي فظاهر كلام الإمام احمد انه يقتل في الحال قال وقال شيخنا يخير الإمام فيه بين اربعة اشياء فاطلق الكلام فيمن نقض العهد مطلقا وتبعه طائفة على الاطلاق ومن قيده قيده
بان ينقضه بما فيه ضرر على المسلمين مثل قتالهم ونحوه فاما ان نقضه بمجرد اللحاق بدار الحرب فهو كالاسير ويؤيد هذا ما رواه عبد الله ابن احمد قال سالت أبي عن قوم نصارى نقضوا العهد وقاتلوا المسلمين قال ارى ان لا تقتل الذرية ولا يسبون ولكن تقتل رجالهم قلت لأبي فان ولد لرجالهم اولاد في دار الحرب قال ارى ان يسبوا اولئك ويقتبوا # قلت لابي فان هرب من الذرية إلى دار الحرب أحد فسياهم المسلمون ترى لهم ان يسترقوا قال الذرية لا يسترقون ولا يقتلون لانهم لم ينقضوا هم انما نقض العهد رجالهم وما ذنب هؤلاء # فقد امر رحمه الله بقتل المقاتله من هؤلاء لمجرد النقض او للنقض والقتال # قلنا قد ذكرنا فيما مضى نص احمد على ان من نقض العهد وقاتل المسلمين فانه يجري عليه ما يجري على اهل الحرب من الاحكام واذا اسر حكم فيه الإمام بما راى
ونص رحمه الله فيمن لحق بدار الحرب على انه يسترق في رواية وعلى ان يعاد إلي ذمته في رواية اخرى فلم يجز ان يقال ظاهر كلامه في هذه الصورة يدل على وجوب قتله مع تصريحه بخلاف ذلك كيف والذين قالوا انما اخوا من كلامه في مسائل شتى ليست هذه الصورة منها على ان أبا الخطاب وغيره لم يذكروا هذه الصورة ولم تدخل في كلامهم اعني صورة اللحاق بدار الحرب وانما ذكروا من نقض العهد بان ترك ما يجب عليه في العهد او فعل ما ينتقض به عهده وهو في قبضة المسلمين # وذكروا ان ظاهر كلام الإمام احمد تعين قتله وهو صحيح ممن فهم من كلامهم عموم الحكم في كل من انتقض عهده فمن فهم ادنى لا من كلامهم ومن ذكر اللحاق بدار الحرب وقتال المسلمين والامتناع من اداء الجزية وغير ذلك في النواقض فانه احتا ج ان يفرق بين الحاق بدار الحرب وبين غيره كما ذكرناه من نصوص الإمام احمد وغيره من الائمة على الناقض الممتنع # والفرق بينهما من لم يوجد منه الا اللحاق بدار الحرب فانه لم يجن جناية فيها ضرر على المسلمين حتى يعاقب عليها بخصوصها وانما ترك العهد الذي بيننا وبينه فصار ككافر لا عهد له كما سياي ان شاء الله تعالى تقريره
ويجب ان يعلم ان من لحق بدار الحرب صار حربيا فما وجد منه من الجنايات بعد ذلك فهي كجنايات الحربي لا يؤخذ بها ان اسلم او عاد إلى الذمة ولذلك قال الخرقي ومن هرب من ذمتنا إلى دار الحرب ناقضا للعهد عاد حربيا وكذلك ايضا اذا امتنعوا بدار الإسلام من الجزية او الحكم ولهم شوكة ومنعة قاتلوا بها عن انفسهم فانهم قد قاتلوا بعد ان انتقض عهدهم وصار حكمهم حكم المحاربين فلا يتعين قتل من استرق منهم بل حكمه إلى الإمام ويجوز استرقاقه كما نص الإمام احمد على هذه الصورة بعينها لان المكان الذي تحيزوا فيه وامتنعوا بمنزلة دار الحرب ولم يجنوا على المسلمين جناية ابتدؤوا بها للمسلمين وانما قاتلوا عن انفسهم بعد ان تحيزوا وامتنعوا وعلم انهم محاربون فمن قال من اصحابنا ان من قاتل المسلمين يتعين قتله ومن لحق بدار الحرب خير الإمام فيه فانما ذاك اذا قاتلهم ابتداء قبل ان يظهر نقض العهد ويظهر الامتناع بان يعين اهل الحرب على قتال المسلمين ونحو ذلك فاما ان قاتل بعد ان صار في شوكة ومنعة يمتنع بها عن اراء الجزية فانه يصير كالحربي سواء كما تقدم ولهذا قلنا على الصحيح ان المرتدين اذا اتلفوا دما او مالا بعد الامتناع لم يضمنوه وما اتلفوه قبل
الامتناع ضمنوه وسياتي ان شاء الله تعالى تمام الكلام في الفرق # واما ما ذكره الإمام احمد في رواية عبد الله فانما اراد به الفرق بين الرجال والذرية ليتبين ان الذرية لايجوز قتلهم وان الرجال يقتلون كما يقتل اهل الحرب ولهذا قال في الذرية الذين ولدوا بعد نقض العهد يسبون ويقتلون وانما اراد انهم يسبون اذا كانوا صغارا ويقتلون اذا كانوا رجالا اي يجوز قتلهم كاهل الحرب الاصليين ولم يرد ان القتل يتعين لهم فانه على خلاف الاجماع والله اعلم # القسم الثاني اذا لم يكن ممتنعا عن حكم الإمام فمذهب أبي حنيفه ان مثل هذا لا يكون ناقضا للعهد ولا ينتقض عهد اهل الذمة عنده الا ان يكونوا اهل شوكة ومنعه فيمتنعوا بذلك على الإمام ولا يمكنه اجراء احكامنا عليهم او يلحقوا بدار الحرب لانهم اذا لم يكونوا ممتنعين امكن الإمام ان يقيم عليهم الحدود ويستوفي منهم الحقوق فلا يخرجون بذلك عن العصمة الثابته كمن خرج عن طاعة الإمام من اهل البغي ولم يكن له شوكة # وقال الإمام مالك لا ينتقض عهدهم الا ان يخرجوا ناقضين للعهد ومنعا للجزية وامتنعوا منا من غير ان يظلموا او يلحقوا بدار الحرب فقد انتقض عهدهم ولكن يقتل عنده الساب والمستكره للمسلمة على الزنى وغيرهما
واما مذهب الإمام الشافعي والإمام احمد فانهم قسموا الامور المتعلقة بذلك قسمين # احدهما يجب عليهم فعله # والثاني يجب عليهم تركه # فاما الاول فانهم قالوا اذا امتنع الذمي مما يجب عليه فعله وهو اداء الجزية او جريان احكام الملة عليه اذا حكم بها حاكم المسلمين انتقض العهد بلا تردد # قال الإمام احمد في الذي يمنع الجزية ان كان واجدا اكره عليها واخذت منه وان لم يعطها ضربت عنقه وذلك لان الله امرنا بقتالهم إلى ان يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون والاعطاء له مبتدا وتمام فمبتدؤه الالتزام والضمان ومنتهاه الاداء والاعطاء ومن الصغار جريان احكام المسلمين عليهم فمتى لم يتم اعطاء الجزية او اعطوها وليسوا بصاغرين فقد زالت الغاية التي امرنا بقتالهم اليها فيعود القتال ولان حقن دماؤهم انما ثبت ببذل الجزية والتزام جريان احكام الإسلام عليهم فمتى امتنعوا منه واتوا بضده صاروا كالمسلم الذي ثبت حقن دمه بالإسلام اذا امتنع منه واتى بكلمة الكفر
وعلى ماذكره الإمام احمد فلا بد ان يمتنع من ذلك على وجه لايمكن استيفاؤه منه مثل ان يمتنع من حق بدني لايمكن فعله ونيابة عنه فيه دائما او يمتنع من اداء الجزية ويعيب ماله كما قلنا في المسلم اذا امتنع من الصلاة اوالزكاة فاما ان قاتل الإمام على ذلك فذلك هو الغاية في انتقاض العهد كمن قاتل على ترك الصلاة او الزكاة # واما القسم الثاني وهو مايجب عليهم تركه فنوعان # احدهما ما فيه ضرر على المسلمين # والثاني مالا فيه ضرر عليهم والاول قسمان ايضا # احدهما مافيه ضرر على المسلمين في انفسهم واموالهم مثل ان يقتل مسلما او يقطع الطريق على المسلمين او يعين على قتال المسلمين او يتجسس للعدو بمكاتبه او كلام او ايواء عين من عيونهم او يزني بمسلمة اويصيبها باسم نكاح # والقسم الثاني مافيه اذى وغضاضة عليهم مثل ان يذكر الله او كتابه او رسوله او دينه بالسوء # والنوع الثاني مالا ضرر عليهم فيه مثل اظهار اصواتهم بشعائر دينهم من الناقوس والكتاب ونحو ذلك ومثل مشابهة المسلمين
في هياتهم ونحو ذلك قد تقدم القول في انتقاض العهد بكل واحد من هذه الاقسام # فاذا نقض الذمي العهد ببعضها وهو في قبضة الإمام مثل ان يزني بمسلمة او يتجسس للكفار فالمنصوص عن الإمام احمد انه يقتل قال في رواية حنبل كل من نقض العهد واحدث في الإسلام حدثا مثل هذا يعني مثل سب النبي رايت عليه القتل ليس على هذا اعطوا العهد والذمة # فقد نص على ان من نقض العهد واتى بمفسدة مما ينقض العهد قتل عينا وقد تقدمت نصوصه ان من لم يوجد منه الانقض العهد بالامتناع فانه كالحربي # وقال في مواضع متعدده في ذمي فجر بامراة مسلمة يقتل ليس على هذا صولحوا والمراة ان كانت طاوعته اقيم عليها الحد وان كان استكرهها فلا شئ عليها # وقال في يهودي زنى بمسلمة يقتل لان عمر رضي الله عنه اتى بيهودي نخس بمسلمة ثم غشيها فقتله فالزنى اشد من نقض
العهد قيل فعبد نصراني زنى بسلمة قال يقتل ايضا وان كان عبدا # وقال في مجوسي فجر بمسلمة يقتل هذا نقض العهد وكذلك ان كان من اهل الكتاب يقتل ايضا قد صلب عمر رجلا من اليهود فجر بمسلمة هذا نقض العهد فقيل له ترى عليه الصلب مع القتل قال ان ذهب رجل إلى حديث عمر كانه لم يعب عليه # وقال مهنا سالت احمد عن يهودي او نصراني فجر بامراة مسلمة ما يصنع به قال يقتل فاعدت عليه قال يقتل قلت ان الناس يقولون غير هذا قال كيف يقولن فقلت يقولون عليه الحد قال لا ولكن يقتل قلت له في هذا شيء قال نعم عن عمر انه امر بقتله # وقال في رواية جماعة من اصحابه في ذمي فجر بمسلمة يقتل قيل فان اسلم قال يقتل هذا قد وجب عليه
فقد نص رحمه الله على وجوب قتله بكل حال سواء كان محصنا او غير محصن وان القتل واجب عليه وان اسلم وانه لا يقام عليه حد الزنى الذي يفرق فيه بين المحصن وغير المحصن واتبع ذلك ما رواه خالد الحذاء عن ابن اشوع عن الشعبي عن عوف بن مالك ان رجلا نخس بامراة فتجللها فامر به عمر فقتل وصلب ورواه المروزي عن المجالد عن الشعبي عن سويد بن غفلة ان رجلا من
اهل الذمة نخس بامراة من المسلمين بالشام وهي على الحمار فصرعها والقى نفسه عليها فراه عوف بن مالك فضربه فشجه فانطلق إلى عمر يشكو عوفا فاتى عوف عمر فحدثه حديثه فارسل إلى المراة فسالها فصدقت عوفا فقال اخوتها قد شهدت اختنا فامر به عمر فصلب قال فكان أول مصلوب في الإسلام ثم قال عمر ايها الناس اتقوا الله في ذمة محمد ولا تظلموهم فمن فعل هذا فلا ذمة له # وروى سيف في الفتوح هذه القصة عن عوف بن مالك مبسوطة وذكر فيها ان الحمار صرع المراة وان النبطي ارادها فامتنعت واستغاثت قال عوف فاخذت عصاي فمشيت في اثره فادركته فضربت راسه ضربة واعجز فرجعتالى منزلي وفيه فقال للنبطي اصدقني فاخبره # وقال الإمام احمد ايضا في الجاسوس اذا كان ذميا قد نقض العهديقتل وقال في الراهب لا يقتل ولا يؤذى ولا يسال عن شيء الا ان يعلم منه انه يدل على عورات المسلمين ويخبرعن امرهم عدوهم فيستحل حينئذ دمه # وقد نص الإمام احمد على انه من نقض العهد بسب الله أو رسوله فانه يقتل
ثم اختلف اصحابنا بعد ذلك فقال القاضي واكثر اصحابه مثل ابنه أبي الحسين والشريف أبي جعفر وابي المواهب العكبري وابن عقيل وغيره وطوائف بعدهم ان من نقض العهد بهذه الاشياء وغيرها فحكمه كحكم الاسير يخير الإمام فيه كما يخير بالاسير بين القتل والمن والاسترقاق والفداء وعليه ان يختار من الاربعة ما هو اصلح للمسلمين قال القاضي في المجرد اذا قلنا قد انتقض عهده فانا نستوفي منه الحقوق والقتل والحد والتعزي ر لان عقد الذمة على ان تجري احكامنا عليه وهذه احكامنا فاذا استوفينا منه فالإمام مخير فيه بين القتل والاسترقاق ولا يرد إلى مامنه لانه بفعل هذه الاشياء قد نقض العهد واذا نقض عاد بمعناه الاول فكأنه رجل نصراني بدار الإسلام # ثم ان القاضي في الخلاف قال حكم ناقض العهد حكم الاسير الحربي يتخير الإمام فيه بين اربعة اشياء القتل والاسترقاق والمن والفداء لان الإمام احمد قد نص في الاسير على الخيار بين اربعة اشياء وحكم هذا حكم الاسير لانه كافر حصل في ايدينا بغير امان قال
ويحمل كلام الإمام احمد على القتل اذا راه الإمام صالحا واستثنى في الخلاف وهو الذي صنفه اخرا في ساب النبي خاصة قال فانه لا تقبل توبته ويتحتم قتله ولا يخير الإمام في قتله وتركه لان قذف النبي حق لميت فلا يسقط بالتوبة كقذف الادمي # وقد يستدل لهؤلاء من المذهب بعموم كلام الإمام احمد وتعليله حيث قال في قوم من اهل العهد نقضوا العهد وخرجوا بالذرية إلى دار الحرب فبعث في طلبهم فلحقوهم فحاربوهم قال اذا نقضوا العهد فمن كان منهم بالغا فيجري عليه ما يجري على اهل الحرب من الاحكام اذا اسروا فامرهم إلى الإمام يحكم فيهم بما يراى وعلى هذا القول فللإمام ان يعيدهم إلى الذمة اذا راى المصلحة في ذلك كما له مثل ذلك في الاسير الحربي الاصلي # وهذا القول في الجملة هو الصحيح من قولي الإمام الشافعي والقول الاخر للشافعي ان من نقض العهد من هؤلاء يرد إلى مامنه ثم من اصحابه من استثنى سب النبي خاصة فجعله موجبا للقتل حتما دون غيره ومنهم من عمم الحكم هذا هو الذي ذكره اصحابه
واما لفظه فانه قال في الام اذا اراد الإمام ان يكتب كتاب صلح على الجزية كتب وذكر الشروط إلى ان قال وعلى ان احدا منكم ان ذكر محمدا او كتاب الله او دينه بما لا ينبغي ان يذكره به فقد برئت منه ذمة الله ثم ذمة امير المؤمنين وجميع المسلمين ونقض ما اعطي من الإمام وحل لامير المؤمنين ماله ودمه كما تحمل اموال اهل الحرب ودمائهم وعلى ان احدا من رجالهم ان اصاب مسلمة بزنى او اسم نكاح او قطع الطريق على مسلم او فتن مسلما عن دينه او اعان المحاربين على المسلمين بقتال او دلالة على عورات المسلمين او ايواء لعيونهم فقد نقض عهده واحل دمه وماله وان نال مسلما بما دون هذا في ماله او عرضه لزمه فيه الحكم # ثم قال فهذه الشروط اللازمه ان رضيها فان لم يرضها فلا عقد له ولا جزية # ثم قال وايهم قال او فعل شيئا مما وصفته نقضا للعهد واسلم لم يقتل اذا كان ذلك قولا وكذلك اذا كان فعلا لم يقتل الا ان يكون في دين المسلمين ان من فعله قتل حدا او قصاصا فيقتل بحد او قصاص لا نقد عهد وان فعل مما وصفنا وشرط انه نقض لعهد الذمة فلم يسلم ولكنه قال اتوب واعطي الجزية كما كنت اعطيها او على صلح اجدده
عوقب ولم يقتل الا ان يكون فعل فعلا يوجب القصاص او الحد اما ما دون هذا من الفعل او القول فكل قول فيعاقب عليه ولا يقتل # قال فان فعل او قال ماوصفنا وشرط انه يحل دمه فظفر به فامتنع من ان يقول اسلم او اعطي جزية قتل واخذ ماله فيئا وهذا اللفظ يعطي وجوب قتله اذا امتنع من الإسلام والعوده إلى الذمة # وسلك أبو الخطاب في الهداية والحلواني وكثير من متاخري اصحابنا مسلك المتقدمين في اقرار نصوص الإمام احمد بحالها وهو الصواب فان الإمام احمد قد نص على القتل عينا فيمن زنى بمسلمة حتى بعد الإسلام وجعل هذا اشد من نقض العهد باللحاق بدار الحرب ثم انه نص هناك على ان الامر إلى الإمام كالاسير ونص هنا على ان على الإمام ان يقتل ولا يخفي لمن تامل نصوصه ان القول بالتخيير مطلقا مخالف لها # واما أبو حنيفه فلا تجئ هذه المسالة على اصوله لانه لا ينتقض عهد اهل الذمة عنده الا ان يكونوا اهل شوكة ومنعه فيمتنعون بذلك على الإمام ولا يمكنه اجراء احكامنا عليهم
ومذهب مالك لا ينتقض عهدهم الا ان يخرجوا ممتنعين منا ما نعين للجزية من غير ظلم او يلحقوا بدار الحرب لكن ماللكا يوجب قتل ساب الرسول عينا ونحوه وقال اذا استكره الذمي مسلمة على الزنى قتل ان كانت حره وان كانت امه عوقب العقوبة الشديده فمذهبه ايجاب القتل لبعض اهل الذمة الذين يفعلون ما فيه ضرر على المسلمين فمن قال انه يرد إلى مامنه قال لانه حصل في دار الإسلام بامان فلم يجز قتله حتى يرد إلى مامنه كما لو دخلها بامان صبي وهذا ضعيف جدا لان الله تعالى قال في كتابه ^ وان نكثوا ايمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا ائمة الكفر انهم لا ايمان لهم لعلهم ينتهون الا تقاتلون قوما نكثوا ايمانهم ^ الاية فهذه الاية وان كانت نزلت في اهل الهدنه فعمومها لفظا ومعنى يتناول كل ذي عهد على ما لا يخفى وقد امر سبحانه بالمقاتلة حيث وجدناهم فعم ذلك فامنهم وغير فامنه ولئن الله امر بقتالهم حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون فمتى لم يعطوا الجزية او لم يكونوا صاغرين جاز قتالهم من غير شرط على معنى الاية ولانه قد
ثبت ان النبي امر بقتل من راوه من رجال يهود صبيحة قتل ابن الاشرف وكانوا معه معاهدين ولم يامر بردهم إلى مامنهم وكذلك لما نقضت بنو قينقاع العهد قاتلهم ولم يردهم إلى مامنهم ولما نقضت بنو قريضه العهد قاتلهم واسرهم وقتلهم ولم يبلغهم مامنهم وكذلك كعب بن الاشرف نفسه امر بقتله غيلة ولم يشعره انه يريد قتله فضلا عن ان يبلغه مامنه وكذلك بنو النضير اجلاهم على ان لا ينقلوا الا ماحملته الابل الا الحلقة وليس هذا بابلاغ للمامن لان من ابلغ مامنه يؤمن على نفسه واهله وماله حتى يبلغ مامنه وكذلك سلام ابن أبي الحقيق وغيره من يهود لما نقضوا العهد قتلهم نوبة خبير ولم يبلغهم مامنهم ولانه قد ثبت ان اصحاب رسول الله عمر وابا عبيده ومعاذ ابن جبل وعوف بن مالك قتلوا النصراني الذي اراد ان يفجر بالمسلمة وصلبوه ولم ينكره منكر فصار اجماعا ولم يردوه إلى مامنه ولان في شروط عمر التي شرطها على النصارى فان نحن خالفا عن شيء شرطناه لكم وظمناه على انفسنا فلا ذمة لنا وقد حل لكم منا ما حل لاهل المعاندة والشقاق رواه حرب باسناد صحيح وقد تقدم عن عمر وغيره من الصحابة مثل ابن بكر وعمر وابن عباس وخالد بن الوليد وغيرهم رضوان الله عليهم انهم قتلوا وامروا بقتل ناقض العهد ولم يبلغوه مامنه ولئن دمه كان مباحا وان عصمته الذمة فمتى ارتفعت الذمة
بقي على الاباحه ولان الكافر لو دخل دار الإسلام بغير امان وحصل في ايدينا جاز قتله فالذي نقض العهد اولى ان يجوز قتله في دارنا واما من دخل بامان صبي فانما ذاك لانه يعتقد انه مستامن فصارت له شبهة امان وذلك يمنع قتله كمن وطء فرجا يعتقد انه حلال لاحد عليه وكذلك لا ينسب في دخوله دار الإسلام إلى تفريط واما هذا فانه ليس له امان ولا شبهة امان لان مجرد حصوله في الدار ليس بشبهة امان بالاتفاق بل هو مقدم على ما ينتقض به العهد مفرط في ذلك عالم انا لم نصالحه على ذلك فاي عذر له في حقن دمه حتى يلحقه بمامنه # نعم لو فعل من نواقض العهد ما لم يعلم انه بضرنا مثل ان يذكر الله تعالى او كتابه بشئ يحسبه جائزا عندنا كان معذورا بذلك فلا ينقض عهده كما تقدم مالم يتقدم اليه كما فعل عمر بقسطنتين النصراني # واما من قال انه كالاسير الحربي اذا حصل في ايدينا فقال لانه كافر حلال الدم حصل في ايدينا وكل من كان كذلك فانه ماسور
فلنا ان نقتله كما قتل النبي عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث ولنا ان نمن عليه كما من النبي على ثمامه بن اثال الحنفي وعلى أبي عزة الجمحي ولنا ان نفادي به كما فادى النبي بعقيل وغيره ولنا ان نسترقه كما استرق المسلمون خلقا من الاسرى مثل أبي لؤلؤة قاتل عمر ومماليك العباس وغيرهم اما قتل الاسير واسترقاقه فما اعلم فيه خلافا لكن قد اختلف العلماء في المن عليه والمفادة هل هو باق او منسوخ على ما هو معروف في مواضعه وهذا لانه اذا نقض العهد عاد كما كان والحربي الذي لا عهد له اذا قدر عليه جاز قتله واسترقاقه ولانه ناقض للعهد فجاز قتله واسترقاقه كاللاحق بدار الحرب والمحارب في طائفة ممتنعه اذا اسر بل هذا اولى لان نقض العهد بذلك
متفق عليه فهو اغلظ فاذا جاز ان يحكم فيه بحكم الاسير ففي هذا اولى # نعم اذا انتقض العهد بفعل له عقوبة تخصه مثل ان يقتل مسلما او يقطع الطريق عليه ونحو ذلك اقيمت عليه تلك العقوبة سواء كانت قتلا او جلدا ثم ان بقي حيا بعد اقامة حد تلك الجريمة عليه صار كالكافر الحربي الذي لاحد عليه # ومن فرق بين سب رسول الله وبين سائر النواقض قال لان هذا حق لرسول الله وهو لم يعف عنه فلا يجوز اسقاطه بالاسترقاق ولا بالتوبه كسب غير رسول اله وسياتي ان شاء الله تحرير ماخذ السب # واما من قال انه يتعين قتله اذا نقضه بما فيه مضرة على المسلمين دون ما اذا لم يوجد منه الا مجرد اللحاق بدار الحرب والامتناع عن المسلمين فلئن الله تعالى قال ^ وان نكثوا ايمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلو ائمة الكفر انهم لا ايمان لهم لعلهم ينتهون الا تقاتلون قوما نكثوا ايمانهم وهموا باخراج الرسول وهم بدءوكم أول مره ^ إلى قوله ^ قاتلوهم يعذبهم الله بايديكم
ويخزهم وينصركم عليهم ويشفي صدور قوم المؤمنين ^ فاوجب سبحانه قتال الذين نكثوا العهد وطعنوا في الدين ومعلوم ان مجرد نكث العهد موجب للقتال الذي كان واجبا قبل العهد واوكد فلابد ان يفيد هذا زيادة توكيد وما ذاك الا لان الكافر الذي ليس بمعاهد يجوز الكف عنى قتاله اذا اقتضت المصلحه ذلك إلى وقت فيجوز استبقائه بخلاف هذا الذي نقض وطعن فانه يجب قتاله من غير استتابه وكل طائفة وجب قتالها من غير استيناء لفعل يبيح دم احادها فانه يجب قتل الواحد منهم اذا فعله وهو في ايدينا كالردة والقتل في المحاربة والزنى ونحو ذلك بخلاف البغي فانه لايبيح دم الطائفة الا اذا كانت ممتنعة وبخلاف الكفر الذي لاعهد معه فانه يجوز الاستيناء بقتل اصحابه بالجمله وقوله سبحانه يعذبهم الله بايديكم ويخزهم دليل على ان الله تعالى يريد الانتقام منهم وذلك لايحصل من الواحد الا اذا قتل ولا يحصل ان من عليه او فودي به او استرق # نعم دلت الاية على ان الطائفة الناقضه الممتنعة يجوز ان يتوب الله على من يشاء منها بعد ان يعذبها ويخزيها بالغلبة لان ما حاق بهم من العذاب والخزي يكفي في ردعهم وردع امثالهم عما فعلوه من النقض والطعن اما الواحد فلو لم يقتل بل من عليه لم يكن هناك رادع قوي عن قوله فعله
د/احمد
2011-11-13, 11:29 AM
وايضا فان النبي لما سبا بني قريضه قتل المقاتله واسترق الذرية الا امراة واحده كانت قد القت رحى من فوق الحصن على رجل من المسلمين فقتلها لذلك وحديثها مع عائشه رضي الله عنها معروف ففرق بين من اقتصر على نقض العهد وبين من اذى المسلمين مع ذلك وكان لا يبلغه عن أحد من المعاهدين انه اذى المسلمين الا ندب إلى قتله وقد اجلى كثير ومن على كثير ممن نقض العهد فقط # وايضا فان اصحاب رسول الله عاهدوا اهل الشام من الكفار ثم نقضوا العهد فقاتلوهم ثم عاهدوهم مرتين او ثلاث وكذلك مع اهل مصر ومع هذا فلم يظفروا بمعاهد اذى المسلمين بطعن في الدين او زني بمسلمة ونحو ذلك الا قتلوه وامر بقتل هؤلاء الاجناس عينا من غير تخير فعلم انهم فرقوا بين النوعين # وايضا فان النبي امر بقتل مقيس بن صبابه وعبد الله بن خطل ونحوهما مما ارتد وجمع إلى ردته قتل مسلم ونحوه من الضرر ومع هذا فقد ارتد في عهد أبي بكر رضي الله عنه خلق كثير وقتلوا من المسلمين عددا بعد الامتناع مثل ما قتل طليحه
الاسدي عكاشه بن محصن وغيره ولم يؤخذ أحد منهم بقصاص بعد ذلك فاذا كان المرتد يؤخذ بما اصابه قبل الامتناع من الجنايات ولا يؤخذ بما فعله بعد الامتناع فكذلك الناقض للعهد لان مكيهما خرج عما عصم به دمه هذا نقض ايمانه وهذا نقض امانه وان كان في هذا خلاف بين الفقهاء في المذهب وغيره فانما قسنا على اصل ثبت بالسنة واجماع الصحابه نعم المرتد اذا عاد إلى الإسلام عصم دمه الا من حد يقتل بمثله المسلم والمعاهد يقتل على ما فعله من الجنايات المضره بالمسلمين لانه يصير مباحا بالنقض ولم يعد إلى شئ يعصم دمه فيصير كحربي تغلظ قتله يبين ذلك ان الحربي على عهد رسول كان اذا اذى المسلمين وضرهم قتله عقوبه له على ذلك ولم يمن عليه بعد القدرة عليه فهذا الذي نقض عهده بضرر الممسلمين اولى بذلك الا ترى انه لما من على أبي عزه الجمحي وعاهده ان لا يعين عليه فغدر به ثم قدر
عليه بعد ذلك وطلب ان يمن عليه فقال لا تسمح سبلاتك بمكه وتقول سخرت بمحمد مرتين ثم قال لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين فلما نقض يمينه منعه ذلك من المن عليه لانه ضر بعد ان كان عاهده على ترك ضراره فكذلك من عاهد من اهل الذمه انه لايؤذي المسلمين ثم اذاهم لو اطلقوا للدغوا من جحر واحد مرتين ولمسح المشرك سبلاته وقال سخرت بهم مرتين
وايضا فلانه اذا لحق بدار الحرب وامتنع لم يضر المسلمين وانما ابطل العقد الذي بينهم وبينه فصار كحربي اصلي اما اذا فعل ما يضر بالمسلمين من مقاتله او زنى بمسلمه او قطع الطريق او جس او نحو ذلك فانه يتعين قتله لانه لو لم يقتل لخلن هذا المفاسد عن العقوبة عليها وتعطلت حدود هذه الجرائم ومثل هذه الجرائم لا يجوز العفو عن عقوبتها في حق المسلم فلئن لا يجوز العفو عن عقوبتها في حق الذمي اولى واحرى ولا يجوز ان يقام عليه حدها منذرا كما يقام على من بقيت ذمته الحد لان صاحبها صار حربيا والحربي لايقم عليه الا القتل فتعين قتله وصار هذا كالاسير اقتضت المصلحه قتله لعلمنا انه متى افلت كان فيه ضرر على المسلمين أكثر من ضرر قتله فانه لا يجوز المن عليه ولا المفاداه به اتفاقا ولئن الواجب في مثل هذا اما القتل او المن او الاسترقاق او الفداء فأما الاسترقاق فانه ابقى له على ذمته بنحو مما كان فانه كان تحت ذمتنا ناخذ منه الجزية بمنزلة العبد ولهذا قال بعض الصحابه لعمر في مسلم قتل ذميا اتقيد عبدك من اخيك بل ربما كان استبعاده انفع له من جعله ذميا واستبعاد مثل هذا لا تؤمن عاقبته وسوء مغبته واما المن عليه والمفادة به فابلغ في المفسدة واعادته إلى الذمة ترك لعقوبته بالكلية فتعين قتله
يوضح ذلك ان على هذا التقرير لا نعاقبه اذا عاد إلى الذمة الا بما يعاقب به المسلم او الباقي على ذمته وهذا في الحقيقة يؤول إلى قول من يقول ان العهد لا ينتقض بهذه الاشياء فلا معنى لجعل هذه الاشياء ناقضه للعهد وايجاب اعادة اصحابها إلى العهد وان لا يعاقبوا اذا عادوا الا بما يعاقب به المسلم # ويؤيد ذلك ان هذه الجرائم اذا رفعت العهد وفسخته فلئن تمنع ابتداء بطريق الاولى لان الدوام اقوى من الابتداء الا ترى ان العدة والردة تمنع ابتداء عقد النكاح دون دوامه فاذ كان وجود هذه المضرات يمنع دوام العقد فمنعه ابتدائه اولى واحرى واذا لم يجز ابتداء عقد الذمه فلان لايجوز المن عليه اولى ولأن الله تعالى امر بقتل جميع المشركين الا ان المشدود وثاقه من المحاربين جعل لنا ان نعامله بما نراى والخارج عن العهد وليس بمنزلة الذي لم يدخل فيها كما ان الخارج عن الدين ليس بمنزلة الذي لم يدخل فيه فان الذي لم يدخل فيه باق على حاله والذي خرج من الايمان والامان قد احدث فسادا فلا يلزم من
احتمال الفساد الباقي المستصحب احتمال الفساد المحدث المتجدد لان الدوام اقوى من الابتداء # يبين ذلك ان كل اسير كان يؤذي المسلمين مع كفره فان النبي قتله مثل النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط ومثل أبي عزة الجمحي في المرة الثانية # وايضا فانه اذا امتنع بطائفة او بدار الحرب كان ما يتوفى من ضرره متعلقا بعزة ومنعته كالحربي الاصلي فاذا زالت المنعة باسره لم يبق منه ما يبقى الا من جهة كونه كافرا فقط فلا فرق بينه وبين غيره اما اذا ضر المسلمين واذاهم بين ظهرانيهم او تمرد عليهم بالامتناع مما او جبته الذمة عليه كان ضرره بنفسه من غير طائفة تمنعه وتنصره فيجب ازهاق نفسه التي لا عصمة لها وهي منشا الضرر وينبوع الاذى للمسلمين الا ترى ان الممتنع ليس فيما فعله اغراء للاحاد غير ذوي المنعة بخلاف الواحد فان فيما يفعله فتح باب الشر فان لم يعاقب فعل ذلك غيره وغيره ولا عقوبة لمن لا عهد له من الكفار الا السيف # وايضا فان الممتنع منهم قد امرنا بقتاله إلى ان يعطي الجزية عن يد وهو صاغر وامرنا بقتاله حتى اذا اثخناه فشد الوثاق فكل اية فيها ذكر القتال دخل فيها فينتظمه حكم غيره من الكفار الممتنعين ويجوز انشاء عقد ثان لهم واسترقاقهم ونحو ذلك اما من فعل جناية انتقض بها عهده وهو في ايدينا فلم يدخل في هذه العمومات لانه لا يقاتل وانما يقتل اذ القتال للممتنع واذا كان اخذ الجزية والمن والفداء انما هو لمن
قوتل هذا لم يقاتل فيبقى داخلا في قوله ^ فاقتلوا المشركين ^ غير داخل في اية الجزية والفداء # وايضا فان الممتنع يصير بمنزلة الحربي والحربي تندرج جميع سيئاته تحت الحراب بحيث لو اسلم لم يؤخذ بضمان شئ من ذلك بخلاف الذي في ايدينا وذلك لانه ما دام تحت ايدينا في ذمتنا فانه لا تاويل له في ضرر المسلمين وايذائهم اما اللحاق بدار الحرب فقد يكون له معه شبهة في دينه يرى انه اذا تمكن من الهرب هرب لا سيما وبعض فقهائنا يبيح له ذلك فاذا فعل ذلك بتاويل كان بمنزلة ما يتلفه اهل البغي والعدل حال القتال لاضمان فيه وما اتلفوه في غير حال الحرب ضمنته كل طائفة للاخرى فليس حال من تاول فيما فعله من النقض كحال من لم يتاول # وايضا فان ما يفعله بالمسلمين من الضرر الذي ينتقض به عهده لابد له من عقوبة لانه يجوز اخلاء الجرائم التي تدعوا اليها الطباع من عقوبة زاجرة وشرع الزواج شاهد لذلك ثم لا يخلو اما ان تكون عقوبته من جنس عقوبة من يفعل ذلك من مسلم وذمي باقية ذمته او دون ذلك او فوق ذلك والاول باطل لانه يلزم ان يكون عقوبة المعصوم والمباح سواء ولان الذي نقض العهد يستحق العقوبة على كفره
وعلى ما فعله من الضرر الذي نقض به العهد وانما اخرت عقوبة الكفر لاجل العهد فاذا ارتفع العهد استحق العقوبة على الامرين وبهذا يظهر الفرق بينه وبين من فعل ذلك وهو معصوم وبين مباح دمه لم يفعل ذلك لان هذه المعاصي اذا فعلها المسلم فانها منجبرة بما يلتزمه من نصر المسلمين ومنفعتهم وموالاتهم فلم يتمحض مضرا للمسلمين لان فيه منفعة ومضرة وخيرا وشرا بخلاف الذمي فانه اذا ضر المسلمين تمحض ضررا لزوال العهد الذي هو مظنة منفعته ووجود هذه الامور المضرة واذا لم يجز ان يعاقب بما يعاقب به المسلم فان لا يعاقب بما هو دونه اولى واحرى فوجب ان يعاقب بما هو فوق عقوبة المسلم ثم المسلم عقوبته تحتم قتله اذا فعل مثل هذه الاشياء فتحتم عقوبة ناقض العهد اولى لكن يختلفان في جنس العقوبة فهذا عقوبته القتل فيجب ان يتحتم وذلك عقوبته تارة القتل وتارة القطع وتارة الرجم او الجلد
فصل # اذا تلخصت هذه القاعدة فيمن نقض العهد على العموم فنقول شاتم رسول الله يتعين قتله كما ثققد نص عليه الائمة # اما على قول من يقول يتعين قتل كل من نقض العهد وهو في ايدينا او يتعين قتل كل من نقض العهد بما فيه ضرر على المسلمين واذى
لهم كما ذكرناه في مذهب الإمام احمد وكما دل عليه كلام الشافعي الذي نقلناه او نقول يتعين قتل من نقض العهد بسب الرسول وحده كما ذكره القاضي أبو يعلي وغيره من اصحابنا وكما ذكره طائفة من اصحاب الشافعي وكما نص عليه عامة الذين ذكروه في نواقض العهد وذكروا ان الإمام يتخير فيمن نقض العهد على سبيل الاجمال فانهم ذكروا في مواضع اخر انه يقتل من غير تخيير فظاهر # واما على قول من يقول ان كل ناقض للعهد فان الإمام يتخير فيه كالاسير فقد ذكرنا انهم قالوا انه يستوفي منه الحقوق كالقتل والحد والتعزير لان عقد الذمة على ان تجري احكامنا عليه وهذه احكامنا ثم اذا استوفينا منه ذلك فالإمام مخير فيه كالاسير وعلى هذا القول فيمكنهم ان يقولوا انه يقتل لان سب رسول الله موجب للقتل حدا من الحدود كما لو نقض العهد بزنى او قطع طريق فانه يقام عليه حد ذلك فيقتل ان اوجب القتل بل قد يقتل الذمي حدا من الحدود وان لم ينتقض عهده كما لو قتل ذميا اخر او زنى بذمية فانه يستوفي منه القود وحد الزنى وعهده باق ومذهب مالك يمكن ان يوجه على هذا الماخذ ان كان فيهم من يقول لم ينتقض عهده
وبالجملة فالقول بان الإمام يتخير في هذا انما يدل عليه عموم كلام بعض الفقهاء او إطلاقه وكذلك القول بانه يلحق بمامنه واخذ مذاهب الفقهاء من الاطلاقات من غير مراجعة لما فسروا به كلامهم وما تقتضيه اصولهم يجر إلى مذاهب قبيحة فان تقرر في هذا خلاف فهو ضعيف نقلا لما قدمناه وتوجيها لما سنذكره # والدليل على انه يتعين قتله ولا يجوز استرقاقه ولا المن عليه ولا المفاداة به من طريقين # احدهما ما تقدم من الادلة على وجوب قتل ناقض العهد اذا نقضه بما فيه ضرر على المسلمين مطلقا # الثاني ما يخصه وهو من وجوه # احدها ما تقدم من الايات الدالة على وجوب قتل الطاعن في الدين # الثاني حديث الرجل الذي قتل المراة اليهودية على عهد رسول الله واهدر النبي دمها وقد تقدم من حديث على بن أبي طالب وابن عباس فلو كان سب النبي يرفع العهد فقط ولا يوجب القتل لكانت هذه المراة بمنزلة كافرة اسيرة وبمنزلة كافرة دخلت إلى دار الإسلام ولا عهد لها ومعلوم انه لا يجوز قتلها وانها تصير رقيقة للمسلمين
بالسبي وهذه المراة المقتولة كانت رقيقة والمسلم اذا كانت له امة كافرة حربية لم يجز له ولا لغيره قتلها لمجرد كونها حربية بل تكون ملكا لسيدها ترد عليه اذا اخذها المسلمون ولا نعلم بين المسلمين خلافا ان المراة لا يجوز قتلها لمجرد الكفر اذا لم تكن معاهدة كما يقتل الرجل لذلك ولا نعلم ايضا خلافا في ان المراة اذا ثبت في حقها حكم نقض العهد فقط مثل ان تكون من اهل الهدنة وقد نقضوا العهد فانه لا يجوز قتل نسائهم واولادهم بل تسترق النساء والاولاد وكذلك الذمي اذا نقض العهد ولحق بدار الحرب فمن ولد له بعض نقض العهد لم يجز قتل النساء منهم والاطفال بل يكونون رقيقا للمسلمين وكذلك اهل الذمة اذا امتنعوا بدار الحرب ونحوها # فمن الفقهاء من قال العهد باق في ذريتهم ونسائهم كما هو المعروف عن الإمام احمد وقال اكثرهم ينتقض العهد في الذرية والنساء ايضا ثم لايختلفون ان النساء لا يقتلن واصل ان الله تبارك وتعالى يقول في كتابه ^ وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين ^ فامر بقتال الذين يقاتلون فعلم ان شرط القتال كون المقاتل مقاتلا
وفي الصحيحين عن ابن عمر قال وجدت امراة مقتولة في بعض مغازي رسول الله فنهى رسول الله عن قتل النساء والصبيان # وعن رباح بن ربيع انه خرج مع رسول الله في غزوة غزاها وعلى مقدمته خالد بن الوليد فمر رباح واصحاب رسول الله على امراة مقتولة مما اصابت المقدمة فوقفوا ينظرون اليها يعني ويعجبون من خلقها حتى لحقهم رسول الله على راحلته فانفرجوا عنها فوقف عليها رسول الله فقال ما كنت هذه لتقاتل فقال لاحدهم الحق خالدا فقل له لا تقتلوا ذرية ولا عسيفا ولا امراة رواه الإمام احمد وابو داود وابن ماجة # وعن ابن كعب بن مالك عن عمه ان النبي حين بعث إلى ابن أبي الحقيق بخيبر نهى عن قتل النساء والصبيان رواه الإمام احمد # وفي الباب احاديث مشهورة على ان هذا من العلم العام الذي تناقلته الامة خلفا عن سلف وذلك لان المقصود بالقتال ان تكون كلمة
الله هي العليا وان يكون الدين كله لله وان لا تكون فتنة اي لا يكون أحد يفتن احدا عن دين الله فانما يقاتل من كان ممانعا عن ذلك وهم اهل القتال فاما من لا يقاتل عن ذلك فلا وجه لقتله كالمراة والشيخ الكبير والراهب ونحو ذلك ولان المراة تصير رقيقة للمسلمين ومالا لهم ففي قتلها تفويت لذلك عليهم من غير حاجة واضاعة المال لغير حاجة لايجوز نعم لو قاتلت المراة جاز ان تقتل بالاتفاق لوجود المعنى فيها الذي جعل الله ورسوله عدمه مانعا من قتلها بقوله ما كانت هذه لتقاتل لكن هل يجوز ان تقصد بالقتل كما يقصد الرجل او يقصد كفها كما يقصد كف الصائل فيه خلاف بين الفقهاء فاذا كان الحكم في المراة كذلك وقد اهدر النبي دم امراة ذمية لاجل سبها مع ان قتلها لو كان حراما لانكره النبي كما انكر قتل المراة التي وجدها مقتولة في بعض مغازيه وان لم تكن مضمونة بدية ولا كفارة فانه لا يسكت عن انكار المنكر بل اقراره دليل على الجواز والاباحة علم ان السابة ليست بمنزلة الاسيرة الكافرة لان تلك لا يجوز قتلها وعلم ان السب اوجب قتلها بنفسه كما يجب قتلها بالاجماع اذا قطعت الطريق وقتلت فيه واذا زنت وكما يجب قتلها بالردة عند جماهير العلماء
فان قيل يجوز ان يكون سبها للنبي بمنزلة قتالها والمراة اذا قاتلت وكانت معاهدة انتقض عهدها كالرجل اذا فعل ذلك ويجوز ان تكون حينئذ بمنزلة المراة المقاتله اذا اسرت يتخير الإمام فيها بين اربعة اشياء كما يتخير في الرجل المقاتل اذا اسر # قلنا الجواب من وجوه # احدها ان هذه المراة لم يصدر عنها الا مجرد شتم النبي بحضرة سيدها المسلم ولم تحض احدا من المشركين على القتال ولا اشارت على الكفار براي تعين به على قتال المسلمين ومعلوم ان من لم يقاتل بيده ولا اعان على القتال بلسانه لم يجز ان ينسب اليه القتال بوجه من الوجوه ونحن لا ننكر ان من لا يجوز قتله كالراهب والاعمى والشيخ الفاني والمقعد ونحوهم اذا كان لهم راي في القتال وكلام يعينون به على قتال المسلمين كانوا بمنزلة المقاتلين لكن مجرد سب المراة لرسول الله عند قوم مسلمين ليس من هذا القبيل وانما هو اذى لله ولرسوله ابلغ من القتال من بعض الوجوه فلو لم يكن موجبا للقتل لكانت المراة الكافرة قد قتلت لانها مقاتلة وهي لم تقاتل وذلك غير جائز فعلم انه موجب للقتل وان لم يكن قتالا وقد يكون قتالا اذا ذكر في معرض الحض على قتال المسلمين واغراء الكفار بحربهم فاما في هذه الواقعة فلم يكن من القتال المعروف
الجواب الثاني انا نسلم ان سب النبي بمنزلة محاربة المسلمين ومقاتلهم من بعض الوجوه كما كتب أبو بكر الصديق رضي الله عنه ان حد الانبياء ليس يشبه الحدود فمن تعاطى ذلك يعني سب الانبياء من مسلم فهو مرتد او معاهد فهو محارب غادر بل هو من ابلغ انواع الحراب كما تقدم تقريره لكن الجواب نوعان # احدهما ما ينقطع مفسدته بالقتل تارة وبالاسترقاق اخرى وبالمن او الفداء اخرى وهو حراب الكافر بالقتال يدا ولسانا فان الحربي والحربية المقاتلة اذا اسرا فاسترقا انقطع عن المسلمين ضررهما كما قد يزول بالقتل وكذلك لو من عليهما رجاء ان يسلما اذا بدت مخائل الإسلام او رجاء ان يكفا عن المسلمين شر من خلفهما او فودي بهما فهنا مفسدة المحاربة قد تزول بهذه الامور # والثاني ما لاتزول مفسدته الا باقامة الحد فيه مثل حراب المسلم او المعاهدة في دار الإسلام بقطع الطريق ونحوه فان ذلك يتحتم اقامة الحد فيه باتفاق الفقهاء
فهذه الامة التي كانت تسب النبي قد حاربت في دار الإسلام فان قيل تعاقب بالاسترقاق فهي رقيقة فلا يتغير حالها وان قيل يمن عليها او يفادي بها لم يجز لوجهين # احدهما انها ملك مسلم ولا يجوز اخراجها عن ملكه مع حياتها # الثاني ان ذلك احسان اليها وازالة للرق عنها فلا يجوز ان يكون جزاء لسبها وحرابها فتعين قتلها # الجواب الثالث ان مفسدة السب لا تزول الا بالقتل لانها متى اسنيقبت طمعت هي وغيرها في السب الذي هو من أعظم الفساد في الارض كقاطع الطريق سواء بخلاف المراة المقاتله اذا اسرت فان مفسدة مقاتلتها قد زالت باسرها ولا يمكنها مع استرقاقها ان تقاتل ويمكنها ان تظهر السب والشتم فصار سبها بمنزلة الجنايات التي توجب العقوبات لا تزول مفسدتها الا باقامة الحد فيها وعلم ان الذمية التي تسب ليست بمنزلة الحربية التي تقاتل اذا اسرت بل هي بمنزلة الذمية التي تقطع الطريق وتزني # الجواب الرابع ان الحديث فيه حكم وهو القتل وسبب وهو السب فيجب اضافة الحكم إلى السب والاصل اتحاد الحكم فمن زعم ان للسبب حكما اخرا احتاج إلى دليل وقياسة على الاسيرة لا يصح لما سياتي ان شاء الله تعالى
الخامس انها لو كانت بمنزلة الاسيرة لكن النظر فيها للإمام لا يجوز لاحاد الرعية تخير واحدة من الخصال الاربع فيها ومن قتلها ضمنها بقيمتها للمسلمين ان كان فيئا وللغانمين ان كانت مغنما فعلم ان القتل كان واجبا فيها عينا # يبقى ان يقال الحدود لا يقيمها الا الإمام او نائبه وجوابه من وجوه # احدها ان السيد له ان يقيم الحد على عبده بدليل قوله اقيموا الحدود على ما ملكت ايمانكم وقوله اذا زنت امة احدكم فليجلدها ولا اعلم خلافا بين فقهاء الحديث ان له ان يقيم
عليه الحد مثل حد الزنى والقذف والشرب ولا خلاف بين المسلمين ان له ان يعزره واختلفوا هل له ان يقيم عليه قتلا او قطعا مثل قتله لردته او لسبه النبي وقطعه للسرقة وفيه عن الإمام احمد روايتان # احداهما يجوز وهو منصوص عن الشافعي # والاخرى لا يجوز كاحد الوجهين لاصحاب الشافعي وهو قول مالك وقد صح عن ابن عمر انه قطع يد عبد له سرق وصح عن حفصة انها قتلت جارية لها اعترفت بالسحر وكان ذلك براي ابن عمر
فيكون الحديث حجة لمن يجوز للسيد ان يقيم الحد على عبده مطلقا وعلى هذا القول فالسيد له ان يقيم الحد على عبده بعلمه في المنصوص عن الإمام احمد هو احدى الروايتين عن مالك والنبي لم يطلب من سيد الامة بينة على سبه بل صدقة في قوله كانت تسبك وتشتمك ففي الحديث حجة لهذا القول ايضا # الوجه الثاني ان ذلك أكثر ما فيه انه افتئات على الإمام والإمام له ان يعفو عمن اقام حدا واجبا دونه # الوجه الثالث ان هذا وان كان حدا فهو قتل حربي ايضا فصار بمنزلة قتل حربي تحتم قتله وهذا يجوز قتله لكل أحد وعلى هذا يحمل قول ابن عمر في الراهب الذي قيل له انه يسب النبي فقال لو سمعته لقتلته # الوجه الرابع ان مثل هذا قد وقع على عهد رسول الله مثل المنافق الذي قتله عمر بدون اذن النبي لما لم يرض بحكمه فنزل القران باقراره ومثل بنت مروان التي قتلها ذلك الرجل حتى سماه النبي ويفسده ليس بمنزلة من قتل لاجل معصية من زنى ونحوه
3 الجواب السادس ان الفقهاء قد اختلفوا في المراة المقاتله اذا اسرت هل يجوز قتلها ومذهب الشافعي انها لا تقتل فلو كانت هذه انما قتلت لكونها قد قاتلت لم يجز ان تقتل بعد الاسر عنده فلا يصح ان يورد هذا السؤال على اصله # الدليل الثالث ان الساب لو صار بمنزلة الحربي فقط لكان دمه معصوما بامان يعقد له او ذمه او هدنه ومعلوم ان شبهة الامان كحقيقته في حقن الدم والنفر الذين ارسلهم النبي إلى كعب بن الاشرف جاؤوا اليه على ان يستسلفوا منه وحادثوه وماشوه وقد امنهم على دمه وماله وكان بينه وبينهم قبل ذلك عهد وهو يعتقد بقاءه ثم انهم استاذنوه في ان يشموا ريح الطيب من راسه فاذن لهم مرة بعد اخرى وهذا كله يثبت الامان فلو لم يكن في السب الا مجرد كونه كافرا حربيا لم يجز قتله بعد امانة اليهم وبعد ان اظهروا له انهم مؤمنون له واستئذانهم اياه في امساك يديه فعلم بذلك ان ايذاء الله ورسوله موجب للقتل لا يعصم منه امان ولا عهد وذلك لا يكون الا فيما اوجب القتل عينا من الحدود كحد الزنى وحد قطع الطريق وحد المرتد ونحو ذلك فان عقد الامان لهؤلاء لايصح ولا يصيرون مستامنين بل يجوز اغتيالهم والفتك بهم لتعين قتلهم فعلم ان ساب النبي كذلك # يؤيد هذا ما ذكره اهل المغازي من قول النبي انه لو قر كما قر غيره ما اغتيل ولكنه نال منا الاذى وهجانا بالشعر
ولم يفعل هذا أحد منكم الا كان السيف فان ذلك دليل على ان لا جزاء له الا القتل # الدليل الرابع قوله ان كان ثابتا من سب نبيا قتل ومن سب اصحابه جلد فاوجب القتل عينا على كل ساب ولم يخير بينه وبين غيره وهذا ما يعتمد في الدلالة ان كان محفوظا # الدليل الخامس ان النبي دعا الناس إلى قتل ابن الاشرف لانه كان يؤذي الله ورسوله وكذلك كان يامر بقتل من يسبه ويهجوه الا من عفا عنه بعد القدرة وامره للايجاب فعلم وجوب قتل الساب وان لم يجب قتل غيره من المحاربين وكذلك كانت سيرته لم يعلم انه ترك قتل أحد من السابين بعد القدرة عليه الا من تاب او كان من المنافقين وهذا يصلح ان يكون امتثالا للامر بالجهاد واقامة الحدود فيكون على الايجاب يؤيد ذلك ان في ترك قتله تركا لنصر الله ورسوله وذلك غير جائز # الدليل السادس اقاويل الصحابة فانها نصوص في تعيين قتله مثل قول عمر رضى الله عنه من سب الله او سب احدا من الانبياء
فاقتلوه فامر بقتله عينا ومثل قول ابن عباس رضي الله عنهما ايما معاهد عاند فسب الله او سب احدا من الانبياء عليهم السلام او جهر به فقد نقض العهد فاقتلوه فامر بقتل المعاهد اذا سب عينا ومثل قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه فيما كتب به إلى المهاجر في المراة التي سبت النبي لولا ما قد سبقتني فيها لامرتك بقتلها لان حد الانبياء لا يشبه الحدود فمن تعاطى ذلك من مسلم فهو مرتد او معاهد فهو محارب غادر فبين ان الواجب كان قتلها عينا لولا فوات ذلك ولم يجعل فيه خيرة إلى الإمام لا سيما والسابة امراة وذلك وحده دليل كما تقدم ومثل قول ابن عمر في الراهب الذي بلغه انه يسب النبي لو سمعته لقتلته ولو كان كالاسير الذي يخير فيه الإمام لم يجز لابن عمر اختيار قتله وهذا الدليل واضح # الدليل السابع ان ناقض العهد بسب النبي ونحوه حاله اغلظ من حال الحربي الاصلي كما ان حال المرتد اغلظ من حال الكافر الاصلي لانه اجتمع فيه الحراب الاصلي وخروجه عما عاهدنا عليه بالطعن في الدين واذى الله ورسوله ومثل هذا يجب ان يعاقب عقوبة تزجر امثاله عن مثل حاله والدليل عليه قوله سبحانه وتعالى ^ ان شر
الدواب عند الله الذين كفروا فهم لايؤمنون الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لايتقون فاما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون ^ فامر الله رسوله اذا صادف الناكثين بالعهد في الحرب ان يشرد بهم غيرهم من الكفار بان يفعل بهم ما يتفرق به اولئك وقال تعالى ^ الا تقاتلون قوما نكثوا ايمانهم وهموا باخراج الرسول وهم بدءوكم أول مرة ^ فحض على قتال من نكث اليمين وهم باخراج الرسول وبدا بنقض العهد ومعلوم ان من سب الرسول فقد نقض العهد وفعل ما هو أعظم من الهم باخراج الرسول وبدئنا أول مرة ثم قال تعالى ^ قاتلوهم يعذبهم الله بايديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ^ فعلم ان تعذيب هؤلاء واخزاءهم ونصر المؤمنين عليهم وشفاء صدورهم بالانتقام منهم وذهاب غيظ قلوبهم مما اذوهم به امر مقصود لشارع مطلوب في الدين ومعلوم ان هذا المقصود لا يحصل ممن سب النبي واذى الله ورسوله وعباده المؤمنين الا بقتله لا يحصل بمجرد استرقاقه ولا بالمن عليه والمفادة به # وكذلك ايضا تنكيل غيره من الكفار الذين قد يردون اظهار السب
لا يحصل على سبيل التمام الا بذلك ولا يعارض هذا من نقض العهد في طائفة ممتنعة اذا اسرنا واحدا منهم لان قتال اولئك والظهور عليهم يحصل هذا المقصود بخلاف ما كان في ايدينا قبل السب وبعده فان لم نحدث فيه قتالا لم يحصل هذا المقصود # وجماع ذلك ان ناقض العهد لابد له من قتال او قتل اذ لا يحصل المقصود الا بذلك وهذا الوجه وان كان فيه عموم لكل من نقض العهد بالاذى لكن ذكرناه هنا لخصوص الدلالة ايضا فانها تدل عموما وخصوصا # الدليل الثامن ان الذمي اذا سب النبي فقد صدر منه فعل تضمن امرين احدهما انتقاض العهد الذي يننا وبينه والثاني جنايته على عرض رسول الله وانتهاكه حرمته ويذاء الله تعالى ورسوله والمؤمنين وطعنه في الدين وهذا معنى زائد على مجرد كونه كافرا قد نقض العهد # ونظير ذلك ان ينقضه بالزنى بمسلمة او بقطع الطريق على المسلمين وقتلهم واخذ اموالهم او بقتل مسلم فان فعله مع كونه نقضا للعهد قد تضمن جناية اخرى فان الزنى وقطع الطريق والقتل من حيث هو هو جناية ونقض العهد جناية كذلك هنا سب رسول الله من حيث هو هو جناية منفصله عن نقض العهد له عقوبة تخصه في
د/احمد
2011-11-13, 11:31 AM
الدنيا والاخرة زائدة على مجرد عقوبة التكذيب بنبوته والدليل عليه قوله سبحانه ^ ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والاخرة واعد لهم عذابا مهينا ^ فعلق العنة في الدنيا والاخرة والعذاب المهين بنفس اذى الله ورسوله فعلم انه موجب ذلك وكذلك قوله تعالى ^ وان نكثوا ايمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا ائمة الكفر انهم لا ايمان لهم لعلهم ينتهون ^ وقد تقدم تقريره # يوضح ذلك ان النبي لما دخل مكة امن الناس الذين كانوا يقاتلونه قبل ذلك والذين نقضوا العهد الذي كان بينه وبينهم وخانوه الا نفرا منهم القينتان اللتان كانتا تغنيان بهجائه وساره مولاة بني عبد المطلب التي كانت تؤذيه بمكة فاذا كان قد امر بقتل التي كانت تهجوه من النساء مع ان قتل المراة لا يجوز الا اذا قاتلت وهو قد امن جميع اهل مكة من كان قد قاتل ونقض العهد من الرجال والنساء علم بذلك ان الهجاء جناية زائدة على مجرد القتال والحراب لان التفريق
بين المتامثلين لا يقع من النبي كما انه امر بقتل ابن خطل لانه كان قد قتل مسلما ولانه كان مرتدا ولانه كان يامر بهجائه وكل واحد من القتل الردة والامر بهجائة جناية زائدة على مجرد الكفر والحراب مما يبين ذلك انه قد كان امر بقتل من كان يؤذيه بعد فتح مكة مثل ابن الزبعري وكعب بن زهير والحويرث بن نقيد وابن خطل وغيرهم مع امانه لسائر اهل البلد وكذلك اهدر دم أبي سفيان بن الحارث وامتنع من ادخاله عليه وادخال عبد الله بن أبي امية لما كان يقعان في عرضه وقتل ابن أبي معيط والنضر بن الحارث دون غيرهما من الاسرى وسمى من يبذل نفسه في قتله ناصرا لله ورسوله وكان يندب إلى قتل من يؤذيه ويقول من يكفيني عدوي وكذلك اصحابه يسارعون إلى قتل من اذاه بلسانه وان كان أبا او غيره وينذرون قتل من ظفروا به من هذا الضرب وقد تقدم من بيان ذلك ما فيه بلاغ ومن المعلوم ان هؤلاء لو كانوا بنمزلة سائر الكفار الذين لاعهد لهم لم يقتلهم ولم يأمرهم
بقتلهم في مثل هذه الاوقات التي امن فيها الناس وكف عمن هو مثلهم # فعلم ان السب جناية زائدة على الكفر وقد تقدم تقرير ذلك في المسالة الاولى على وجه يقطع العاقل ان سب الرسول جناية لها موقع يزيد على عامة الجنايات بحيث يستحق صاحبها مع العقوبة ما لايستحقه غيره وان كان حافرا حربيا مبالغا في محاربة المسلمين وان وجوب الانتصار ممن كان هذه حاله كان مؤكدا في الدين والسعي في اهدار دمه من أفضل الاعمال واوجبها واحقها بالمسارعة عليه وابتغاء رضوان الله تعالى فيه وابلغ الجهاد الذي كتبه الله على عباده وفرضه عليهم ومن تامل الذين اهدر النبي دماءهم يوم الفتح واشتد غضبه عليهم حتى قتل بعضهم في نفس الحرم واعرض عن بعضهم وانتظر قتل بعضهم وجد لهم جرائم زائدة على الكفر والحراب من ردة وقتل ونحو ذلك وجرم اكثرهم انما كان من سب رسول الله واذاه بالسنتهم فاي دليل اوضح من هذا # على ان سبه وهجائه جناية زائدة على الكفر والحراب لا يدخل في ضمن الكفر كما تدخل سائر المعاصي في ضمن الكفر وعلى ان المعاهدين اذا نقضوا العهد وفيهم من سب النبي كان للسب عقوبة زائدة على عقوبة مجرد نقض العهد
ومما يدل على ان السب جناية زائدة على كونه كفرا وحرابا وان كان متضمنا لذلك ان النبي قد كان يعفوا عمن يؤذيه من المنافقين كما تقدم بيانه وقد كان له ان يقتلهم كما تقدم ذكره في حديث أبي بكر وغيره ولو كان السب مجرد ردة لوجب قتله كالمرتد يجب قتله فعلم انه قد يغلب في السب حق النبي بحيث يجوز له العفو عنه # ومما يدل على ان السب جناية مفردة ان الذمي لو سب واحدا من المسلمين او المعاهدين ونقض العهد لكان سب ذلك الرجل جناية عليه يستحق بها من العقوبة ما لايستحقه بمجرد نقض العهد فيكون سب رسول الله دون سب واحد من البشر # ومما يدل على ذلك ان ساب النبي وشاتمه يؤذيه شتمه وهجائه كما يؤذيه التعرض لدمه وماله قال الله تعالى لما ذكر الغيبة ^ ايحب احدكم ان ياكل لحم اخيه ميتا فكرهتموه ^ فجعل الغيبة التي هي كلام صحيح بمنزلة اكل لحم المغتاب ميتا فكيف ببهتانه وسب النبي لا يكون قط الا بهتانا
وفي الصحيحين عن النبي انه قال لعن المؤمن كقتله وكما يؤذي ذلك غيره من البشر # وايضا فان ذلك يؤذي جميع المؤمنين ويؤذي الله سبحانه وتعالى ومجرد الكفر والمحاربة لا يحصل بهما من اباه ما يحصل بالوقيعة في العرض مع المحاربة فلو قيل ان الواقع في عرضه ممن انتقض عهده بمنزله غيره ممن انتقض عهده لكانت الوقيعة في عرض رسول الله واذاه بذلك جرما لا جزاء له من حيث خصوص النبي وخصوص اذاه كما لو قتل رجل نبيا من الانبياء فان لقتله من العقوبة ما لايستحق على مجرد الكفر والمحاربة وهذا كله ظاهر لا خفاء به فان دماء الانبياء واعراضهم اجل من دماء المؤمنين واعراضهم فاذا كان دماء غيرهم واعراضهم لا تندرج عقوبتها في عقوبة مجرد نقض العهد فان لا تندرج عقوبة دمائهم واعراضهم في عقوبة نقض العهد بطريق الاولى # مما يوضح ذلك ان سب النبي تعلق به عدة حقوق حق الله سبحانه من حيث كفر برسوله وعادى أفضل اوليائه وبارزه بالمحاربة ومن حيث طعن في كتابه ودينه فان صحتهما موقوفه على صحة الرساله ومن حيث طعن في الوهيته فان الطعن في الرسول طعن
في المرسل وتكذيبه تكذيب لله تبارك وتعالى وانكار لكلامه وامره وخبره وكثير من صفاته وتعلق به حق جميع المؤمنين من هذه الامة ومن غيرها من الامم فان جميع المؤمنين مؤمنون به خصوصا امته فان قيام امر دنياهم ودينهم واخرتهم به بل عامة الخير الذي يصيبهم في الدنيا والاخرة بواسطته وسفارته فالسب له أعظم عندهم من سب انفسهم واباءهم وابناءهم وسب جميعهم كما انه احب اليهم من انفسهم واولادهم وابائهم والناس اجمعين وتعلق به حق رسول الله من حيث خصوص نفسه فان الانسان تؤذيه الوقيعة في عرضه أكثر مما يؤذيه اخذ ماله واكثر مما يؤذيه الضرب بل ربما كانت عنده أعظم من الجرح ونحوه خصوصا من يجب عليه ان يظهر للناس كمال عرضه وعلو قدره لينتفعوا بذلك في الدنيا والاخرة فان هتك عرضه قد يكون أعظم عنده من قتله فان قتله لا يقدح عند الناس في نبوته ورسالته وعلة قدره كما ان موته لا يقدح في ذلك بخلاف الوقيعة في عرضه فانها قد تؤثر في نفوس بعض الناس من النفره عنه وسوء الظن به ما يفسد عليهم ايمانهم ويوجب لهم خسارة الدنيا والاخرة فكيف يجوز ان يعتقد عاقل ان هذه الجناية بمنزلة ذمي كان في ديار المسلمين فلحق ببلاد الكفار مستوطنا لها
مع ان ذلك اللحاق ليس في خصوصه حق لله ولا لرسوله ولا لاحد من المسلمين أكثر ما فيه ان الرجل كان معتصما بحبلنا فخرق تلك العصمة فانما اضر بنفسه لا باحد من المؤمنين # فعلم بذلك ان السب فيه من الاذى لله ولرسوله ولعباده المؤمنين ما ليس في الكفر والمحاربة وهذا ظاهر ان شاء الله تعالى # اذا ثبت ذلك فنقول هذه الجناية جناية السب موجبها القتل لما تقدم من قوله من لكعب بن الاشرف فانه قد ذاى الله ورسوله فعلم ان من اذى الله ورسوله كان حقه ان يقتل ولما تقدم من اهدار النبي دم المراة السابه مع انها لاتقتل لمجرد نقض العهد ولما تقدم من امره بقتل من كان يسبه مع امساكه عمن هو بمنزلته في الدين وندبه الناس إلى ذلك والثناء على من سارع في ذلك ولما تقدم من الحديث المرفوع ومن اقوال الصحابة رضي الله عنهم ان من سب نبيا قتل ومن سب غير نبي جلد # والذي يختص بهذا الموضع ان نقول هذه الجناية اما ان يكون موجبها بخصوصها القتل او الجلد او لاعقوبة لها بل تدخل عقوبتها في ضمن عقوبة الكفر والحراب
وقد ابطلنا القسم الثالث والقسم الثاني باطل ايضا لوجوه # احدها انه لو كان الامر كذلك لكان الذمي اذا نقض العهد بسب النبي ينبغي ان يجلد لسب النبي لانه حق ادمي ثم يكون كالكافر الحربي يقتل للكفر ومعلوم ان هذا خلاف ما دلت عليه السنة واجماع الصحابة فانهم اتفقوا على القتل فقط فعلم ان موجب كلا الجنايتين القتل والقتل لا يمكن تعدده وكذلك كان ينبغي ان يجلد المرتد لحق النبي ثم يقتل لردته كمرتد سب بعض المسلمين فانه يستوفى منه حق الادمي ثم يقتل # الا ترى ان السارق يقطع لسرقته التي هي حق لله ويرد المال المسروق اذا كان باقيا بالاتفاق ويغرم بدله ان كان تالفا عند أكثر الفقهاء ويدخل حق الادمي في حق الله مع ايجاد السبب # الثاني انه لو لم يكن موجبه القتل وانما القتل موجب كونه ردة لم يجز للنبي العفو عنه لان اقامة الحد على المرتد واجبة بالاتفاق ولا يجوز العفو عنه فلما عفا عنه النبي في حياته دل على السب نفسه يوجب القتل حقا للنبي ويدخل فيه حق الله تعالى ويكون سابه وقاذفه بمنزلة ساب غيره وقاذفه قد اجتمع في سبه حقان حق لله وحق لادمي فلو ان المسبوب والمقذوف عفا عن حقه لم يعزر القاذف والساب على حق الله بل دخل في العفو كذلك النبي اذا عفا عمن
سبه دخل في عفوه عنه حق الله فلم يقتل لكفره كما لا يعزر ساب غيره لمعصيته مع ان المعصية المجردة عن حق ادمي توجب التعزيز # يوضح ذلك انه قد ثبت كان له ان يقتل من سبه كما في حديث أبي بكر وحديث الذي امر بقتله لما كذب عليه وحديث الشعبي في قتل الخارجي وكما دلت عليه احاديث قد تقدم ذكرها وثبت ان له ان يعفو عنه كما دل عليه حديث ابن مسعود وابي سعيد وجابر وغيرهم فعلم ان سبه يوجب القتل كما ان سب غيره يوجب الجلد وان تضمن سبه الكفر بالله كما تضمن سب غيره المعصية لله ويكون الكفر والحراب نوعين # احداهما حق خالص لله تعالى والثاني ما فيه حق لله وحق لادمي كما ان المعصية فسمان أحدهما حق خالص لله
والثاني حق لله ولادمي ويكون هذا النوع من الكفر والحراب بمنزلة غيره من الانواع في استحقاق فاعله القتل ويفارقه في الاستيفاء فانه إلى الادمي كما ان المعصية بسب غير النبيين بمنزلة غيرها من المعاصي في استحقاق فاعلها الجلد وتفارق غيرها في ان الاستيفاء فيها إلى الادمي # يوضح هذا ان الحق الوجب على الانسان قد يكون حقا محضا لله وهو ما اذا كفر او عصى على وجه لا يؤذي احدا من الخلق فهذا اذا وجب فيه حد لم يجز العفو عنه بحال وقد يكون حقا محضا لادمي بمنزلة الديون للانسان على غيره من ثمن مبيع او بدل قرض ونحو ذلك من الديون التي ثبتت بوجه مباح فهذا لا عقوبة فيه بوجه وانما يعاقب على الدين اذا امتنع عن وفائه والامتناع معصية وقد يكون حقا لله ولادمي مثل حد القذف والقود وعقوبة السب ونحو ذلك فهذه الامور فيها العقوبة من الحد والتعزيز والاستيفاء فيها مفوض إلى الاختيار الادمي ان احب استوفى القود وحد القذف وان شاء عفا فسب النبي لو كان من القسم الاول لم يجز العفو عنه للنبي ولو كان من القسم الثاني لم يكن فيه عقوبة بحال فتعين ان يكون من القسم الثالث وقد ثبت ان عقوبته القتل فعلم ان سب النبي من حيث هو سب له وحق لادمي عقوبته القتل كما ان سب غيره من حيث هو سب له وحق لادمي عقوبته الجلد أم حدا او تعزيرا وهذا معنى صحيح واضح
وسر ذلك انه اذا اجتمع الحقان فلابد من عقوبة لان معصية الله توجب العقوبة اما في الدنيا او في الاخرة فاذا كان الاستيفاء جعل الله ذلك إلى المستحق من الادميين لان الله اغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملا اشرك فيه غيره فهو كله للذي اشرك كذلك من عمل عملا لغيره فيه عقوبه جعل عقوبتة كلها لذلك الغير وكانت عقوبته على معصية الله تمكين ذلك الانسان من عقوبته # وتمام هذا المعنى ان يقال بعد موت النبي يتعين القتل لان المستحق لا يمكن منه المطالبة والعفو كما ان من سب او شتم احدا من اموات المسلمين عزر على ذلك الفعل لكونه معصية لله وان كان في حياته لا يؤدب حتى يطلب اذا علم # الوجه الثالث ان سب النبي لا يجوز ان يكون من حيث هو سب بمنزلة سب غيره من المؤمنين لانه يباين سائر المؤمنين من امته في عامة الحقوق فرضا وخطرا وغيرهما مثل وجوب طاعته ووجوب محبته وتقديمه في المحبة على جميع الناس ووجوب تعزيره وتوقيره على
وجه لا يساويه فيه أحد ووجوب الصلاة عليه والتسليم إلى غيره ذلك من الخصائص التي لا تحصى وفي سبه ايذاء لله ولرسوله ولسائر المؤمنين من عباده واقل ما في ذلك ان سبه كفر ومحاربة وسب غيره ذنب ومعصية ومعلوم ان العقوبات على قدر الجرائم فلو سوى بين سبه وسب غيره لكان تسوية بين الشيئين المتباينين وذلك لا يجوز فاذا كان سب غيره مع كونه معصية يوجب الجلد وجب ان يكون سبه مع كونه كفرا يوجب القتل ويصير ذلك نوعا من انواع الكفر من وجه ونوعا من انواع السب من وجه فمن حيث هو من جنس الكفر اوجب القتل ومن حيث هو من جنس السب كان حقا لادمي # الوجه الرابع ان النبي لم يعاقب احدا منهم الا بالقتل ولو كان هو بانفراده لا يوجب القتل وانما يوجب ما دونه وهو قد عفا عن عقوبته في ما دونه وامن من فعل ذلك ء لكان صاحب ذلك لا ينبغي قتله لان ذنبه الذي يغتصه لا يقتضي القتل # فان قيل فقتله بمجموع الامرين # قلنا وهذا المقصود لان السب حيث كان فانه مستلزم لكفر لا عهد له
الدليل التاسع أن سب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كونه من جنس الكفر والحراب أعظم من مجرد الردة عن الإسلام فإنه من المسلم ردة وزيادة كما تقدم تقريره فإذا كان كفر المرتد قد تغلظ لكونه قد خرج عن الدين بعد أن دخل فيه فأوجب القتل عينا فكفر الساب الذي آذى الله ورسوله وجميع المؤمنين من عباده أولى أن يتغلظ فيوجب القتل عينا لأن مفسدة السب في أنواع الكفر أعظم من مفسدة مجرد الردة # وقد اختلف الناس في قتل المرتدة وإن كان المختار قتلها ونحن قد قدمنا نصوصا عن النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه في قتل السابة الذمية وغير الذمية والمرتد يستتاب من من الردة ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قتلوا الساب ولم يستتيبوه فعلم أن كفره أغلظ فيكون تعيين قتله أولى # الدليل العاشر أن تطير الأرض من إظاهر سب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجب حسب الإمكان لأنه من تمام ظهور دين الله وعلو كلمة الله وكون الدين كله لله فحيث ما ظهر سبه ولم ينتقم ممن فعل ذلك لم يكن الدين ظاهرا ولا كلمة الله عالية وهذا كما يجب تطهيرها من الزناة والسراق وقطاع الطريق بحسب الإمكان بخلاف تطهيرها من اصل الكفر فإنه ليس بواجب لجواز إقرار أهل الكتابين على دينهم بالذمة لأن إقرارهم بالذمة ملتزمين جريان حكم الله ورسوله عليهم لا ينافي إظاهر الدين وعلو الكلمة وإنما تجوز مهادنة الكافر وأمانه عند العجز أو
المصلحة المرجوة في ذلك وكل جناية وجب تطهير الارض منها بحسب القدرة يتعين عقوبة فاعلها العقوبة المحدودة في الشرع اذا لم يكن لها مستحق معين فوجب ان يتعين قتل هذا لانه ليس لهذه الجناية مستحق معين لانه تعلق بها حق الله ورسوله وجميع المؤمنين وبهذا يظهر الفرق بين الساب وبين الكافر لجواز اقرار ذلك على كفره مستخفيا به ملتزما حكم الله ورسوله بخلاف المظهر للسب # الدليل الحادي عشر ان قتل ساب النبي وان كان قتل كافر فهو حد من الحدود ليس قتلا على مجرد الكفر والحراب لما تقدم من الاحاديث الداله على انه جناية زائدة على مجرد الكفر والمحاربة ومن ان النبي واصحابه امروا فيه بالقتل عينا وليس هذا موجب الكفر والمحاربة ولما تقدم من قول الصديق رضي الله عنه في التي سبت النبي ان حد الانبياء ليس يشبه الحدود ومعلوم ان قتل الاسير الحربي ونحوه من الكفار والمحاربين لا يسمى حدا ولان ظهور سبه في ديار المسلمين فساد عظيم أعظم من جرائم كثيرة فلابد ان يشرع له حد يزجر عنه من يتعاطاه فان الشارع لا يهمل مثل هذه المفاسد ولا يخليها من الزواجر وقد ثبت ان حده القتل بالسنة والاجماع وهو حد لغير معين حي لان الحق فيه لله تعالى ولرسوله وهو ميت ولكل مؤمن وكل حد يكون بهذه المثابة فانه يتعين اقامته بالاتفاق
الدليل الثاني عشر ان نصر رسول الله وتعزيره وتوقيره واجب وقتل سابه مشروع كما تقدم فلو جاز ترك قتله لم يكن ذلك نصرا له ولا تعزيرا ولا توقيرا بل ذلك اقل نصره لان الساب في ايدينا ونحن متمكنون منه فان لم نقتله مع ان قتله جائز لكان ذلك غاية في الخذلان وترك التعزير له والتوقير وهذا ظاهر # واعلم ان تقرير هذه المسالة له طرق متعددة غير ما ذكرناه ولم نطل الكلام هنا لان عامة الدلائل المذكورة في المسألة الاولى تدل على وجوب قتله لمن تأملها فاكتفينا بما ذكرناه هناك وان كان القصد في المسالة الاولى بيان جواز قتله مطلقا وهنا بيان وجوب قتله مطلقا وقد اجبنا هناك عمن ترك النبي قتله منم اهل الكتاب والمشركين السابين وبينا ان ذلك انما كان في أول الامر حين كان مأمورا بالعفو والصفح قبل ان يؤمر بقتال الذين اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية ويجاهد الكفار والمنافقين وانه كان له ان يعفو عمن سبه لان هذه الجريمة غلب فيها حقه وبعد موته لا عافي عنها والله اعلم
د/احمد
2011-11-13, 11:32 AM
المسالة الثالثة
انه يقتل ولا يستتاب سواء كان مسلما او كافرا # قال الإمام احمدفي رواية حنبل كل من شتم النبي وتنقصه مسلما كان او كافرا فعليه القتل وارى ان يقتل ولا يستتاب # وقال كل من نقض العهد واحدث في الإسلام حدثا مثل هذا رايت عليه القتل ليس على هذا اعطوا العهد والذمة # وقال عبد الله سألت أبي عمن شتم النبي يستتاب قال قد وجب عليه القتل ولا يستتاب خالد بن الوليد قتل رجلا شتم النبي ولم يستتبه # هذا مع نصه انه مرتد ان كان مسلما وانه قد نقض العهد ان كان
ذميا واطلق في سائر اجوبته انه يقتل ولم يأمر فيه باستتابة هذا مع انه لا يختلف نصه ومذهبه ان المرتد المجرد يستتاب ثلاثا الا ان يكون ممن ولد على الفطره فقد روي عنه انه يقتل ولا يستتاب والمشهور عنه استتابة جميع المرتدين واتبع في استتابته ما صح في ذلك عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابي موسى وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم انهم امروا باستتابة المرتد في قضايا متفرقة وقدرها عمر رضي الله عنه ثلاثا وفسر الإمام احمد قول النبي من بدل دينه فاقتلوه بأنه المقيم على التبديل الثابت عليه فاذا تاب لم يكن
مبدلا وهو راجع يقول قد اسلمت # وهل استتابة المرتد واجبه او مستحبه فيه عن الإمام احمد روايتان وكذلك الخرقي اطلق القول بأن من قذف أم النبي قتل مسلما كان او كافرا واطلق أبو بكر انه يقتل من سب
النبي وكذلك غيرهما مع انهم في المرتد يذكرون انه لايقتل حتى يستتاب فإن من تاب السب بان يسلم او يعود إلى الذمة ان كان كافرا او يعود إلى الإسلام ان كان مسلما ويقلع عن السب فقال القاضي في المجرد وغيره من اصحابنا والردة تحصل بجحد الشهادتين وبالتعريض بسب الله تبارك وتعالى وبسب النبي الا ان الإمام احمد قال لا تقبل توبة من سب النبي لان المعرة تلحق النبي بذلك وكذلك وقال ابن عقيل قال اصحابنا في سب النبي انه لا تقبل توبته من ذلك لما يدخل من المعرة بالسب على النبي وهو حق لادمي لم يعلم اسقاطه
وقال القاضي في خلافه وابنه أبو الحسين اذا سب النبي قتل ولم تقبل توبته مسلما كان او كافرا ويجعله ناقصا للعهد نص عليه احمد # وذكر القاضي النصوص التي قدمناها عن الإمام احمد في انه يقتل ولا يستتاب وقد وجب عليه القتل قال القاضي لان حق النبي يتعلق به حقان حق لله وحق للادمي والعقوبة اذا تعلق بها حق لله وحق لآدمي لم تسقط بالتوبة كالحد في المحاربة فانه لو تاب قبل القدرة لم يسقط حق الادمي من القصاص ويسقط حق الله # وقال أبو المواهب العكبري يجب لقذف النبي الحد المغلظ وهو القتل تاب او لم يتب ذميا كان او مسلما
وكذلك ذكر جماعات اخرون من اصحابنا انه يقتل ساب النبي ولا تقبل توبته سواء كان مسلما او كافرا ومرادهم بانه لاتقبل توبته ان القتل لايسقط عنه بالتوبة والتوبة اسم جامع للرجوع عن السب بالإسلام وبغيره فلذلك اتوا بها وارادوا انه لو رجع عن السب بالإسلام او بالاقلاع عن السب والعود إلى الذمة ان كان ذميا لم يسقط عنه القتل لان عامة هؤلاء لما ذكروا هذه المسألة قالوا خلافا لابي حنيفة والشافعي في قولهما ان كان مسلما يستتاب فان تاب والا قتل كالمرتد وان كان ذميا فقال أبو حنيفة لايتنقض عهده واختلف اصحاب الشافعي فيه فعلم انهم ارادوا بالتوبة توبة المرتد وهي الإسلام ولانهم قد حكموا بانه مرتد وقد صرحوا بان توبة المرتد ان يرجع إلى الإسلام وهذا ظاهر فيه فإن كل من ارتد بقول فتوبته ان يرجع إلى الإسلام ويتوب من ذلك القول واما الذمي فان توبته لها صورتان # احداهما ان يقلع عن السب ويقول لااعود اليه وانا اعود إلى الذمة والتزام موجب العهد # والثانية ان يسلم فان إسلامه توبة من السب # وكلا الصورتين تدخل في كلام هؤلاء الذين قالوا لا تقبل توبته مسلما كان او كافرا وان كانت الصورة الثانية ادخل في كلامهم في
الاولى لكن اذا لم يسقط عنه القتل بتوبة هي الإسلام فلأن لا يسقط بتوبة هي العود إلى الذمة اولى وانما كانت ادخل لانه قد علم ان التوبة من المسلم انما هي الإسلام فكذلك من الكافر لذكرهم توبة الاثنين بلفظ واحد ولان تعليلهم بكونه حق ادمي وقياسة على المحارب دليل على انه لايسقط بالإسلام ولانهم قد صرحوا في مواضع يأتي بعضها ان التوبة من الكافر هنا إسلامه # وقد صرح بذلك جماعة غيرهم فقال القاضي الشريف أبو علي بن أبي موسى في الارشاد وهو ممن يعتمد نقله ومن سب رسول الله قتل ولم يستتب ومن سبه من اهل الذمة قتل وان اسلم # وقال أبو علي بن البناء في الخصال والاقسام له ومن سب
النبي وجب قتله ولاتقبل توبته وان كان كافرا فأسلم فالصحيح من المذهب انه يقتل ايضا ولا يستتاب قال ومذهب مالك كمذهبنا # وعامة هؤلاء لم يذكروا خلافا في وجوب قتل المسلم والكافر وانه لايسقط بالتوبة من إسلام وغيره وهذه طريقة القاضي في كتبه المتاخره من التعليق الجديد وطريقة من وافقه وكان القاضي في التعليق القديم وفي الجامع الصغير يقول ان المسلم يقتل ولا تقبل توبته وفي الكافر اذا اسلم روايتان قال القاضي بالجامع الصغير الذي ضمنه مسائل التعليق القديم ومن سب أم النبي قتل ولن تقبل توبته فان كان كافرا فاسلم ففيه رويتان احداهما يقتل ايضا والثانية لا يقتل ويستتاب قياسا على قوله في الساحر اذا كان كافرا لم يقتل
وان كان مسلما قتل وكذلك ذكر من نقل من التعليق القديم مثل الشريف أبي جعفر قال اذا سب أم النبي قتل ولم تقبل توبته وفي الذمي اذا سب أم النبي روايتان احداهما يقتل والاخرى لا يقتل # قال وبهذا التفصيل قال مالك وقال اكثرهم تقبل توبته في الحالين # لنا انه حد وجب لقذف ادمي فلا يسقط بالتوبة كقذف غير أم النبي # وكذلك قال أبو الخطاب في رؤوس المسائل اذا قذف أم النبي لاتقبل التوبة منه وفي الكافر اذا سبها ثم اسلم روايتان وقال أبو حنيفة والشافعي تقبل توبته في الحالين # لنا انه حد وجب لقذف ادمي فلا يسقط بالتوبة دليله قذف غير أم النبي
وانما ذكرت عبارة هؤلاء ليتبين ان مرادهم بالتوبة هنا من الكافر الإسلام ويظهر ان طريقتهم هي بعينها طريقة ابن البناء في ان المسلم اذا سب لم تقبل توبته وان الذمي اذا سب ثم اسلم قتل ايضا في الصحيح من المذهب # فان قيل فقد قال القاضي في خلافه فان قيل اليس قد قلتم لو نقض العهد بغير سب النبي مثل ان نقضه بمنع الجزية او قتال المسلمين او اذيتهم ثم تاب قبلتم توبته وكان الإمام فيه بالخيار بين اربعة اشياء كالحربي اذا حصل اسيرا في ايدينا هلا قلتم في سب النبي اذا تاب منه كذلك قيل لان سب النبي قذفا لميت فلا يسقط بالتوبة كما لو قذف ميتا وهذا من كلامه يدل على ان التوبة غير الإسلام لانه لو نقض العهد بغير السب ثم اسلم لم يتخير الإمام فيه # قلنا لا فرق في التخيير بين الاربعة قبل التوبة التي هي الاقلاع وبعده عند من يقول به وانما اراد المخالف ان يقيس على صورة تشبه صورة النزاع وهي الحكم فيه بعد التوبة اذا كان قبل التوبة قد ثبت جواز قتله # على ان توبة الذمي الناقض للعهد لها صورتان # احداهما ان يسلم فان إسلامه توبة من الكفر وتوابعه
والثانية ان يرجع إلى الذمة تائبا من الذنب الذي احدثه حتى انتقض عهده فهذه توبة من نقض العهد فاذا تاب هذه التوبة وهو مقدور عليه جاز لإمام ان يقبل توبته حيث يكون حكمه حكم الاسير كما ان الاسير اذا طلب ان تعقد له الذمه جاز ان يجاب إلى ذلك # فالزم المخالف القاضي على طريقته ان الناقض التائب من الناقض يخير الإمام فيه فهلا خيرتموه في الساب اذا تاب توبة يمكن التخيير بعدها بان يقلع عن السب ويطلب عقد الذمة له ثانيا فلذلك قيل في هذه الصورة هلا خير الإمام فيه بعد التوبة وان كان في صورة اخرى لا يمكن التخيير بعد توبة هي الإسلام # وقد تقدم ذكر ذلك وقد قدمنا ايضا ان الصحيح انه لا يخير فيمن نقض العهد بما يضر المسلمين بحال وقد ظهر ان الرواية الاخرى التي حكوها في الفرق بين المسلم والكافر مخرجة من نصه على الفرق بين الساحر الكافر والساحر المسلم وذلك انه قد قال في الساحر الذمي لا يقتل ما هو عليه من الكفر أعظم واستدل بإن النبي لم يقتل لبيد
ابن أعصم لما سحره والساحر المسلم يقتل عنده لما جاء في ذلك عن النبي وعمر وعثمان وابن عمر وحفصة رضي الله عنهم وغيرهم من الاحاديث # ووجه التخريج ان ماهو الكافر عليه من الشرك أعظم مما هو عليه من السب والسحر فنسبة السب والسحر اليه واحدة بخلاف المسلم فاذا قتل الساحر المسلم دون الذمي فكذلك الساب الذمي دون المسلم لكن السب ينقض العهد فيجوز قتله لاجل نقض العهد فاذا اسلم امتنع قتله لنقض العهد وهو لايقتل لخصوص السب كما لا يقتل لخصوص السحر فيبقى دمه معصوما # وقد حكى هذه الرواية الخطابي عن الإمام احمد نفسه فقال قال
مالك بن انس من شتم النبي من اليهود والنصارى قتل الا ان يسلم وكذلك قال احمد بن حنبل وحكى اخرون من اصحابنا رواية عن الإمام احمد ان المسل تقبل توبته من السب بان يسلم ويرجع عن السب كذلك ذكر أبو الخطاب في الهداية ومن احتذى حذوه من متاخري اصحابنا في ساب الله ورسوله من المسلمين هل تقبل توبته أم يقتل بكل حال روايتان # فقد تلخص ان اصحابنا حكوا في الساب اذا تاب ثلاث روايات # احداهن يقتل بكل حال وهي التي نصروها كلهم ودل عليها كلام الإمام احمد في نفس هذه المسالة واكثر محققيهم لم يذكروا سواها # والثانية تقبل توبته مطلقا # والثالثة تقبل توبة الكافر ولا تقبل توبة المسلم وتوبة الذمي التي تقبل اذا قلنا بها ان يسلم فأما اذا اقلع وطلب عقد الذمة له ثانيا لم يعصم ذلك دمه رواية واحدة كما تقدم
وذكر أبو عبد الله السامري ان من سب النبي من المسلمين فهل تقبل توبته على روايتين قال ومن سبه من اهل الذمة قتل وان اسلم ذكره ابن أبي موسى فعلى ظاهر كلامه يكون الخلاف في المسلم دون الذمي عكس الرواية التي حكاها جماعة من الاصحاب وليس الامر كذلك فان ابن أبي موسى قال ومن سب النبي قتل ولم يستتب ومن سبه من اهل الذمة قتل وان اسلم فلم يذكر خلافا في شيء من ذلك كما دل عليه المأثور عن الإمام احمد وكتاب أبي عبد الله السامري تضمن نقل أبي الخطاب ونقل ابن أبي موسى كما اقتضى شرطه انه يضمنه عدة كتب صغار فلما ذكر ما حكاه أبو الخطاب من الروايتن في المسلم وما ذكره ابن أبي موسى في الذمي اذا اسلم ظهر نوع خلل والا
فلا ريب انا اذا قبلنا توبة المسلم بإسلامه فتوبة الذمي بإسلامه اولى فإن كل ما يفرض في الكافر من غلظ السب فهو في المسلم وزيادة فإنهما يشتركان في اذى النبي وينفرد سب المسلم بإنه يدل على زندقته وان سابه منافق ظهر نفاقه بخلاف الذمي فإن سبه مستند إلى اعتقاد وذلك الاعتقاد زال بالإسلام # نعم قد يوجه ما ذكره السامري بإن يقال السب قد يكون غلطا من المسلم لا اعتقادا فاذا تاب منه قبلت توبته اذ هو عثرة لسان وسوء ادب او قلة علم والذمي سبه اذى محض لا ريب فيه فاذا وجب الحد عليه لم يسقط بإسلامه كسائر الحدود وقد ينزع هذا إلى قول من يقول ان السب لايكون كفرا في الباطن الا ان يكون استحلالا وهو قول مرغوب عنه كما سياتي ان شاء الله تعالى # واعلم ان اصحابنا ذكروا انه لاتقبل توبته لان الإمام احمد قال لا يستتاب ومن اصله ان كل من قبلت توبته فانه يستتاب كالمرتد ولهذا لما اختلفت الرواية عنه في الزنديق
والساحر والكاهن والعراف ومن ارتد وكان مسلم الاصل هل يستتابون أم لا على روايتين فان قلنا لا يستتابون يقتلون بكل حال وان تابوا
وقد صرح في رواية عبد الله بأن من سب النبي قد وجب عليه القتل ولا يستتاب فتبين ان القتل قد وجب وما وجب من القتل لم يسقط بحال # يؤيد هذا انه قد قال في ذمي فجر بمسلمة يقتل قيل له فان اسلم قال يقتل هذا قد وجب عليه فتبين ان الإسلام لايسقط القتل الواجب وقد ذكر في الساب انه قد وجب عليه القتل # وايضا فإنه اوجب على الزاني بسملمة بعد الإسلام القتل الذي وجب عقوبة على الزنى بالمسلمة حتى انه يقتله سواء كان حرا او عبدا او محصنا او غير محصنا كما قد نص عليه في مواضع ولم يسقط ذلك القتل بالإسلام ويوجب عليه مجرد حد الزنى لانه ادخل على المسلمين من الضرر والمعرة مااوجب قتله ونقض عهده فاذا اسلم لم تزل عقوبة ذلك الاضرار عنه كما لا تزول عنه عقوبة قطعه للطريق لو اسلم ولم يجز ان يقال هو بعد الإسلام كمسلم فعل ذلك يفعل به ما يفعل بالمسلم لان الإسلام يمنع ابتداء العقوبة ولا يمنع دوامها لان الدوام اقوى كما لو قتل ذمي ذميا ثم اسلم قتل ولو قتله وهو مسلم لم يقتل
ولهذا ينتقض عهد الذمي باشياء مثل الزنى بالمسلمة وان لم يكن محصنا وقتل اي مسلم كان والتجسس للكفار وقتال المسلمين واللحاق بدار الحرب وان كان المسلم لا يقتل بهذه الاشياء على الاطلاق فاذا وجب قتل الذمي بها عينا ثم اسلم كان كما لو وجب قتله بذمي ثم اسلم اذ لا فرق بين ان يجب عليه حد لا يجب على المسلم فيسلم او يجب عليه قصاص لا يجب على المسلم فيسلم فان القصاص في اندرائه بالإسلام كالحدود وهو يسقط بالشبهه حكما يمنع الإسلام ابتداؤه دون دوامه فكذلك العقوبات الواجبه على المعاهد وهذا ينبني على قولنا يتعين قتل الذمي اذا فعل هذه الاشياء وان لخصوص هذه الجنايات اثرا في قتله وراء كونه كافرا غير ذي عهد ويقتضي ان قتله حد من الحدود التي تجب على اهل دار الإسلام من مسلم ومعاهد ليس بمنزلة رجل من اهل دار الحرب أخذ اسيرا اذ المقصود بقتله تطهير دار الإسلام
من فساد هذه الجنايات وحسم مادة جناية المعاهدين واذا كان قد نص على ان لا تزول عنه عقوبة ما ادخله على المسلمين من الضرر في زناه بالمسلمة فان لاتزول عنه عقوبة اضراره بسب رسول الله اولى لان ما يلحق المسلمين من المضرة في دينهم بسب رسول الله أكثر مما يلحقهم بالزنى بمسلمة اذا اقيم على الزاني الحد # ونصه هذا يدل على ان الذمي اذا قذف النبي او سبه ثم اسلم قتل بذلك ولم يقم عليه مجرد حد قذف واحد من الناس وهو ثمانون او سب واحد من الناس وهو التعزير كما انه لم يوجب على من زنى بمسلمة اذا اسلم حد الزنى وانما أوجب القتل الذي كان واجبا وعلى الرواية التي خرجها القاضي في كتبه القديمة ومن اتبعه فان الذمي يستتاب من السب فان تاب والا قتل # وكذلك يستتاب المسلم على الرواية التي ذكرها أبو الخطاب وغيره كما يستتاب الزنديق والساحر ولم اجد للاستتابه في كلام الإمام احمد اصلا فاما استتابة المسلم فظاهرة كاستتابة من ارتد بكلام تكلم به واما استتابة الذمي فان يدعي إلى الإسلام فاما استتابة بالعود إلى الذمة فلا يكفي على المذهب لان قتله متعين # فاما على الوجه المضطرب الذي يقال فيه ان الإمام يخيير فيه فيشرع استتابتة بالعود إلى الذمة لان اقراره بها جائز بعد هذا لكن
لاتجب هذه الاستتابة رواية واحدة وان اوجبنا الاستتابة بالإسلام على احدى الروايتين واما على الرواية التي ذكرها الخطابي فانه اذا اسلم الذمي سقط عنه القتل مع انه لايستتاب كالاسير الحربي وغيره من الكفار يقتلون قبل الاستتابة ولو اسلموا سقط عنهم القتل وهذا اوجه من قول من يقول بالاستتابة فان الذمي اذا نقض العهد جاز قتله لكونه كافرا محاربا وهذا لاتجب استتابته بالاتفاق اللهم الا ان يكون على قول من يوجب دعوة كل كافر قبل قتاله فاذا اسلم جاز ان يقال عصم دمه كالحربي الاصلي بخلاف المسلم فانه اذا قبلت توبته فانه يستتاب ومع هذا فمن تقبل توبته فقد تجوز استتابته كما تجوز استتابة الاسير لانه من جنس دعاء الكافر إلى الإسلام قبل قتله لكن لايجب لكن المنصوص عن اصحاب هذا القول انه لا يقال له اسلم ولا لاتسلم لكن ان اسلم سقط عنه القتل فتلخص من ذلك انهما لايستتابان في المنصوص المشهور فان تابا لم تقبل توبتهما في المشهور ايضا
وحكي عنه في الذمي انه اذا اسلم سقط عنه القتل وان لم يستتب # وحكي عنه ان المسلم يستتاب وتقبل توبته وخرج عنه في الذمي انه يستتاب وهو بعيد # واعلم انه لافرق بين سبه بالقذف وغيره كما نص عليه الإمام احمد وعامة اصحابه وعامة العلماء # وفرق الشيخ أبو محمد المقدسي رحمه الله بين القذف والسب فذكر الروايتين في المسلم وفي الكافر في القذف ثم قال وكذلك سبه بغير القذف الا ان سبه بغير القذف يسقط بالإسلام لان سب الله تعالى يسقط بالإسلام فسب النبي اولى وسيأتي ان شاء الله تعالى تحرير ذلك اذا ذكرنا انواع السب فهذا مذهب الإمام احمد # واما مذهب مالك رضي الله عنه فقال مالك في رواية ابن القاسم
ومطرف ومن سب النبي قتل ولم يستتب قال ابن القاسم من سبه او شتمه او عابه او تنقصه فانه يقتل كالزنديق وقال أبو مصعب وابن أبي اويس سمعنا مالكا يقول من سب رسول الله او شتمه او عابه او تنقصه قتل مسلما كان او كافرا ولا يستتاب وكذلك قال محمد بن عبد الحكم اخبرنا اصحاب مالك انه قال
من سب النبي او غيره من النبيين من مسلم او كافر قتل ولم يستتب قال وروي لنا عن مالك الا ان يسلم الكافر وقال اشهب عنه من سب النبي من مسلم او كافر قتل ولم يستتب فهذه نصوصه نحوا من نصوص الإمام احمد والمشهور من مذهبه انه لاتقبل توبة المسلم اذا سب النبي وحكمه حكم الزنديق عندهم ويقتل عندهم حدا لا كفرا اذا اظهر التوبة من السب وروى الوليد بن مسلم عن مالك انه جعل سب النبي ردة قال اصحابه فعلى هذا يستتاب فان تاب نكل وان ابى قتل ويحكم له بحكم المرتد واما الذمي اذا سب النبي ثم اسلم فهل يدرأ عنه الإسلام القتل على الروايتين ذكرهما القاضي عبد الوهاب وغيره احداهما يسقط
عنه قال مالك في رواية جماعة من اصحابه منهم ابن القاسم من شتم نبينا من اهل الذمة او احدا من الانبياء قتل الا ان يسلم وفي رواية لايقال له اسلم ولا لا تسلم ولكن ان اسلم فذلك له توبة وفي رواية مطرف عنه من سب رسول الله من المسلمين او احدا من الانبياء او انتقصه قتل وكذلك من فعل ذلك من اليهود والنصارى قتل ولايستتاب الا ان يسلم قبيل القتل قال ابن حبيب وسمعت ابن الماجشون يقوله وقاله لي ابن عبد الحكم وقاله لي اصبغ عن ابن
القاسم فعلى هذه الرواية قال ابن القاسم قال مالك ان شتم النصراني النبي شتما يعرف فانه يقتل الا ان يسلم قاله مالك غير مرة ولم يقل يستتاب قال ابن القاسم ومحمل قوله عندي ان اسلم طائعا وعلى هذا فاذا اسلم بعد ان يؤخذ وثبت عليه السب ويعلم انهم يريدون قتله ان لم يسلم لم يسقط عنه القتل لانه مكره في هذه الحال والرواية الثانية لا يدرأ عنه إسلامه القتل قال محمد بن سحنون وحد القذف وشبهه من حقوق العباد لايسقطه عن الذمي إسلامه وانما تسقط عنه بإسلامه حدود الله فاما حد القذف فحد للعباد كان ذلك من نبي او غيره # واما مذهب الشافعي رضي الله عنه فلهم في ساب النبي وجهان احدهما هو كالمرتد اذا تاب سقط عنه القتل وهذا قول جماعة منهم وهو الذي يحكيه اصحاب الخلاف عن مذهب الشافعي والثاني ان حد من سبه القتل فكما لا يسقط حد القذف بالتوبة
لايسقط القتل الواجب بسب النبي بالتوبة قالوا ذكر ذلك أبو بكر الفارسي وادعى فيه الاجماع ووافقه الشيخ أبو بكر القفال وقال الصيدلاني قولا ثالثا وهو ان الساب بالقذف مثلا يستوجب القتل للردة لا للسب فان تاب زال القتل الذي هو موجب الردة وجلد ثمانين للقذف ولهذا الوجه لو كان السب غير قذف عزر
بحسبه ثم منهم من ذكر هذا الخلاف في المسلم اذا سب ثم اسلم ولم يتعرض للكلام في الذمي اذا سب ثم اسلم ومنهم من ذكر الخلاف في الذمي كالخلاف في المسلم اذا جدد الإسلام بعد السب ومنهم من ذكر في الذمي اذا سب ثم اسلم انه يسقط عنه القتل وهو الذي حكاه اصحاب الخلاف عن مذهب الشافعي وعليه يدل عموم كلام الشافعي في موضع من الام فانه قال بعد ان ذكر نواقض العهد وذكر فيها سب النبي وايهم قال او فعل شيئا مما وصفته نقضا للعهد واسلم لم يقتل اذا كان ذلك قولا وكذلك اذا كان فعلا لم يقتل الا ان يكون في دين المسلمين ان من فعله قتل حدا او قصاصا فيقتل بحد او قصاص لانقض عهد وان فعل مما وصفنا وشرط انه نقض لعهد الذمة فلم يلسم ولكنه قال اتوب واعطي الجزية كما كنت اعطيها او على صلح اجدده عوقب ولم يقتل الاان يكون فعل فعلا يوجب القصاص او القود فاما ما دون هذا من الفعل او القول فكل قول فيعاقب عليه ولا يقتل قال فان فعل او قال مما وصفنا وشرط انه يحل دمه فظفرنا به فامتنع من ان يقول اسلم او اعطي الجزية قتل واخذ ماله فيئا فقد ذكر ان من نقض العهد فانه تقبل توبته اما بان يسلم او بان يعود إلى الذمة # وذكر الخطابي قال قال مالك بن انس من شتم النبي من اليهود والنصارى قتل الا ان يسلم وكذلك قال احمد بن حنبل وقال
الشافعي يقتل الذمي اذا سب النبي وتبرأ منه الذمة واحتج في ذلك بخبر كعب بن الاشرف وظاهر هذا النقل والاستدلال يقتضي ان لايكف عنه اذا اظهر التوبة لانه لم يحك عنه شيئا ولان ابن الاشرف كان مظهرا للذمة مجيبا إلى اظهار التوبة لو قبلت منه # والكلام في فصلين # احدهما في استتابة المسلم وقبول توبة من سب النبي وقد ذكرنا ان المشهور عن مالك واحمد انه لا سيتتاب ولا تسقط القتل عنه توبته وهو قول الليث بن سعد وذكر القاضي عياض انه المشهور من قول السلف وجمهور العلماء وهو أحد الوجهين لاصحاب الشافعي وحكي عن مالك واحمد انه تقبل توبته وهو قول أبي حنيفة واصحابه وهو المشهور من مذهب الشافعي بناء على قبول توبة
المرتد فنتكلم اولا في قبول توبته والذي عليه عامة اهل العلم من الصحابة والتابعين انه تقبل توبة المرتد في الجملة وروي عن الحسن البصري انه يقتل وان اسلم جعله كالزاني والسارق وذكر عن اهل الظاهر نحو ذلك ان توبته تنفعه عند الله ولكن لا تدرأ القتل عنه وروي عن احمد ان من ولد في الإسلام قتل ومن كان مشركا فاسلم استتيب وكذلك روي عن عطاء وهو قول اسحاق بن راهوية والمشهور عن عطاء واحمد الاستتابة مطلقا وهو الصواب ووجه عدم قبول التوبة قوله من بدل دينه فاقتلوه رواه البخاري
ولم يستثن ما اذا تاب وقال لايحل دم امرئ مسلم يشهد ان لا اله الا الله واني رسول الله الا باحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة متفق عليه فاذا كان القاتل والزاني لا يسقط عنهما القتل بالتوبة فكذلك التارك لدينه المفارق للجماعة وعن حكيم بن معاوية عن ابيه ان رسول الله قال لايقبل الله توبة عبد كفر بعد إسلامه رواه الإمام احمد ولانه لايقتل لمجرد الكفر والمحاربة لانه لو كان كذلك لما قتل المترهب والشيخ الكبير الاعمى والمقعد والمراة ونحوهم فلما قتل هؤلاء علم ان الردة حد من الحدود والحدود لاتسقط بالتوبة # والصواب ما عليه الجماعة لان الله سبحانه وتعالى قال في كتابه ^ كيف يهدي الله قوما كفروا بعد ايمانهم وشهدوا ان الرسول حق وجاءهم البينات والله لايهدي القوم الظالمين ^ إلى قوله تعالى ^ الا الذين تابوا من بعد ذلك واصلحوا فإن الله غفور رحيم ^ فاخبر الله انه غفور رحيم لمن تاب بعد الردة وذلك
يقتضى مغفرته له في الدنيا والاخرة ومن هذه حاله لم يعاقب بالقتل # يبين ذلك ما رواه احمد قال حدثنا على بن عاصم عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس ان رجلا من الأنصار ارتد عن الإسلام ولحق بالمشركين فانزل الله تعالى ^ كيف يهدي الله قوما كفروا ^ إلى اخر الاية فبعث بها قومه اليه فرجع تائبا فقبل
النبي ذلك منه وخلى عنه ورواه النسائي من حديث داود مثله # وقال الإمام احمد حدثنا علي عن خالد عن عكرمة بمعناه
وقال والله ما كذبني قومي على رسول الله ولا كذب رسول الله على الله والله اصدق الثلاثة فرجع تائبا فقبل رسول الله ذلك منه وخلى عنه # وقد حدثنا حجاج عن ابن جريح حدثت عن عكرمة مولى ابن عباس في قول الله تعالى ^ كيف يهدي الله قوما كفروا بعد ايمانهم وشهدوا ان الرسول حق ^ في أبي عامر بن النعمان
ووحوح بن الاسلت والحارث بن سويد بن الصامت في اثني عشر رجلا رجعوا عن الإسلام ولحقوا بقريش ثم كتبوا إلى اهليهم هل لنا من توبة فنزلت ^ الا الذين تابوا من بعد ذلك ^ في الحارث بن سويد بن الصامت
Powered by vBulletin® Version 4.2.0 Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir