أمـــة الله
2012-03-10, 10:07 PM
الخطبة الأولى :
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَنْ يهد الله فلا مضل له، ومَنْ يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ نبيَّنا وسيدنا محمدًا عبْدُه ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه صلاةً وسلامًا كبيرًا، أما بعد،
فاتقوا الله الذي أمدكم بالنعم، اتقوا الله الذي أمدكم بالنعم، ودفع عنكم الشرور والنقم، فالفوز والعقبى للمتقين، والخسران والوبال للعاصين المعرضين.
أيها المسلمون:
إن من أعظم النعم على العباد:
الذرية الصالحة التي تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وتؤدي الحقوق التي أوجبها الله تعالى على الخلق للخلق، وقد امتن الله على عباده بالذرية؛ فقال: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ} [النحل: 72]، وقال تعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [الشورى: 49 - 50]، وأذن الله على مَنْ رغب إليه بالدعاء في طلب صالح الذرية من الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام – والمؤمنين؛ قال تعالى مخبرًا عن الخليل إبراهيم - صلى الله عليه وآله وسلم -: {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ} [الصافات: 99 - 101]، وقال تعالى عن زكريا - عليه الصلاة والسلام -: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ * فَنَادَتْهُ المَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي المِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِياًّ مِّنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران: 38 - 39]، وقال تعالى عن المؤمنين: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74].
والذُّرِّيَّة نعمةٌ من الله تعالى من وجوه كثيرة:
من حيث إنَّ هذه الذرية تعبد الله لا تشرك به شيئًا؛ فإن الله تعالى لم يخلق الجن والإنس إلا لعبادته، كما قال - عز وجل -: {وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، وصلاح الكون بعبادة الله وحده لا شريك له، وفساد الكون بالإعراض عن عبادة الله أو الشرك به.
والذرية نعمة من حيث إنها امتدادٌ لعمر الوالدين، وحاملة لصفاتهما وصفات أصولهما، وتجديد لذكرهما.
والذرية نعمة من حيث تعاقبهم على هذه الأرض، يعمرونها ويصلحونها على مقتضى الشرع الحنيف، ويهيئونها لاستخدامها لطاعة الله تعالى، ورعايتها من الفساد والدمار والشرك
قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ العِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الأنعام: 165]
وقال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [يونس: 14]
وقال تعالى: {وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ المُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56].
والذرية نعمة من حيث إنهم قوة للأمة، ينصرون الدين، ويحمون حوزة الإسلام من عدوان المعتدين، وعبث العابثين والمفسدين، فإذا تبين لنا عظيم نعمة الله على العباد بعطائه الذرية، وتفضله - عز وجل - بالأولاد على الآباء والأمهات - وجب شكر الله على نعمه الظاهرة والباطنة، ووجب القيام بحقوق الأولاد ورعاية مصالحهم، والعناية بتربيتهم تربية متكاملة؛ ليكونوا لبنات قوية صالحة في بناء مجتمعهم.
والواجبات والحقوق التي تخص الأولاد موزعة على الدولة، وعلى المجتمع، وعلى المدرسة، وعلى البيت؛ فكلٌّ عليه واجبات مسؤولٌ عنها أمام الله تعالى، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((كلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته))؛ رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما.
ويجمع الواجبات والحقوق التي طوقت أعناق الكل تجاه الشباب – يجمعها أن يُربوا التربية الكاملة الصالحة، وأن يحيط الجميع الناشئة بالرعاية والعناية، وأن يهيئ الجميع للأولاد سبل الخير والاستقامة والنجاح والفلاح في دينهم ودنياهم، ويمهدوا الطرق التي توصلهم إلى الغايات النافعة لهم ولمجتمعهم، وأن يكون الجميع سدًّا منيعًا بين الشباب وبين الانحراف الفكري، والتهتك الخلقي، والرذيلة البغيضة، والاهتمامات السافرة، وجلساء السوء، والتأثير الإعلامي الضار بكل أنواعه، وأن يوجهوا إلى ما يتلاءم ويتوافق مع استعدادهم وقدراتهم، فكلٌ ميسرٌ لما خُلق له.
وإذا كانت الواجبات موزعة على كل فرد من أفراد المجتمع حسب مسؤوليته وموقعه نحو الأجيال الحاضرة والمستقبلة؛ فإن البيت عليه مسؤولية عظمى، والأسرة نواة المجتمع، وحاضنة أفراده، ولها تأثير كبير على أعضائها.
وأول ما تجب العناية به: تربية الأولاد على عبادة الله وحده لا شريك له، وإقامة الصلاة؛ قال الله تعالى عن العبد الصالح لقمان الحكيم: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]، وقال تعالى عن هذا العبد الصالح أيضًا: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ المُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ * وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان: 17 - 18]، وقد قص الله علينا هذا لنقتدي بذلك، والله تعالى يقول: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132].
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظِ الله يحفظك، احفظِ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيءٍ؛ لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك؛ لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك.. رفعت الأقلام، وجفَّت الصحف))؛ رواه الترمذي.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرِّقوا بينهم في المضاجع)).
فإذا أُمر الشباب بعبادة الله تعالى وألفوها؛ فازوا في أمورهم كلها، وفي الحديث: ((سبعة يظلهم الله بظله، يوم لا ظل إلا ظله... ))، ومنهم: ((شابٌ نشأ في عبادة الله... ))؛ رواه البخاري ومسلم.
ومما تجب العناية به: تشويق الأولاد إلى الاقتداء بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وحثهم على الاهتداء بهديه، وغرس محبته في قلوبهم؛ فهو القدوة المُثْلَى في كل شيء؛ قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]، وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين))؛ رواه البخاري ومسلم.
ومحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرضٌ واجبٌ، والناس يتدارسون في هذه المحبة، وقد كان السلف الصالح يعلِّمون أولادهم سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما يعلمونهم القرآن الكريم، فتأثيرها لا يخفى على الناشئة إذا تعلموها واقتدوا بها.
ومما تجب العناية والاهتمام به: أن يتعلم الشباب مسائل الدين من العلماء والأساتذة بالأدلة من الكتاب والسنة؛ ليكونوا على بصيرة في دينهم، وليأخذ الإسلام قناعةً وحبًّا ورغبةً، لا تبغيضًا وعادةً وسطحيةً؛ قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ} [يوسف: 108].
وما ضر شباب المسلمين إلا الجهل بالدين بالغلوِّ فيه أو التقصير فيه، والاعتصام بالكتاب والسنة يجمع الخير كله، وأفضل ما أُفني فيه الأعمار تعلم الكتاب والسنة والعمل بذلك.
ومما يجب العناية به: تربية الناشئة على بر الوالدين، وتوقير الكبير، ورحمة الصغير، والإحسان، وحفظ الأمانات، ورعاية حقوق المسلمين، والتحذير من الظلم والبغي والعدوان؛ قال الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23]، ويقول عليه الصلاة والسلام: ((رضا الله في رضا الوالدين، وسخط الله في سخط الوالدين))، وفي الحديث: ((ليس منا مَنْ لم يوقر الكبير، ويرحم الصغير، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر)).
ومما يؤثر في التربية الصالحة: قراءة سير الصالحين من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان، وسماع وصايا الحكماء.
فمن الوصايا النافعة؛ وصية علي بن أبي طالب أمير المؤمنين - رضي الله عنه - وفيها: "أوصيك يا حسن وجميع ولدي وأهلي بتقوى الله ربكم، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، وانظروا أرحامكم فصِلُوها؛ يهوِّن الله عليكم الحساب، الله الله في الأيتام؛ فلا تعنوا أفواههم، ولا يضيعن بحضرتكم، والله الله في جيرانكم؛ فإنهم وصية نبيكم - صلى الله عليه وسلم - والله الله بالقرآن؛ فلا يسبقنكم إلى العمل به غيركم، والله الله بالصلاة؛ فإنها عمود دينكم، والله الله في بيت ربكم؛ فلا تخلوُّه ما بقيتم، والله الله في الزكاة؛ فإنها تطفئ غضب الرب، والله الله بأصحاب نبيكم؛ فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوصى بهم، الصلاة الصلاة، لا تخافن بالله لومة لائم؛ يكفكم مَنْ أرادكم وبغى عليكم، وقولوا للناس حسنًا كما أمركم الله، ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فيولَّى الأمر شراركم، ثم تدعون فلا يُستجاب لكم، وعليكم بالتواصل والتبادل، وإياكم والتدابر والتقاطع والتفرق... "؛ إلى آخر وصيته - رضي الله عنه - القيمة.
ومن الوصايا الجامعة النافعة؛ وصية الأمير طاهر بن الحسين لابنه عبدالله، وفيها: "فليكن أول ما تُلزم به نفسك، وتُنسب إليه فعالك - المواظبةُ على ما افترض الله عليك من الصلوات الخمس، والجماعة عليها بالناس قِبَلَك في مواقيتها على سننها، ثم أتبع ذلك الأخذَ بسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمثابرة على خلائقه، واقتفاء آثار السلف الصالح من بعده، وإذا ورد عليك أمر؛ فاستعن عليه باستخارة الله وتقواه، ولزوم ما أنزل الله في كتابه من أمره ونهيه، وحلاله وحرامه، وائتمام ما جاءت به الآثار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قُمْ فيه بما يحق الله عليك، ولا تمِلْ عن العدل فيما أحببت أو كرهت لقريب من الناس أو بعيد، وآثر الفقه وأهله والدين وحملته، وكتاب الله والعاملين به؛ فإن أفضل ما تزين به المرء الفقه في دين الله، والطلب له، والحث عليه، والمعرفة مِمَّا يقرب فيه منه إلى الله؛ فإنه الدليل على الخير كله، والقائد له... "، وهي وصية طويلة جدًّا، نافعة، سارت بها الركبان، وأثنى عليها الخلفاء والملوك والعلماء، ذكرها ابن جرير في حوالي سنة مائتين وست.
ومما يُهتم به ويُعتنى به: أن يوصَى الناشئة، وأن يربوا بما يُوصَى به الكبار، وبما يؤمر به الكبار، فإنه مَنْ كانوا صغارًا في هذا الوقت؛ فإنهم سيكونون كبارًا فيما يُستقبل، وتكون عليهم المسؤوليات، وهم الذين يكونون أعضاء المجتمع.
ومن الوصيَّة النافعة للشباب: وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يلزم المرء إمام المسلمين وجماعتهم، كما قال ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم. وفي الحديث أيضًا: ((مَنْ فارق الجماعة؛ فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه)).
وقد كان صِغار الصحابة - رضي الله تعالى عنهم -
يحضرون مجالس الكبار، ويعظهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ويعلمهم ويرشدهم ويبين لهم شرائع الإسلام، وقد كان الصغار ينتفعون بذلك كما ينتفع بذلك الكبار، ومن ذلك حديث العرباض بن سارية - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن تأمَّر عليكم عبدٌ؛ فإنه مَنْ يَعِشْ منكم فسيرى اختلافًا كبيرًا؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عَضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة)).
ومما يُعتنى به ويجب الاهتمام به: الزواج - زواج الشباب ذكورًا وإناثًا - في الوقت الذي يقدره الله، وفي الوقت الذي ينبغي أن يتزوج فيه الشباب، فلا يؤخر ذلك عن وقته، وليسعَ الوالدان وليسعَ المسلمون إلى ذلك؛ فإن أبغض شيءٍ إلى الشيطان أن يتزوج الشباب؛ لأنهم بذلك قد حصنوا أنفسهم، والنبي - عليه الصلاة والسلام - يقول: ((يا معشر الشباب، مَنِ استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج"، والإسلام دين الطهارة، ودين الزكاة، ودين الخير، وينهى عن الفحشاء والمنكر.
ومما يُعتنى به، ويجب أن يُنبَّه ويُرشد إليه الشباب: أن يحرصوا على مجالسة الحكماء، وأن يصحبوا الكبار، وأن يستفيدوا من العلماء، وأن يستفيدوا ممَّن يرشدهم ويعلمهم؛ فإن العزلة داءٌ قاتلٌ، وإنَّ العُزْلَة هي قبرٌ للأحياء، ومَنِ اعتزل؛ فإنَّه لا شكَّ أنَّه لا يستطيع أن يقوم بأمور دينه، ولا يستطيع أن يقوم بأمور دُنْياه، والنبي - صلَّى الله عليه وسلم - يقول: ((إنَّما يأكُلُ الذِّئب من الغنم القاصية))؛ فحافِظُوا أيُّها الشباب على الاستفادة من الحكماء والعلماء والأساتذة الموجهين، وكونوا مع جماعة المسلمين.
ومِمَّا يُعتنى به: زيادة الاهتمام دائمًا وملاحظة الشباب في مدخلهم ومخرجهم، والعناية بالذكور والإناث؛ بل إنَّ العِنايةَ بِالإناث أعظمُ؛ لأنَّها إذا صَلَحَتِ المرأة صلح المجتمع، وإذا فَسَدَتِ المرأة فَسَدَ المُجتمع، وديننا الإسلامي حفظ للمرأة حقوقها وأمرها بها، فهي تباشرها عن قناعة وعن إيمان، وتباشرها كذلك عن احتساب لله تبارك وتعالى.
إنَّ النَّاس إذا قاموا بتربية الناشئة؛ فإن الله - تبارك وتعالى - لا يُضيع أجرَ مَنْ أحسن عملاً، وكان ذلك خيرًا لهم في دينهم ودنياهم، وكان خيرًا للوالدين، وخيرًا لأبنائهم، وخيرًا لبناتهم، وخيرًا للمجتمع، والله - تبارك وتعالى - وعد المؤمنين ووعد ذريتهم بأنه - تبارك وتعالى - يقرُّ أعينهم بالآخرة؛ بأنْ يَجعَلَهُم في درجةٍ واحدةٍ، حتَّى وإن قصَّرت الذرية في العمل، فإنَّ اللَّه يتفضَّلُ عليْهِم؛ لتقرَّ أعْيُنهم بِجزاء الله - تبارك وتعالى - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: 21]
وقال تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 23 - 24].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين، وقوله القويم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم سائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَنْ يهد الله فلا مضل له، ومَنْ يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ نبيَّنا وسيدنا محمدًا عبْدُه ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه صلاةً وسلامًا كبيرًا، أما بعد،
فاتقوا الله الذي أمدكم بالنعم، اتقوا الله الذي أمدكم بالنعم، ودفع عنكم الشرور والنقم، فالفوز والعقبى للمتقين، والخسران والوبال للعاصين المعرضين.
أيها المسلمون:
إن من أعظم النعم على العباد:
الذرية الصالحة التي تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وتؤدي الحقوق التي أوجبها الله تعالى على الخلق للخلق، وقد امتن الله على عباده بالذرية؛ فقال: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ} [النحل: 72]، وقال تعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [الشورى: 49 - 50]، وأذن الله على مَنْ رغب إليه بالدعاء في طلب صالح الذرية من الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام – والمؤمنين؛ قال تعالى مخبرًا عن الخليل إبراهيم - صلى الله عليه وآله وسلم -: {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ} [الصافات: 99 - 101]، وقال تعالى عن زكريا - عليه الصلاة والسلام -: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ * فَنَادَتْهُ المَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي المِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِياًّ مِّنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران: 38 - 39]، وقال تعالى عن المؤمنين: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74].
والذُّرِّيَّة نعمةٌ من الله تعالى من وجوه كثيرة:
من حيث إنَّ هذه الذرية تعبد الله لا تشرك به شيئًا؛ فإن الله تعالى لم يخلق الجن والإنس إلا لعبادته، كما قال - عز وجل -: {وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، وصلاح الكون بعبادة الله وحده لا شريك له، وفساد الكون بالإعراض عن عبادة الله أو الشرك به.
والذرية نعمة من حيث إنها امتدادٌ لعمر الوالدين، وحاملة لصفاتهما وصفات أصولهما، وتجديد لذكرهما.
والذرية نعمة من حيث تعاقبهم على هذه الأرض، يعمرونها ويصلحونها على مقتضى الشرع الحنيف، ويهيئونها لاستخدامها لطاعة الله تعالى، ورعايتها من الفساد والدمار والشرك
قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ العِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الأنعام: 165]
وقال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [يونس: 14]
وقال تعالى: {وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ المُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56].
والذرية نعمة من حيث إنهم قوة للأمة، ينصرون الدين، ويحمون حوزة الإسلام من عدوان المعتدين، وعبث العابثين والمفسدين، فإذا تبين لنا عظيم نعمة الله على العباد بعطائه الذرية، وتفضله - عز وجل - بالأولاد على الآباء والأمهات - وجب شكر الله على نعمه الظاهرة والباطنة، ووجب القيام بحقوق الأولاد ورعاية مصالحهم، والعناية بتربيتهم تربية متكاملة؛ ليكونوا لبنات قوية صالحة في بناء مجتمعهم.
والواجبات والحقوق التي تخص الأولاد موزعة على الدولة، وعلى المجتمع، وعلى المدرسة، وعلى البيت؛ فكلٌّ عليه واجبات مسؤولٌ عنها أمام الله تعالى، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((كلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته))؛ رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما.
ويجمع الواجبات والحقوق التي طوقت أعناق الكل تجاه الشباب – يجمعها أن يُربوا التربية الكاملة الصالحة، وأن يحيط الجميع الناشئة بالرعاية والعناية، وأن يهيئ الجميع للأولاد سبل الخير والاستقامة والنجاح والفلاح في دينهم ودنياهم، ويمهدوا الطرق التي توصلهم إلى الغايات النافعة لهم ولمجتمعهم، وأن يكون الجميع سدًّا منيعًا بين الشباب وبين الانحراف الفكري، والتهتك الخلقي، والرذيلة البغيضة، والاهتمامات السافرة، وجلساء السوء، والتأثير الإعلامي الضار بكل أنواعه، وأن يوجهوا إلى ما يتلاءم ويتوافق مع استعدادهم وقدراتهم، فكلٌ ميسرٌ لما خُلق له.
وإذا كانت الواجبات موزعة على كل فرد من أفراد المجتمع حسب مسؤوليته وموقعه نحو الأجيال الحاضرة والمستقبلة؛ فإن البيت عليه مسؤولية عظمى، والأسرة نواة المجتمع، وحاضنة أفراده، ولها تأثير كبير على أعضائها.
وأول ما تجب العناية به: تربية الأولاد على عبادة الله وحده لا شريك له، وإقامة الصلاة؛ قال الله تعالى عن العبد الصالح لقمان الحكيم: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]، وقال تعالى عن هذا العبد الصالح أيضًا: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ المُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ * وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان: 17 - 18]، وقد قص الله علينا هذا لنقتدي بذلك، والله تعالى يقول: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132].
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظِ الله يحفظك، احفظِ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيءٍ؛ لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك؛ لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك.. رفعت الأقلام، وجفَّت الصحف))؛ رواه الترمذي.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرِّقوا بينهم في المضاجع)).
فإذا أُمر الشباب بعبادة الله تعالى وألفوها؛ فازوا في أمورهم كلها، وفي الحديث: ((سبعة يظلهم الله بظله، يوم لا ظل إلا ظله... ))، ومنهم: ((شابٌ نشأ في عبادة الله... ))؛ رواه البخاري ومسلم.
ومما تجب العناية به: تشويق الأولاد إلى الاقتداء بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وحثهم على الاهتداء بهديه، وغرس محبته في قلوبهم؛ فهو القدوة المُثْلَى في كل شيء؛ قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]، وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين))؛ رواه البخاري ومسلم.
ومحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرضٌ واجبٌ، والناس يتدارسون في هذه المحبة، وقد كان السلف الصالح يعلِّمون أولادهم سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما يعلمونهم القرآن الكريم، فتأثيرها لا يخفى على الناشئة إذا تعلموها واقتدوا بها.
ومما تجب العناية والاهتمام به: أن يتعلم الشباب مسائل الدين من العلماء والأساتذة بالأدلة من الكتاب والسنة؛ ليكونوا على بصيرة في دينهم، وليأخذ الإسلام قناعةً وحبًّا ورغبةً، لا تبغيضًا وعادةً وسطحيةً؛ قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ} [يوسف: 108].
وما ضر شباب المسلمين إلا الجهل بالدين بالغلوِّ فيه أو التقصير فيه، والاعتصام بالكتاب والسنة يجمع الخير كله، وأفضل ما أُفني فيه الأعمار تعلم الكتاب والسنة والعمل بذلك.
ومما يجب العناية به: تربية الناشئة على بر الوالدين، وتوقير الكبير، ورحمة الصغير، والإحسان، وحفظ الأمانات، ورعاية حقوق المسلمين، والتحذير من الظلم والبغي والعدوان؛ قال الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23]، ويقول عليه الصلاة والسلام: ((رضا الله في رضا الوالدين، وسخط الله في سخط الوالدين))، وفي الحديث: ((ليس منا مَنْ لم يوقر الكبير، ويرحم الصغير، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر)).
ومما يؤثر في التربية الصالحة: قراءة سير الصالحين من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان، وسماع وصايا الحكماء.
فمن الوصايا النافعة؛ وصية علي بن أبي طالب أمير المؤمنين - رضي الله عنه - وفيها: "أوصيك يا حسن وجميع ولدي وأهلي بتقوى الله ربكم، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، وانظروا أرحامكم فصِلُوها؛ يهوِّن الله عليكم الحساب، الله الله في الأيتام؛ فلا تعنوا أفواههم، ولا يضيعن بحضرتكم، والله الله في جيرانكم؛ فإنهم وصية نبيكم - صلى الله عليه وسلم - والله الله بالقرآن؛ فلا يسبقنكم إلى العمل به غيركم، والله الله بالصلاة؛ فإنها عمود دينكم، والله الله في بيت ربكم؛ فلا تخلوُّه ما بقيتم، والله الله في الزكاة؛ فإنها تطفئ غضب الرب، والله الله بأصحاب نبيكم؛ فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوصى بهم، الصلاة الصلاة، لا تخافن بالله لومة لائم؛ يكفكم مَنْ أرادكم وبغى عليكم، وقولوا للناس حسنًا كما أمركم الله، ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فيولَّى الأمر شراركم، ثم تدعون فلا يُستجاب لكم، وعليكم بالتواصل والتبادل، وإياكم والتدابر والتقاطع والتفرق... "؛ إلى آخر وصيته - رضي الله عنه - القيمة.
ومن الوصايا الجامعة النافعة؛ وصية الأمير طاهر بن الحسين لابنه عبدالله، وفيها: "فليكن أول ما تُلزم به نفسك، وتُنسب إليه فعالك - المواظبةُ على ما افترض الله عليك من الصلوات الخمس، والجماعة عليها بالناس قِبَلَك في مواقيتها على سننها، ثم أتبع ذلك الأخذَ بسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمثابرة على خلائقه، واقتفاء آثار السلف الصالح من بعده، وإذا ورد عليك أمر؛ فاستعن عليه باستخارة الله وتقواه، ولزوم ما أنزل الله في كتابه من أمره ونهيه، وحلاله وحرامه، وائتمام ما جاءت به الآثار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قُمْ فيه بما يحق الله عليك، ولا تمِلْ عن العدل فيما أحببت أو كرهت لقريب من الناس أو بعيد، وآثر الفقه وأهله والدين وحملته، وكتاب الله والعاملين به؛ فإن أفضل ما تزين به المرء الفقه في دين الله، والطلب له، والحث عليه، والمعرفة مِمَّا يقرب فيه منه إلى الله؛ فإنه الدليل على الخير كله، والقائد له... "، وهي وصية طويلة جدًّا، نافعة، سارت بها الركبان، وأثنى عليها الخلفاء والملوك والعلماء، ذكرها ابن جرير في حوالي سنة مائتين وست.
ومما يُهتم به ويُعتنى به: أن يوصَى الناشئة، وأن يربوا بما يُوصَى به الكبار، وبما يؤمر به الكبار، فإنه مَنْ كانوا صغارًا في هذا الوقت؛ فإنهم سيكونون كبارًا فيما يُستقبل، وتكون عليهم المسؤوليات، وهم الذين يكونون أعضاء المجتمع.
ومن الوصيَّة النافعة للشباب: وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يلزم المرء إمام المسلمين وجماعتهم، كما قال ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم. وفي الحديث أيضًا: ((مَنْ فارق الجماعة؛ فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه)).
وقد كان صِغار الصحابة - رضي الله تعالى عنهم -
يحضرون مجالس الكبار، ويعظهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ويعلمهم ويرشدهم ويبين لهم شرائع الإسلام، وقد كان الصغار ينتفعون بذلك كما ينتفع بذلك الكبار، ومن ذلك حديث العرباض بن سارية - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن تأمَّر عليكم عبدٌ؛ فإنه مَنْ يَعِشْ منكم فسيرى اختلافًا كبيرًا؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عَضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة)).
ومما يُعتنى به ويجب الاهتمام به: الزواج - زواج الشباب ذكورًا وإناثًا - في الوقت الذي يقدره الله، وفي الوقت الذي ينبغي أن يتزوج فيه الشباب، فلا يؤخر ذلك عن وقته، وليسعَ الوالدان وليسعَ المسلمون إلى ذلك؛ فإن أبغض شيءٍ إلى الشيطان أن يتزوج الشباب؛ لأنهم بذلك قد حصنوا أنفسهم، والنبي - عليه الصلاة والسلام - يقول: ((يا معشر الشباب، مَنِ استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج"، والإسلام دين الطهارة، ودين الزكاة، ودين الخير، وينهى عن الفحشاء والمنكر.
ومما يُعتنى به، ويجب أن يُنبَّه ويُرشد إليه الشباب: أن يحرصوا على مجالسة الحكماء، وأن يصحبوا الكبار، وأن يستفيدوا من العلماء، وأن يستفيدوا ممَّن يرشدهم ويعلمهم؛ فإن العزلة داءٌ قاتلٌ، وإنَّ العُزْلَة هي قبرٌ للأحياء، ومَنِ اعتزل؛ فإنَّه لا شكَّ أنَّه لا يستطيع أن يقوم بأمور دينه، ولا يستطيع أن يقوم بأمور دُنْياه، والنبي - صلَّى الله عليه وسلم - يقول: ((إنَّما يأكُلُ الذِّئب من الغنم القاصية))؛ فحافِظُوا أيُّها الشباب على الاستفادة من الحكماء والعلماء والأساتذة الموجهين، وكونوا مع جماعة المسلمين.
ومِمَّا يُعتنى به: زيادة الاهتمام دائمًا وملاحظة الشباب في مدخلهم ومخرجهم، والعناية بالذكور والإناث؛ بل إنَّ العِنايةَ بِالإناث أعظمُ؛ لأنَّها إذا صَلَحَتِ المرأة صلح المجتمع، وإذا فَسَدَتِ المرأة فَسَدَ المُجتمع، وديننا الإسلامي حفظ للمرأة حقوقها وأمرها بها، فهي تباشرها عن قناعة وعن إيمان، وتباشرها كذلك عن احتساب لله تبارك وتعالى.
إنَّ النَّاس إذا قاموا بتربية الناشئة؛ فإن الله - تبارك وتعالى - لا يُضيع أجرَ مَنْ أحسن عملاً، وكان ذلك خيرًا لهم في دينهم ودنياهم، وكان خيرًا للوالدين، وخيرًا لأبنائهم، وخيرًا لبناتهم، وخيرًا للمجتمع، والله - تبارك وتعالى - وعد المؤمنين ووعد ذريتهم بأنه - تبارك وتعالى - يقرُّ أعينهم بالآخرة؛ بأنْ يَجعَلَهُم في درجةٍ واحدةٍ، حتَّى وإن قصَّرت الذرية في العمل، فإنَّ اللَّه يتفضَّلُ عليْهِم؛ لتقرَّ أعْيُنهم بِجزاء الله - تبارك وتعالى - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: 21]
وقال تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 23 - 24].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين، وقوله القويم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم سائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.