مشاهدة النسخة كاملة : الصارم المسلول علي شاتم الرسول
د/احمد
2011-11-13, 11:32 AM
وقال حدثنا عبد الرزاق اخبرنا جعفر عن حميد عن مجاهد قال جاء الحارث بن سويد فأسلم مع النبي ثم كفر الحارث فرجع إلى قومه فأنزل الله فيه القران ^ كيف يهدي الله قوما كفروا بعد ايمانهم ^ إلى قوله ^ غفور رحيم ^ قال فحملها اليه رجل من قومه فقراها عليه فقال الحارث والله انك ما علمت لصادق وان رسول الله لأصدق منك وان الله لأصدق الثلاثة قال فرجع الحارث فأسلم فحسن إسلامه
وكذلك ذكر غير واحد من اهل العلم انها نزلت في الحارث بن سويد وجماعة معه ارتدوا عن الإسلام وخرجوا من المدينة كهيئة البدأ ولحقوا بمكة كفارا فأنزل الله فيهم هذه الاية فندم الحارث وارسل إلى قومه ان سلوا رسول الله هل لي توبة ففعلوا ذلك فأنزل الله تعالى ^ الا الذين تابوا من بعد ذلك واصلحوا فإن الله غفور رحيم ^ فحملها اليه رجل من قومه فقرأها عليه فقال الحارث انك والله ما علمت لصدوق وان رسول الله لاصدق منك وان الله عز وجل لاصدق الثلاثة فرجع الحارث إلى المدينة واسلم وحسن إسلامه # فهذا رجل قد ارتد ولم يقتله النبي بعد عوده إلى الإسلام ولان الله سبحانه قال في اخباره عن المنافقين ^ أبا لله واياته ورسوله كنتم تستهزءون لا تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم ان نعف عن
طائفة منكم نعذب طائفة ^ فدل على ان الكافر بعد ايمانه قد يعفى عنه وقد يعذب وانما يعفى عنه اذا تاب فعلم ان توبته مقبولة # وذكر اهل التفسير انهم كانوا جماعة وان الذي تاب منهم رجل واحد يقال له مخشي بن حمير وقال بعضهم كان قد انكر عليهم بعض ما سمع ولم يمالئهم عليه وجعل يسير مجانبا لهم فلما نزلت هذه الايات بريء من نفاقه وقال اللهم اني لا ازال اسمع اية تقر عيني بها تقشعر منها الجلود وتجب منها القلوب اللهم فاجعل وفاتي قتلا في سبيلك وذكروا القصة
وفي الاستدلال بهذا نظر ولان الله تعالى قال ^ ياايها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ^ إلى قوله ^ يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا ومانقموا الا ان اغناهم الله ورسوله من فضله فان يتوبوا يك خيرا لهم وان يتولوا يعذبهم الله عذابا اليما في الدنيا والاخرة وما لهم في الارض من ولي ولا نصير ^ # وذلك دليل على قبول توبة من كفر بعد إسلامه وانهم لا يعذبون في الدنيا ولا في الاخرة عذابا اليما بمفهوم الشرط ومن جهة التعليل ولسياق الكلام والقتل عذاب اليم فعلم ان من تاب منهم لم يعذب بالقتل لان الله سبحانه قال ^ من كفر بالله من بعد ايمانه الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الاخرة وان الله لايهدي القوم الكافرين اولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وابصارهم واولئك هم الغافلون لاجرم انهم في الاخرة هم الخاسرون ثم ان ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا ان ربك من بعدها لغفور رحيم ^ فتبين ان الذين هاجروا إلى دار الإسلام بعد ان فتنوا
عن دينهم بالكفر بعد الإسلام وجاهدوا وصبروا فان الله يغفر لهم ويرحمهم ومن غفر له ذنبه مطلقا لم يعاقبه عليه في الدنيا ولا في الاخرة # وقال سفيان بن عيينه عن عمرو بن دينار عن عكرمه خرج ناس من المسلمين يعني مهاجرين فأدركهم المشركون ففتنوهم فاعطوهم الفتنة فنزلت فيهم ^ ومن الناس من يقول امنا بالله فإذا اوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ^ الاية ونزل فيهم ^ من كفر بالله من بعد ايمانه ^ الاية ثم انهم خرجوا مرة اخرى فانقلبوا حتى اتوا المدينة فانزل الله فيهم ^ ثم ان ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ^ إلى اخر الاية ولأنه سبحانه قال ^ ومن يرتدد
منكم عن دينه فيمت وهو كافر فاولئك حبطت اعمالهم في الدنيا والاخرة ^ فعلم ان من لم يمت وهو كافر من المرتدين لا يكون خالدا في النار وذلك دليل على قبول التوبة وصحة الإسلام فلا يكون تاركا لدينه فلا يقتل ولعموم قوله تعالى ^ فاذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين ^ إلى قوله ^ فان تابوا واقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ^ فان هذا الخطاب عام في قتال كل مشرك وتخلية سبيله اذا تاب من شركه واقام الصلاة واتى الزكاة سواء كان مشركا اصليا او مشركا مرتدا # وايضا فان عبد الله بن سعد بن أبي سرح كان قد ارتد على عهد النبي ولحق بمكة وافترى على الله ورسوله ثم انه بعد ذلك بايعه النبي وحقن دمه وكذلك الحارث بن سويد أخو الجلاس بن سويد وكذلك جماعة من اهل مكة اسلموا ثم ارتدوا ثم عادوا إلى الإسلام فحقنت دماؤهم وقصص هؤلاء وغيرهم مشهورة عند اهل العلم بالحديث والسيرة
وايضا فالاجماع من الصحابة رضي الله عنهم ظاهر على ذلك فان النبي لما توفى ارتد أكثر العرب الا اهل مكة والمدينة والطائف واتبع قوم منهم من تنبا فيهم مثل مسيلمة والعنسي وطليحة الاسدي فقاتلهم الصديق وسائر الصحابة رضي الله عنهم حتى رجع اكثرهم إلى الإسلام فأقروهم على ذلك ولم يقتلوا واحدا ممن رجع إلى الإسلام ومن رؤوس من كان قد ارتد ورجع طليحة الاسدي المتنبي والاشعث بن قيس وخلق كثير لا يحصون والعلم بذلك ظاهر
لاخفاء به على أحد وهذه الرواية عن الحسن فيها نظر فان مثل هذا لا يخفى عليه ولعله اراد نوعا من الردة كظهور الزندقة ونحوها او قال ذلك في المرتد الذي ولد مسلما ونحو ذلك مما قد شاع فيه الخلاف # وأما قوله من بدل دينه فاقتلوه فنقول بموجبه فانما يكون مبدلا اذا دام على ذلك واستمر عليه فاما اذا رجع إلى الدين الحق فليس بمبدل وكذلك اذا رجع إلى المسلمين فليس بتارك لدينه مفارق للجماعة بل هو متمسك لدينه ملازم للجماعة وهذا بخلاف القتل والزنى فانه فعل صدر عنه لايمكن دوامه عليه بحيث اذا تركه يقال انه ليس بزان ولا سارق ولا قاتل فمتى وجد منه ترتب حده عليه وان عزم على ان لا يعود اليه لان العزم على ترك العود لايقطع مفسدة ما مضى من الفعل # على ان قوله التارك لدينه المفارق للجماعة قد يفسر بالمحارب قاطع الطريق كذلك رواه أبو داود في سننه مفسرا عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله لايحل دم امريء مسلم يشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله الا بإحدى ثلاث رجل زنى بعد إحصان فانه يرجم ورجل خرج محاربا لله ورسوله فانه يقتل او يصلب او ينفى من الارض أو يقتل نفسا
فيقتل بها فهذا المستثنى هنا هو المذكور في قوله التارك لدينه المفارق للجماعة ولهذا وصفه بفراق الجماعة وانما يكون هذا بالمحاربة # يؤيد ذلك ان الحديثين تضمنا انه لايحل دم من يشهد ان لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله والمرتد لم يدخل في هذا العموم فلا حاجة إلى استثنائه وعلى هذا فيكون ترك دينه عبارة عن خروجه عن موجب الدين ويفرق بين ترك الدين وتبديله او يكون المراد به من ارتد وحارب كالعرنيين ومقيس بن صبابة ممن ارتد وقتل واخذ المال فان هذا يقتل بكل حال وان تاب بعد القدرة عليه ولهذا والله اعلم استثني هؤلاء الثلاثة الذين يقتلون بكل حال وان اظهروا التوبة بعد القدرة ولو كان اريد المرتد المجرد لما احتيج إلى قوله المفارق للجماعة فان مجرد الخروج عن الدين يوجب القتل وان لم يفارق جماعة الناس فهذا وجه يحتمله الحديث وهو والله اعلم مقصود هذا الحديث
واما قوله لا يقبل الله توبة عبد اشرك بعد إسلامه فقد رواه ابن ماجة من هذا الوجه ولفظه لايقبل الله من مشرك اشرك بعد إسلامه عملا حتى يفارق المشركين إلى المسلمين وهذا دليل على قبول إسلامه اذا رجع إلى المسلمين وبيان ان معنى الحديث ان توبته لاتقبل ما دام مقيما بين ظهراني المشركين مكثرا لسوادهم كحال اللذين قتلوا ببدر ومعناه ان من اظهر الإسلام ثم فتن عن دينه حتى ارتد فانه لاتقبل توبته وعمله حتى يهاجر إلى المسلمين وفي مثل هؤلاء نزل قوله تعالى ^ ان الذين توفاهم الملائكة ظالمي انفسهم ^ الاية
وايضا فان ترك الدين وتبديله وفراق الجماعة يدوم ويستمر لانه تابع للاعتقاد والاعتقاد دائم فمتى قطعه وتركه عاد كما كان ولم يبق لما مضى حكم اصلا ولا فيه فساد ولا يجوز ان يطلق عليه القول بانه مبدل للدين ولا انه تاركك لدينه كما يطلق على الزاني والقاتل بان هذا زان وقاتل فان الكافر بعد إسلامه لايجوز ان يسمى كافرا عند الاطلاق ولان تبديل الدين وتركه في كونه موجبا للقتل بمنزلة الكفرالاصلي والحراب في كونهما كذلك فاذا كان زوال الكفر بالإسلام او زوال المحاربة بالعهد يقطع حكم الكفر فكذلك اذا زال تبديل الدين وتركه بالعود إلى الدين واخذه انقطع حكم ذلك التبديل والترك
فصل # اذا تقرر ذلك فان الذي عليه جماهير اهل العلم ان المرتد يستتاب ومذهب مالك واحمد انه يستتاب ويؤجل بعد الاستتابه ثلاثة ايام وهل ذلك واجب او مستحب على روايتين عنهما اشهرهما عنهما ان الاستتابة واجبة وهو قول اسحاق بن راهوية # وكذلك مذهب الشافعي هل الاستتابه واجبة او مستحبة على قولين لكن عنده في أحد القولين يستتاب فان تاب في الحال والا قتل وهو قول ابن المنذر والمزني وفي القول الاخر يستتاب ثلاثا كمذهب مالك
واحمد وقال الزهري وابن القاسم في رواية يستتاب ثلاث مرات # ومذهب أبي حنيفة انه يستتاب ايضا فان لم يتب والا قتل والمشهور عندهم ان الاستتابة مستحبة وذكر الطحاوي عنهم لايقتل المرتد حتى يستتاب وعندهم يعرض عليه الإسلام فان اسلم والاقتل مكانه الا ان يطلب ان يؤجل فانه يؤجل ثلاثة ايام
وقال الثوري يؤجل ما رجيت توبته وكذلك معنى قول النخعي # وذهب عبيد بن عمير وطاوس إلى انه يقتل ولا يستتاب لانه
امر بقتل المبدل دينه والتارك لدينه المفارق للجماعة ولم يأمر باستتابتة كما امر الله سبحانه بقتال المشركين من غير استتابة مع انهم لو تابوا لكففنا عنهم # يؤيد ذلك ان المرتد اغلظ كفرا من الكافر الاصلي فاذا جاز قتل الاسير الحربي من غير استتابة فقتل المرتد الاولى # وسر ذلك انا لانجيز قتل كافر حتى نستتيبه بان يكون قد بلغته دعوة محمد إلى الإسلام فان قتل من لم تبلغه الدعوة غير جائز والمرتد قد بلغته الدعوة فجاز قتله كالكافر الاصلي الذي بلغته وهذا هو عله من راى الاستتابة مستحبة فان الكفار يستحب ان ندعوهم إلى الإسلام عند كل حرب وان كانت الدعوة قد بلغتهم فكذلك المرتد ولايجب ذلك فيهما
نعم لو فرض المرتد من يخفى عليه جواز الرجوع إلى الإسلام فان الاستتابة هنا لابد منها # ويدل على ذلك ايضا ان النبي اهدر يوم الفتح مكة دم عبد الله بن سعد بن أبي سرح ودم مقيس بن صبابه ودم عبد الله بن خطل وكانوا مرتدين ولم يستتبهم بل قتل ذانك الرجلان وتوقف عن مبايعة بن أبي سرح لعل بعض المسلمين يقتله فعلم ان قتل المرتد جائز ما لم يسلم وانه لا يستتاب # وايضا فان النبي عاقب العرنيين الذين كانوا في اللقاح ثم ارتدوا عن الإسلام بما اوجب موتهم ولم يستتبهم ولانه فعل شيئا من
الاسباب المبيحة للدم فقتل قبل استتابتة كالكافر الاصلي وكالزاني وكقاطع الطريق ونحوهم فان كل هؤلاء من قبلت توبته ومن لم تقبل يقتل قبل الاستتابة ولان المرتد لو امتنع بان يلحق بدار الحرب او بان يكون المرتدون ذوي شوكة يمتنعون بها عن حكم الإسلام فانه يقتل قبل الاستتابة بلا تردد فكذلك اذا كان في ايدينا # وحجة من رأى الاستتابة اما واجبة او مستحبة قوله سبحانه وتعالى ^ قل للذين كفروا ان ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ^ امر الله ورسوله ان يخبر جميع الذين كفروا انهم ان انتهوا غفر لهم ما سلف وهذا معنى الاستتابة والمرتد من الذين كفروا والامر للوجوب فعلم ان استتابة المرتد واجبة ولا يقال فقد بلغهم عموم الدعوة إلى الإسلام لان هذا الكفر اخص من ذلك الكفر فانه يوجب قتل كل من فعله ولا يجوز استبقاؤه وهو لم يستتب من هذا الكفر # وايضا فان النبي بعث بالتوبة إلى الحارث بن سويد ومن كان قد ارتد معه إلى مكة كما قدمناه بعد ان كانت قد نزلت فيهم اية التوبة فتكون استتابته مشروعة ثم ان هذا الفعل منه خرج امتثالا للأمر بالدعوة إلى الإسلام والابلاغ لدينه فيكون واجبا
وعن جابر رضى الله عنه ان امراة يقال لها أم مروان ارتدت عن الإسلام فامر النبي ان يعرض عليها الإسلام فان رجعت والا قتلت # وعن عائشة رضى الله عنها قالت ارتدت امراة يوم أحد فامر النبي ان تستتاب فان تابت والا قتلت رواهما الدارقطني # وهذا ان صح امر بالاستتابة والامر للوجوب والعمدة فيه
إجماع الصحابة عن محمد بن عبد الله بن عبد القاري قال قدم على عمر بن الخطاب رجل من قبل أبي موسى الاشعري فسأله عن الناس فاخبره ثم قال هل من مغربة خبر قال نعم رجل كفر بعد إسلامه قال فما فعلتم به قال قربناه فضربنا عنقه قال عمر فهلا حبستموه ثلاثا واطعتموه كل يوم رغيفا واستتبتموه لعله يتوب ويراجع امر الله اللهم اني لم احضر ولم امر ولم ارض اذ بلغني رواه
مالك والشافعي واحمد قال اذهب إلى حديث عمر وهذا يدل على ان الاستتابة واجبة والا لم يقل عمر لم ارض اذ بلغني # وعن انس بن مالك قال لما افتتحنا تستر بعثني الاشعري إلى عمر بن الخطاب فلما قدمت عليه قال ما فعل البكريون جحينة واصحابه قال فاخذت به في حديث اخر قال فقال ما فعل النفر البكريون قال فلما رايته لا يقطع قلت يا امير المؤمنين ما فعلوا انهم قتلوا ولحقوا بالمشركين ارتدوا عن الإسلام وقاتلوا مع المشركين حتى قتلوا قال فقال لان اكون اخذتهم سلما كان احب الي مما على وجه الارض من صفراء او بيضاء قال فقلت
وما كان سبيلهم لو اخذتهم سلما قال كنت اعرض عليهم الباب الذي خرجوا منه فان ابوا استودعتهم السجن # وعن عبد الله بن عتبة قال اخذ ابن مسعود قوما ارتدوا عن الإسلام من اهل العراق قال فكتب فيهم إلى عثمان بن عفان رضى الله عنه فكتب اليه ان اعرض عليهم دين الحق وشهادة ان لا اله الا الله فان قبلوا فخل عنهم وان لم يقبلوا فاقتلهم فقبلها بعضهم فتركه ولم يقبلها
بعضهم فقتله رواهما الإمام احمد بسند صحيح # وعن العلاء أبي محمد ان عليا رضي الله عنه اخذ رجلا من بني بكر بن وائل قد تنصر فاستتابه شهرا فابى فقدمه ليضرب عنقه فنادى يالبكر فقال علي اما انك واجده إمامك في النار رواه الخلال وصاحبه أبو بكر # وعن أبي موسى رضى الله عنه انه اتى برجل قد ارتد عن
الإسلام فدعاه عشرين لليلة او قريبا منها فجاء معاذ فدعاه فابى فضرب عنقه رواه أبو داود # وروى من وجه اخر ان أبا موسى استتابه شهرا ذكره الإمام احمد # وعن رجل عن ابن عمر قال يستتاب المرتد ثلاثا رواه الإمام احمد # وعن أبي وائل عن ابن معين السعدي قال مررت في السحر
بمسجد بني حنيفة وهم يقولون ان مسيلمة رسول الله فاتيت عبد الله فاخبرته فبعث الشرط فجاءوا بهم فاستتابهم فتابوا فخلى سبيلهم وضرب عنق عبد الله بن النواحة فقالوا احدث قوم في امر فقتلت بعضهم وتركت بعضهم فقال اني سمعت رسول الله وقدم اليه هذا وابن اثال فقال اتشهدان اني رسول الله فقالا اتشهد انت ان سيلمة رسول الله فقال النبي امنت بالله ورسوله ولو كنت قاتلا وفدا لقتلتكما قال فلذلك قتلته رواه عبد الله بن احمد بإسناد صحيح
فهذه اقوال الصحابة في قضايا متعددة لم ينكرها منكر فصارت اجماعا # والفرق بين هذا وبين الكافر الاصلي من وجوه # احدها ان توبة هذا اقرب لان المطلوب منه اعادة الإسلام والمطلوب من ذاك ابتداؤه والاعادة أسهل من الابتداء فاذا اسقط عنا استتابة الكافر لصعوبتها لم يلزم سقوط استتابة المرتد # الثاني ان هذا يجب قتله عينا وان لم يكن من اهل القتال وذاك لايجوز ان يقتل الا ان يكون من اهل القتال ويجوز استبقاؤه بالامان والهدنة والذمة والارقاق والمن والفداء فاذا كان حده اغلظ فلم يقدم عليه الا بعد الاعذار اليه بالاستتابة بخلاف من يكون جزاؤه دون هذا # الثالث ان الاصلي قد بلغته الدعوة وهي استتابة عامة من كل كفر واما هذا فانما نستتيبه من التبديل وترك الدين الذي كان عليه ونحن لم نصرح له بالاستتابة من هذا ولا بالدعوة إلى الرجوع
واما ابن أبي سرح وابن خطل ومقيس بن صبابه فانه كانت لهم جرائم زائدة على الردة وكذلك العرنيون فان أكثر هؤلاء قتلوا مع الردة واخذوا الاموال فصاروا قطاع طريق ومحاربين لله ورسوله وفيهم من كان يؤذي بلسانه اذى صار به من جنس المحاربين فلذلك لم يستتابوا على ان الممتنع لا يستتاب وانما يستتاب المقدور عليه ولعل بعض هؤلاء قد استتيب قبل ذلك
فصل # ذكرنا حكم المرتد استطرادا لان الكلام في الساب متعلق به تعلقا شديدا فمن قال ان ساب النبي من المسلمين يستتاب قال انه نوع من الكفر فان من سب الرسول او جحد نبوته او كذب بآية من كتاب الله او تهود او تنصر ونحو ذلك كل هؤلاء قد بدلوا دينهم وتركوه وفارقوا الجماعة فيستتابون وتقبل توبتهم كغيرهم # يؤيد ذلك ان كتاب أبي بكر رضي الله عنه إلى المهاجر في المراة السابة ان حد الانياء ليس يشبه الحدود فمن تعاطى ذلك منها مسلم فهو مرتد او معاهد فهو محارب غادر # وعن ابن عباس رضي الله عنهما ايما مسلم سب الله او سب احدا من الانبياء فقد كذب برسول الله وهي ردة يستتاب فان رجع والا قتل
والاعمى الذي كانت له أم ولد تسب النبي كان ينهاها فلا تنتهي ويزجرها فلا تنزجر فقتلها بعد ذلك فان كانت مسلمة فلم يقتلها حتى استتابها وان كانت ذمية وقد استتابها فاستتابة المسلم اولى # وايضا فاما ان يقتل الساب لكونه كفر بعد إسلامه او لخصوص السب والثاني لا يجوز لان النبي قال لا يحل دم امريء مسلم يشهد ان لا اله الا الله واني رسول الله الا باحدى ثلاث كفر بعد إسلام او زني بعد احصان او قتل نفس فيقتل بها # وقد صح ذلك عنه من وجوه متعددة وهذا الرجل لم يزن ولم يقتل فان لم يكن قتله لاجل الكفر بعد الإسلام امتنع قتله فثبت انه انما يقتل لانه كفر بعد إسلامه وكل من كفر بعد إسلامه فان توبته تقبل
لقوله تعالى ^ كيف يهدي الله قوما كفروا بعد ايمانهم ^ إلى قوله ^ الا الذين تابوا من بعد ذلك واصلحوا ^ الاية ولما تقدم من الادلة الدالة على قبول توبة المرتد # وايضا فعموم قوله تعالى ^ قل للذين كفروا ان ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ^ وقوله الإسلام يجب ما قبله والإسلام يهدم ماكان قبله رواه مسلم يوجب ان من اسلم غفر له كل ما مضى # وايضا فان المنافقين الذين نزل فيهم قوله تعالى ^ ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو اذن قل اذن خير لكم ^ إلى قوله ^ لا تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم ^ وقد قيل فيهم ^ ان نعف
عن طائفة منكم نعذب طائفة ^ مع ان هؤلاء قد اذوه بالسنتهم وايديهم ايضا ثم العفو مرجو لهم وانما يرجى العفو مع التوبة فعلم ان توبتهم مقبولة ومن عفى عنه لم يعذب في الدنيا ولا في الاخرة # وايضا فقوله سبحانه وتعالى ^ جاهد الكفار والمنافقين ^ إلى قوله ^ فان يتوبوا يك خيرا لهم وان يتولوا يعذبهم الله عذابا اليما ^ الاية فانها تدل على أن المنافق اذا كفر بعد إسلامه ثم تاب
لم يعذب عذابا اليما في الدنيا ولا في الاخرة والقتل عذاب اليم فعلم انه لا يقتل # وقد ذكر عن ابن عباس رضي الله عنه انها نزلت في رجال من المنافقين اطلع احدهم على النبي فقال علام تشتمني انت واصحابك فانطلق الرجل فجاء باصحابه فحلفوا بالله ما قالوا فانزل الله هذه الاية # وعن الضحاك قال خرج المنافقون مع رسول الله إلى تبوك فكانوا اذا خلا بعضهم ببعض سبوا رسول الله واصحابه وطعنوا في الدين فنقل ما قالوا حذيفة إلى رسول الله فقال النبي يا اهل النفاق ما هذا الذي بلغني عنكم فحلفوا لرسول الله ما قالوا شيئا من ذلك فانزل الله هذه الاية اكذابا لهم
د/احمد
2011-11-13, 11:33 AM
وايضا فلا ريب ان توبتهم فيما بينهم وبين الله مقبولة اذا كانت توبة صحيحة ويغفر لهم في ضمنها ما نالوه من عرض رسول الله بما ابدلوه من الايمان به وما في ضمن الايمان به من محبته وتعظيمه وتعزيزه وتوقيره واعتقاد براءته من كل ما رموه به وهذه التوبة صحت فيما بينهم وبين الله وان تضمنت التوبة من حقوق الادميين لاوجه # احدها انه قد قيل كفارة الغيبة الاستغفار لمن استغتبته وقد ذهب كثير من العلماء او اكثرهم إلى مثل ذلك فجاز ان يكون ما اتى به من الايمان برسول الله الموجب لانواع الثناء عليه والتعظيم له ما حيا لما ناله من عرض
الثاني ان حق الانبياء تابع لحق الله وانما عظمت الوقيعة في اعراضهم لما يتضمن ذلك من الكفر والوقيعة في دين الله وكتابه ورسالته فاذا تبعت حق الله في الوجوب تبعته في السقوط لئلا تكون أعظم منه ومعلوم ان الكافر تصح توبته من حقوق الله فكذلك من حقوق الانبياء المتعلقة بنبوتهم بخلاف التوبة من الحقوق التي تجب للناس بعضهم على بعض # الثالث ان الرسول قد علم منه انه يدعوالناس إلى الايمان به واتباعه ويخبرهم ان من فعل ذلك فقد غفر الله له كل ما اسلفه في كفره فيكون قد عفي لمن قد اسلم عما ناله من عرضه # وبهذه الوجوه يظهر الفرق بين سب الرسول وبين سب واحد من الناس فانه اذا سب واحدا من الناس لم يأت بعد سبه ما يناقض موجب السب وسبه حق ادمي محض لم يعف عنه والمقتضي للسب هو موجود بعد التوبة والإسلام كما كان موجودا قبلها ان يزجر عنه بالحد وهناك كان الداعي اليه الكفر وقد زال بالايمان واذا ثبت ان توبته وايمانه مقبول منه فيما بينه وبين الله فاذا اظهرها وجب ان يقبلها منه لما روى أبو سعيد في حديث ذي الخويصرة التميمي الذي اعترض على النبي في القسمة فقال خالد بن الوليد يارسول الله الا
اضرب عنقه فقال لا لعله ان يكون يصلي قال خالد وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه فقال رسول الله لم اومر ان انقب عن قلوب الناس ولا اشق بطونهم رواه مسلم # وقال لاسامة في الرجل الذي قتله بعد ان قال لا اله الا الله كيف قتلته بعد ان قال لا اله الا الله قال انما قالها تعوذا قال فهلا شققت عن قلبه # وكذلك في حديث المقداد نحو هذا وفي ذلك نزل قوله تعالى
^ ولا تقولوا لمن القى اليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا ^ ولا خلاف بين المسلمين ان الحربي اذا اسلم عند رؤية السيف وهو مطلق او مقيد يصح إسلامه وتقبل توبته من الكفر وان كانت دلالة الحال تقضي ان باطنه بخلاف ظاهره # وايضا فان النبي كان يقبل من المنافقين علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله مع اخبار الله له انهم اتخذوا ايمانهم جنة وانهم ^ يحلفون بالله ماقالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا ^ فعلم ان من اظهر الإسلام والتوبة من الكفر قبل ذلك منه فهذا قول هؤلاء وسيأتي ان شاء الله تعالى الاستدلال على تعين قتله من غير استتابة والجواب عن هذه الحجج
الفصل الثاني
في الذمي اذا سبه ثم تاب # وقد ذكرنا فيه ثلاثة اقوال # احدها يقتل بكل حال وهو المشهور من مذهب الإمام احمد ومذهب مالك اذا تاب بعد اخذه وهو وجه لاصحاب الإمام الشافعي # الثاني يقتل الا ان يتوب بالإسلام وهو ظاهر الرواية الاخرى عن مالك واحمد # والثالث يقتل الا ان يتوب بالإسلام او بالعودة إلى الذمة كما كان وعليه يدل ظاهر عموم كلام الشافعي الا ان يتاول وعلى هذا فانه
يعاقب اذا عاد إلى الذمة ولا يقتل # فمن قال ان القتل يسقط عنه بالإسلام فانه يستدل بمثل ما ذكرناه في المسلم فانه كله يدل على ان الكافر ايضا اذا اسلم سقط عنه موجب السب ويدل على ذلك ايضا ان الصحابة ذكروا انه اذا فعل ذلك فهو غادر محارب وانه ناقض للعهد ومعلوم ان من حارب ونقض العهد اذا اسلم عصم دمه وماله وقد كان كثير من المشركين مثل ابن الزبعرى وكعب بن زهير وابي سفيان بن الحارث وغيرهم يهجون النبي بانواع الهجاء ثم اسلموا فعصم الإسلام دماءهم واموالهم وهؤلاءوان كانوا محاربين لم يكونوا من اهل العهد فهو دليل على ان حقوق الادميين التي يستحلها الكافر اذا فعلها ثم اسلم سقطت عنه كما تسقط عنه حقوق الله ولهذا اجمع المسلمون اجماعا مستنده كتاب الله وسنة نبيه الظاهرة ان الكافر الحربي اذا اسلم لم يؤخذ بما كان اصابه من المسلمين من دم او مال او عرض والذمي اذا سب رسول الله فانه يعتقد حل ذلك وعقد الذمة لم يوجب عليه تحريم ذلك فاذا اسلم لم يؤخذ به بخلاف ما يصيبه من دماء المسلمين واموالهم واعراضهم فان عقد الذمة يوجب تحريم ذلك عليه منا كما يوجب تحريم ذلك علينا منه وان كان
لايوجب علينا الكف عن سب دينهم والطعن فيه فهذا اقرب ما يتوجه به الاستدلال بقصص هؤلاء وان كان الاستدلال به خطا # وايضا فان الذمي اما ان يقتل اذا سب لكفره اوحرابه كما يقتل الحربي الساب او يقتل حدا من الحدود كما يقتل لزناه بذمية وقطع الطريق على ذمي والثاني باطل فتعين الاول وذلك لان السب من حيث هو سب ليس فيه أكثر من انتهاك العرض وهذا القدر لايوجب الا الجلد بل لايوجب على الذمي شيئا لاعتقاده حل ذلك نعم انما صولح على الكف عنه والامساك فمتى اظهر السب زال العهد وصار حربيا ولان كون السب موجبا للقتل حدا حكم شرعي فيفتقر إلى دليل ولا دليل على ذلك اذا أكثر ما يذكر من الادلة انما تفيد انه يقتل وذلك متردد بين كون القتل لكفره وحرابه او لخصوص السب ولا يجوز اثبات الاحكام بمجرد الاستحسان
والاستصلاح فان ذلك شرع للدين بالراي وذلك حرام لقوله تعالى
^ أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم ياذن به الله ^ والقياس في المسالة متعذر لوجهين # احدهما ان كثيرا من النظار يمنع جريان القياس في الاسباب والشروط والموانع لان ذلك يفتقر إلى معرفة نوع الحكمة وقدرها وذلك متعذرا ولان ذلك يخرج السبب عن ان يكون سببا وشرط القياس بقاء حكم الاصل ولانه ليس في الجنايات الموجبة للقتل حدا ما يمكن الحاق السب بها لاختلافهما نوعا وقدرا واشتراكهما في عموم المفسدة لا يوجب الالحاق بالاتفاق وكون هذه المفسدة مثل هذه المفسدة يفتقر إلى دليل والا كان شرعا بالراي ووضعا للدين بالمعقول وذلك انحلال عن معاقد
الدين وانسلال عن روابط الشريعة وانخلاع من ربق الإسلام وسياسة للخلق بالاراء الملكية والانحاء العقليه وذلك حرام بلا ريب فثبت انه انما يقتل لاجل كفره وحرابه ومعلوم ان الإسلام يسقط القتل الثابت للكفر والحراب بالاتفاق # وايضا فالذمي لو كان يسب النبي فيما بينه وبين الله تعالى ويقول فيه ما عسى ان يقول من القبائح ثم اسلم واعتقد نبوته ورسالته لمحا ذلك عنه جميع تلك السيئات ولا يجوز ان يقال ان النبي يطالبه بموجب سبه في الدنيا ولا في الاخرة ومن قال ذلك علم انه مبطل في مقالته للعلم بان الكافرين يقولون في الرسول شر المقالات واشنعها وقد اخبر الله تعالى عنهم في القران ببعضها مثل قولهم ساحر وكاهن ومجنون ومفتر وقول اليهود في مريم بهتانا عظيما ونسبتها إلى الفاحشة وان المسيح لغير رشدة وهذا هو القذف الصريح ثم لو اسلم اليهودي واقر بنبوة المسيح وانه عبد الله ورسوله وانه بريء مما رمته به اليهود لم يبقى للسميح عليه تبعه # ونحن نعلم ان من الكفار من يعتقد نبوة نبينا إلى الاميين ومنهم من يعتقد نبوته مطلقا لكن الف الدين وعادته واغراض اخر تمنع من
الدخول في الإسلام ومنهم المعرض عن ذلك الذي لاينظر فيه ولا يتفكر فهؤلاء قد لا يسبونه ومنهم من يعتقد فيه العقيدة الرديه ويكف عن سبه وشتمه او يسبه ويشتمه بما يعتقده فيه مما يكفر به ولا يظهر ذلك ومنهم من يظهر ذلك عند المسلمين ومنهم من يسبه بما لم يكفر به مما يكون سبا للنبي وغير النبي كالقذف ونحوه ولكن اذا اسلم الكفار غفر لهم جميع ذلك ولم يجئ في كتاب ولا سنة ان الكافر اذا اسلم يبقى عليه تبعة من التبعات بل الكتاب والسنة دليلان على ان الإسلام يجب ما قبله مطلقا واذا كان اثم السب مغفورا له لم يجز ان يعاقب عليه بعد الإسلام # وايضا فلو سب الله سبحانه ثم اسلم لم يؤخذ بموجب ذلك وقد قال النبي فيما يروي عنه ربه تبارك وتعالى شتمني ابن ادم وما ينبغي له ذلك وكذبني ابن ادم وما ينبغي له ذلك اما شتمه اياي فقوله اني اتخذت ولدا وانا الاحد الصمد
ثم لو تاب النصراني ونحوه من شتم الله سبحانه لم يعاقب على ذلك في الدنيا ولا في الاخرة بالاتفاق قال تعالى ^ لقد كفر الذين قالوا ان الله ثالث ثلاثة وما من اله الا اله واحد وان لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب اليم افلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم ^ فسب النبي لا يكون أعظم من سب الله فانه انما عظم وصار موجبا للقتل لكون حقه تابعا لحق الله فاذا سقط المتبوع بالإسلام فالتابع اولى وبهذا يظهر الفرق بين سب الانبياء وسب غيرهم من المؤمنين فان سب الواحد من الناس لا يختلف بين ما قبل الإسلام وما بعده والاذى والغضاضه التي تلحق المسبوب قبل الإسلام الساب وبعده سواء بخلاف سب النبي فانه قد زال موجبه بالإسلام وتبدل بالتعزير له والتوقير والثناء عليه والمدح له كما تبدل السب لله بالايمان وتوحيده وتقديسه وتحميده وعبادته # يوضح ذلك ان الرسول له نعت البشرية ونعت الرسالة كما قال ^ سبحان ربي هل كنت الا بشرا رسولا ^ فمن حيث هو بشر له احكام البشر ومن حيث هو رسول قد ميزه الله سبحانه وفضله بما خصه به فسبه موجب للعقوبة من حيث هو بشر كغيره من المؤمنين وموجب
للعقوبة من حيث هو رسول بما خصه الله به لكن انما اوجب القتل من حيث هو رسول فقط لان السب المتعلق بالبشرية لايوجب قتلا وسبه من حيث هو رسول حق لله فقط فاذا اسلم الساب انقطع حكم السب المتعلق برسالته كما انقطع حكم السب المتعلق بالمرسل فسقط القتل الذي هو موجب ذلك السب ويبقى حق بشريته من هذا السب وحق البشرية انما يوجب جلد ثمانين # فمن قال انه يجلد لقذفه بعد إسلامه ويعزر لسبه بغير القذف قال ان الإسلام يسقط حق الله وحق الرسالة ويبقى حق خصوص الادمية كغيره من الادميين فيؤدب سابه كما يؤدب ساب جميع المؤمنين بعد إسلامه # ومن قال انه لايعاقب بشيء قال هذا الحق اندرج في حق النبوة وحق البشرية انغمر في حق الرسالة فان الجريمة الواحدة اذا اوجبت القتل لم توجب معه عقوبة اخرى عند أكثر الفقهاء ولهذا اندرج حق الله المتعلق بالقتل والقذف في حق الادمي فاذا عفي للجاني عن القصاص وحد القذف لم يعاقب على ما انتهكه من الحرمه كذلك هنا اندرج حق البشرية في حق الرسالة وفي هذين الاصلين المقيس عليهما خلاف بين الفقهاء فان مذهب مالك ان القاتل يعزره الإمام اذا عفا عنه ولي الدم
وعند أبي حنيفة ان حد القذف لا يسقط بالعفو وكذلك تردد من قال ان القتل يسقط بالإسلام هل يؤدب حدا او تعزيرا على خصوص القذف والسب ومن قال هذا القول قال لا يستدل علينا بان الصحابة قتلوا سابه او امروا بقتل سابه او ارادوا قتل سابه من غير استتابة فان الذمي اذا سبه لا يستتاب بلا تردد فانه يقتل لكفره الاصلي كما يقتل الاسير الحربي ومثل ذلك لا يستتاب كاستتابة المرتد اجماعا لكن لو اسلم عصم دمه # كذلك نقول من شتمه من اهل الذمة فانه يقتل ولا يستتاب كانه حربي اذى المسلمين وقد اسرناه فانا نقتله فان اسلم سقط عنه القتل # وكذلك أكثر نصوص مالك واحمد وغيرهما انما هي انه يقتل ولا يستتاب وهذا لاتردد فيه اذا سبه الذمي # ومن قال ان الذمي يستتاب فقد يقول انه قد لا يعلم انه
اذا اسلم سقط عنه القتل فيستتاب كما يستتاب المرتد واولى فان قتل الكفار قبل الاعذار اليهم وتبليغهم رسالات الله غير جائز # ومن لم يستتبه قال هذا هو القياس المثلي في قتل كل كافر اصلي اسير وقد ثبت ثبوتا لا يمكن دفعه ان النبي وخلفاءه الراشدين كانوا يقتلون كثيرا من الاسرى من غير عرض للإسلام عليهم وان كانوا ناقضين للعهد وذلك في قصة قريضه وخيبر ظاهر لا يختلف فيه اثنان من اهل العلم بالسيرة فان رسول الله اخذهم اسرى بعد ان نقضوا العهد وضرب رقابهم من غير ان يعرض عليهم الإسلام وقد امر بقتل ابن الاشرف من غير عرض للإسلام عليه وانما قتله لانه كان يؤذي الله ورسوله وقد نقض العهد # ومن قال انه اذا تاب بالعود إلى الذمة قبلت توبته او خير الإمام فيه قال انه في هذه الحال بمنزلة حربي قد بذل الجزية عن يد وهو صاغر فيجب الكف عنه # واعلم ان هنا معنى لابد من التنبيه عليه وهو ان الاسير الحربي الاصل لو اسلم فان إسلامه لا يزيل عنه حكم الاسر بل ان يصير رقيقا للمسلمين بمنزلة النساء والصبيان كاحد القولين في مذهب الشافعي
واحمد او يخير الإمام فيه بين الثلاثة غير القتل على القول الاخر في المذهبين
د/احمد
2011-11-13, 11:34 AM
والدليل على ذلك ما روى مسلم في صحيحه عن عمران بن حصين قال كانت ثقيف حلفاء لبني عقيل فاسرت ثقيف رجلين من اصحاب النبي واسر اصحاب رسول الله رجلا من بني عقيل واصابوا معه العضباء فأتى عليه رسول الله وهو في الوثاق فقال
يا محمد فاتاه فقال ما شانك فقال بم اخذتني واخذت سابقة الحاج يعني العضباء فقال اخذتك بجريرة حلفائك من ثقيف ثم انصرف عنه فناداه فقال يا محمد يامحمد وكان رسول الله رحيما رقيقا فرجع اليه فقال ما شانك قال اني مسلم قال لو قلتها وانت تملك امرك افلحت كل الفلاح ثم انصرف فناداه يا محمد يا محمد فاتاه فقال ما شانك فقال اني جائع فاطعمني وظمان فاسقني قال هذه حاجتك ففدى بالرجلين فاخبر النبي انه اذا اسلم بعد الاسر لم يفلح كل الفلاح كما اذا اسلم قبل الاسر وان ذلك الإسلام لا يوجب اطلاقه
وكذلك العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه اظهر الإسلام بعد الاسر بل اخبر انه قد كان اسلم قبل ذلك فلم يطلقه النبي حتى فدى نفسه والقياس يقتضي ذلك فانه لو اسلم رقيق للمسلمين لم يمنع ذلك دوام رقه فكذلك إسلام الاسير لا يمنع دوام اسره لانه نوع رق ومجوز للاسترقاق كما ان إسلامه لا يوجب ان يرد عليه ما اخذ من ماله قبل الإسلام فاذا كان هذا حال من اسلم بعد ان اسر ممن هو حربي الاصل فهذا الناقض للعهد حاله اشد بلا ريب فاذا اسلم بعد ان نقض العهد وهو في ايدينا لم يجز ان يقال انه يطلق بل حيث قلنا قد عصم دمه فاما ان يصير رقيقا وللإمام ان يبيعه بعد ذلك وثمنه لبيت المال او انه يتخير فيه وهذا قياس قول من يجوز استرقاق ناقض العهد ومن لم يجوز استرقاقهم فانه يجعل هذا بمنزلة المرتد ويقول اذا عاد إلى الإسلام لم يسترق ولم يقتل ومعنى قوله لو اسلمت وانت تملك امرك افلحت كل الفلاح دليل على ان من اسلم وهو لا يملك امره لم يكن حاله كحال من اسلم وهو مالك امره فلا تجوز التسوية بينهما بحال وفي هذا ايضا دليل على انه اذا بذل الجزية لم يجب اطلاقه فانه اذا لم يجب اطلاقه بالإسلام فببذل الجزية اولى لكن ليس في الحديث ما ينفي استرقاقه
فصل # والدليل على ان المسلم يقتل اذا سب من غير استتابة وان اظهر التوبة بعد اخذه كما هو مذهب الجمهور قوله سبحانه ^ ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والاخرة واعد لهم عذابا مهينا ^ # وقد تقدم ان هذا يقتضي قتله ويقتضي تحتم قتله وان تاب بعد الاخذ لانه سبحانه ذكر الذين يؤذون الله ورسوله والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات فاذا كانت عقوبة اولئك لا تسقط اذا تابوا بعد الاخذ فعقوبة هؤلاء اولى واحرى لان عقوبة كليهما على الاذى الذي قاله بلسانه لا على مجرد كفر هو باق عليه # وايضا فانه قال ^ لئن لم ينته المنافقون ^ إلى قوله
^ ملعونين اينما ثقفوا اخذوا وقتلوا تقتيلا ^ وهو امر يقتضي ان من لم ينته فانه يؤخذ ويقتل فعلم ان الانتهاء العاصم ما كان قبل الاخذ # وايضا فانه جعل ذلك تفسيرا للعن فعلم ان الملعون متى اخذ قتل اذا لم يكن قد انتهى قبل الاخذ وهذا ملعون فيدخل في الاية # يؤيد ذلك ما قدمناه عن ابن عباس انه قال في قوله تعالى ^ ان الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والاخرة ولهم عذاب عظيم ^ قال هذه في شأن عائشة وازواج النبي خاصة ليس فيها توبة ثم قرا ^ والذين يرمون المحصنات ثم لم ياتوا باربعة شهداء ^ إلى قوله ^ الا الذين تابوا من بعد ذلك واصلحوا ^ فجعل لهؤلاء توبة ولم يجعل لاولئك توبة قال فهم رجل ان يقوم فيقبل راسه من حسن ما فسر فهذا ابن عباس قد بين ان من لعن هذه اللعنة لا توبة له واللعنة الاخرى ابلغ منها # يقرره ان قاذف امهات المؤمنين انما استحق هذه اللعنة على قوله لاجل النبي فعلم ان مؤذيه لا توبة له # وايضا قوله سبحانه ^ انما جزاء الذين يحاربون الله
ورسوله ويسعون في الارض فسادا ^ الاية # وهذا الساب محارب لله ورسوله كما تقدم تقريره من انه محاد لله ورسوله وان المحاد لله ورسوله مشاق لله ورسوله محارب لله ورسوله ولان المحارب ضد المسالم والمسالم الذي تسلم منه ويسلم منك ومن اذاه لم يسلم منه فليس بمسالم فهو محارب وقد تقدم من غير وجه ان النبي سماه عدوا له ومن عاداه فقد حاربه وهو من أعظم الساعين في الارض بالفساد قال الله تعالى في صفة المنافقين ^ واذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض قالوا انما نحن مصلحون الا انهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ^ # وكل مل ما في القران من ذكر الفساد مثل قوله ^ ولاتفسدوا في الارض بعد اصلاحها ^ وقوله ^ وإذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ^ إلى قوله ^ والله لايحب الفساد ^ وغير ذلك فان السب داخل فيه فانه اصل لكل فساد في الارض اذ هو افساد للنبوة التي هي عماد صلاح الدين والدنيا والاخرة
واذا كان هذا الساب محاربا لله ورسوله ساعيا في الارض فسادا وجب ان يعاقب باحدى العقوبات المذكورة في الاية الا ان يتوب قبل القدرة عليه وقد قدمنا الادلة على ان عقوبته متعينة بالقتل كعقوبة من قتل في قطع الطريق فيجب ان يقام ذلك عليه الا ان يتوب قبل القدرة عليه وهذا الساب الذي قامت عليه البينة ثم تاب بعد ذلك انما تاب بعد القدرة فلا تسقط العقوبة عنه ولهذا كان الكافر الحربي اذا اسلم بعد الاخذ لم تسقط عنه العقوبة مطلقا كما قال النبي للعقيلي لو قلتها وانت تملك امرك افلحت كل الفلاح بل يعاقب بالاسترقاق او بجواز الاسترقاق وغيره ولكن هذا مرتد محارب فلم يمكن استرقاقه كالعرنيين اذ المحاربة باللسان كالمحاربة باليد فتعين عقوبته بالقتل # وايضا فسنة رسول الله دلت من غير وجه على قتل الساب من غير استتابة فانه امر بقتل الذي كذب عليه من غير استتابة وقد ذكرنا ان ذلك يقتضي قتل الساب سواء اجرينا الحديث على ظاهره او حملناه على
من كذب عليه كذبا يشينه وكذلك في حديث الشعبي انه امر بقتل الذي طعن عليه في قسم مال العزى من غير استتابة # وفي حديث أبي بكر لما استاذنه أبو برزة ان يقتل الرجل الذي شتمه من غير استتابة قال انها لم تكن لاحد بعد رسول الله فعلم انه كان له قتل من شتمه من غير استتابة وعمر رضى الله عنه قتل الذي لم يرض بحكمه من غير استتابة اصلا فنزل القران باقراره على ذلك وهو من ادنى انواع الاستخفاف به فكيف باعلاها
وايضا فان عبد الله بن سعد بن أبي سرح لما طعن عليه وافترى افتراء عابه به بعد ان اسلم اهدر دمه وامتنع عن مبايعتة وقد تقدم تقرير
الدلالة منه على ان الساب يقتل وان اسلم وذكرنا انه كان قد جاءه مسلما تائبا قد اسلم قبل ان يجيء اليه كما رويناه عن غير واحد وقد جاء يريد الإسلام وقد علم النبي انه قد جاء يريد الإسلام ثم كف عنه انتظار ان يقوم اليه رجل فيقتله # وهذا نص ان مثل هذا المرتد الطاعن لا يجب قبول توبته بل يجوز قتله وان جاء تائبا وان تاب وقد قررنا هذا فيما مضى وبينا من وجوه اخر ان الذي عصم دمه عفو رسول الله عنه لامجرد إسلامه وان بالإسلام والتوبة امتحى الاثم وبعفو النبي احتقن الدم والعفو بطل بموته اذ ليس للامة ان يعفوا عن حقه وامتناعه من بيعته حتى يقوم اليه بعض القوم فيقتله نص في جواز قتله وان جاء تائبا # واما عصمة دمه ذلك فليس دليلا لنا على ان نعصم دم من سب وتاب بعد ان قدرنا عليه لانا قد بينا من غير وجه أن النبي كان يعفو عمن سبه ممن لا خلاف بين الامة في وجوب قتله اذا فعل ذلك وتعذر عفو النبي عنه وقد ذكرنا ايضا ان حديث عبد الله بن خطل يدل على قتل الساب لانه كان مسلما فارتد وكان يهجوه فقتل من غير استتابة
وايضا فما تقدم من حديث انس المرفوع واثر أبي بكر في قتل من اذاه في ازواجه وسراريه من غير استتابة وما ذاك الا لاجل انه نوع من الاذى ولذلك حرمه الله ومعلوم ان السب اشد اذى منه بدليل ان السب يحرم منه ومن غيره ونكاح الازواج لا يحرم الا منه وانما ذاك مبالغة في تحريم ما يؤذيه ووجوب قتل من يؤذيه اي اذى كان من غير استتابة
وايضا فانه امر بقتل النسوة اللاتي كن يؤذينه بالسنتهن بالهجاء مع أمانة لعامة اهل البلد ومع ان قتل المراة لايجوز الا ان تفعل ما يوجب القتل ولم يستتب واحدة منهن حين قتل من قتل والكافرة الحربية من النساء لا تقتل ان لم تقاتل والمرتدة لاتقتل حتى تستتاب وهؤلاء النسوة قتلن من غير ان يقاتلن ولم يستتبن فعلم ان قتل من فعل مثل فعلهن جائز بدون استتابة فان صدور ذلك عن مسلمة او معاهدة أعظم من صدوره عن حربية
وقد بسطنا بعض هذه الدلالات فيما مضى بما اغنى عن اعادته هنا وذكرنا ان السنة تدل على ان السب ذنب مقتطع عن عموم الكفر وهو من جنس المحاربة والتوبة التي تحقن الدم دم المرتد انما هي التوبة عن الكفر فاما ان ارتد بمحاربة مثل سفك الدم واخذ المال كما فعل العرنيون وكما فعل مقيس بن صبابه حيث قتل الانصاري واستاق المال ورجع مرتدا فهذا يتعين قتله كما قتل النبي مقيس بن صبابه وكما قيل له في مثل العرنيين ^ انما جزاؤهم ان يقتلوا ^ الاية فكذلك من تكلم بكلام من جنس المحادة والمحاربة لم يكن بمنزلة من ارتد فقط # وايضا ما اعتمده الإمام احمد من أن اصحاب رسول الله فرقوا بين الساب وبين المرتد المجرد فقتلوا الاول من غير استتابة واستتابوا الثاني وامروا باستتابته وذلك انه قد ثبت انهم قتلوا سابه ولم يستتيبوه وانهم امروا بقتل سابه وحرصوا على قتل سابه وقد تقدم
ذكر بعض ذلك مع انه قد تقدم عنهم انهم كانوا يستتيبون المرتد ويامرون باستتابته فثبت بذلك انهم كانوا لا يقبلون توبة من سبه من المسلمين لان توبته لو قبلت لشرعت استتابته كالمرتد فانه على هذا القول نوع من المرتدين ومن خص المسلم بذلك قال لايدل ذلك على ان الكافر الساب لا يسقط عنه إسلامه القتل فان الحربي يقتل من غير استتابة مع ان إسلامه يسقط عنه القتل اجماعا ولم يبلغنا عن أحد من الصحابة انه امر باستتابة الساب الا ما روى عن ابن عباس وفي اسناد الحديث عنه مقال ولفظه ايما مسلم سب الله او سب احدا من الانبياء فقد كذب برسول الله وهي ردة يستتاب فان رجع والا قتل وهذا والله اعلم فيمن كذب بنبوة شخص من الانبياء وسبه بناء على انه ليس بنبي الا ترى إلى قوله فقد كذب برسول الله ولا ريب ان من كذب بنبوة بعض الانبياء وسبه بناء على ذلك ثم تاب قبلت توبته كمن كذب
ببعض ايات القران فان هذا اظهر امره فهو كالمرتد فاما من كان يظهر الاقرار بنبوة النبي ثم اظهر سبه فهذا هو مسالتنا # يؤيد هذا انا قد روينا عنه انه كان يقول ليس لقاذف ازواج النبي توبة وقاذف غيرهن له توبة ومعلوم ان ذلك رعاية لحق رسول الله فعلم ان من مذهبه ان ساب النبي وقاذفه لا توبة له وان وجه الرواية الاخرى عنه ان صحت ما ذكرناه او نحوه # وايضا فإن سبه او شتمه ممن يظهر الاقرار بنبوته دليل على فساد اعتقاده وكفره به بل هو دليل على الاستهانة به والاستخفاف بحرمته
فإن من وقر الايمان في قلبه والايمان موجب لاكرامه واجلاله لم يتصور منه ذمه وسبه والتنقص به وقد كان من اقبح المنافقين نفاقا من يستخف بشتم النبي كما روي عن ابن عباس قال كان رسول الله جالسا في ظل حجرة من حجر نسائه في نفر من المسلمين قد كان تقلص عنهم الظل فقال سيأتيكم انسان ينظر بعين شيطان فلا تكلموه فجاء رجل ازرق فدعاه النبي فقال علام تشتمني انت وفلان وفلان ودعاهم بأسمائهم فانطلق فجاء بهم فحلفوا له واعتذروا اليه فانزل الله تبارك
وتعالى ^ يحلفون لكم لترضوا عنهم ^ الاية رواه أبو مسعود ابن الفرات ورواه الحاكم في صحيحه وقال فأنزل الله تعالى ^ يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له ^ الاية واذا ثبت انه كافر مستهين به فإظهار الاقرار برسالته بعد ذلك لا يدل على زوال الكفر والاستهانة لان الظاهر انما يكون دليلا صحيحا معتمدا اذا لم يثبت ان الباطن بخلافه فاذا قام دليل على الباطن لم يلتفت إلى ظاهر قد علم ان الباطن بخلافه
د/احمد
2011-11-13, 11:35 AM
ولهذا اتفق العلماء على انه لا يجوز للحاكم ان يحكم بخلاف علمه وان شهد عنده بذلك العدول ويجوز له ان يحكم بشهادتهم اذا لم يعلم خلافها وكذلك ايضا لو اقر اقرارا علم انه كاذب فيه مثل ان يقول لمن هو أكبر منه هذا ابني لم يثبت نسبه ولا ميراثه باتفاق العلماء وكذلك الادلة الشرعية مثل خبر العدل الواحد ومثل الامر والنهي والعموم والقياس يجب اتباعها الا ان يقوم دليل اقوى منها يدل على ان باطنها مخالف لظاهرها ونظائر هذا كثيرة
فاذا علمت هذا فنقول هذا الرجل قد قام الدليل على فساد عقيدته وتكذيبه به واستهانته له فإظهاره الاقرار برسالته الان ليس فيه أكثر مما كان يظهره قبل هذا وهذا القدر بطلت دلالته فلا يجوز الاعتماد عليه وهذه نكتة من لايقبل توبة الزنديق وهو مذهب اهل المدينة ومالك اصحابه والليث بن سعد وهو المنصور من الروايتين عن أبي حنيفة وهو احدى الروايات عن احمد نصرها كثير من اصحابه وعنهما انه يستتاب وهو المشهور عن الشافعي
وقال أبو يوسف اخرا اقتله من غير استتابة لكن ان تاب قبل ان اقتله قبلت توبته وهذا ايضا الرواية الثالة عن احمد # وعلى هذا المأخذ فاذا كان الساب قد تكرر منه السب ونحوه مما يدل على الكفر اعتضد السبب بدلالات اخر من الاستخفاف بحرمات الله والاستهانة بفرائض الله ونحو ذلك من دلالات النفاق والزندقة كان ذلك ابلغ في ثبوت زندقته وكفره وفي ان لا يقبل منه مجرد ما يظهر من الإسلام مع ثبوت هذه الامور وما ينبغي ان يتوقف في قتل مثل هذا وفي ان لايسقط عنه القتل بما يظهر من الإسلام اذ توبة هذا بعد اخذه لم تجدد له حالا لم تكن قبل ذلك فكيف تعطل الحدود بغير
موجب نعم لو انه قبل رفعه إلى السلطان ظهر منه من الاقوال والاعمال ما يدل على حسن الإسلام وكف عن ذلك لم يقتل في هذه الحال وفيه خلاف بين اهل هذا القول سيأتي ان شاء الله تعالى ذكره # وعلى مثل هذا ومن هو اخف منه ممن لم يظهر نفاقه قط تحمل ايات التوبة من النفاق وعلى الاول تحمل ايات اقامة الحد # ثم من اسقط القتل عن الذمي اذا اسلم قال بهذا يظهر الفرق بينه وبين الكافر اذا اسلم فانه كان مظهرا لدين يبيح سبه او لا يمنعه من سبه فأظهر دين الإسلام الذي يوجب تعزيره وتوقيره فكان ذلك دليلا على صحة انتقاله ولم يعارضه ما يخالفه فوجب العمل به وهذه الطريقة مبنية على عدم قبول توبة الزنديق كما قررناه من ظهور دليل الكفر مع عدم ظهور دليل الإسلام وهو من القياس الجلي
ويدل على جواز قتل الزنديق والمنافق من غير استتابة قوله سبحانه
وتعالى ^ ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ^ إلى قوله ^ قل هل تربصون بنا الا احدى الحسنيين ونحن نتربص بكم ان يصيبكم الله بعذاب من عنده او بأيدينا ^ # قال اهل التفسير او بأيدينا بالقتل ان أظهرتم ما في قلبوكم قتلناكم وهو كما قالوا لان العذاب على ما يبطنونه من النفاق بأيدينا لايكون الا القتل لكفرهم ولو كان المنافق يجب قبول ما يظهره من التوبة بعد ما ظهر نفاقه وزندقته لم يمكنا ان نتربص بهم ان يصيبهم الله تعالى بعذاب من عنده او بأيدينا لانا كلما اردنا ان نعذبهم على ما اظهروه اظهروا التوبة منه
وقال قتادة وغيره في قوله تعالى ^ وممن حولكم من الاعراب منافقون ^ إلى قوله ^ سنعذبهم مرتين ^ قالوا في الدنيا القتل وفي البرزخ عذاب القبر # ومما يدل على ذلك ايضا قوله تعالى ^ يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله احق ان يرضوه ^ وقوله تعالى ^ سيحلفون بالله لكم اذا انقلبتم اليهم لتعرضوا عنهم فاعرضوا عنهم ^ إلى قوله ^ يحلفون لكم لترضوا عنهم فان ترضوا عنهم فان الله لا يرضى عن القوم الفاسقين ^
وكذلك قوله تعالى ^ يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم ^ وقوله سبحانه ^ اذا جاءك المنافقون قالوا نشهد انك لرسول الله والله يعلم انك لرسوله والله يشهد ان المنافقين لكاذبون اتخذوا ايمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله انهم ساء ماكانوا يعملون ^ وقوله تعالى ^ الم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون ^ إلى قوله تعالى ^ اتخذوا ايمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين ^ إلى قوله ^ يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون انهم على شيء الا انهم هم الكاذبون ^ # دلت هذه الايات كلها على ان المنافقين كانوا يرضون المؤمنين بالايمان الكاذبة وينكرون انهم كفروا ويحلفون انهم لم يتكلموا بكلمة الكفر # وذلك دليل على انهم يقتلون اذا ثبت ذلك عليهم بالبينة لوجوه # احدها انهم لو كانوا اذا اظهروا التوبة قبل ذلك منهم لم يحتاجوا إلى الحلف والانكار ولكانوا يقولون قلنا وقد تبنا فعلم انهم كانوا
يخافون اذا ظهر ذلك عليهم انهم يعاقبون من غير استتابة # الثاني انه قال تعالى ^ اتخذوا ايمانهم جنة ^ واليمين انما تكون جنة اذا لم تات ببينة عادلة تكذبها فاذا كذبتها بينة عادلة انخرقت الجنة فجاز قتلهم ولايمكنه ان يجتن بعد ذلك الا بجنة من جنس الاولى وتلك جنة مخروقة # الثالث ان الايات دليل على ان المنافقين انما عصم دماءهم الكذب والانكار ومعلوم ان ذلك انما يعصم اذا لم تقم البينة بخلافه وسنذكر لم لم يقتلهم النبي # ويدل على ذلك قوله سبحانه ^ يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر ^ الاية وقوله تعالى في موضع اخر ^ جاهد الكفار والمنافقين ^ قال الحسن وقتادة باقامة الحدود عليهم وقال ابن مسعود رضي الله عنه بيده فان
لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وعن ابن عباس وابن جريج باللسان وتغليظ الكلام وترك الرفق # ووجه الدليل ان الله امر رسوله بجهاد المنافقين كما امره بجهاد الكافرين ومعلوم ان جهادهم انما يمكن اذا ظهر منهم من القول او الفعل ما يوجب العقوبة فانه ما لم يظهر منه شيء البته لم يكن لنا سبيل عليه فاذا ظهر منه كلمة الكفر فجهاده القتل وذلك يقتضي ان لا يسقط عنه بتجديد الإسلام له ظاهرا لانا لو اسقطنا عنهم القتل بما اظهروه من الإسلام لكانوا بمنزلة الكفار وكان جهادهم من حيث هم كفار فقط لا من حيث هم منافقون والاية تقتضي جهادهم لانهم
صنف غير الكفار لا سيما قوله تعالى ^ جاهد الكفار والمنافقين ^ يقتضي جهادهم من حيث هم منافقون لان تعليق الحكم باسم مشتق مناسب يدل على ان موضع الاشتقاق هو العلة فيجب ان يجاهد لاجل النفاق كما يجاهد الكافر لاجل الكفر # ومعلوم ان الكافر اذا اظهر التوبة من الكفر كان تركا له في الظاهر ولا يعلم ما يخالفه # اما المنافق فاذا اظهر الإسلام لم يكن تركا للنفاق لان ظهور هذه الحال منه لا ينافي النفاق ولان المنافق اذا كان جهاده باقامة الحد عليه كجهاد الذي في قلبه مرض وهو الزاني اذا زنى لم يسقط عنه حده اذا اظهر التوبة بعد اخذه لاقامة الحد عليه كما عرفت ولانه لو قبلت علانيتهم دائما مع ثبوت ضدها عنهم لم يكن إلى الجهاد على النفاق سبيل فإن المنافق اذا ثبت عنه انه اظهر الكفر فلو كان اظهار الإسلام حينئذ ينفعه لم يمكن جهاده # ويدل على ذلك قوله ^ لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها الا قليلا ملعونين اينما ثقفوا اخذو وقتلوا
تقتيلا سنة الله في الذين خلوا من قبل ^ دلت هذه الاية على ان المنافقين اذا لم ينتهوا فان الله يغري نبيه بهم وانهم لا يجاورونه بعد الاغراء بهم الا قليلا وان ذلك في حال كونهم ملعونين اينما وجدوا واصيبوا اسروا وقتلوا وانما يكون ذلك اذا اظهروا النفاق لانه ما دام مكتوما لا يمكن قتلهم # وكذلك قال الحسن اراد المنافقون ان يظهروا ما في قلوبهم من النفاق فاوعدهم الله في هذه الاية فكتموه واسروه وقال قتادة ذكر لنا ان المنافقين ارادوا ان يظهروا ما في قلوبهم من النفاق فاوعدهم الله في هذه الاية فكتموه ولو كان اظهار التوبة بعد اظهار النفاق مقبولا لم يمكن اخذ المنافق ولاقتله لتمكنه من اظهار التوبة لا سيما اذا كان كلما شاء اظهر النفاق ثم اظهر التوبة وهي مقبولة منه # يؤيد ذلك ان الله تبارك وتعالى جعل جزاءهم ان يقتلوا ولم يجعل جزاءهم ان يقاتلوا ولم يستثن حال التوبة كما استثناء من قتل المحاربين وقتل المشركين فانه قال ^ فاذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فان تابوا واقاموا الصلاة واتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ^ وقال في المحاربين ^ انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في
الارض فسادا ان يقتلوا او يصلبوا ^ إلى قوله تعالى ^ الا الذين تابوا من قبل ان تقدروا عليهم ^ فعلم انهم يقتلون من غير استتابة وانه لا يقبل منهم ما يظهرونه من التوبة # يوضح ذلك انه جعل انتهاءهم النافع قبل الاغراء بهم وقبل الاخذ والتقتيل وهناك جعل التوبة بعد ذكر الحصر والاخذ والقتل فعلم ان الانتهاء بعد الاغراء بهم لا ينفعهم كما لا تنفع المحارب التوبة بعد القدرة عليه وان نفعت المشرك من مرتد واصلي التوبة بعد القدرة عليه وقد اخبر سبحانه ان سنته فيمن لم يتب عن النفاق حتى قدر عليه ان يؤخذ ويقتل وان هذه السنة لا تبديل لها والانتهاء في الاية ان يعنى به الانتهاء عن النفاق بالتوبة الصحيحة او الانتهاء عن اظهاره عند شياطينه وعند بعض المؤمنين # والمعنى الثاني اظاهر فان من المنافقين من لم ينته عن اسرار النفاق حتى مات النبي وانتهوا عن اظهاره حتى كان في اخر الامر لا يكاد أحد يجتريء على اظهار شيء من النفاق نعم الانتهاء يعم القسمين فمن انتهى عن اظهاره فقط او عن اسراره واعلانه خرج من وعيد هذه الاية ومن اظهره لحقه وعيدها
ومما يشبه ذلك قوله تعالى ^ يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر ^ إلى قولله تعالى ^ فان يتوبوا يك خيرا لهم وان يتولوا يعذبهم الله عذابا اليما في الدنيا والاخرة ^ فانه دليل على ان المنافق اذا لم يتب عذبه الله في الدنيا والاخرة وكذلك قوله تعالى ^ وممن حولكم من الاعراب منافقون ^ إلى قوله تعالى ^ سنعذبهم مرتين ^ واما قوله ^ لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة ^ فقد قال أبو رزين هذا شيء واحد هم المنافقون وكذلك قال مجاهد كل هؤلاء منافقون فيكون من باب
عطف الخاص على العام كقوله تعالى ^ وجبريل وميكال ^ وقال سلمة بن كهيل وعكرمة الذين في قلوبهم مرض اصحاب الفواحش والزناةومعلوم ان من يظهر الفاحشة لم يكن بد من اقامة الحد عليه فكذلك من اظهر النفاق # ويدل على جواز قتل الزنديق المنافق من غير استتابة ما خرجاه في الصحيحين في قصة حاطب بن أبي بلتعة قال فقال عمر دعني يارسول الله اضرب عنق هذا المنافق فقال رسول الله انه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على اهل بدر فقال اعملوا
ماشئتم فقد غفرت لكم فدل على ان ضرب عنق المنافق من غير استتابة مشروع اذ لم ينكر النبي على عمر استحلال ضرب عنق المنافق ولكن اجاب بان هذا ليس بمنافق ولكنه من اهل بدر المغفور لهم فاذا ظهر النفاق الذي لاريب انه نفاق فهو مبيح للدم # وعن عائشة رضي الله تعالى عنها في حديث الافك قالت فقام رسول الله من نومه فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول فقال رسول الله وهو على المنبر من يعذرني من رجل بلغني اذاه في اهلي فوالله ما علمت على اهلي الا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه الا خيرا وماكان يدخل على اهلي الا معي فقالت فقام سعد بن معاذ أحد بني عبد الاشهل فقال يارسول الله انا والله اعذرك منه ان كان من الاوس ضربنا عنقه وان
كان من اخواننا من الخزرج امرتنا ففعلنا فيه امرك فقال سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكانت أم حسان بنت عمه من فخذه وكان رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية فقال لسعد بن معاذ كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على ذلك فقام اسيد بن حضير وهو ابن عم سعديعني ابن معاذ فقال لسعد بن عبادة كذبت لعمر الله لنقتلنه فانك منافق تجادل عن المنافقين فثار الحيان الاوس والخزرج حتى هموا ان يقتتلوا ورسول الله قائم على المنبر فلم يزل رسول الله يخفضهم حتى سكتوا وسكت متفق عليه # وفي الصحيحين عن عمر وعن جابر بن عبد الله قال غزونا مع النبي وقد ثاب معه ناس من المهاجرين حتى كثروا وكان من المهاجرين رجل لعاب فكسع انصاريا فغضب الانصاري غضبا
شديدا حتى تداعوا وقال الانصاري ياللانصار وقال المهاجري ياللمهاجرين فخرج النبي فقال ما بال دعوى الجاهلية ثم قال ما بالهم فاخبر بكسعة المهاجري الانصاري قال فقال النبي دعوها فانها خبيثة وقال عبد الله بن أبي بن سلول اقد تداعوا علينا لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل قال عمر الا تقتل يا نبي الله هذا الخبيث لعبد الله فقال النبي لا يتحدث الناس ان محمدا يقتل اصحابه # وذكر اهل التفسير واصحاب السير ان هذه القصة كانت في غزوة
بني المصطلق اختصم رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار حتى غضب عبد الله بن أبي وعنده رهط من قومه فيهم زيد بن ارقم غلام حديث السن وقال عبد الله بن أبي افعلوها قد نافرونا وكابرونا في بلادنا والله ما مثلنا ومثلهم الا كما قال القائل سمن كلبك ياكلك
اما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل يعني بالاعز نفسه وبالاذل رسول الله ثم اقبل على من حضره من قومه فقال هذا ما فعلتم بانفسكم احللتموهم بلادكم وقا سمتموهم اموالكم اما والله لوامسكتم عنهم فضل الطعام لم يركبوا رقابكم ولأوشكوا ان يتحولوا عن بلادكم ويلحقوا بعشائرهم ومواليهم فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من حول محمد فقال زيد بن ابن ارقم انت والله الذليل القليل المبغض في قومك ومحمد في عز من الرحمن ومودة من المسلمين والله لا احبك بعد كلامك هذا فقال عبد الله اسكت فانما كنت العب فمشى زيد بن ارقم بها إلى رسول الله وذلك بعد فراغه من الغزوة وعنده عمر بن الخطاب فقال دعني اضرب عنقه يا رسول الله فقال اذا ترعد له انف كثيرة بيثرب فقال عمر فان كرهت يا رسول الله ان يقتله رجل من المهاجرين فمر سعد بن معاذ او محمد بن مسلمة او عباد بن بشر فليقتلوه فقال رسول الله فكيف يا عمر اذا تحدث الناس ان محمدا يقتل اصحابه لا ولكن اذن بالرحيل وذلك في ساعة لم يكن رسول الله يرتحل فيها وارسل رسول الله إلى عبد الله بن أبي فاتاه فقال انت صاحب هذا الكلام فقال عبد الله والذي انزل عليك الكتاب بالحق ما قلت من هذا شيئا وان زيدا لكاذب فقال من حضر من الأنصار يارسول الله شيخنا وكبيرنا لاتصدق عليه كلام غلام من غلمان الأنصار عسى ان يكون هذا الغلام وهم في حديثه
ولم يحفظ ما قال فعذره رسول الله وفشت الملامة في الأنصار لزيد وكذبوه قالوا وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبي وكان من فضلاء الصحابة ما كان من امر ابيه فاتى رسول الله فقال يارسول الله بلغني انك تريد قتل عبد الله بن أبي لما بلغك عنه فان كنت فاعلا فمرني فانا احمل اليك راسه فوالله لقد علمت الخزرج ماكان بها رجل ابر بوالديه مني واني اخشى ان تامر به غيري فيقتله فلا تدعني نفسي انظر إلى قاتل عبد الله بن أبي يمشي في الناس فاقتله فاقتل مؤمنا بكافر فادخل النار فقال له رسول الله بل نرفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا وقال النبي لا يتحدث الناس انه يقتل اصحابه ولكن بر اباك واحسن صحبته وذكروا القصة قالوا وفي ذلك نزلت سورة المنافقين
د/احمد
2011-11-13, 11:35 AM
وقد اخرجا في الصحيحين عن زيد بن ارقم قال خرجنا مع رسول الله في سفر اصاب الناس فيه شدة فقال عبد الله بن أبي لاتنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله وقال لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل فاتيت رسول الله فاخبرته بذلك فارسل إلى عبد الله بن أبي فساله فاجتهد بيمينه مافعل فقالوا كذب زيد يا رسول الله قال فوقع في نفسي مما قالوه شدة حتى انزل الله تصديقي ^ اذا جاءك المنافقون ^ قال ثم دعاهم رسول الله ليستغفر لهم فلووا رؤوسهم
ففي هذه القصة بيان ان قتل المنافق جائز من غير استتابة وان اظهر انكارذلك القول وتبرا منه واظهر الإسلام وانما منع النبي من قتله ما ذكره من تحدث الناس انه يقتل اصحابه لان النفاق لم يثبت عليه بالبينة وقد حلف انه ما قال وانما علم بالوحي وخبر زيد ابن ارقم # وايضا لما خافه من ظهور فتنة بقتله وغضب اقوام يخاف افتتنانهم بقتله # وذكر بعض اهل التفسير ان النبي عد المنافقين الذين وقفوا له على العقبة في غزوة تبوك ليفتكوا به فقال حذيفة الا تبعث اليهم فتقتلهم فقال اكره ان تقول العرب لما ظفر باصحابه اقبل يقتلهم بل يكفيناهم الله بالدبيلة
وذكر بعضهم ان رجلا من المنافقين خاصم رجلا من اليهود إلى النبي فقضى رسول الله لليهودي فلما خرجا من عنده لزمه المنافق وقال انطلق بنا إلى عمر بن الخطاب فاقبل إلى عمر فقال اليهودي اختصمت انا وهذا إلى محمد فقضى لي عليه فلم يرض بقضائه وزعم انه مخاصم اليك وتعلق بي فجئت معه فقال عمر للمنافق اكذلك قال نعم فقال عمر لهما رويداكما حتى اخرج اليكما فدخل عمر البيت فاخذ السيف واشتمل عليه ثم خرج اليهما فضرب به المنافق حتى برد فقال هكذا اقضي بين من لم يرض بقضاء الله وقضاء رسوله فنزل قوله ^ الم تر إلى الذين يزعمون ^ الاية وقال جبريل ان عمر فرق بين الحق والباطل فسمي الفاروق وقد تقدمت هذه القصة مروية من وجهين # ففي هذه الاحاديث دلالة على ان قتل المنافق كان جائزا اذ لولا ذلك لانكر النبي على من استأذنه في قتل المنافق ولانكر على عمر اذ قتل من قتل من المنافقين والاخبرب النبي ان الدم معصوم بالإسلام ولم يعلل ذلك بكراهية غضب عشائر المنافقين لهم وان يتحدث الناس ان محمدا يقتل اصحابه وان يقول القائل لما ظفر باصحابه اقبل يقتلهم
لان الدم اذا كان معصوما كان هذا الوصف عديم التاثير في عصمة دم المعصوم ولا يجوز تعليل الحكم بوصف لا اثر له ويترك تعليله بالوصف الذي هو مناط الحكم وكما انه دليل على القتل فهو دليل على القتل من غير استتابة على ما لايخفى # فان قيل فلم لم يقتلهم النبي مع علمه بنفاق بعضهم وقبل علانيتهم # قلنا انما ذاك لوجهين # احدهما ان عامتهم لم يكن ما يتكلمون به من الكفر مما يثبت عليهم بالبينة بل كانوا يظهرون الإسلام ونفاقهم يعرف تارة بالكلمة يسمعها منهم الرجل المؤمن فينقلها إلى النبي فيحلفون بالله انهم ما قالوها او لايحلفون وتارة بما يظهر من تاخرهم عن الصلاة والجهاد واستثقالهم للزكاة وظهور الكراهية منهم لكثير من احكام الله وعامتهم يعرفون في لحن القول كما قال تعالى ^ أم حسب الذين في قلوبهم مرض ان لن يخرج الله اضغانهم ولو نشاء لاريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول ^ فاخبر سبحانه انه لوشاء لعرفهم رسوله بالسيماء في وجوههم ثم قال ^ ولتعرفنهم في لحن القول ^ فاقسم على انه لابد ان يعرفهم في لحن القول ومنهم من كان يقول القول او يعمل العمل فينزل القران يخبر ان صاحب ذلك القول
والعمل منهم كما في سورة براءة ^ ومنهم ^ ومنهم ^ وكان المسلمون ايضا يعلمون كثيرا منهم بالشواهد والدلالات والقرائن والامارات ومنهم من لم يكن يعرف كما قال تعالى ^ وممن حولكم من الاعراب منافقون ومن اهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم ^ ثم جميع هؤلاء المنافقين يظهرون الإسلام ويحلفون انهم مسلمون # وقد اتخذوا ايمانهم جنة واذا كانت هذه حالهم فالنبي لم يكن يقيم الحدود بعلمه ولا بخبر الواحد ولا بمجرد الوحي ولا بالدلائل والشواهد حتى يثبت الموجب للحد ببينة او اقرار الا ترى كيف اخبر عن المراة الملاعنه انها ان جاءت بالولد على نعت كذا وكذا فهو للذي
رميت به وجاءت على النعت المكروه فقال لولا الايمان لكان لي ولها شان # وكان بالمدينة امراة تعلن الشر فقال لو كنت راجما احدا من غير بينة لرجمتها
وقال للذين اختصموا اليه انكم تختصمون الي ولعل بعضكم ان يكون الحن بحجته من بعض فاقضي بنحو مما اسمع فمن قضيت له من حق اخيه شيئا فلا ياخذه فانما اقطع له قطعة من النار فكان ترك قتلهم مع كونهم كفارا لعدم ظهور الكفر منهم بحجة شرعية
ويدل على هذا انه لم يستتبهم على التعيين ومن المعلوم ان احسن حال من ثبت نفاقه وزندقته ان يستتاب كالمرتد فان تاب والا قتل ولم يبلغنا انه استتاب واحد بعينه منهم فعلم ان الكفر والردة لم تثبت على واحد بعينه ثبوتا يوجب ان يقتل كالمرتد ولهذا كان يقبل علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله فاذا كانت هذه حال من ظهر نفاقه بغير البينة الشرعية فكيف حال من لم يظهر نفاقه ولهذا قال اني لم اومر ان انقب عن قلوب الناس ولا اشق بطونهم لما استؤذن في قتل ذي الخويصرة ولما استؤذن ايضا في قتل رجل من المنافقين قال اليس يشهد ان لا اله الا الله قيل بلى قال اليس يصلي قيل بلى قال اولئك الذين نهاني الله عن قتلهم فاخبر انه نهي
عن قتل من اظهر الإسلام من الشهادتين والصلاة وان زن بالنفاق ورمي به وظهرت عليه دلالته اذا لم يثبت بحجة شرعية انه اظهر الكفر وكذلك قوله في الحديث الاخر امرت ان اقاتل الناس حتى يشهدوا ان لا اله الا الله واني رسول الله فاذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم الا بحقها وحسابهم على الله معناه اني امرت ان اقبل منهم ظاهر الإسلام واكل بواطنه إلى الله والزنديق والمنافق انما يقتل
اذا تكلم بكلمة الكفر وقامت عليه بذلك بينة وهذا حكم بالظاهر لا بالباطن وبهذا الجواب يظهر فقه المسألة
الوجه الثاني انه كان يخاف ان يتولد من قتلهم من الفساد أكثر مما في استبقائهم وقد بين ذلك حيث قال لا يتحدث الناس ان محمدا يقتل اصحابه وقال اذا ترعد له انف كثيرة بيثرب فانه لو قتلهم بما يعلمه من كفرهم لاوشك ان يظن الظان انه انما قتلهم لاغراض واحقاد وانما قصده الاستعانة بهم على الملك كما قال اكره ان تقول العرب لما ظفر باصحابه اقبل يقتلهم وان يخاف من يريد الدخول في الإسلام ان يقتل مع اظهاره الإسلام كما قتل غيره # وقد كان ايضا يغصب لقتل بعضهم قبيلته وناس اخرون ويكون ذلك سببا للفتنة واعتبر ذلك بما جرى في قصة عبد الله بن أبي لما عرض سعد بن معاذ بقتله خاصم له اناس صالحون واخذتهم الحمية حتى سكتهم رسول الله وقد بين ذلك رسول الله لما استأذنه عمر في قتل ابن أبي قال اصحابنا ونحن الان اذا خفنا مثل ذلك كففناعن القتل
فحاصله ان الحد لم يقم على واحد بعينه لعدم ظهوره بالحجة الشرعيةالتي يعلمه بها الخاص والعام او لعدم امكان اقامته الا مع تنفير اقوام عن الدخول في الإسلام وارتداد اخرين عنه واظهار قوم من الحرب والفتنة ما يربى فساده على فساد ترك قتل منافق وهذان المعنيان حكمهما باق إلى يومنا هذا الا في شيء واحد وهو انه ربما خاف ان يظن الظان انه يقتل اصحابه لغرض اخر مثل اغراض الملوك فهذا منتف اليوم # والذي يبين حقيقة الجواب الثاني ان النبي لما كان بمكة مستضعفا هو واصحابه عاجزين عن الجهاد امرهم الله بكف ايديهم والصبرعلى اذى المشركين فلما هاجروا إلى المدينة وصار له دار عز ومنعة امرهم بالجهاد وبالكف عمن سالمهم وكف يده عنهم لانه لو امرهم اذ ذاك باقامة الحدود على كل كافر ومنافق لنفر عن الإسلام أكثر العرب اذ رأوا ان بعض من دخل فيه يقتل وفي مثل هذه الحال نزل قوله تعالى ^ ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع اذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا ^ وهذه السورة نزلت بالمدينة بعد الخندق فامره الله في تلك
الحال ان يترك اذى الكافرين والمنافقين له فلا يكافئهم عليه لما يتولد في مكافأتهم من الفتنة ولم يزل الامر كذلك حتى فتحت مكة ودخلت العرب في دين الله قاطبة ثم اخذ النبي في غزو الروم وانزل الله تبارك وتعالى سورة براءة وكمل شرائع الدين من الجهاد والحج والامر بالمعروف فكان كمال الدين حين نزل قوله تعالى ^ اليوم اكملت لكم دينكم ^ قبل الوفاة بأقل من ثلاثة أشهر ولما أنزل براءة امره بنبذ العهود التي كانت للمشركين وقال فيها ^ يا ايها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ^ وهذه الاية ناسخة لقوله
تعالى ^ ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع اذاهم ^ وذلك انه لم يبق حينئذ للمنافق من يعينه لو اقيم عليه الحد ولم يبق حول المدينة من الكفار من يتحدث بان محمد يقتل اصحابه فامره الله بجهادهم والاغلاظ عليهم وقد ذكر اهل العلم ان اية الاحزاب منسوخة بهذه الاية ونحوها وقال في الاحزاب ^ لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورنك فيها الا قليلا ملعونين اينما ثقفوا اخذوا ^ الاية فعلم انهم كانوا يفعلون اشياءاذ ذاك ان لم ينتهوا عنها قتلوا عليها في المستقبل لما اعز الله دينه ونصر رسوله فحيث ما كان للمنافق ظهور يخاف من اقامة الحد عليه فتنة أكبر من بقائه عملنا بآية ^ دع اذاهم ^ كما انه حيث عجزنا عن جهاد الكفار عملنا بآية الكف عنهم والصفح وحيث ما حصل القوة والعز خوطبنا بقوله ^ جاهد الكفار والمنافقين ^ # فهذا يبين ان الامساك عن قتل من اظهر نفاقه بكتاب الله على عهد رسول الله اذ لا نسخ بعده ولم ندع ان الحكم تغير بعده لتغير
المصلحة من غير وحي نزل فان هذا تصرف في الشريعة وتحويل لها بالراي ودعوى ان الحكم المطلق كان لمعنى وقد زال وهو غير جائز كما قد نسبوا ذلك إلى من قال ان حكم المؤلفة انقطع ولم يأت على انقطاعه بكتاب ولا سنة سوى ادعاء تغير المصلحة
ويدل على المسألة ما روى أبو ادريس قال اتى على رضي الله عنه بأناس من الزنادقة ارتدوا عن الإسلام فسألهم فجحدوا فقامت عليهم البينة العدول قال فقتلهم ولم يستتبهم وقال واتى برجل كان نصرانيا واسلم ثم رجع عن الإسلام قال فسأله فأقر بما كان منه فاستتابه فتركه فقيل له كيف تستتيب هذا ولم تستتب اولئك قال ان هذا اقر بما كان منه وان اولئك لم يقروا وجحدوا حتى قامت عليهم البينة فلذلك لم استتبهم رواه الإمام احمد # وروى الاثرم عن أبي ادريس قال اتى علي برجل قد تنصر
فاستتابه فأبى ان يتوب فقتله وأتى برهط يصلون القبلة وهم زنادقة وقد قامت عليهم بذلك الشهود العدول فجحدوا وقالوا ليس لنا دين الا الإسلام فقتلهم ولم يستتبهم ثم قال اتدرون لم استتبت هذا النصراني استتبته لانه اظهر دينه واما الزنادقة الذين قامت عليهم البينة وجحدوني فانما قتلتهم لانهم جحدوا وقامت عليهم البينة # فهذا من امير المؤمنين على رضي الله عنه بيان ان كل زنديق كتم زندقته وجحدها حتى قامت عليه البينة قتل ولم يستتب وان النبي لم يقتل من جحد زندقته من المنافقين لعدم قيام البينة # ويدل على ذلك قوله تعالى ^ وممن حولكم من الاعراب منافقون ومن اهل المدينة ^ إلى قوله ^ واخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا واخر سيئا ^ فعلم ان من لم يعترف بذنبه كان من المنافقين ولهذا الحديث قال الإمام احمد في الرجل يشهد عليه بالبدعة فيجحد ليست له توبة انما التوبة لمن اعترف فاما من جحدها فلا توبة له
قال القاضي أبو يعلي وغيره واذا اعترف بالزندقة ثم تاب قبلت توبته لانه باعترافه يخرج عن حد الزندقة لان الزنديق هو الذي يستبطن الكفر وينكره ولا يظهره فاذا اعترف به ثم تاب خرج عن حده فلهذا قبلنا توبته ولهذا لم يقبل علي رضي الله عنه توبة الزنادقة لما جحدوا # وقد يستدل على المسالة بقوله تعالى ^ وليست التوبة للذين يعملون السيئات ^ الاية وروى الإمام احمد باسناده عن أبي العالية في قوله تعالى ^ انما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهاله ثم يتوبون من قريب ^ قال هذه في اهل الايمان ^ وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى اذا حضر احدهم الموت قال اني تبت الان ^ قال هذه في اهل النفاق ^ ولا الذين يموتون وهم كفار ^ قال هذه في اهل الشرك هذا مع انه الراوي عن
اصحاب محمد فيما اظن انهم قالوا كل عبد اصاب ذنبا فهو جاهل بالله وكل من تاب قبل الموت فقد تاب من قريب # ويدل على ما قال ان المنافق اذا اخذ ليقتل ورأى السيف فقد حضره الموت بدليل دخول مثل هذا في عموم قوله تعالى ^ كتب عليكم اذا حضر احدكم الموت ^ وقوله تعالى ^ شهادة بينكم اذا حضر احدكم الموت ^ وقد قال حين حضره الموت ^ اني تبت الان ^ فليست له توبة كما ذكره الله سبحانه نعم ان تاب توبة صحيحه فيما بينه وبين الله لم يكن ممن قال ^ اني تبت الان ^ بل يكون ممن تاب من قريب لان الله سبحانه انما نفى التوبة عمن حضره الموت وتاب
بلسانه فقط ولهذا قال في الاول ^ ثم يتوبون ^ وقال هنا ^ اني تبت الان ^ فمن قال اني تبت قبل حضور الموت او تاب توبة صحيحه بعد حضور اسباب الموت صحت توبته # وربما استدل بعضهم بقوله تعالى ^ فلما راوا بأسنا قالوا امنا بالله وحده ^ الايتين وبقوله تعالى ^ حتى اذا ادركه الغرق ^ الاية وقوله سبحانه ^ فلولا كانت قرية امنت فنفعها ايمانها ^ الاية فوجه الدلالة ان عقوبة الامم الخالية بمنزلة السيف للمنافقين ثم اولئك اذا تابوا بعد معاينة العذاب لم ينفعهم فكذلك المنافق ومن قال هذا فرق بينه وبين الحربي بانا لانقاتله عقوبة على كفره بل نقاتله ليسلم فاذا اسلم فقد اتى بالمقصود والمنافق انما يقاتل عقوبة لا ليسلم فانه لم يزل مسلما والعقوبات لا تسقط بالتوبة بعد مجئ الباس وهذا كعقوبات سائر العصاة فهذه طريقة من يقتل الساب لكونه منافقا # وفيه طريقة اخرى وهي ان سب النبي بنفسه موجب للقتل مع قطع النظر عن ككونه مجرد ردة فانا قد بينا انه موجب للقتل وبينا انه جناية غير الكفر اذا لو كان ردة محضة وتبديلا للدين وتركا له لما جاز
للنبي العفو عمن كان يؤذيه كما لا يجوز العفو عن المرتد ولما قتل الذين سبوه وقد عفا عمن قاتل وحارب # وقد ذكرنا أدلة اخرى على ذلك فيما تقدم ولان التنقص والسب قد يصدر عن الرجل مع اعتقاد النبوة والرسالة لكن لما وجب تعزير الرسول وتوقيره بكل طريق غلظت عقوبة من انتهك عرضه بالقتل فصار قتله حدا من الحدود لان سبه نوع من الفساد في الارض كالمحاربة باليد لا لمجرد كونه بدل الدين وتركه وفارق الجماعة واذا كان كذلك لم يسقط بالتوبة كسائر الحدود غير عقوبة الكفر وتبديل الدين قال الله تعالى ^ انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا ان يقتلوا او يصلبوا او تقطع ايديهم وارجلهم من خلاف او ينفوا من الارض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الاخرة عذاب عظيم الا الذين تابوا من قبل ان تقدروا عليهم فاعلموا ان الله غفور رحيم ^ # فثبت بهذه الاية ان من تاب بعد ان قدر عليه لم تسقط عنه العقوبة وكذلك قال سبحانه ^ والسارق والسارقة فاقطعوا ايديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم فمن تاب من بعد ظلمه واصلح فان الله يتوب عليه ان الله غفور رحيم ^
فامر بقطع ايديهم جزاء على ما مضى ونكالا عن السرقة في المستقبل منهم ومن غيرهم واخبر ان الله يتوب على من تاب ولم يدرا القطع بذلك لان القطع له حكمتان # الجزاء والنكال والتوبة تسقط الجزاء ولا تسقط النكال فان الجاني متى علم انه اذا تاب لم يعاقب لم يردع ذلك الفساق ولم يزجرهم عن ركوب العظائم فان اظهار التوبة والاصلاح لمقصود حفظ النفس والمال سهل # ولهذا لم نعلم خلافا يعتمد في ان السارق او الزاني لو اظهر التوبة بعد ثبوت الحد عليه عند السلطان لم يسقط الحد عنه وقد رجم النبي ماعزا والغامدية واخبر بحسن توبتهما وحسن مصيرهما وكذلك لو قيل ان سب النبي يسقط بالتوبة وتجديد الإسلام لم يردع ذلك الالسن عن انتهاك عرضه ولم يزجر النفوس عن الاستحلال حرمته بل يؤذيه الانسان بما يريد ويصيب من عرضه ما شاء من انواع السب والاذى ثم يجدد إسلامه ويظهر ايمانه وقد ينال المرء من عرضه ويقع منه تنقص له واستهزاء ببعض اقواله او اعماله وان لم يكن منتقلا من دين إلى دين فلا يصعب على من هذه سبيله كلما نال من عرضه واستخف
بحرمته ان يجدد إسلامه بخلاف الردة المجردة عن الدين فان سقوط القتل فيها بالعود إلى الإسلام لا يوجب اجتراء الناس على الردة اذ الانتقال عن الدين عسير لا يقع الا عن شبهة قادحة في القلب او شهوة قامعة للعقل فلا يكون قبول التوبة من المرتد مجريا للنفوس على الردة ويكون ما يتوقعه من خوف القتل زاجرا له عن الكفر فانه اذا اظهر ذلك لا يتم مقصوده لعلمه بانه يجبر على العود إلى الإسلام وهنا من فيه استخفاف او اجتراء او سفاهة يتمكن من انتقاص النبي وعيبه والطعن عليه كلما شاء ثم يجدد الإسلام ويظهر التوبة وبهذا يظهر ان السب والشتم يشبه الفساد في الارض الذي يوجب الحد اللازم من الزنى وقطع الطريق والسرقة وشرب الخمر فان مريد هذه المعاصي اذا علم انه تسقط عنه العقوبة اذا تاب فعلها كلما شاء كذلك من يدعوه ضعف عقله او ضعف دينه إلى الانتقاص برسول الله اذا علم ان التوبة تقبل منه اتى ذلك متى شاء ثم تاب منه وقد حصل مقصوده بما قاله كما حصل مقصود اولئك بما فعلوه بخلاف مريد الردة فان مقصوده لا يحصل الا بالمقام عليها وذلك لا يحصل له اذا قتل ان لم يرجع فيكون ذلك وازعا
له وهذا الوجه لا يخرج السب عن ان يكون ردة لكن حقيقته انه نوع من الردة تغلظ بما فيه من انتهاك عرض رسول الله كما قد تتغلظ ردة بعض الناس بان ينضم اليها قتل وغيره فيتحتم القتل فيها دون الردة المجردة كما يتحتم القتل في القتل من قاطع الطريق لتغلظ الجرم وان لم يتحتم قتل من قتل لغرض اخر فعوده إلى الإسلام يسقط موجب الردة المحضة ويبقى خصوص السب ولابد من اقامة حده كما ان توبة القاطع قبل القدرة عليه تسقط تحتم القتل ويبقى حق اولياء المقتول من القتل الدية او العفو وهذه مناسبة ظاهرة وقد تقدم نص الشارع وتنبيهه على اعتبار هذا المعنى # فان قيل تلك المعاصي يدعو اليها الطبع مع صحة الاعتقاد فلو لم يشرع عنها زاجر لتسارعت النفوس اليها بخلاف سب رسول الله فان الطباع لا تدعوا اليه الا لخلل في الاعتقاد والخلل في الاعتقاد أكثر ما يوجب الردة فعلم ان مصدره أكثر ما يكون الكفر فيلزمه عقوبة الكافر وعقوبة الكافر مشروطة بعدم التوبة واذا لم يكن اليه بمجرده باعث طبيعي لم يشرع ما يزجر عنه وان كان حراما كالاستخفاف بالكتاب والدين ونحو ذلك
د/احمد
2011-11-13, 11:36 AM
قلنا بل قد يكون اليه باعث طبيعي غير الخلل في الاعتقاد من الكبر الموجب للاستخفاف ببعض احواله وافعاله والغضب الداعي إلى الوقيعة فيه اذا خالف الغرض بعض احكامه والشهوة الحاملة على ذم ما يخالف الغرض من اموره وغير ذلك فهذه الامور قد تدعو الانسان إلى نوع من السب له وضرب من الاذى والانتقاص وان لم يصدر الا مع ضعف الايمان به كما ان تلك المعاصي لا تصدر ايضا الامع ضعف الايمان واذا كان كذلك فقبول التوبة ممن هذه حاله يوجب اجتراء امثاله علىامثال كلماته فلا يزال العرض منهوكا الحرمة محقورة بخلاف قبول التوبة ممن يرتد انتقالا عن الدين اما إلى دين اخر او إلى تعطيل فانه اذا علم انه يستتاب على ذلك فان تاب والاقتل لم ينتقل بخلاف ما اذا صدر السب عن كافر به ثم امن به فان علمه بانه اذا اظهر السب لا يقبل منه الا الإسلام او السيف يزعه عن هذا السب الا ان يكون مريدا للإسلام ومتى اراد الإسلام فالإسلام يجب ما كان قبله فليس في سقوط القتل بإسلام الكافر من التطريق إلى الوقيعة في عرضه ما في سقوطه بتجديد إسلام من يظهر الإسلام # وايضا فان سب النبي حق لادمي فلا يسقط بالتوبة كحد القذف وكسب غيره من البشر
ثم من فرق بين المسلم والذمي قال المسلم قد التزم ان لا يسبه ولا يعتقد سبه فاذا اتى ذلك اقيم عليه حده كما يقام عليه حد الخمر وكما يعزر على اكل لحم الميته والخنزير والكافر لم يلتزم تحريم ذلك ولا يعتقده فلا تجب عليه اقامة حده كما لاتجب عليه اقامة حد الخمر ولا يعزر على الميته والخنزير # نعم اذا اظهره نقض العهد الذي بيننا وبينه فصار بمنزلة الحربي فنقتله لذلك فقط لا لكونه اتى حدا يعتقد تحريمه فاذا اسلم سقط عنه العقوبة على الكفر ولا عقوبة عليه لخصوص السب فلا يجوز قتله # وحقيقة هذه الطريقة ان سب النبي لما فيه من الغضاضة عليه يوجب القتل تعظيما لحرمته وتعزيرا له وتوقيرا ونكالا عن التعرض له والحد انما يقام على الكافر فيما يعتقد تحريمه خاصة لكنه اذا اظهر ما يعتقد حله من المحرمات عندنا زجر عن ذلك وعوقب عليه كما اذا اظهر الخمر والخنزير فاظهار السب اما ان يكون كهذه الاشياء كما زعمه بعض الناس او يكون نقضا للعهد كمقاتلة المسلمين وعلى التقديرين فالإسلام يسقط تلك العقوبة بخلاف ما يصيبه المسلم مما يوجب الحد عليه
وايضا فان الردة على قسمين ردة مجردة وردة مغلظة شرع القتل على خصوصها وكلاهما قد قام الدليل على وجوب قتل صاحبها والادلة الدالة على سقوط القتل بالتوبة لا تعم القسمين بل انما تدل على القسم الاول كما يظهر لمن ذلك تامل الادلة على قبول توبة المرتد فيبقى القسم الثاني وقد قام الدليل على وجوب قتل صاحبه ولم يات نص ولا إجماع بسقوط القتل عنه والقياس متعذر مع وجود الفرق الجلي فانقطع الالحاق # والذي يحقق هذه الطريقة انه لم يات في كتاب ولا سنة ولا إجماع ان كل من ارتد باي قول او اي فعل كان فانه يسقط عنه القتل اذا تاب بعد القدرة عليه بل الكتاب والسنة والاجماع قد فرق بين انواع المرتدين كما سنذكره # وانما بعض الناس يجعل برأيه الردة جنسا واحدا على تباين انواعه ويقيس بعضها ببعض فاذا لم يكن معه عموم نطقي يعم انواع المرتدين لم يبق الا القياس وهو فاسد اذا فارق الفرع الاصل بوصف له تاثير في الحكم وقد دل على تاثيره نص الشارع وتنبيهه والمناسبة المشتملة على المصلحة المعتبرة
وتقرير هذا من ثلاثة اوجه # احدها ان دلائل قبول توبة المرتد مثل قوله تعالى ^ كيف يهدي الله قوما كفروا بعد ايمانهم ^ إلى قوله ^ الا الذين تابوا من بعد ذلك واصلحوا ^ وقوله تعالى ^ من كفر بالله من بعد ايمانه ^ ونحوها ليس فيها الاتوبة من كفر بعد الايمان فقط دون من انضم إلى كفره مزيد اذى واضرار وكذلك سنة رسول الله انما فيها قبول توبة من جرد الردة فقط وكذلك سنة الخلفاء الراشدين انما تضمنت قبول توبة من جرد الردة وحارب بعد ارتداده كمحاربة الكافر الاصلي على كفره فمن عزم ان في الاصول ما يعم توبة كل مرتد سواء جرد الردة او غلظها باي شئ كان فقد ابطل وحينئذ فقد قامت الادلة على وجوب قتل الساب وانه مرتد ولم تدل الاصول على ان مثله يسقط عنه القتل فيجب قتله بالدليل السالم عن المعارض
الثاني ان الله سبحانه قال ^ كيف يهدي الله قوما كفروا بعد ايمانهم وشهدوا ان الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين اولئك جزاؤهم ان عليهم لعنة الله والملائكة والناس اجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون الا الذين تابوا بعد ذلك واصلحوا فان الله غفور رحيم ان الذين كفروا بعد ايمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم واولئك هم الضالون ^ فاخبر سبحانه ان من ازداد كفرا بعد ايمانه لن تقبل توبته وفرق بين الكفر المزيد كفرا والكفر المجرد في قبول التوبة من الثاني دون الاول فمن زعم ان كل كفر بعد الايمان تقبل منه التوبة فقد خالف نص القران # وهذه الاية ان كان قد قيل فيها ان ازدياد الكفر المقام عليه إلى حين الموت وان التوبة المنفية هي توبته عند الغرغرة او يوم القيامة فالاية اعم من ذلك # وقد راينا سنة رسول الله فرقت بين النوعين فقبل توبة جماعة من المرتدين ثم انه امر بقتل مقيس بن صبابه يوم الفتح من غير استتابة لما ضم إلى ردته قتل المسلم واخذ المال ولم يتب قبل القدرة عليه وامر
بقتل العرنيين لما ضموا ردتهم نحوا من ذلك وكذلك امر بقتل ابن خطل لما ضم إلى ردته السب وقتل المسلم وامر بقتل ابن أبي سرح لما ضم إلى ردته الطعن عليه والافتراء واذا كان الكتاب والسنة قد حكما في المرتدين بحكمين وراينا ان من ضر واذى بالردة اذى يوجب القتل لم يسقط عنه القتل اذا تاب بعد القدرة عليه وان تاب مطلقا دون من بدل دينه فقط لم يصح القول بقبول توبة المرتد مطلقا وكان الساب من القسم الذي لايجب ان تقبل توبته كما دلت عليه السنة في قصة ابن أبي سرح ولان السب ايذاء عظيم للمسلمين أعظم عليهم من المحاربة باليد كما تقدم تقريره فيجب ان يتحتم عقوبة فاعله ولان المرتد المجرد انما نقتله لمقامه على التبديل للدين فاذا عاود الدين الحق زال المبيح لدمه كما يزول المبيح لدم الكافر الاصلي بإسلامه وهذا الساب اتى من الاذى لله ورسوله بعد المعاهدة على ترك ذلك بما اتى به وهو لايقتل لمقامه عليه فان ذلك ممتنع فصار قتله كقتل المحارب باليد # وبالجملة فمن كانت ردته محاربة لله ورسوله بيد او لسان فقد دلت السنة المفسرة للكتاب انه ممن كفر كفرا مزيدا لا تقبل توبته منه # الوجه الثالث ان الردة قد تتجرد عن السب فلا تتضمنه
ولا تستلزمه كما تتجرد عن قتل المسلمين واخذ اموالهم اذ السب والشتم افراط في العداوة وابلاغ في المحادة مصدره شدة سفه الكافر وحرصه على فساد الدين واضرار اهله ولربما صدر عمن يعتقد النبوة والرسالة لكن لم يات بموجب هذا الاعتقاد من التوقير والانقياد فصار بمنزلة ابليس حيث اعتقد ربوبية الله سبحانه وتعالى بقوله رب وقد ايقن ان الله امره بالسجود ثم لم يات بموجب هذا الاعتقاد من الاستسلام والانقياد بل استكبر وعاند معاندة معارض طاعن في حكمة الامر # ولا فرق بين من يعتقد ان الله ربه وان الله امره بهذا الامر ثم يقول انه لا يطيعه لأنه امره ليس بصواب ولا سداد وبين من يعتقد ان محمدا رسول الله وانه صادق واجب الاتباع في خبره وامره ثم يسبه او يعيب امره اوشيئا من احواله او ينتقصه انتقاصا لايجوز ان يستحقه الرسول وذلك ان الايمان قول وعمل فمن اعتقد الوحدانيه في الالوهية لله سبحانه وتعالى والرسالة لعبده ورسوله ثم لم يتبع هذا الاعتقاد موجبه من الاجلال والاكرام والذي هو حال في القلب يظهر اثره على الجوارح بل قارنه الاستخفاف والتسفيه والازدراء بالقول او بالفعل كان وجودذلك الاعتقاد كعدمه وكان ذلك موجبا لفساد ذلك الاعتقاد ومزيلا لما فيه من المنفعة والصلاح إذا الاعتقادات الايمانية
تزكي النفوس وتصلحها فمتى لم توجب زكاة النفس ولا صلاحا فما ذاك الا لانها لم ترسخ في القلب ولم تصل صفة ونعتا للنفس واذا لم يكن علم الايمان المفروض صفة لقلب الانسان لازمة لم ينفعه فانه يكون بمنزلة حديث النفس وخواطر القلب والنجاة لا تحصل الا بيقين في القلب ولو انه مثقال ذرة # هذا فيما بينه وبين الله واما في الظاهر فتجري الاحكام على ما يظهره من القول والفعل # والغرض بهذا التنبيه على ان الاستهزاء بالقلب والانتقاص ينافي الايمان الذي في القلب منافاة الضد ضده والاستهزاء باللسان ينافي الايمان الظاهر باللسان كذلك # والغرض بهذا التنبيه على ان السب الصادر عن القلب يوجب الكفر ظاهرا وباطنا # هذا مذهب الفقهاء وغيرهم من اهل السنة والجماعة خلاف مايقوله بعض الجهمية والمرجئة القائلين بان
الايمان هو المعرفة والقول بلا عمل من اعمال القلب من انه انما ينافيه في الظاهر وقد يجامعه في الباطن وربما يكون لنا انشاء الله تعالى عودة إلى هذا الموضع
والغرض هنا انه كما ان الردة تتجرد عن السب فكذلك السب قد يتجرد عن قصد تبديل الدين وارادة التكذيب بالرسالة كما تجرد كفر ابليس عن قضد التكذيب بالربوبية وان كان عدم هذا القصد لا ينفعه كما لا ينفع من قال الكفر ان لايقصد ان يكفر # واذا كان كذلك فالشارع اذا امر بقبول توبة من قصد تبديل دينه الحق وغير اعتقاده وقوله فانما ذاك لان المقتضى للقتل الاعتقاد الطارىء وإعدام الاعتقاد الاول فاذا عاد ذلك الاعتقاد الايماني وزال هذا الطاريء كان بمنزلة الماء والعصير يتنجس بتغيره ثم يزول التغير فيعود حلالا لان الحكم اذا ثبت بعلة يزول بزوالها وهذا الرجل لم يظهر مجرد تغير الاعتقاد حتى يعود معصوما بعوده اليه وليس هذا القول من لوازم تغير الاعتقاد حتى يكون حكمه كحكمه إذا قد يتغير الاعتقاد كثيرا ولا يكون اتى باذى لله ورسوله # واضرار بالمسلمين يزيد على تغيير الاعتقاد ويفعله من يظن سلامة الاعتقاد وهوكاذب عند الله ورسوله والمؤمنين في هذه الدعوة
والظن ومعلوم ان المفسدة في هذا أعظم من المفسدة في مجرتغيير الاعتقاد من هذين الوجهين من جهة كونه ا ضرارا زائدا ومن جهة كونه قد يظن او يقال ان الاعتقاد قد يكون سالما معه فيصدر عمن ل####د الانتقال من دين إلى دين ويكون فساده أعظم من فساد الانتقال اذا الانتقال قد علم انه كفر فنزع ما نزع عن الكفر وهذا قد يظن انه ليس بكفر الا اذا صدر استحلالا بل هو معصية وهو من أعظم انواع الكفر فاذا كان الداعي اليه غير الداعي إلى مجرد الردة والمفسدة فيه مخالفة لمفسدة الردة وهي اشد منها لم يجز ان يلحق التائب منها بالتائب من الردة لان من شروط القياس قياس المعنى استواء الفرع والاصل في حكمة الحكم باستوائهما في دليل الحكمة اذا كانت خفية فاذا كان في الاصل معان مؤثرة يجوز ان تكون التوبة انما قبلت لاجلها وهي معدومة في الفرع لم يجز اذا لا يلزم من قبول توبة من خفت مفسدة جنايته او انتفت قبول توبة من تغلظت مفسدته او بقية
وحاصل هذا الوجه ان عصمة دم هذا بالتوبة قياسا على المرتد متعذر لوجود الفرق المؤثر فيكون المرتد المنتقل إلى دين اخر ومن اتى من القول بما يضر المسلمين ويؤذي الله ورسوله وهو موجب للكفر نوعين تحت جنس الكافر بعد إسلامه وقد شرعت التوبة في حق الاول فلا يلزم شرع التوبة في حق الثاني لوجود الفارق من حيث الاضرار ومن حيث ان مفسدته لاتزول بقبول التوبة
فصل # قد تضمن هذا الدلالة على وجوب قتل الساب من المسلمين وان اسلم وتوجيه قول من فرق بينه وبين الذمي الذي اذا اسلم وقد تضمن الدلالة على ان الذمي اذا عاد إلى الذمة لم يسقط عنه القتل بطريق الاولى فان عود المسلم إلى الإسلام احقن لدمه من عود الذمي إلى ذمته ولهذا عامة العلماء الذين حقنوا دم هذا وامثاله بالعود إلى الإسلام لم يقولوا مثل ذلك في الذمي اذا عاد إلى الذمة # ومن تامل سنة رسول الله في قتله لبني قريظة وبعض اهل
خيبر وبعض بني النضير واجلائه لبني النضير وبني قينقاع بعد ان نقض هؤلاء الذمة وحرصوا على ان يجيبهم إلى عقد الذمة ثانيا
فلم يفعل ثم سنة خلفائه وصحابته في مثل هذا المؤذي وامثاله مع العلم بانه كان احرص شيء على العود إلى الذمة لم يسترب في ان القول بوجوب اعادة مثل هذا إلى الذمة قول مخالف للسنة ولاجماع خير القرون وقد تقدم التنبيه على ذلك في حكم نا قضي العهد مطلقا ولولا ظهوره لاشبعنا القول فيه وانما احلنا على سيرة رسول الله وسنته من له بها علم فانهم لا يستريبون انه لم يكن الذي بين النبي وهؤلاء اليهود هدنة مؤقته وانما كانت ذمة مؤبدة على ان الدار دار إسلام وانه يجري عليهم حكم الله ورسوله فيما يختلفون فيه الا انهم لم يضرب عليهم جزية ولم يلزموا بالصغار الذي الزموه بعد نزول براءة لان ذلك لم يكن شرع بعد # واما من قال ان الساب يقتل وان تاب واسلم وسواء كان كافرا او مسلما فقد تقدم دليله ان المسلم يقتل بعد التوبة وان الذمي يقتل وان طلب العود إلى الذمة # واما قتل الذمي اذا وجب عليه القتل بالسب وان اسلم بعد ذلك فلهم فيه طرق وهي دالة على تحتم قتل المسلم ايضا كما تدل على تحتم
قتل الذمي # احداها قوله تعالى ^ انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا ان يقتلوا او يصلبوا او تقطع ايديهم وارجلهم من خلاف او ينفوا من الارض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الاخرة عذاب عظيم الا الذين تابوا من قبل ان تقدروا عليهم فاعلموا ان الله غفور رحيم ^ فوجه الدلالة ان هذا الساب المذكور من المحاربين لله ورسوله الساعين في الارض فسادا الداخلين في هذه الاية سواء كان مسلما او معاهدا وكل من كان من المحاربين الداخلين في هذه الاية فانه يقام عليه الحد اذا قدر عليه قبل التوبة سواء تاب بعد ذلك او لم يتب فهذا الذمي او المسلم اذا سب ثم اسلم بعد ان اخذ وقدر عليه قبل التوبة فيجب اقامة الحد عليه وحده القتل فيجب قتله سواء تاب او لم يتب # والدليل مبني على مقدمتين # احداهما انه داخل في هذه الاية # والثانية ان ذلك يوجب قتله اذا اخذ قبل التوبة # اما المقدمة الثانية فظاهرة فانا لم نعلم مخالفا في ان المحاربين اذا اخذوا قبل التوبة وجب اقامة الحد عليهم وان تابوا بعد الاخذ وذلك بين في الاية فان الله اخبر ان جزاءهم أحد هذه الحدود الاربعة الا الذين
تابوا قبل ان يقدر عليهم فالتائب قبل القدرة ليس جزاؤه شيئا من ذلك وغيره هذه جزاؤه وجزاء أصحاب الحدود تجب اقامته على الائمة لان جزاء العقوبة اذا لم يكن حقا لادمي حى بل كان حدا من حدود الله وجب استيفاؤه باتفاق المسلمين وقد قال تعالى في اية السرقة ^ فاقطعوا ايديهما جزاء بما كسبا ^ فامر بالقطع جزاء على ما كسباه فلو لم يكن الجزاء المشروع المحدود من العقوبات واجبا لم يعلل وجوب القطع به اذ العلة المطلوبة يجب ان تكون ابلغ من الحكم واقوى منه والجزاء اسم للفعل واسم لما يجازى به ولهذا قرا قوله تعالى ^ فجزاء مثل ما قتل ^ بالتنوين وبالاضافة وكذلك الثواب والعقاب وغيرهما فالقتل والقطع قد يسمى جزاء ونكالا وقد يقال فعل هذا ليجزيه وللجزاء
د/احمد
2011-11-13, 11:37 AM
ولهذا قال الاكثرون انه نصب على المفعول له والمعنى أن الله امر بالقطع ليجزيهم ولينكل عن فعلهم # وقد قيل انه نصب على المصدر لان معنى اقطعوا اجزوهم ونكلوا وقيل انه على الحال اي فاقطعوهم مجزين منكلين هم وغيرهم او جازين منكلين وبكل حال فالجزاء مامور به او مامور لاجله فثبت انه واجب الحصول شرعا وقد اخبر ان جزاء المحاربين أحد الحدود الاربعة فيجب تحصيلها اذ الجزاء هنا يتحد فيه معنى الفعل المجزي به لان القتل والقطع والصلب وهي افعال وهي غير ما يجزى به وليست اجساما بمنزلة المثل من النعم # يبين ذلك ان لفظ الاية خبر عن احكام الله سبحانه التي يؤمر الإمام بفعلها ليست عن الحكم الذي يخير بين فعله وتركه اذا ليس لله احكاما في اهل ذنوب يخير الإمام بين فعلها وترك جميعها
وايضا فانه قال ^ ذلك لهم خزي في الدنيا ^ والخزي لايحصل الا باقامة الحدود لا بتعطيلها # وايضا فإنه لو كان هذا الجزاء إلى الإمام له اقامته وتركه بحسب المصلحة لندب إلى العفو كما في قوله تعالى ^ وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ^ وقوله ^ والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ^ وقوله ^ ودية مسلمة إلى اهله الا ان يصدقوا ^ # وايضا فالادلة على وجوب اقامة الحدود على السلطان من السنة والاجماع ظاهرة ولم نعلم مخالفا في وجوب جزاء المحاربين ببعض ما ذكر الله في كتابه وانما اختلفوا في هذه الحدود هل يخير الإمام بينها
بحسب المصلحة او لكل جرم جزاء محدود شرعا كما هو مشهور فلا حاجة إلى الاطناب في وجوب الجزاء لكن نقول جزاء الساب القتل عينا بما تقدم من الدلائل الكثيرة ولا يخير الإمام فيه بين القتل والقطع بالاتفاق واذا كان جزائه القتل من هذه الحدود وقد اخذ قبل التوبة وجب اقامة الحد عليه اذا كان من المحاربين بلا تردد # فلنبين المقدمة الاولى وهي ان هذا من المحاربين لله ورسوله الساعين في الارض فسادا وذلك من وجوه # احدها ما رويناه من حديث عبد الله بن صالح كاتب الليث قال
حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضى الله عنهما قال وقوله ^ انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا ^ قال كان قوم من اهل الكتاب بينهم وبين النبي عهد وميثاق فنقضوا العهد وافسدوا في الارض فخير الله رسوله ان شاء ان يقتل وان شاء ان يصلب وان شاء ان يقطع ايديهم وارجلهم من خلاف
واما النفي فهو ان يهرب في الارض فان جاء تائبا فدخل في الإسلام قبل منه ولم يؤاخذ بما سلف منه ثم قال في موضع اخر وذكر هذه الاية من شهر السلاح في قبة الإسلام واخاف السبيل ثم ظفر به وقدر عليه فإمام المسلمين فيه بالخيار ان شاء قتله وان شاء صلبه وان شاء قطع يده ورجله ثم قال ^ او ينفوا من الارض ^ يخرجوا من دار الإسلام إلى دار الحرب فان تابوا من قبل ان تقدروا عليهم فاعلموا ان الله غفور رحيم # وكذلك روى محمد بن يزيد الواسطي عن جويبر عن الضحاك
قوله تعالى ^ انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا ^ قال كان ناس من اهل الكتاب بينهم وبين النبي عهد وميثاق فقطعوا الميثاق وافسدوا في الارض فخير الله رسوله ان يقتل ان شاء او يصلب او يقطع ايديهم وارجلهم من خلاف واما النفي ان يهرب في الارض فلا يقدر عليه فإن جاء تائبا داخلا في الإسلام قبل منه ولم يؤاخذ بما عمل # وقال الضحاك ايما رجل مسلم قتل او اصاب حدا او مالا لمسلم فلحق بالمشركين فلا توبة له حتى يرجع فيضع يده في يد المسلمين فيقر بما اصاب قبل ان يهرب من دم او غيره اقيم عليه او اخذ منه # ففي هذين الاثرين انها نزلت في قوم معاهدين من اهل الكتاب لما نقضوا العهد وافسدوا في الارض وكذلك في تفسير الكلبي # عن أبي صالح عن ابن عباس وان كان لايعتمد عليه اذا انفرد
انها نزلت في قوم موادعين وذلك ان رسول الله وادع هلال بن عويمر وهو أبو بردة الاسلمي على الا يعينه ولا يعين عليه ومن اتاه من المسلمين فهو امن ان يهاج ومن اتى المسلمين منهم فهو امن ان يهاج ومن مر بهلال بن عويمر إلى رسول الله فهو امن ان يهاج # قال فمر قوم من بني كنانة يريدون الإسلام بناس من اسلم من قوم هلال بن عويمر ولم يكن هلال يومئذ شاهدا فنهدوا اليهم فقتلوهم واخذوا اموالهم فبلغ ذلك رسول الله فنزل عليه
جبريل بالقصة فيهم فقد ذكر انها نزلت في قوم معاهدين لكن من غير اهل الكتاب # وروى عكرمة عن ابن عباس وهو قول الحسن انها نزلت في المشركين ولعله اراد الذين نقضوا العهد كما قال هؤلاء فان الكافر الاصلي لا ينطبق عليه حكم الاية
والذي يحقق ان ناقض العهد بما يضر المسلمين داخل في هذه الاية من الاثر ما قدمناه من حديث عمر بن الخطاب رضى الله عنه انه اتى برجل من اهل الذمة نخس بامراة من المسلمين بالشام حتى وقعت فتجللها فامر به عمر فقتل وصلب فكان أول مصلوب في الإسلام وقال يا ايها الناس اتقوا الله في ذمة محمد ولا تظلموهم فمن فعل هذا فلا ذمة له وقد رواه عنه
عوف بن مالك الاشجعي وغيره كما تقدم # وروى عبد الملك بن حبيب بإسناده عن عياض بن عبد الله الاشعري قال مرت امراة تسير على بغل فنخس بها علج فوقعت من البغل فبدا بعض عورتها فكتب بذلك أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر رضى الله عنه فكتب اليه عمر ان اصلب العلج في ذلك المكان فإنا لم نعاهدهم على هذا انما عاهدناهم على ان يعطوا
الجزية عن يد وهم صاغرون # وقد قال أبو عبد الله احمد بن حنبل في مجوسي فجر بمسلمة يقتل هذا قد نقض العهد وكذلك ان كان من اهل الكتاب يقتل ايضا قد صلب عمر رجلا من اليهود فجر بمسلمة هذا نقض العهد قيل له ترى عليه الصلب مع القتل قال ان ذهب رجل إلى حديث عمر كأنه لم يعب عليه # فهؤلاء اصحاب رسول اله عمر وابو عبيده وعوف بن مالك ومن كان في عصرهم من السابقين الاولين قد استحلوا قتل هذا وصلبه وبين عمر انا لم نعاهدهم على مثل هذا الفساد وان العهد انتقض بذلك فعلم انهم تأولوا فيمن نقض العهد بمثل هذا انه من محاربة الله ورسوله والسعي في الارض فسادا واستحلوا لذلك قتله وصلبه والا فالصلب مثله لا يجوز الا لمن ذكره الله في كتابه
وقد قال اخرون منهم ابن عمر وانس بن مالك ومجاهد وسعيد بن جبير وعبد الرحمن بن جبير ومكحول وقتادة وغيرهم رضي الله عنهم انها نزلت في العرنيين الذين ارتدوا عن
الإسلام وقتلوا راعي رسول الله واستاقوا ابل رسول الله وحديث العرنيين مشهور ولا منافاة بين الحديثين فان سبب النزول قد يتعدد مع كون اللفظ عاما في مدلوله وكذلك كان عامة العلماء على ان الاية عامة في المسلم والمرتد والناقض كما قال الاوزاعي في هذه الاية هذا حكم حكمه الله في هذه الامة على من حارب مقيما على الإسلام او مرتدا عنه وفيمن حارب من اهل الذمة # وقد جاءت اثار صحيحة عن علي وابي موسى وابي
هريرة وغيرهم رضي الله عنهم تقتضي ان حكم هذه الاية ثابت فيمن حارب المسلمين بقطع الطريق ونحوه مقيما على إسلامه لهذا يستدل جمهور الفقهاء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على حد قطع الطريق بهذه الاية # والمقصود هنا ان هذا الناقض للعهد والمرتد عن الإسلام بما فيه الضرر داخل فيها كما ذكرنا دلائله عن الصحابة والتابعين وان كان يدخل فيها بعض من هو على الإسلام وهذا الساب ناقض للعهد بما فيه ضرر على المسلمين ومرتد بما فيه ضرر على المسلمين فيدخل في الاية # ومما يدل على انه قد عني بها ناقضوا العهد في الجملة ان النبي نفى بني قينقاع والنضير لما نقضوا العهد إلى ارض الحرب وقتل بني
قريظة وبعض اهل خيبر لما نقضوا العهد والصحابة قتلوا وصلبوا بعض من فعل ما ينقض العهد من الامور المضرة فحكم النبي وخلفائه في اصناف ناقض العهد كحكم الله في هذه الاية مع صلاحه لأن يكون امتثالا لامر الله فيها دليل على انهم مرادون منها # الوجه الثاني ان ناقض العهد والمرتد المؤذي لا ريب انه محارب لله ورسوله فان حقيقة نقض العهد محاربة المسلمين ومحاربة المسلمين محاربة لله ورسوله وهو اولى بهذا الاسم من قاطع الطريق ونحوه لان ذلك مسلم لكن لما حارب المسلمين على الدنيا كان محاربا لله ورسوله فالذي يحاربهم على الدين اولى ان يكون محاربا لله ورسوله ثم لايخلوا اما ان لا يكون محاربا لله ورسوله حتى يقاتلهم ويمتنع عنهم او يكون
محاربا اذا فعل ما يضرهم مما فيه نقض العهد وان لم يقاتلهم الاول لايصح لما قدمناه من ان هذا قد نقض العهد وصار من المحاربين ولان أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال ايما معاهد تعاطى سب الانبياء فهو محارب غادر # وعمر وسائر الصحابة قد جعلوا الذمي الذي تجلل المسلمة بعد ان نخس بها الدابة محاربا بمجرد ذلك حتى حكموا فيه بالقتل والصلب فعلم انه لا يشترط في المحاربة المقاتلة بل كل ما نقض العهد عندهم من الاقوال والافعال المضرة فهو محاربة داخله في هذه الاية # فان قيل فيلزم من هذا ان يكون كل من نقض العهد بما فيه ضرر يقتل اذا اسلم بعد القدرة عليه # قيل وكذلك نقول وعليه يدل ما ذكرناه في سبب نزولها فانها اذا نزلت فيمن نقض العهد بالفساد وقيل فيها ^ الا الذين تابوا من قبل ان تقدروا عليهم ^ علم ان التائب بعد القدرة مبقي على حكم الاية # الوجه الثالث ان كل ناقض للعهد فقد حارب الله ورسوله ولولا ذلك لم يجز قتله ثم لا يخلوا اما ان يقتصر على نقض العهد بان يلحق بدار الحرب او يضم إلى ذلك فسادا فان كان الاول فقد حارب الله
ورسوله فقط فهذا لم يدخل في الاية وان كان الثاني فقد حارب وسعى في الارض فسادا مثل ان يقتل مسلما أو يقطع الطريق على المسلمين او يغصب مسلمة على نفسها او يظهر الطعن في كتاب الله ورسوله ودينه او يفتن مسلما عن دينه فان هذا قد حارب الله ورسوله بنقضه العهد وسعى في الارض فسادا بفعله ما يفسد على المسلمين اما دينهم او دنياهم وهذا قد دخل في الاية فيجب ان يقتل او يقتل ويصلب او ينفى من الارض حتى يلحق بارض الحرب ان لم يقدر عليه او تقطع يده ورجله ان كان قد قطع الطرق واخذ المال ولا يسقط عنه ذلك الا ان يتوب من قبل ان يقدر عليه وهوالمطلوب # الوجه الرابع ان هذا الساب محارب الله ورسوله ساع في الارض فسادا فيدخل في الاية وذلك لانه عدو لله ولرسوله ومن عادى الله ورسوله فقد حارب الله ورسوله وذلك لان النبي قال للذي يسبه من يكفنني عدوي وقد تقدم ذكر ذلك من غير وجه اذا كان عدوا له فهو محارب # وروى البخاري في صحيحه عن أبي هريره رضي الله عنه عن النبي قال يقول الله تبارك وتعالى من عادى لي وليا فقد
بارزني بالمحاربة # وفي الحديث عن معاذ بن جبل قال سمعت رسول الله يقول اليسير من الرياء شرك ومن عادى اولياء الله فقد بارز الله بالمحاربه فاذا كان من عادى واحذا من الاولياء قد بارز الله بالمحاربة فكيف من عادى صفوة الله من اوليائه فانه يكون اشد مبارزة له بالمحاربة واذا كان محاربا لله لاجل عداوته للرسول فهو محارب للرسول بطريق الاولى فثبت ان الساب للرسول محارب لله ورسوله
فان قيل فلو سب واحدا من اولياء الله غير الانبياء فقد بارز الله بالمحاربة فانه اذا سبه فقد عاداه كما ذكرتم واذا عاداه فقد بارز الله بالمحاربة كما نصه الحديث الصحيح ومع هذا فلا يدخل في المحاربة المذكورة في الاية فقد انتقض الدليل وذلك يوجب صرف المحاربة إلى المحاربة باليد # قيل هذا باطل من وجوه # احدها انه ليس كل من سب غير الانبياء يكون قد عاداهم اذ لا دليل يدل على ذلك وقد قال الله سبحانه وتعالى ^ والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا واثما مبينا ^ بعد ان اطلق انه من اذى الله ورسوله فقد لعنه الله في الدنيا والاخرة فعلم ان المؤمن قد يؤذى بما اكتسب ويكون اذاه بحق كإقامة الحدود والانتصار في الشتيمة ونحو ذلك مع كونه وليا لله واذا كان واجبا في بعض الاحيان او جائزا لم يكن مؤذيه في تلك الحال عدوا له لان المؤمن يجب عليه ان يوالي المؤمن ولا يعاديه وان عاقبه عقوبة شرعية كما قال تعالى ^ انما وليكم الله ورسوله
والذين امنوا ^ وقال تعالى ^ ومن يتول الله ورسوله والذين امنوا ^ # الثاني أن من سب غير النبي فقد يكون مع السب مواليه من وجه اخر فإن سباب المسلم اذا لم يكن بحق كان فسوقا والفاسق لا يعادي المؤمنين بل يواليهم ويعتقد مع السب للمؤمن انه تجب موالاته من وجه اخر اما سب النبي فإنه ينافي اعتقاد نبوته ويستلزم البراءة منه والمعاداة له لأن اعتقاد عدم نبوته وهو يقول انه نبي يوجب ان يعامله معاملة المتنبئين وذللك يوجب ابلغ العداوات له # الثالث لو فرض ان سب غير النبي عداوة له لكن ليس أحد بعينه يشهد له انه ولي لله شهادة توجب ان ترتب عليها الاحكام المبيحة للدماء بخلاف الشهادة للنبي بالولاية فإنها يقينية نعم لما كان الصحابة قد يشهد لبعضهم بالولاية خرج في قتل سابهم خلاف مشهور ربما ننبه ان شاء الله تعالى عليه
الرابع انه لو فرض انه عادى وليا علم انه ولي فإنما يدل على انه بارز الله بالمحاربة وليس فيه ذكر محاربة الله ورسوله والجزاء المذكور في الاية انما هو لمن حارب الله ورسوله ومن سب الرسول فقد عاداه ومن عاداه فقد حاربه وقد حارب الله ايضا كما دل عليه الحديث فيكون محاربا لله ورسوله ومحاربة الله ورسوله اخص من محاربة الله والحكم المعلق بالأخص لا يدل على انه معلق بالأعم وذلك ان محاربة الرسول تقتضي مشاقته على ماجاء به من الرسالة وليس في معاداة ولي بعينه مشاقة في الرسالة بخلاف الطعن في الرسول # الخامس ان الجزاء في الاية لمن حارب الله ورسوله وسعى في الارض فسادا والطاعن في الرسول قد حارب الله ورسوله كما تقدم وقد سعى في الارض فسادا كما سيأتي وهذا الساب للولي وان كان قد حارب الله فلم يسع في الارض فسادا لان السعي في الارض فسادا انما يكون بإفساد عام لدين الناس او دنياهم وهذا انما يتحقق في الطعن في النبي ولهذا لا يجب على الناس الايمان بولاية الوالي ويجب عليهم الايمان بنبوة النبي # السادس ان ساب الولي لو فرض انه محارب لله ورسوله فخروجه من اللفظ العام لدليل اوجبه لايوجب ان يخرج هذا الساب للرسول لان الفرق بين العداوتين ظاهر والقول العام اذا خصت منه صورة لم تخص منه صورة اخرى لا تساويها الا بدليل اخر
السابع ان حمله على المحاربة باليد متعذر ايضا في حق الولي فإن من عاداه بيده لم يوجب ذلك ان يدخل في حكم الاية على الاطلاق مثل ان يضربه ونحو ذلك فلا فرق اذا في حقه بين المعادة باليد واللسان بخلاف النبي فإنه لا فرق بين ان يعاديه بيد او لسان فإنه يمكن دخوله في الاية وذلك مقرر الاستدلال كما تقدم # واذا ثبت ان هذا الساب محارب الله ورسوله فهو ايضا ساع في الارض فسادا لان الفساد نوعان فساد الدنيا من الدماء والاموال والفروج وفساد الدين والذي يسب الرسول ويقع في عرضه يسعى ليفسد على الناس دينهم ثم بواسطة ذلك يفسد عليهم دنياهم وسواء فرضنا انه افسد على أحد دينه او لم يفسد لأنه سبحانه وتعالى انما قال ^ ويسعون في الارض فسادا ^ قيل انه نصب على المفعول له اي ويسعون في الارض للفساد كما قال ^ واذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد ^ والسعي هو العمل والفعل فمن سعى ليفسد امر الدين فقد سعى في الارض فسادا وان خاب سعيه وقيل انه نصب على المصدر
او على الحال تقديره سعى في الارض مفسدا كقوله ^ ولا تعثوا في الارض مفسدين ^ او كما يقال جلس قعودا وهذا يقال لكل من عمل عملا يوجب الفساد وان لم يؤثر لعدم قبول الناس له وتمكينهم اياه بمنزلة قاطع الطريق اذا لم يقتل احدا ولم يأخذ مالا على ان هذا العمل لا يخلو من فساد في النفوس قط اذا لم يقم عليه الحد # وايضا فإنه لاريب ان الطعن في الدين وتقبيح حال الرسول في اعين الناس وتنفيرهم عنه من أعظم الفساد كما ان الدعاء إلى تعزيره وتوقيره من أعظم الصلاح والفساد ضد الصلاح فكما ان كل قول او عمل يحبه الله فهو من الصلاح فكل قول او عمل يبغضه الله فهو من الفساد قال سبحانه وتعالى ^ ولا تفسدوا في الارض بعد اصلاحها ^ يعني الكفر والمعصية بعد الايمان والطاعة ولكن الفساد
نوعان لازم وهو مصدر فسد يفسد فسادا ومتعد وهو اسم مصدر افسد يفسد افسادا كما قال تعالى ^ سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لايحب الفساد ^ وهذا هو المراد هنا لانه قال ^ ويسعون في الارض فسادا ^ وهذا انما يقال لمن افسد غيره لانه لو كان الفساد في نفسه فقط لم يقل سعى في الارض فسادا وانما يقال في الارض لما انفصل عن الانسان كما قال سبحانه وتعالى ^ ما اصاب من مصيبة في الارض ولا في انفسكم الا في كتاب ^ # وقال تعالى ^ سنريهم اياتنا في الافاق وفي أنفسهم ^ وقال تعالى ^ وفي الارض ايات للموقنين وفي انفسكم ^ # وايضا فان الساب ونحوه انتهك حرمة الرسول وغض قدره واذى الله ورسوله وعباده المؤمنين وجرا النفوس الكافرة والمنافقة على
اصطلام امر الإسلام وطلب اذلال النفوس المؤمنة وازالة عز الدين واسفال كلمة الله وهذا من ابلغ السعي فسادا # ويؤيد ذلك ان عامة ما ذكر في القران من السعي في الارض فسادا والافساد في الارض فإنه قد عني به افساد الدين فثبت ان هذا الساب محارب لله ورسوله ساع في الارض فسادا فيدخل في الاية # الوجه الرابع ان المحاربة نوعان محاربة باليد ومحاربة باللسان والمحاربة باللسان في باب الدين قد تكون انكى من المحاربة باليد كما تقدم تقريره في المسألة الاولى ولذلك كان النبي يقتل من كان يحاربه باللسان مع استبقائه بعض من حاربه باليد خصوصا محاربة الرسول بعد موته فإنها انما تمكن باللسان وكذلك الافساد قد يكون باليد وقد يكون باللسان وما يفسده اللسان من الاديان اضعاف ما تفسده اليد كما ان ما يصلحه اللسان من الاديان اضعاف ما تصلحه اليد فثبت ان محاربة الله ورسوله باللسان اشد والسعي في الارض لفساد الدين باللسان أو كد فهذا الساب لله ورسوله اولى باسم المحارب المفسد من قاطع الطريق
د/احمد
2011-11-13, 11:38 AM
الوجه الخامس ان المحاربة خلاف المسالة والمسالة ان يسلم كل من المتسالمين من اذى الاخر فمن لم تسلم من يده او لسانه فليس بمسالم لك بل هو محارب # ومعلوم ان محاربة الله ورسوله هي المغالبة على خلاف ما امر الله ورسوله اذ المحاربة لذات الله ورسوله محال فمن سب الله ورسوله لم يسالم الله ورسوله لأن الرسول لم يسلم منه بل طعنه في رسول الله مغالبة لله ورسوله على خلاف ما امر الله به على لسان رسوله وقد افسد في الارض كما تقدم فيدخل في الاية # وقد تقدم في المسالة الاولى ان هذا الساب محاد لله ورسوله مشاق لله تعالى ورسوله وكل من شاق الله ورسوله فقد حارب الله ورسوله ولانن المحاربة والمشاقة سواء فان الحرب هو الشق ومنه سمي المحارب محاربا واما كونه مفسدا في الارض فظاهر
واعلم ان كل ما دل على ان السب نقض للعهد فقد دلل على انه محاربة لله ورسوله لان حقيقة نقض العهد ان يعود الذمي محاربا فلو لم يكن بالسب يعود محاربا لما كان ناقضا للعهد وقد قدمنا في ذلك من الكلام ما لايليق اعادته لما فيه من الاطالة فليراجع ما مضى في هذا الموضوع يبقى انه سعى في الارض فسادا وهذا اوضح من ان يحتاج إلى دليل فان اظهار كلمة الكفر والطعن في المرسلين والقدح في كتاب الله ودينه ورسله وكل سبب بينه وبين خلقه لا يكون اشد منه فسادا وعامة الاي في كتاب الله التي تنهى عن الافساد في الارض فان من أكثر المراد بها الطعن في الانبياء كقوله سبحانه عن المنافقين الذين يخادعون الله والذين امنوا وما يخدعون الا انفسهم ^ واذا قيل لهم لاتفسدوا في الارض قالوا انما نحن مصلحون ^ قال تعالى ^ الاانهم هم المفسدون ^ وانما كان افسادهم نفاقهم وكفرهم وقوله ^ ولا تفسدوا في الارض بعد اصلاحها ^ وقوله سبحانه ^ والله لايحب الفساد ^
وقوله سبحانه ^ واصلح ولا تتبع سبيل المفسدين ^ واذا كان هذا لمحاربا لله ورسوله ساعيا في الارض فسادا تناولته الاية وشملته # ومما يقرر الدلالة من الاية ان الناس فيها قسمان منهم من يجعلها مخصوصة بالكفار من مرتد وناقض عهد ونحوها ومنهم من يجعلها عامة في المسلم المقيم على إسلامه وفي غيره ولا أعلم احدا خصها بالمسلم المقيم على إسلامه فتخصيصها به خلاف الاجماع ثم الذين قالوا انها عامة قال كثير منهم قتادة وغيره قوله ^ الا الذين تابوا من قبل ان تقدروا عليهم ^ هذا لاهل الشرك خاصة فمن اصاب من المشركين شيئا من المسلمين وهو لهم حرب فاخذ مالا او اصاب دما ثم تاب من قبل ان يقدر عليه اهدر عنه ما مضى لكن المسلم المقيم على إسلامه
محاربته انما هي باليد لان لسانه موافق مسالم للمسلمين غير محارب اما المرتد والناقض للعهد فمحاربته باليد تارة وباللسان اخرى ومن زعم ان اللسان لا تقع به محاربة فالادلة المتقدمة في أول المسألة مع ما ذكرناه هنا تدل على انه محاربة على ان الكلام في هذا المقام انما هو بعد ان تقرر ان السب محاربة ونقض للعهد # واعلم ان هذه الاية اية جامعة لانواع من المفسدين والدلالة منها ظاهرة قوية لمن تأملها لا اعلم شيئا يدفعها # فإن قيل مما يدل على ان المحاربة هنا باليد فقط انه قال ^ إلا الذين تابوا من قبل ان تقدروا عليهم ^ انما يكون هذا فيمن يكون ممتنعا والشاتم ليس ممتنعا # قيل الجواب من وجوه
احدها ان المستثنى اذا كان ممتنعا لم يلزم ان يكون المستبقى ممتنعا لجواز ان تكون الاية تعم كل محارب بيد او لسان ثم استثنى منهم الممتنع اذا تاب قبل القدرة فيبقى المقدور عليه مطلقا والممتنع اذا تاب بعد القدرة # الثاني ان كل من جاء تائبا قبل اخذه فقد تاب قبل القدرة عليه # سئل عطاء عن الرجل يجيئ بالسرقة تائبا قال ليس عليه قطع وقرا ^ الا الذين تابوا من قبل ان تقدروا عليهم ^ وكل من لم يؤخذ فهو ممتنع لا سيما إذا لم يؤخذ ولم تقم عليه حجة وذلك لان الرجل وان كان مقيما فيمكنه الاستخفاء والهرب كما يمكن المصحر فليس كل من فعل جرما كان مقدورا عليه بل يكون طلب المصحر أسهل من طلب المقيم اذا كان لا يواريه في الصحراء خمر ولا غيابه
بخلاف المقيم في المصر وقد يكون المقيم له من يمنعه من اقامة الحد عليه فكل من تاب قبل ان يؤخذ ويرفع إلى السلطان فقد تاب قبل القدرة عليه # وايضا فإذا تاب قبل ان يعلم به ويثبت الحد عليه فإن جاء بنفسه فقد تاب قبل القدرة عليه لان قيام البينة وهو في ايدينا قدرة عليه فإذا تاب قبل هذين فقد تاب قبل القدرة قطعا
الثالث ان المحارب باللسان كالمحارب باليد قد يكون ممتنعا وقد يكون المحارب باليد مستضعفا بين قوم كثيرين وكما ان الذي يخاطر بنفسه بقتال قوم كثيرين قليل فكذلك الذي يظهر الشتم ونحوه من الضرر بين قوم كثيرين قليل وكما ان الغالب ان القاطع بسيفه انما يخرج على من يستضعفه فكذلك الساب ونحوه انما يفعل ذلك في الغالب مستخفيا مع من لا يتمكن من اخذه ورفعه إلى السلطان والشهادة عليه # ومما يقررالدلالة الاستدلال بالآية من وجهين اخرين # احدهما انها قد نزلت في قوم ممن كفر وحارب بعد سلمه باتفاق الناس فيما علمناه وان كانت نزلت ايضا فيمن حارب وهو مقيم على إسلامه فالذمي اذا حارب اما بأن يقطع الطريق على المسلمين او يستكره مسلمة على نفسها ونحو ذلك يصير به محاربا وعلى هذا اذا تاب بعد القدرة عليه لم يسقط عنه القتل الواجب عليه وان كان هذا قد اختلف فيه فان العمدة على الحجة فالساب للرسول اولى ولا يجوز ان يخص بمن قاتل لأخذ المال فإن الصحابة جعلوه محاربا بدون
ذلك وكذلك سبب النزول الذي ذكرناه ليس فيه انهم قتلوا احدا لاخذ مال ولو كانوا قتلوا احدا لم يسقط القود عن قاتله اذا تاب قبل القدرة وكان قد قتله وله عهد كما لو قتله وهو مسلم # وايضا فقطع الطرق اما أن يكون نقضا للعهد او يقام عليه ما يقام على المسلم مع بقاء العهد فان كان الاول فلا فرق بين قطع الطريق وغيره من الامور التي تضر المسلمين وحينئذ فمن نقض العهد بها لم يسقط حده وهو القتل اذا تاب بعد القدرة وان كان الثاني لم ينتقض عهد الذمي بقطع الطريق وقد تقدم الدليل على فساده ثم ان الكلام هنا انما هو تفريع عليه فلا يصح المنع بعد التسليم # الثاني ان الله سبحانه فرق بين التوبة قبل القدرة وبعدها
لان الحدود اذا ارتفعت إلى السلطان وجبت ولم يمكن العفو عنها ولا الشفاعة فيها بخلاف ما قبل الرفع ولان التوبة قبل القدرة عليه توبة اختيار والتوبة بعد القدرة توبة اكراه واضطرار بمنزلة توبة فرعون حين ادركه الغرق وتوبة الامم المكذبة لما جاءها البأس وتوبة من حضره الموت فقال اني تبت الان فلم يعلم صحتها حتى يسقط الحد الواجب # ولان قبول التوبة بعد القدرة لو اسقطت الحد لتعطلت الحدود وانبثق سد الفساد فان كل مفسد يتمكن اذا اخذ ان يتوب بخلاف التوبة قبل القدرة فانها تقطع دابر الشر من غير فساد فهذه معان مناسبة قد شهدها الشارع بالاعتبار في غير هذا الاصل فتكون اوصافا مؤثرة او ملائمة فيعلل الحكم بها وهي بعينها موجودة في الساب فيجب ان
لايسقط القتل عنه بالتوبة بعد الاخذ لان إسلامه توبة منه وكذلك توبة كل كافر قال سبحانه وتعالى ^ فإن تابوا واقاموا الصلاة ^ في موضعين والحد قد وجب بالرفع وهذه توبة اكراه واضطرار وفي قبولها تعطيل للحد ولا ينتقض هذا علينا بتوبة الحربي الاصلي فإنه لم يدخل في هذه الاية ولأنه اذا تاب بعد الاسر لم يخل سبيله بل يسترق ويستعبد وهو احدى العقوبتين اللتين كان يعاقب بإحداهما قبل الإسلام والساب لم يكن عليه الا عقوبة واحدة فلم يسقط كقاطع الطريق والمرتد المجرد لم يسع في الارض فسادا فلم يدخل في الاية ولا يرد نقضا من جهة المعنى لأنا انما نعرضه للسيف ليعود إلى الإسلام وانما نقتله لمقامه على تبديل الدين فاذا اظهر الاعادة اليه حصل المقصود الذي يمكننا تحصيله وزال المحذور الذي يمكننا ازالته وانما تعطيل هذا الحد ان يترك على ردته غير مرفوع إلى الإمام ولم يقدح كونه مكرها بحق في غرضنا لانا انما طلبنا منه ان يعود إلى الإسلام طوعا او كرها كما لو قاتلناه على الصلاة او الزكاة فبذلها طوعا او كرها حصل مقصودنا والساب ونحوه من المؤذين انما نقتلهم لما فعلوه من الاذى والضرر لا لمجرد كفرهم فإنا قد اعطيناهم العهد على كفرهم فاذا اسلم بعد الاخذ زال الكفر الذي لم يعاقب عليه بمجرده # واما الاذى والضررفهو افساد في الارض قد مضى منه كالافساد بقطع الطريق لم يزل الا بتوبة اضطرار لم تطلب منه ولم يقتل ليفعلها بل
قوتل اولا لليبذل واحدا من الإسلام او اعطاء الجزية طوعا او كرها فبذل الجزية كرها على انه لا يضر المسلمين فضرهم فاستحق ان يقتل فاذا تاب بعد القدرة عليه واسلم كانت توبة محارب مفسد مقدور عليه # الطريق الثانية قوله سبحانه ^ وان نكثوا ايمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا ائمة الكفر انهم لا ايمان لهم لعلهم ينتهون ^ الايات # وقد قرأ ابن عامر والحسن وعطاء والضحاك والاصمعي
وغيرهم عن أبي عمر لا ايمان لهم بكسر الهمزة وهي قراءة مشهورة # وهذه الاية تدل على انه لا يعصم دم الطاعن ايمان ولايمين ثانيه # اما على قراءة الاكثرين فان قوله ^ لا ايمان لهم ^ اي لاوفاء بالايمان ومعلوم انه انما اراد لا وفاء في المستقبل بيمين اخرى اذ عدم اليمين في الماضي قد تحقق بقوله ^ وان نكثوا ايمانهم ^ فافاد هذا ان الناكث الطاعن إمام في الكفر لايعقد له عهد ثان ابدا # واما على قراءة ابن عامر فقد علم ان الإمام في الكفرليس له ايمان
ولم يخرج هذا مخرج التعليل لقتالهم لان قوله تعالى ^ فقاتلوا ائمة الكفر ^ ابلغ في انتفاء الايمان عنهم من قوله تعالى ^ لا ايمان لهم ^ وأدل على علة الحكم ولكن يشبه والله اعلم ان يكون المقصود ان الناكث الطاعن إمام في الكفر لا يوثق بما يظهره من الايمان كما لم يوثق بما كان عقده من الايمان لان قوله تعالى ^ لا ايمان ^ نكرة منفية بلا التي تنفي الجنس فتقتضي نفي الايمان عنهم مطلقا فثبت ان الناكث الطاعن في الدين إمام في الكفر لاايمان له وكل إمام في الكفر لا ايمان له من هؤلاء فانه يجب قتله وان اظهر الايمان # يؤيد ذلك ان كل كافر فانه لا ايمان له في حال الكفر فكيف بأئمة الكفر فتخصيص هؤلاء بسلب الايمان عنهم لابد ان يكون له موجب ولا موجب له الا نفيه مطلقا عنهم # والمعنى ان هؤلاء لا يرتجى ايمانهم فلا يستبقون وانهم لو اظهروا ايمانا لم يكن صحيحا وهذا كما قال النبي اقتلوا شيوخ المشركين واستبقوا شرخهم لان الشيخ قد
عسا في الكفر وكما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه في وصيته لامراء الاجناد شرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبي سفيان وعمرو
ابن العاص وستلقون اقواما محوقه رؤوسهم فاضربوا معاقد الشيطان منها بالسيوف فلأن اقتل رجلا منهم احب الي من أن اقتل سبعين من غيرهم وذلك بأن الله تعالى قال ^ قاتلوا ائمة الكفر انهم لاايمان لهم لعلهم ينتهون ^ والله اصدق القائلين فإنه لا يكاد يعلم احدا من الناقضين للعهود الطاعنين في
الدين ائمة الكفر حسن إسلامه بخلاف من لم ينقض العهد او نقضه ولم يطعن في الدين او طعن ولم ينقض عهدا فإن هؤلاء قد يكون لهم ايمان # يبين ذلك انه قال ^ لعلهم ينتهون ^ اي عن النقض والطعن كما سنقرره وانما يحصل الانتهاء اذا قوتلت الفئة الممتنعة حتى تغلب او اخذ الواحد الذي ليس بممتنع فقتل لانه متى استحمي بعد القدرة طمع امثاله في الحياة فلا ينتهون # وممايوضح ذلك ان هذه الاية قد قيل انها نزلت في اليهود الذين كانوا قد غدروا برسول الله ونكثوا ما كانوا اعطوا من العهودوالايمان على ان لا يعينوا عليه اعداء من المشركين وهموا بمعاونة الكفار والمنافقين على اخراج النبي من المدينة فأخبر انهم بدأوا بالغدر ونكث العهد فأمر بقتالهم # ذكر ذلك القاضي أبو يعلى فعلى هذا يكون سبب نزول الاية مثل مسألتنا سواء
وقد قيل انها نزلت في مشركي قريش ذكره جماعة وقالت طائفة من العلماء براءة انما انزلت بعدتبوك وبعد فتح مكة ولم يكن حينئذ بقي بمكة مشرك يقاتل فيكون المراد من اظهر الإسلام من الطلقاء ولم يبق قتله من الكفر اذا اظهروا النفاق # ويؤيدهذا قراة مجاهد والضحاك ^ نكثوا ايمانهم ^ بكسر الهمزة فتكون دالة على انه من نكث عهده الذي عاهد عليه من الإسلام
وطعن في الدين فإنه يقاتل وإنه لا ايمان له قال من نصر هذا لانه قال ^ فإن تابوا واقاموا الصلاة واتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ^ ثم قال ^ وان نكثوا ايمانهم ^ فعلم ان هذا نكث بعد هذه التوبة لانه قد تقدم الاخبار عن نكثهم الاول بقوله تعالى ^ لا يرقبون في مؤمن الا ولا ذمة ^ وقوله تعالى ^ كيف وان يظهروا عليكم ^ الاية وقد تقدم ان الايمان من العهود فعلى هذا تعم الاية من نكث عهد الايمان ومن نكث عهد الأمان انه اذا طعن في الدين قوتل وانه لا ايمان له حينئذ فتكون دالة على ان الطاعن في الدين بسب الرسول ونحوه من المسلمين واهل الذمة لا ايمان له ولا يمين له فلا يحقن دمه بشيء بعد ذلك # فإن قيل قد قيل قوله تعالى ^ لا ايمان لهم ^ اي لا امان لهم مصدر امنت الرجل اؤمنه ايمانا ضد اخفته كما قال تعالى ^ وامنهم من خوف ^
قيل ان كان هذا القول صحيحا فهو حجة ايضا لانه لم يقصد لا امان لهم في الحال فقط للعلم بانهم قد نقضوا العهد وانما يقصد لاامان لهم بحال في الزمان الحاضر والمستقبل وحينئذ فلا يجوز ان يؤمن هذا بحال بل يقتل بكل حال # فان قيل انما امر في الاية بالمقاتلة لا بالقتل وقد قال بعدها ^ ويتوب الله على من يشاء ^ فعلم ان التوبة منه مقبولة قيل لما تقدم ذكر طائفة ممتنعة امر بالمقاتلة واخبر سبحانه انه يعذبهم بأيدي المؤمنين وينصر المؤمنين عليهم ثم بعد ذلك يتوب الله على من يشاء لات ناقضي العهد اذا كانوا ممتنعين فمن تاب منهم قبل القدرة عليه سقطت عنه الحدود ولذلك قال ^ على من يشاء ^ وانما يكون هذا في عدد تتعلق المشيئة بتوبة بعضهم # يوضح ذلك انه قال ^ ويتوب الله ^ بالضم وهذا كلام مستأنف ليس داخلا في حيز جواب الامر وذلك يدل على ان التوبة ليست مقصودة من قتالهم ولا هي حاصلة بقتالهم وانما المقصود بقتالهم انتهاؤهم عن النكث والطعن والمضمون بقتالهم تعذيبهم وخزيهم والنصر
عليهم وفي ذلك ما يدل على ان الحد لا يسقط عن الطاعن الناكث بإظهار التوبة لانه لم يقتل ويقاتل لاجلها # يؤيد هذا انه قال ^ كيف يكون للمشركين عهد عند الله ^ إلى قوله ^ فإن تابوا واقاموا الصلاة واتوا الزكاة فاخوانكم في الدين ^ ثم قال ^ وان نكثوا ايمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا ائمة الكفر ^ فذكر التوبة الموجبة للاخوة قبل ان يذكر نقض العهد والطعن في الدين وجعل للمعاهد ثلاثة احوال # احوال المعاهد # احدها ان يستقيم لنا فنستقيم له كما استقام فيكون مخلى سبيله لكن ليس أخا في الدين # الحال الثانية ان يتوب من الكفر ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة فيصير أخا في الدين ولهذا لم يقل هنا فخلوا سبيلهم كما قال في الاية قبلها لان الكلام هناك في توبة المحارب وتوبته توجب تخلية سبيله وهنا الكلام في توبة المعاهد وقد كان سبيله مخلى وانما توبته توجب اخوته في الدين قال سبحانه ^ ونفصل الايات لقوم يعلمون ^
وذلك ان المحارب اذا تاب وجب تخليه سبيله اذ حاجته انما هي إلى ذلك وجاز ان يكون قد تاب خوف السيف فيكون مسلما لا مؤمنا فاخوته الايمانية تتوقف على ظهور دلائل الايمان كما قال تعالى ^ قالت الاعراب امنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا ^ والمعاهد اذا تاب فلا ملجأ له إلى التوبة ظاهرا فإنا لم نكرهه على التوبة ولا يجوز اكراهه فتوبته دليل على انه تاب طائعا فيكون مسلما مؤمنا والمؤمنون اخوة فيكون أخا # الحال الثالثة ان ينكث يمينه بعد عهده ويطعن في ديننا فأمر بقتاله وبين انه ليس له ايمان ولا ايمان والمقصود من قتاله ان ينتهي عن النقض والطعن لا عن الكفر فقط لانه قد كان معاهدا مع الكفر ولم يكن قتاله جائزا فعلم ان الانتهاء من مثل هذا عن الكفر ليس هو المقصود بقتاله وانما المقصود بقتاله انتهاؤه عن مايضر به المسلمين من نقض العهد والطعن في الدين وذلك لايحصل الا بقتل الواحد الممكن وقتال الطائفة الممتنعة قتالا يعذبون به ويخزون وينصر المؤمنون عليهم اذ تخصيص التوبة بحال دليل على انتفائها في الحال الاخرى # وذكره سبحانه التوبة بعد ذلك جملة مستقلة بعد ان امر بما يوجب تعذيبهم وخزيهم وشفاء الصدور منهم دليل على ان توبة مثل هؤلاء لابد معها من الانتقام منهم بما فعلوا بخلاف توبة الباقي على
عهده فلو كان توبة المأخوذ بعد الأخذ تسقط القتل لكانت توبة خالية عن الانتقام وللزم ان مثل هؤلاء لا يعذبون ولا يخزون ولا تشفى الصدور منهم وهو خلاف ما امر به في الاية وصار هؤلاء الذين نقضوا العهد وطعنوا في الدين كمن ارتد وسفك الدماء فان كان واحدا فلابد من قتله وان عاد إلى الإسلام وان كانوا ممتنعين قوتلوا فمن تاب بعد ذلك منهم لم يقتل والله سبحانه اعلم # الطريقة الثالثة قوله سبحانه ^ وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى اذا حضر احدهم الموت قال اني تبت الان ^ وقوله تعالى ^ فلما رأوا بأسنا قالوا امنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم ايمانهم لما رأوا بأسنا ^ وقوله تعالى ^ حتى اذا ادركه الغرق قال امنت انه لا اله الا الذي امنت به بنوا إسرائيل وانا من المسلمين الان وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ^ وقوله تعالى ^ فلولا كانت قرية امنت فنفعها ايمانها الاقوم يونس ^ وقد تقدم تقرير الدلالة من هذه الايات في قتل المنافق وذكرنا الفرق بين توبة الحربي والمرتد المجرد وتوبة المنافق والمفسد من المعاهدين ونحوهما وفرقنا بين التوبة التي تدرا العذاب والتوبة التي تنفع في الماب
د/احمد
2011-11-13, 11:39 AM
الطريقة الرابعة قوله سبحانه ^ ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والاخرة ^ الايات وقد قررنا فيما مضى ان هذه الاية تدل على قتل المؤذي من المسلمين مطلقا وهي تدل على قتل من اظهر الاذى من اهل الذمة لان اللعنة المذكورة موجبة للتقتيل كما في تمام الكلام وقد تقدم تقرير هذا # وذكرنا ان قوله تعالى ^ اولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا ^ نزلت في ابن الاشرف لما طعن في دين الإسلام وقد كان عاهد النبي فانتقض عهده بذلك
واخبر الله انه ليس له نصير ليبين ان لاذمة له اذ الذمي له نصير والنفاق قسمان نفاق المسلم استبطان الكفر ونفاق الذمي استبطان المحاربة وتكلم المسلم بالكفر كتكلم الذمي بالمحاربة فمن عاهدنا على ان لايؤذي الله ورسوله ثم نافق بأذى الله ورسوله فهو من منافقي المعاهدين فمن لم ينته من هؤلاء المنافقين اغرى الله نبيه بهم فلا يجاورونه الا قليلا ملعونين اينما ثقفوا اخذوا وقتلوا تقتيلا ففي الاية دلالتان # احداهما ان هذا ملعون والملعون هو الذي يؤخذ اين وجد ويقتل فعلم ان قتله حتم لانه لم يستثن حالا من الاحوال كما استثنى في سائر الصور ولانه قال قتلوا وهذا وعد من الله لنبيه يتضمن نصره والله لا يخلف الميعاد فعلم انه لابد من تقتيلهم اذا اخذوا ولو سقط عنهم القتل بإظهار الإسلام ولم يتحقق الوعد مطلقا # الثانية انه يجعل انتهاءهم النافع قبل الأخذ والتقتيل كما جعل توبة المحاربين النافعة لهم قبل القدرة عليهم فعلم انهم ان انتهوا عن
اظهار النفاق من الاذى ونحوه النفاق في العهد والنفاق في الدين والا اغراه الله بهم حتى لا يجاورونه في البلد ملعونين يؤخذون ويقتلون وهذا الطاعن الساب لم ينته حتى اخذ فيجب تقتيله # وفيها دلالة ثالثة وهو ان الذي يؤذي المؤمنين من مسلم او معاهد اذا اخذ اقيم عليه حد ذلك الاذى ولم تدرأه عنه التوبة الان فالذي يؤذي الله ورسوله بطريق الاولى لان الاية تدل على ان حاله اقبح في الدنيا والاخرة # الطريقة الخامسة ان ساب النبي يقتل حدا من الحدود لا لمجرد الكفر وكل قتل وجب حدا لا لمجرد الكفر فإنه لا يسقط بالإسلام # وهذا الدليل مبني على مقدمتين # احداهما انه يقتل لخصوص سب رسول الله المستلزم للردة ونقض العهد وان كان ذلك مضمنا للقتل لعموم ما تضمنه من مجرد الردة ومجرد نقض العهد في بعض المواضع والدليل على ذلك انه قد تقدم ان النبي اهدر دم المرأة الذمية التي كانت تسبه عند الاعمى
الذي كان يأوي اليها ولا يجوز ان يكون قتلها لمجرد نقض العهد لان المراة الذمية اذا نتقض عهدها فانها تسترق ولا يجوز قتلها ولا يجوز قتل المراة للكفر الاصلي الا ان تقاتل وهذه المراة لم تكن تقاتل ولم تكن معينة على قتال كما تقدم ثم انها اذا كانت تقاتل ثم اسرت صارت رقيقة ولم تقتل عند كثير من الفقهاء منهم الشافعي رضي الله عنه لاسيما ان كانت رقيقة فان قتلها يمتنع لكونها امراة ولكونها رقيقة لمسلم فثبت ان قتلها كان لخصوص السب للنبي وانه جناية من الجنايات الموجبة للقتل كما لو زنت المراة الذمية او قطعت الطريق على المسلمين او قتلت مسلما او كما لو بدلت دين الحق عند أكثر الفقهاء الذين يقتلون المرتدة بل هذا ابلغ لانه ليس في
قتل المرتدة من السنة الماثورة الخاصة في كتب السنن المشهورة مثل الحديث الذي في قتل السابة الذمية # يوضح ذلك ان بني قريظة نقضوا العهد ونزلوا على حكم سعد ابن معاذ فحكم فيهم بان تقتل مقاتليهم وتسبى الذرية من النساء والصبيان فقال النبي لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة ارقعة ثم قتل النبي الرجال واسترق النساء والذرية
ولم يقتل من النساء الا امراة واحدة كانت قد القت رحى من فوق الحصن على رجل من المسلمين ففرق بين الذرية التي لم يثبت في حقهم الامجرد انتقاض العهد وبين الذرية الذين نقضوا العهد بما يضر المسلمين وهذه المراة الذمية لم ينتقض عهدها بانها لحقت بدار الحرب
وامتنعت عن المسلمين وانما نقضت العهد بإن ضرت المسلمين واذت الله ورسوله وسعت في الارض فسادا بالصد عن سبيل الله والطعن في دين الله كما فعلت المراة الملقية للرحى فعلم انها لم تقتل لمجرد انتقاض العهد وهي لم تكن مسلمة حتى يقال انها قتلت للردة ولا هي ايضا بمنزلة امراة قاتلت ثم اسرت حتى يقال تصير رقيقة بنفس السبي لاتقتل او يقال يجوز قتلها كما يجوز قتل الرجل اذا اسلمت عصم الإسلام الدم وبقيت رقيقة لوجهين # احدهما ان هذا السب الذي كانت تقوله لم تكن تسمعه للمشركين ولا لعموم المسلمين حتى يقال هو بمنزلة اعانة الكفار على القتال من كل وجه # الثاني انها لم تكن ممتنعة حين السب بل هي حين السب ممكنة مقدور عليها وحالها قبله وبعده سواء # فالسب وان كان حرابا لكنه لم يصدر من ممتنعة اسرت بعد ذلك بل من امراة ملتزمة للحكم بيننا وبينها العهد على الذمة ومعلوم ان السب من الامور المضرة للمسلمين وانه من ابلغ الفساد في الارض لما فيه من ذل الايمان وعز الكفر واذا ثبت انها لم تقتل للكفر ولا لنقض العهد ولا لحراب اصلي متقدم على القدرة عليها ثبت ان قتلها حد من الحدود والقتل الواجب حدا لا لمجرد الكفر لا يسقط بالإسلام كحد الزاني والقاطع والقاتل وغيرهم من المفسدين
ومما يقرر الامر ان السب اما ان يكون حرابا او جناية مفسدة ليست حرابا فان كان حرابا فهو حراب من ذمي او مسلم وسعي في الارض فسادا والذمي اذا حارب وسعى في الارض فسادا وجب قتله وان اسلم بعد القدرة عليه حيث يكون حرابا موجبا للقتل وحراب هذه المراة موجب للقتل كما جاءت به السنة وان كانت جناية مفسدة ليست حرابا وهي موجبة للقتل قتلت ايضا بعد الاخذ بطريق الاولى كسائر الجنايات الموجبة للقتل وهذا كلام مقرر ومداره على حرف واحد وهو ان السب وان كان من اعمال اللسان فقد دلت السنة بأنه بمنزلة الفساد والمحاربة بعمل الجوارح واشد ولذلك قتلت هذه المراة # وتمام ذلك ان قياس مذهب من يقول ان الساب اذا قتل انما يقتل لانه نقض العهد ان لايجوز قتل هذه بل لو كانت قد قتلت باليد واللسان ثم اخذت لم تقتل عنده فاذا دلت السنة على فساد هذا القول علم صحة القول الاخر اذ لا ثالث بينهما ولا ريب عند أحد ان من قتل لحدث اخذ به اوجب نقض عهده ولم يقتل لمجرد ان انتقض عهده فقط فإن قتله لا يسقط بالإسلام لان فساد ذلك الحدث لا يزول بالإسلام # الاترى ان الجنايات الناقضة للعهد مثل قطع الطريق وقتل المسلم والتجسس للكفار والزنى بمسلمة واستكراهها على
الفجور ونحو ذلك اذا صدر من ذمي فمن قتله لنقض العهد قال متى اسلم لم اخذه الا بما يوجب القتل اذا فعله المسلم باقيا على إسلامه مثل ان يكون قد قتل في قطع الطريق فأقتله او زنى فأحده او قتل مسلما فاقيده لانه بالإسلام صار بمنزلة المسلمين فلا يقتل كفرا ومن قال اقتله لمحاربة الله ورسوله وسعيه في الارض فسادا قال اقتله وان اسلم وتاب بعد اخذه كما اقتل المسلم اذا حارب ثم تاب بعد القدرة لان الإسلام الطارئ لا يسقط الحدود الواجبة قبله لادمي بحال وان منع ابتداء وجوبها كما لو قتل ذمي ذميا او قذفه ثم اسلم فان حده لا يسقط ولو قتله او قذفه ابتداء لم يجب عليه قود ولا حد ولا يسقط ما كان منها لله اذا تاب بعد القدرة كما لو قتل في قطع الطريق فانه لايسقط عنه بالإسلام وفاقا فيما اعلم وكذلك لو زنى ثم اسلم فان حده القتل الذي كان يجب عليه قبل الإسلام عند احمد وعند الشافعي حده حد المسلم فحد السب ان كان حقا لادمي لم يسقط بالإسلام وان كان حقا لله فليس حدا على الكفر الطارئ
والمحاربة الاصلية كما دلت عليه السنة ولا على مجرد الكفر الاصلي بالاتفاق فيكون حدا لله على محاربة موجبة كقتل المراة وكل قتل وجب حدا على محاربة ذمية لم يسقط بالإسلام بعد القدرة بالاتفاق فان الذمية اذا لم تقتل في المحاربة لم يقتلها من يقول قتل الذمي المحارب انما هو لنقض العهد ومن قتلها كما دلت علية السنة فلا فرق في هذا الباب بين ان تسلم بعد القدرة او لا تسلم # واعلم ان من قال ان هذه الذمية تقتل فاذا اسلمت سقط عنها القتل لم يجد لهذا في الاصول نظيرا ان ذمية تقتل وهي في ايدينا ويسقط عنها القتل بالإسلام بعد الاخذ ولا اصل يدل على هذه المسالة والحكم اذا لم يثبت باصل ولا نظير كان تحكما ومن قال انها تقتل بكل حال فله نظير يقيس به وهو المحاربة باليد الزانية ونحوهما # الطريقة السادسة الاستدلال من قتل بنت مروان وهو
كالاستدلال من هذه القصة لانا قد قدمنا انها كانت من المهادنين والموادعين وانما قتلت للسب خاصة والتقرير كما تقدم # الطريقة السابعة ان النبي قال من لكعب بن الاشرف فانه قد اذى الله ورسوله وقد كان معاهدا قبل ذلك ثم هجا رسول الله وقتله الصحابة غيلة بأمر رسول الله مع كونه قد امنهم على دمه وماله لاعتقاده بقاء العهد ولانهم جاؤوه مجيئ من قد امنه ولو كان كعب بمنزلة كافر محارب فقط لم يجز قتله اذا امنهم كما تقدم لان الحربي اذا قتل له او علمت معه ما يعتقد انه امان صار له امان
وكذلك كل من يجوز امانه فعلم ان هجاءه للنبي واذه لله تعالى ورسوله لاينعقد معه امان ولا عهد وذلك دليل على ان قتله حد من الحدود كقتل قاطع الطريق اذ ذلك يقتل وان اومن كما يقتل الزاني والمرتد وان اومن وكل حد وجب على الذمي فإنه لا يسقط بالإسلام وفاقا # الطريقة الثامنة انه قد دل هذا الحديث على ان اذى الله ورسوله علة للانتداب إلى قتل كل أحد فيكون ذلك علة اخرى غير مجرد الكفر والردة فان ذكر الوصف بعد الحكم بحرف الفاء دليل على انه علة والاذى لله ورسوله يوجب القتل ويوجب نقض العهد ويوجب الردة # يوضح ذلك ان اذى الله ورسوله لو كان انما اوجب قتله لكونه كافرا غير ذي عهد لوجب تعليل الحكم بالوصف الاعم فإن الاعم اذا كان
مستقلا بالحكم كان الاخص عديم التاثير فلماعلل قتله بالوصف الاخص علم انه مؤثر في الامر بقتله لا سيما في كلام من اوتي جوامع الكلم واذا كان المؤثر في قتله اذى الله ورسوله وجب قتله وان تاب كما ذكرناه فيمن سب النبي من المسلمين فان كلاهما اوجب قتله انه اذى الله ورسوله وهو مقر للمسلمين بان لا يفعل ذلك فلو كان عقوبة هذا المؤذي تسقط بالتوبة سقطت عنهما ولانه قال سبحانه ^ ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والاخرة واعد لهم عذابا مهينا ^ وقال في خصوص هذا المؤذي ^ اولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا ^ وقد اسلفنا ان هذه اللعنة توجب القتل اذا اخذ ولانه سبحانه ذكر الذين يؤذون الله ورسوله ثم قال ^ والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا واثما مبينا ^ ولا خلاف علمناه ان الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات لا تسقط عقوبتهم بالتوبة فالذين يؤذون الله ورسوله احق واولى لان القران قد بين ان هؤلاءاسوا حالا في الدنيا والاخرة فلو اسقطنا عنه العقوبة بالتوبة لكانوا احسن حالا
وليس للمنازع هنا الا كلمة واحدة وهو ان يقول هذا قد تغلظت عقوبته بالقتل لانه نوع من المرتدين وناقض العهد والكافر تقبل توبته من الكفر وتسقط عنه العقوبة بخلاف المؤذي بالفسق # فيقال له هذا لو كان الموجب لقتله انما هو الكفر وقد دلت السنة على ان الموجب لقتله انما هو اذى الله ورسوله وهذا اخص من عموم الكفر وكما ان الزنى والسرقة والشرب وقطع الطريق اخص من عموم المعصية والشارع رتب الامر بالقتل على هذا الوصف الاخص الذي نسبته إلى سائر انواع الكفر نسبة اذى المؤمنين إلى سائر انواع المعاصي فالحاق هذا النوع بسائر الانواع جمع بين ما فرق الله بينه ورسوله وهو من القياس الفاسد كقياس الذين قالوا انما البيع مثل
الربا وانما الواجب ان يوفر على كل نوع حظه من الحكم بحسب ما علقه به الشارع من الاسماء والصفات المؤثرة الذي دل كلامه الحكيم على اعتبارها وتغلظ عقوبته ابتداء لا يوجب تخفيفها انتهاء بل يوجب تغلظها مطلقا اذا كان الجرم عظيما وسائر الكفار لم تغلظ عقوبتهم ابتداء ولا انتهاء مثل هذا فانه يجوز اقرارهم بجزية واسترقاقهم في الجملة ويجوز الكف عنهم مع القدرة لمصلحة ترتقب وهذا بخلاف ذلك # وايضا فان الموجب لقتله اذا كان هو أذى الله ورسوله كان محاربا لله ورسوله وساعيا في الارض فسادا وقد اومأ النبي إلى ذلك في حديث ابن الاشرف كما تقدم وهذا الوصف قد رتب عليه من العقوبة ما لم يرتب على غيره من انواع الكفر وتحتمت عقوبة صاحبه الا ان يتوب قبل القدرة # الطريقة التاسعة انا قد قدمنا عن النبي انه اهدر عام الفتح دماء نسوة لاجل انهن كن يؤذينه بالسنتهن منهن القينتان لابن
خطل اللتان كانتا تغنيان بهجائه ومولاة لبني عبد المطلب كانت تؤذيه وبينا بيانا واضحا انهن لم يقتلن لاجل حراب ولا قتال وانما قتلن لمجرد السب وبينا ان سبهن لم يجر مجرى قتالهن بل كان اغلظ لان النبي امن عام الفتح المقاتلة كلهم الا من له جرم خاص يوجب قتله ولان سبهن كان متقدما على الفتح ولا يجوز قتل المراة في بعض الغزوات لاجل قتال منها متقدم قد كفت عنه وامسكت في هذه الغزوة وبينا بيانا واضحا ان قتل هؤلاء النسوة ادل شيء على قتل المراة السابة من مسلمة ومعاهدة وهودليل قوي على جواز قتل السابة وان تابت من وجوه # احدها ان هذه المراة الكافرة لم تقتل لا اجل انها مرتدة ولا لاجل انها مقاتلة كما تقدم فلم يبق ما يوجب قتلها الا انها مفسدة في الارض محاربة لله ورسوله ووهذه يجوز قتلها بعد التوبة اذا كان قتلها جائزا قبلها بالكتاب والسنة والاجماع # الثاني سب اولئك النسوة اما ان يكون حرابا او جناية موجبة للقتل غير الحراب اذ قتلهن لمجرد الكفر غير جائز كما تقدم فان كان حرابا فالذمي اذا حارب الله ورسوله وسعى في الارض فسادا يجب قتله بكل حال كما دل عليه القران وان كان جناية اخرى مبيحة للدم فهو اولى واحرى وقد قدمنا فيما مضى ما يبين ان هؤلاء النسوة لم يقتلن
لحراب كان موجودا منهن في غزوة الفتح وانما قتلن جزاء على الجرم الماضي ونكالا عن مثله وهذا يبين ان قتلهن بمنزلة قتل اصحاب الحدود من المسلمين والمعاهدين # الثالث ان اثنتين منهن قتلتا والثالثة اخفيت حتى استؤمن لها النبي بعد ذلك فأمنها لانه كان له ان يعفوا عمن سبه كما تقدم وله ان يقتله ولم يعصم دم أحد ممن اهدر دمه عام الفتح الا امانه فعلم ان مجرد الإسلام لم يعصم دم هذه المراة وانما عصم دمها عفوه # وبالجملة فقصة قتله لاولئك النسوة من اقوى ما يدل على جوازقتل السابة بكل حال فانه المراة الحربية لا يبيح قتلها الا قتالها واذا قاتلت ثم تركت القتال في غزوة اخرى واستسلمت وانقادت لم يجز قتلها في هذه الثانية ومع هذا فالنبي امر بقتلهن # وللحديث وجهان # احدهما ان النبي قد كان عاهد اهل مكة والظاهر ان عهده انتظم الكف عن الاذى باللسان فان في كثير من الحديث ما يدل
على ذلك وحينئذ فهؤلاء اللواتي هجونه نقضن العهد نقضا خاصا بهجائهن فكان للنبي قتلهن بذلك وان تبن وهذه ترجمة المسالة # الثاني انه كان له ان يقتل من هجاه اذا لم يتم متى قدر عليه وان كان حربيا لكن سقط هذا بموته كما يسقط بموته العفو عن المسلم والذمي الساب ويكون قد كان امر الساب هو مخير فيه مطلقا لكونه اعلم بالمصلحة فاذا مات تحتم قتل من التزم ان لا يسب وكان الحربي الساب كغيره من الحربيين اذا تاب # وهذا الوجه ضعيف فإنه اثبات حكم باحتمال والاول جار على القياس ومن تأمل قصة الذين اهدرت دمائهم عام الفتح علم انهم كلهم كانوا محاربين لله ورسوله ساعين في الارض فسادا # الطريقة العاشرة انه امر في حال واحدة بقتل جماعة ممن كان يؤذيه بالسب والهجاء مع عفوه عمن كان اشد منهم في الكفروالمحاربة
بالنفس والمال فقتل عقبة بن أبي معيط صبرا بالصفراء وكذلك النضر بن الحارث لما كان يؤذيانه وبفتريان عليه ويطعنان فيه مع استبقائه عامة الاسرى # وقد تقدم انه قال يامعشر قريش مالي اقتل من بينكم صبرا فقال النبي بكفرك وافترائك على رسول الله ومعلوم ان مجرد الكفر يبيح القتل فعلم أن الافتراء على رسول الله سبب اخر اخص من عموم الكفر موجب للقتل فحيث ما وجد وجد معه وجوب القتل واهدر عام الفتح دم الحويرث بن نقيد ودم ابي
سفيان بن الحارث ودم ابن الزبعرى واهدر بعد ذلك دم كعب ابن زهير وغيرهم لانهم كانوا يؤذون رسول الله كما اهدر دم من ارتد وحارب ودم من ارتد وافترى على رسول الله ودم من ارتد وحارب واذى الله ورسوله مع امانه لجميع الذين حاربوه ونقضوا عهده فعلم ان اذاه سبب منفرد باباحة القتل وراء الكفر والحراب بالانفس والاموال كقطع الطريق وقتل النفس # وقد تقدم ما كان يأمر به ويقر عليه اذا بلغه وما كان يحرض عليه المسلمين من قتل الساب دون غيره من الكافرين حتى انه لا يحقن دم الساب الاعفوه بعد ذلك فعلم انه كان يلحق الساب بذوي الافعال الموجبة للقتل من قطع طريق ونحوه وهذا ظاهر لمن تامله فيما مضى من الاحاديث وما لم نذكره ومثل هذا يوجب قتل فاعله من مسلم ومعاهد وان تاب بعد القدرة واذا ضم هذا الوجه إلى الذي قبله وعلم ان الاذى وحده سبب يوجب القتل لا لكونه من جنس القتال لان النبي قد امن الذين قاتلوه بالانفس والاموال من الرجال
د/احمد
2011-11-13, 11:40 AM
فامان المراة التي اتت بما يشبه القتال اولى لو كان جرمها من جنس القتال ولان المراة اذا قاتلت في غزوة من الغزوات ثم غزا المسلمون غزوة وعلموا انها لم تقاتل فيها بيد ولا لسان لم يجز قتلها عند أحد من المسلمين علمناه وهؤلاء النسوة كان اذاهن متقدما على فتح مكة ولم يكن لهن في غزو الفتح معونة بيد ولا لسان بل كن مستسلمات منقادات لو علمن ان اظهار الإسلام يعصم دماءهن لبادرن إلى اظهاره فهل يعتقد أحد ان مثل هذه المراة تقتل لكونها محاربة خصوصا عند الشافعي فان منصوصه ان قتل المراة والصبي اذا قاتلا بمنزلة قتل الصائل من المسلمين يقصد به دفعهما وان افضى إلى قتلهما فاذا انكفا بدون القتل لاسر او ترك للقتال ونحو ذلك لم يجز قتلهما كما لايجوز قتل الصائل فاذا كان يامر بقتل من كان يؤذيه ويهجوه من النساء وقد تركن ذلك واستسلمن وربما كن يوددن ان يظهرن الإسلام ان كان عاصما وقد امن المقاتلين كلهم علم ان السب سبب مستقل موجب لحل دم كل أحد وان تركه ذلة وعجز
يؤيد ذلك ان النبي امن اهل مكة الا من قاتل الا هؤلاء النفر فانه امر بقتلهم قاتلوا او لم يقاتلوا فعلم ان هؤلاء النسوة قتلن لاجل السب لا لاجل انهن يقاتلن # الطريقة الحادية عشرة ان عبد الله بن سعد بن أبي سرح كان قد ارتد وافترى على النبي انه يلقنه الوحي ويكتب له ما يريد فاهدر النبي دمه ونذر بعض المسلمين ليقتلنه ثم حبسه عثمان اياما حتى اطمان اهل مكة ثم جاء به تائبا ليبايع النبي ويؤمنه فصمت النبي طويلا رجاء ان يقوم اليه الناذر او غيره فيقتله ويوفي بنذره # ففي هذا دلالة على ان المفتري على رسول الله الطاعن عليه قد كان له ان يقتله وان دمه مباح وان جاء تائبا من كفره وفريته لان قتله لو كان حراما لم يقل النبي ما قال ولا قال للرجل هلا
وفيت بنذرك بقتله # ولا خلاف بين المسلمين علمناه ان الكافر اذا جاء تائبا مريدا للإسلام مظهرا لذلك لم يجز قتله لذلك ولا فرق في ذلك بين الاصلي والمرتد الا ما ذكرناه من الخلاف الشاذ في المرتد مع ان هذا الحديث يبطل ذلك الخلاف بل لو جاء الكافر طالبا لان يعرض عليه الإسلام ويقرأ عليه القران لوجب امانه لذلك # كما قال تعالى ^ وان أحد من المشركين استجارك فاجره حتى يسمع كلام الله ثم ابلغه مامنه ^ # وقال تعالى في المشركين ^ فان تابوا واقاموا الصلاة واتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ^
وعبد الله بن سعد انما جاء تائبا ملتزما لا قامة الصلاة وايتاء الزكاة بل جاء بعد ان اسلم كما تقدم ذكر ذلك ثم ان النبي بين انه كان مريدا لقتله وقال للقوم هلا قام بعضكم اليه ليقتله وهلا وفيت بنذرك في قتله فعلم انه قد كان جائزا له ان يقتل من يفتري عليه ويؤذيه من الكفار وان جاء مظهر للإسلام والتوبة بعد القدرة عليه وفي ذلك دلالة ظاهرة على ان الافتراء عليه واذاه يجوز له قتل فاعله وان اظهر الإسلام والتوبة # ومما يشبه هذا اعراضه عن أبي سفيان بن الحارث وابن أبي امية
وقد جاءا مهاجرين يريدان الإسلام او قد اسلما وعلل ذلك بانهما كانا يؤذيانه ويقعان في عرضه مع انه لا خلاف علمناه ان الحربي اذا جاء يريد الإسلام وجبت المسارعة إلى قبوله منه وكان الاستيناء به حراما وقد عده بعض الناس كفرا # وقد كانت سيرته في المسارعة إلى قبول الإسلام من كل من اظهره وتاليف الناس عليه بالاموال وغيرها أشهر من ان يوصف فلما ابطأ عن هذين واراد ان لايلتفت اليهما البتة علم انه كان له ان يعاقب من كان يؤذيه ويسبه وان اسلم وهاجر وان لا يقبل منه من الإسلام والتوبة ما يقبله من الكافر الذي لم يكن يؤذيه وفي هذا دلالة على ان السب وحده موجب للعقوبة # يوضح ذلك ما ذكره اهل المغازي ان علي بن أبي طالب قال لابي سفيان بن الحارث ائت رسول الله من قبل وجهه فقل له ما قال اخوة يوسف ليوسف ^ تالله لقد اثرك الله علينا وان كنا لخاطئين ^ فانه لا يرضى ان يكون أحد احسن قولا منه ففعل
ذلك أبو سفيان فقال له رسول الله ^ لاتثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين ^ # ففي هذا دلالة على ان ما ناله من عرضه كان له ان يعاقب عليه وان يعفو كما كان ليوسف ان يعاقب اخوته على ما فعلوا به من الالقاء في الجب وبيعه للسيارة ولكن لكرمه عفا ولو كان الإسلام يسقط حقه بالكلية كما يسقط حقوق الله لم يتوجه شئ من هذا # وقد تقدم تقرير هذا الوجه في أول الكتاب وبينا انه نص في جواز قتل المرتد الساب بعد إسلامه فكذلك قتل الساب المعاهد لان الماخذ واحد # ومما يوضحه ان المسلمين قد كان استقر عندهم ان الكافر الحربي اذا اظهر الإسلام حرم عليهم قتله لا سيما عند السابقين الاولين مثل عثمان ابن عفان ونحوه وقد علموا قوله تعالى ^ ولاتقولوا لمن القى اليكم السلام لست مؤمنا ^ وقصة أسامة بن زيد وحديث
المقداد فلما كان اولئك الذين اهدر النبي دماءهم منهم من قتل ومنهم من اخفي حتى اطمان اهل مكة وطلب من النبي ان يبايعه دل على ان عثمان رضي الله عنه وغيره من المسلمين علموا ان اظهار عبد الله ابن سعد بن أبي سرح ونحوه الإسلام لا يحقن دماءهم دون ان يؤمنهم النبي والا فقد كان يمكنهم ان يامروهم باظهار الإسلام والخروج من أول يوم # والظاهر والله اعلم انهم قد كانوا اسلموا وانما تاخرت بيعتهم للنبي على الإسلام ومع ذلك فلم يعصم دماءهم فثبت انهم علموا ان جرم مثل هؤلاء لا يعصمه مجرد الإسلام حتى يؤمنهم النبي وذلك دليل على انه قد كان للنبي قتلهم لاجل سبه مع اظهار التوبة # وقد روي عن عكرمة ان ابن أبي سرح رجع إلى الإسلام قبل فتح مكة وكذلك ذكر اخرون ان ابن أبي سرح رجع إلى الإسلام قبل فتح مكة اذ نزل النبي بمر الظهران # وهذا الذي ذكروه نص في المسألة وهو شبيه بالحق فان النبي
لما نزل بمر الظهران شعرت به قريش حينئذ وابن أبي سرح قد علم ذنبه فيكون قد اسلم حينئذ ولما بلغه ان النبي قد اهدر دمه تغيب حتى استؤمن له والحديث لمن تامله دليل على ان النبي كان له ان يقتله وان يؤمنه وان الإسلام وحده لم يعصم دمه حتى عفا عنه رسول الله # فمن ذلك ان عثمان جاء ليشفع له إلى النبي فصمت عنه رسول الله طويلا واعرض عنه مرة بعد مرة وعثمان ياتيه من كل وجهة وهو معرض عنه رجاء ان يقوم بعضهم فيقتله وعثمان في ذلك يكب على النبي يقبل راسه ويطلب منه ان يبايعه ويذكر ان لامه عليه حقوقا حتى استحيا النبي من عثمان فقضى حاجته ببيعته مع انه كان يود ان لايفعل فعلم ان قتله كان حقا له له ان يعفو عنه ويقبل فيه شفاعة شافع وله ان لا يفعل ولو كان ممن يعصم الإسلام دمه لم يحتج إلى شفاعة ولم يجز رد الشفاعة
ومنها ان عثمان لما قال للنبي انه يفر منك قال الم ابايعه واومنه قال بلى ولكنه يتذكر عظيم جرمه فقال الإسلام يجب ما قبله وفي هذا بيان لان خوفه من النبي ان يقتله انما زال بامانه وبيعته لا لمجرد الإسلام وان اثمه زال بالإسلام فعلم ان الإسلام يمحو اثم السب واما سقوط القتل فلا يحصل بمجرد الإسلام لان النبي ازال خوفه من القتل بالامان وازال خوفه من الذنب بالإسلام # ومما يدل على ان الانبياء لهم ان يعاقبوا من اذاهم بالهلاك وان اظهر التوبة والندم ما رواه حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن عبد الله بن الحارث بن نوفل ان قارون كان يؤذي موسى عليه السلام وكان ابن عمه فبلغ من اذاه اياه ان قال لامرأة بغي اذا اجتمع الناس عندي غدا فتعالي وقولي ان موسى راودني عن نفسي فلما كان
الغد واجتمع الناس جاءت فسارت قارون ثم قالت للناس ان قارون قال لي كذا وكذا وان موسى لم يقل لي شيئا من هذا فبلغ ذلك موسى عليه الصلاة والسلام وهو قائم يصلي في المحراب فخر ساجدا فقال اي رب ان قارون قد اذاني وفعل وفعل وبلغ من اذاه اياي ان قال ما قال فاوحى الله إلى موسى ان ياموسى اني قد امرت الارض ان تطيعك وكان لقارون غرفة قد ضرب عليها صفائح الذهب فاتاه موسى ومعه جلساؤه فقال يا قارون قد بلغ من امرك ان قلت كذا وكذا يا ارض خذيهم فاخذتهم الارض إلى كعبهم فهتفوا يا موسى يا موسى ادع لنا ربك ان ينجينا مما نحن فيه فنؤمن بك ونتبعك ونطيعك فقال خذيهم فاخذتهم إلى انصاف سوقهم فهتفوا وقالوا يا موسى ادع لنا ربك ان ينجينا مما نحن فيه فنؤمن بك ونتبعك ونطيعك فقال يا ارض خذيهم فاخذتهم إلى ركبهم فلم يزل يقول يا ارض خذيهم حتى تطابقت عليهم وهم يهتفون فاوحى الله اليه يا موسى ما افظك اما انهم لو كانوا اياي دعوا لخلصتهم # ورواه عبد الرزاق قال حدثنا جعفر بن سليمان حدثنا علي بن زيد
ابن جدعان فذكره ابسط من هذا وفيه ان المراة قالت ان قارون بعث إلي فقال هل لك إلى ان امولك واعطيك واخلطك بنسائي على ان تاتيني والملا من بني إسرائيل عندي تقولين يا قارون الا تنهى موسى عن اذاي # واني لم اجد اليوم توبة أفضل من ان اكذب عدو الله وابرئ رسول الله قال فنكس قارون راسه وعرف انه قد هلك وفشا الحديث في الناس حتى بلغ موسى وكان موسى شديد الغضب فلما بلغه ذلك توضا ثم صلى فسجد وبكى وقال يا رب عدوك قارون كان لي مؤذيا فذكر اشياء ثم لم يتناه حتى اراد فضيحتي يارب فسلطني عليه فاوحى الله اليه ان مر الارض بما شئت تطعك قال فجاء موسى عليه السلام يمشي إلى قارون فلما راه قارون عرف الغضب في وجهه فقال ياموسى ارحمني فقال موسى يا ارض خذيهم فاضطربت داره وخسف به وباصحابه إلى ركبهم وساخت داره على قدر ذلك وجعل يقول يا موسى ارحمني ويقول موسى يا ارض خذيهم وذكر القصة
فهذه القصة مع ان النبي قال لابن مسعود رضي الله عنه لما بلغه قول القائل ان هذه لقسمة ما اريد بها وجه الله دعنا منك لقد اوذي موسى باكثر من هذا فصبر # فهذا مع ما ذكرناه من احوال النبي دليل على ان الانبياء صلوات الله عليهم وسلامه لهم ان يعاقبوا من اذاهم وان تاب ولهم ان
يعفوا عنه كما ذلك لغيرهم من البشر لكن لهم ان يعاقبوا من يؤذيهم بالقتل والهلاك وليس لغيرهم ان يعاقبه بمثل ذلك # وذلك دليل على ان عقوبة مؤذيهم حد من الحدود لا لمجرد الكفر فان عقوبة الكافر تسقط بالتوبة بلا ريب وقارون قد كان تاب في وقت تنفع فيه التوبة ولهذا في الحديث اما انهم لو كانوا اياي دعوا لخلصتهم وفي لفظ لرحمتهم وانما كان يرحمهم سبحانه والله اعلم بان يستطيب نفس موسى من اذاهم له كما يستوهب المظالم لمن يرحمه من عباده ممن هي له ويعوضه منها # الطريقة الثانية عشرة ما تقدم من حديث انس بن زنيم الديلي الذي ذكر عنه انه هجا النبي ثم جاءه وانشده قصيدة تتضمن إسلامه وبراءته مما قيل عنه وكان معاهدا فتوقف النبي فيه وجعل يسال العفو عنه حتى عفا عنه فلو لم تكن العقوبة بعد الإسلام على السب من المعاهد جائزة لما توقف النبي في حقن دمه ولا احتاج
الى العفو عنه ولولا ان للرسول عليه حقا يملك استيفاءه بعد الإسلام لما عفا عنه كما لم يكن يعفو عمن اسلم ولا تبعه عليه وحديثه لمن تامله دليل واضح على جواز قتل من هجا النبي من المعاهدين ثم اسلم كما ان حديث ابن أبي سرح دليل واضح على جواز قتل من سبه مرتدا ثم اسلم وذلك انه لما بلغه انه هجاه وقد كان مهادنا موادعا وكان العهد الذي بينهم يتضمن الكف عن اظهار اذاه وكان على ما قيل عنه قد هجاه قبل ان يقتل بنو بكر خزاعة وقبل ان ينقضوا
العهد فلذلك نذر النبي دمه ثم انشد قصيدة تتضمن انه مسلم يقول فيها تعلم رسول الله تعلم رسول الله ونبي رسول الله وينكر فيها ان يكون هجاه ويدعو على نفسه بذهاب اليد ان كان هجاه وينسب الذين شهدوا عليه إلى الكذب وبلغت رسول الله قصيدته واعتذاره قبل ان يجئ اليه وشفع له كبير قبيلته نوفل بن معاوية وكان نوفل هذا هو الذي نقض العهد وقال يارسول الله انت اولى الناس بالعفو ومن منا لم يعادك ويؤذك ونحن في جاهلية لا ندري ما ناخذ وما ندع حتى هدانا الله بك وانقذنا بك عن الهلك وقد كذب عليه الركب وكثروا عندك فقال دع الركب عنك فانا لم نجد بتهامة احدا من ذي رحم ولا بعيد الرحم كان ابر من خزاعة فاسكت نوفل بن معاوية فلما سكت قال رسول الله قد عفوت عنه قال نوفل فداك أبي وامي
فلو كان الإسلام المتقدم قد عصم دمه لم يحتج إلى العفو كما لم يحتج اليه من اسلم ولا حد عليه ولكان قال الإسلام يجب ما قبله كما قاله لغيره من الحربيين كما يقوله من يقول ان هذا لا يقتل بعد إسلامه فيقول الإسلام يجب ما قبله وصاحب الشريعة بين ان ما اسقط قتله عفوه وذلك ان قوله عفوت عنه اما ان يكون افاده سقوط ما كان نذره من دمه او لم يفده ذلك فان لم يفده فلا معنى لقوله عفوت عنه وان كان قد افاده سقوط ذلك الاهدار فقبل ذلك لو قتله بعض المسلمين بعد ان اسلم وقبل ان عفا عنه النبي لكان جائزا لانه متبع لامر رسول الله بقتله امرا مطلقا إلى حين عفا عنه كما ان امره بقتل ابن أبي سرح كان باقيا حكمه إلى ان عفا عنه وكذلك عتبهم اذا لم يقتلوه قبل عفوه وهذا بين في هذه الاحاديث بيانا واضحا ولو كان عند المسلمين ان من هجاه من معاهد ثم اسلم عصم دمه لكان نوفل وغيره من المسلمين علموا ذلك وقالوا له كما قالوا لكعب بن زهير ونحوه ممن هجاه وهو حربي انه لايقتل من جاءه مسلما الا ترى انهم لم يظهروه لرسول الله حتى عفا عنه كما لم يظهروا ابن أبي سرح حتى عفا عنه بخلاف كعب بن زهير وابن الزبعرى فانهما جاءا بانفسهما لثقتهما بانه لا يمكن قتل الحربي اذا جاء مسلما وامكان ان يقتل الذمي الساب والمرتد الساب وان جاءا مسلمين وان كانا قد اسلما ثم انه قال في قصيدته
% فاني لا عرضا خرقت ولا دما % هرقت ففكر عالم الحق واقصد %
فجمع بين خرق العرض وسفك الدم فعلم انه مما يؤخذ به وان اسلم ولولا ان قتله كان ممكنا بعد إسلامه لم يحتج إلى هذا الانكار والاعتذار # ويؤيد ذلك ان النبي لم ينذر دم واحد بعينه من بني بكر الناقضي العهد الا هذا مع انهم فعلوا تلك الافاعيل فعلم ان خرق عرضه كان أعظم من نقض العهد بالمقاتلة والمحاربة باليد وقد تقدم الحديث بدلالته وانما نبهنا عليه هنا احالة على ما مضى # الطريقة الثالثة عشرة انه قد تقدم انه كان له ان يقتل من اغلظ له واذاه وكان له أن يعفو عنه فلو كان المؤذي له انما يقتل للردة لم يجز العفو عنه قبل التوبة واذا كان هذا حقا له فلا فرق فيه بين المسلم والذمي فانه قد اهدر دم من اذاه من اهل الذمة وقد تقدم ان ذلك لم يكن لمجرد نقض العهد فعلم انه كان لاذاه واذا كان له ان يقتل من اذاه وسبه من مسلم ومعاهد وله ان يعفو عنه علم انه بمنزلة القصاص وحد القذف وتعزير السب لغير الانبياء من البشر واذا كان كذلك لم يسقط عن مسلم ولا معاهد بالتوبة كما لا تسقط هذه
الحدود بالتوبة وهذه طريقة قوية وذلك انه اذا كان قد اباح الله له ان يقتل من سبه واباح له ان يعفو عنه كان المغلب في هذا الحد حقه بمنزلة سب غيره من البشر الا ان حد سابه القتل وحد ساب غيره الجلد واذا كان المغلب حقه فكان الامر في حياته مفوضا إلى اختياره لينال بالعفو علي الدرجات تارة ويقيم بالعقوبة من الحدود ما ينال به ايضا علي الدرجات فانه نبي الرحمة ونبي الملحمة وهو الضحوك القتال والذمي قد عاهده على ان لا يخرق عرضه وهو لو اصاب لواحد من المسلمين او المعاهدين حقا من دم او مال او عرض ثم اسلم لم يسقط عنه فاولى ان لايسقط عنه هذا # واذ قد قدمنا ان قتله لم يكن لمجرد نقض العهد وانما كان لخصوص السب واذا كان يجوز له ان يقتل هذا الساب بعد مجيئه مسلما وله ان يعفو عنه فبعد موته تعذر العفو وتمحضت العقوبة حقا لله سبحانه فوجب استيفاؤها على ما لا يخفي إذا القول بجواز عفو أحد عن هذا بعد رسول الله يفضي إلى ان يكون الإمام مخيرا بين قتل هذا واستبقائه وهو قول لا يعلم به قائلا ثم إنه خلاف قواعد الشريعة واصولها
وقد تقدم فيما مضى الفرق ين حال حياته وحال مماته # الطريقة الرابعة عشرة انه قد تقدم الحديث المرفوع ان كان ثابتا من سب نبيا قتل ومن سب اصحابه جلد فامر بالقتل مطلقا كما امر بالجلد مطلقا فعلم ان السب للنبي موجب بنفسه للقتل كما ان سب غيره موجب للجلد وان ذلك عقوبة شرعية على السب وكما لايسقط هذا الجلد بالتوبة بعد القدرة فكذلك لا يسقط هذا القتل # الطريقة الخامسة عشرة اقوال اصحابة رسول الله وافعالهم # فمن ذلك ان أبا بكر رضي الله عنه كتب إلى المهاجر بن أبي امية في المراة التي غنت بهجاء النبي لولا ما سبقتني فيها لامرتك بقتلها لان حد الانبياء ليس يشبه الحدود فمن تعاطى ذلك من مسلم فهو مرتد او معاهد فهو محارب غادر فاخبره أبو بكر انه لولا الفوت لامره بقتلها من غير استتابة ولا استثناء حال توبة مع أن غالب من يقدم ليقتل على مثل هذا يبادر إلى التوبة او الإسلام اذا علم انه يدرا عنه القتل ولم يستفصله الصديق عن السابة هل هي مسلمة او ذمية بل ذكر ان القتل حد من سب الانبياء وان حدهم ليس كحد غيرهم مع انه فصل في المراة التي غنت بهجاء المسلمين بين
ان تكون مسلمة او ذمية # وهذا ظاهر في ان عقوبة الساب حد للنبي واجبة عليه له ان يعفو عنها في بعض الاحوال وان يستوفيها في بعض الاحوال كما ان عقوبة ساب غيره حد له واجبة على الساب # وقوله من تعاطى ذلك من مسلم فهو مرتد ليس فيه دلالة على قبول توبته لان الردة جنس تحتها انواع منها ما تقبل فيه التوبة ومنها ما لاتقبل كما تقدم التنبيه على هذا ولعله ان تكون لنا اليه عودة وانما غرضه ان يبين الاصل الذي يبيح دم هذا وكذلك قوله فهو محارب غادر فان المحارب الغادر جنس يباح دمه ثم منهم من يقتل وان اسلم كما لو حارب بقطع الطريق او باستكراه مسلمة على الزنى ونحو ذلك
قال تعالى ^ انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا ان يقتلوا او يصلبوا ^ الاية ثم انه لم يرفع العقوبة الا اذا تابوا قبل القدرة عليهم وقد قدمنا ان هذا محارب مفسد فيدخل في هذه الاية # وعن مجاهد قال أتى عمر برجل يسب النبي فقتله ثم قال عمر من سب الله او سب احدا من الانبياء فاقتلوه # هذا مع ان سيرته في المرتد انه يستتاب ثلاثا ويطعم كل يوم رغيفا لعله يتوب فاذا امر بقتل هذا من غير استتابة علم ان جرمه اغلظ عنده من جرم المرتد المجرد فيكون جرم سابه من اهل العهد اغلظ من جرم من اقتصر على نقض العهد لاسيما وقد امر بقتله مطلقا من غير ثنيا # وكذلك المراة التي سبت النبي فقتلها خالد بن الوليد ولم يستتبها دليل على انها ليست كالمرتدة المجردة
وكذلك حديث محمد بن مسلمة لما حلف ليقتلن ابن يامين لما ذكر ان قتل ابن الاشرف كان غدرا وطلبه لقتله بعد ذلك بمدة طويلة ولم ينكر المسلمون ذلك عليه مع انه لو كان قتله لمجرد الردة لكان قد عاد إلى الإسلام بما اتى به بعد ذلك من الشهادتين والصلوات ولم يقتل حتى يستتاب
Powered by vBulletin® Version 4.2.0 Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir