مشاهدة النسخة كاملة : تفنيد إلحاد وليد الحسيني
الداعي
2013-06-12, 05:52 PM
الناس منزلتان؛ فمنهم مؤمن، ومنهم ملحد، وثمة منزلة بين المنزلتين، وهي (اللا أدري)، وكلُّهم متفق على حقيقة، وهي: (لا شيء يأتي صدفة من العدم)، وكلهم بدأ بداية صحيحة، وهي: (التفكير في الكون والإنسان والحياة)؛ فمن قاده تفكيرُه إلى حدوث المادة آمن بموجدها بدهيا (لكل مصنوع صانع)، ومن قاده تفكيرُه إلى سرمدية المادة وأزليتها ألحد؛ لأنَّ الدليل على وجود الصانع مفقود.
ونحن قبل الولوج في إيجاد المفاهيم الصادقة عن الكون والإنسان والحياة، لا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ إدراك شيء ما يكون بأحد أمرين: إمَّا بإدراك ذاته، وإمَّا بإدراك أثره؛ فمثلا، يقول أحدهم: هناك من سار في هذه الطريق اللية، فيقال له: كيف عرفت ذلك: هل رأيته؟ هل سمعته؟ هل أخبرك بذلك أحد؟ فيقول: لا، ولكني رأيت أثر سيره فاهتديت إلى مسيره، وإلى وقت سيره.
إذن، إن قادنا تفكيرُنا إلى حدوث المادة؛ فالكون والإنسان والحياة دليل خريت، وحجة دامغة، وسلطان مبين يقودنا إلى الإيمان بخالق له، وهذا الإيمان ليس عن طريق إدراك ذاته، بل هو إدراك لوجوده بإدراكنا لأثره فيما يقع عليه حسُّنا، وهو الكون والإنسان والحياة، وهنا يحضرني قول ذاك الأعرابي: الأثر يدل على المسير، والبَعْرَة تدل على البعير، فسماء ذات أبراجٍ، وأرض ٌ ذات فجاج، وبحارٌ ذات أمواج، ألا تدل على السميع البصير؟! بلى.
الداعي
2013-06-12, 10:10 PM
عندما يتفاعل المرء مع طاقته الحيوية، تنشأ لديه معضلة عظيمة، تجلب عليه القلق والخوف من أمور على أمور: نفسه ونوعه. وعليه، فإنه يغذُّ السير متلمسًا حلاً لهذه المعضلة يقنع عقله، ويوافق فطرته، فتطمأنُّ نفسه، وتتبدد حيرته هباءً منثورًا، ويذهب قلقه أدراج الرياح.
وهذه المعضلة تكون بمثابة عقدة كبرى، يتوقف حلُّها على الوصول إلى أجوبة حقيقية لهذه الأسئلة: مَنْ أنا؟ كيف جئت وأذهب؟ ما هذا الكون؟ أهو أزلي أم كان عدمًا؟ ثمَّ كيف كان إن لم يكن: أجاء صدفةً أم خلقًا؟ مَنْ قبل الكون والإنسان والحياة؟ وما بعدهم؟ ما علاقتهم بما قبلهم وما بعدهم؟ إنَّ هذه الأسئلة تلحُّ على الإنسان: أنِ ابحث عن أجوبة لي، وتدفعه إلى ذلك دفعًا.
الداعي
2013-06-12, 10:11 PM
لمَّا كانت طريقة البحث الصحيحة الكاملة هي الطريقة العقلية، كان لا بدَّ من الواقع حتى يبدأ العقل بإنتاج الفكر، والواقع هو ما تدركه حاسة أو أكثر، وهذا يتحقق في ذات الشيء أو أثر هذه الذات؛ فالهواء تدركه حاسة اللمس، والضوء تدركه حاستا اللمس والإبصار، والملح تدركه حواس اللمس والإبصار والذوق، والطعام تدركه حواس اللمس والإبصار والذوق والشم، والصوت تدركه حاسة السمع. وهكذا، هلمَّ جرًّا.
وهذه الحواس تدرك الشيء أو أثره؛ فالماء يدرك بذاته، والحياة تدرك بأثرها، وهو: الحركة والنمو والتنفس، والروح التي هي سبب الحياة لا تدرك بذاتها؛ فلا هي تحس أو تبصر أو تشم أو تذوق أو تسمع. ولمَّا كانت الحيرة تعتري الإنسان من الإنسان نفسه والحياة والكون_ وهي أشياء تقع تحت حسِّ الإنسان _، كان لا بدَّ من إيجاد الفكر عن الإنسان والحياة والكون؛ لأنَّ ما يعتري الإنسان ويدور في خلده يحلُّ بإيجاد المفاهيم الصادقة عن الكون والإنسان والحياة، وقد تكفَّل أصحاب الفكر المستنير والإحساس المرهف بأعباء إيجاد هذه المفاهيم.
الداعي
2013-06-12, 10:16 PM
إيجاد المفاهيم الصادقة عن الإنسان:
بعد دراسةِ العقلِ الإنسانَ، أوجد عنه فكرًا، فحكم عليه بأنَّه كائن مادي، فيه طاقة حيوية تتمثل في ثلاثة أمور، ألا وهي: التفكير، والغرائز، والحاجات العضوية.
وبعد تتبع واقع الإنسان، أدرك أنَّه يفقد القدرة على التفكير بشكل كامل أو جزئي؛ يفقدها بشكل كامل في حالين اثنتين: إحداهما: إن كان عقله غير صالح للربط، والأخرى: إن تعطلت حواسه الخمس. ويفقدها بشكل جزئي في حالين اثنتين: إحداهما: إن كان ربط عقله ضعيفا، والأخرى: إن تعطلت بعض حواسه. فـ(الدماغ والحواس) هما ركنا التفكير من الإنسان نفسه، و(الواقع والمعلومات السابقة) هما الركنان الآخران للتفكير من خارج الإنسان؛ لذلك كانت القدرة على التفكير ابتداءً منوطة بالدماغ والحواس، وبموجبهما ندرك قدرة الإنسان على التفكير. وقد بسطنا القول وأوسعنا الكلام على الفكر والتفكير في المداخلات آنفة الذكر.
والحاجات العضوية هي خاصيات في الإنسان مخصوصة بأعضائه، تجعله بحاجة إلى أوضاع وأشياء وأعمال معينة، وهي على النحو الآتي:
1. يحتاج الجسم إلى أوضاع معينة، نحو: النوم، والراحة، ودرجة حرارة مناسبة، وضغط جوي مناسب، ...إلخ.
2. يحتاج الجسم إلى أشياء معينة، نحو: الطعام، والشراب، والدواء، والهواء، والكساء، ...إلخ.
3. يحتاج الجسم إلى أفعال معينة، نحو: الأكل، والشرب، والتنفس، وقضاء الحاجة، واللبس، ...إلخ.
والغرائز هي خاصيات في الإنسان مخصوصة بماهيته، تدفعه إلى أن يميل إلى أشياء وأعمال أو يحجم عنها. وبعد تدقيق الفرق بين الغريزة ورجعها (مظهرها)، وجد أنَّها تكون حسب الآتي:
1. غريزة البقاء: وتشترك مظاهرها في الحفاظ على ذات الإنسان، ومن مظاهرها: حب التملك، والاستطلاع، والسيطرة، والسيادة، والخوف، والرجاء.
2. غريزة النوع: وتشترك مظاهرها في الحفاظ على جنس الإنسان، ومن مظاهرها: الميل الجنسي، والأمومة، والأبوة، والبنوة، والحنان، والشفقة، وإغاثة الملهوف.
3. غريزة التدين: وتشترك مظاهرها في تكريس الحاجة إلى شيء ما، ومن مظاهرها: التقديس، والعبادة، واحترام الأقوياء، وتقدير العظماء، والشعور بالعجز والنقص والاحتياج، ...إلخ.
الفرق بين الغرائز والحاجات العضوية؛
1. من حيث المثير:
الغرائز: مثيرها خارجي، فمظاهرها لا تثور إلا برؤية ما يثيرها أو التفكير فيه. مثال: من لا يفكر بامرأة أو يراها لا يثور ميله الجنسي.
الحاجات العضوية: مثيرها داخلي، فعندما يحتاج الجسم للأكل يثور جوعه، ولكن قد يرى صنوف الأكل ويتناول أطراف الحديث عنها ولا يجوع في حال اكتفاء بدنه.
2. من حيث الإشباع:
الغرائز: ليست حتمية الإشباع، وأقصى ما ينتج عن عدم إشباعها هو القلق والانزعاج.
الحاجات العضوية: حتمية الإشباع، فعدم إشباعها يهلك الإنسان.
من مجموع هذه المفاهيم عن الإنسان_ وهي أفكار يثبت العقل صحتها في كل مكان وزمان _نهتدي إلى الآتي:
• الإنسان عاجز؛ لأنَّه ينمو في كلِّ شيء إلى قدر لا يتجاوزه، ويخضع لقوانين لا يملك تغييرها.
• الإنسان ناقص؛ فهو لا يملك ما يعينه على بقاء ذاته.
• الإنسان محتاج؛ لأنه بحاجة إلى إشباع الغرائز والحاجات العضوية؛ ليسعد ويحافظ على حياته.
• الإنسان محدود؛ لأنَّ له بداية ونهاية، فهو حادث، أي: ليس بأزلي ولا قديم.
وعليه، فالإنسان مخلوق؛ لأنَّ العاجز والناقص والمحتاج والمحدود يستند في وجوده على غيره، أي وجوده مقرون بشيء ما، وقد يكون هذا الشيء هو الحياة والكون.
الداعي
2013-06-12, 10:24 PM
إيجاد المفاهيم الصادقة عن الحياة:
الحياة هي سبب النمو والحركة في الكائنات الحية، سواء في ذلك الإنسان والحيوان والنبات... إلخ. وهي بحاجة إلى الطعام والشراب للإستمرار؛ فهي عاجزة عن الاستمرار في كائن ليس لديه ما يكفيه من غذاء، محتاجة لهذا الغذاء، ناقصة من دونه.
وعليه، فالحياة عاجزة ناقصة محتاجة، مظهرها فردي، لها بداية ونهاية، فهي محدودة، أي: ليست أزلية. إذن، الحياة مخلوقة، وهي تستند في وجودها على شيء، فما هو؟ لعلَّه الكون
الداعي
2013-06-12, 10:43 PM
إيجاد المفاهيم الصادقة عن الكون:
الكون مجموع أجرام، وكل جرم منها محدود، ومجموع المحدودات محدود بداهة؛ ذلك لأن كل جرم منها له أول وله آخر، فمهما تعددت هذه الأجرام فإنها تظل تنتهي بمحدود. فالمحدودية ليست بعدد الأجرام، بل هي بكون لها أول ولها آخر، بل تثبت بمجرد وجود الأول. ومجرد أن قيل أكثر من واحد يحتم حينئذ المحدودية، لأن الذي يزيد شيء محدود، فتظل الزيادة حاصلة بمحدود لمحدود، فيظل الجميع محدودا. وعليه، فالكون محدود.
وحين ننظر إلى المحدود نجده ليس أزليا، وإلا لما كان محدودا؛ لأن هذا المدرك المحسوس: إما أن يكون له أول فيكون ليس أزليا، وإما أن يكون لا أول له فيكون أزليا. وثبت أن المحدود له أول فلا يكون أزليا؛ لأن مدلول الأزلي أن لا أول له، وما لا أول له لا آخر له قطعا، لأن وجود آخر يقتضي وجود أول، لأن مجرد البدء لا يكون إلا من نقطة، وهذا يعني أن النهاية لا بد منها ما دام قد حصل البدء من نقطة، سواء أكان ذلك في الزمان أم المكان أم الأشياء أم غير ذلك. وهذا حتمي في الحسيات، وكذلك حتمي في المعقولات، لأن المعقولات هي حسيات في الأصل، وما لم تكن حسيات لا تكون معقولات.
وعليه، فكل ما له أول له آخر، فمدلول الأزلي أنه لا أول له ولا آخر له، فهو غير محدود. فكون الكون والحياة والإنسان محدودة معناه ليست أزلية، وإلا لما كانت محدودة، وما دامت ليست أزلية فهي مخلوقة لغيرها، فالكون والإنسان والحياة لا بد أن تكون مخلوقة لغيرها، وهذا الغير هو خالقها، أي هو خالق الكون والحياة والإنسان.
الداعي
2013-06-12, 11:12 PM
بعد إيجاد هذه المفاهيم الصادقة عن الكون والإنسان والحياة، يمكننا القول: الوجود لا يخرج عن خالق ومخلوق ليس فرضية، وإنما هو حقيقة قطعية؛ لأن الكلام ليس متناولا لهذا القول باعتباره فرضا، ثم جرى ترتيب البرهان على هذا الفرض، وإنما تناول الكلام الأشياء المدركة المحسوسة، وأقام البرهان الحسي على أنها مخلوقة لخالق، فأدرك إدراكا حسيا وجود مخلوقات لخالق، فتوصل بالبرهان الحسي إلى هذا القول، فكان القول نتيجة البرهان وليس فرضا.
أي: إننا لم نقل: بما أن الوجود لا يخرج عن خالق ومخلوق، وبما أنه ثبت أن المدرك المحسوس مخلوق فيكون غير المدرك المحسوس هو الخالق. أي: لم نقم الفرضية أولا، ورتبنا عليها البرهان حتى يحتاج إلى إثبات الفرضية ليصح البرهان، وإنما وضعنا الأشياء المدركة المحسوسة موضع البحث، فلفتنا النظر إلى أنها موجودة قطعا، وهو أمر مشاهد ملموس، وأقمنا البرهان على أنها محتاجة قطعا، وهذا يعني أنها محتاجة إلى من يوجدها فهي مخلوقة. فالبرهان قام على أن الأشياء المدركة المحسوسة مخلوقة، أي ترتب على حقيقة قطعية لا على فرضية.
وبذلك، ثبت بشكل قطعي وجود المخلوق، وهذا يثبت وجود الخالق؛ لأن هذا المخلوق: إما أن يكون مخلوقا لنفسه، أو مخلوقاً لغيره، ولا ثالث لهما قطعا؛ وهذا ليس فرضا، وإنما الواقع المحسوس للمخلوق يدل عليه. أما كونه مخلوقا لنفسه فباطل؛ لأنه يكون مخلوقا لنفسه وخالقاً لنفسه في آن واحد، وهذا باطل، فلا بد أن يكون مخلوقا لغيره، وهذا هو الخالق. وبهذا ثبت وجود خالق، أي أن إثبات كون الأشياء المدركة المحسوسة مخلوقة لخالق، وأن هذا الخالق هو غيرها يثبت وجود الخالق. وبناء على هذا الإثبات بالبرهان الحسي لوجود المخلوق ولوجود الخالق وأنه غير المخلوق، أدركت الحقيقة القطعية، وهي: إن الوجود لا يخرج عن خالق ومخلوق، ولذلك لم يكن هذا القول فرضا، وإنما هو حقيقة قطعية ثبتت بالبرهان الحسي القاطع.
الداعي
2013-06-12, 11:49 PM
نظرة إلى الإلحاد، قديمًا:
نظر الملاحدة قديمًا فيما يقع عليه حسُّهم، فرأوا أن العالم متغير بالمشاهدة والحس، وهذا أمر لا يستطيع أحد إنكاره، وهذا يعني أن العالم حادث لأن كل متغير حادث، وما دام حادثا فهو مخلوق، أي وجد بعد أن لم يكن، ولكنهم رأوا أن تغيره إنما هو في أجزائه التي يتكون منها، أما هو ككل فرأوه كما هو، فالكواكب لا تزال كما هي كواكب لم تتغير، والحياة لا تزال في الأحياء هي الحياة لم تتغير، والإنسان لا يزال هو الإنسان لم يتغير، فتوصلوا من ذلك إلى أن العالم ليس حادثا، وإنما هو قديم أزلي، لا أول له، فهو إذن ليس مخلوقا لخالق.
والحق أن تغير العالم أمر آكد، والتغير ليس في أجزائه فحسب، بل فيه_ أيضا _بوصفه كلا، غير أن التغير لا يعني أن حقيقته قد تغيرت، وإنما وضعه في تغير دائم، فالبرتقالة ونبتة الزرع والحجر والحديد والإنسان والحيوان وغير ذلك تتغير من حال إلى حال بالمشاهدة، ولكن تغيرها لا يعني أن البرتقالة تصبح حجرا، والحجر يصبح حديدا، والحديد يصبح نبتة زرع، وهكذا.
فالتغير يكون بالصفات ويكون بالأحوال، وأما تغيره إلى شيء آخر فهو تبدل، والتبدل ليس هو البرهان، وإنما البرهان هو وجود التغير. وبناء على هذا، ليس صحيحا أن العالم ككل لم يتغير، وليس صحيحا أن الكواكب لا تزال كما هي لم تتغير، وليس صحيحا أن الإنسان كما هو لم يتغير، وليس صحيحا أن الحياة كما هي لم تتغير. فالعالم في مجموعه بكل ما فيه من كون وإنسان وحياة يتغير، فالكواكب متغيرة بالمشاهدة، ومجرد حركتها هو تغير. والإنسان متغير بالمشاهدة، وانتقاله من طفل إلى شاب إلى هرم هو تغير. والحياة متغيرة بالمشاهدة، وكونها تظهر في الإنسان والحيوان والنبتة والشجرة دليل على وجود التغير فيها، فهي متغيرة حتما. وبذلك، ينقض ما ذهبوا إليه من أن العالم ليس حادثا؛ لأنه متغير ككل وكأجزاء، بل هو دائم التغير. وكل متغير حادث، فالعالم حادث، وإذن هو ليس أزليا، وما دام ليس أزليا فهو مخلوق لخالق؛ لأن غير الأزلي مخلوق.
الداعي
2013-06-13, 12:32 AM
نظرة إلى الإلحاد، حديثا:
نظر الملاحدة حديثا إلى ما يقع عليه حسُّهم، فرأوا أن حوادث العالم متعددة، فهي تنتقل من حال إلى حال. وقالوا: إن العالم بطبيعته مادي، وإن حوادث العالم المتعددة هي مظاهر مختلفة للمادة المتحركة، وإن العلاقات المتبادلة بين الحوادث، وتكييف بعضها بعضا بصورة متبادلة هي قوانين ضرورية لتطور المادة المتحركة، وإن العالم يتطور تبعا لقوانين حركة المادة، وتوصلوا من ذلك إلى أن العالم ليس بحاجة إلى خالق يخلقه؛ لأنه مستغن بنفسه.
إذن، قوانين حركة المادة هي حجر الزاوية، وهي مربط الفرس، وهي الركيزة التي اتكأ عليها من جحد وألحد، وهنا نقول: القوانين الفيزيائية التي يحصل بها تطور المادة لها ثلاث احتمالات، ألا وهي:
1. جاءت من المادة نفسها.
2. خاصية من خواص المادة.
3. مفروضة على المادة.
فإذا ثبت أن هذه القوانين لم تأت من المادة، ولا هي خاصة من خواصها، وإنما هي مفروضة على المادة فرضا من غيرها ومن خارجها، فإنه يكون هناك غير المادة هو الذي يؤثر فيها، وبذلك تبطل نظريتهم وتحل العقدة عندهم؛ لأنه يكون العالم ليس سائرا تبعا لقوانين حركة المادة، بل سائرا بتسيير من أوجد له هذه القوانين، وفرضها عليه فرضا، وأجبره على أن يسير بحسبها، فتنقض النظرية وتحل العقدة.
أما كون هذه القوانين لم تأت من المادة؛ فلأن القوانين هي عبارة عن جعل المادة في نسبة معينة أو وضع معين، فالماء حتى يتحول إلى بخار أو إلى جليد إنما يتحول حسب قوانين معينة، أي حسب نسبة معينة من الحرارة، فإن حرارة الماء ليس لها في باديء الأمر تأثير في حالته من حيث هو سائل، لكن إذا زيدت أو أنقصت حرارة الماء جاءت لحظة تعدلت فيها حالة التماسك التي هو فيها وتحول الماء إلى بخار في إحدى الحالتين، وإلى جليد في الحالة الأخرى، فهذه النسبة المعينة من الحرارة هي القانون الذي بحسبه يجري تحول الماء إلى بخار أو إلى جليد، وهذه النسبة، أي كون الحرارة بمقدار معين لمقدار معين من الماء لم تأت من الماء، لأنه لو كانت منه لكان بإمكانه أن يغيرها وأن يخرج عنها، لكن الواقع أنه لا يستطيع تغييرها ولا الخروج عنها، وإنما هي مفروضة عليه فرضا، فدل ذلك على أنها ليست منه قطعا، وكذلك لم تأت من الحرارة، بدليل أنها لا تستطيع أن تغير هذه النسبة أو تخرج عنها، وأنها مفروضة عليها فرضا، فهي ليست منها قطعا، فتكون هذه القوانين ليست من المادة.
وأما كون هذه القوانين ليست خاصية من خواص المادة، فلأن القوانين ليست أثرا من آثار المادة الناتجة عنها حتى يقال: إنها من خواصها، وإنما هي شيء مفروض عليها من خارجها. ففي تحول الماء، ليست القوانين فيه من خواص الماء ولا من خواص الحرارة؛ لأن القانون ليس تحول الماء إلى بخار أو إلى جليد، بل القانون تحوله بنسبة معينة من الحرارة لنسبة معينة من الماء. فالموضوع ليس التحول، وإنما هو التحول بنسبة معينة من الحرارة لنسبة معينة من الماء، فهو ليس كالرؤية في العين من خواصها، بل هو كون الرؤية لا تكون إلا بوضع مخصوص. هذا هو القانون، فكون العين ترى خاصية من خواصها، ولكن كونها لا ترى إلا في وضع مخصوص ليس خاصية من خواصها، وإنما هو أمر خارج عنها، وكالنار من خواصها الإحراق، ولكن كونها لا تحرق إلا بأحوال مخصوصة ليس خاصية من خواصها، بل هو أمر خارج عنها. فخاصية الشيء هي غير القوانين التي تسيره، إذ الخاصية هي: (ما يعطيه الشيء نفسه، وينتج عنه) كالرؤية في العين، وكالإحراق في النار، وما شاكل ذلك.
ولكن القوانين التي تسيّر الأشياء هي كون الرؤية لا تحصل من العين إلا بأحوال مخصوصة، وكون الإحراق لا يحصل من النار إلا بأحوال مخصوصة، وكون الماء لا يتحول إلى بخار أو جليد إلا بأحوال مخصوصة، وهكذا. وبهذا، ثبت أن قوانين المادة ليست خاصية من خواص المادة، وإنما هي أمر خارج عنها.
وبما أنه ثبت أن هذه القوانين ليست من المادة ولا خاصية من خواصها، فتكون آتية من غيرها، ومفروضة عليها فرضا من غيرها ومن خارجها، وبذلك يثبت أن غير المادة هو الذي يؤثر فيها، وبذلك يثبت بطلان معتقدهم، لأنه ثبت أن العالم ليس سائرا تبعا لقوانين حركة المادة، بل هو سائر بتسيير من أوجد هذه القوانين وفرضها عليه فرضا، فيكون العالم بحاجة لمن وضع له هذه القوانين وفرضها عليه. وما دام بحاجة إلى من فرض عليه هذه القوانين، فهو_ أي العالم _ليس أزليا، وما دام ليس أزليا فهو مخلوق؛ لأن كونه ليس أزليا يعني أنه وجد بعد أن لم يكن، فهو مخلوق لخالق، ومجرد ثبوت وجود المخلوقات لخالق يثبت وجود الخالق.
الداعي
2013-06-13, 12:41 AM
يقول وليد الحسيني في مدونته:
تزخر كتابات دعاه الخلق الكامل في يومنا هذا بإشارات إلى ما يسمونه القوانين الفيزيائية أو القوانين الطبيعية وبعض المصطلحات التقنية محاولين إشعار القارئ أو المستمع بان استخدامهم لمثل هذه المصطلحات سيضفي على أطروحاتهم نوعا من العلميه وتؤهلهم للظهور بمستوى أكاديمي محترم .
ولكننا وحالما نخضع أطروحاتهم ومحاضراتهم(( العلمية )) إلى نقد علمي حقيقي يتبين لنا حقيقتان :
1- فالمؤمنون لا يفهمون أو يسيئون استخدام تلك القوانين مخالفين بذلك المنهج الصارم لتلك القوانين
2- ويبدو كذلك بان اغلب هؤلاء لا يبدو عليهم بأنهم يفهمون وبشكل واضح المعنى الحقيقي لما ندعوه بالقوانين الفيزيائية .
والتعريف البسيط والمباشر للقوانين العلمية والفيزيائية : هي أنها وصف بشري للظواهر الكونية والطبيعية .
إن التغاضي عن الالتزام بدقه هذا التعريف وحدوده العلمية – البشرية الواضحة يحاول المدافعون عن نظريه الخلق الإلهي بان هذه القوانين تحكم سلوك وحركه الكون كلها فقانون الجاذبية هو الذي يسبب سقوط الأشياء إلى الأسفل أو أن قوانين الكيمياء تتحكم بتفاعلات الجزيئات وسلوك المواد .
ان ادعاءات كهذه بان القوانين الطبيعية هي التي تتحكم بما حولنا من طبيعة تعكس فهما محرفا وخاطئا عن العلم ولنفترض أن مراسلا صحفيا قد كلف بتغطيه مباراة لكره القدم وبعد انتهاء المباراة يكتب تقريره الصحفي ملخصا فيه أهم الأحداث ونتيجة المباراة فهل من المعقول أن نقول بان ما كتبه الصحفي في تقريره عن نتيجة المباراة كان السبب في هذه النتيجه ؟!!!
Powered by vBulletin® Version 4.2.0 Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir