أبوعبدالرحمن الأثري
2008-10-08, 05:43 AM
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد ..
فهذا الموضوع لبيان حكم صور ذوات الأرواح والصور الفوتوغرافية التي أراها قد انتشرت على صفحات المنتدى ..
لذا أردت أن أنقل هذا المبحث النفيس من كتاب
"صناعة الصورة باليد
مع بيان أحكام التصوير الفوتوغرافي "
تأليف
أ.د. عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار
الأستاذ بجامعة القصيم
"أقوال العلماء في صور ذوات الأرواح :
أولاً: رأي اللجنة الدائمة للإفتاء (في المملكة العربية السعودية).
سئلت اللجنة الدائمة عن حكم الإسلام في التصوير؟ فأجابت: الأصل في تصوير كل ما فيه روح من الإنسان، وسائر الحيوانات أنه حرام سواء أكانت مجسمة أم رسوماً على ورقة، أم قماش، أم جدران، أم كانت صورة شمسية لما ثبت في الأحاديث الصحيحة من النهي عن ذلك، وتوعد فاعله بالعذاب الأليم ولأنها عهد جنسها أنه ذريعة إلى الشرك بالله بالمثول أمامها، والخضوع لها، والتقرب إليها، وإعظامها إعظاماً لا يليق إلا بالله –تعالى-، ولما فيها من مضاهاة خلق الله، ولما في بعضها من الفتن كصور الممثلات والنساء العاريات، ومن يسمَّين ملكات الجمال وأشباه ذلك.
ومن الأحاديث التي وردت في تحريمها ودلت على أنها من الكبائر حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن الرسول الله -r- قال: {إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم}(). رواه البخاري ،ومسلم.
وحديث عبد الله بن مسعود -t- قال: سمعت رسول الله –r- يقول {إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون}() رواه البخاري، ومسلم . وحديث أبي هريرة -t- قال سمعت رسول الله -r- يقول قال الله –تعالى- {ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا ذرة أو يخلقوا شعيرة}() رواه البخاري ومسلم . وحديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: قدم رسول الله -r- من سفر وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل، فلما رآه رسول الله -r- تلون وجهه، وقال: {يا عائشة أشد الناس عذاباً عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله}، فقطعناها فجعلنا منه وسادة، أو وسادتين. رواه البخاري ومسلم.
(القرام : الستر. والسهوة : الطاقة النافذة في الحائط)
وحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: سمعنا رسول الله -r- يقول: {من صور صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة وليس بنافخ}() رواه البخاري ومسلم، وحديثه أيضاً عن النبي -r- أنه قال: {كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفساً تعذبه في جهنم}، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: (فإن كنت لا بد فاعلاً فاصنع الشجر، وما لا نفس له) رواه البخاري ومسلم، فدل عموم هذه الأحاديث على تحريم تصوير كل ما فيه روح مطلقاً، أما ما لا روح فيه من الشجر، والبحار، والجبال، ونحوها فيجوز تصويرها كما ذكره ابن عباس -رضي الله عنهما-، ولم يعرف عن الصحابة من أنكره عليه، ولما فهم من قوله في أحاديث الوعيد (أحيوا ما خلقتم) وقوله فيها "كلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ".
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء().
وسئلت اللجنة أيضاً: هل رسم ذوات الأرواح جائز إذا كانت على شرشف، أو صحن، أو سجاد، أو ما شابه ذلك من الأشياء؟ فأجابت اللجنة: الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد:
فيحرم تصوير ذوات الأرواح سواء أكان على شرشف أم صحن أم سجاد أم غير ذلك، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء().
وسئلت اللجنة أيضاً:كنا قد بدأنا مشروع مجلة للأطفال المسلمين باسم " أروى " نرفق لكم نسخة منها وجاء من نثق به وبدينه يعترض علينا من جهة رسوم الأشخاص، علماً بأننا تحاشينا في عملنا رسم الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- والصحابة -رضوان الله عليهم-. ومع هذا جئنا بخطابنا هذا نستفتيكم بشرعية ما أقدمنا عليه راجين الرد السريع على رسالتنا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد فتصوير ذوات الأرواح مطلقاً حرام، ولو كانت صور غير الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- وغير صور الصحابة -رضي الله عنهم- وليس اتخاذها وسيلة للتشويق والإيضاح مبرراً للترخيص فيها.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.()
وسئلت أيضاً: عن حكم الصيني الموجود عليه تصوير مع العلم أنه يترك ولا يستخدم إلا للضرورة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وبعد..
فالأصل التحريم في تصوير ذوات الأرواح للأدلة الواردة في ذلك لكن إذا كانت الصورة مهانة أو مقطعة جاز استعمال ما رسمت عليه كالبساط، ونحوه. وباَلله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ().
وسئلت أيضاً: عن حكم الرسم على السبورة رسوماً تخطيطية في عملية التعليم مع العلم أن الرسم عبارة عن أشكال حيوانات، ونباتات وحشرات في مادة التاريخ الطبيعي (الأحياء) وقد تكون هذه الرسوم مهمة في مادة التعليم.
فأجابت اللجنة قائلة:
ما كان من ذلك صوراً لذوات الأرواح كالحشرات وسائر الأحياء فلا يجوز ولو كان رسماً على السبورة، والأوراق، ولو كان القصد منه المساعدة على التعليم، لعدم الضرورة إليها لعموم الأدلة وما لم يكن من الأرواح جاز رسمه للتعليم وغيره ().
وسئلت أيضاً: ما موقف المسلم من الصور التوضيحية التي في الكتب الدراسية، والكتب العلمية والمجلات الإسلامية النافعة، مع أنه لا بد من وجود هذه الصور للتوضيح وتقريب الفهم؟ فأجابت: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وبعد..
فتصوير ذوات الأرواح حرام مطلقاً لعموم الأحاديث التي وردت في ذلك، وليست ضرورية للتوضيح في الدراسة، بل هي من الأمور الكمالية لزيادة الإيضاح، وهناك غيرها من وسائل الإيضاح يمكن الاستغناء بها عن الصور في تفهيم الطلاب والقراء، وقد مضى على الناس قرون وهم في غنى عنها في التعليم والإيضاح، وصاروا مع ذلك أقوى منا علماً وأكثر تحصيلاً، وما ضرهم ترك الصور في دراستهم ولا نقص من فهمهم لما أرادوا ولا من وقتهم وفلسفتهم في إدراك العلوم وتحصيلها، وعلى هذا لا يجوز لنا أن نرتكب ما حرم الله من التصوير لظننا أنه ضرورة وليس بضرورة لشهادة الواقع بالاستغناء عنه قروناً طويلة ().
ثانياً: قول سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-:
سُئل عن الرسم فقال:
«الرسم له معنيان أحدهما رسم الصور ذوات الأرواح وهذا جاءت السنة بتحريمه، فلا يجوز الرسم الذي هو رسم ذوات الأرواح، لقول النبي -r- في الحديث الصحيح: {كل مصور في النار}، وقوله -r- { أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون الذين يضاهون بخلق الله} ولقوله -r- {إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم} ولأنه -r- لعن آكل الربا وموكله ولعن المصور، فدل ذلك على تحريم التصوير، وفسر العلماء ذلك بأنه تصوير ذوات الأرواح من الدواب، والإنسان، والطيور. أما رسم ما لا روح له وهو المعنى الثاني، فهذا لا حرج فيه، كرسم الجبل ،والشجر، والطائرة، والسيارة، وأشباه ذلك لا حرج فيه عند أهل العلم، ويستثنى من الرسم المحرم ما تدعو الضرورة إليه، كرسم صور المجرمين حتى يعرفوا ويمسكوا، أو الصورة في حفيظة النفوس التي لا بد منها ولا يستطيع الحصول عليها إلا بذلك،
ثالثاً: قول شيخنا محمد الصالح العثيمين -رحمه الله-:
سئل شيخنا محمد الصالح العثيمين -رحمه الله- سؤالاً جاء فيه: ما معنى جملة (إلا رقماً في ثوب) التي وردت في الحديث هل تدل على حل الصور التي في الثوب:
فأجاب -رحمه الله-: «إن رأينا في الحديث (إلا رقماً في ثوب) من النصوص المتشابهة، والقاعدة السليمة: يردُّ إلى المحكم، ولقوله تعالى: ﴿منه آيات محكمات هن أم الكتب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنه وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا﴾ [آل عمران : 7].ويردُّ المتشابه إلى المحكم ولا يبقى فيه إشكال؟ فهذا الحديث (إلا رقماً في ثوب)، يحتمل أنه عام، رقماً: يشمل صورة الحيوان، وصورة الأشجار، وغير ذلك، فإنه محتمل لهذا، فإنه يحمل على النصوص المحكمة التي تبين أن المراد برقم الثوب ما ليس بصورة حيوان، أو إنسان حتى تبقى النصوص متفقة.
ونحن لا نرى ذلك والتفصيل فيما له ظل، وما ليس له ظل، لأن حديث علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في صحيح مسلم أنه قال – {يا أبا الهياج ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله -r- ألا تدع قبراً مشرفاً إلا سويته ولا صورة إلا طمستها}()
وسئل أيضاً رحمه الله سؤالاً جاء فيه:
فضيلة الشيخ / يطلب من الطالب في بعض المدارس أن يرسم صورة لذات روح، أو يعطى مثلاً بعض دجاجة، ويقال : أكمل الباقي، وأحياناً يطلب منه أن يقص الصورة ويلزقها على الورق، أو صورة يطلب منه تلوينها فما رأيكم في هذا؟
فأجاب رحمه الله: «الذي أرى في هذا أنه حرام يجب منعه، وأن المسؤولين عن التعليم يلزمهم أداء الأمانة في هذا الباب، ومنع هذه الأشياء، وإذا كانوا يريدون أن يثبتوا ذكاء الطالب بإمكانهم أن يقولوا: اصنع صورة سيارة، أو شجرة، أو ما أشبه ذلك مما يحيط به علمه، ويحصل بذلك على مدى ذكائه وفطنته وتطبيقه للأمور وهذا مما ابتلي به الناس بوساطة الشيطان، وإلا فلا فرق بلا شك في إجادة الرسم والتخطيط بين أن يخطط الإنسان صورة شجرة، أو سيارة ... إلى أن قال والذي أرى أنه يجب على المسؤولين منع هذه الأشياء».
التصوير الفوتوغرافي
توطئة:
إن مما تميزت به شريعتنا الغراء أنها صالحة لكل زمان ومكان فليس هناك نازلة في عصر من العصور إلا ولشريعتنا الإسلامية فيه حكم من عصر النبوة إلى هذه العصور المتأخرة زمناً المتقدمة تكنولوجياً وتفنياً وعلمياً، وهذا دليل على شمولية هذه الشريعة وصلاحيتها لكل زمان ومكان.
ولما كان التصوير الفوتوغرافي نوعاً من الاكتشافات الحديثة التي لم تكن موجودة ولا معروفة في عهد رسول الله r ولا في زمن الصحابة الأبرار y ولا في عهد ازدهار المدارس الفقهية وإنما اكتشف مؤخراً، ومن هنا فلا يمكن الحصول على رأي العلماء السابقين من أئمة الهدى والدين في هذه العصور المتقدمة نظراً لعدم وجوده في تلك الحقبة والمراحل الزمنية. ومن هنا نشأ الخلاف في حكم هذا النوع من التصوير.
ولما كان هذا النوع من التصوير من أكثر أنواع التصوير انتشاراً واستعمالاً في كثير من المجالات وخصوصاً في هذا العصر كان ولا بد من وقفة معه نبين فيه ما يأتي:
تعريفه.
نشأته ونشأة الخلاف فيه
حكمه ويتناول الآتي:
1. من قال بجوازه
2. من قال بعدم الجواز
3. الراجح عندي من القولين
فتوى الشيخ محمد بن عثيمين –رحمه الله- فيه مع بيان وجه الخطأ في فهمها
التصوير الفوتوغرافي
تعريفـــه:
كلمة التصوير قد سبق الكلام عليها في المبحث الأول. أما كلمة (فوتوغرافي) فهذه الكلمة ليست بعربية لكنها مشتقة من اليونانية ترجمتها (ضوء وأنا أرسم).
ومن هنا يكون التعريف العربي لهذه الكلمة "التصوير الشمسي" أو "التصوير الضوئي"
نشـأته :
ذكرنا آنفاً أن هذا النوع من التصوير لم يكن موجوداً ولا معروفاً من قبل وإنما اكتشف في هذه العصور المتأخرة، فقد قيل بأنه اكتشف في عام (1839 م) على يد رجل انجليزي، ذكر ذلك عدد من الباحثين ممن كتب في هذا المجال.
نشأة الخلاف فيه:
لما كان هذا النوع من التصوير نشأ في هذه العصور المتأخرة وكما ذكرنا في التوطئة نشأ الخلاف بين العلماء، فمنهم من قال بجوازه ومنهم من قال بتحريمه.
فالذين قالوا بالجواز قالوا بأن الآلة التي تسمى (الكاميرا) هي التي تلتقط الصورة التي توجه إليها عن طريق نقل الأضواء الظلال الواقعة على الجسم وطبعها على ألواح بلاستيك شفافة (الشريط) ثم يعاد طبع الصورة على ورق عن طريق تمرير ضوء من خلال هذا اللوح أو الشريط البلاستيكي.
ومن هنا قالوا بأن هذه الصورة ليست صورة فنية يراد بها إثبات مقدرة الفنان أو الرسام أو المصور. وإنما القدرة هنا قدرة الآلة الممثلة في العدسات التي يمر خلالها الظلال والأضواء. فكانت الآلة هنا هي القائمة بالتصوير، ولا يمكن أن يقال بأن الذي اخترع هذه الصورة أو ابتدعها هو الإنسان، ومن هنا أجازها بعض العلماء كما سنذكره إن شاء الله.
لكن الأمر لم ينته بعد ببيان ما استدل به من قال بالجواز بل جاء بعض أهل العلم فجعلوه من جملة التصوير الذي جاءت الشريعة بالنهي عنه فهو لا يعدو عن كونه نوعاً من أنواع التصوير الممنوع، ولذلك فإنه يسمى تصويراً لغة وشرعاً وعرفاً، ومن هنا نشأ الخلاف بين العلماء في القول بالجواز والتحريم .
من قال بالتحريم:
ذهب إلى القول بالتحريم سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- وكذا سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله- وفضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان والعلامة الألباني -رحمه الله-، وبالتحريم أيضاً أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية وغيرهم كثير من أهل العلم المعاصرين.
وقد استدل هؤلاء بأدلة منها:
أولاً: أنه لا يخرج هذا النوع من التصوير عن كونه نوعاً آخر منه، فهو وإن كانت طريقة التصوير مختلفة فإنه لا يخرج عن كونه تصويراً شرعاً وعرفاً.
قال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم –رحمه الله-: وقد زعم بعض مجيزي التصوير الشمسي أنه نظير ظهور الوجه في المرآة ونحوها من الصقيلات وهذا فاسد فإن ظهور الوجه ونحوها شيء غير مستقر، وإنما يرى بقاء المقابلة، فإذا فقدت المقابلة فُقِدَ ظهور الصورة في المرآة ونحوها، بخلاف الصورة الشمسية فإنها باقية في الأوراق ونحوها مستقرة، فإلحاقها بالصورة المنقوشة باليد أظهر وأوضح وأصح من إلحاقها بظهور الصورة في المرآة ونحوها ... إلى أن قال رحمه الله: ومصور الصورة الشمسية مصور لغة وشرعاً وعقلاً ().
وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ما نصه:
التصوير الفوتوغرافي الشمسي من أنواع التصوير المحرم فهو والتصوير عن طريق النسيج والصبغ بالألوان والصور المجسمة سواء في الحكم، والاختلاف في وسيلة التصوير وآلته لا يقتضي اختلافاً في الحكم، وكذا لا أثر للاختلاف فيما يبذل من جهد في التصوير صعوبة وسهولة في الحكم أيضاً وإنما المعتبر الصورة فهي محرمة وإن اختلفت وسيلتها وما بذل فيها من جهد ().
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز-رحمه الله-:
واختلف علماء العصر في التصوير الشمسي، هذا النوع الذي يكون بواسطة الكاميرا فبعضهم قال: إنه ليس بتصوير وإنما هو إمساك الظل وتسامح في ذلك، والبعض من أهل العلم وهم أهل البصيرة والتحقيق على أنه تصوير وأنه لا يجوز وأن حكمه حكم التصوير باليد الفني المعروف، فهذا التصوير لا يجوز لذوات الأرواح إلا لحاجة أو ضرورة كالتابعية أو تصوير الجناة لمعرفتهم واتقاء شرهم أو لقيادة السيارة للحاجة، هذا إذا دعت الحاجة إليه ولم يتيسر له استخراج تابعية أو رخصة إلا بالصورة فنرجح أنه لا حرج عليه للضرورة ().
قال الشيخ محمد على الصابوني: أقول: إن التصوير الشمسي (الفوتوغرافي) لا يخرج عن كونه نوعاً من أنواع التصوير، فما يخرج بالآلة يسمى (صورة) والرجل الذي يحترف هذه الحرفة يسمى في اللغة والعرف (مصوراً) فهذا وإن كان لا يشمله النص الصريح لأنه ليس تصويراً باليد وليس فيه مضاهاة لخلق الله إلا أنه لا يخرج عن كونه ضرباً من ضروب التصوير فينبغي أن يقتصر في الإباحة على (حد الضرورة)().
ثانياً: (ومن الأدلة أيضاً على تحريمه) : وجود العلة المانعة من التصوير وهي المضاهاة ومشابهة خلق الله هي أيضاً موجودة في التصوير الفوتوغرافي بل وجودها في هذا النوع من التصوير أكثر وأعظم من وجودها في التصوير باليد فكان التحريم فيها أشد من غيرها.
قال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم-رحمه الله-: فإن التصوير الشمسي وإن لم يكن مثل المجسد من كل وجه فهو مثله في علة المنع وهي إبراز الصورة في الخارج بالنسبة إلى المنظر ().
وقال أيضا: بل الضوئي أشد فتنة من المجسم فإنه يأتي بشكل الأصل أتم وأكمل من غيره ().
ثالثاً: ومن الأدلة أيضاً على دخول التصوير الفوتوغرافي فيما يحرم من أنواع التصوير؛ أن هذا النوع من التصوير ما هو إلا تطوير للتصوير اليدوي مما تطورت سائر المهن والصناعات، ومن المعلوم أن الاختلاف في وسيلة التصوير لا يقتضي اختلافاً في الحكم .
قال الأمين الحاج محمد أحمد في رسالته "حكم التصوير في الإسلام" : وما التصوير الفوتوغرافي إلا تطور لمهنة التصوير كما تطورت جميع المهن والصناعات، فالسيارة في الماضي كانت تصنع جميع أجزائها باليد أما الآن فقد حلت المكائن والآلات محل الأيدي، فكذلك الأمر بالنسبة (للكاميرا) فما هي إلا تطور لحرفة التصوير، فالتصوير حرام سواء كان باليد أو بأي آلة من الآلات، فالرسول r أوتي جوامع الكلم وقد نهى عن التصوير بصفة عامة ليكون قوله حجة على العالمين إلى يوم يبعثون وكما قال ابن عباس رضي الله عنهما، وقد سئل عن الباذق ()، أمسكر هو؟ فقال: لقد سبق محمد r الباذق، فما أسكر فهو حرام ().
فنحن نقول لقد سبق محمد r تصويركم الفوتوغرافي وغيره وأوتي جوامع الكلم، فهل هذه الصور الفوتوغرافية تسمى صوراً أم لا؟ فإن كانت تسمى صوراً فهذا حرام، وهذا الذي تناوله الوعيد والتهديد السابق، وإن لم تسم صوراً فهذا أمر آخر ().
رابعاً: ومن الأدلة أيضاً أن القول بتحريم هذا النوع من التصوير أحوط وأبعد عن الوقوع في المحرم، هذا على اعتبار الخلاف الحاصل في هذا النوع، وإلا فالقول بالتحريم أظهر لعموم الأدلة كما ذكرنا طرفاً منها.
هذه بعض أدلة من قال بالتحريم.
القول الثاني: من قال بعدم التحريم
ذهب إلى القول بجواز هذا النوع من التصوير عدد من العلماء منهم شيخنا محمد الصالح العثيمين-رحمه الله-، وشيخنا صالح اللحيدان-حفظه لله- والشيخ عبد الرحمن عبد الخالق وغيرهم من أهل العلم المعاصرين.
أدلة من قال بعدم تحريم هذا النوع من التصوير؛
يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين-رحمه الله-: الصور الفوتوغرافية الذي نرى فيها أن هذه الآلة التي تخرج الصورة فوراً وليس للإنسان أي عمل، نرى أن هذا ليس من باب التصوير وإنما هو من باب نقل صورة صورها الله عز وجل بواسطة هذه الآلة فهي انطباع لا فعل للعبد فيه من حيث التصوير، والأحاديث الواردة إنما هي في التصوير الذي يكون بفعل العبد ويضاهي به خلق الله.
ويتبين لك ذلك جيداً بما لو كتب لك شخص رسالة فصورتها في الآلة الفوتوغرافية فإن هذه الصور التي تخرج ليست هي من فعل الذي أدار الآلة وحركها، فإن هذا الذي حرك الآلة ربما يكون لا يعرف الكتابة أصلاً والناس يعرفون أن هذه كتابة الأول والثاني ليس له أي فعل فيها ولكن إذا صور هذا التصوير الفوتوغرافي لغرض محرم فإنه يكون حراماً تحريم الوسائل() .
قلت: وجملة ما استدل به من قال بإباحة التصوير الفوتوغرافي ما يأتي.
أدلة من قال بجواز التصوير الفوتوغرافي:
أولاً: أن التصوير الفوتوغرافي ليس تصويراً بالمعنى الذي جاءت نصوص الشرع بالوعيد عليه وبالنهي عنه، فالتصوير بالآلة الفوتوغرافية ليس فيه تشكيل ولا تخطيط ولا تفصيل وإنما هو نقل شكل شكله الله.
والأصل في الأعمال غير التعبدية الحل إلا ما أتى الشرع بتحريمه.
ثانياً: ومن الأدلة أيضاً على عدم التحريم:
ما جاء من الاستثناء في قوله r {إلا رقماً في ثوب} فقالوا بأن التصوير الشمسي يقاس على جواز الرقم في الثوب.
يقول السايس في كتابه آيات الأحكام: ولعلك تريد بعد ذلك أن تعرف حكم ما يسمى بالتصوير الشمسي أو (الفوتوغرافي) فنقول: يمكنك أن تقول أن حكمها حكم الرقم في الثوب وقد علمت استثناءه نصاً ولك أن تسمي ذلك ليس بتصوير بل حبس للصورة وما مثله إلا كمثل الصورة في المرآة، لا يمكنك أن تقول إن ما في المرآة صورة وإن أحداً صورها والذي تضعه آلة التصوير هي صورة في المرآة، غاية الأمر أن مرآة الفوتوغرافي تثبت ().
ثالثاً: أن العلة الواردة في النهي عن التصوير هي مضاهاة خلق الله منتفية في هذا النوع من التصوير.
قال الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق:
لا يزعم الزاعم أن صورة آلة التصوير مضاهاة لخلق الله بل هي انعكاس على الورق أو أي سطح آخر ولا تتدخل القدرة الفنية هنا بكثير أو قليل إلا من حيث إتقان الفنان وضع الآلة أو توضيحها وإلا فإبراز الصورة إنما هو بفعل المرآة والعدسات والأضواء الساقطة ... إلى أن قال.
وهكذا نعلم أن مسألة المضاهاة والعدوان على اسم الله المصور منتفية هنا قطعاً().
وهناك أدلة أخرى ذكرها من قال بجواز هذا النوع من التصوير نصفح عن ذكرها مخافة التطويل ولكن خلاصة الأمر هنا أن هناك من أجاز هذا النوع من التصوير بما ذكرناه من آلة وغيرها مما لم نذكره.
مسألة هامة
هناك أمر لا بد من ذكره وهو أن من قال بجواز هذا النوع من التصوير اشترطوا لجوازه شروطاً منها: أن لا تشتمل الصورة الفوتوغرافية على محرم، وذلك كأن يكون وضع الصورة على حال ينافي الأخلاق والقيم الإسلامية. أو كانت الصورة على وضع ينافي أسس العقيدة الإسلامية وأصولها مثل الصور التي تحمل في طياتها شعاراً كفرياً وأهله أو كان مضمونها سخرية واستهزاء بالدين وأهله، أو كان الهدف منها تعظيم المصور تعظيماً دينياً أو دنيوياً لبعض العلماء أو الزعماء أو غير ذلك من الأسباب التي تجعل الصورة تخرج عن أصلها وحدها المباح إلى ما سوى ذلك من التحريم، ولهذا فإن الصورة لأي غرض من الأغراض المذكورة وما شابهها تكون محرمة.
قال الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق وهو ممن يرى جواز التصوير الفوتوغرافي: ومن أجل ذلك فنحن نقول لا يجوز بتاتاً تصوير الزعماء والرؤساء ونصب صورهم في الدوائر والميادين لأن هذا من أعظم دواعي الشرك بالله I، وهذا بالطبع لا يجوز فعله بقدرة الفنان أو بآلة التصوير فكلا الأمرين غير جائز، لأن العلة في نصب صور الزعماء والرؤساء السياسيين والدينيين باقية إلى أن قال: والشاهد أن صورة الآلة والصورة المصنوعة بقدرة الفنان والمصور سواء في الحرمة إذا كان القصد منها تعظيم رئيس من الرؤساء أو زعيم من الزعماء ونصب هذه الصورة وتعليقها حرام لأن هذا ذريعة إلى تعظيم غير الله بل هو من تعظيم غير الله I ().
الراجح عندي من القولين:
هذه المسألة مما عمت به البلوى وأصبحت الصور تدخل البيوت دون رقيب أو حسيب عن طريق الصحف والمجلات والكتب والأشرطة وغيرها، وأصبح لزاماً على الشخص لاستخراج بطاقة أو جواز أو طلب عمل في مؤسسة أو شركة أو دائرة حكومية أن يقع في التصوير، ولذا فالذي يترجح لي أن التصوير بكل أشكاله وأنواعه محرم ولا يجوز إلا ما دعت إليه الضرورة والحاجة. فالضرورة كالبطاقة والرخصة وغيرها، والحاجة كالتوثيق وإعداد البرنامج الخاص والعام مما يحتاج إليه الناس في حياتهم اليومية.
أما تصوير المرأة فمحرم ولا يجوز، وليس هناك ضرورة ولا حاجة تستدعي ذلك والبطاقات الممغنطة التي تعمل بها بعض الدول الأوروبية كفيلة بحل بطاقة المرأة.
وعلى كل حال فالتصوير بعضه أهون من بعض والنظر إلى الصورة عند التصوير والمصوِّر أشد جرما من المصَوَّر-صاحب الصورة.
وأسأل الله أن يغفر لنا ويتجاوز عنا ما يقع من الزلل في هذا الباب.
جوال الكاميرا
حرصت شريعة الإسلام الغراء كل الحرص على حفظ حرمات الأشخاص وخصوصياتهم من أن تنتهك بأي صورة من الصور، أو شكل من الأشكال، ورتبت على ذلك أموراً كثيرة تحفظ لكل مسلم ومسلمة خصوصياته وكرامته وأسراره؛ فقد جاء النهي صريحاً عن التجسس وتتبع عورات المؤمنين والمؤمنات، وانتهاك الحرمات قال الله جل وعلا:{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}() فهذه الآية تحذر كل من تسول له نفسه أن يعبث بقيم وأخلاق الآخرين.
وقال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا...}().
وهنا توضح هذه الآية السياج القوي حول حرمات الأشخاص وحقوقهم وحرياتهم، وأنه لا يجوز أن تمس من قريب أو بعيد تحت أي ذريعة أو ستار، فلا يحل الإطلاع على عورات المسلمين أو نشر عيوبهم، أو انتهاك حرماتهم، وكشف أسرارهم، وهذا ما جاءت السنة تؤكد عليه وتوضحه قال صلى الله عليه وسلم [إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً]().
ويتوعد رسولنا صلى الله عليه وسلم أولئك الذين يتتبعون عورات الناس ويبحثون عن معايبهم فيقول:[يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته]().
وهكذا يعيش المجتمع المسلم آمناً مطمئناً تصان فيه الأعراض، ويحافظ فيه على الأسرار، ولا تنتهك الحرمات.
والتكنولوجيا الحديثة وجدت لخدمة الإنسان وراحته، وتيسير أمور حياته في مختلف مجالاتها، وكل مخترع حديث له محاسن ومساوىء مثل الهاتف والإنترنت وغيرها، ففيها من المنافع تعريف الناس بما ينفعهم في أمور معاشهم ومعادهم، وفيها نشر العلوم الشرعية وغيرها، وبثها لأكبر شريحة متلقيه، وبالمقابل فيها من المساوىء الكثير حيث استخدمت للإساءة للآخرين، ونشر المعايب، والكذب، والبهتان، ونشر الباطل، وتزيين الشر وتيسيره للناس، وكسر الحواجز التي كانت تمنع الناس وتردعهم عن الوقوع في المحاذير الشرعية.
ومن هذه الأجهزة الحديث التي اخترعت حديثاً جهاز ( الجوال )، وقد أفاد الناس منه كثيراً، وانتفعوا به ويسَّر عليهم كثيراً، وخدمهم لقضاء حوائجهم خدمة كبيرة، لكن هذا النفع سرعان ما تكدر لحرص الأعداء على إفساد حياة الناس وبث الشرور بين المسلمين؛ فاخترعوا في هذا الجهاز ( كاميرا صغيرة ) تستطيع التصوير دون أن يعلم الطرف الآخر، وهذا الجوال الذي انتشر انتشاراً هائلاً في أوساط الصغار والكبار، الذكور والإناث جاء بسلبياته وإيجابياته، لكن سرعان ما أسيء استخدامه من قبل الكثيرين في تصوير النساء وهن بأكمل صورة وأجملها لاسيما في المناسبات الخاصة والعامة والمدارس والكليات، ثم ما تلبث هذه الصور فترة حتى تنزل بالإنترنت، وتنتشر على مستوى كبير.
إن هذا الاستخدام السيء جعل كثيراً من البيوت والأسر تمنع من تحت يدها من حضور كثير من المناسبات حفاظاً على شرفهم، وصيانة لأعراضهم، وحماية لكرامتهم.
لقد وصل الحال ببعض ضعاف النفوس من تركيب صور بعض الفتيات مع صورته بطريقة سيئة، وبث هذه الصورة في الإنترنت مما تسبب في انهيار هذه الفتاة لما رأت الصورة، وإصابتها بحالة نفسية حادة أدى إلى فقدان عقلها.
وقد خلَّف هذا الجوال ـ الذي يحمل بين طياته كاميرا ـ آثاراً بليغة منها:
ـ التفريق بين الأزواج، وخراب البيوت.
ـ انصراف الشباب عن الزواج فيمن تنشر صورتها بأي وسيلة من الوسائل لا سيما إذا انتشرت عبر الإنترنت واطلع عليها آلاف الناس.
ـ استعمال العبارات الشائنة، والكلمات التي تخدش الحياء.
ـ إضعاف الوازع الديني عند كثير من الشباب والفتيات حتى وصل الحال باستعمالهم لهذه الصور استعمالاً قبيحاً لا يكاد يخطر على بال.
ـ الاعتداء على الحياة الخاصة للآخرين، وانتهاك حرماتهم وتتبع عوراتهم.
ـ إشاعة الفاحشة بين الناس، وصدق الله العظيم:{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}().
ـ استخدام هذه الصور استخداماً سيئاً في هدم الأسر والبيوت من باب النكاية بالآخرين، والكيد لهم، والتحدي لمشاعرهم.
وهنا أوصي إخواني وأخواتي فأقول:
إن انتشار هذه الجوالات واستخدامها بهذه الصورة المزرية يحتاج منا ومن كل غيور مخلص لدينه حريص على حماية مجتمعه ووطنه أن نواجه هذا الطوفان، لأن تردي الأخلاق في أي مجتمع هو نذير شؤم بهلاكه.
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هُموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ولعل أول طريق للتصدي والعلاج:
ـ أن نعلم أولادنا بنين وبنات معنى الطهر والعفاف، وأن نربيهم على الفضيلة ومكارم الأخلاق، ولو أن كل رب أسرة تابع وراقب واجتهد لأوجد سياجاً آمناً تتمتع به الأسرة ولا يستطيع ـ بحول الله ـ ذئاب البشر اختراق هذا السياج.
ـ وأيضاً الحرص على غرس الأخلاق الفاضلة، وبث معاني التربية الحقة في نفوس النشء بنين وبنات عن طريق الأب والأم، والمعلم والمعلمة، ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول:[إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق].
ـ وأيضاً نوصي أولياء الأمور بعدم فتح الباب لمن تحت أيديهم في شراء هذه الأجهزة وتداولها لأن بداية الشرّ سهلة، لكن نهايته خطيرة، والنار تشتعل من مستصغر الشرر، وعلى قدر تفريط الأبوين بقدر ما تحصل العواقب الوخيمة للأولاد والبنات.
ـ وأيضاً متابعة الأبناء والبنات في مراحل سن المراهقة، وتوجيههم إلى الفضائل، وترك الرذائل، ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول:[كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ..... والرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته].
ـ وأيضاً التشديد في دخول هذه الأجهزة وبيعها، ووضع الرقابة الصارمة على ذلك، والجزاء الرادع للمخالف.
ـ عدم التساهل مع المحارم في حضور المناسبات العامة إلا بعد التأكد من خلوها من هذه الأجهزة، ووضع رقابة دقيقة عند الأبواب، والقيام بحملات تفتيش مستمرة في المناسبات والمدارس.
ـ منع هذه الأجهزة منعاً باتاً في المدارس والكليات للبنين والبنات.
ـ وضع جزاءات رادعة من قبل الجهات الأمنية لأي فرد يخالف التعليمات أو يسيء للآخرين، وذلك بالغرامة المالية الباهظة، والسجن الطويل، وعدم قبول الشفاعة في مثل هذا الأمر، ولو طُبق ذلك بكل حزم وصرامة لما حصلت هذه الأمور التي تخل بالشرف وتخدش الحياء.
وبهذا تعلم أيها القارىء الكريم أن هذا الجهاز فيه من المحاذير الشرعية أضعاف ما فيه من الإيجابيات، ولذا فالحكم عليه تَبعٌ لاستخدامه، وقد بسطنا حكم التصوير فيما سبق، ويزيد عليه هذا الجوال ما أشرنا إليه من المحاذير الكثيرة.
فليتق الله كل مؤمن ومؤمنة، وليعلم أن كل حركة وسكون مسجلة عليه، وسيكون الحساب عسيراً، وإذا غابت أعين الرقيب من البشر لحظة فعين الله لا تنام.
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل عليَّ رقيب
فلنحرص جميعاً على ما ينفعنا، ولنبتعد عما فيه ضررنا وضرر مجتمعنا، وهدم أخلاقنا، فسفينة المجتمع تسير بأمان، والويل كل الويل لمن يخرقها أو يحاول إغراقها.
وفقنا الله لكل خير، ويسَّر لنا سبل الاستقامة، ورزقنا الحياء والعفة والكرامة.
فتوى الشيخ ابن عثيمين-رحمه الله-
حول التصوير الشمسي مع بيان وجه الخطأ في فهمها.
ذكرنا فيما سبق بعض ما ذكره الشيخ حول التصوير الفوتوغرافي لكن البعض هداهم الله قد أخطأوا في فهم فتواه فقولوا الشيخ ما لم يقله فقالوا بأن التصوير الشمسي مباح مطلقاً دون قيود تقيده، ومن هنا ظهرت صورهم وانتشرت في البيوت والرحلات للذكرى وغيرها مما توسع فيه كل ذلك بناء على ما فهموه حول هذا الموضوع أعني موضوع التصوير الشمسي، وبياناً للحق ودفاعاً عن شيخنا في هذا الأمر سأذكر جملة مما قاله مع بيان مراده-رحمه الله- في هذا الجانب المهم.
قال-رحمه الله-: الحالة الثالثة:
أن تلتقط الصور التقاطاً بأشعة معينة بدون أي تعديل أو تحسين من الملتقط فهذا محل خلاف بين العلماء المعاصرين.
فالقول الأول: أنه تصوير، وإذا كان كذلك فإن حركة هذا الفاعل للآلة يعد تصويراً، إذ لولا تحريكه إياها ما انطبعت هذه الصورة على هذه الورقة ونحن متفقون على أن هذه صورة فحركته تعتبر تصويراً فيكون داخلاً في العموم.
القول الثاني: أنها ليست بتصوير، لأن التصوير فعل المصور وهذا الرجل ما صورها في الحقيقة وإنما التقطها بالآلة والتصوير من صنع الله... إلى أن قال رحمه الله وهذا القول أقرب لأن المصور بهذه الطريقة لا يعتبر مبدعاً ولا مخططاً، ولكن يبقى النظر هل يحل هذا الفعل أم لا؟
والجواب: إذا كان لغرض محرم صار محرماً وإذا كان لغرض مباح صار مباحاً لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، وعلى هذا فلو أن شخصاً صور إنساناً لما يسمونه بالذكرى سواء كانت هذه الذكرى للتمتع بالنظر إليه أو التلذذ به أو من أجل الحنان والشوق إليه فإن ذلك محرم ولا يجوز لما فيه من اقتناء الصور، لأنه لا شك أن هذه صورة ولا أحد ينكر ذلك.
وإذا كان لغرض مباح كما يوجد في التابعية والرخصة والجواز وما أشبه ذلك فهذا يكون مباحاً.
فإذا ذهب الإنسان الذي يحتاج إلى رخصة إلى هذا المصور الذي تخرج منه الصورة فورية بدون عمل ولا تحميض ولا غيره وقال صورني، فصوره فإن هذا المصور لا نقول إنه داخل في الحديث أي حديث الوعيد على التصوير.
أما إذا قال صورني لغرض آخر غير مباح صار من باب الإعانة على الإثم والعدوان ().
وفي سؤال وجه إليه حول حكم تعليق الصور على الجدران قال-رحمه الله-: تعليق الصور على الجدران لاسيما الكبيرة منها حرام حتى وإن لم يخرج إلا بعض الجسم والرأس، وقصد التعظيم فيها ظاهر وأصل الشرك هو هذا الغلو كما جاء ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في أصنام قوم نوح التي يعبدونها إنها كانت أسماء رجال صالحين صوروا صورهم ليتذكروا العبادة ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم.
وفي إجابة أخرى حول اقتناء الصور للذكرى قال: اقتناء الصور للذكرى محرم لأن النبي r أخبر أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة وهذا يدل على تحريم اقتناء الصور في البيوت والله المستعان().
وسئل أيضاً -رحمه الله- سؤالاً جاء فيه:
سؤال: أصبحت الصورة وسيلة هامة من وسائل الإيضاح في عصرنا الحاضر وخاصة في الصحف والتلفزيون فما الحكم الشرعي في اقتناء الصور لاسيما صور توضح مثلاً المذابح التي يتعرض لها المسلمون في أفغانستان؟
أجاب-رحمه الله-فقال: إن اقتناء الصور مطلقاً سواء كانت وسيلة اتخاذها اليد أو الآلة التي تلتقط الصور لا يجوز إلا أن تقتنى لحاجة أو ضرورة. على أن بعض أهل العلم المعاصرين يقولون: إذا كان في حفظها مصلحة وهي دون الحاجة والضرورة فإنه لا بأس بحفظها، لكن كلما ابتعد عن ذلك فهو أفضل، لأن اقتناء الصور في غير ما يمتهن لا يجوز إذ إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة ().
ومما سئل فيه أيضاً-رحمه الله-سؤالاً عن حكم صور الحيوانات لتعليم الأطفال بداية الحروف فأجاب –رحمه الله – بقوله:
لا بأس من أن يبين للطلبة هذه الحروف بشرط أن يقطع رأسه فيجعله بعيراً بدون رأس ().
قلت: فهذه جملة من فتاوى الشيخ حول موضوع التصوير الفوتوغرافي ومن نظر لما ذكره الشيخ يجد أنه-رحمه الله- لم يجعل التصوير مطلقاً بل قيده للحاجة والضرورة، فمتى وجدت الحاجة والضرورة صار التصوير مباحاً وذكر أمثلة لذلك، كالتصوير من أجل الرخص والتابعية وغيرها مما أصبح يمثل حاجة للناس، وكذا التصوير من أجل القبض على المجرمين ممن يسعون في الأرض فساداً كل هذا مما أجازه الشيخ.
أما التصوير من أجل الذكرى أو من أجل تعليق هذه الصورة على الجدران كل هذا مما أفتى الشيخ بعدم جوازه حتى مجرد الاقتناء دون التعليق قال الشيخ بأن الأفضل الابتعاد عنه فكون البعض يخطئ في فهم فتاوى الشيخ وينسب القول له هذا من الظلم وقول على الشيخ بما لم يقله فالفتوى شيء وفهم الفتوى شيء آخر.
وقد تبين لك أخي الكريم أن رأي الشيخ لا يختلف عن غيره في حرمة التصوير لغير غرض شرعي وأن ما يفعله الناس من التصوير للذكرى ويعتمدون على فتوى الشيخ أن هذا خطأ وفهم للفتوى على غير وجهها الشرعي، فحري بطلاب العلم أن يتبينوا الأمر ولا ينقلوا عن أهل العلم إلا بعد التثبت والتحري والفهم الدقيق .
أسأل الله بمنه وكرمه أن يرفع درجات شيخنا في عليين وأن يجمعنا به ووالدينا إنه سميع مجيب.
الخاتمــــة
بعد عرض موضوعات البحث ظهر لي ما يلي:
أولاً: أن التصوير باليد وهو ما كانت اليد المباشرة فيه لعملية التصوير بنوعيه -أعني التصوير المسطح والتصوير المجسم- كلاهما حرام لوجود علة المضاهاة، وغيرها من العلل التي ذكرناها.
ثانياً: أن النقش باليد لا يعدو عن كونه رسماً، بل هو أعم منه من جهة التحسين والتجميل، ولذا كانت عقوبته أشد.
ثالثاً: أن النقش والرسم والتصوير كلها قد تكون مكروهة، وإن كان بعضها قد يكون أوسع من الآخر في بعض الأحيان.
رابعاً:أن هناك وعيداً شديداً لمرتكبي حرمة التصوير، لورود الأدلة الوارد في حقهم.
خامساً: كثرة العلل الواردة في تحريم التصوير، فهي غير مقتصرة على المضاهاة في الخلق فقط كما يظن البعض.
سادساً: أن الرسم باليد أو النقش بها فيما ليس ممتهناً، الصحيح أنه محرم، وهو قول الجمهور من الفقهاء بخلاف من قال بكراهيته.
سابعاً: أن الرسم باليد لما يعد ممتهناً هو كبيرة من كبائر الذنوب.
ثامناً: أن هناك فرقاً بين الرسم لما يعد ممتهناً، واستعمال ما يعد ممتهناً، ففيه خلاف، والصحيح من أقوال أهل العلم أنه لا بأس باستعمال التصاوير الممتهنة، وإن تجنبها الإنسان فهو أولى.
تاسعاً: أن الصورة إذا كانت مقطوعة الرأس، فالصحيح أنه لا بأس بها.
عاشراً: أنه يحرم رسم، أو نقش الرأس فقط، لقوة الأدلة الدالة على التحريم.
أحد عشر: أن الرسم الكاريكاتوري أشد تحريماً من الرسم العادي لأنه اشتمل على أمرين :
1-مباشرة اليد في الرسم.
2- السخرية الحاصلة به من خلال الرسوم.
اثنا عشر : أن التصوير الفوتوغرافي لم يكن موجوداً في العصور المتقدمة وإنما اكتشف في العصور المتأخرة.
ثلاثة عشر: أن الذين قالوا بإباحة هذا النوع من التصوير اشترطوا له شروطاً خاصة بأن لا تشتمل الصورة على محرم أو يكون فيها استهزاء في الدين والأخلاق والقيم.
أربعة عشر: تبين لي رجحان تحريم التصوير بكل أشكاله وأنواعه إلا ما دعت إليه الضرورة أو الحاجة مع التأكيد على حرمة تصوير المرأة بكل حال إلا في حال الضرورة القصوى كمرض أو جناية أو إخلال بالأمن أو غير ذلك مما لا بد منه.
خمسة عشر: تبين لنا أن شيخنا –رحمه الله- يرى جواز التصوير الفوتوغرافي ويقول أنه ليس تصويراً في واقع الأمر.
ستة عشر: تبين أن شيخنا –رحمه الله- يقول أن التصوير الفوتوغرافي يأخذ حكم الغرض منه فإن كان الغرض محرماً كان محرماً وإن كان الغرض منه جائزاً كان جائزاً لأن الوسائل لها أحكام المقاصد.
سبعة عشر: أن التصوير الفوتوغرافي لغير غرض شرعي لا يجوز كمن يصور للذكرى أو يحتفظ بالصورة وهذا ما يراه شيخنا وبهذا يعلم أن رأي الشيخ لا يختلف عن غيره في مآل الصورة وإن كان نفس الفعل يتساهل فيه الشيخ. "
أ . هــ
لذا وبعد أن تبين حكم الشرع في هذا الموضوع , وجب التنبيه أن الإدارة لن تسمح بنشر صور ذوات الأرواح أو الصور الفوتوغرافية على صفحات المنتدى , وعلى جميع الأعضاء الالتزام بذلك .
جعلنا الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين .
فهذا الموضوع لبيان حكم صور ذوات الأرواح والصور الفوتوغرافية التي أراها قد انتشرت على صفحات المنتدى ..
لذا أردت أن أنقل هذا المبحث النفيس من كتاب
"صناعة الصورة باليد
مع بيان أحكام التصوير الفوتوغرافي "
تأليف
أ.د. عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار
الأستاذ بجامعة القصيم
"أقوال العلماء في صور ذوات الأرواح :
أولاً: رأي اللجنة الدائمة للإفتاء (في المملكة العربية السعودية).
سئلت اللجنة الدائمة عن حكم الإسلام في التصوير؟ فأجابت: الأصل في تصوير كل ما فيه روح من الإنسان، وسائر الحيوانات أنه حرام سواء أكانت مجسمة أم رسوماً على ورقة، أم قماش، أم جدران، أم كانت صورة شمسية لما ثبت في الأحاديث الصحيحة من النهي عن ذلك، وتوعد فاعله بالعذاب الأليم ولأنها عهد جنسها أنه ذريعة إلى الشرك بالله بالمثول أمامها، والخضوع لها، والتقرب إليها، وإعظامها إعظاماً لا يليق إلا بالله –تعالى-، ولما فيها من مضاهاة خلق الله، ولما في بعضها من الفتن كصور الممثلات والنساء العاريات، ومن يسمَّين ملكات الجمال وأشباه ذلك.
ومن الأحاديث التي وردت في تحريمها ودلت على أنها من الكبائر حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن الرسول الله -r- قال: {إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم}(). رواه البخاري ،ومسلم.
وحديث عبد الله بن مسعود -t- قال: سمعت رسول الله –r- يقول {إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون}() رواه البخاري، ومسلم . وحديث أبي هريرة -t- قال سمعت رسول الله -r- يقول قال الله –تعالى- {ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا ذرة أو يخلقوا شعيرة}() رواه البخاري ومسلم . وحديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: قدم رسول الله -r- من سفر وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل، فلما رآه رسول الله -r- تلون وجهه، وقال: {يا عائشة أشد الناس عذاباً عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله}، فقطعناها فجعلنا منه وسادة، أو وسادتين. رواه البخاري ومسلم.
(القرام : الستر. والسهوة : الطاقة النافذة في الحائط)
وحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: سمعنا رسول الله -r- يقول: {من صور صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة وليس بنافخ}() رواه البخاري ومسلم، وحديثه أيضاً عن النبي -r- أنه قال: {كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفساً تعذبه في جهنم}، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: (فإن كنت لا بد فاعلاً فاصنع الشجر، وما لا نفس له) رواه البخاري ومسلم، فدل عموم هذه الأحاديث على تحريم تصوير كل ما فيه روح مطلقاً، أما ما لا روح فيه من الشجر، والبحار، والجبال، ونحوها فيجوز تصويرها كما ذكره ابن عباس -رضي الله عنهما-، ولم يعرف عن الصحابة من أنكره عليه، ولما فهم من قوله في أحاديث الوعيد (أحيوا ما خلقتم) وقوله فيها "كلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ".
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء().
وسئلت اللجنة أيضاً: هل رسم ذوات الأرواح جائز إذا كانت على شرشف، أو صحن، أو سجاد، أو ما شابه ذلك من الأشياء؟ فأجابت اللجنة: الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد:
فيحرم تصوير ذوات الأرواح سواء أكان على شرشف أم صحن أم سجاد أم غير ذلك، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء().
وسئلت اللجنة أيضاً:كنا قد بدأنا مشروع مجلة للأطفال المسلمين باسم " أروى " نرفق لكم نسخة منها وجاء من نثق به وبدينه يعترض علينا من جهة رسوم الأشخاص، علماً بأننا تحاشينا في عملنا رسم الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- والصحابة -رضوان الله عليهم-. ومع هذا جئنا بخطابنا هذا نستفتيكم بشرعية ما أقدمنا عليه راجين الرد السريع على رسالتنا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد فتصوير ذوات الأرواح مطلقاً حرام، ولو كانت صور غير الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- وغير صور الصحابة -رضي الله عنهم- وليس اتخاذها وسيلة للتشويق والإيضاح مبرراً للترخيص فيها.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.()
وسئلت أيضاً: عن حكم الصيني الموجود عليه تصوير مع العلم أنه يترك ولا يستخدم إلا للضرورة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وبعد..
فالأصل التحريم في تصوير ذوات الأرواح للأدلة الواردة في ذلك لكن إذا كانت الصورة مهانة أو مقطعة جاز استعمال ما رسمت عليه كالبساط، ونحوه. وباَلله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ().
وسئلت أيضاً: عن حكم الرسم على السبورة رسوماً تخطيطية في عملية التعليم مع العلم أن الرسم عبارة عن أشكال حيوانات، ونباتات وحشرات في مادة التاريخ الطبيعي (الأحياء) وقد تكون هذه الرسوم مهمة في مادة التعليم.
فأجابت اللجنة قائلة:
ما كان من ذلك صوراً لذوات الأرواح كالحشرات وسائر الأحياء فلا يجوز ولو كان رسماً على السبورة، والأوراق، ولو كان القصد منه المساعدة على التعليم، لعدم الضرورة إليها لعموم الأدلة وما لم يكن من الأرواح جاز رسمه للتعليم وغيره ().
وسئلت أيضاً: ما موقف المسلم من الصور التوضيحية التي في الكتب الدراسية، والكتب العلمية والمجلات الإسلامية النافعة، مع أنه لا بد من وجود هذه الصور للتوضيح وتقريب الفهم؟ فأجابت: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وبعد..
فتصوير ذوات الأرواح حرام مطلقاً لعموم الأحاديث التي وردت في ذلك، وليست ضرورية للتوضيح في الدراسة، بل هي من الأمور الكمالية لزيادة الإيضاح، وهناك غيرها من وسائل الإيضاح يمكن الاستغناء بها عن الصور في تفهيم الطلاب والقراء، وقد مضى على الناس قرون وهم في غنى عنها في التعليم والإيضاح، وصاروا مع ذلك أقوى منا علماً وأكثر تحصيلاً، وما ضرهم ترك الصور في دراستهم ولا نقص من فهمهم لما أرادوا ولا من وقتهم وفلسفتهم في إدراك العلوم وتحصيلها، وعلى هذا لا يجوز لنا أن نرتكب ما حرم الله من التصوير لظننا أنه ضرورة وليس بضرورة لشهادة الواقع بالاستغناء عنه قروناً طويلة ().
ثانياً: قول سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-:
سُئل عن الرسم فقال:
«الرسم له معنيان أحدهما رسم الصور ذوات الأرواح وهذا جاءت السنة بتحريمه، فلا يجوز الرسم الذي هو رسم ذوات الأرواح، لقول النبي -r- في الحديث الصحيح: {كل مصور في النار}، وقوله -r- { أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون الذين يضاهون بخلق الله} ولقوله -r- {إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم} ولأنه -r- لعن آكل الربا وموكله ولعن المصور، فدل ذلك على تحريم التصوير، وفسر العلماء ذلك بأنه تصوير ذوات الأرواح من الدواب، والإنسان، والطيور. أما رسم ما لا روح له وهو المعنى الثاني، فهذا لا حرج فيه، كرسم الجبل ،والشجر، والطائرة، والسيارة، وأشباه ذلك لا حرج فيه عند أهل العلم، ويستثنى من الرسم المحرم ما تدعو الضرورة إليه، كرسم صور المجرمين حتى يعرفوا ويمسكوا، أو الصورة في حفيظة النفوس التي لا بد منها ولا يستطيع الحصول عليها إلا بذلك،
ثالثاً: قول شيخنا محمد الصالح العثيمين -رحمه الله-:
سئل شيخنا محمد الصالح العثيمين -رحمه الله- سؤالاً جاء فيه: ما معنى جملة (إلا رقماً في ثوب) التي وردت في الحديث هل تدل على حل الصور التي في الثوب:
فأجاب -رحمه الله-: «إن رأينا في الحديث (إلا رقماً في ثوب) من النصوص المتشابهة، والقاعدة السليمة: يردُّ إلى المحكم، ولقوله تعالى: ﴿منه آيات محكمات هن أم الكتب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنه وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا﴾ [آل عمران : 7].ويردُّ المتشابه إلى المحكم ولا يبقى فيه إشكال؟ فهذا الحديث (إلا رقماً في ثوب)، يحتمل أنه عام، رقماً: يشمل صورة الحيوان، وصورة الأشجار، وغير ذلك، فإنه محتمل لهذا، فإنه يحمل على النصوص المحكمة التي تبين أن المراد برقم الثوب ما ليس بصورة حيوان، أو إنسان حتى تبقى النصوص متفقة.
ونحن لا نرى ذلك والتفصيل فيما له ظل، وما ليس له ظل، لأن حديث علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في صحيح مسلم أنه قال – {يا أبا الهياج ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله -r- ألا تدع قبراً مشرفاً إلا سويته ولا صورة إلا طمستها}()
وسئل أيضاً رحمه الله سؤالاً جاء فيه:
فضيلة الشيخ / يطلب من الطالب في بعض المدارس أن يرسم صورة لذات روح، أو يعطى مثلاً بعض دجاجة، ويقال : أكمل الباقي، وأحياناً يطلب منه أن يقص الصورة ويلزقها على الورق، أو صورة يطلب منه تلوينها فما رأيكم في هذا؟
فأجاب رحمه الله: «الذي أرى في هذا أنه حرام يجب منعه، وأن المسؤولين عن التعليم يلزمهم أداء الأمانة في هذا الباب، ومنع هذه الأشياء، وإذا كانوا يريدون أن يثبتوا ذكاء الطالب بإمكانهم أن يقولوا: اصنع صورة سيارة، أو شجرة، أو ما أشبه ذلك مما يحيط به علمه، ويحصل بذلك على مدى ذكائه وفطنته وتطبيقه للأمور وهذا مما ابتلي به الناس بوساطة الشيطان، وإلا فلا فرق بلا شك في إجادة الرسم والتخطيط بين أن يخطط الإنسان صورة شجرة، أو سيارة ... إلى أن قال والذي أرى أنه يجب على المسؤولين منع هذه الأشياء».
التصوير الفوتوغرافي
توطئة:
إن مما تميزت به شريعتنا الغراء أنها صالحة لكل زمان ومكان فليس هناك نازلة في عصر من العصور إلا ولشريعتنا الإسلامية فيه حكم من عصر النبوة إلى هذه العصور المتأخرة زمناً المتقدمة تكنولوجياً وتفنياً وعلمياً، وهذا دليل على شمولية هذه الشريعة وصلاحيتها لكل زمان ومكان.
ولما كان التصوير الفوتوغرافي نوعاً من الاكتشافات الحديثة التي لم تكن موجودة ولا معروفة في عهد رسول الله r ولا في زمن الصحابة الأبرار y ولا في عهد ازدهار المدارس الفقهية وإنما اكتشف مؤخراً، ومن هنا فلا يمكن الحصول على رأي العلماء السابقين من أئمة الهدى والدين في هذه العصور المتقدمة نظراً لعدم وجوده في تلك الحقبة والمراحل الزمنية. ومن هنا نشأ الخلاف في حكم هذا النوع من التصوير.
ولما كان هذا النوع من التصوير من أكثر أنواع التصوير انتشاراً واستعمالاً في كثير من المجالات وخصوصاً في هذا العصر كان ولا بد من وقفة معه نبين فيه ما يأتي:
تعريفه.
نشأته ونشأة الخلاف فيه
حكمه ويتناول الآتي:
1. من قال بجوازه
2. من قال بعدم الجواز
3. الراجح عندي من القولين
فتوى الشيخ محمد بن عثيمين –رحمه الله- فيه مع بيان وجه الخطأ في فهمها
التصوير الفوتوغرافي
تعريفـــه:
كلمة التصوير قد سبق الكلام عليها في المبحث الأول. أما كلمة (فوتوغرافي) فهذه الكلمة ليست بعربية لكنها مشتقة من اليونانية ترجمتها (ضوء وأنا أرسم).
ومن هنا يكون التعريف العربي لهذه الكلمة "التصوير الشمسي" أو "التصوير الضوئي"
نشـأته :
ذكرنا آنفاً أن هذا النوع من التصوير لم يكن موجوداً ولا معروفاً من قبل وإنما اكتشف في هذه العصور المتأخرة، فقد قيل بأنه اكتشف في عام (1839 م) على يد رجل انجليزي، ذكر ذلك عدد من الباحثين ممن كتب في هذا المجال.
نشأة الخلاف فيه:
لما كان هذا النوع من التصوير نشأ في هذه العصور المتأخرة وكما ذكرنا في التوطئة نشأ الخلاف بين العلماء، فمنهم من قال بجوازه ومنهم من قال بتحريمه.
فالذين قالوا بالجواز قالوا بأن الآلة التي تسمى (الكاميرا) هي التي تلتقط الصورة التي توجه إليها عن طريق نقل الأضواء الظلال الواقعة على الجسم وطبعها على ألواح بلاستيك شفافة (الشريط) ثم يعاد طبع الصورة على ورق عن طريق تمرير ضوء من خلال هذا اللوح أو الشريط البلاستيكي.
ومن هنا قالوا بأن هذه الصورة ليست صورة فنية يراد بها إثبات مقدرة الفنان أو الرسام أو المصور. وإنما القدرة هنا قدرة الآلة الممثلة في العدسات التي يمر خلالها الظلال والأضواء. فكانت الآلة هنا هي القائمة بالتصوير، ولا يمكن أن يقال بأن الذي اخترع هذه الصورة أو ابتدعها هو الإنسان، ومن هنا أجازها بعض العلماء كما سنذكره إن شاء الله.
لكن الأمر لم ينته بعد ببيان ما استدل به من قال بالجواز بل جاء بعض أهل العلم فجعلوه من جملة التصوير الذي جاءت الشريعة بالنهي عنه فهو لا يعدو عن كونه نوعاً من أنواع التصوير الممنوع، ولذلك فإنه يسمى تصويراً لغة وشرعاً وعرفاً، ومن هنا نشأ الخلاف بين العلماء في القول بالجواز والتحريم .
من قال بالتحريم:
ذهب إلى القول بالتحريم سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- وكذا سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله- وفضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان والعلامة الألباني -رحمه الله-، وبالتحريم أيضاً أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية وغيرهم كثير من أهل العلم المعاصرين.
وقد استدل هؤلاء بأدلة منها:
أولاً: أنه لا يخرج هذا النوع من التصوير عن كونه نوعاً آخر منه، فهو وإن كانت طريقة التصوير مختلفة فإنه لا يخرج عن كونه تصويراً شرعاً وعرفاً.
قال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم –رحمه الله-: وقد زعم بعض مجيزي التصوير الشمسي أنه نظير ظهور الوجه في المرآة ونحوها من الصقيلات وهذا فاسد فإن ظهور الوجه ونحوها شيء غير مستقر، وإنما يرى بقاء المقابلة، فإذا فقدت المقابلة فُقِدَ ظهور الصورة في المرآة ونحوها، بخلاف الصورة الشمسية فإنها باقية في الأوراق ونحوها مستقرة، فإلحاقها بالصورة المنقوشة باليد أظهر وأوضح وأصح من إلحاقها بظهور الصورة في المرآة ونحوها ... إلى أن قال رحمه الله: ومصور الصورة الشمسية مصور لغة وشرعاً وعقلاً ().
وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ما نصه:
التصوير الفوتوغرافي الشمسي من أنواع التصوير المحرم فهو والتصوير عن طريق النسيج والصبغ بالألوان والصور المجسمة سواء في الحكم، والاختلاف في وسيلة التصوير وآلته لا يقتضي اختلافاً في الحكم، وكذا لا أثر للاختلاف فيما يبذل من جهد في التصوير صعوبة وسهولة في الحكم أيضاً وإنما المعتبر الصورة فهي محرمة وإن اختلفت وسيلتها وما بذل فيها من جهد ().
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز-رحمه الله-:
واختلف علماء العصر في التصوير الشمسي، هذا النوع الذي يكون بواسطة الكاميرا فبعضهم قال: إنه ليس بتصوير وإنما هو إمساك الظل وتسامح في ذلك، والبعض من أهل العلم وهم أهل البصيرة والتحقيق على أنه تصوير وأنه لا يجوز وأن حكمه حكم التصوير باليد الفني المعروف، فهذا التصوير لا يجوز لذوات الأرواح إلا لحاجة أو ضرورة كالتابعية أو تصوير الجناة لمعرفتهم واتقاء شرهم أو لقيادة السيارة للحاجة، هذا إذا دعت الحاجة إليه ولم يتيسر له استخراج تابعية أو رخصة إلا بالصورة فنرجح أنه لا حرج عليه للضرورة ().
قال الشيخ محمد على الصابوني: أقول: إن التصوير الشمسي (الفوتوغرافي) لا يخرج عن كونه نوعاً من أنواع التصوير، فما يخرج بالآلة يسمى (صورة) والرجل الذي يحترف هذه الحرفة يسمى في اللغة والعرف (مصوراً) فهذا وإن كان لا يشمله النص الصريح لأنه ليس تصويراً باليد وليس فيه مضاهاة لخلق الله إلا أنه لا يخرج عن كونه ضرباً من ضروب التصوير فينبغي أن يقتصر في الإباحة على (حد الضرورة)().
ثانياً: (ومن الأدلة أيضاً على تحريمه) : وجود العلة المانعة من التصوير وهي المضاهاة ومشابهة خلق الله هي أيضاً موجودة في التصوير الفوتوغرافي بل وجودها في هذا النوع من التصوير أكثر وأعظم من وجودها في التصوير باليد فكان التحريم فيها أشد من غيرها.
قال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم-رحمه الله-: فإن التصوير الشمسي وإن لم يكن مثل المجسد من كل وجه فهو مثله في علة المنع وهي إبراز الصورة في الخارج بالنسبة إلى المنظر ().
وقال أيضا: بل الضوئي أشد فتنة من المجسم فإنه يأتي بشكل الأصل أتم وأكمل من غيره ().
ثالثاً: ومن الأدلة أيضاً على دخول التصوير الفوتوغرافي فيما يحرم من أنواع التصوير؛ أن هذا النوع من التصوير ما هو إلا تطوير للتصوير اليدوي مما تطورت سائر المهن والصناعات، ومن المعلوم أن الاختلاف في وسيلة التصوير لا يقتضي اختلافاً في الحكم .
قال الأمين الحاج محمد أحمد في رسالته "حكم التصوير في الإسلام" : وما التصوير الفوتوغرافي إلا تطور لمهنة التصوير كما تطورت جميع المهن والصناعات، فالسيارة في الماضي كانت تصنع جميع أجزائها باليد أما الآن فقد حلت المكائن والآلات محل الأيدي، فكذلك الأمر بالنسبة (للكاميرا) فما هي إلا تطور لحرفة التصوير، فالتصوير حرام سواء كان باليد أو بأي آلة من الآلات، فالرسول r أوتي جوامع الكلم وقد نهى عن التصوير بصفة عامة ليكون قوله حجة على العالمين إلى يوم يبعثون وكما قال ابن عباس رضي الله عنهما، وقد سئل عن الباذق ()، أمسكر هو؟ فقال: لقد سبق محمد r الباذق، فما أسكر فهو حرام ().
فنحن نقول لقد سبق محمد r تصويركم الفوتوغرافي وغيره وأوتي جوامع الكلم، فهل هذه الصور الفوتوغرافية تسمى صوراً أم لا؟ فإن كانت تسمى صوراً فهذا حرام، وهذا الذي تناوله الوعيد والتهديد السابق، وإن لم تسم صوراً فهذا أمر آخر ().
رابعاً: ومن الأدلة أيضاً أن القول بتحريم هذا النوع من التصوير أحوط وأبعد عن الوقوع في المحرم، هذا على اعتبار الخلاف الحاصل في هذا النوع، وإلا فالقول بالتحريم أظهر لعموم الأدلة كما ذكرنا طرفاً منها.
هذه بعض أدلة من قال بالتحريم.
القول الثاني: من قال بعدم التحريم
ذهب إلى القول بجواز هذا النوع من التصوير عدد من العلماء منهم شيخنا محمد الصالح العثيمين-رحمه الله-، وشيخنا صالح اللحيدان-حفظه لله- والشيخ عبد الرحمن عبد الخالق وغيرهم من أهل العلم المعاصرين.
أدلة من قال بعدم تحريم هذا النوع من التصوير؛
يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين-رحمه الله-: الصور الفوتوغرافية الذي نرى فيها أن هذه الآلة التي تخرج الصورة فوراً وليس للإنسان أي عمل، نرى أن هذا ليس من باب التصوير وإنما هو من باب نقل صورة صورها الله عز وجل بواسطة هذه الآلة فهي انطباع لا فعل للعبد فيه من حيث التصوير، والأحاديث الواردة إنما هي في التصوير الذي يكون بفعل العبد ويضاهي به خلق الله.
ويتبين لك ذلك جيداً بما لو كتب لك شخص رسالة فصورتها في الآلة الفوتوغرافية فإن هذه الصور التي تخرج ليست هي من فعل الذي أدار الآلة وحركها، فإن هذا الذي حرك الآلة ربما يكون لا يعرف الكتابة أصلاً والناس يعرفون أن هذه كتابة الأول والثاني ليس له أي فعل فيها ولكن إذا صور هذا التصوير الفوتوغرافي لغرض محرم فإنه يكون حراماً تحريم الوسائل() .
قلت: وجملة ما استدل به من قال بإباحة التصوير الفوتوغرافي ما يأتي.
أدلة من قال بجواز التصوير الفوتوغرافي:
أولاً: أن التصوير الفوتوغرافي ليس تصويراً بالمعنى الذي جاءت نصوص الشرع بالوعيد عليه وبالنهي عنه، فالتصوير بالآلة الفوتوغرافية ليس فيه تشكيل ولا تخطيط ولا تفصيل وإنما هو نقل شكل شكله الله.
والأصل في الأعمال غير التعبدية الحل إلا ما أتى الشرع بتحريمه.
ثانياً: ومن الأدلة أيضاً على عدم التحريم:
ما جاء من الاستثناء في قوله r {إلا رقماً في ثوب} فقالوا بأن التصوير الشمسي يقاس على جواز الرقم في الثوب.
يقول السايس في كتابه آيات الأحكام: ولعلك تريد بعد ذلك أن تعرف حكم ما يسمى بالتصوير الشمسي أو (الفوتوغرافي) فنقول: يمكنك أن تقول أن حكمها حكم الرقم في الثوب وقد علمت استثناءه نصاً ولك أن تسمي ذلك ليس بتصوير بل حبس للصورة وما مثله إلا كمثل الصورة في المرآة، لا يمكنك أن تقول إن ما في المرآة صورة وإن أحداً صورها والذي تضعه آلة التصوير هي صورة في المرآة، غاية الأمر أن مرآة الفوتوغرافي تثبت ().
ثالثاً: أن العلة الواردة في النهي عن التصوير هي مضاهاة خلق الله منتفية في هذا النوع من التصوير.
قال الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق:
لا يزعم الزاعم أن صورة آلة التصوير مضاهاة لخلق الله بل هي انعكاس على الورق أو أي سطح آخر ولا تتدخل القدرة الفنية هنا بكثير أو قليل إلا من حيث إتقان الفنان وضع الآلة أو توضيحها وإلا فإبراز الصورة إنما هو بفعل المرآة والعدسات والأضواء الساقطة ... إلى أن قال.
وهكذا نعلم أن مسألة المضاهاة والعدوان على اسم الله المصور منتفية هنا قطعاً().
وهناك أدلة أخرى ذكرها من قال بجواز هذا النوع من التصوير نصفح عن ذكرها مخافة التطويل ولكن خلاصة الأمر هنا أن هناك من أجاز هذا النوع من التصوير بما ذكرناه من آلة وغيرها مما لم نذكره.
مسألة هامة
هناك أمر لا بد من ذكره وهو أن من قال بجواز هذا النوع من التصوير اشترطوا لجوازه شروطاً منها: أن لا تشتمل الصورة الفوتوغرافية على محرم، وذلك كأن يكون وضع الصورة على حال ينافي الأخلاق والقيم الإسلامية. أو كانت الصورة على وضع ينافي أسس العقيدة الإسلامية وأصولها مثل الصور التي تحمل في طياتها شعاراً كفرياً وأهله أو كان مضمونها سخرية واستهزاء بالدين وأهله، أو كان الهدف منها تعظيم المصور تعظيماً دينياً أو دنيوياً لبعض العلماء أو الزعماء أو غير ذلك من الأسباب التي تجعل الصورة تخرج عن أصلها وحدها المباح إلى ما سوى ذلك من التحريم، ولهذا فإن الصورة لأي غرض من الأغراض المذكورة وما شابهها تكون محرمة.
قال الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق وهو ممن يرى جواز التصوير الفوتوغرافي: ومن أجل ذلك فنحن نقول لا يجوز بتاتاً تصوير الزعماء والرؤساء ونصب صورهم في الدوائر والميادين لأن هذا من أعظم دواعي الشرك بالله I، وهذا بالطبع لا يجوز فعله بقدرة الفنان أو بآلة التصوير فكلا الأمرين غير جائز، لأن العلة في نصب صور الزعماء والرؤساء السياسيين والدينيين باقية إلى أن قال: والشاهد أن صورة الآلة والصورة المصنوعة بقدرة الفنان والمصور سواء في الحرمة إذا كان القصد منها تعظيم رئيس من الرؤساء أو زعيم من الزعماء ونصب هذه الصورة وتعليقها حرام لأن هذا ذريعة إلى تعظيم غير الله بل هو من تعظيم غير الله I ().
الراجح عندي من القولين:
هذه المسألة مما عمت به البلوى وأصبحت الصور تدخل البيوت دون رقيب أو حسيب عن طريق الصحف والمجلات والكتب والأشرطة وغيرها، وأصبح لزاماً على الشخص لاستخراج بطاقة أو جواز أو طلب عمل في مؤسسة أو شركة أو دائرة حكومية أن يقع في التصوير، ولذا فالذي يترجح لي أن التصوير بكل أشكاله وأنواعه محرم ولا يجوز إلا ما دعت إليه الضرورة والحاجة. فالضرورة كالبطاقة والرخصة وغيرها، والحاجة كالتوثيق وإعداد البرنامج الخاص والعام مما يحتاج إليه الناس في حياتهم اليومية.
أما تصوير المرأة فمحرم ولا يجوز، وليس هناك ضرورة ولا حاجة تستدعي ذلك والبطاقات الممغنطة التي تعمل بها بعض الدول الأوروبية كفيلة بحل بطاقة المرأة.
وعلى كل حال فالتصوير بعضه أهون من بعض والنظر إلى الصورة عند التصوير والمصوِّر أشد جرما من المصَوَّر-صاحب الصورة.
وأسأل الله أن يغفر لنا ويتجاوز عنا ما يقع من الزلل في هذا الباب.
جوال الكاميرا
حرصت شريعة الإسلام الغراء كل الحرص على حفظ حرمات الأشخاص وخصوصياتهم من أن تنتهك بأي صورة من الصور، أو شكل من الأشكال، ورتبت على ذلك أموراً كثيرة تحفظ لكل مسلم ومسلمة خصوصياته وكرامته وأسراره؛ فقد جاء النهي صريحاً عن التجسس وتتبع عورات المؤمنين والمؤمنات، وانتهاك الحرمات قال الله جل وعلا:{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}() فهذه الآية تحذر كل من تسول له نفسه أن يعبث بقيم وأخلاق الآخرين.
وقال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا...}().
وهنا توضح هذه الآية السياج القوي حول حرمات الأشخاص وحقوقهم وحرياتهم، وأنه لا يجوز أن تمس من قريب أو بعيد تحت أي ذريعة أو ستار، فلا يحل الإطلاع على عورات المسلمين أو نشر عيوبهم، أو انتهاك حرماتهم، وكشف أسرارهم، وهذا ما جاءت السنة تؤكد عليه وتوضحه قال صلى الله عليه وسلم [إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً]().
ويتوعد رسولنا صلى الله عليه وسلم أولئك الذين يتتبعون عورات الناس ويبحثون عن معايبهم فيقول:[يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته]().
وهكذا يعيش المجتمع المسلم آمناً مطمئناً تصان فيه الأعراض، ويحافظ فيه على الأسرار، ولا تنتهك الحرمات.
والتكنولوجيا الحديثة وجدت لخدمة الإنسان وراحته، وتيسير أمور حياته في مختلف مجالاتها، وكل مخترع حديث له محاسن ومساوىء مثل الهاتف والإنترنت وغيرها، ففيها من المنافع تعريف الناس بما ينفعهم في أمور معاشهم ومعادهم، وفيها نشر العلوم الشرعية وغيرها، وبثها لأكبر شريحة متلقيه، وبالمقابل فيها من المساوىء الكثير حيث استخدمت للإساءة للآخرين، ونشر المعايب، والكذب، والبهتان، ونشر الباطل، وتزيين الشر وتيسيره للناس، وكسر الحواجز التي كانت تمنع الناس وتردعهم عن الوقوع في المحاذير الشرعية.
ومن هذه الأجهزة الحديث التي اخترعت حديثاً جهاز ( الجوال )، وقد أفاد الناس منه كثيراً، وانتفعوا به ويسَّر عليهم كثيراً، وخدمهم لقضاء حوائجهم خدمة كبيرة، لكن هذا النفع سرعان ما تكدر لحرص الأعداء على إفساد حياة الناس وبث الشرور بين المسلمين؛ فاخترعوا في هذا الجهاز ( كاميرا صغيرة ) تستطيع التصوير دون أن يعلم الطرف الآخر، وهذا الجوال الذي انتشر انتشاراً هائلاً في أوساط الصغار والكبار، الذكور والإناث جاء بسلبياته وإيجابياته، لكن سرعان ما أسيء استخدامه من قبل الكثيرين في تصوير النساء وهن بأكمل صورة وأجملها لاسيما في المناسبات الخاصة والعامة والمدارس والكليات، ثم ما تلبث هذه الصور فترة حتى تنزل بالإنترنت، وتنتشر على مستوى كبير.
إن هذا الاستخدام السيء جعل كثيراً من البيوت والأسر تمنع من تحت يدها من حضور كثير من المناسبات حفاظاً على شرفهم، وصيانة لأعراضهم، وحماية لكرامتهم.
لقد وصل الحال ببعض ضعاف النفوس من تركيب صور بعض الفتيات مع صورته بطريقة سيئة، وبث هذه الصورة في الإنترنت مما تسبب في انهيار هذه الفتاة لما رأت الصورة، وإصابتها بحالة نفسية حادة أدى إلى فقدان عقلها.
وقد خلَّف هذا الجوال ـ الذي يحمل بين طياته كاميرا ـ آثاراً بليغة منها:
ـ التفريق بين الأزواج، وخراب البيوت.
ـ انصراف الشباب عن الزواج فيمن تنشر صورتها بأي وسيلة من الوسائل لا سيما إذا انتشرت عبر الإنترنت واطلع عليها آلاف الناس.
ـ استعمال العبارات الشائنة، والكلمات التي تخدش الحياء.
ـ إضعاف الوازع الديني عند كثير من الشباب والفتيات حتى وصل الحال باستعمالهم لهذه الصور استعمالاً قبيحاً لا يكاد يخطر على بال.
ـ الاعتداء على الحياة الخاصة للآخرين، وانتهاك حرماتهم وتتبع عوراتهم.
ـ إشاعة الفاحشة بين الناس، وصدق الله العظيم:{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}().
ـ استخدام هذه الصور استخداماً سيئاً في هدم الأسر والبيوت من باب النكاية بالآخرين، والكيد لهم، والتحدي لمشاعرهم.
وهنا أوصي إخواني وأخواتي فأقول:
إن انتشار هذه الجوالات واستخدامها بهذه الصورة المزرية يحتاج منا ومن كل غيور مخلص لدينه حريص على حماية مجتمعه ووطنه أن نواجه هذا الطوفان، لأن تردي الأخلاق في أي مجتمع هو نذير شؤم بهلاكه.
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هُموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ولعل أول طريق للتصدي والعلاج:
ـ أن نعلم أولادنا بنين وبنات معنى الطهر والعفاف، وأن نربيهم على الفضيلة ومكارم الأخلاق، ولو أن كل رب أسرة تابع وراقب واجتهد لأوجد سياجاً آمناً تتمتع به الأسرة ولا يستطيع ـ بحول الله ـ ذئاب البشر اختراق هذا السياج.
ـ وأيضاً الحرص على غرس الأخلاق الفاضلة، وبث معاني التربية الحقة في نفوس النشء بنين وبنات عن طريق الأب والأم، والمعلم والمعلمة، ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول:[إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق].
ـ وأيضاً نوصي أولياء الأمور بعدم فتح الباب لمن تحت أيديهم في شراء هذه الأجهزة وتداولها لأن بداية الشرّ سهلة، لكن نهايته خطيرة، والنار تشتعل من مستصغر الشرر، وعلى قدر تفريط الأبوين بقدر ما تحصل العواقب الوخيمة للأولاد والبنات.
ـ وأيضاً متابعة الأبناء والبنات في مراحل سن المراهقة، وتوجيههم إلى الفضائل، وترك الرذائل، ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول:[كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ..... والرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته].
ـ وأيضاً التشديد في دخول هذه الأجهزة وبيعها، ووضع الرقابة الصارمة على ذلك، والجزاء الرادع للمخالف.
ـ عدم التساهل مع المحارم في حضور المناسبات العامة إلا بعد التأكد من خلوها من هذه الأجهزة، ووضع رقابة دقيقة عند الأبواب، والقيام بحملات تفتيش مستمرة في المناسبات والمدارس.
ـ منع هذه الأجهزة منعاً باتاً في المدارس والكليات للبنين والبنات.
ـ وضع جزاءات رادعة من قبل الجهات الأمنية لأي فرد يخالف التعليمات أو يسيء للآخرين، وذلك بالغرامة المالية الباهظة، والسجن الطويل، وعدم قبول الشفاعة في مثل هذا الأمر، ولو طُبق ذلك بكل حزم وصرامة لما حصلت هذه الأمور التي تخل بالشرف وتخدش الحياء.
وبهذا تعلم أيها القارىء الكريم أن هذا الجهاز فيه من المحاذير الشرعية أضعاف ما فيه من الإيجابيات، ولذا فالحكم عليه تَبعٌ لاستخدامه، وقد بسطنا حكم التصوير فيما سبق، ويزيد عليه هذا الجوال ما أشرنا إليه من المحاذير الكثيرة.
فليتق الله كل مؤمن ومؤمنة، وليعلم أن كل حركة وسكون مسجلة عليه، وسيكون الحساب عسيراً، وإذا غابت أعين الرقيب من البشر لحظة فعين الله لا تنام.
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل عليَّ رقيب
فلنحرص جميعاً على ما ينفعنا، ولنبتعد عما فيه ضررنا وضرر مجتمعنا، وهدم أخلاقنا، فسفينة المجتمع تسير بأمان، والويل كل الويل لمن يخرقها أو يحاول إغراقها.
وفقنا الله لكل خير، ويسَّر لنا سبل الاستقامة، ورزقنا الحياء والعفة والكرامة.
فتوى الشيخ ابن عثيمين-رحمه الله-
حول التصوير الشمسي مع بيان وجه الخطأ في فهمها.
ذكرنا فيما سبق بعض ما ذكره الشيخ حول التصوير الفوتوغرافي لكن البعض هداهم الله قد أخطأوا في فهم فتواه فقولوا الشيخ ما لم يقله فقالوا بأن التصوير الشمسي مباح مطلقاً دون قيود تقيده، ومن هنا ظهرت صورهم وانتشرت في البيوت والرحلات للذكرى وغيرها مما توسع فيه كل ذلك بناء على ما فهموه حول هذا الموضوع أعني موضوع التصوير الشمسي، وبياناً للحق ودفاعاً عن شيخنا في هذا الأمر سأذكر جملة مما قاله مع بيان مراده-رحمه الله- في هذا الجانب المهم.
قال-رحمه الله-: الحالة الثالثة:
أن تلتقط الصور التقاطاً بأشعة معينة بدون أي تعديل أو تحسين من الملتقط فهذا محل خلاف بين العلماء المعاصرين.
فالقول الأول: أنه تصوير، وإذا كان كذلك فإن حركة هذا الفاعل للآلة يعد تصويراً، إذ لولا تحريكه إياها ما انطبعت هذه الصورة على هذه الورقة ونحن متفقون على أن هذه صورة فحركته تعتبر تصويراً فيكون داخلاً في العموم.
القول الثاني: أنها ليست بتصوير، لأن التصوير فعل المصور وهذا الرجل ما صورها في الحقيقة وإنما التقطها بالآلة والتصوير من صنع الله... إلى أن قال رحمه الله وهذا القول أقرب لأن المصور بهذه الطريقة لا يعتبر مبدعاً ولا مخططاً، ولكن يبقى النظر هل يحل هذا الفعل أم لا؟
والجواب: إذا كان لغرض محرم صار محرماً وإذا كان لغرض مباح صار مباحاً لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، وعلى هذا فلو أن شخصاً صور إنساناً لما يسمونه بالذكرى سواء كانت هذه الذكرى للتمتع بالنظر إليه أو التلذذ به أو من أجل الحنان والشوق إليه فإن ذلك محرم ولا يجوز لما فيه من اقتناء الصور، لأنه لا شك أن هذه صورة ولا أحد ينكر ذلك.
وإذا كان لغرض مباح كما يوجد في التابعية والرخصة والجواز وما أشبه ذلك فهذا يكون مباحاً.
فإذا ذهب الإنسان الذي يحتاج إلى رخصة إلى هذا المصور الذي تخرج منه الصورة فورية بدون عمل ولا تحميض ولا غيره وقال صورني، فصوره فإن هذا المصور لا نقول إنه داخل في الحديث أي حديث الوعيد على التصوير.
أما إذا قال صورني لغرض آخر غير مباح صار من باب الإعانة على الإثم والعدوان ().
وفي سؤال وجه إليه حول حكم تعليق الصور على الجدران قال-رحمه الله-: تعليق الصور على الجدران لاسيما الكبيرة منها حرام حتى وإن لم يخرج إلا بعض الجسم والرأس، وقصد التعظيم فيها ظاهر وأصل الشرك هو هذا الغلو كما جاء ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في أصنام قوم نوح التي يعبدونها إنها كانت أسماء رجال صالحين صوروا صورهم ليتذكروا العبادة ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم.
وفي إجابة أخرى حول اقتناء الصور للذكرى قال: اقتناء الصور للذكرى محرم لأن النبي r أخبر أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة وهذا يدل على تحريم اقتناء الصور في البيوت والله المستعان().
وسئل أيضاً -رحمه الله- سؤالاً جاء فيه:
سؤال: أصبحت الصورة وسيلة هامة من وسائل الإيضاح في عصرنا الحاضر وخاصة في الصحف والتلفزيون فما الحكم الشرعي في اقتناء الصور لاسيما صور توضح مثلاً المذابح التي يتعرض لها المسلمون في أفغانستان؟
أجاب-رحمه الله-فقال: إن اقتناء الصور مطلقاً سواء كانت وسيلة اتخاذها اليد أو الآلة التي تلتقط الصور لا يجوز إلا أن تقتنى لحاجة أو ضرورة. على أن بعض أهل العلم المعاصرين يقولون: إذا كان في حفظها مصلحة وهي دون الحاجة والضرورة فإنه لا بأس بحفظها، لكن كلما ابتعد عن ذلك فهو أفضل، لأن اقتناء الصور في غير ما يمتهن لا يجوز إذ إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة ().
ومما سئل فيه أيضاً-رحمه الله-سؤالاً عن حكم صور الحيوانات لتعليم الأطفال بداية الحروف فأجاب –رحمه الله – بقوله:
لا بأس من أن يبين للطلبة هذه الحروف بشرط أن يقطع رأسه فيجعله بعيراً بدون رأس ().
قلت: فهذه جملة من فتاوى الشيخ حول موضوع التصوير الفوتوغرافي ومن نظر لما ذكره الشيخ يجد أنه-رحمه الله- لم يجعل التصوير مطلقاً بل قيده للحاجة والضرورة، فمتى وجدت الحاجة والضرورة صار التصوير مباحاً وذكر أمثلة لذلك، كالتصوير من أجل الرخص والتابعية وغيرها مما أصبح يمثل حاجة للناس، وكذا التصوير من أجل القبض على المجرمين ممن يسعون في الأرض فساداً كل هذا مما أجازه الشيخ.
أما التصوير من أجل الذكرى أو من أجل تعليق هذه الصورة على الجدران كل هذا مما أفتى الشيخ بعدم جوازه حتى مجرد الاقتناء دون التعليق قال الشيخ بأن الأفضل الابتعاد عنه فكون البعض يخطئ في فهم فتاوى الشيخ وينسب القول له هذا من الظلم وقول على الشيخ بما لم يقله فالفتوى شيء وفهم الفتوى شيء آخر.
وقد تبين لك أخي الكريم أن رأي الشيخ لا يختلف عن غيره في حرمة التصوير لغير غرض شرعي وأن ما يفعله الناس من التصوير للذكرى ويعتمدون على فتوى الشيخ أن هذا خطأ وفهم للفتوى على غير وجهها الشرعي، فحري بطلاب العلم أن يتبينوا الأمر ولا ينقلوا عن أهل العلم إلا بعد التثبت والتحري والفهم الدقيق .
أسأل الله بمنه وكرمه أن يرفع درجات شيخنا في عليين وأن يجمعنا به ووالدينا إنه سميع مجيب.
الخاتمــــة
بعد عرض موضوعات البحث ظهر لي ما يلي:
أولاً: أن التصوير باليد وهو ما كانت اليد المباشرة فيه لعملية التصوير بنوعيه -أعني التصوير المسطح والتصوير المجسم- كلاهما حرام لوجود علة المضاهاة، وغيرها من العلل التي ذكرناها.
ثانياً: أن النقش باليد لا يعدو عن كونه رسماً، بل هو أعم منه من جهة التحسين والتجميل، ولذا كانت عقوبته أشد.
ثالثاً: أن النقش والرسم والتصوير كلها قد تكون مكروهة، وإن كان بعضها قد يكون أوسع من الآخر في بعض الأحيان.
رابعاً:أن هناك وعيداً شديداً لمرتكبي حرمة التصوير، لورود الأدلة الوارد في حقهم.
خامساً: كثرة العلل الواردة في تحريم التصوير، فهي غير مقتصرة على المضاهاة في الخلق فقط كما يظن البعض.
سادساً: أن الرسم باليد أو النقش بها فيما ليس ممتهناً، الصحيح أنه محرم، وهو قول الجمهور من الفقهاء بخلاف من قال بكراهيته.
سابعاً: أن الرسم باليد لما يعد ممتهناً هو كبيرة من كبائر الذنوب.
ثامناً: أن هناك فرقاً بين الرسم لما يعد ممتهناً، واستعمال ما يعد ممتهناً، ففيه خلاف، والصحيح من أقوال أهل العلم أنه لا بأس باستعمال التصاوير الممتهنة، وإن تجنبها الإنسان فهو أولى.
تاسعاً: أن الصورة إذا كانت مقطوعة الرأس، فالصحيح أنه لا بأس بها.
عاشراً: أنه يحرم رسم، أو نقش الرأس فقط، لقوة الأدلة الدالة على التحريم.
أحد عشر: أن الرسم الكاريكاتوري أشد تحريماً من الرسم العادي لأنه اشتمل على أمرين :
1-مباشرة اليد في الرسم.
2- السخرية الحاصلة به من خلال الرسوم.
اثنا عشر : أن التصوير الفوتوغرافي لم يكن موجوداً في العصور المتقدمة وإنما اكتشف في العصور المتأخرة.
ثلاثة عشر: أن الذين قالوا بإباحة هذا النوع من التصوير اشترطوا له شروطاً خاصة بأن لا تشتمل الصورة على محرم أو يكون فيها استهزاء في الدين والأخلاق والقيم.
أربعة عشر: تبين لي رجحان تحريم التصوير بكل أشكاله وأنواعه إلا ما دعت إليه الضرورة أو الحاجة مع التأكيد على حرمة تصوير المرأة بكل حال إلا في حال الضرورة القصوى كمرض أو جناية أو إخلال بالأمن أو غير ذلك مما لا بد منه.
خمسة عشر: تبين لنا أن شيخنا –رحمه الله- يرى جواز التصوير الفوتوغرافي ويقول أنه ليس تصويراً في واقع الأمر.
ستة عشر: تبين أن شيخنا –رحمه الله- يقول أن التصوير الفوتوغرافي يأخذ حكم الغرض منه فإن كان الغرض محرماً كان محرماً وإن كان الغرض منه جائزاً كان جائزاً لأن الوسائل لها أحكام المقاصد.
سبعة عشر: أن التصوير الفوتوغرافي لغير غرض شرعي لا يجوز كمن يصور للذكرى أو يحتفظ بالصورة وهذا ما يراه شيخنا وبهذا يعلم أن رأي الشيخ لا يختلف عن غيره في مآل الصورة وإن كان نفس الفعل يتساهل فيه الشيخ. "
أ . هــ
لذا وبعد أن تبين حكم الشرع في هذا الموضوع , وجب التنبيه أن الإدارة لن تسمح بنشر صور ذوات الأرواح أو الصور الفوتوغرافية على صفحات المنتدى , وعلى جميع الأعضاء الالتزام بذلك .
جعلنا الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين .