سيل الحق المتدفق
2012-03-23, 07:12 PM
السؤال :
أرجو من الأخ الفاضل تبيان الحكم الشرعى لما يدور بالمنتدى من سب لبابا النصارى الراحل شنوده ؟! فهل يجوز سب الكافر المحارب لله و رسوله من امثال شنوده بعد موته ؟!
الجواب :
أولا : سب الكفار أو آلهتهم :
قال تعالى : ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ) [الأنعام : 108] .
يقول الامام ابن كثير رحمه الله في "تفسيره" (3/282- ط العلمية) : " يقول تعالى ناهيا لرسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين عن سب آلهة المشركين ، وإن كان فيه مصلحة ، إلا أنه يترتب عليه مفسدة أعظم منها ، وهي مقابلة المشركين بسب إله المؤمنين ، وهو الله لا إله إلا هو " .
ثم قال : " ومن هذا القبيل ، وهو ترك المصلحة لمفسدة أرجح منها ، ما جاء في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ملعون من سب والديه " قالوا : يا رسول الله وكيف يسب الرجل والديه؟ قال : " يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه " [ أخرجه مسلم في صحيحه ] أو كما قال صلى الله عليه وسلم . وقوله كذلك زينا لكل أمة عملهم أي وكما زينا لهؤلاء القوم حب أصنامهم ، والمحاماة لها والانتصار ، كذلك زينا لكل أمة من الأمم الخالية على الضلال عملهم الذي كانوا فيه ، ولله الحجة البالغة ، والحكمة التامة ، فيما يشاؤه ويختاره ثم إلى ربهم مرجعهم أي معادهم ومصيرهم فينبئهم بما كانوا يعملون أي يجازيهم بأعمالهم ، إن خيرا فخير وإن شرا فشر " .
لذا فأن سب بابا النصارى الراحل قد يلجأ بالنصارى الى سب الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم ، والتنفير من الاسلام خاصة ممن يرجى اسلامهم ، وفي ذلك مفسدة أرجح من أي مصلحة شرعية ، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح ..
ثانيا : سب الأموات :
قد ورد في السنة المطهرة النهي عن سب الأموات عامة ، سواء كانوا مسلمين أو غيرهم ، منها :
1- قال أحمد في "مسنده" (4/252) : حدثنا أبو نعيم ، حدثنا سفيان ، عن زياد ، قال : سمعت المغيرة بن شعبة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تسبوا الأموات ، فتؤذوا الأحياء " [ حديث صحيح لذاته ، وصححه ابن حبان ] .
2- وقال البخاري في "صحيحه" (1393) : حدثنا آدم ، حدثنا شعبة ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا " .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" ( 3/259- ط دار المعرفة ) : ( قوله : " أفضوا" : أي وصلوا إلى ما عملوا من خير أو شر ، واستدل به على منعسب الأمواتمطلقا ، وقد تقدم أن عمومه مخصوص ، وأصح ما قيل في ذلكأن أموات الكفار والفساق يجوز ذكر مساويهم للتحذير منهم والتنفير عنهم . وقد أجمع العلماء على جواز جرح المجروحين من الرواة أحياء وأمواتا ) .
وأما ما أخرجه مسلم في "صحيحه" (951) : وحدثنا يحيى بن أيوب ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، وزهير بن حرب ، وعلي بن حجر السعدي كلهم ، عن ابن علية ، واللفظ ليحيى ، قال : حدثنا ابن علية ، أخبرنا عبد العزيز بن صهيب ، عن أنس بن مالك ، قال : مر بجنازة فأثني عليها خيرا ، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم " وجبت وجبت وجبت " ، ومر بجنازة فأثني عليها شرا ، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : " وجبت وجبت وجبت " ، قال عمر : فدى لك أبي وأمي ، مر بجنازة فأثني عليها خير ، فقلت وجبت وجبت وجبت ، ومر بجنازة فأثني عليها شر ، فقلت : وجبت وجبت وجبت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ، ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار ، أنتم شهداء الله في الأرض ، أنتم شهداء الله في الأرض ، أنتم شهداء الله في الأرض " .
قال الإمام النووي رحمه الله في "شرحه لصحيح مسلم" (7 / 20 – ط احياء التراث) :" وقوله صلى الله عليه وسلم (وجبت وأنتم شهداء الله) ولو كان لا ينفعه ذلك إلا أن تكون أعماله تقتضيه لم يكن للثناء فائدة وقد أثبت النبي صلى الله عليه وسلم له فائدة فإن قيل كيف مكنوا بالثناء بالشر مع الحديث الصحيح في البخاري وغيره في النهي عن سب الأموات فالجواب أن النهي عن سب الأموات هو في غير المنافق وسائر الكفار وفي غير المتظاهر بفسق أو بدعة فأما هؤلاء فلا يحرم ذكرهم بشر للتحذير من طريقتهم ومن الاقتداء بآثارهم والتخلق بأخلاقهم وهذا الحديث محمول على أن الذي أثنوا عليه شرا كان مشهورا بنفاق أو نحوه مما ذكرنا هذا هو الصواب في الجواب عنه وفي الجمع بينه وبين النهي عن السب وقد بسطت معناه بدلائله في كتاب الأذكار " .
وقال المناوي رحمه الله في فيض القدير (1/115 – ط التجارية الكبرى) : " هذا الحديث وما بعده شامل للفاجر الميت ولا ينافيه النهي عن سب الأموات في الخبر الآتي لأن السب غير الذكر بالشر وبفرض عدم المغايرة فالجائز سب الأشرار والمنهي سب الأخيار ذكره الكرماني وغيره " .
فنستنتج من ذلك الآتي :
1- تحريم سب الأموات عامة ، سواء مسلمين أو غيرهم ، لأنهم قد أفضوا الى ما قدموا .
2- أن السب غير الذكر بالشر ، لذا فيجوز أن نثني على بابا النصارى الراحل شرا بذكر مساوئه للتحذير من طريقته ، ومن الاقتداء بآثاره ، والتخلق بأخلاقه ، وتنبيه المخدوعين فيه الى أفعاله وأعماله ، لأن السب يختلف عن ذكر المساوىء الموجودة في الميت .
3- يجب على المسلم أن يحذر أن يُسب الله عز وجل ، أو النبي صلى الله عليه وسلم ، أو الاسلام بسببه .
4- سب بابا النصارى الراحل ، لا توجد مصلحة شرعية فيه ، بل فيه مفسدة أرجح منها ، منها تنفير النصارى من الاسلام خاصة ممن يرجى اسلامهم ...
وكتبه
أبو عبد الله السكندرى
أرجو من الأخ الفاضل تبيان الحكم الشرعى لما يدور بالمنتدى من سب لبابا النصارى الراحل شنوده ؟! فهل يجوز سب الكافر المحارب لله و رسوله من امثال شنوده بعد موته ؟!
الجواب :
أولا : سب الكفار أو آلهتهم :
قال تعالى : ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ) [الأنعام : 108] .
يقول الامام ابن كثير رحمه الله في "تفسيره" (3/282- ط العلمية) : " يقول تعالى ناهيا لرسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين عن سب آلهة المشركين ، وإن كان فيه مصلحة ، إلا أنه يترتب عليه مفسدة أعظم منها ، وهي مقابلة المشركين بسب إله المؤمنين ، وهو الله لا إله إلا هو " .
ثم قال : " ومن هذا القبيل ، وهو ترك المصلحة لمفسدة أرجح منها ، ما جاء في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ملعون من سب والديه " قالوا : يا رسول الله وكيف يسب الرجل والديه؟ قال : " يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه " [ أخرجه مسلم في صحيحه ] أو كما قال صلى الله عليه وسلم . وقوله كذلك زينا لكل أمة عملهم أي وكما زينا لهؤلاء القوم حب أصنامهم ، والمحاماة لها والانتصار ، كذلك زينا لكل أمة من الأمم الخالية على الضلال عملهم الذي كانوا فيه ، ولله الحجة البالغة ، والحكمة التامة ، فيما يشاؤه ويختاره ثم إلى ربهم مرجعهم أي معادهم ومصيرهم فينبئهم بما كانوا يعملون أي يجازيهم بأعمالهم ، إن خيرا فخير وإن شرا فشر " .
لذا فأن سب بابا النصارى الراحل قد يلجأ بالنصارى الى سب الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم ، والتنفير من الاسلام خاصة ممن يرجى اسلامهم ، وفي ذلك مفسدة أرجح من أي مصلحة شرعية ، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح ..
ثانيا : سب الأموات :
قد ورد في السنة المطهرة النهي عن سب الأموات عامة ، سواء كانوا مسلمين أو غيرهم ، منها :
1- قال أحمد في "مسنده" (4/252) : حدثنا أبو نعيم ، حدثنا سفيان ، عن زياد ، قال : سمعت المغيرة بن شعبة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تسبوا الأموات ، فتؤذوا الأحياء " [ حديث صحيح لذاته ، وصححه ابن حبان ] .
2- وقال البخاري في "صحيحه" (1393) : حدثنا آدم ، حدثنا شعبة ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا " .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" ( 3/259- ط دار المعرفة ) : ( قوله : " أفضوا" : أي وصلوا إلى ما عملوا من خير أو شر ، واستدل به على منعسب الأمواتمطلقا ، وقد تقدم أن عمومه مخصوص ، وأصح ما قيل في ذلكأن أموات الكفار والفساق يجوز ذكر مساويهم للتحذير منهم والتنفير عنهم . وقد أجمع العلماء على جواز جرح المجروحين من الرواة أحياء وأمواتا ) .
وأما ما أخرجه مسلم في "صحيحه" (951) : وحدثنا يحيى بن أيوب ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، وزهير بن حرب ، وعلي بن حجر السعدي كلهم ، عن ابن علية ، واللفظ ليحيى ، قال : حدثنا ابن علية ، أخبرنا عبد العزيز بن صهيب ، عن أنس بن مالك ، قال : مر بجنازة فأثني عليها خيرا ، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم " وجبت وجبت وجبت " ، ومر بجنازة فأثني عليها شرا ، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : " وجبت وجبت وجبت " ، قال عمر : فدى لك أبي وأمي ، مر بجنازة فأثني عليها خير ، فقلت وجبت وجبت وجبت ، ومر بجنازة فأثني عليها شر ، فقلت : وجبت وجبت وجبت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ، ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار ، أنتم شهداء الله في الأرض ، أنتم شهداء الله في الأرض ، أنتم شهداء الله في الأرض " .
قال الإمام النووي رحمه الله في "شرحه لصحيح مسلم" (7 / 20 – ط احياء التراث) :" وقوله صلى الله عليه وسلم (وجبت وأنتم شهداء الله) ولو كان لا ينفعه ذلك إلا أن تكون أعماله تقتضيه لم يكن للثناء فائدة وقد أثبت النبي صلى الله عليه وسلم له فائدة فإن قيل كيف مكنوا بالثناء بالشر مع الحديث الصحيح في البخاري وغيره في النهي عن سب الأموات فالجواب أن النهي عن سب الأموات هو في غير المنافق وسائر الكفار وفي غير المتظاهر بفسق أو بدعة فأما هؤلاء فلا يحرم ذكرهم بشر للتحذير من طريقتهم ومن الاقتداء بآثارهم والتخلق بأخلاقهم وهذا الحديث محمول على أن الذي أثنوا عليه شرا كان مشهورا بنفاق أو نحوه مما ذكرنا هذا هو الصواب في الجواب عنه وفي الجمع بينه وبين النهي عن السب وقد بسطت معناه بدلائله في كتاب الأذكار " .
وقال المناوي رحمه الله في فيض القدير (1/115 – ط التجارية الكبرى) : " هذا الحديث وما بعده شامل للفاجر الميت ولا ينافيه النهي عن سب الأموات في الخبر الآتي لأن السب غير الذكر بالشر وبفرض عدم المغايرة فالجائز سب الأشرار والمنهي سب الأخيار ذكره الكرماني وغيره " .
فنستنتج من ذلك الآتي :
1- تحريم سب الأموات عامة ، سواء مسلمين أو غيرهم ، لأنهم قد أفضوا الى ما قدموا .
2- أن السب غير الذكر بالشر ، لذا فيجوز أن نثني على بابا النصارى الراحل شرا بذكر مساوئه للتحذير من طريقته ، ومن الاقتداء بآثاره ، والتخلق بأخلاقه ، وتنبيه المخدوعين فيه الى أفعاله وأعماله ، لأن السب يختلف عن ذكر المساوىء الموجودة في الميت .
3- يجب على المسلم أن يحذر أن يُسب الله عز وجل ، أو النبي صلى الله عليه وسلم ، أو الاسلام بسببه .
4- سب بابا النصارى الراحل ، لا توجد مصلحة شرعية فيه ، بل فيه مفسدة أرجح منها ، منها تنفير النصارى من الاسلام خاصة ممن يرجى اسلامهم ...
وكتبه
أبو عبد الله السكندرى