المشتاقة للجنة
2008-09-10, 05:29 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ومضى عليك من رمضان أسبوع وبدأ الأسبوع الثاني والمؤمنون المتقون الذين توجه خطاب الله لهم وكلام الله إياهم بالصيام والقيام والعمل الصالح، لابد أن يحاسبوا أنفسهم قبل أن تنفلت أيامهم، وقبل أن ينقضي هذا الشهر..
وقد وجدتَ سرعة انقضاء العمر في هذه الأيام إذ يوشك رمضان أن ينتهي بهذه السرعة، وأنت لابد أن تُسَائلي نفسك: هل ما زلت مصممة على تحقيق أسباب المغفرة والرحمة والعتق من النار؟
أو أنه قد انفرط عقدك وبأن لك كما يقال وبان لك الجواب من عنوانه، وأنك لم تستشعري المعاني التي يستشعرها المرء عندما يعلم أن الله تعالى قد فتح عليه، وأن الله يوشك أن يغفر له، وأن الله يوشك أن يقبله سبحانه وتعالى، فأنتي قد انقضى هذا الأسبوع، وينبغي عليك أن تقولي: هل ألفت القيام؟ هل ألفته؟ الذي قال فيه: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» رواه البخاري ألفت القيام، وتعودت عليه، وأحببت طوله، وكان سببًا لمحبتك لربك وإقبالك عليه، وطول مناجاتك له، وأنك لا تود أن تخرج من بين يديه سبحانه وتعالى؟ أم أنك مازلت تأتي متأخرًا، ولا تخشى قول النبي صلى الله عليه وسلم:«وَلا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللَّهُ» رواه الإمام مسلم في صحيحه (701) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعًا.
ومازلتي مستثقلة للقيام وطوله بين يدي الله تعالى تودي أن تخرجي منه، وتودي أن تنتهي منه سريعًا، وتودي لو أنك صليت في ثماني ركعات بأقصى سرعة ممكنة، ثم ترجعي إلى دنياك إلى أهلك وولدك، وإلى نومك وراحتك، وإلى قضاء شهواتك؟
هل ألفت القيام وأحببته فوجدت حلاوة الطاعة، وحلاوة الإقبال على الله، وحلاوة المناجاة فحرصت عليه أشد الحرص وأكملت له الآداب، ووقفت له الوقوف الطويل الذي ترجين به تخفيف الوقوف يوم القيامة، وترجين به نور الله تعالى في ظلمات القبر وظلمات الصراط؟
هل بادرت إليه فانقضى فحزنت على انقضاء ليلتك وأنك لم تقض منها وطرك من محبة الله تعالى، والإقبال عليه؟ أم أن قلبك كما هو لا يستشعر حلاوة الطاعة ولا الإقبال ولا المحبة، وأن ذلك لدليل الخروج من رمضان كما خرجت من غيره، ودليل أن القبول قد بعُد، وأن درجاته قد قلَّتْ، وأن فرصته التي نحن فيها الآن قد تضاءلت، وأصبح المرء يقول أمرنا إلى الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، أوشك رمضان أن ينتهي ولم يمتلئ القلب إيمانًا ومحبة وقربًا وخوفًا ورجاء ومهابة وذكرًا وطمأنينة وإقبالاً على الله تعالى، وأنه مهما كان فإنه لا يوازي أن يحصل ذلك؟
هل مازلت أيتها المسكينة المفرطة في المغفرة، المفرطة في الرحمة، المفرطة في العتق من النار -مازلت تبخلين على ذلك بالوقت والجهد، وبترك بعض الراحة وبترك الأهل والولد؟ وأن الراحة وعدم بذل الوقت والجهد، وأن السكينة والدعة والإخلاد إلى الأرض والدنيا ذلك هو المقدم عندك؟
يعني هل بذلت لهذه المغفرة بذلها، وضحيت لها تضحيتها المطلوبة أو شيئًا قريبًا منها، أو أنك مازلت زاهدًة في هذه المغفرة، وأنها لا تساوي عندك أن تواصلي الليل بالنهار، لا توازي عندك أن تقومي لها، وأن تصومي لها، وألا تضيع وقتًا من أوقاتك ولا نفسًا من أنفاسك إلا في تحصيل أسبابها؟
هل مازال الصيام ثقيلاً على قلبك تود أن تنتهي منه وتعد الساعات لتخرج من يومك، حتى إذا انتهى يومك أقبلت مرة أخرى على تلك الشهوات التي قد حرمت منها لتتحقق لك بها المغفرة؟
قد حرمت منها لتتحقق بها لك التقوى؟
في النهاية..هل أحببت الله تعالى وأقبلت عليه من كل قلبك أو لا؟
ظني أن هذه الأحوال السيئة مازالت هي المسيطرة على المرء، وأن التأخر عن القيام وعدم التأدب بآداب الصيام، وأن طول الفكر والذكر لله تعالى، والاستعداد للقائه والتهيؤ ليوم المغفرة ويوم الجائزة، بالأعمال الصالحة الأخرى، والاستعداد له ليس على ما ينبغي إن المرء في تحصيل الدنيا، إذاً فوجئ بالامتحانات أو بعمل شديد مشغول فيه إذا به ينسى نفسه وجهده ووقته، ويواصل ليله بنهاره، ويستخف التعب، ويستخف البذل والتضحية ليحصل شيئًا حقيرًا في الدنيا الزائلة.
جاءه موسم المغفرة فإذا به على هذا الحال السيئ من التكاسل، وكما ذكرنا في بداية القول قد بان الجواب من عنوانه، وأنه لم يستشعر إلا أن رمضان سينقضي كما انقضى غيره، وسيعود سيرته الأولى إلى أن يأتي يوم العيد فيرجع إلى أيامه من قبل، لا قرآن ولا قيام ولا فيها ما ينبغي أن يكون قد حصَّله من ذلك الشهر الكريم، أو أن الله تعالى قد وهبه فيه مغفرة ورحمة، فإن لأهل المغفرة وأهل الرحمة صفتهم التي تظهر عليهم.
يعجب المرء أشد العجب من أولئك المؤمنين الذين أتاهم هذا الموسم العظيم فلم يزدادوا به شيئًا لا إقبالاً ولا طاعة ولا محبة، بل ظهرت أحوالهم على حقيقتها من عدم الإقبال والمحبة، ومن عدم البذل والتضحية، ومن عدم الحمل على النفس والمجاهدة وبذل هذه المشقة التي يود بها المغفرة.
تراك بما قدمت في أسبوعك هذا تنتظري شيئًا من المغفرة التي وعد الله تعالى عباده؟ تراك لو مت على هذا الحال تراك تنتظر بياض صحيفتك وبياض وجهك، وثقل موازينك وأن تأتي ربك وأن تلاقيه بالشوق إليه، أو تلك الملاقاة التي يخاف أن يفضح بها أمام الله تعالى؟
يحزن المرء عندما يرى هذه الأحوال، ويود لنفسه وللمؤمنين أن تتغير أحوالهم، وأن يأخذوا أمر ربهم بجد وحزم، وأن يعلموا أنه لا وقت للهزل واللعب، وأن ذلك لا ينفع عند الله، وأن الله تعالى لا يقبل من عباده هذا التكاسل والتواني، وهو يقول: هلموا، يا باغي الخير أقبل، هلمُّوا إلى جنة عرضها السماوات والأرض، هلموا إلى مغفرة ربكم، هلموا إلى محبته، وإذا بهم زاهدون، وإذا بهم مقصرون، يقول: هلموا، فلا يهتمون ولا يأتون، هلموا فإذا بهم يجرون ويفضلون عليه سبحانه وتعالى هذه الزوائل التي سرعان ما تنقضي في هذه الحياة الدنيا.
المصدر
سلسلة ايقاظ أهل الإيمان لمغفرة رمضان _كتاب حال المؤمنين في رمضان _لفضيلة الشيخ محمد الدبيسي _صيد الفوائد
وتقبل صيامكم...وصلاتكم.. وقيامكم..ودعائكم.. وخالص اعمالكم
ومضى عليك من رمضان أسبوع وبدأ الأسبوع الثاني والمؤمنون المتقون الذين توجه خطاب الله لهم وكلام الله إياهم بالصيام والقيام والعمل الصالح، لابد أن يحاسبوا أنفسهم قبل أن تنفلت أيامهم، وقبل أن ينقضي هذا الشهر..
وقد وجدتَ سرعة انقضاء العمر في هذه الأيام إذ يوشك رمضان أن ينتهي بهذه السرعة، وأنت لابد أن تُسَائلي نفسك: هل ما زلت مصممة على تحقيق أسباب المغفرة والرحمة والعتق من النار؟
أو أنه قد انفرط عقدك وبأن لك كما يقال وبان لك الجواب من عنوانه، وأنك لم تستشعري المعاني التي يستشعرها المرء عندما يعلم أن الله تعالى قد فتح عليه، وأن الله يوشك أن يغفر له، وأن الله يوشك أن يقبله سبحانه وتعالى، فأنتي قد انقضى هذا الأسبوع، وينبغي عليك أن تقولي: هل ألفت القيام؟ هل ألفته؟ الذي قال فيه: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» رواه البخاري ألفت القيام، وتعودت عليه، وأحببت طوله، وكان سببًا لمحبتك لربك وإقبالك عليه، وطول مناجاتك له، وأنك لا تود أن تخرج من بين يديه سبحانه وتعالى؟ أم أنك مازلت تأتي متأخرًا، ولا تخشى قول النبي صلى الله عليه وسلم:«وَلا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللَّهُ» رواه الإمام مسلم في صحيحه (701) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعًا.
ومازلتي مستثقلة للقيام وطوله بين يدي الله تعالى تودي أن تخرجي منه، وتودي أن تنتهي منه سريعًا، وتودي لو أنك صليت في ثماني ركعات بأقصى سرعة ممكنة، ثم ترجعي إلى دنياك إلى أهلك وولدك، وإلى نومك وراحتك، وإلى قضاء شهواتك؟
هل ألفت القيام وأحببته فوجدت حلاوة الطاعة، وحلاوة الإقبال على الله، وحلاوة المناجاة فحرصت عليه أشد الحرص وأكملت له الآداب، ووقفت له الوقوف الطويل الذي ترجين به تخفيف الوقوف يوم القيامة، وترجين به نور الله تعالى في ظلمات القبر وظلمات الصراط؟
هل بادرت إليه فانقضى فحزنت على انقضاء ليلتك وأنك لم تقض منها وطرك من محبة الله تعالى، والإقبال عليه؟ أم أن قلبك كما هو لا يستشعر حلاوة الطاعة ولا الإقبال ولا المحبة، وأن ذلك لدليل الخروج من رمضان كما خرجت من غيره، ودليل أن القبول قد بعُد، وأن درجاته قد قلَّتْ، وأن فرصته التي نحن فيها الآن قد تضاءلت، وأصبح المرء يقول أمرنا إلى الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، أوشك رمضان أن ينتهي ولم يمتلئ القلب إيمانًا ومحبة وقربًا وخوفًا ورجاء ومهابة وذكرًا وطمأنينة وإقبالاً على الله تعالى، وأنه مهما كان فإنه لا يوازي أن يحصل ذلك؟
هل مازلت أيتها المسكينة المفرطة في المغفرة، المفرطة في الرحمة، المفرطة في العتق من النار -مازلت تبخلين على ذلك بالوقت والجهد، وبترك بعض الراحة وبترك الأهل والولد؟ وأن الراحة وعدم بذل الوقت والجهد، وأن السكينة والدعة والإخلاد إلى الأرض والدنيا ذلك هو المقدم عندك؟
يعني هل بذلت لهذه المغفرة بذلها، وضحيت لها تضحيتها المطلوبة أو شيئًا قريبًا منها، أو أنك مازلت زاهدًة في هذه المغفرة، وأنها لا تساوي عندك أن تواصلي الليل بالنهار، لا توازي عندك أن تقومي لها، وأن تصومي لها، وألا تضيع وقتًا من أوقاتك ولا نفسًا من أنفاسك إلا في تحصيل أسبابها؟
هل مازال الصيام ثقيلاً على قلبك تود أن تنتهي منه وتعد الساعات لتخرج من يومك، حتى إذا انتهى يومك أقبلت مرة أخرى على تلك الشهوات التي قد حرمت منها لتتحقق لك بها المغفرة؟
قد حرمت منها لتتحقق بها لك التقوى؟
في النهاية..هل أحببت الله تعالى وأقبلت عليه من كل قلبك أو لا؟
ظني أن هذه الأحوال السيئة مازالت هي المسيطرة على المرء، وأن التأخر عن القيام وعدم التأدب بآداب الصيام، وأن طول الفكر والذكر لله تعالى، والاستعداد للقائه والتهيؤ ليوم المغفرة ويوم الجائزة، بالأعمال الصالحة الأخرى، والاستعداد له ليس على ما ينبغي إن المرء في تحصيل الدنيا، إذاً فوجئ بالامتحانات أو بعمل شديد مشغول فيه إذا به ينسى نفسه وجهده ووقته، ويواصل ليله بنهاره، ويستخف التعب، ويستخف البذل والتضحية ليحصل شيئًا حقيرًا في الدنيا الزائلة.
جاءه موسم المغفرة فإذا به على هذا الحال السيئ من التكاسل، وكما ذكرنا في بداية القول قد بان الجواب من عنوانه، وأنه لم يستشعر إلا أن رمضان سينقضي كما انقضى غيره، وسيعود سيرته الأولى إلى أن يأتي يوم العيد فيرجع إلى أيامه من قبل، لا قرآن ولا قيام ولا فيها ما ينبغي أن يكون قد حصَّله من ذلك الشهر الكريم، أو أن الله تعالى قد وهبه فيه مغفرة ورحمة، فإن لأهل المغفرة وأهل الرحمة صفتهم التي تظهر عليهم.
يعجب المرء أشد العجب من أولئك المؤمنين الذين أتاهم هذا الموسم العظيم فلم يزدادوا به شيئًا لا إقبالاً ولا طاعة ولا محبة، بل ظهرت أحوالهم على حقيقتها من عدم الإقبال والمحبة، ومن عدم البذل والتضحية، ومن عدم الحمل على النفس والمجاهدة وبذل هذه المشقة التي يود بها المغفرة.
تراك بما قدمت في أسبوعك هذا تنتظري شيئًا من المغفرة التي وعد الله تعالى عباده؟ تراك لو مت على هذا الحال تراك تنتظر بياض صحيفتك وبياض وجهك، وثقل موازينك وأن تأتي ربك وأن تلاقيه بالشوق إليه، أو تلك الملاقاة التي يخاف أن يفضح بها أمام الله تعالى؟
يحزن المرء عندما يرى هذه الأحوال، ويود لنفسه وللمؤمنين أن تتغير أحوالهم، وأن يأخذوا أمر ربهم بجد وحزم، وأن يعلموا أنه لا وقت للهزل واللعب، وأن ذلك لا ينفع عند الله، وأن الله تعالى لا يقبل من عباده هذا التكاسل والتواني، وهو يقول: هلموا، يا باغي الخير أقبل، هلمُّوا إلى جنة عرضها السماوات والأرض، هلموا إلى مغفرة ربكم، هلموا إلى محبته، وإذا بهم زاهدون، وإذا بهم مقصرون، يقول: هلموا، فلا يهتمون ولا يأتون، هلموا فإذا بهم يجرون ويفضلون عليه سبحانه وتعالى هذه الزوائل التي سرعان ما تنقضي في هذه الحياة الدنيا.
المصدر
سلسلة ايقاظ أهل الإيمان لمغفرة رمضان _كتاب حال المؤمنين في رمضان _لفضيلة الشيخ محمد الدبيسي _صيد الفوائد
وتقبل صيامكم...وصلاتكم.. وقيامكم..ودعائكم.. وخالص اعمالكم