أبو عبدالله الحربي
2012-06-08, 11:26 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد حمداً لا ينفد، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
بعد جهاد ودعوة تميزت بالوضوح والشمول والصدع بالحق قام بها الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب وأبناؤه وطلابه وثلة من المؤمنين، قام صرح التوحيد في جزيرة العرب وانتشرت بركات تلك الدعوة في الآفاق.
لقد تميزت تلك الدعوة بمميزات كثيرة في جوانب شتى، ومما تميزت به: الدعوة إلى فهم الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح، والتجرد للحق، ونبذ التقليد والتعصب.
وكما حرصوا على ترسيخ هذا المنهج السديد في نفوس المسلمين من جهة التدريس والتنظير فإنهم لم يُغفلوا جانب العمل الذي يصدق الأقوال ويجعلها واقعاً ملموساً.
فأمّا من حيث التدريس والتنظير فما زالت تلك الدعوة مستمرّة يتبنّاها كمٌّ غفير من العلماء وطلبة العلم وإن تعددت مدارسهم ومسمياتهم إلا أننا نجد السمة البارزة هي الحرص على فهم الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة.
هذا كما قلت من حيث التدريس والتنظير، أما ما يتعلق بجانب العمل والتطبيق وإنزال الأحكام على الواقع فإننا نجد بونا شاسعاً وفرقاً كبيراً بين ذلك العصر وعصرنا الحاضر، وهنا مفترق الطرق ومربط الفرس.
ولا تتعجب أخي الكريم حين ترى شباب الأمة قد تفرقوا إلى أحزاب كل فئة تميل إلى علمائها وتنصره وتدافع عن آرائه وتتهم من خالف بل ربما تخرجه من منهج أهل السنة والجماعة.
إن مما أوقع شباب الأمة في الحيرة هو ما يرونه من تباين وتنافر بين ما يدرسونه وبين ما يُطبّق في الواقع.
وبما أنّ الشريعة جاءت باحترام وتعظيم العلماء وتقديرهم فإنّ كثيرا من الناس قد غلوا في هذا الجانب فأعطوا علماءهم فوق ما يستحقون ووضعوهم في منزلة هي أرفع مما هم أهل له، وهذه هي الآفة التي دخل الشيطان من خلالها ليوقع الناس في التقليد والتعصب لآراء العلماء والمشايخ.
فكما وقعت الأمة فيما سبق في التقليد بسبب تعظيمهم للأئمة والعلماء، ها هي الصورة اليوم تتكرر مع تغير الأشخاص.
ولقد استخدم كثير من المشايخ وطلبة العلم أسلوب الإرهاب الفكري لكي يحصروا الشباب على منهجهم ويمنعوهم من السماع أو الحضور للمخالف.
مما جعل الشباب يتقوقعون على شيخ أو شيخين وينحصرون في بعض الكتب ويغلقون أعينهم عن الواقع، ولا يكلفون أنفسهم بالبحث والتفكر وكأن الحق كله جمع فوضع في مشايخهم.
وبالتالي فإن الشباب خوفاً منهم أن يجانبوا منهج السلف أو يخرجوا عنه تراهم يقتصرون على مشايخهم ويستفتونهم في كل شيء.
مثلاً نجد كثير من المشايخ وطلبة العلم يعظمون الشيخ الألباني أو ابن باز أو ابن عثيمين رحمهم الله أو ربيع المدخلي أو علي الحلبي أو المغراوي أو هيئة كبار العلماء أو غيرهم فلا يكاد يخرج عن قولهم، وكثير منهم عندما يناقَش لا يرى للدليل وزناً إن خالف قول مشايخه، بل كثير منهم لا يتحرج من رد الدليل وتأويله ولكنه يتحرج أشد الحرج من تخطئة شيخه.
وإذا قلتَ له إن الألباني أو ابن باز أخطأ في المسألة الفلانية، أو جانب الصواب في كذا، فتراهم يرمونك بقلة الأدب وعدم توقير العلماء.
وهذا واقع جربته مع بعض طلبة العلم وبعض المشايخ في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت واقعاً مرّاً أليما.
كنت أناقش طالب علم في مسألة مظاهرة الكفار على المسلمين وأسرد عليه الأدلة وهو يرد تلك الأدلة ويؤولها دون تحرج حتى ذكرت له فتوى الشيخ ابن باز فسكت ولم يحر جواباً فتعجبتُ من جرأته على تأويل الأدلة ودفعها وإذعانه لقول ابن باز رحمه الله.
هل هذا هو التجرد للدليل؟!
وناقش أحد طلبة العلم شيخاً معروفا من مشايخ السلفية يدرس في المسجد النبوي فلما سرد عليه الطالب الأدلة ولم يستطع الرد عليها، قال الشيخ: هل أنت أعلم من ابن باز وابن عثيمين؟
وكنت مرّة أناقش طالب علم في بعض نواقض الإسلام التي وقع فيها بعض الحكام فقال لي: أنا لا أحكم عليهم حتى يحكم عليهم الشيخ فلان والشيخ فلان، فقلت له: ولو ارتكبوا نواقض الإسلام العشرة؟ فقال:ولو ارتكبوا النواقض العشرة لا أحكم عليهم حتى يحكم عليهم فلان وفلان. فقلت له: لماذا تتعب نفسك في طلب العلم وحفظ الأدلة إذا كنت لا تعتبر الدليل ولا تحكم بمقتضاه حتى يحكم به فلان وفلان؟ فهلا جلست في بيتك وإذا جاءتك المسألة أخذت بقول فلان وفلان.
هذا هو واقع كثير من طلبة العلم وللأسف وقعوا في التقليد من حيث لا يشعرون ثقلت عليهم أدلة الكتاب والسنة الواضحة فاستعاضوا عنها بأقوال وآراء الرجال.
فيا طلبة العلم ويا شباب الأمة، أعطوا لأنفسكم مجالاً للتفكر والتدبّر، قفوا مع أنفسكم وقفة محاسبة، انظروا إلى واقعكم نظرة متفحصة بعيدة عن القيود والتهم الملفقة، ابحثوا عن الحق من مصادره، انظروا إلى من خالفكم بعين الإنصاف واسمعوا ما لديهم وأعرضوه على الكتاب والسنة وما فهمه سلف الأمة، فما وافق الحق فاقبلوه وإن خالف ما عليه مشايخكم، وما خالف الحق فردوه وإن قال به علماؤكم، فطالب العلم طالب حق ضالته الحكمة أينما وجدها أخذ بها، وليس أحدٌ من الناس يجب قبول جميع قوله إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما عداه فيؤخذ من قوله ويرد.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الحمد حمداً لا ينفد، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
بعد جهاد ودعوة تميزت بالوضوح والشمول والصدع بالحق قام بها الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب وأبناؤه وطلابه وثلة من المؤمنين، قام صرح التوحيد في جزيرة العرب وانتشرت بركات تلك الدعوة في الآفاق.
لقد تميزت تلك الدعوة بمميزات كثيرة في جوانب شتى، ومما تميزت به: الدعوة إلى فهم الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح، والتجرد للحق، ونبذ التقليد والتعصب.
وكما حرصوا على ترسيخ هذا المنهج السديد في نفوس المسلمين من جهة التدريس والتنظير فإنهم لم يُغفلوا جانب العمل الذي يصدق الأقوال ويجعلها واقعاً ملموساً.
فأمّا من حيث التدريس والتنظير فما زالت تلك الدعوة مستمرّة يتبنّاها كمٌّ غفير من العلماء وطلبة العلم وإن تعددت مدارسهم ومسمياتهم إلا أننا نجد السمة البارزة هي الحرص على فهم الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة.
هذا كما قلت من حيث التدريس والتنظير، أما ما يتعلق بجانب العمل والتطبيق وإنزال الأحكام على الواقع فإننا نجد بونا شاسعاً وفرقاً كبيراً بين ذلك العصر وعصرنا الحاضر، وهنا مفترق الطرق ومربط الفرس.
ولا تتعجب أخي الكريم حين ترى شباب الأمة قد تفرقوا إلى أحزاب كل فئة تميل إلى علمائها وتنصره وتدافع عن آرائه وتتهم من خالف بل ربما تخرجه من منهج أهل السنة والجماعة.
إن مما أوقع شباب الأمة في الحيرة هو ما يرونه من تباين وتنافر بين ما يدرسونه وبين ما يُطبّق في الواقع.
وبما أنّ الشريعة جاءت باحترام وتعظيم العلماء وتقديرهم فإنّ كثيرا من الناس قد غلوا في هذا الجانب فأعطوا علماءهم فوق ما يستحقون ووضعوهم في منزلة هي أرفع مما هم أهل له، وهذه هي الآفة التي دخل الشيطان من خلالها ليوقع الناس في التقليد والتعصب لآراء العلماء والمشايخ.
فكما وقعت الأمة فيما سبق في التقليد بسبب تعظيمهم للأئمة والعلماء، ها هي الصورة اليوم تتكرر مع تغير الأشخاص.
ولقد استخدم كثير من المشايخ وطلبة العلم أسلوب الإرهاب الفكري لكي يحصروا الشباب على منهجهم ويمنعوهم من السماع أو الحضور للمخالف.
مما جعل الشباب يتقوقعون على شيخ أو شيخين وينحصرون في بعض الكتب ويغلقون أعينهم عن الواقع، ولا يكلفون أنفسهم بالبحث والتفكر وكأن الحق كله جمع فوضع في مشايخهم.
وبالتالي فإن الشباب خوفاً منهم أن يجانبوا منهج السلف أو يخرجوا عنه تراهم يقتصرون على مشايخهم ويستفتونهم في كل شيء.
مثلاً نجد كثير من المشايخ وطلبة العلم يعظمون الشيخ الألباني أو ابن باز أو ابن عثيمين رحمهم الله أو ربيع المدخلي أو علي الحلبي أو المغراوي أو هيئة كبار العلماء أو غيرهم فلا يكاد يخرج عن قولهم، وكثير منهم عندما يناقَش لا يرى للدليل وزناً إن خالف قول مشايخه، بل كثير منهم لا يتحرج من رد الدليل وتأويله ولكنه يتحرج أشد الحرج من تخطئة شيخه.
وإذا قلتَ له إن الألباني أو ابن باز أخطأ في المسألة الفلانية، أو جانب الصواب في كذا، فتراهم يرمونك بقلة الأدب وعدم توقير العلماء.
وهذا واقع جربته مع بعض طلبة العلم وبعض المشايخ في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت واقعاً مرّاً أليما.
كنت أناقش طالب علم في مسألة مظاهرة الكفار على المسلمين وأسرد عليه الأدلة وهو يرد تلك الأدلة ويؤولها دون تحرج حتى ذكرت له فتوى الشيخ ابن باز فسكت ولم يحر جواباً فتعجبتُ من جرأته على تأويل الأدلة ودفعها وإذعانه لقول ابن باز رحمه الله.
هل هذا هو التجرد للدليل؟!
وناقش أحد طلبة العلم شيخاً معروفا من مشايخ السلفية يدرس في المسجد النبوي فلما سرد عليه الطالب الأدلة ولم يستطع الرد عليها، قال الشيخ: هل أنت أعلم من ابن باز وابن عثيمين؟
وكنت مرّة أناقش طالب علم في بعض نواقض الإسلام التي وقع فيها بعض الحكام فقال لي: أنا لا أحكم عليهم حتى يحكم عليهم الشيخ فلان والشيخ فلان، فقلت له: ولو ارتكبوا نواقض الإسلام العشرة؟ فقال:ولو ارتكبوا النواقض العشرة لا أحكم عليهم حتى يحكم عليهم فلان وفلان. فقلت له: لماذا تتعب نفسك في طلب العلم وحفظ الأدلة إذا كنت لا تعتبر الدليل ولا تحكم بمقتضاه حتى يحكم به فلان وفلان؟ فهلا جلست في بيتك وإذا جاءتك المسألة أخذت بقول فلان وفلان.
هذا هو واقع كثير من طلبة العلم وللأسف وقعوا في التقليد من حيث لا يشعرون ثقلت عليهم أدلة الكتاب والسنة الواضحة فاستعاضوا عنها بأقوال وآراء الرجال.
فيا طلبة العلم ويا شباب الأمة، أعطوا لأنفسكم مجالاً للتفكر والتدبّر، قفوا مع أنفسكم وقفة محاسبة، انظروا إلى واقعكم نظرة متفحصة بعيدة عن القيود والتهم الملفقة، ابحثوا عن الحق من مصادره، انظروا إلى من خالفكم بعين الإنصاف واسمعوا ما لديهم وأعرضوه على الكتاب والسنة وما فهمه سلف الأمة، فما وافق الحق فاقبلوه وإن خالف ما عليه مشايخكم، وما خالف الحق فردوه وإن قال به علماؤكم، فطالب العلم طالب حق ضالته الحكمة أينما وجدها أخذ بها، وليس أحدٌ من الناس يجب قبول جميع قوله إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما عداه فيؤخذ من قوله ويرد.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.