من دار الارقم
2013-06-27, 09:23 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
حقوق الأقارب الأموات
في شرح الشيخ لسنن الترمذي ورد إلى الشيخ محمد بن محمد
المختار الشنقيطي - سلمه الله ورعاه - هذا السؤال :
فضيلة الشيخ-حفظك الله- كما تعلمون- حفظكم الله - أن للقريب على
قريبه حقاً عظيماً خصوصاً إذا كان القريب ميتاً وإن بعض الناس
يغفل عن هذه الحقوق فهلا تفضلتم بكلمة توجيهية
حول هذه الحقوق ؟
فأجاب بهذا الجواب المؤثر في النفوس والموقظ لها من الرقدة
والسبات :
القريب الميت له حق على قريبه ، بل أموات المسلمين عموماً
ينتظرون من أحيائهم حقوقاً أن يحفظوها ولا يضيعوها وأن يؤدوها
ولا ينسوها ، نعم كم من ميت في قبره ينتظر من أخيه المسلم أن
يترحم عليه كم من ميت في قبره ينتظر من أخيه المسلم أن يدعو
ربه أن يوسع عليه ، وقف رسول الله على أموات المسلمين لكي
يسن للأمة وللمؤمنين الترحم على أمواتهم لكي يتذكروا وشيجة
الإسلام التي بينهم وبين إخوانهم ، فكيف إذا كانوا من الأقرباء ؟
( صلَّى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ على جنازةٍ فقال :
اللهُمَّ اغفرْ لِحيِّنا ومَيتِنا ، وصغيرِنَا وكبيرِنَا ، وذكرِنَا وأنثانَا ،
وشاهدِنَا وغائبِنَا ، اللهمَّ مَنْ أحييتَهُ مِنَّا فأحيهِ على الإيمانِ ،
ومَنْ توفيتَهُ منَّا فتوفَّهُ على الإسلامِ ،
اللهمَّ لا تحرمْنَا أجرَهُ ، ولا تُضلَّنَا بعدَهُ )
الراوي : أبو هريرة – المحدث : ابن دقيق العيد –
المصدر : الاقتراح - الصفحة أو الرقم : 97
خلاصة حكم المحدث : صحيح
و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
أن رسول الله صلى الله عليه و سلم :
( أتى المقبرةَ فسلَّمَ على المقبرةِ ،
فقالَ : السَّلامُ عليكُم دارَ قومٍ مؤمنينَ ، وإنَّا إن شاءَ اللَّهُ تعالى بِكُم
لاحِقون ، ثمَّ قالَ : لودِدنا أنَّا قد رأَينا إخوانَنا ،
قالوا : يا رسولَ اللَّهِ أولَسنا إخوانَكَ ؟
قالَ : أنتُمْ أصحابي ، وإخواني الَّذينَ يأتونَ من بَعدي ، وأَنا فرطُكُم
على الحوضِ ،
قالوا : يا رسولَ اللَّهِ كيفَ تعرِفُ من لم يأتِ من أمَّتِكَ ؟
قالَ : أرأيتُمْ لو أنَّ رجلًا لَهُ خيلٌ غرٌّ محجَّلةٌ بينَ ظَهْراني خيلٍ دُهْمٍ
بُهْمٍ ، ألم يَكُن يعرفُها ؟
قالوا : بلَى ، قالَ : فإنَّهم يأتونَ يومَ القيامةِ غرًّا محجَّلينَ ، من أثرِ
الوضوء ،
قالَ : أَنا فرطُكُم على الحوضِ ،
ثمَّ قالَ : ليُذادنَّ رجالٌ عن حوضي ، كما يذادُ البعيرُ الضَّالُّ ، فأُناديهم
: ألا هلمُّوا فيقالُ : إنَّهم قد بدَّلوا بعدَكَ ، ولم يزالوا يرجعونَ على
أعقابِهِم ،
فأقولُ : ألا سُحقًا ، سُحقًا )
الراوي : أبو هريرة – المحدث : الألباني –
المصدر : صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم : 3494
خلاصة حكم المحدث : صحيح
والود هو خالص الحب وخالص ما يريده الإنسان مما يشتهيه
ويطلبه ، انظروا إلى كريم خلقه وإنا والله نشهد الله أننا وددنا لو
رأيناه وودنا أننا كنا معه - عليه الصلاة والسلام - نفديه بأرواحنا
وأنفسنا- صلوات ربي وسلامه وبركاته عليه إلى يوم الدين -.
فالترحم على أموات المسلمين لا شك أنه حق على الأحياء وأثنى الله
عز وجل على من حفظ هذا الحق وزكاه بالخير .
فقال :
{ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ }
يا هذا سل نفسك كم لك من قريبٍ ميتٍ عظم حقه عليك فلم تزره يوماً
من الأيام تترحم عليه ، وقد كان يخرج في جوف الليل الأظلم إلى
القبور يتذكر الآخرة ويترحم على أموات المسلمين ،
فما بالك بالقريب كم من عم وعمة وكم من خال و خالة ..
بل كم من ابن كم من بنت وكم من أب وكم من أم حنون رحيمة كانت
لك ستراً في هذه الدنيا وحسنة ونعمة من الله- جل وعلا –
هل تذكرتها هل زرتها وترحمت عليها ووقفت على قبرها
وقلت :
يا رب عظمت حقوق الوالدين على الولد وها أنا أؤدي بعض
حقها على اللهم اغفر لها وارحمها .!!
وقف رسول الله على أبي سلمة وقد فاضت روحه فسمع الصوت من
داخل البيت فقال :
( عن أمِّ سلَمةَ ، قالَت :
دخلَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ علَى أبي سلمةَ ، وقد شقَّ بصرَهُ
فأغمضَهُ ، فصيَّحَ ناسٌ من أَهْلِهِ ،
فقالَ :
لا تَدعوا علَى أنفسِكُم إلَّا بِخيرٍ ، فإنَّ الملائِكَةَ يؤمِّنونَ على ما
تَقولون ثمَّ قالَ :
اللَّهمَّ اغفِر لأبي سلَمةَ وارفع درجتَهُ في المَهْديِّينَ ، واخلُفهُ في عقبِهِ
في الغابِرينَ ، واغفِر لَنا ولَهُ ربَّ العالمينَ ،
اللَّهمَّ افسِح لَهُ في قبرِهِ ، ونوِّر لَهُ فيهِ )
الراوي : أم سلمة هند بنت أبي أمية – المحدث : الألباني –
المصدر : صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم : 3118
خلاصة حكم المحدث : صحيح
وفىَّ رسول الله لأصحابه بعد موتهم فزار شهداء أحد كما في الحديث
الصحيح فزارهم قبل موته .
تقول أم المؤمنين كالمودع لهم- صلوات الله وسلامه عليه - ،
فإذا كان هذا في عموم المسلمين يحفظ الإنسان حقوق إخوانه من
القرابة ، تعود أن تحفظ حقوق الناس حتى أصدقائك وأحبابك وأهل
ودك الذين ماتوا وانقضوا تذكرهم برحماتك .
من طلاب العلم وأهل الخير والصلاح من إذا تهجد أو صلى أو كان
في عبادته يتذكر والديه يتذكر قرابته كيف تنـزل الرحمات على
الإنسان حينما يبدأ بالحقوق ويبدأ بالأقرب فالأقرب .
جاء رجل يسأل النبي عمن يتصدق ؟
فأمره النبي أن يتصدق على نفسه ثم على القرابة ثم الأقرب فالأقرب أدناك
فقال له :
( قدِمتُ المدينةَ، فإذا رسولُ اللَّهِ، قائمٌ علَى المنبرِ، يخطبُ النَّاسَ،
وَهوَ يقولُ: يدُ المعطى العُليا، وابدأ بمن تعولُ :
أمَّكَ وأباكَ، فأختَكَ وأخاكَ، ثمَّ أدناكَ أدناكَ )
الراوي : طارق بن عبدالله المحاربي – المحدث : الألباني –
المصدر : مشكلة الفقر - الصفحة أو الرقم : 46
خلاصة حكم المحدث : صحيح
فتبدأ في دعائك لنفسك وتسأل الله خير دينك ودنياك وآخرتك ثم
يخشع قلبك وتفيض عيناك حينما تتذكر حق الوالدين فتتذكر أمك
وتذكر أباك إن كانا حيَّين سألت الله لهم حسن الخاتمة وسألت الله لهم
صلاح الأمور وانشراح الصدور وسألت الله لهم أن يجزهم عنك خير
الجزاء .
لماذا تجد الإنسان في بعض الأحيان يعيش في قلق قد يكون القلق
حقوقاً ضيعها قد يكون القلق الغفلة عن هذه النعم التي لو أن الله
منحها للعبد لأصابته الرحمات وكان الله يلطف بهم بالبلايا ولا يتسلط
عليهم عدوٌّ حينما كان يحفظ الحي حق الميت يحفظ القريب حق
القريب وكل يخاف من الحقوق ؛
لأنه يعلم أنه لا يسلَّط عليه إلا إذا ضيعها أو فرط فيها .
سل نفسك ، كم قمت من حق للوالدين ؟
وهل أنت راض عن أمك التي فارقتك وودعتك وكلها أمل أن تذكرها
ولا تنساها وكلها أمل أن تذكر تلك الأيام التي خلت والحسنات التي
مضت فلا تملك إلا أن تدعو لها من قلبك وتسترحم ربك لها ؟
هل تذكرت والداً طالما مسح برأسك وطالما ضمك وطالما شمك
وطالما لثمك وطالما قام على حقوقك ورعاك على أحسن ما يكون
الأب لابنه ؟
هل تذكرت حقه وهو اليوم غريبٌ عنك بعيدٌ عنك أحوج ما يكون إلى
دعوة صادقة من قلبك أن تترحم عليه أن تذكره ولا تنساه ؟
نعم إنك إن فعلت ذلك زكاك رسول الهدى
فقال - صلوات الله وسلامه عليه - :
( إذا مات الإنسانُ انقطع عنه عملُه إلا من ثلاثةٍ :
إلا من صدقةٍ جاريةٍ . أو علمٍ ينتفعُ به . أو ولدٍ صالحٍ يدعو له )
الراوي : أبو هريرة – المحدث : مسلم
المصدر : صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم : 1631
خلاصة حكم المحدث : صحيح
الله أكبر
كان بعض المشايخ والعلماء يقول :
من علامة صلاح العبد أن تجده لا ينسى والديه بعد موتهما فإذا
وجدته كثير الترحم على الوالدين .. كثير الدعاء للوالدين ..
كثير الاستغفار للوالدين فاعلم أنه من أمارات صلاحه .
ذلك هل تذكرت الأعمام والعمات هل تذكرت الأخوال والخالات هل
تذكرت آل كل والقرابات من الذين فجعت بهم من الأموات هل
تذكرتهم الآن من أحوج ما يكونون إلى دعوة
ربما تقول :
ربَّ ارحم فلاناً ويكون في قبره في ضيق وكرب فيفرج الله كربه بتلك
الدعوة وتكون راحماً لعبد فيرحمك الله من فوق سبع سماوات.!!
نعم ما أحوج الأموات إلى دعوة الأحياء وما أحوج الأحياء أن يتذكر
الذين مضوا ، وعلى الأئمة والخطباء أن ينبهوا الناس على هذه الحقوق
وأن ينبهوا الناس على أموات المسلمين المحتاجين للدعوات الصالحة
وأن ينبهوهم على أسباب الرحمة ؛ لأن هذه من أسباب الرحمة
فالراحمون يرحمهم الله ، ويقف الإنسان مسترحماً بقلب حي حاضر
ويعلم أن الله يحب منه ذلك وأن الله يرضى عنه في ذلك ولا يقف الأمر
على القرابة فالسؤال عام لكل الناس والقرابة حقهم أكبر ،
والآن تذكر إذا جيت تريد أن تنظر إلى واقع القريب ..
تذكر أنه لو حضرت منيتك ..تذكر لو أنك الآن في قبرك ..
ماذا تنتظر من أولادك سؤال تسأله وتقول :
سبحان الله أنسيني ابني أنسيني فلذة كبدي هكذا يُـغفَل عن كل
إنسان.!!
ينتظر أموات المسلمين ينتظرون الدعوات ينتظرون صالح الدعوات
ينتظرون الترحم عليهم فهذه أمور كلها مسنونة مشروعة ومن
وشائج الإسلام أن الله لم يقطع أخوة الإسلام بالموت فالأخلاء
يتقاطعون ويتباعدون بمجرد الموت ؛
لكن أخوة الإسلام تبقى شافعة نافعة حتى في يوم لا ينفع فيه مال ولا
بنون إلا من أتى الله بقلب سليم
{ الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ }
فهؤلاء لا تنقطع أخوتهم لكن المتقين المتقون الصالحون الذين
يرعون الحقوق ويقومون بها ، وأما عموم المسلمين أموات
المسلمين عموماً فلا يذكرون إلا بكل خير .
قال صلى الله عليه و سلم :
( اذْكُرُوا محاسنَ موتاكُمْ، وكُفُّوا عنْ مساوِيهِم )
الراوي : عبدالله بن عمر – المحدث : السيوطي –
المصدر : الجامع الصغير - الصفحة أو الرقم : 905
خلاصة حكم المحدث : صحيح
كم من أخٍ لك ومحب لك بينك وبينه ود وحب هل تذكرت تلك الأيام
الماضيات وترحمت عليه وزرت أهله بعد موته أو وجدت عندهم
حاجة قضيتها أو كربة فرجتها وفاءً لأخيك .؟
( جاءت عجوزٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وهو عندي
فقال لها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : من أنتِ ؟
قالت : أنا جثَّامةُ المُزنيَّةُ
فقال : بل أنتِ حسَّانةُ المُزنيَّةُ كيف أنتُم ؟ كيف حالكم ؟
كيف كنتُم بعدنا ؟
قالت بخيرٍ بأبي أنت وأمِّي يا رسولَ اللهِ .
فلما خرجتُ قلتُ : يا رسولَ اللهِ تُقبِلْ على هذه العجوزِ هذا الإقبالَ
فقال : إنها كانت تأتينا زمنَ خديجةَ وإنَّ حسنَ العهدِ من الإيمانِ )
الراوي : عائشة أم المؤمنين - المحدث : الألباني –
المصدر : السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم : 1/424
خلاصة حكم المحدث : صحيح
وأذكرُ من أهل الود والأخوة الصادقة من يضرب به المثل في الترحم
على الأموات من إخوانه وأصدقائه .
حتى إني أذكر بعض أصدقاء الوالد - رحمه الله - يقول :
وكان من قُـوَّام الليل ، ومد الله في عمره وعمِّر- رحمه الله برحمته
الواسعة - وعمر على صحة وعافية ، ولكنه كان لا يترك قيام الليل ،
وكان يقولون من أعظم الأسباب التي يعافي الله بها العبد ويدفع عنه
بها البلاء والشرور قيام الليل .
فكان - رحمه الله - محافظاً على قيام الليل ، وكان ذات مرة تذاكر أمر
في حق سأله بعض القرابة وكان من أعز أصدقاء الوالد حتى إنه
-رحمه الله- لما خرجنا من البقيع بعد دفن الوالد- رحمه الله - وقف وبكى كالطفل وقال :
أقسم بالله العظيم وكان عنده ولد كقرة عين ، والله من أبر الناس به
وكان لا يساوي بهذا الولد
وكان يقول :
أقسم بالله العظيم لموت ابني هذا أهون علي من موت الشيخ
المختار- رحمه الله - من شدة المحبة ومن شدة الأخوة .!!
فهذا الرجل كان يقول- رحمه الله - :
والله إني لأسمي أصحابي في جوف الليل واحداً واحداً ،
ما يقول ربَّ اغفر لي ولأصحابي ولأخواني إنما يتذكرهم رجلاً رجلاً
حتى يكون ذلك ادعى لتذكر فضائلهم وأخوتهم .!
هل الإسلام إلا حفظ الحقوق ، الإنسان يقال له ملتزم وصالح ومع
ذلك قل أن يفعل الخير له ولأقرب الناس منه ثم يدعي أنه على التزام
وصلاح !!
أين الالتزام وأين المحبة الصادقة لله إذا لم تشبها الرحمة والله يقول
لنبيه :
{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً }
فالالتزام هو الرحمة أن ترحم وترحَم حتى تُـرحم وجرب ذلك وستجد
أثره .
أُذكرْ قرابتك أموات المسلمين وأكثر من الترحم عليهم وذكر
محاسنهم والكف عن مساوئهم وأحْـي ذلك في إخوانك وأخواتك
وقرابتك يجلس الإنسان مع إخوانه وأخواته ويقول لهم :
يا إخوان ويا أخوات :
هل تتذكرون والدي ووالدتي هل لكم أن تترحموا عليهم يذكرهم
بهذه الحقوق حتى يكون مباركاً أين ما كان آمراً بالخير رحمة
بالمسلمين .
ونسأل العظيم رب العرش الكريم في هذه الساعة بعزته وجلاله
وعظمته وكماله ورحمته التي وسعت كل شيء أن يسبغ شآبيب
الرحمات على قبور المؤمنين والمؤمنات .
اللهم اغفر لهم مغفرة تامة كاملة يا حي يا قيوم نسألك بعزتك وجلا لك ألا تفتنا بعدهم
ولا تحرمنا أجرهم وأن تحسن لنا العاقبة من
بعدهم إنك ولي ذلك والقادر عليه .
والله تعالى أعلم .
حقوق الأقارب الأموات
في شرح الشيخ لسنن الترمذي ورد إلى الشيخ محمد بن محمد
المختار الشنقيطي - سلمه الله ورعاه - هذا السؤال :
فضيلة الشيخ-حفظك الله- كما تعلمون- حفظكم الله - أن للقريب على
قريبه حقاً عظيماً خصوصاً إذا كان القريب ميتاً وإن بعض الناس
يغفل عن هذه الحقوق فهلا تفضلتم بكلمة توجيهية
حول هذه الحقوق ؟
فأجاب بهذا الجواب المؤثر في النفوس والموقظ لها من الرقدة
والسبات :
القريب الميت له حق على قريبه ، بل أموات المسلمين عموماً
ينتظرون من أحيائهم حقوقاً أن يحفظوها ولا يضيعوها وأن يؤدوها
ولا ينسوها ، نعم كم من ميت في قبره ينتظر من أخيه المسلم أن
يترحم عليه كم من ميت في قبره ينتظر من أخيه المسلم أن يدعو
ربه أن يوسع عليه ، وقف رسول الله على أموات المسلمين لكي
يسن للأمة وللمؤمنين الترحم على أمواتهم لكي يتذكروا وشيجة
الإسلام التي بينهم وبين إخوانهم ، فكيف إذا كانوا من الأقرباء ؟
( صلَّى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ على جنازةٍ فقال :
اللهُمَّ اغفرْ لِحيِّنا ومَيتِنا ، وصغيرِنَا وكبيرِنَا ، وذكرِنَا وأنثانَا ،
وشاهدِنَا وغائبِنَا ، اللهمَّ مَنْ أحييتَهُ مِنَّا فأحيهِ على الإيمانِ ،
ومَنْ توفيتَهُ منَّا فتوفَّهُ على الإسلامِ ،
اللهمَّ لا تحرمْنَا أجرَهُ ، ولا تُضلَّنَا بعدَهُ )
الراوي : أبو هريرة – المحدث : ابن دقيق العيد –
المصدر : الاقتراح - الصفحة أو الرقم : 97
خلاصة حكم المحدث : صحيح
و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
أن رسول الله صلى الله عليه و سلم :
( أتى المقبرةَ فسلَّمَ على المقبرةِ ،
فقالَ : السَّلامُ عليكُم دارَ قومٍ مؤمنينَ ، وإنَّا إن شاءَ اللَّهُ تعالى بِكُم
لاحِقون ، ثمَّ قالَ : لودِدنا أنَّا قد رأَينا إخوانَنا ،
قالوا : يا رسولَ اللَّهِ أولَسنا إخوانَكَ ؟
قالَ : أنتُمْ أصحابي ، وإخواني الَّذينَ يأتونَ من بَعدي ، وأَنا فرطُكُم
على الحوضِ ،
قالوا : يا رسولَ اللَّهِ كيفَ تعرِفُ من لم يأتِ من أمَّتِكَ ؟
قالَ : أرأيتُمْ لو أنَّ رجلًا لَهُ خيلٌ غرٌّ محجَّلةٌ بينَ ظَهْراني خيلٍ دُهْمٍ
بُهْمٍ ، ألم يَكُن يعرفُها ؟
قالوا : بلَى ، قالَ : فإنَّهم يأتونَ يومَ القيامةِ غرًّا محجَّلينَ ، من أثرِ
الوضوء ،
قالَ : أَنا فرطُكُم على الحوضِ ،
ثمَّ قالَ : ليُذادنَّ رجالٌ عن حوضي ، كما يذادُ البعيرُ الضَّالُّ ، فأُناديهم
: ألا هلمُّوا فيقالُ : إنَّهم قد بدَّلوا بعدَكَ ، ولم يزالوا يرجعونَ على
أعقابِهِم ،
فأقولُ : ألا سُحقًا ، سُحقًا )
الراوي : أبو هريرة – المحدث : الألباني –
المصدر : صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم : 3494
خلاصة حكم المحدث : صحيح
والود هو خالص الحب وخالص ما يريده الإنسان مما يشتهيه
ويطلبه ، انظروا إلى كريم خلقه وإنا والله نشهد الله أننا وددنا لو
رأيناه وودنا أننا كنا معه - عليه الصلاة والسلام - نفديه بأرواحنا
وأنفسنا- صلوات ربي وسلامه وبركاته عليه إلى يوم الدين -.
فالترحم على أموات المسلمين لا شك أنه حق على الأحياء وأثنى الله
عز وجل على من حفظ هذا الحق وزكاه بالخير .
فقال :
{ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ }
يا هذا سل نفسك كم لك من قريبٍ ميتٍ عظم حقه عليك فلم تزره يوماً
من الأيام تترحم عليه ، وقد كان يخرج في جوف الليل الأظلم إلى
القبور يتذكر الآخرة ويترحم على أموات المسلمين ،
فما بالك بالقريب كم من عم وعمة وكم من خال و خالة ..
بل كم من ابن كم من بنت وكم من أب وكم من أم حنون رحيمة كانت
لك ستراً في هذه الدنيا وحسنة ونعمة من الله- جل وعلا –
هل تذكرتها هل زرتها وترحمت عليها ووقفت على قبرها
وقلت :
يا رب عظمت حقوق الوالدين على الولد وها أنا أؤدي بعض
حقها على اللهم اغفر لها وارحمها .!!
وقف رسول الله على أبي سلمة وقد فاضت روحه فسمع الصوت من
داخل البيت فقال :
( عن أمِّ سلَمةَ ، قالَت :
دخلَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ علَى أبي سلمةَ ، وقد شقَّ بصرَهُ
فأغمضَهُ ، فصيَّحَ ناسٌ من أَهْلِهِ ،
فقالَ :
لا تَدعوا علَى أنفسِكُم إلَّا بِخيرٍ ، فإنَّ الملائِكَةَ يؤمِّنونَ على ما
تَقولون ثمَّ قالَ :
اللَّهمَّ اغفِر لأبي سلَمةَ وارفع درجتَهُ في المَهْديِّينَ ، واخلُفهُ في عقبِهِ
في الغابِرينَ ، واغفِر لَنا ولَهُ ربَّ العالمينَ ،
اللَّهمَّ افسِح لَهُ في قبرِهِ ، ونوِّر لَهُ فيهِ )
الراوي : أم سلمة هند بنت أبي أمية – المحدث : الألباني –
المصدر : صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم : 3118
خلاصة حكم المحدث : صحيح
وفىَّ رسول الله لأصحابه بعد موتهم فزار شهداء أحد كما في الحديث
الصحيح فزارهم قبل موته .
تقول أم المؤمنين كالمودع لهم- صلوات الله وسلامه عليه - ،
فإذا كان هذا في عموم المسلمين يحفظ الإنسان حقوق إخوانه من
القرابة ، تعود أن تحفظ حقوق الناس حتى أصدقائك وأحبابك وأهل
ودك الذين ماتوا وانقضوا تذكرهم برحماتك .
من طلاب العلم وأهل الخير والصلاح من إذا تهجد أو صلى أو كان
في عبادته يتذكر والديه يتذكر قرابته كيف تنـزل الرحمات على
الإنسان حينما يبدأ بالحقوق ويبدأ بالأقرب فالأقرب .
جاء رجل يسأل النبي عمن يتصدق ؟
فأمره النبي أن يتصدق على نفسه ثم على القرابة ثم الأقرب فالأقرب أدناك
فقال له :
( قدِمتُ المدينةَ، فإذا رسولُ اللَّهِ، قائمٌ علَى المنبرِ، يخطبُ النَّاسَ،
وَهوَ يقولُ: يدُ المعطى العُليا، وابدأ بمن تعولُ :
أمَّكَ وأباكَ، فأختَكَ وأخاكَ، ثمَّ أدناكَ أدناكَ )
الراوي : طارق بن عبدالله المحاربي – المحدث : الألباني –
المصدر : مشكلة الفقر - الصفحة أو الرقم : 46
خلاصة حكم المحدث : صحيح
فتبدأ في دعائك لنفسك وتسأل الله خير دينك ودنياك وآخرتك ثم
يخشع قلبك وتفيض عيناك حينما تتذكر حق الوالدين فتتذكر أمك
وتذكر أباك إن كانا حيَّين سألت الله لهم حسن الخاتمة وسألت الله لهم
صلاح الأمور وانشراح الصدور وسألت الله لهم أن يجزهم عنك خير
الجزاء .
لماذا تجد الإنسان في بعض الأحيان يعيش في قلق قد يكون القلق
حقوقاً ضيعها قد يكون القلق الغفلة عن هذه النعم التي لو أن الله
منحها للعبد لأصابته الرحمات وكان الله يلطف بهم بالبلايا ولا يتسلط
عليهم عدوٌّ حينما كان يحفظ الحي حق الميت يحفظ القريب حق
القريب وكل يخاف من الحقوق ؛
لأنه يعلم أنه لا يسلَّط عليه إلا إذا ضيعها أو فرط فيها .
سل نفسك ، كم قمت من حق للوالدين ؟
وهل أنت راض عن أمك التي فارقتك وودعتك وكلها أمل أن تذكرها
ولا تنساها وكلها أمل أن تذكر تلك الأيام التي خلت والحسنات التي
مضت فلا تملك إلا أن تدعو لها من قلبك وتسترحم ربك لها ؟
هل تذكرت والداً طالما مسح برأسك وطالما ضمك وطالما شمك
وطالما لثمك وطالما قام على حقوقك ورعاك على أحسن ما يكون
الأب لابنه ؟
هل تذكرت حقه وهو اليوم غريبٌ عنك بعيدٌ عنك أحوج ما يكون إلى
دعوة صادقة من قلبك أن تترحم عليه أن تذكره ولا تنساه ؟
نعم إنك إن فعلت ذلك زكاك رسول الهدى
فقال - صلوات الله وسلامه عليه - :
( إذا مات الإنسانُ انقطع عنه عملُه إلا من ثلاثةٍ :
إلا من صدقةٍ جاريةٍ . أو علمٍ ينتفعُ به . أو ولدٍ صالحٍ يدعو له )
الراوي : أبو هريرة – المحدث : مسلم
المصدر : صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم : 1631
خلاصة حكم المحدث : صحيح
الله أكبر
كان بعض المشايخ والعلماء يقول :
من علامة صلاح العبد أن تجده لا ينسى والديه بعد موتهما فإذا
وجدته كثير الترحم على الوالدين .. كثير الدعاء للوالدين ..
كثير الاستغفار للوالدين فاعلم أنه من أمارات صلاحه .
ذلك هل تذكرت الأعمام والعمات هل تذكرت الأخوال والخالات هل
تذكرت آل كل والقرابات من الذين فجعت بهم من الأموات هل
تذكرتهم الآن من أحوج ما يكونون إلى دعوة
ربما تقول :
ربَّ ارحم فلاناً ويكون في قبره في ضيق وكرب فيفرج الله كربه بتلك
الدعوة وتكون راحماً لعبد فيرحمك الله من فوق سبع سماوات.!!
نعم ما أحوج الأموات إلى دعوة الأحياء وما أحوج الأحياء أن يتذكر
الذين مضوا ، وعلى الأئمة والخطباء أن ينبهوا الناس على هذه الحقوق
وأن ينبهوا الناس على أموات المسلمين المحتاجين للدعوات الصالحة
وأن ينبهوهم على أسباب الرحمة ؛ لأن هذه من أسباب الرحمة
فالراحمون يرحمهم الله ، ويقف الإنسان مسترحماً بقلب حي حاضر
ويعلم أن الله يحب منه ذلك وأن الله يرضى عنه في ذلك ولا يقف الأمر
على القرابة فالسؤال عام لكل الناس والقرابة حقهم أكبر ،
والآن تذكر إذا جيت تريد أن تنظر إلى واقع القريب ..
تذكر أنه لو حضرت منيتك ..تذكر لو أنك الآن في قبرك ..
ماذا تنتظر من أولادك سؤال تسأله وتقول :
سبحان الله أنسيني ابني أنسيني فلذة كبدي هكذا يُـغفَل عن كل
إنسان.!!
ينتظر أموات المسلمين ينتظرون الدعوات ينتظرون صالح الدعوات
ينتظرون الترحم عليهم فهذه أمور كلها مسنونة مشروعة ومن
وشائج الإسلام أن الله لم يقطع أخوة الإسلام بالموت فالأخلاء
يتقاطعون ويتباعدون بمجرد الموت ؛
لكن أخوة الإسلام تبقى شافعة نافعة حتى في يوم لا ينفع فيه مال ولا
بنون إلا من أتى الله بقلب سليم
{ الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ }
فهؤلاء لا تنقطع أخوتهم لكن المتقين المتقون الصالحون الذين
يرعون الحقوق ويقومون بها ، وأما عموم المسلمين أموات
المسلمين عموماً فلا يذكرون إلا بكل خير .
قال صلى الله عليه و سلم :
( اذْكُرُوا محاسنَ موتاكُمْ، وكُفُّوا عنْ مساوِيهِم )
الراوي : عبدالله بن عمر – المحدث : السيوطي –
المصدر : الجامع الصغير - الصفحة أو الرقم : 905
خلاصة حكم المحدث : صحيح
كم من أخٍ لك ومحب لك بينك وبينه ود وحب هل تذكرت تلك الأيام
الماضيات وترحمت عليه وزرت أهله بعد موته أو وجدت عندهم
حاجة قضيتها أو كربة فرجتها وفاءً لأخيك .؟
( جاءت عجوزٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وهو عندي
فقال لها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : من أنتِ ؟
قالت : أنا جثَّامةُ المُزنيَّةُ
فقال : بل أنتِ حسَّانةُ المُزنيَّةُ كيف أنتُم ؟ كيف حالكم ؟
كيف كنتُم بعدنا ؟
قالت بخيرٍ بأبي أنت وأمِّي يا رسولَ اللهِ .
فلما خرجتُ قلتُ : يا رسولَ اللهِ تُقبِلْ على هذه العجوزِ هذا الإقبالَ
فقال : إنها كانت تأتينا زمنَ خديجةَ وإنَّ حسنَ العهدِ من الإيمانِ )
الراوي : عائشة أم المؤمنين - المحدث : الألباني –
المصدر : السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم : 1/424
خلاصة حكم المحدث : صحيح
وأذكرُ من أهل الود والأخوة الصادقة من يضرب به المثل في الترحم
على الأموات من إخوانه وأصدقائه .
حتى إني أذكر بعض أصدقاء الوالد - رحمه الله - يقول :
وكان من قُـوَّام الليل ، ومد الله في عمره وعمِّر- رحمه الله برحمته
الواسعة - وعمر على صحة وعافية ، ولكنه كان لا يترك قيام الليل ،
وكان يقولون من أعظم الأسباب التي يعافي الله بها العبد ويدفع عنه
بها البلاء والشرور قيام الليل .
فكان - رحمه الله - محافظاً على قيام الليل ، وكان ذات مرة تذاكر أمر
في حق سأله بعض القرابة وكان من أعز أصدقاء الوالد حتى إنه
-رحمه الله- لما خرجنا من البقيع بعد دفن الوالد- رحمه الله - وقف وبكى كالطفل وقال :
أقسم بالله العظيم وكان عنده ولد كقرة عين ، والله من أبر الناس به
وكان لا يساوي بهذا الولد
وكان يقول :
أقسم بالله العظيم لموت ابني هذا أهون علي من موت الشيخ
المختار- رحمه الله - من شدة المحبة ومن شدة الأخوة .!!
فهذا الرجل كان يقول- رحمه الله - :
والله إني لأسمي أصحابي في جوف الليل واحداً واحداً ،
ما يقول ربَّ اغفر لي ولأصحابي ولأخواني إنما يتذكرهم رجلاً رجلاً
حتى يكون ذلك ادعى لتذكر فضائلهم وأخوتهم .!
هل الإسلام إلا حفظ الحقوق ، الإنسان يقال له ملتزم وصالح ومع
ذلك قل أن يفعل الخير له ولأقرب الناس منه ثم يدعي أنه على التزام
وصلاح !!
أين الالتزام وأين المحبة الصادقة لله إذا لم تشبها الرحمة والله يقول
لنبيه :
{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً }
فالالتزام هو الرحمة أن ترحم وترحَم حتى تُـرحم وجرب ذلك وستجد
أثره .
أُذكرْ قرابتك أموات المسلمين وأكثر من الترحم عليهم وذكر
محاسنهم والكف عن مساوئهم وأحْـي ذلك في إخوانك وأخواتك
وقرابتك يجلس الإنسان مع إخوانه وأخواته ويقول لهم :
يا إخوان ويا أخوات :
هل تتذكرون والدي ووالدتي هل لكم أن تترحموا عليهم يذكرهم
بهذه الحقوق حتى يكون مباركاً أين ما كان آمراً بالخير رحمة
بالمسلمين .
ونسأل العظيم رب العرش الكريم في هذه الساعة بعزته وجلاله
وعظمته وكماله ورحمته التي وسعت كل شيء أن يسبغ شآبيب
الرحمات على قبور المؤمنين والمؤمنات .
اللهم اغفر لهم مغفرة تامة كاملة يا حي يا قيوم نسألك بعزتك وجلا لك ألا تفتنا بعدهم
ولا تحرمنا أجرهم وأن تحسن لنا العاقبة من
بعدهم إنك ولي ذلك والقادر عليه .
والله تعالى أعلم .