الهزبر
2007-10-26, 01:17 PM
السلام عليكم.
ماهو التاريخ سؤال سألته لنفسي وحاولت ان ابحث عن معلومات وهذه ثمرة هذا الجهد.
شاع في الوسط العلمي اقتران مصطلح التاريخ بالأحداث الماضية التي قام بها الإنسان، فتشكل المفهوم الشائع للتاريخ على أنه : ما مضى من الأحداث الإنسانية؛ غير أن هذا المفهوم وإن شاع لا يعد بالضرورة مفهوما صحيحا ؛ وعليه فمن الواجب البحث عن حقيقة هذا المصطلح والتي لن تظهر إلا إذا بحث عنها بين طيات المصدر الأكثر أمانة والأكثر صدقا ؛ وهو القرآن الكريم ؛غير أننا قبل التطرق إلى المفهوم القرآني سنتطرق أولا إلى المفهوم اللغوي والمفاهيم الاصطلاحية .
أولا: المعنى اللغوي :
من خلال تتبع التعاريف اللغوية لكلمة تاريخ نجد أن تعريف الوقت هو المعنى الغالب لدى علماء اللغة حيث ذكروا أن التأريخ: " تعريف الوقت. أرّخ الكتاب وقته"
أما عن أصل الكلمة فقد اختلف فيه ؛ فقد قيل أنه عربي، وقيل أنه غير ذلك
ثانيا: المعنى الاصطلاحي:
قبل التطرق إلى اصطلاح العلماء للفظة تاريخ يجب التنبيه إلى نقطة مهمة جدا، وهي أن لفظة تاريخ قد استعملت في الاصطلاح على نحوين اثنين، فتارة تستعمل ويراد بها مضمون ومحتوى المادة التاريخية، وتارة أخرى تستعمل ويراد بها طريقة التعامل مع هذه المادة. وهذه الازدواجية في الاستعمال أدت إلى خلط في فهم معنى اللفظ، وهذا ما يطرحه الدكتور شريعتي في قوله " يوجد تناقض لفظي في موضوع التاريخ كما هو الملاحظ في كل من اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية مفهومان مختلفان عن بعضهما يستخدمان للدلالة على كلمة واحدة... أما في التاريخ فالمفهومان ( موضوع التاريخ) و( علم التاريخ) اشتركا بلفظة واحدة وهي ( التاريخ) لبيان مدلولاتهما" ولرفع هذا التناقض والتداخل في استعمال اللفظ لأكثر من معنى وجب علينا تحديد المصطلحات لتخطي الإطلالات اللاعلمية، والخروج من المفاهيم المتداخلة.
وهناك في هذا المجال محاولات لعدة باحثين حاولوا فيها ضبط المصطلح وتخطي هذا الاستعمال المزدوج للفظة تاريخ.
يقول الدكتور قاسم عبدة أن هناك تفريق شائع " بين كلمة التاريخ كتعبير دال على مسيرة الإنسان الحضارية على سطح كوكب الأرض منذ الأزل، وعبارة تدوين التاريخ كتعبير عن العملية الفكرية الإنشائية التي تحاول بإعادة تسجيل وبناء وتفسير الإنسان على كوكبه"
غير أن عبارة تدوين التاريخ لا تعبر عن الطريقة العلمية للتعامل مع المادة التاريخية، حتى وإن قصد بها واضعي المصطلح ذلك. فهذه العبارة توحي بالجمع والتقييد دون التحليل والتفسير. وهناك إطلاق آخر فرّق بين المفهومين أقام على أساسه عدة باحثين أبحاثهم العلمية، وهذا المصطلح هو: تفسير التاريخ. وإطلاقا آخر يقاربه، وهو: فلسفة التاريخ.
ويرى الدكتور عبد الحليم عويس أنهما مصطلحان متكافئان، وذلك في قوله: "...ولهذا نحن لا نجد أي اعتراض على مصطلح ( فلسفة التاريخ)، لأنها فلسفة في حقل معرفي عملي مفيد، ونحن نعتبر هذا المصطلح مصطلحا مكافئا لمصطلح ( تفسير التاريخ)".
ومن المؤكد بعد ذلك أن هناك جهودا كثيرة في هذا المجال، وما هاته الأمثلة إلا لتأكيد ضرورة ضبط المصطلح. وما يلاحظ أن هناك شبه اتفاق على جعل لفظة تاريخ خاصة بالموضوع ويبدوا هذا الاستعمال مناسبا جدا. ويبقى بعد ذلك تحديد المصطلح الدال على الطريقة التي نتعامل بها مع المادة التاريخية محل اختلاف واجتهاد.
بعد هذا الفصل في الإطلاق الاصطلاحي يتضح لنا أنه حينما نتحدث عن مفهوم التاريخ فإننا نريد به معرفة المادة التي يمكن أن يطلق عليها مصطلح تاريخ .
وفيما يلي بعض الاطلاقات الاصطلاحية، ونعتمد في ذلك على تعريفين لعالمين جليلين باعتبارهما من أوائل المتحدثين عن التاريخ والمهتمين به، وهما: السخاوي وابن خلدون .
يقول السخاوي: "... وفي الاصطلاح التعريف بالوقت الذي تضبط به الأحوال من مولد الرواة والأئمة ووفاة وصحة وعقل وبدن وحج وحفظ وضبط وتوثيق... ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة... وربما يتوسع فيه لبدء الخلق وقصص الأنبياء...والحاصل أنه فن يبحث فيه عن وقائع الزمان من حيثية التعيين والتوقيت، بل عما كان في العالم"
نلاحظ من التعريف أن السخاوي يربط التعريف الاصطلاحي بالتعريف اللغوي ربطا تاما، ويتبين ذلك في قوله: " فن يبحث فيه عن وقائع الزمان من حيثية التعيين والتوقيت، بل عما كان في العالم".
ويبدو من هذا التعريف الاصطلاحي أن نظرة السخاوي للتاريخ نظرة توحي " بأن وظيفة التاريخ قاصرة على تحديد موقع الحادثة التاريخية زمانا ومكانا على الرغم من أنه يشي بشمولية علم التاريخ".
ويأتي ابن خلدون بعد السخاوي فيعرف التاريخ على أنه: " في ظاهره لا يزيد على أخبار عن الأيام، والدول والسوابق من القرون الأول، تنمو فيها الأقوال، وتضرب فيها الأمثال، وتؤدي إلينا شأن الخليقة كيف تقلبت بها الأحوال... وفي باطنه نظر وتحقيق , وتعليل للكائنات ومبادئها, وعلم بكيفيات الوقائع و أسبابها عميق...." . ويبدوا أن ابن خلدون قد فرق بين مفهوم التاريخ كمادة ومضمون, وبين التاريخ كطريقة تعامل مع تلك المادة, وقد استعمل في ذلك لفظي " في ظاهره.... في باطنه" . كما يبدو أنه حصر المادة التاريخية في الأحداث الإنسانية الماضية .
وتأتي – بعد ذلك- تعاريف المؤرخين و المهتمين بالدراسات التاريخية تتفق معظمها على أن التاريخ هو معرض الأحداث الماضية، وأن موضوعه هو الإنسان والزمان .
ثالثا: المفهوم القرآني للتاريخ:
أول ما تجب الإشارة إليه هو أن لفظة تاريخ لم ترد لا في القرآن الكريم، ولا في السنة النبوية المطهرة. وغياب المصطلح لا يعني غياب المعنى الذي يحمله، فلقد جاء في القرآن الكريم ما يدل على التاريخ وعلى ضرورة الاهتمام به، يتضح ذلك من الآيات التي تحمل لفظة القصص والذي معناه: الأخبار المتتابعة، إذ أن القص يعني: إتباع الأثر.
يقول الله عز وجل: { فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } (لأعراف: من الآية176)
وقال تعالى: { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ } (يوسف: من الآية3)
هذا إلى جانب آيات كثيرة تدل على أهمية القصص التاريخي.
كما يظهر معنى التاريخ جليا في وجود مصطلح ( أيام الله) "كتعبير قرآني عن التاريخ" وذلك في قوله تعالى: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآياتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } (إبراهيم:5) وعلى الرغم من أن أكثر المفسرين يفسرون ( أيام الله) بنعمائه سبحانه وتعالى على عباده، إلا أن هناك من يفسرها على أنها الوقائع والأحداث. وتأتي كل المعاني بعد ذلك على ثلاثة أقوال: " أحدها: أنها نعم الله. رواها أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبه قال مجاهد وقتادة وابن قتيبة.
والثاني: أنها وقائع الله في الأمم قبلهمّ. قاله ابن زيد، وابن السائب ومقاتل.
والثالث: أنها أيام نعم الله عليهم وأيام نقمه ممن كفر من قوم نوح وعاد وثمود. قاله الزجاح" غير أن القول بأنها فقط نعم الله بعيد، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم، وكل الرسل قبله - عليهم السلام- يذكّرون أقوامهم بكل من السراء والضراء معا. ولذلك فإن القول الراجح في كل تلك الأقوال هو أن ( أيام الله) هي: " الوقائع العظيمة التي وقعت فيها"، ويظهر هذا جليا في الآيات الكريمة. حيث أن سيدنا موسى عليه السلام لما امتثل لأمر الله له بتذكير أهله قام " مذكرا لهم بأيام الله معهم ثم أيامه مع غيرهم" خيرها وشرها.
قال تعالى: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآياتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُور.وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ .وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ .وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ . أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ } ( إبراهيم : 5-9 ) فموسى عليه السلام ذكّر قومه بما كان من أمرهم، ثم انتقل ليذكّرهم بما كان من أمر الأقوام الذين سبقوهم. ونلاحظ أنه- عليه السلام- لما ذكّرهم لم يقتصر على ما أحله الله عليهم من غضب أو رضا. ولكنّه ذكّرهم كذلك بما فعلوه هم كصانعي أحداث، وما فعلته الأقوام من قبلهم. ففي هذا ذكر لإرادتين فاعلتين هما:
أولا: إرادة الله تعالى. وتظهر في قوله: {...إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ..} وقوله: { ...و جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ...}. فالله تعالى هو من أنجاهم، وهو من أرسل إليهم الرسل.
ثانيا: إرادة البشر. وتظهر في قوله تعالى: { فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ } فهم من عصوا وهم من استحبوا الكفر على الإيمان بمحض إرادتهم.
وكل هذا يدخل في ( أيام الله) التي ذكّر بها موسى قومه. معنى هذا أن التاريخ يجمع الأحداث الناجمة عن الإرادتين الفاعلتين، الإرادة الإلهية، والإرادة الإنسانية. وكلاهما تكونان فاعلتان في زمن محدد أسماه الباحثون بالوجود المتزمن ، أي الزمن الدنيوي.
وعلى هذا الأساس يتضح لنا أن ( أيام الله) لا تقتصر على الإرادة الإلهية فقط، وإنما هناك إرادة حرة أخرى هي إرادة الإنسان، وهي أيضا من إرادة الله الذي خلق الإنسان. غير أن الإمام ابن عاشور يفسر (أيام الله) على أنها " أيام ظهور بطشه وغلبه من عصى أمره، وتأييده المؤمنين على عدوهم فإن ذلك كله مظهر من مظاهر عزة الله تعالى. وشاع إطلاق اسم اليوم مضافا إلى اسم شخص أو قبيلة على يوم انتصر فيه مسمى المضاف إليه على عدوه، يقال أيام تميم...".
غير أن هذا التفسير يحمل بين طياته كلاما غريبا على الذات الإلهية، فالله تعالى لا ينتصر على عباده كأعداء، وهو طرف في النزاع ! لتصبح له بعد ذلك أياما تسمى باسمه. فهذا في ظني لا يليق.
أما إطلاق اللفظ القرآني ( أيام الله) لشيوع اللفظ عند العرب ففيه نظر، إذ يبدوا أن استعمال هذا اللفظ هو تأديب من الله تعالى للعرب، وتنبيههم إلى أن الأيام كلها هي أيام الله، وهي لا تختص بقوم من الأقوام حتى وإن كانت لهم الغلبة فيها. وفي هذا الاستعمال تصحيح عقائدي دقيق أرجع الأمور إلى أصولها.
وعلى هذا الأساس يمكننا القول بأن التاريخ في القرآن الكريم هو نتاج الإرادة الإلهية والإرادة البشرية في الوجود المتزمن.
وبعد تحديد المفهوم القرآني للتاريخ تتساقط تباعا كل التعاريف التي تذكر المفهوم الأحادي للتاريخ بحصره في الفعل الإنساني دون الالتفات إلى الفعل الإلهي. وليس المعنى
هنا وضع الفعل الإنساني بالمقابل مع الفعل الإلهي، ولكن المعنى هو وجود الإراديتين، وأن هناك " استواء الفعل البشري على قاعدة الفعل الإلهي الخلاق".
من أجل هذا لا يجب أبدا ونحن نقرأ التاريخ أن يغيب عنا الفعل الإلهي ، كما لا يجب أن يغيب عنا ضرورة الربط الزمني في الوجود المتزمن ليصبح وحدة متكاملة تربط بين الماضي والحاضر وبين الحاضر والمستقبل، لأن التاريخ في القرآن الكريم " لم يعد محصورا في أحوال الماضين كما كان شائعا من أمره ومعروفا، بل كما هو قائم حتى الآن في معظم الأذهان"، وإنما هو " وحدة زمنية تتهاوى الجدران التي تفصل بين الماضي والحاضر والمستقبل"، لترسم عبر هذه الثلاثية الزمنية مسيرة التجربة البشرية، من البداية إلى النهاية.
تحياتي.
ماهو التاريخ سؤال سألته لنفسي وحاولت ان ابحث عن معلومات وهذه ثمرة هذا الجهد.
شاع في الوسط العلمي اقتران مصطلح التاريخ بالأحداث الماضية التي قام بها الإنسان، فتشكل المفهوم الشائع للتاريخ على أنه : ما مضى من الأحداث الإنسانية؛ غير أن هذا المفهوم وإن شاع لا يعد بالضرورة مفهوما صحيحا ؛ وعليه فمن الواجب البحث عن حقيقة هذا المصطلح والتي لن تظهر إلا إذا بحث عنها بين طيات المصدر الأكثر أمانة والأكثر صدقا ؛ وهو القرآن الكريم ؛غير أننا قبل التطرق إلى المفهوم القرآني سنتطرق أولا إلى المفهوم اللغوي والمفاهيم الاصطلاحية .
أولا: المعنى اللغوي :
من خلال تتبع التعاريف اللغوية لكلمة تاريخ نجد أن تعريف الوقت هو المعنى الغالب لدى علماء اللغة حيث ذكروا أن التأريخ: " تعريف الوقت. أرّخ الكتاب وقته"
أما عن أصل الكلمة فقد اختلف فيه ؛ فقد قيل أنه عربي، وقيل أنه غير ذلك
ثانيا: المعنى الاصطلاحي:
قبل التطرق إلى اصطلاح العلماء للفظة تاريخ يجب التنبيه إلى نقطة مهمة جدا، وهي أن لفظة تاريخ قد استعملت في الاصطلاح على نحوين اثنين، فتارة تستعمل ويراد بها مضمون ومحتوى المادة التاريخية، وتارة أخرى تستعمل ويراد بها طريقة التعامل مع هذه المادة. وهذه الازدواجية في الاستعمال أدت إلى خلط في فهم معنى اللفظ، وهذا ما يطرحه الدكتور شريعتي في قوله " يوجد تناقض لفظي في موضوع التاريخ كما هو الملاحظ في كل من اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية مفهومان مختلفان عن بعضهما يستخدمان للدلالة على كلمة واحدة... أما في التاريخ فالمفهومان ( موضوع التاريخ) و( علم التاريخ) اشتركا بلفظة واحدة وهي ( التاريخ) لبيان مدلولاتهما" ولرفع هذا التناقض والتداخل في استعمال اللفظ لأكثر من معنى وجب علينا تحديد المصطلحات لتخطي الإطلالات اللاعلمية، والخروج من المفاهيم المتداخلة.
وهناك في هذا المجال محاولات لعدة باحثين حاولوا فيها ضبط المصطلح وتخطي هذا الاستعمال المزدوج للفظة تاريخ.
يقول الدكتور قاسم عبدة أن هناك تفريق شائع " بين كلمة التاريخ كتعبير دال على مسيرة الإنسان الحضارية على سطح كوكب الأرض منذ الأزل، وعبارة تدوين التاريخ كتعبير عن العملية الفكرية الإنشائية التي تحاول بإعادة تسجيل وبناء وتفسير الإنسان على كوكبه"
غير أن عبارة تدوين التاريخ لا تعبر عن الطريقة العلمية للتعامل مع المادة التاريخية، حتى وإن قصد بها واضعي المصطلح ذلك. فهذه العبارة توحي بالجمع والتقييد دون التحليل والتفسير. وهناك إطلاق آخر فرّق بين المفهومين أقام على أساسه عدة باحثين أبحاثهم العلمية، وهذا المصطلح هو: تفسير التاريخ. وإطلاقا آخر يقاربه، وهو: فلسفة التاريخ.
ويرى الدكتور عبد الحليم عويس أنهما مصطلحان متكافئان، وذلك في قوله: "...ولهذا نحن لا نجد أي اعتراض على مصطلح ( فلسفة التاريخ)، لأنها فلسفة في حقل معرفي عملي مفيد، ونحن نعتبر هذا المصطلح مصطلحا مكافئا لمصطلح ( تفسير التاريخ)".
ومن المؤكد بعد ذلك أن هناك جهودا كثيرة في هذا المجال، وما هاته الأمثلة إلا لتأكيد ضرورة ضبط المصطلح. وما يلاحظ أن هناك شبه اتفاق على جعل لفظة تاريخ خاصة بالموضوع ويبدوا هذا الاستعمال مناسبا جدا. ويبقى بعد ذلك تحديد المصطلح الدال على الطريقة التي نتعامل بها مع المادة التاريخية محل اختلاف واجتهاد.
بعد هذا الفصل في الإطلاق الاصطلاحي يتضح لنا أنه حينما نتحدث عن مفهوم التاريخ فإننا نريد به معرفة المادة التي يمكن أن يطلق عليها مصطلح تاريخ .
وفيما يلي بعض الاطلاقات الاصطلاحية، ونعتمد في ذلك على تعريفين لعالمين جليلين باعتبارهما من أوائل المتحدثين عن التاريخ والمهتمين به، وهما: السخاوي وابن خلدون .
يقول السخاوي: "... وفي الاصطلاح التعريف بالوقت الذي تضبط به الأحوال من مولد الرواة والأئمة ووفاة وصحة وعقل وبدن وحج وحفظ وضبط وتوثيق... ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة... وربما يتوسع فيه لبدء الخلق وقصص الأنبياء...والحاصل أنه فن يبحث فيه عن وقائع الزمان من حيثية التعيين والتوقيت، بل عما كان في العالم"
نلاحظ من التعريف أن السخاوي يربط التعريف الاصطلاحي بالتعريف اللغوي ربطا تاما، ويتبين ذلك في قوله: " فن يبحث فيه عن وقائع الزمان من حيثية التعيين والتوقيت، بل عما كان في العالم".
ويبدو من هذا التعريف الاصطلاحي أن نظرة السخاوي للتاريخ نظرة توحي " بأن وظيفة التاريخ قاصرة على تحديد موقع الحادثة التاريخية زمانا ومكانا على الرغم من أنه يشي بشمولية علم التاريخ".
ويأتي ابن خلدون بعد السخاوي فيعرف التاريخ على أنه: " في ظاهره لا يزيد على أخبار عن الأيام، والدول والسوابق من القرون الأول، تنمو فيها الأقوال، وتضرب فيها الأمثال، وتؤدي إلينا شأن الخليقة كيف تقلبت بها الأحوال... وفي باطنه نظر وتحقيق , وتعليل للكائنات ومبادئها, وعلم بكيفيات الوقائع و أسبابها عميق...." . ويبدوا أن ابن خلدون قد فرق بين مفهوم التاريخ كمادة ومضمون, وبين التاريخ كطريقة تعامل مع تلك المادة, وقد استعمل في ذلك لفظي " في ظاهره.... في باطنه" . كما يبدو أنه حصر المادة التاريخية في الأحداث الإنسانية الماضية .
وتأتي – بعد ذلك- تعاريف المؤرخين و المهتمين بالدراسات التاريخية تتفق معظمها على أن التاريخ هو معرض الأحداث الماضية، وأن موضوعه هو الإنسان والزمان .
ثالثا: المفهوم القرآني للتاريخ:
أول ما تجب الإشارة إليه هو أن لفظة تاريخ لم ترد لا في القرآن الكريم، ولا في السنة النبوية المطهرة. وغياب المصطلح لا يعني غياب المعنى الذي يحمله، فلقد جاء في القرآن الكريم ما يدل على التاريخ وعلى ضرورة الاهتمام به، يتضح ذلك من الآيات التي تحمل لفظة القصص والذي معناه: الأخبار المتتابعة، إذ أن القص يعني: إتباع الأثر.
يقول الله عز وجل: { فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } (لأعراف: من الآية176)
وقال تعالى: { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ } (يوسف: من الآية3)
هذا إلى جانب آيات كثيرة تدل على أهمية القصص التاريخي.
كما يظهر معنى التاريخ جليا في وجود مصطلح ( أيام الله) "كتعبير قرآني عن التاريخ" وذلك في قوله تعالى: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآياتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } (إبراهيم:5) وعلى الرغم من أن أكثر المفسرين يفسرون ( أيام الله) بنعمائه سبحانه وتعالى على عباده، إلا أن هناك من يفسرها على أنها الوقائع والأحداث. وتأتي كل المعاني بعد ذلك على ثلاثة أقوال: " أحدها: أنها نعم الله. رواها أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبه قال مجاهد وقتادة وابن قتيبة.
والثاني: أنها وقائع الله في الأمم قبلهمّ. قاله ابن زيد، وابن السائب ومقاتل.
والثالث: أنها أيام نعم الله عليهم وأيام نقمه ممن كفر من قوم نوح وعاد وثمود. قاله الزجاح" غير أن القول بأنها فقط نعم الله بعيد، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم، وكل الرسل قبله - عليهم السلام- يذكّرون أقوامهم بكل من السراء والضراء معا. ولذلك فإن القول الراجح في كل تلك الأقوال هو أن ( أيام الله) هي: " الوقائع العظيمة التي وقعت فيها"، ويظهر هذا جليا في الآيات الكريمة. حيث أن سيدنا موسى عليه السلام لما امتثل لأمر الله له بتذكير أهله قام " مذكرا لهم بأيام الله معهم ثم أيامه مع غيرهم" خيرها وشرها.
قال تعالى: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآياتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُور.وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ .وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ .وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ . أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ } ( إبراهيم : 5-9 ) فموسى عليه السلام ذكّر قومه بما كان من أمرهم، ثم انتقل ليذكّرهم بما كان من أمر الأقوام الذين سبقوهم. ونلاحظ أنه- عليه السلام- لما ذكّرهم لم يقتصر على ما أحله الله عليهم من غضب أو رضا. ولكنّه ذكّرهم كذلك بما فعلوه هم كصانعي أحداث، وما فعلته الأقوام من قبلهم. ففي هذا ذكر لإرادتين فاعلتين هما:
أولا: إرادة الله تعالى. وتظهر في قوله: {...إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ..} وقوله: { ...و جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ...}. فالله تعالى هو من أنجاهم، وهو من أرسل إليهم الرسل.
ثانيا: إرادة البشر. وتظهر في قوله تعالى: { فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ } فهم من عصوا وهم من استحبوا الكفر على الإيمان بمحض إرادتهم.
وكل هذا يدخل في ( أيام الله) التي ذكّر بها موسى قومه. معنى هذا أن التاريخ يجمع الأحداث الناجمة عن الإرادتين الفاعلتين، الإرادة الإلهية، والإرادة الإنسانية. وكلاهما تكونان فاعلتان في زمن محدد أسماه الباحثون بالوجود المتزمن ، أي الزمن الدنيوي.
وعلى هذا الأساس يتضح لنا أن ( أيام الله) لا تقتصر على الإرادة الإلهية فقط، وإنما هناك إرادة حرة أخرى هي إرادة الإنسان، وهي أيضا من إرادة الله الذي خلق الإنسان. غير أن الإمام ابن عاشور يفسر (أيام الله) على أنها " أيام ظهور بطشه وغلبه من عصى أمره، وتأييده المؤمنين على عدوهم فإن ذلك كله مظهر من مظاهر عزة الله تعالى. وشاع إطلاق اسم اليوم مضافا إلى اسم شخص أو قبيلة على يوم انتصر فيه مسمى المضاف إليه على عدوه، يقال أيام تميم...".
غير أن هذا التفسير يحمل بين طياته كلاما غريبا على الذات الإلهية، فالله تعالى لا ينتصر على عباده كأعداء، وهو طرف في النزاع ! لتصبح له بعد ذلك أياما تسمى باسمه. فهذا في ظني لا يليق.
أما إطلاق اللفظ القرآني ( أيام الله) لشيوع اللفظ عند العرب ففيه نظر، إذ يبدوا أن استعمال هذا اللفظ هو تأديب من الله تعالى للعرب، وتنبيههم إلى أن الأيام كلها هي أيام الله، وهي لا تختص بقوم من الأقوام حتى وإن كانت لهم الغلبة فيها. وفي هذا الاستعمال تصحيح عقائدي دقيق أرجع الأمور إلى أصولها.
وعلى هذا الأساس يمكننا القول بأن التاريخ في القرآن الكريم هو نتاج الإرادة الإلهية والإرادة البشرية في الوجود المتزمن.
وبعد تحديد المفهوم القرآني للتاريخ تتساقط تباعا كل التعاريف التي تذكر المفهوم الأحادي للتاريخ بحصره في الفعل الإنساني دون الالتفات إلى الفعل الإلهي. وليس المعنى
هنا وضع الفعل الإنساني بالمقابل مع الفعل الإلهي، ولكن المعنى هو وجود الإراديتين، وأن هناك " استواء الفعل البشري على قاعدة الفعل الإلهي الخلاق".
من أجل هذا لا يجب أبدا ونحن نقرأ التاريخ أن يغيب عنا الفعل الإلهي ، كما لا يجب أن يغيب عنا ضرورة الربط الزمني في الوجود المتزمن ليصبح وحدة متكاملة تربط بين الماضي والحاضر وبين الحاضر والمستقبل، لأن التاريخ في القرآن الكريم " لم يعد محصورا في أحوال الماضين كما كان شائعا من أمره ومعروفا، بل كما هو قائم حتى الآن في معظم الأذهان"، وإنما هو " وحدة زمنية تتهاوى الجدران التي تفصل بين الماضي والحاضر والمستقبل"، لترسم عبر هذه الثلاثية الزمنية مسيرة التجربة البشرية، من البداية إلى النهاية.
تحياتي.