المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من هم السلف ؟ ومن هم السلفيون ؟ وما هي قواعد المنهج السلفي ؟



الصفحات : [1] 2

فارس العقيده
2008-10-25, 01:30 AM
السلفية قواعد وأصول
(*)


الحمد لله الذي رضي من عباده باليسير من العمل ، وتجاوز لهم عن الكثير من الزلل ، وأفاض عليهم النعمة ، وكتب على نفسه الرحمة ، وضَنَّنَ الكتاب الذي كتبه أن رحمته سبقت غضبه ، دعا عباده إلى دار السلام فعمهم بالدعوة حجة منه عليهم وعدلاً ، وخص بالهداية والتوفيق من شاء نعمة ومنة وفضلاً ، فهذا عدله وحكمته وهو العزيز الحكيم ، وذلك فضل يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .
وأشهد ألا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، شهادة عبده ، وابن عبده ، وابن أمته ، ومن لا غنى به طرفة عين عن فضله ورحمته ، ولا مطمع له بالفوز بالجنة ، والنجاة من النار إلا بعفوه ومغفرته .
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وصفيه من خلقه وخليله ، أرسله رحمة للعالمين ، وقدوة للعاملين ، ومحجة للسالكين ، وحجة على العباد أجمعين ، وقد ترك أمته على الواضحة الغَرَّاء ، والمحجة البيضاء ، وسلك أصحابه وأتباعه على أثره إلى جنات النعيم ، وعدل الراغبون عن هديه .
إلى صراط الجحيم ، ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيا من حَيَّ عن بينة ، وإن الله لسميعٌ عليمٌ .
فصلى الله وملائكته وجميع عباده المؤمنين عليه ، كما وَحَّدَ الله عز وجل ، وعرفنا به ودعا إليه وسلم تسليماً .
ثم أما بعد :
فإن أصدق الحديث كتاب الله عز وجل ، وخير الهدى هدى محمد rوشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، وما قال وكفى ، خير مما كثر وألهى ، وإن ما توعدون لآت ، وما أنتم بمعجزين .

من هم السلف ؟ ومن هم السلفيون ؟ وما هي قواعد المنهج السلفي ؟ وما هي الأصول العلمية للدعوة السلفية ؟
لا شك أن هذه الأسئلة تترد في أذهان كثير من الناس ، منهم من عنده إجابة ، ومنهم من يفتقر إلى إجابة ، ونحن نوضح هذا المنهج ، وهذا الفكر ، حتى يكون الناس على بصيرة من دينهم ، وحتى يتأكد المسلم أنه على الصراط المستقيم وعلى هدى سيد الأولين والآخرين .
السلف:هم الصحابة ، والتابعون ، وتابعوهم من أهل القرون الخيرية الثلاثة الأُوَل ، التي أشار النبي rإلى خيريتها ، فقال r: " خيركم قرني ، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " فبيّن النبي rأن خير قرون الأمة القرن الذي بعث فيه رسول الله rفقال: " خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " .
والصحابة جمع صحابي ، والصحابي: هو من رأى رسول الله rمؤمناً به ، ومات على ذلك ، وإن تخللته ردة على الراجح من أقوال العلماء .
فالصحابة:هم الذين رأوا رسول الله r، واكتحلت أعينهم بمشاهدة أنواره r .
والتابعون:هم الذين رأوا الصحابة ، أو واحداً من الصحابة .
فالسلف:هم الصحابة ، والتابعون ، وتابعوهم من أهل القرون الخيرية الثلاثة الأول ، عدا الأول ، عدا أهل البدع كالخوارج ، والمعتزلة ، والقدرية ، والجهمية ، وغيرهم من فرق الضلالة .
والسلفيون:هم الذين يعتقدون معتقد السلف الصالح رضي الله عنهم ، وينتهجون منهج السلف في فهم الكتاب والسنة ، فإن قال قائل لماذا نسمي بالسلفيين؟! ولماذا نبتدع أسماء جديدة؟! ألا يكفي اسم الإسلام {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ} (78) سورة الحـج.
فالجواب:على هذه الشبهة ما أجاب به الإمام أحمد بن حنبل –رحمه الله- إمام أهل السنة لما قيل له ألا يسعنا أن نقول القرآن كلام الله ونسكت؟
قال: كان هذا يسع من كان قبلنا أما نحن فلا يسعنا إلا أن نقول القرآن كلام الله غير مخلوق .
فكان يسع المسلمين قبل ظهور المبتدعة من المعتزلة بخلق القرآن ، كان يسعهم أن يقولوا القرآن كلام الله ويسكتون ، ولكن لما ظهرت بدعة القول بخلق القرآن ، كان لابد لأهل الحق من أن يصرحوا بأن القرآن كلام الله غير مخلوق فكان يكفي العبد اسم الإسلام عندما كان المسلمون جماعة واحدة ، على اعتقاد واحد ، وعلى فهم واحد للكتاب والسنة ، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: " إنكم قد أصبحتم اليوم على الفطرة ، وإنكم ستحدثون ، ويحدث لكم ، فإذا رأيتم محدثة فعليكم بالعهد الأول " .
وقال الإمام مـالك: لم يكن شيء من هذه الأهواء على عهد رسول الله rوأبي بكر وعمر وعثمان ، لأن البدع ظهرت في آخر عهد الصحابة رضي الله عنهم .
كما أخبر النبي rفقال: " إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ " () .
فمن عاش من الصحابة ، ومن طال عمره من الصحابة رضي الله عنهم رأى مصداق ما أخبر به الرسول rمن ظهور البدع ، وظهور الاختلاف وظور الفرق .
كذلك أخبر النبي rأن الأمة سوف تفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة ، منها واحدة ناجية تصير إلى جنة عالية قطوفها دانية ، وبواقيها عادية ، تصير إلى الهاوية والنار الحامية ، فقال r: " افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، وافترقت النصارى على ثنتي وسبعين فرقة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، كلهم في النار إلا واحدة ، قالوا: من هم يا رسول الله؟ ، قال: هم الجماعة " ().
وليس المقصود بالجماعة أي جماعة في أي مكان ، لأن الجماعات تختلف بإختلاف الأمكنة واختلاف الأزمنة ففي بعض الأماكن ينتشر مذهب الشيعة ، وفي بعض الأماكن ينتشر فكر الصوفية ، وفي بعضها فكر الأشاعرة ، فهل يقصد النبي rأن الإنسان يكون مع أي جماعة في أي بلد وفي أي زمان ؟!.
ليس هذا هو المقصود قطعاً ، وأولى ما فسر به الحديث ، ولهذا الحديث رواية أخرى رواها الحاكم وهي بسند حسن لغيره ، قال: " هم من كانوا على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي " فيكون المقصود بالجماعة التي أخبر عنها النبي rفي رواية أخرى الجماعة التي هى على شاكلة الجماعة الأولى ، التي كانت على فكر واحد ، وعلى عقيدة واحدة ، وعلى فهم صحيح للكتاب والسنة .
فالجماعة من كان على فكر الجماعة الأولى ، وعلى معتقد الجماعة الأولى ، ولذلك لما سُئلَ الإمام ابن المُبارك –رحمة الله عليه- عن الجماعة قال: أبو بكر وعمر ، أي الجماعة أبو بكر وعمر ، فقيل له: قد مات أبو بكر وعمر ، فقال: فلان وفلان ، فقيل: قد مات فلان وفلان ، فقال أبو حمزة السكري جماعة ، أي أن المقصود بالجماعة من كان على شاكلة الجماعة الأولى أي من كان على شاكلة الصحابة رضي الله عنهم ، لأن الله تعالى جعل معتقد الصحابة هو المقياس للعقيدة الصحيحة فقال عز وجل: {فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ} (137) سورة البقرة .
فيجب على كل مسلم في كل زمان وفي كل مكان أن تكون عقيدته مطابقة لعقيدة الصحابة رضي الله عنهم ، وأن يكون فهمه للكتاب والسنة على فهم الصحابة رضي الله عنهم .
فالذي دعا إلى ظهور اسم السلفية ، أو أهل السنة والجماعة ، أو أنصار السنة ، أو أهل الحديث ، أو أهل الأثر ، ما حدث من افتراق الأمة ، ومن ظهور البدع التي أخبر عنها النبي rكالخوارج ، والمعتزلة ، والجمهية ، والقدرية ، والصوفية ، والشيعة ، وغيرها من فرق الضلالة ، فلما تفرقت الأمة ، ولما اختلف المناهج ، واختلف الأهواء ، والآراء ، والعقائد ، كان لابد لأهل الحق أن يتميزوا باسم ، وأن يتميزوا بمنهج .
فالذين يتميزون بمنهج أهل السنة ، أو السلفيون ، أو أهل الأثر ، أو أهل الحديث ...هم الذين يحافظون على معتقد الصحابة رضي الله عنهم ، ويحافظون على منهج السلف ، وفهم السلف للكتاب والسنة .
فالدعوة السلفية ليست فهم الإسلام بفهم شخص من الناس ، ليست فهم شيخ الإسلام ابن تيمية ، أو فهم العلامة ابن باز ، أو الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ، أو الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق ، أو الشيخ محمد بن إسماعيل ، ولكن المقصود بالسلفية: المُحافظة على معتقد السلف ، وعلى فهم السلف للكتاب والسنة ، وعلى منهج السلف رضي الله عنهم .
فالدعوة السلفية: هي المحافظة على ما مضى عليه سلف الأمة رضي الله عنهم ، ولا شك أنها الدعوة للتمسك بالسنة التي أمرنا بالتمسك بها رسول الله rفقال: " عليكم بسنتي ، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي " () .
إن السنة ليست مجرد إعفاء اللحية ، أو الثوب القصير مثلاً ، وليست بعض الأقوال والأفعال ، ولكن السنة تشمل ما مضى عليه النبي rوالصحابة رضي الله عنهم .
فالسنة أقوال وأفعال وعقائد ، السنة أن تكون على معتقد السلف ، وتقتدي بالنبي rفي هديه ، وفي سمته ، وفي أقواله وفي أعماله ، والسلفية أن نتمسك بالسنة وبما أمرنا بالتمسك به رسول الله r .
وقد بشر النبي rبأن طائفة من الأمة لا تزال ظاهرة على الحق ، ترفع راية السنة وتدعو إلى الفهم الصحيح ، للكتاب والسنة ، وأن هذه الطائفة تبقى في كل عصر ، وفي كل مصر ، تقيم الحجة على أهل عصرها ، أو أهل مصرها ، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك ، وأمرُ الله ريحاً تأتي من جهة الشمال فتأخذ المؤمنين من تحت آباطهم ، فتقبض كل روح مؤمنة ، ثم تقوم الساعة بعد ذلك على شرار الخلق فقال النبي r: " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك " () .
فلا شك أن هذه الظاهرة: هي الفرقة الناجية التي أخبر عنها المعصوم rفالطائفة الظاهرة هم أهل الحديث ، وهم أهل الأثر ، وليس المقصود بالظهور ظهور السلطان ، والسيف ، والسنان في كل مكان وزمان ، ولكن هذا الظهور ظهور الحجة ، كما قيل للإمام أحمد في زمن ظهور المعتزلة الرديئة بخلق القرآن ، وأَجَبَرَ المأمون بن هارون الرشيد بمقالة المعتزلة الردئية بخلق القرآن ، وأَجَبَرَ المأمون القضاة والمفتين والعلماء وعوام الناس على القول بخلق القرآن .
فقيل للإمام أحمد: ألاَ ترى إلى الباطل كيف يظهر على الحق فقال: " كلا إن ظهور الباطل على الحق أن نتقلب قلوبنا من الحق إلى الضلالة ، ولكن قلوبنا بعدُ ملازمة للحق " .
فكان الإمام أحمد في هذا الوقت هو والنفر اليسير من العلماء الذين ثبتوا على معتقد أهل السنة ، ودافعوا عن عقيدة أهل السنة حتى حفظ الله عزَّ وجلَّ بهم سُنة نبيه r .
كان الإمام أحمد ومن معه هم الجماعة في هذا الوقت ، مع أنه لم يكن سلطان ولا دولة ، فأدنى الظهور أن يكون ظهور حجة .
فأهل السنة ظهورهم إما ظهور كامل ظهور حكم ، وسلطان ، وسيف وسنان ، وأدنى الظهور كما قلنا ظهور الحجة والبيان: فلابد أن يبقى أناس يرفعون راية السنة ، ويَذُبُّونَ عن سنة رسول الله rويدافعون عن معتقد ومنهج أهل السنة والجماعة .
كذلك يقول الإمام ابن القيم: ظن بعض الناس أن الجماعة هي سواد الناس ، وأن من شذ شذ في النار ، ولقد شذ الناس كلهم في زمن الإمام أحمد إلا نفراً يسيراً فقيل للخليفة: أتكون أنت ، وولاتك ، وقضاتك ، وعوام الناس على الباطل ، وأحمد وحده على الحق ، فلم يتسع قلبه لذلك ، فأخذ الإمام أحمد بالضرب والتعذيب بعد السجن الطويل ، ثم ظهر الحق ، وبطل ما كانوا يَدَّعُون .
فالجماعة: ما وافق الحق وإن كنت وحدك فأهل السنة هو عالم متمسك بالحق وبالأثر وبما مضى عليه رسول الله rوأصحابه الكرام .
فليس المقصود بالجماعة: أي جماعة في أي زمان ، أو في أي مكان ، ولكن المقصود: أن تكون على شاكلة الجماعة الأولى التي أشار إليها النبي rعندما قال: " كلهم في النار إلا واحدة ، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: الجماعة " .
فلا يكفي اسم الإسلام حتى تكون من الناجحين يوم القيامة ، لأن الأمة كما قلنا تفرقت إلى ثلاث وسبعين فرقة ، فلابد أن تكون مسلماً على معتقد أهل السنة والجماعة ، وعلى فهم أهل السنة والجماعة للكتاب والسنة ، وعلى منهج أهل السنة .
فالشيعة أقاموا دولة يقولون إنها دولة إسلامية ، ويرفعون لافتة الإسلام ، ولكنها دولة شيعية ، وفرق كبير بين الإسلام الصحيح وبين أصحاب العقائد الخربة ، وهم يتمسحون باسم الإسلام مع أنهم يكفرون الصحابة إلا ثلاثة ، وعندهم من العقائد الباطلة من الطعن في كتاب الله عز وجل ، ومن الطعن في أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وأكثر الصحابة رضي الله عنهم ، ويتهمون السيدة عائشة المبرأة من فوق سبع سموات بما برأها الله منه .


فلا يكفي اسم الإسلام حتى تكون من الناجحين يوم القيامة ، وحتى تكون على الحق حتى تضم إلى ذلك أن تكون على معتقد أهل السنة والجماعة ، وعلى فهم أهل السنة والجماعة للكتاب والسنة

.





&

&&&




قواعد للمنهج السلفي

أول قاعدة من قواعد المنهج السلفي

: تقديم النقل على العقل

وفي الواقع إن هذه القاعدة هي التي تميز أصحاب المنهج الصحيح من أصحاب المناهج ، والآراء ، والأهواء المبتدعة ، فأهل السنة يقدمون النقل على العقل ، فمهما قال الله عز وجل فلا قول لأحدٍ ، وإذا قال رسول الله rفلا قول لأحد .
وهم يحترمون ويتأدبون مع النص الوارد في الكتاب والسنة الصحيحة ، عملاً بقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (1) سورة الحجرات ، أي: لا تقدموا قول أحد ولا هوى أحد على كلام الله عز وجل ، أو كلام رسول الله r، وهذا الفهم كان واضحاً جداً عند الصحابة رضي الله عنهم ، حتى قال ابن عباس كلمة ملأت الدنيا قال: " توشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء ، أقول: قال رسول الله rوتقولون: قال أبو بكر ، وقال عمر " .
فكان هذا المنهج واضحاً عند الصحابة ، فإذا قال رسول الله rفلا اعتبار بأي قول يُخالف قوله ، ولو كان قول أبي بكر أو عمر رضي الله عنهم ، وهما شيخا الإسلام والخليفتان الراشدان بعد رسول اللهr.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: " اتهموا الرأي في الدين ، فلقد وجدتني يوم أبي جندل أرده " يعني قول رسول الله rكان يقول: ألسنا على الحق وهم على الباطل ، علام نعطي الدَّنية في ديننا ، فيقول: له النبي rالزم غزرك ، فإنني رسول الله ولا يضيعني الله عز وجل ، ويذهب إلى أبي بكر ويقول له: علام نعطي الدنية في ديننا ، ونحن على الحق وهم على الباطل ، وكان يرى أن ما اتفق عليه في صلح الحديبية فيه حيف شديدٌ على المسلمين ثم ظهرت بعد ذلك بركات رسول الله r.
ففي عودة النبي rمن الحديبية نزلت سورة الفتح ، كلها بشريات ، وكلها خير لرسول الله rوللمؤمنين ، حتى قال الصحابة: أنتم تعدون الفتح: فتح مكة ، ونحن نعد الفتح: صلح الحديبية ، لما أتى بعده من الفتح ومن الخير ببركة التسليم لله عز وجل ، ولرسوله r.
كذلك يقول علي رضي الله عنه: ( لو كان الدين بالرأي لكان باطن الخُفِّ أَوْلَى بالمسح من ظاهره ) ، فالدين: بالنقل ، وليس بالعقل ، الشرع يقول: يمسح ظاهر الخف البعيد عن ملامسة الأرض والأتربة ، ولو كان الدين بالعقل ، لكان يمسح باطن الخف ، ولا يمسح ظاهر الخف .
فهذه أول قاعدة تميز أهل السنة والجماعة من غيرهم ، والسنة تجمع أهلها ، لذلك قال النبي r: " فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً " ثم قال: فعليكم بسنتي " فعلاج الاختلاف في اتباع السنة ، لأن السنة واحدة لا تتعدد ، ولكن لو اتبعت عقلي وهواي ، وعقل شيخي وهواه ، وأنت اتبعت عقلك أو هواك ، أو هوى المعظم عندك ، والآخر كذلك ، والأهواء مختلفة ، والآراء مختلفة ، فلابد أن تفترق الأمة ، ولكن لو أنني قدمت كلام رسول الله rعلى كلام أي أحد ، وأنت فعلت ذلك لابد أن نجتمع لأن السنة واحدة لا تختلف .
لذلك يقولون أهل السنة والجماعة ، وأهل البدعة والاختلاف فالسنة: تُجَمِّعُ والبدعة: تُفَرِّق .
وقد ذهب أحد المتأخرين إلى قاعدة سماها ذهبية ، وليس ذهبية ولا فضية يقول: (( نجتمع فيما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا فيما اختلفنا فيه )) ولا شك أن هذا الكلام مردود ، وإن قال به عالم من علماء المسلمين ، لأننا قد نختلف في قضية كلية لا تحتمل الاختلاف كالأسماء ، والصفات ، أو القضاء والقدر ، أو الكفر والإيمان .
لما قيل لعبد الله بن عمر: (( إن بقريتنا أناساً يقولون بأنه لا قدر وأن الأمر أُنُفٌ (أي مستأنف) بلا قدر سابق )) ، وهم القدرية: الذين ينفون علم الله عز وجل بالأشياء قبل كونها ، وينفون كتابة الله عز وجل للمقادير ، وينفون مشيئة الله عز وجل ، ويجعلون العباد يخلقون أفعالهم ، فهم ينفون كل مراتب الإيمان بالقضاء والقدر التي يثبتها أهل السنة والجماعة .
فلما بلغ ذلك عبد الله بن عمر ما قال: نجتمع فيما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا فيما اختلفنا فيه ، ولكن قال: (( أخبروهم أنهم ليسوا مني ، ولست منهم )) اهـ .
وكانت هذه قاعدة السلف في التعامل مع أهل البدع ، فالأمور الفقهية قد تحتمل أقوال وآراء واجتهادات... ولكن العقيدة لا تحتمل الاختلاف .
والفرقة: تكون فرقة إذا كان أصحابها يخالفون أهل السنة والجماعة في قضية كلية كالأسماء والصفات ، أو القضاء والقدر ، أو الكفر والإيمان ، أو أصحاب النبي rوأهل بيته ، أو يخالفون أهل السنة في كثير من الجزئيات ، فيعود ذلك على جزء كبير من الشريعة بالهدم فيقوم مقام القاعدة الكلية ، فبذلك تكون الفرقة فرقة .
ولما كانت البدعة تفرق صارت المعتزلة فرقاً ، والأشاعرة فرقاً ، والصوفية فرقاً ، والخوارج فرقاً ، وكل فرقة تُخطِّىء غيرها من الفرق ، كما قالت اليهود: ليس النصارى على شيء ، وقالت النصارى: ليس اليهود على شيء .
فالحاصل أن التمسك بالسنة هو علاج الفرقة ، لأن الأمة لا يمكن أن تجتمع قدراً ، ولا يجوز لها شرعاً أن تجتمع على غير الحق ، لأن الأمة لا تجتمع على ضلالة ، وإذا اجتمعت الأمة على شيء فلابد أن يكون هذا هو الحق ، لأن الله تعالى عصم إجماع أمة نبيه محمد r.
فلا يكون هناك إلا التمسك بالسنة وهذا هو علاج الاختلاف ، وليس بأن يعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه ، مهما كانت أوجه الاختلاف ، لذلك مدوا أيديهم للشيعة الذين يكفرون الصحابة ويطعنون في القرآن ، ولهم-الشيعة- كثير من الكفريات والأشياء المخرجة من الملة .

القاعدة الثانية للمنهج السلفي


: لافض التأويل الكلامي:
فالتأويل:يأتي بمعنى التفسير ، تأويل القرآن ، أي تفسير القرآن ، ومحاسن التأويل: أي محاسن التفسير ، والتأويل يأتي بمعنى ما يؤول إليه الأمر ، كما قال عزَّ وجلَّ: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} (53) سورة الأعراف ، فالله عز وجل يخبرنا عن يوم القيامة ويخبرنا عن الجنة والنار ، فتأويل ذلك أن يحدث ما أخبرنا الله عز وجل به ، فهذا المعنى الثاني للتأويل وهو ما يؤول إليه الأمر .
أما التأويل بالمعنى الاصطلاحي ، والذي استعمله السلف فهو: صرف اللفظ عن ظاهره إلى معنى آخر ، يعني: مرجوح ، فمثل هذا التأويل مردود عند السلف ، لأن ظاهر الكتاب والسنة يجب القول به ، والمصير إليه .
لأننا لو فتحنا باب التأويل لانهدم الدين ، ولكان لكل إنسان أن يقول: ظاهر الآية غير مراد ، وظاهر الحديث غير مراد ، إنما أراد الله عز وجل كذا ، وإنما أراد رسول الله rكذا ، كما فعلت الخوارج وغيرهم من أهل البدع ، فيفتح باب من أبواب الشر ، وما أريقت دماء المسلمين يوم الجمل وصفين ، إلا بالتأويل ، فالتأويل كان باب شر عظيم جداً للأمة ، فظاهر الكتاب والسنة يجب القول به ، والمصير إليه ، حتى يدل الدليل على أن الظاهر غير مراد ، فهذه القاعدة الثانية عند أهل السنة والجماعة هي رفض التأويل الكلامي .




&





&&&


والقاعدة الثالثة





: هي كثرة الاستدلال بالآيات والأحاديث ، فأهل السنة هم أسعد الناس بالكتاب والسنة

قال الله عز وجل: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} (33) سورة الفرقان ، فلا يؤصلون أصولاً من عند أنفسهم ، ثم ينظرون بعد ذلك في الكتاب والسنة ، فما وافق أصولهم أخذوا به ، وما خالفهم أوّلوه أو ردوه ، كما يفعل أهل البدع ، ولكن أهل السنة يجمعون النصوص من الكتاب والسنة في المسألة الواحدة ، ثم تكون هي أصولهم التي بها يقولون ، وحولها يدندنون ، فهم لم يؤصلوا غير ما أصله الله عز وجل ، أو رسوله r. فتجد دعاة التكفير مثلاً يقولون: بأن فاعل الكبيرة في النار ، فتكذبهم الآيات والأحاديث التي تخبر بمغفرة الله عز وجل للذنوب التي هي دون الشرك {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} (48) سورة النساء ، وأحاديث الشفاعة أنه يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان مع قول لا إله إلا الله .
فيرجعون إلى رد هذه الأحاديث أو تأويلها ، وتأويل الآيات التي يخبر فيها الله عز وجل بأنه يغفر الذنوب جميعاً مع التوبة ، ومع غير التوبة .
من مات على ذنب دون الشرك ، فهو في مشيئة العزيز الغفار ، إن شاء غفر بفضله ورحمته ، وإن شاء عَذَّبَ بعدله وحكمته .
فنحن نرجو للمحسنين من المسلمين الجنة ، ونخاف على المذنبين من المسلمين من النار ، ولكن لا نقطع لأحد من المسلمين المحسنين بالجنَّةِ ، إلا من قطع له الشرع الحنيف بالجنة ، كالعشرة المبشرين والمرأة السوداء وغير ذلك ، كما ثبت عن النبي r، ونخاف على المذنبين الذين ماتوا على التوحيد ولكن لا نقطع بأنهم من أهل النار .
فالحاصل:أن أهل البدع يؤصلون الأصول من عند أنفسهم ، ثم ينظرون بعد ذلك في الكتاب والسنة ، فما وافق أصولهم يأخذون به ، وما خالفه إما أن يردوه وإما أن يؤولوه ، فهم لا ينظرون في شريعة النبي rنظر الفقير المحتاج ، ولا يَرِدُون شرعه rورود العطشان كما فعل أهل السنة والجماعة ، فكان جزاؤهم من جنس العمل .
يقول النبي r: " أنا فَرْطُكم على الحوض " والفرط: هو السابق - العرب كانت ترسل واحداً يستكشف الطريق ، ويبحث عن الماء فيسبقهم إلى الماء ويجهز الدلاء – فيقول r: " أنا فَرْطُكم على الحوض – أي حوضه الشريف r- وليختلجن رجال دوني فأقول: يا رب أمتي أمتي – وفي رواية: " أصحابي أصحابي ، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول: فسحقاً فسحقاً فسحقاً " () .
فهم كما لم يَرِدُوا النصوص الشرعية مَوْرِدَ الفقير المحتاج ، يحرمون حوض النبي r، وتطردهم الملائكة عن حوضه r، مع أنهم يأتون بسيما هذه الأمة الغرة والتحجيل ، أي البياض في الجبهة والقوائم ، وينادي عليهم النبي r، ويقول: " ألا هلم ، ألا هلم " والملائكة تطردهم وتبعدهم عن الحوض فيقول: " أمتي أمتي ، إخواني إخواني ، أصحابي أصحابي " فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول: " فسحقاً فسحقاً فسحقاً " .
فهل يكفي أن يكون العبد مسلماً حتى يدخل الجنة ، وينجو من عذاب الله عز وجل أم لابد أن يكون على معتقد صحيح وعلى فهم صحيح للكتاب والسنة وهو معتقد الصحابة ، وفهم الصحابة رضي الله عنهم .

وهذه هي القاعدة الثالثة من قواعد المنهج السلفي ، وهي: كثرة الاستدلال بالآيات والأحاديث ، لذلك تجدون الكتب التي تنسب إلى أئمة السنة ومن ينتهج بهذا المنهج الواضح الحق ، يستدلون دائماً بالآيات والأحاديث ، فهي جنتهم التي فيها يرتعون ، وإليها ينقلبون ، بخلاف الكتب الفكرية ، وكتب أهل البدع ، والكتب التي تقول بأشياء تخالف النصوص ، فيرجعون إلى عقولهم ، أو بعض الآراء التي يستطيعون أن يروجوا على الناس بها باطلهم .
أهل السنة كذلك:هم أسعد الناس بإمامهم r، لأنهم لم يتخذوا إماماً دونه r، وعلماء المسلمين كالعلامة الألباني مثلاً ، أو العلامة ابن باز رحمه الله ، أو ابن عثيمين أو غيرهم من علماء السنة المعاصرين نحن لا نتعصب لواحد منهم بحيث إننا نأخذ كل ما قال به ، ونترك ما خالفه ، لأن هذه المنزلة ليست لأحد بعد رسول الله r، فالله عز وجل يقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} (7) سورة الحشر .
فالله عز وجل تعبدنا باتباع رسول الله rوقال: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (158) سورة الأعراف ، وهذه المنزلة لا يرتفع إليها أحد من علماء الأمة ولو كان أبا بكر أو عمر فضلاً عن الأئمة الأربعة وغيرهم .
وهكذا يتضح لنا المنهج السلفي ، وهو أن ندور مع الكتاب والسنة حيث دارا فلم باتباع أحد من علماء السنة ، ولكننا تعبدنا باتباع رسول الله rفهذه هي السلفية ، أن تكون على فهم الصحابة للكتاب والسنة ، وأن تدور مع الكتاب والسنة حيث دارا ، ولا تفهم الإسلام من خلال شخص غير معصوم ، فكل واحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله r.



&





&&&




الأصول العلمية للدعوة السلفية

ومعنى الأصول العلمية:القضايا الكلية التي تهتم بها هذه الدعوة ، وتجعلها نُصْبَ عينيها ، فتجدون بعض الدعوات ترفع راية الجهاد ، ويقصدون أن الجهاد هو الإسلام كله ، فكل سعى الجماعة للجهاد .
وقد لا يفهمون الجهاد كما في كتاب الله عز وجل ، أو سنة رسوله r، فيسمون الخروج على الحاكم مثلاً جهاداً ، والخروج على الحاكم شيء والجهاد شيء آخر .
وآخرون يخرجون إلى الدعوة ، أي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتكون هذه هي قضيتهم ولا يفهمون ولا يفهمون التوحيد فهماً صحيحاً ، ويقولون: الحب في الله هو أصل الأصول ، وهذا لا شك باطل ، لأن أصل الأصول هو التوحيد ، فما بعث الله عز وجل رسولاً إلاَّ بالتوحيد ، كما قال عز وجل: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} (45) سورة الزخرف ، وقال عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (25) سورة الأنبياء .
وهذه مقالة متكررة من كل رسول: {اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (50) سورة هود ، تجدون هود ، وصالح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، وكل نبي أتى قومه بهذه الكلمة {اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} فقضية الأنبياء واحدة ، كما أن قضية الدعاة إلى الله عز وجل واحدة .
كما أن القضية التي ينبغي أن تهتم بها كل دعوة تَدَّعِي أنها على الحق ، وأنها على السنة ، وأنها الفرقة الناجية ، هي قضية التوحيد أي: تعبيد الناس لله عز وجل .
فهذا رِبْعِيّ بن عامر الذي فهم عن رسول الله rورباه النبي rلما دخل على رستم سأله عما جاء به فقال: " إن الله أبتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ، ومن ضِيْقِ الدنيا إلى سعتها ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام " .
كيف فهم قضية الإسلام؟! وكيف تكون الدعوة إلى الله عز وجل؟! ما قال: إن الله بعثنا بالحب في الله ، أو للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أو لقضية الجهاد ، بل قال: إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد ، لأن الناس يعبدون الأشجار ، والأحجار ، والشمس ، والقمر ، والبقر ، والطواغيت ، والأموال ، والهوى ، والشياطين ، الناس يعبدون آلهة متعددة .
فوظيفة الرسل وأتباع الرسل هي:أنهم يخرجونهم من هذه العبادة الباطلة ، من عبادة غير غير الله ويعبّدونهم لله عز وجل ، يجعلونهم عبيداً حقيقيين لله عز وجل ، يعرفونهم التوحيد ويعرفونهم بالله عز وجل ، وهي القضية التي خلق الله من أجلها الخلق كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (56) سورة الذاريات ، والله عز وجل خلق الجن والإنس لعبادته .
فالرسل يوجهون الناس لهذه الوظيفة التي خلقهم الله عز وجل من أجلها ، فهل ترون قضية أهم من قضية التوحيد؟ هل ترون أن الناس يمكن أن ينصلح حالهم؟ أو يستقيم أمرهم ، وأن يسعدوا في الدنيا والآخرة بقضية غير قضية التوحيد؟ .
لذلك كانت قضية التوحيد هي القضية الأولى في هذه الدعوة ، لأنها قضية الرسل ، قضية تعبيد الناس لله عز وجل ، والتوحيد ليس هو التوحيد عند المعتزلة –وهو توحيد الصانع- ، وليس التوحيد عند الصوفية – وهو اعتقاد الحلول والاتحاد ووحدة الوجود- ، ولكن التوحيد أن تعتقد أن الله عز وجل واحد ، وما ينبغي أن تتعرف به على الله عز وجل ، وأن تثبته لله عز وجل من أسمائه وصفاته وربوبيته ، وكذلك إفراد الله عز وجل بكل ألوان العبادة .
ويدخل –لا شك- في قضية التوحيد الإيمانُ بالملائكة ، والرسل ، والكتب ، واليوم الآخر ، والقدر خيره وشره ، فكل هذا يدخل في قضية التوحيد ، فهذه القضية الأولى عند الرسل .
فأي دعوة لا تهتم بقضية التوحيد ، ولا تجعل قضية التوحيد نُصْبَ عينها فهي دعوة على غير هدي المرسلين .
مهما كانوا يقولون: دعوة عالمية ، ودعوة عمرها ثمانون سنة ، ودعوة منتشرة في بقاع الدنيا ، إذا كانت هذه الدعوة لا تهتم بقضية التوحيد فهي دعوة على غير هدى المرسلين ، لأن الرسل دعوتهم كانت للتوحيد ، والله عز وجل أرسل كل الرسل بدين واحد وهو التوحيد {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} (13) سورة الشورى .
فأصول العقائد واحدة لم تختلف من رسول إلى رسول ، فالذي جاء به نبينا محمد rمن التوحيد ، هو ما جاء به موسى ، وما جاء به عيسى ، وما جاء به إبراهيم ، وهو الإسلام إسلامُ الوجه لله والإيمانُ بأمورِ الإيمان الستة .
أما الشرائع فمختلفة ( تكاليف العبادات ) يحل الله عز وجل لهؤلاء ما حرم على هؤلاء ، ويحرم على هؤلاء ما أحل لهؤلاء ، كما قال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (48) سورة المائدة .
فكل أمة لها تشريع وتكاليف مختلفة ، ولكن قضية التوحيد قضية واحدة ، فالرسل كلهم دعوا إلى التوحيد ، والتوحيد واحد لا يختلف ، لذلك أي دعوة ينبغي أن تهتم بقضية التوحيد ، وأن تُعَلَّمَ التوحيد الذي تركنا عليه رسول الله rلقول الله عز وجل: {فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ} (137) سورة البقرة ، فعقيدة الصحابة: هي المقياس الصحيح للعقيدة ، فأي معتقد يخالف اعتقاد السلف فهو باطل ، لأن الحق هو ما تركنا عليه رسول الله r.

القضية الثانية أو الأصل الثاني من الأصول العلمية للدعوة السلفية هو الاتباع:
والاتباع يأتي بأحد معنيين: (( الاتباع الذي هو ضد الابتداع )) .
كما قال ابن مسعود: " اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم " فالاتباع يأتي بمعنى اتباع هدى النبي r، واتباع سنة النبي rكما قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} (7) سورة الحشر ، وقال: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ} (80) سورة النساء ، وقال: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (36) سورة الأحزاب .
والأحاديث كثيرة وشهيرة فمن ذلك قوله r:"فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي "() ، ومنه قوله r: " لكل عمل شِرّةٌ ، ولكل شرة فَتْرَةٌ ، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى ، ومن كانت فترته لغير ذلك فقد ضل "() .
فالحاصل:أن الله عز وجل تعبدنا باتباع رسوله r.


وخير أمرو الدين ما كان سنة وشر الأمور المحدثات البدائع





.

كما حذرنا الله عز وجل من مخالفة هديه rوقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (63) سورة النــور .
وقال النبي r: " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " () .
وقال r: " أما بعد ، فإن أحسن الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد r، وشر الأمرو محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة "() .
فكان هذا المنهج واضحاً جداً للصحابة رضي الله عنهم ، حتى لما طلب أبو بكر الصديق من زيد بن ثابت أن يجمع القرآن ، قال: (( كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله r)) ، لما أقتنع عمر بن الخطاب وذهب عمر وأبو بكر لزيد بن ثابت يطلبان منه أن يجمع القرآن ، ويتتبع آيات القرآن فقال: (( كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله r)) .

ولما أراد النبي rأن يؤدب الذين قتلوا قواده في مؤتة في شمال الجزيرة العربية من الروم ، فجهز جيشاً بقيادة أسامة بن زيد بن حارثة –حب رسول الله r- ثم شغلوا بمرض النبي rوكان الجيش معسكراً قريباً من المدينة ، فلما توفى رسول الله r، ولحق بالرفيق الأعلى ، وارتدت قبائل العرب ، وقيل لأبي بكر الصديق: " كيف يخرج هذا الجيش وقد ارتدت قبائل العرب ، وكيف نترك المدينة ، وقد يهجم هؤلاء المرتدون على المدينة " .
فغضب أبو بكر رضي الله عنه وقال: " أقاتلهم وحدي حتى تنفرد سالفتي " ، وقال: (( كيف أفك عقدة عقدها رسول اللهr؟! )) ، وصمم على خروج جيش أسامة بن زيد ، وخرج جيش أسامة ، وأرهب قبائل العرب ، وقالوا: (( ما خرج هذا الجيش إلا وبهم قوة ومنعة )) وكان هذا من بركة التسليم للسنة ، فذهب الجيش ، وغاب أربعين يوماً ، وعاد سالماً غانماً ، ثم جهز بعد ذلك أبو بكر الجيوش لقتال المرتدين ، فحفظ الله عز وجل بهم الدين ، وردهم إلى حديقة الإسلام مرة ثانية .


&&&&

فارس العقيده
2008-10-25, 01:32 AM
&&&&


الاتباع أيضاً يأتي بمعنى الاتباع الذي هو منـزلة متوسطة بين الاجتهاد والتقليد


:
فالاتباع:أن تتبع العالم بدليله من الكتاب والسنة ، فهي منزلة متوسطة بين الاجتهاد والتقليد .
والاجتهاد:أن تحصل أدوات الاجتهاد ، تدرس القرآن ، وتعلم ما به من ناسخ ومنسوخ ، ومطلق ومُقيد ، وخاص ، وعام ، وكذلك تدرس أحاديث النبي r، أو على الأقل تعرف مواقعها في كتب السنة ، وتدرس اللغة العربية ، وتدرس الأصلين أصول الحديث ، وأصول الفقه ، ثم إذا حصّلت أدوات النظر المباشر والاجتهاد من حقك أن تجمع النصوص وأن تجتهد ، فهذه منزلة الاجتهاد ، وهي لخواص الأمة من العلماء الذين حصلوا أدوات الاجتهاد ، في مقابل هذه المنزلة هناك منزلة التقليد .
والتقليد:جائز للجاهل المحض ، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها .
فإن الجاهل المحض الذي لا يقرأ ولا يكتب إذا تلوت عليه الدليل ، أو إذا ذكرت له الآية والحديث لا يفهم المقصود ، فهو إذا أراد أن يطلّق زوجته يطلب منك أن يعرف كيف يطلق ، وإذا أراد أن يحج بيت الله فيريد منك أن يعرف كيف يحج ، وإذا فهم ذلك فهذا حسبه ولا يستطيع أكثر من ذلك ، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها .
فالتقليد جائز في مواطن منها الجاهل المحض الذي لا يفهم المقصود من الآية والحديث .
كذلك المسائل التي ليست فيها نص من الكتاب أو السنة صحيح صريح يدل على المعنى بوضوح ، ولكن قد يكون هناك نص غير ظاهر الدلالة ، فتختلف أنظار العلماء وأفهام العلماء للنص ، وبعضهم يستدل به على قضية ، والآخر يستدل به على عكس القضية .
فمثل هذه المسائل أيضاً تكون من مسائل الاجتهاد ، وهي التي فيها نص غير واضح الدلالة ، أو غير صريح الدلالة ، فتكون أيضاً من مسائل الاجتهاد .
فمسائل الاجتهاد:المسائل التي ليس فيها نص بالمرة ، ويكون مستند العلماء فيها أن يقيسوا مسألة غير منصوصة على منصوصة للتشابه بينهما .
والقياس:كما يقولون كأكل الميتة للمضطر ، فهو لم يجد نصاً في المسألة فلجأ للقياس ، والذين يقيسون هم العلماء كما بينا .
فالحاصل:أن القياس يلجأ إليه عند عدم وجود النص ، أو عند وجود نص غير واضح الدلالة أو غير صريح في القضية ، فهذه المسألة تعتبر من مسائل الاجتهاد ، فيجوز لك أن تقلد في مثل هذه المسائل الاجتهادية عالماً من علماء الأمة ، وأن تأخذ بفهمه لهذه القضية ، ولا يعترض مجتهد على مجتهد ، ولا مَنْ قلد ، يعني لا يعترض مَنْ قلد مجتهداً على من قلد مجتهداً آخر ، طالما أن المسألة ليس فيها نص صريح من الكتاب أو السنة .
أيضاً من المواطن التي يصلح فيها التقليد ، المواطن التي تنزل بالمسلمين فيها نازلة ، وليس هناك وقت لمعرفة أقوال العلماء ، ومعرفة اختلافهم ، وأيهم وِفْق الكتاب والسنة ، فمثل هذه النوازل عند ضيق الوقت لا يسع الوقت لتدبر أقوال العلماء فيجوز لنا أن نقلد عالماً من علماء الأمة .
فالاتباع هنا يعني الاتباع الذي هو منزلة متوسطة بين الاجتهاد ، والتقليد ، فنحن لسنا بعلماء مجتهدين ، فنحن طلاب علم ، كذلك لسنا من الصنف الآخر الجاهل المحض ، ولكن نحن طلاب علم ، فالذي يتعين عليه الاتباع ، والمسائل المختلف فيها ينبغي علينا أن نعرف أقوال العلماء فيها ، وأن نعلم أيهم أقرب للكتاب والسنة ، لأن الله عزَّ وجلَّ تعبدنا باتباع رسوله rوقال: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (158) سورة الأعراف ، وقال: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (108) سورة يوسف ، فلابد أن يكون الاتباع للنبي rووسيلة الاتباع هي أن تعرف من يوصلك إلى النبي r، لأن المقلد ليس من أهل العلم .

العلم قال الله ، قال رســوله قال الصحـابة ، ليس بالتمويه





.

ما العلم نصبَكَ للخلافِ سفـاهة بين الرسـول وبين قول فقيه





.

كل العلوم سوى القرآن مشغـلة إلا الحديثَ وإلا الفقهَ في الدينِ





.

العلـم ما كان فيه قال حدثنا وما سوى ذاك فوسواس الشياطين





.
فالمقلد ليس عنده خبر عن الله عز وجل ، أو عن رسوله r، ليس عنده إلا قال الشافعي ، قال أحمد ، قال فلان ، ليس عنده خبر عن الله عز وجل ، أو عن رسوله r، وقالوا: لا فرق بين المقلد وبين بهيمة تقاد ، وللأسف بعض الجماعات في الساحة الإسلامية تربى أبناءها على التقليد ، فلا تعودهم على السؤال عن الدليل ، وإذا سأل أحد عن الدليل ربما يضرب في وجهه ، لأنه ليس من حقه أن يعرف الدليل .
فينبغي أن تتعرف على الدليل ، وأن يكون الاتباع للنبي r، وبعض الناس يعتبرون السؤال عن الدليل سوء أدب مع المفتي ، والواقع أن هذا ليس بسوء أدب ، ولكنه تحري وتقوى لله عز وجل ، وأنك تريد أن تتأكد أنك خلف النبي r.


&





&&&


القضية الثالثة أو الأصل الثالث من الأصول العلمية للدعوة السلفية وهو التزكية





:
والتزكية:يقصد بها التنمية والتطهر ، يقولون زكا الزرع ، أي نما ، وصلح وبلغ كماله .
فالتزكية من المهمات التي بعث بها نبينا الكريم rكما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} (2) سورة الجمعة .
وكان النبي rيطلب التزكية لنفسه ويقول: " اللهم آت نفسي تقواها ، وزكها أنت خير من زكها ، أنت وليها ومولاها " () .
وتمنن الله عزَّ وجلَّ على المسلمين بمثل هذه الزكاة وقال عز وجل: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء} (21) سورة النــور .
وأقسم الله عز وجل في كتابه أحد عشر قسماً متوالياً ، وليس في القرآن كله من أوله إلى آخره أقسام متوالية بمثل هذا العدد ، وهذه الكثرة على أن صلاح العباد منوط بتزكية نفوسهم ، وعلى أن خيبتهم منوطة بتدسية نفوسهم قال تعالى: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} (1-10) الشمس .
والله عز وجل لا يحتاج إلى قَسَمٍ ، ومن أصدق من الله قيلاً ، ولكنه عزَّ وجلَّ يريد أن يلفت أنظارنا إلى عظمة هذه الحقيقة وشرف هذه القضية فيقسم عليها هذه الأقسام المتوالية بهذه الكثرة وعلى هذا النسق يقول: قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ، وكيف يفلح من زكاها ، وهو يسعد في الدنيا والآخرة .
يعني من زكى نفسه يعيش في روضة من رياض الجنة يأنس بالله ، ويسعد بالله ويستغنى بالله عز وجل ، كما قال النبي r: " وجعلت قرة عيني في الصلاة " () .
وكان يواصل وينهى عن الوصال ، فيقولون: إنك تواصل ، فيقول: " إني لست كهيئتكم ، إني أبيت لي مطعمٌ يطعمني ، وساق يسقيني " () ، فكان يفيض على قلبه من المعاني ، والأحوال الإيمانية ، ومن حلاوة الإيمان ما يغنيه عن الطعام ، والشراب كما قال بعضهم:

لها أحاديث من ذكراك تشغلها عن الطعام وتلهيها عن الزاد





.
فالإنسان:إذا كان في حالة إيمانية مرتفعة يأنس بالله عز وجل ويسعد بالله عز وجل ، فإنه لا يحتاج مع ذلك إلى كثير من الطعام والشراب ، بل يستغنى بما يَرِدُ على قلبه ، لذلك المؤمن يأكل في مَعِىٍّ واحد ، والكافر يأكل في سبعة أمعاء .
فالمؤمن عنده من الإيمان ، ومن الأحوال الإيمانية ما يغنيه عن كثير من الطعام والشراب .
فالحاصل:أن صلاح العباد في تزكية نفوسهم ، وخيبتهم وخسارتهم في تدسية نفوسهم ، وأول التزكية عند أهل المنهج الصحيح ، أي: عند السلفيين أو أهل السنة والجماعة هو التزكية بالتوحيد ، لأن أعظم النجاسات هي نجاسة الشرك قال عز وجل: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} (28) سورة التوبة .
قال ابن عباس في قول الله عز وجل: {وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِين(6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ(7)} سورة فصلت ، قال: الذين لايشهدون أن لا إله إلا الله .
فالزكاة هنا بالتوحيد ، وأرسل الله عز وجل موسى إلى فرعون يقول: {فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى(18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى(19)} سورة النازعات ، أي تتزكى بالتوحيد ، وترك الشرك .

فالنفس تزكو بالتوحيد ، وتزكو أي وتعلوا ، وتصلح وتكمل كذلك بأداء الواجبات ، والإكثار من نوافل الطاعات ، كما أن النفس تصير دنيئة حقيرة لا تكاد ترى من حقارتها ، ودنائتها بالشرك بالله عز وجل ، وبمعصية الله عز وجل: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} (9) سورة الشمس ، يعني علاها ، وطهرها ، ونمها ، وكملها بالتوحيد والطاعة ، وقد خاب من دساها .
فالتدسية: عكس التزكية ، وهي التحقير والتصغير ، كما قال تعالى: {أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ} (59) سورة النحل ، أي يخفيه في التراب ، فالنفس تصير حقيرة دنيئة لا تكاد ترى من حقارتها ، ومن دنائتها بالشرك والمعصية لله تعالى .
فبداية التزكية عند السلفيين – أهل السنة والجماعة – هي توحيد ، يعني أن تعرف الله عز وجل معرفة صحيحة ، كما عرفنا الله عز وجل بنفسه ، وكما عرفنا به رسول الله r، ثم لازم هذه المعرفة أن تفرد الله عز وجل وحده بتوحيد القصد والطلب ، فلا تزكوا النفس بشيء قبل أن تزكوا بالتوحيد أولاً ، فأول واجب على المكلف هو معرفة الله عز وجل ، كما عرّفنا بنفسه ، وكما عرّفنا به رسول الله r، وإفراد الله وحده بالعبادات .
ثم بعد ذلك التزكية بأداء الواجبات ، وهذه أيضاً تزكية واجبة ، فأفضل الأعمال أداء ما افترض الله ، والورع عما حرم الله وحسن النية فيما عند الله عز وجل ، كما في حديث أبي هريرة – الحديث القدسي الذي هو أشرف حديث – بشأن الولي: " وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه " () .

فالإنسان:لا يكون ممن لا يُخْرِج زكاة ماله ، ويعتمر كل عام ، أو يبني المساجد ، وكما يقولون: من شغله الفرض عن النفل فهـو معذور ، لأنه مشغول بما هو أحب إلى الله عز وجل وأكثر تقريباً إلى الله عز وجل وهو الفرض ، فمن شغله الفرض عن النفل فهـو معذور ، ومن شغله النفل عن الفرض فهـو مغرور .
فالإنسان:ينبغي عليه أن يجتهد في الفرائض ، يتدبر في حاله هل يؤدي الصلوات في الوقت الذي ينبغي وعلى الوجه الذي ينبغي ، أي في أول الوقت ، وفي الجماعة ، ويستكمل الركوع والسجود والخشوع ، أو يصلي في آخر الوقت منفرداً ؟ ، هل عنده مال تجب فيه الزكاة فيبادر بأداء زكاة ماله ؟ هل عنده استطاعة لحج بيت الله الحرام ، ولم يحج ؟ هل يصوم الشهر كما ينبغي إيماناً واحتساباً ؟
كذلك يدخل في الفرائض: الفرائض التركية ، ترك الزنا ، والسرقة ، وشرب الخمر ، وأكل الربا ، وأكل أموال الناس بالباطل ، والغيبة والنميمة ، وغير ذلك من الأمور التي تعبدنا الله عز وجل بتركها ، كما قال النبي r: " إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا " () .
فهذه هي التزكية الواجبة بعد التزكية بالتوحيد ، ثم بعد ذلك هناك التزكية بالنوافل التي يبينها لنا رسول الله r.
والشرع غنى بوسائل التزكية فلا نحتاج أن نبتدع طرقاً ووسائل لتزكية النفس ، كالتطويح والرقص عند الصوفية ، أو الذكر بالاسم المفرد ، أو تحريم ما أحل الله عز وجل من الأطعمة والأشربة ، وغير ذلك .
بل ينبغي أن نتحبب ونتقرب إلى الله عز وجل بما ثبت عن النبي r، وأن نعتقد أن خير الهدى هدى رسول الله r.

ولايمكن للعبد أن يكون على هدي خير من هدي محمد r، لذلك لما سمع النبي rعن الثلاثة النفر من الصحابة الكرام الذين ذهبوا إلى بيوت أزواج النبي r، وسألوا عن عبادته وكأنهم تقالوها ، وقالوا أين نحن من النبي r، وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر .
فظنوا أن النبي rلا يحتاج إلى كثير من العبادة ، ولذلك كان يصوم ويفطر ، ويقوم وينام ، ويتزوج النساء ، ولكنهم ينبغي عليهم أن يكونوا أشد اجتهاداً ، فقال أحدهم: أما أنا فأقوم ولا أنام ، وقال الثاني: أما أنا فأصوم ولا أفطر ، وقال الثالث: وأنا لا أتزوج النساء ، فلما بلغ ذلك النبي rقال: " أما إني أعلمهم بالله ، وأشدهم له خشية ، ولكني أقوم وأنام ، وأصوم وأفطر ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني " () .
فلا يمكن للعبد أن يصل إلى هدى هو خير من هدى محمد r.
فالحاصل:أن الشرع أغنانا بوسائل كثيرة في التزكية ، نوافل الصلاة ، كصلاة السنن الرواتب اثنى عشر ركعة كما قال ابن عمر: حفظت عن رسول الله r: " أربعاً قبل الظهر ، واثنان بعد الظهر ، واثنان بعد المغرب ، واثنان بعد العشاء ، واثنان قبل الصبح " () .
بَيَّنَ فضل هذه الركعات حديث أم حبيـبة -رضي الله عنها- تقول: قال رسول الله r: " من صلى في يوم وليلة اثنى عشر سجدة سوى المكتوبة ، بني له بيت في الجنة " () . فالإنسان:إذا كان يحافظ على السنن الرواتب ، فإنه يحافظ على اثنى عشر ركعة كل يوم ، يدوام عليها ، فكل يوم يدوام على هذه الركعات ، يبنى له بيتٌ في الجنة ، ولا تعجب فإن أدنى أهل الجنة منزلة ، له مثل الدنيا وعشرة أمثالها .

هناك قيام الليل ، وأفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل ومن نوافل الصلاة أيضاً سنة الضحى وتحية المسجد ، ومطلق التنفل في غير أوقات الكراهة .
هناك سنن الصيام كصيام الاثنين والخميس ، وثلاثة أيام من كل شهر ( الأيام البيض ) ، وست من شوال ، ويوم عرفة ، ويوم عاشوراء ، وصيام يوم وإفطار يوم ، وهو أحب الصيام إلى الله ، وهو صيام داود عليه السـلام .
يقول النبي r: " من صام يوماً في سبيل الله ، جعل بينه وبين النار خندقاً كما بين السماء والأرض " () .
هناك سنن في الإنفاق والصدقات: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء} (261) سورة البقرة .
هناك نوافل الحج والعمرة " العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة " () .
نوافل الصلاة على النبي r: " من صلى عليّ واحدة صلى الله عليه بها عشراً " () .
فأنت تصلي صلاة واحدة على النبي r، والله عز وجل يصلي عليك عشر صلوات .
كذلك الدعاء ، الدعاء هو العبادة ، قال الله عز وجل: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (60) سورة غافر .
من نوافل الذكر أذكار الصباح والمساء ، والطعام ، والنوم ، وغير ذلك ، والأذكار الموظفة ، والغير موظفة " مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر كمثل الحي والميت " () .

فأبواب الخير كثيرة جداً ، ووسائل الشرع كثيرة جداً للتزكية ، فلا نحتاج أن نبتدع طرقاً للتزكية .
فالإنسان:لو فتح له باب من هذه الأبواب العظيمة ، واجتهد في هذا الباب لابد أن يدخل من هذا الباب لابد أن يدخل من هذا الباب على الغني الوهاب ، ومن وجد ربه عز وجل فقد وجد كل شيء ، ومن فاته ربه عز وجل فقد فاته كل شيء .
فهذه وسائل التزكية عند أهل السنة والجماعة ، وأهل السنة والجماعة يزكون أنفسهم من أجل تحقيق كمال العبودية لله عز وجل .
هذه باختصار (( الأصول العلمية للدعوة السلفية )) وهذا كلام مختصر عن السلفية فنسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لفهمه ، والعمل به ، ونسأله تعالى كما جمعنا في هذا المكان أن يجمعنا على الحق ، وأن يجمعنا على حوض نبيه محمد rكما آمنا به ولم نره ، وألا يفرق بيننا وبينه حتى يدخلنا مدخله ، ونسأله أن يجمعنا على حوضه ، وأن يسقينا من يده الشريفة شربة هنيئة لا نظماً بعدها أبداً .


أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم





.

سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك





.

وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه





.


منقول من كتابعندى
السَّلفِيَةُ
قَوَاعِدٌ وَأُصُوْلٌ
للشيخ الدكتور احمد فريد
&





&&&

أبوحمزة السيوطي
2008-10-25, 07:45 AM
بارك الله فيك يا فارس العقيدة

سيرنا الله على الضرب دون الحيدة

فكل خير في اتباع من سلف وكل شر في اتباع من خلف

أبوعبدالرحمن الأثري
2008-10-25, 01:23 PM
موضوع هام وقيم أخي فارس العقيدة

يثبت إن شاء الله

عزتي بديني
2008-10-25, 02:24 PM
بارك الله فيكم وفي عملكم

أبو جاسم
2008-10-25, 03:11 PM
أخي فارس العقيدة جزاك الله خيرا" على طرح هذا الموضوع المهم لكل مسلم و خاصة المشتغلين بمجال الدعوة إلى الله . لأنه لابد للداعية أو للمحاور الإسلامي من معرفة تامة بالعقيدة السليمة وفق نهج السلف الصالح بعيدا" عن مناهج أهل الأهواء و البدع .


ورد في البحث أن أول قاعدة من قواعد المنهج السلفي هي (( تقديم النقل على العقل )) .


و قد يتوهم البعض من هذا الكلام أن النقل يتعارض مع العقل ولهذا يجب تقديم النقل على حسب هذه القاعدة عند التعارض .


و الصواب أن النقل لا يأتي إلا بما يوافق العقل ، و أن النقل الصحيح لا يتعارض مع عقل صريح . و من اعتقد أن بعض النصوص الصحيحة لا يقبلها عقله فالعيب في عقله و فهمه لا بالنصوص الصحيحة الموافقة للعقل الصريح . و لهذا فإن النص الصحيح ثابت و مقدم سواء " علمناه بعقولنا أم لم نعلمه و سواء " صدقه الناس أم لم يصدقوه ، كما أن الرسول حقا" و إن كذبه من كذبه

أبو جاسم
2008-10-25, 03:29 PM
قال العلامة ابن القيم - رحمه الله - في كتابه الماتع الصواعق المرسلة على الجهمية المعطلة في معرض رده على القائلين بتقديم العقل مطلقا" إذا تعارض مع النقل .


(( قولهم إن تعارض العقل والنقل وجب تقديم العقل لأنه لا يمكن الجمع بينهما ولا إبطالهما ولا تقديم النقل لأن العقل أصل النقل فلو قدمنا عليه النقل لبطل العقل وهو أصل النقل فلزم بطلان النقل فيلزم من تقديم النقل بطلان العقل والنقل فتعين القسم الرابع وهو تقديم العقل فهذا الطاغوت آخو ذلك القانون فهو مبني على ثلاث مقدمات :


الأولى ثبوت التعارض بين العقل والنقل .


الثانية انحصار التقسيم في الأقسام الأربعة التي ذكرت فيه .


الثالثة بطلان الأقسام الثلاثة ليتعين ثبوت الرابع .


وقد أشفى شيخ الإسلام في هذا الباب بما مزيد عليه وبين بطلان هذه الشبهة وكسر هذا الطاغوت في كتابه الكبير( قلت أي أبو جاسم : و هذا الكتاب لشيخ الإسلام ابن تيمية هو المسمى ب" موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول " ) ونحن نشير إلى كلمات يسيرة هي قطرة من بحره يتضمن كسره ودحضه وذلك يظهر من وجوه :


الوجه الأول :

إن هذا التقسيم باطل من أصله والتقسيم الصحيح أن يقال إذا تعارض دليلان سمعيان أو عقليان أو سمعي وعقلي فإما أن يكونا قطعيين وإما أن يكونا ظنيين وإما أن يكون أحدهما قطعيا والآخر ظنيا .

فأما القطعيان فلا يمكن تعارضهما في الأقسام الثلاثة لأن الدليل القطعي هو الذي يستلزم مدلوله قطعا فلو تعارضا لزم الجمع بين النقيضين وهذا لا يشك فيه أحد من العقلاء .

وإن كان أحدهما قطعيا والآخر ظنيا تعين تقديم القطعي سواء كان كان سمعيا" أم عقليا"، و إن كانا ظنيين صرنا إلى الترجيح ووجب تقديم الراجح منهما سمعيا كان أو عقليا .

فهذا تقسيم واضح متفق على مضمونه بين العقلاء فأما إثبات التعارض بين الدليل العقلي والسمعي والجزم بتقديم العقلي مطلقا فخطأ واضح معلوم الفساد عند العقلاء .


الوجه الثاني :

إن قوله إذا تعارض العقل والنقل فإما أن يريد به القطعيين فلا نسلم إمكان التعارض وإما أن يريد به الظنيين فالتقديم للراجح مطلقا وإما أن يريد ما يكون أحدهما قطعيا والآخر ظنيا فالقطعي هو المقدم مطلقا فإذا قدر أن العقلي هو القطعي كان تقديمه لأنه قطعي لا لأنه عقلي فعلم أن تقديم العقلي مطلقا خطأ وأن جعل جهة الترجيح كونه عقليا خطأ وأن جعل سبب التأخير والاطراح كونه نقليا خطأ .


الوجه الثالث :

إنا لا نسلم انحصار القسمة فيما ذكره من الأقسام الأربعة إذ من الممكن أن يقال تقدم العقلي تارة والسمعي تارة فأيهما كان قطعيا قدم فدعواه أنه لا بد من تقديم العقل مطلقا أو السمع مطلقا أو اعتبار الدليلين معا أو إلغائهما معا دعوى كاذبة بل ههنا قسم غير هذه الأقسام وهو الحق وهو ما ذكرناه . )) انتهى كلامه - رحمه الله - . .

عَبْدٌ مُسْلِمٌ
2008-10-25, 04:15 PM
جزاكم الله خيرا ، تسجيل مرور لضيق الوقت الآن .
ورحم الله الإمام الشاطبي:radi: ـ تقريبا ـ اى صاحب الشاطبية في القراءات السبع
والذي ذلل له سيدنا صلاح الدين الأيوبي :radi:سهل له خدمة الإسلام فكان خير خادم .
قال الشاطبي :radi::
فكن على نَهجِ سَبِيْلِ الْسَلَفِ = في مُجْمَعٍ عليه أو مُختَلَف
وهذا هو ما عبر عنه الله في سورة النساء بِمُسَمَي "" ... ويتبع غير سَبِيْلِ الْمُؤْمِنِيْنَ ...""

نور اليقين
2008-10-25, 11:44 PM
موضوع رائع اخي الكريم
ومهم وخاصة في الوقت الذي نعيشه الان
من تفكك وابتعاد عن المنهج

نسال الله العفو والعافية في الدنيا والاخرة

أبوحمزة السيوطي
2008-10-26, 12:21 AM
موضوع رائع اخي الكريم

ومهم وخاصة في الوقت الذي نعيشه الان
من تفكك وابتعاد عن المنهج



نسال الله العفو والعافية في الدنيا والاخرة


بلى .

بل هو الأهم .

إن رجوع شباب المسلمين زرافات ووحدانا لن نجد ثمرته إلا إذ كان هذا الرجوع تحن راية السلفية .

وكيف لا والمقصود بالسلف هم الصحابة الذين نهلوا من فيض الحي غضا طريا وهذا السبيل هو سبيل المؤمنين المقصود في آية النساء اكما قال أخونا عبد مسلم

قال الله عز وجل :
{ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى و يتّبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى و نصله جهنم و ساءت مصيرا} (115) النساء

ولم يأتي في الآية ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى نوله ما تولى

بل اشترط رب العزة أن يكون على السبيل الذي نقل الينا من هؤلاء الصحب تلاميذ المعلم صلى الله عليه وسلم .

فكم من منادي ينعق باتباع النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه يفسر السنة والقرآن على هواه

و لأن الصحابة خير من فهم عن رسول الله عليه السلام وخير من طبق اذا فالهدى
أن نكون على ماكان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كما قال :
" هم من كانوا على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي "

أسأل الله أن يجعلنا على هذا الضرب نقتفي أثر الرسول عليه السلام بمصابيح أصحابه ومن اتبعهم بإحسان الى يوم الدين .