ابن النعمان
2013-09-06, 07:33 PM
قبل أن نعرض لحريق مكتبة الإسكندرية يستوقفنا هنا أمران :
أولا : الحكم في القضية – أن المسلمين غير متحضرين – قبل ثبوت الاتهام وهو إحراق المكتبة .
ثانيا : الحكم بالتحضر وعدمه وفق الرؤية والمعيار الغربي الذي نختلف عليه , وهنا نقول : ما حقيقة الحضارة ؟
اهى الخروج عن حالة البداوة والبدائية , والترقي في مدارج الرفاهية والطرف وامتلاك الكثير من الأشياء التي تصنع نعيم الحس كما في الحضارة المعاصرة ؟
اهى امتلاك أسباب العلم والقوة للتجبر على المستضعفين كما هي حضارة اليوم ؟
اهى الانفراد الأنانى بالثروة والوفرة وحرمان الآخرين منها ؟
أم هي العروج في معارج رقى النفس وتمكن الإنسان بها من التسامي فوق معطيات عنصر الطين في تكوينه وطباعه إلى حيث أفاق الإنسانية النبيلة فيقيم الوشائج الوثقى بينه وبين الآخرين من الإحياء والأشياء , يستشعر أحاسيسهم ويستجيب لمشاعرهم , ويشاركهم الحزن والبهجة ؟ , كما هي حضارة الإسلام .
الحضارة المعاصرة ليست المثل الأعلى للحضارة – كما يجب أن تكون – بدليل أن الإنسان المعاصر – رغم ما بلغة من التمدن والرفاهية لم يخلص من عنصر الطين فيه , وفيما نراه ينحني ليقبل يد سيدة ويتظاهر بالرقة والدماثة لا يتردد - كما حدث وكما هو حادث - في أن يشعل الحروب التي أهلكت الملايين من الأبرياء لتحقيق نصر أجوف بل تستبد به أنانيته واثار الطين فيه إلى حيث يلقى فائض الزبد في المحيط ويحرق فائض القمح ويرصف الطرقات بفائض القطن حتى لا تنخفض أسعاره إذا نزل إلى السوق , ولا يدور بخاطره أن ملايين من بني جنسه أحوج ما يكونون للطعام والكساء .
أما في الرؤية الإسلامية فالأمر مختلف , فالبدوي كان قد أدركه العطش في حر الظهيرة بالصحراء فوصل إلى بئر فنزل وشرب , ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فتحركت مشاعر الرجل بالحنو والرفق فنزل إلى البئر فملأ خفه وظل يسقى الكلب حتى ارتوى يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (اطلع الله علي هذا فغفر له ) .
هنا حضارة , هنا انس تغير من داخله وارتقى كثيرا في سلم الإنسانية فتغير فكرا وسلوكا وان كان ما زال في بداوة المظهر .
نعود إلى مكتبة الإسكندرية واتهام المسلمين بأنهم احرقوها .
وسيكون شاهدي من غير مؤرخي الإسلام وهو المؤرخ د . ألفريد . بتلر في كتابه فتح العرب لمصر والذي نقله إلى العربية الأستاذ محمد فريد أبو حديد .
فيما بين الصفحات من 348 – 370 نستمتع بجهد علمي موضوعي بالغ الدقة , صبور على استجلاء الكثير مما يصادفه من غموض في تفسير الإحداث ونقد الروايات , ثم في التعرف كذلك على المواطن والأماكن التي ترد الإشارة إليها فإذا الأيام قد أفنتها أو غيرت طبيعتها عبر عصور متعاقبة تغيرت فيها الأنظمة , وفنيت الأجيال وضاعت الوثائق .
لكن الرجل لا تضل رؤيته ولا يخيب دليله وحاديه حتى يخرج لنا بالحقيقة في ختام بحثه فيقول : (فتح العرب لمصر ج2 ص368 وما بعدها ) .
"ولعلنا لا نكون مخطئين إذا نحن أجملنا فيما يلي أدلة حجتنا , فان قصدنا أن نبين الحقيقة أمر مكتبة الإسكندرية ومقدار نصيب قصة إحراق العرب لها من الصحة أو الكذب , وقد بينا فيما سلف الأمور الآتية :
1 – إن قصة إحراق العرب لها لم تظهر إلا بعد نيف وخمسمائة عام من وقت الحادثة التي سنذكرها .
إننا فحصنا القصة وحللنا ما فيها فألفيناه سخافات مستبعدة ينكرها العقل .
3 – إن الرجل الذي تذكر القصة انه اكبر عامل فيها مات قبل غزوة العرب بزمن طويل .
3 - إن القصة تشير إلى واحدة من مكتبتين الأولى : مكتبة المتحف وهذه ضاعت في الحريق الكبير الذي أحدثه قيصر وان لم تتلف عند ذلك فكان ضياعها فيما بعد في وقت لا يقل عن أربعمائة عام قبل فتح العرب . وأما الثانية : وهى مكتبة السرابيوم فإما أن تكون قد هلكت وتفرقت كتبها وضاعت فتكون على اى حال قد اختفت قبل فتح العرب بقرنين ونصف قرن .
5 – إن كتاب القرنين الخامس والسادس وأوائل السابع لا يذكرون شيئا عن وجودها .
6 - هذه المكتبة لو كانت لا تزال باقية عندما عقد قيرس صلحه مع العرب على تسليم الإسكندرية لكان من المؤكد أن تنتقل هذه الكتب , وقد أبيح ذلك في شروط الصلح الذي يسمح بنقل المتاع والأموال في مدة الهدنة التي بين عقد الصلح ودخول العرب المدينة ومقدار ذلك احد عشر شهرا .
7 – لو صح ان العرب اتلفوا هذه المكتبة حقيقة لما اغفل ذكرها كاتب من اهل العلم كان قريب العهد من الفتح مثل حنا النغيوسى ولما مر على ذلك من غير ان يكتب عنه حرفا .
ثم يضيف ولا يمكن ان يبقى شك فى الامر بعد ذلك قالادلة قاطعة وهى تبرر ما ذهب اليه رينودو من الشك فى قصة ابى الفرج , وما ذهب اليه جبون من عدم تصديقها .
ولابد لنا ان نقول : ان رواية ابى الفرج لا تعدو ان تكون قصة من اقاصيص الخرافة ليس لها اساس من الصحة .
وحسبا هذه الشهادة .
]الرسول والقرآن ومقولات ظالمة – عبد الصبور مرزوق ص 64: 68[
أولا : الحكم في القضية – أن المسلمين غير متحضرين – قبل ثبوت الاتهام وهو إحراق المكتبة .
ثانيا : الحكم بالتحضر وعدمه وفق الرؤية والمعيار الغربي الذي نختلف عليه , وهنا نقول : ما حقيقة الحضارة ؟
اهى الخروج عن حالة البداوة والبدائية , والترقي في مدارج الرفاهية والطرف وامتلاك الكثير من الأشياء التي تصنع نعيم الحس كما في الحضارة المعاصرة ؟
اهى امتلاك أسباب العلم والقوة للتجبر على المستضعفين كما هي حضارة اليوم ؟
اهى الانفراد الأنانى بالثروة والوفرة وحرمان الآخرين منها ؟
أم هي العروج في معارج رقى النفس وتمكن الإنسان بها من التسامي فوق معطيات عنصر الطين في تكوينه وطباعه إلى حيث أفاق الإنسانية النبيلة فيقيم الوشائج الوثقى بينه وبين الآخرين من الإحياء والأشياء , يستشعر أحاسيسهم ويستجيب لمشاعرهم , ويشاركهم الحزن والبهجة ؟ , كما هي حضارة الإسلام .
الحضارة المعاصرة ليست المثل الأعلى للحضارة – كما يجب أن تكون – بدليل أن الإنسان المعاصر – رغم ما بلغة من التمدن والرفاهية لم يخلص من عنصر الطين فيه , وفيما نراه ينحني ليقبل يد سيدة ويتظاهر بالرقة والدماثة لا يتردد - كما حدث وكما هو حادث - في أن يشعل الحروب التي أهلكت الملايين من الأبرياء لتحقيق نصر أجوف بل تستبد به أنانيته واثار الطين فيه إلى حيث يلقى فائض الزبد في المحيط ويحرق فائض القمح ويرصف الطرقات بفائض القطن حتى لا تنخفض أسعاره إذا نزل إلى السوق , ولا يدور بخاطره أن ملايين من بني جنسه أحوج ما يكونون للطعام والكساء .
أما في الرؤية الإسلامية فالأمر مختلف , فالبدوي كان قد أدركه العطش في حر الظهيرة بالصحراء فوصل إلى بئر فنزل وشرب , ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فتحركت مشاعر الرجل بالحنو والرفق فنزل إلى البئر فملأ خفه وظل يسقى الكلب حتى ارتوى يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (اطلع الله علي هذا فغفر له ) .
هنا حضارة , هنا انس تغير من داخله وارتقى كثيرا في سلم الإنسانية فتغير فكرا وسلوكا وان كان ما زال في بداوة المظهر .
نعود إلى مكتبة الإسكندرية واتهام المسلمين بأنهم احرقوها .
وسيكون شاهدي من غير مؤرخي الإسلام وهو المؤرخ د . ألفريد . بتلر في كتابه فتح العرب لمصر والذي نقله إلى العربية الأستاذ محمد فريد أبو حديد .
فيما بين الصفحات من 348 – 370 نستمتع بجهد علمي موضوعي بالغ الدقة , صبور على استجلاء الكثير مما يصادفه من غموض في تفسير الإحداث ونقد الروايات , ثم في التعرف كذلك على المواطن والأماكن التي ترد الإشارة إليها فإذا الأيام قد أفنتها أو غيرت طبيعتها عبر عصور متعاقبة تغيرت فيها الأنظمة , وفنيت الأجيال وضاعت الوثائق .
لكن الرجل لا تضل رؤيته ولا يخيب دليله وحاديه حتى يخرج لنا بالحقيقة في ختام بحثه فيقول : (فتح العرب لمصر ج2 ص368 وما بعدها ) .
"ولعلنا لا نكون مخطئين إذا نحن أجملنا فيما يلي أدلة حجتنا , فان قصدنا أن نبين الحقيقة أمر مكتبة الإسكندرية ومقدار نصيب قصة إحراق العرب لها من الصحة أو الكذب , وقد بينا فيما سلف الأمور الآتية :
1 – إن قصة إحراق العرب لها لم تظهر إلا بعد نيف وخمسمائة عام من وقت الحادثة التي سنذكرها .
إننا فحصنا القصة وحللنا ما فيها فألفيناه سخافات مستبعدة ينكرها العقل .
3 – إن الرجل الذي تذكر القصة انه اكبر عامل فيها مات قبل غزوة العرب بزمن طويل .
3 - إن القصة تشير إلى واحدة من مكتبتين الأولى : مكتبة المتحف وهذه ضاعت في الحريق الكبير الذي أحدثه قيصر وان لم تتلف عند ذلك فكان ضياعها فيما بعد في وقت لا يقل عن أربعمائة عام قبل فتح العرب . وأما الثانية : وهى مكتبة السرابيوم فإما أن تكون قد هلكت وتفرقت كتبها وضاعت فتكون على اى حال قد اختفت قبل فتح العرب بقرنين ونصف قرن .
5 – إن كتاب القرنين الخامس والسادس وأوائل السابع لا يذكرون شيئا عن وجودها .
6 - هذه المكتبة لو كانت لا تزال باقية عندما عقد قيرس صلحه مع العرب على تسليم الإسكندرية لكان من المؤكد أن تنتقل هذه الكتب , وقد أبيح ذلك في شروط الصلح الذي يسمح بنقل المتاع والأموال في مدة الهدنة التي بين عقد الصلح ودخول العرب المدينة ومقدار ذلك احد عشر شهرا .
7 – لو صح ان العرب اتلفوا هذه المكتبة حقيقة لما اغفل ذكرها كاتب من اهل العلم كان قريب العهد من الفتح مثل حنا النغيوسى ولما مر على ذلك من غير ان يكتب عنه حرفا .
ثم يضيف ولا يمكن ان يبقى شك فى الامر بعد ذلك قالادلة قاطعة وهى تبرر ما ذهب اليه رينودو من الشك فى قصة ابى الفرج , وما ذهب اليه جبون من عدم تصديقها .
ولابد لنا ان نقول : ان رواية ابى الفرج لا تعدو ان تكون قصة من اقاصيص الخرافة ليس لها اساس من الصحة .
وحسبا هذه الشهادة .
]الرسول والقرآن ومقولات ظالمة – عبد الصبور مرزوق ص 64: 68[