فارس العقيده
2008-10-25, 01:30 AM
السلفية قواعد وأصول
(*)
الحمد لله الذي رضي من عباده باليسير من العمل ، وتجاوز لهم عن الكثير من الزلل ، وأفاض عليهم النعمة ، وكتب على نفسه الرحمة ، وضَنَّنَ الكتاب الذي كتبه أن رحمته سبقت غضبه ، دعا عباده إلى دار السلام فعمهم بالدعوة حجة منه عليهم وعدلاً ، وخص بالهداية والتوفيق من شاء نعمة ومنة وفضلاً ، فهذا عدله وحكمته وهو العزيز الحكيم ، وذلك فضل يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .
وأشهد ألا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، شهادة عبده ، وابن عبده ، وابن أمته ، ومن لا غنى به طرفة عين عن فضله ورحمته ، ولا مطمع له بالفوز بالجنة ، والنجاة من النار إلا بعفوه ومغفرته .
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وصفيه من خلقه وخليله ، أرسله رحمة للعالمين ، وقدوة للعاملين ، ومحجة للسالكين ، وحجة على العباد أجمعين ، وقد ترك أمته على الواضحة الغَرَّاء ، والمحجة البيضاء ، وسلك أصحابه وأتباعه على أثره إلى جنات النعيم ، وعدل الراغبون عن هديه .
إلى صراط الجحيم ، ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيا من حَيَّ عن بينة ، وإن الله لسميعٌ عليمٌ .
فصلى الله وملائكته وجميع عباده المؤمنين عليه ، كما وَحَّدَ الله عز وجل ، وعرفنا به ودعا إليه وسلم تسليماً .
ثم أما بعد :
فإن أصدق الحديث كتاب الله عز وجل ، وخير الهدى هدى محمد rوشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، وما قال وكفى ، خير مما كثر وألهى ، وإن ما توعدون لآت ، وما أنتم بمعجزين .
من هم السلف ؟ ومن هم السلفيون ؟ وما هي قواعد المنهج السلفي ؟ وما هي الأصول العلمية للدعوة السلفية ؟
لا شك أن هذه الأسئلة تترد في أذهان كثير من الناس ، منهم من عنده إجابة ، ومنهم من يفتقر إلى إجابة ، ونحن نوضح هذا المنهج ، وهذا الفكر ، حتى يكون الناس على بصيرة من دينهم ، وحتى يتأكد المسلم أنه على الصراط المستقيم وعلى هدى سيد الأولين والآخرين .
السلف:هم الصحابة ، والتابعون ، وتابعوهم من أهل القرون الخيرية الثلاثة الأُوَل ، التي أشار النبي rإلى خيريتها ، فقال r: " خيركم قرني ، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " فبيّن النبي rأن خير قرون الأمة القرن الذي بعث فيه رسول الله rفقال: " خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " .
والصحابة جمع صحابي ، والصحابي: هو من رأى رسول الله rمؤمناً به ، ومات على ذلك ، وإن تخللته ردة على الراجح من أقوال العلماء .
فالصحابة:هم الذين رأوا رسول الله r، واكتحلت أعينهم بمشاهدة أنواره r .
والتابعون:هم الذين رأوا الصحابة ، أو واحداً من الصحابة .
فالسلف:هم الصحابة ، والتابعون ، وتابعوهم من أهل القرون الخيرية الثلاثة الأول ، عدا الأول ، عدا أهل البدع كالخوارج ، والمعتزلة ، والقدرية ، والجهمية ، وغيرهم من فرق الضلالة .
والسلفيون:هم الذين يعتقدون معتقد السلف الصالح رضي الله عنهم ، وينتهجون منهج السلف في فهم الكتاب والسنة ، فإن قال قائل لماذا نسمي بالسلفيين؟! ولماذا نبتدع أسماء جديدة؟! ألا يكفي اسم الإسلام {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ} (78) سورة الحـج.
فالجواب:على هذه الشبهة ما أجاب به الإمام أحمد بن حنبل –رحمه الله- إمام أهل السنة لما قيل له ألا يسعنا أن نقول القرآن كلام الله ونسكت؟
قال: كان هذا يسع من كان قبلنا أما نحن فلا يسعنا إلا أن نقول القرآن كلام الله غير مخلوق .
فكان يسع المسلمين قبل ظهور المبتدعة من المعتزلة بخلق القرآن ، كان يسعهم أن يقولوا القرآن كلام الله ويسكتون ، ولكن لما ظهرت بدعة القول بخلق القرآن ، كان لابد لأهل الحق من أن يصرحوا بأن القرآن كلام الله غير مخلوق فكان يكفي العبد اسم الإسلام عندما كان المسلمون جماعة واحدة ، على اعتقاد واحد ، وعلى فهم واحد للكتاب والسنة ، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: " إنكم قد أصبحتم اليوم على الفطرة ، وإنكم ستحدثون ، ويحدث لكم ، فإذا رأيتم محدثة فعليكم بالعهد الأول " .
وقال الإمام مـالك: لم يكن شيء من هذه الأهواء على عهد رسول الله rوأبي بكر وعمر وعثمان ، لأن البدع ظهرت في آخر عهد الصحابة رضي الله عنهم .
كما أخبر النبي rفقال: " إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ " () .
فمن عاش من الصحابة ، ومن طال عمره من الصحابة رضي الله عنهم رأى مصداق ما أخبر به الرسول rمن ظهور البدع ، وظهور الاختلاف وظور الفرق .
كذلك أخبر النبي rأن الأمة سوف تفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة ، منها واحدة ناجية تصير إلى جنة عالية قطوفها دانية ، وبواقيها عادية ، تصير إلى الهاوية والنار الحامية ، فقال r: " افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، وافترقت النصارى على ثنتي وسبعين فرقة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، كلهم في النار إلا واحدة ، قالوا: من هم يا رسول الله؟ ، قال: هم الجماعة " ().
وليس المقصود بالجماعة أي جماعة في أي مكان ، لأن الجماعات تختلف بإختلاف الأمكنة واختلاف الأزمنة ففي بعض الأماكن ينتشر مذهب الشيعة ، وفي بعض الأماكن ينتشر فكر الصوفية ، وفي بعضها فكر الأشاعرة ، فهل يقصد النبي rأن الإنسان يكون مع أي جماعة في أي بلد وفي أي زمان ؟!.
ليس هذا هو المقصود قطعاً ، وأولى ما فسر به الحديث ، ولهذا الحديث رواية أخرى رواها الحاكم وهي بسند حسن لغيره ، قال: " هم من كانوا على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي " فيكون المقصود بالجماعة التي أخبر عنها النبي rفي رواية أخرى الجماعة التي هى على شاكلة الجماعة الأولى ، التي كانت على فكر واحد ، وعلى عقيدة واحدة ، وعلى فهم صحيح للكتاب والسنة .
فالجماعة من كان على فكر الجماعة الأولى ، وعلى معتقد الجماعة الأولى ، ولذلك لما سُئلَ الإمام ابن المُبارك –رحمة الله عليه- عن الجماعة قال: أبو بكر وعمر ، أي الجماعة أبو بكر وعمر ، فقيل له: قد مات أبو بكر وعمر ، فقال: فلان وفلان ، فقيل: قد مات فلان وفلان ، فقال أبو حمزة السكري جماعة ، أي أن المقصود بالجماعة من كان على شاكلة الجماعة الأولى أي من كان على شاكلة الصحابة رضي الله عنهم ، لأن الله تعالى جعل معتقد الصحابة هو المقياس للعقيدة الصحيحة فقال عز وجل: {فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ} (137) سورة البقرة .
فيجب على كل مسلم في كل زمان وفي كل مكان أن تكون عقيدته مطابقة لعقيدة الصحابة رضي الله عنهم ، وأن يكون فهمه للكتاب والسنة على فهم الصحابة رضي الله عنهم .
فالذي دعا إلى ظهور اسم السلفية ، أو أهل السنة والجماعة ، أو أنصار السنة ، أو أهل الحديث ، أو أهل الأثر ، ما حدث من افتراق الأمة ، ومن ظهور البدع التي أخبر عنها النبي rكالخوارج ، والمعتزلة ، والجمهية ، والقدرية ، والصوفية ، والشيعة ، وغيرها من فرق الضلالة ، فلما تفرقت الأمة ، ولما اختلف المناهج ، واختلف الأهواء ، والآراء ، والعقائد ، كان لابد لأهل الحق أن يتميزوا باسم ، وأن يتميزوا بمنهج .
فالذين يتميزون بمنهج أهل السنة ، أو السلفيون ، أو أهل الأثر ، أو أهل الحديث ...هم الذين يحافظون على معتقد الصحابة رضي الله عنهم ، ويحافظون على منهج السلف ، وفهم السلف للكتاب والسنة .
فالدعوة السلفية ليست فهم الإسلام بفهم شخص من الناس ، ليست فهم شيخ الإسلام ابن تيمية ، أو فهم العلامة ابن باز ، أو الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ، أو الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق ، أو الشيخ محمد بن إسماعيل ، ولكن المقصود بالسلفية: المُحافظة على معتقد السلف ، وعلى فهم السلف للكتاب والسنة ، وعلى منهج السلف رضي الله عنهم .
فالدعوة السلفية: هي المحافظة على ما مضى عليه سلف الأمة رضي الله عنهم ، ولا شك أنها الدعوة للتمسك بالسنة التي أمرنا بالتمسك بها رسول الله rفقال: " عليكم بسنتي ، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي " () .
إن السنة ليست مجرد إعفاء اللحية ، أو الثوب القصير مثلاً ، وليست بعض الأقوال والأفعال ، ولكن السنة تشمل ما مضى عليه النبي rوالصحابة رضي الله عنهم .
فالسنة أقوال وأفعال وعقائد ، السنة أن تكون على معتقد السلف ، وتقتدي بالنبي rفي هديه ، وفي سمته ، وفي أقواله وفي أعماله ، والسلفية أن نتمسك بالسنة وبما أمرنا بالتمسك به رسول الله r .
وقد بشر النبي rبأن طائفة من الأمة لا تزال ظاهرة على الحق ، ترفع راية السنة وتدعو إلى الفهم الصحيح ، للكتاب والسنة ، وأن هذه الطائفة تبقى في كل عصر ، وفي كل مصر ، تقيم الحجة على أهل عصرها ، أو أهل مصرها ، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك ، وأمرُ الله ريحاً تأتي من جهة الشمال فتأخذ المؤمنين من تحت آباطهم ، فتقبض كل روح مؤمنة ، ثم تقوم الساعة بعد ذلك على شرار الخلق فقال النبي r: " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك " () .
فلا شك أن هذه الظاهرة: هي الفرقة الناجية التي أخبر عنها المعصوم rفالطائفة الظاهرة هم أهل الحديث ، وهم أهل الأثر ، وليس المقصود بالظهور ظهور السلطان ، والسيف ، والسنان في كل مكان وزمان ، ولكن هذا الظهور ظهور الحجة ، كما قيل للإمام أحمد في زمن ظهور المعتزلة الرديئة بخلق القرآن ، وأَجَبَرَ المأمون بن هارون الرشيد بمقالة المعتزلة الردئية بخلق القرآن ، وأَجَبَرَ المأمون القضاة والمفتين والعلماء وعوام الناس على القول بخلق القرآن .
فقيل للإمام أحمد: ألاَ ترى إلى الباطل كيف يظهر على الحق فقال: " كلا إن ظهور الباطل على الحق أن نتقلب قلوبنا من الحق إلى الضلالة ، ولكن قلوبنا بعدُ ملازمة للحق " .
فكان الإمام أحمد في هذا الوقت هو والنفر اليسير من العلماء الذين ثبتوا على معتقد أهل السنة ، ودافعوا عن عقيدة أهل السنة حتى حفظ الله عزَّ وجلَّ بهم سُنة نبيه r .
كان الإمام أحمد ومن معه هم الجماعة في هذا الوقت ، مع أنه لم يكن سلطان ولا دولة ، فأدنى الظهور أن يكون ظهور حجة .
فأهل السنة ظهورهم إما ظهور كامل ظهور حكم ، وسلطان ، وسيف وسنان ، وأدنى الظهور كما قلنا ظهور الحجة والبيان: فلابد أن يبقى أناس يرفعون راية السنة ، ويَذُبُّونَ عن سنة رسول الله rويدافعون عن معتقد ومنهج أهل السنة والجماعة .
كذلك يقول الإمام ابن القيم: ظن بعض الناس أن الجماعة هي سواد الناس ، وأن من شذ شذ في النار ، ولقد شذ الناس كلهم في زمن الإمام أحمد إلا نفراً يسيراً فقيل للخليفة: أتكون أنت ، وولاتك ، وقضاتك ، وعوام الناس على الباطل ، وأحمد وحده على الحق ، فلم يتسع قلبه لذلك ، فأخذ الإمام أحمد بالضرب والتعذيب بعد السجن الطويل ، ثم ظهر الحق ، وبطل ما كانوا يَدَّعُون .
فالجماعة: ما وافق الحق وإن كنت وحدك فأهل السنة هو عالم متمسك بالحق وبالأثر وبما مضى عليه رسول الله rوأصحابه الكرام .
فليس المقصود بالجماعة: أي جماعة في أي زمان ، أو في أي مكان ، ولكن المقصود: أن تكون على شاكلة الجماعة الأولى التي أشار إليها النبي rعندما قال: " كلهم في النار إلا واحدة ، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: الجماعة " .
فلا يكفي اسم الإسلام حتى تكون من الناجحين يوم القيامة ، لأن الأمة كما قلنا تفرقت إلى ثلاث وسبعين فرقة ، فلابد أن تكون مسلماً على معتقد أهل السنة والجماعة ، وعلى فهم أهل السنة والجماعة للكتاب والسنة ، وعلى منهج أهل السنة .
فالشيعة أقاموا دولة يقولون إنها دولة إسلامية ، ويرفعون لافتة الإسلام ، ولكنها دولة شيعية ، وفرق كبير بين الإسلام الصحيح وبين أصحاب العقائد الخربة ، وهم يتمسحون باسم الإسلام مع أنهم يكفرون الصحابة إلا ثلاثة ، وعندهم من العقائد الباطلة من الطعن في كتاب الله عز وجل ، ومن الطعن في أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وأكثر الصحابة رضي الله عنهم ، ويتهمون السيدة عائشة المبرأة من فوق سبع سموات بما برأها الله منه .
فلا يكفي اسم الإسلام حتى تكون من الناجحين يوم القيامة ، وحتى تكون على الحق حتى تضم إلى ذلك أن تكون على معتقد أهل السنة والجماعة ، وعلى فهم أهل السنة والجماعة للكتاب والسنة
.
&
&&&
قواعد للمنهج السلفي
أول قاعدة من قواعد المنهج السلفي
: تقديم النقل على العقل
وفي الواقع إن هذه القاعدة هي التي تميز أصحاب المنهج الصحيح من أصحاب المناهج ، والآراء ، والأهواء المبتدعة ، فأهل السنة يقدمون النقل على العقل ، فمهما قال الله عز وجل فلا قول لأحدٍ ، وإذا قال رسول الله rفلا قول لأحد .
وهم يحترمون ويتأدبون مع النص الوارد في الكتاب والسنة الصحيحة ، عملاً بقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (1) سورة الحجرات ، أي: لا تقدموا قول أحد ولا هوى أحد على كلام الله عز وجل ، أو كلام رسول الله r، وهذا الفهم كان واضحاً جداً عند الصحابة رضي الله عنهم ، حتى قال ابن عباس كلمة ملأت الدنيا قال: " توشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء ، أقول: قال رسول الله rوتقولون: قال أبو بكر ، وقال عمر " .
فكان هذا المنهج واضحاً عند الصحابة ، فإذا قال رسول الله rفلا اعتبار بأي قول يُخالف قوله ، ولو كان قول أبي بكر أو عمر رضي الله عنهم ، وهما شيخا الإسلام والخليفتان الراشدان بعد رسول اللهr.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: " اتهموا الرأي في الدين ، فلقد وجدتني يوم أبي جندل أرده " يعني قول رسول الله rكان يقول: ألسنا على الحق وهم على الباطل ، علام نعطي الدَّنية في ديننا ، فيقول: له النبي rالزم غزرك ، فإنني رسول الله ولا يضيعني الله عز وجل ، ويذهب إلى أبي بكر ويقول له: علام نعطي الدنية في ديننا ، ونحن على الحق وهم على الباطل ، وكان يرى أن ما اتفق عليه في صلح الحديبية فيه حيف شديدٌ على المسلمين ثم ظهرت بعد ذلك بركات رسول الله r.
ففي عودة النبي rمن الحديبية نزلت سورة الفتح ، كلها بشريات ، وكلها خير لرسول الله rوللمؤمنين ، حتى قال الصحابة: أنتم تعدون الفتح: فتح مكة ، ونحن نعد الفتح: صلح الحديبية ، لما أتى بعده من الفتح ومن الخير ببركة التسليم لله عز وجل ، ولرسوله r.
كذلك يقول علي رضي الله عنه: ( لو كان الدين بالرأي لكان باطن الخُفِّ أَوْلَى بالمسح من ظاهره ) ، فالدين: بالنقل ، وليس بالعقل ، الشرع يقول: يمسح ظاهر الخف البعيد عن ملامسة الأرض والأتربة ، ولو كان الدين بالعقل ، لكان يمسح باطن الخف ، ولا يمسح ظاهر الخف .
فهذه أول قاعدة تميز أهل السنة والجماعة من غيرهم ، والسنة تجمع أهلها ، لذلك قال النبي r: " فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً " ثم قال: فعليكم بسنتي " فعلاج الاختلاف في اتباع السنة ، لأن السنة واحدة لا تتعدد ، ولكن لو اتبعت عقلي وهواي ، وعقل شيخي وهواه ، وأنت اتبعت عقلك أو هواك ، أو هوى المعظم عندك ، والآخر كذلك ، والأهواء مختلفة ، والآراء مختلفة ، فلابد أن تفترق الأمة ، ولكن لو أنني قدمت كلام رسول الله rعلى كلام أي أحد ، وأنت فعلت ذلك لابد أن نجتمع لأن السنة واحدة لا تختلف .
لذلك يقولون أهل السنة والجماعة ، وأهل البدعة والاختلاف فالسنة: تُجَمِّعُ والبدعة: تُفَرِّق .
وقد ذهب أحد المتأخرين إلى قاعدة سماها ذهبية ، وليس ذهبية ولا فضية يقول: (( نجتمع فيما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا فيما اختلفنا فيه )) ولا شك أن هذا الكلام مردود ، وإن قال به عالم من علماء المسلمين ، لأننا قد نختلف في قضية كلية لا تحتمل الاختلاف كالأسماء ، والصفات ، أو القضاء والقدر ، أو الكفر والإيمان .
لما قيل لعبد الله بن عمر: (( إن بقريتنا أناساً يقولون بأنه لا قدر وأن الأمر أُنُفٌ (أي مستأنف) بلا قدر سابق )) ، وهم القدرية: الذين ينفون علم الله عز وجل بالأشياء قبل كونها ، وينفون كتابة الله عز وجل للمقادير ، وينفون مشيئة الله عز وجل ، ويجعلون العباد يخلقون أفعالهم ، فهم ينفون كل مراتب الإيمان بالقضاء والقدر التي يثبتها أهل السنة والجماعة .
فلما بلغ ذلك عبد الله بن عمر ما قال: نجتمع فيما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا فيما اختلفنا فيه ، ولكن قال: (( أخبروهم أنهم ليسوا مني ، ولست منهم )) اهـ .
وكانت هذه قاعدة السلف في التعامل مع أهل البدع ، فالأمور الفقهية قد تحتمل أقوال وآراء واجتهادات... ولكن العقيدة لا تحتمل الاختلاف .
والفرقة: تكون فرقة إذا كان أصحابها يخالفون أهل السنة والجماعة في قضية كلية كالأسماء والصفات ، أو القضاء والقدر ، أو الكفر والإيمان ، أو أصحاب النبي rوأهل بيته ، أو يخالفون أهل السنة في كثير من الجزئيات ، فيعود ذلك على جزء كبير من الشريعة بالهدم فيقوم مقام القاعدة الكلية ، فبذلك تكون الفرقة فرقة .
ولما كانت البدعة تفرق صارت المعتزلة فرقاً ، والأشاعرة فرقاً ، والصوفية فرقاً ، والخوارج فرقاً ، وكل فرقة تُخطِّىء غيرها من الفرق ، كما قالت اليهود: ليس النصارى على شيء ، وقالت النصارى: ليس اليهود على شيء .
فالحاصل أن التمسك بالسنة هو علاج الفرقة ، لأن الأمة لا يمكن أن تجتمع قدراً ، ولا يجوز لها شرعاً أن تجتمع على غير الحق ، لأن الأمة لا تجتمع على ضلالة ، وإذا اجتمعت الأمة على شيء فلابد أن يكون هذا هو الحق ، لأن الله تعالى عصم إجماع أمة نبيه محمد r.
فلا يكون هناك إلا التمسك بالسنة وهذا هو علاج الاختلاف ، وليس بأن يعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه ، مهما كانت أوجه الاختلاف ، لذلك مدوا أيديهم للشيعة الذين يكفرون الصحابة ويطعنون في القرآن ، ولهم-الشيعة- كثير من الكفريات والأشياء المخرجة من الملة .
القاعدة الثانية للمنهج السلفي
: لافض التأويل الكلامي:
فالتأويل:يأتي بمعنى التفسير ، تأويل القرآن ، أي تفسير القرآن ، ومحاسن التأويل: أي محاسن التفسير ، والتأويل يأتي بمعنى ما يؤول إليه الأمر ، كما قال عزَّ وجلَّ: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} (53) سورة الأعراف ، فالله عز وجل يخبرنا عن يوم القيامة ويخبرنا عن الجنة والنار ، فتأويل ذلك أن يحدث ما أخبرنا الله عز وجل به ، فهذا المعنى الثاني للتأويل وهو ما يؤول إليه الأمر .
أما التأويل بالمعنى الاصطلاحي ، والذي استعمله السلف فهو: صرف اللفظ عن ظاهره إلى معنى آخر ، يعني: مرجوح ، فمثل هذا التأويل مردود عند السلف ، لأن ظاهر الكتاب والسنة يجب القول به ، والمصير إليه .
لأننا لو فتحنا باب التأويل لانهدم الدين ، ولكان لكل إنسان أن يقول: ظاهر الآية غير مراد ، وظاهر الحديث غير مراد ، إنما أراد الله عز وجل كذا ، وإنما أراد رسول الله rكذا ، كما فعلت الخوارج وغيرهم من أهل البدع ، فيفتح باب من أبواب الشر ، وما أريقت دماء المسلمين يوم الجمل وصفين ، إلا بالتأويل ، فالتأويل كان باب شر عظيم جداً للأمة ، فظاهر الكتاب والسنة يجب القول به ، والمصير إليه ، حتى يدل الدليل على أن الظاهر غير مراد ، فهذه القاعدة الثانية عند أهل السنة والجماعة هي رفض التأويل الكلامي .
&
&&&
والقاعدة الثالثة
: هي كثرة الاستدلال بالآيات والأحاديث ، فأهل السنة هم أسعد الناس بالكتاب والسنة
قال الله عز وجل: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} (33) سورة الفرقان ، فلا يؤصلون أصولاً من عند أنفسهم ، ثم ينظرون بعد ذلك في الكتاب والسنة ، فما وافق أصولهم أخذوا به ، وما خالفهم أوّلوه أو ردوه ، كما يفعل أهل البدع ، ولكن أهل السنة يجمعون النصوص من الكتاب والسنة في المسألة الواحدة ، ثم تكون هي أصولهم التي بها يقولون ، وحولها يدندنون ، فهم لم يؤصلوا غير ما أصله الله عز وجل ، أو رسوله r. فتجد دعاة التكفير مثلاً يقولون: بأن فاعل الكبيرة في النار ، فتكذبهم الآيات والأحاديث التي تخبر بمغفرة الله عز وجل للذنوب التي هي دون الشرك {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} (48) سورة النساء ، وأحاديث الشفاعة أنه يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان مع قول لا إله إلا الله .
فيرجعون إلى رد هذه الأحاديث أو تأويلها ، وتأويل الآيات التي يخبر فيها الله عز وجل بأنه يغفر الذنوب جميعاً مع التوبة ، ومع غير التوبة .
من مات على ذنب دون الشرك ، فهو في مشيئة العزيز الغفار ، إن شاء غفر بفضله ورحمته ، وإن شاء عَذَّبَ بعدله وحكمته .
فنحن نرجو للمحسنين من المسلمين الجنة ، ونخاف على المذنبين من المسلمين من النار ، ولكن لا نقطع لأحد من المسلمين المحسنين بالجنَّةِ ، إلا من قطع له الشرع الحنيف بالجنة ، كالعشرة المبشرين والمرأة السوداء وغير ذلك ، كما ثبت عن النبي r، ونخاف على المذنبين الذين ماتوا على التوحيد ولكن لا نقطع بأنهم من أهل النار .
فالحاصل:أن أهل البدع يؤصلون الأصول من عند أنفسهم ، ثم ينظرون بعد ذلك في الكتاب والسنة ، فما وافق أصولهم يأخذون به ، وما خالفه إما أن يردوه وإما أن يؤولوه ، فهم لا ينظرون في شريعة النبي rنظر الفقير المحتاج ، ولا يَرِدُون شرعه rورود العطشان كما فعل أهل السنة والجماعة ، فكان جزاؤهم من جنس العمل .
يقول النبي r: " أنا فَرْطُكم على الحوض " والفرط: هو السابق - العرب كانت ترسل واحداً يستكشف الطريق ، ويبحث عن الماء فيسبقهم إلى الماء ويجهز الدلاء – فيقول r: " أنا فَرْطُكم على الحوض – أي حوضه الشريف r- وليختلجن رجال دوني فأقول: يا رب أمتي أمتي – وفي رواية: " أصحابي أصحابي ، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول: فسحقاً فسحقاً فسحقاً " () .
فهم كما لم يَرِدُوا النصوص الشرعية مَوْرِدَ الفقير المحتاج ، يحرمون حوض النبي r، وتطردهم الملائكة عن حوضه r، مع أنهم يأتون بسيما هذه الأمة الغرة والتحجيل ، أي البياض في الجبهة والقوائم ، وينادي عليهم النبي r، ويقول: " ألا هلم ، ألا هلم " والملائكة تطردهم وتبعدهم عن الحوض فيقول: " أمتي أمتي ، إخواني إخواني ، أصحابي أصحابي " فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول: " فسحقاً فسحقاً فسحقاً " .
فهل يكفي أن يكون العبد مسلماً حتى يدخل الجنة ، وينجو من عذاب الله عز وجل أم لابد أن يكون على معتقد صحيح وعلى فهم صحيح للكتاب والسنة وهو معتقد الصحابة ، وفهم الصحابة رضي الله عنهم .
وهذه هي القاعدة الثالثة من قواعد المنهج السلفي ، وهي: كثرة الاستدلال بالآيات والأحاديث ، لذلك تجدون الكتب التي تنسب إلى أئمة السنة ومن ينتهج بهذا المنهج الواضح الحق ، يستدلون دائماً بالآيات والأحاديث ، فهي جنتهم التي فيها يرتعون ، وإليها ينقلبون ، بخلاف الكتب الفكرية ، وكتب أهل البدع ، والكتب التي تقول بأشياء تخالف النصوص ، فيرجعون إلى عقولهم ، أو بعض الآراء التي يستطيعون أن يروجوا على الناس بها باطلهم .
أهل السنة كذلك:هم أسعد الناس بإمامهم r، لأنهم لم يتخذوا إماماً دونه r، وعلماء المسلمين كالعلامة الألباني مثلاً ، أو العلامة ابن باز رحمه الله ، أو ابن عثيمين أو غيرهم من علماء السنة المعاصرين نحن لا نتعصب لواحد منهم بحيث إننا نأخذ كل ما قال به ، ونترك ما خالفه ، لأن هذه المنزلة ليست لأحد بعد رسول الله r، فالله عز وجل يقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} (7) سورة الحشر .
فالله عز وجل تعبدنا باتباع رسول الله rوقال: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (158) سورة الأعراف ، وهذه المنزلة لا يرتفع إليها أحد من علماء الأمة ولو كان أبا بكر أو عمر فضلاً عن الأئمة الأربعة وغيرهم .
وهكذا يتضح لنا المنهج السلفي ، وهو أن ندور مع الكتاب والسنة حيث دارا فلم باتباع أحد من علماء السنة ، ولكننا تعبدنا باتباع رسول الله rفهذه هي السلفية ، أن تكون على فهم الصحابة للكتاب والسنة ، وأن تدور مع الكتاب والسنة حيث دارا ، ولا تفهم الإسلام من خلال شخص غير معصوم ، فكل واحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله r.
&
&&&
الأصول العلمية للدعوة السلفية
ومعنى الأصول العلمية:القضايا الكلية التي تهتم بها هذه الدعوة ، وتجعلها نُصْبَ عينيها ، فتجدون بعض الدعوات ترفع راية الجهاد ، ويقصدون أن الجهاد هو الإسلام كله ، فكل سعى الجماعة للجهاد .
وقد لا يفهمون الجهاد كما في كتاب الله عز وجل ، أو سنة رسوله r، فيسمون الخروج على الحاكم مثلاً جهاداً ، والخروج على الحاكم شيء والجهاد شيء آخر .
وآخرون يخرجون إلى الدعوة ، أي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتكون هذه هي قضيتهم ولا يفهمون ولا يفهمون التوحيد فهماً صحيحاً ، ويقولون: الحب في الله هو أصل الأصول ، وهذا لا شك باطل ، لأن أصل الأصول هو التوحيد ، فما بعث الله عز وجل رسولاً إلاَّ بالتوحيد ، كما قال عز وجل: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} (45) سورة الزخرف ، وقال عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (25) سورة الأنبياء .
وهذه مقالة متكررة من كل رسول: {اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (50) سورة هود ، تجدون هود ، وصالح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، وكل نبي أتى قومه بهذه الكلمة {اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} فقضية الأنبياء واحدة ، كما أن قضية الدعاة إلى الله عز وجل واحدة .
كما أن القضية التي ينبغي أن تهتم بها كل دعوة تَدَّعِي أنها على الحق ، وأنها على السنة ، وأنها الفرقة الناجية ، هي قضية التوحيد أي: تعبيد الناس لله عز وجل .
فهذا رِبْعِيّ بن عامر الذي فهم عن رسول الله rورباه النبي rلما دخل على رستم سأله عما جاء به فقال: " إن الله أبتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ، ومن ضِيْقِ الدنيا إلى سعتها ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام " .
كيف فهم قضية الإسلام؟! وكيف تكون الدعوة إلى الله عز وجل؟! ما قال: إن الله بعثنا بالحب في الله ، أو للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أو لقضية الجهاد ، بل قال: إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد ، لأن الناس يعبدون الأشجار ، والأحجار ، والشمس ، والقمر ، والبقر ، والطواغيت ، والأموال ، والهوى ، والشياطين ، الناس يعبدون آلهة متعددة .
فوظيفة الرسل وأتباع الرسل هي:أنهم يخرجونهم من هذه العبادة الباطلة ، من عبادة غير غير الله ويعبّدونهم لله عز وجل ، يجعلونهم عبيداً حقيقيين لله عز وجل ، يعرفونهم التوحيد ويعرفونهم بالله عز وجل ، وهي القضية التي خلق الله من أجلها الخلق كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (56) سورة الذاريات ، والله عز وجل خلق الجن والإنس لعبادته .
فالرسل يوجهون الناس لهذه الوظيفة التي خلقهم الله عز وجل من أجلها ، فهل ترون قضية أهم من قضية التوحيد؟ هل ترون أن الناس يمكن أن ينصلح حالهم؟ أو يستقيم أمرهم ، وأن يسعدوا في الدنيا والآخرة بقضية غير قضية التوحيد؟ .
لذلك كانت قضية التوحيد هي القضية الأولى في هذه الدعوة ، لأنها قضية الرسل ، قضية تعبيد الناس لله عز وجل ، والتوحيد ليس هو التوحيد عند المعتزلة –وهو توحيد الصانع- ، وليس التوحيد عند الصوفية – وهو اعتقاد الحلول والاتحاد ووحدة الوجود- ، ولكن التوحيد أن تعتقد أن الله عز وجل واحد ، وما ينبغي أن تتعرف به على الله عز وجل ، وأن تثبته لله عز وجل من أسمائه وصفاته وربوبيته ، وكذلك إفراد الله عز وجل بكل ألوان العبادة .
ويدخل –لا شك- في قضية التوحيد الإيمانُ بالملائكة ، والرسل ، والكتب ، واليوم الآخر ، والقدر خيره وشره ، فكل هذا يدخل في قضية التوحيد ، فهذه القضية الأولى عند الرسل .
فأي دعوة لا تهتم بقضية التوحيد ، ولا تجعل قضية التوحيد نُصْبَ عينها فهي دعوة على غير هدي المرسلين .
مهما كانوا يقولون: دعوة عالمية ، ودعوة عمرها ثمانون سنة ، ودعوة منتشرة في بقاع الدنيا ، إذا كانت هذه الدعوة لا تهتم بقضية التوحيد فهي دعوة على غير هدى المرسلين ، لأن الرسل دعوتهم كانت للتوحيد ، والله عز وجل أرسل كل الرسل بدين واحد وهو التوحيد {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} (13) سورة الشورى .
فأصول العقائد واحدة لم تختلف من رسول إلى رسول ، فالذي جاء به نبينا محمد rمن التوحيد ، هو ما جاء به موسى ، وما جاء به عيسى ، وما جاء به إبراهيم ، وهو الإسلام إسلامُ الوجه لله والإيمانُ بأمورِ الإيمان الستة .
أما الشرائع فمختلفة ( تكاليف العبادات ) يحل الله عز وجل لهؤلاء ما حرم على هؤلاء ، ويحرم على هؤلاء ما أحل لهؤلاء ، كما قال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (48) سورة المائدة .
فكل أمة لها تشريع وتكاليف مختلفة ، ولكن قضية التوحيد قضية واحدة ، فالرسل كلهم دعوا إلى التوحيد ، والتوحيد واحد لا يختلف ، لذلك أي دعوة ينبغي أن تهتم بقضية التوحيد ، وأن تُعَلَّمَ التوحيد الذي تركنا عليه رسول الله rلقول الله عز وجل: {فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ} (137) سورة البقرة ، فعقيدة الصحابة: هي المقياس الصحيح للعقيدة ، فأي معتقد يخالف اعتقاد السلف فهو باطل ، لأن الحق هو ما تركنا عليه رسول الله r.
القضية الثانية أو الأصل الثاني من الأصول العلمية للدعوة السلفية هو الاتباع:
والاتباع يأتي بأحد معنيين: (( الاتباع الذي هو ضد الابتداع )) .
كما قال ابن مسعود: " اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم " فالاتباع يأتي بمعنى اتباع هدى النبي r، واتباع سنة النبي rكما قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} (7) سورة الحشر ، وقال: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ} (80) سورة النساء ، وقال: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (36) سورة الأحزاب .
والأحاديث كثيرة وشهيرة فمن ذلك قوله r:"فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي "() ، ومنه قوله r: " لكل عمل شِرّةٌ ، ولكل شرة فَتْرَةٌ ، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى ، ومن كانت فترته لغير ذلك فقد ضل "() .
فالحاصل:أن الله عز وجل تعبدنا باتباع رسوله r.
وخير أمرو الدين ما كان سنة وشر الأمور المحدثات البدائع
.
كما حذرنا الله عز وجل من مخالفة هديه rوقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (63) سورة النــور .
وقال النبي r: " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " () .
وقال r: " أما بعد ، فإن أحسن الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد r، وشر الأمرو محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة "() .
فكان هذا المنهج واضحاً جداً للصحابة رضي الله عنهم ، حتى لما طلب أبو بكر الصديق من زيد بن ثابت أن يجمع القرآن ، قال: (( كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله r)) ، لما أقتنع عمر بن الخطاب وذهب عمر وأبو بكر لزيد بن ثابت يطلبان منه أن يجمع القرآن ، ويتتبع آيات القرآن فقال: (( كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله r)) .
ولما أراد النبي rأن يؤدب الذين قتلوا قواده في مؤتة في شمال الجزيرة العربية من الروم ، فجهز جيشاً بقيادة أسامة بن زيد بن حارثة –حب رسول الله r- ثم شغلوا بمرض النبي rوكان الجيش معسكراً قريباً من المدينة ، فلما توفى رسول الله r، ولحق بالرفيق الأعلى ، وارتدت قبائل العرب ، وقيل لأبي بكر الصديق: " كيف يخرج هذا الجيش وقد ارتدت قبائل العرب ، وكيف نترك المدينة ، وقد يهجم هؤلاء المرتدون على المدينة " .
فغضب أبو بكر رضي الله عنه وقال: " أقاتلهم وحدي حتى تنفرد سالفتي " ، وقال: (( كيف أفك عقدة عقدها رسول اللهr؟! )) ، وصمم على خروج جيش أسامة بن زيد ، وخرج جيش أسامة ، وأرهب قبائل العرب ، وقالوا: (( ما خرج هذا الجيش إلا وبهم قوة ومنعة )) وكان هذا من بركة التسليم للسنة ، فذهب الجيش ، وغاب أربعين يوماً ، وعاد سالماً غانماً ، ثم جهز بعد ذلك أبو بكر الجيوش لقتال المرتدين ، فحفظ الله عز وجل بهم الدين ، وردهم إلى حديقة الإسلام مرة ثانية .
&&&&
(*)
الحمد لله الذي رضي من عباده باليسير من العمل ، وتجاوز لهم عن الكثير من الزلل ، وأفاض عليهم النعمة ، وكتب على نفسه الرحمة ، وضَنَّنَ الكتاب الذي كتبه أن رحمته سبقت غضبه ، دعا عباده إلى دار السلام فعمهم بالدعوة حجة منه عليهم وعدلاً ، وخص بالهداية والتوفيق من شاء نعمة ومنة وفضلاً ، فهذا عدله وحكمته وهو العزيز الحكيم ، وذلك فضل يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .
وأشهد ألا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، شهادة عبده ، وابن عبده ، وابن أمته ، ومن لا غنى به طرفة عين عن فضله ورحمته ، ولا مطمع له بالفوز بالجنة ، والنجاة من النار إلا بعفوه ومغفرته .
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وصفيه من خلقه وخليله ، أرسله رحمة للعالمين ، وقدوة للعاملين ، ومحجة للسالكين ، وحجة على العباد أجمعين ، وقد ترك أمته على الواضحة الغَرَّاء ، والمحجة البيضاء ، وسلك أصحابه وأتباعه على أثره إلى جنات النعيم ، وعدل الراغبون عن هديه .
إلى صراط الجحيم ، ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيا من حَيَّ عن بينة ، وإن الله لسميعٌ عليمٌ .
فصلى الله وملائكته وجميع عباده المؤمنين عليه ، كما وَحَّدَ الله عز وجل ، وعرفنا به ودعا إليه وسلم تسليماً .
ثم أما بعد :
فإن أصدق الحديث كتاب الله عز وجل ، وخير الهدى هدى محمد rوشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، وما قال وكفى ، خير مما كثر وألهى ، وإن ما توعدون لآت ، وما أنتم بمعجزين .
من هم السلف ؟ ومن هم السلفيون ؟ وما هي قواعد المنهج السلفي ؟ وما هي الأصول العلمية للدعوة السلفية ؟
لا شك أن هذه الأسئلة تترد في أذهان كثير من الناس ، منهم من عنده إجابة ، ومنهم من يفتقر إلى إجابة ، ونحن نوضح هذا المنهج ، وهذا الفكر ، حتى يكون الناس على بصيرة من دينهم ، وحتى يتأكد المسلم أنه على الصراط المستقيم وعلى هدى سيد الأولين والآخرين .
السلف:هم الصحابة ، والتابعون ، وتابعوهم من أهل القرون الخيرية الثلاثة الأُوَل ، التي أشار النبي rإلى خيريتها ، فقال r: " خيركم قرني ، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " فبيّن النبي rأن خير قرون الأمة القرن الذي بعث فيه رسول الله rفقال: " خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " .
والصحابة جمع صحابي ، والصحابي: هو من رأى رسول الله rمؤمناً به ، ومات على ذلك ، وإن تخللته ردة على الراجح من أقوال العلماء .
فالصحابة:هم الذين رأوا رسول الله r، واكتحلت أعينهم بمشاهدة أنواره r .
والتابعون:هم الذين رأوا الصحابة ، أو واحداً من الصحابة .
فالسلف:هم الصحابة ، والتابعون ، وتابعوهم من أهل القرون الخيرية الثلاثة الأول ، عدا الأول ، عدا أهل البدع كالخوارج ، والمعتزلة ، والقدرية ، والجهمية ، وغيرهم من فرق الضلالة .
والسلفيون:هم الذين يعتقدون معتقد السلف الصالح رضي الله عنهم ، وينتهجون منهج السلف في فهم الكتاب والسنة ، فإن قال قائل لماذا نسمي بالسلفيين؟! ولماذا نبتدع أسماء جديدة؟! ألا يكفي اسم الإسلام {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ} (78) سورة الحـج.
فالجواب:على هذه الشبهة ما أجاب به الإمام أحمد بن حنبل –رحمه الله- إمام أهل السنة لما قيل له ألا يسعنا أن نقول القرآن كلام الله ونسكت؟
قال: كان هذا يسع من كان قبلنا أما نحن فلا يسعنا إلا أن نقول القرآن كلام الله غير مخلوق .
فكان يسع المسلمين قبل ظهور المبتدعة من المعتزلة بخلق القرآن ، كان يسعهم أن يقولوا القرآن كلام الله ويسكتون ، ولكن لما ظهرت بدعة القول بخلق القرآن ، كان لابد لأهل الحق من أن يصرحوا بأن القرآن كلام الله غير مخلوق فكان يكفي العبد اسم الإسلام عندما كان المسلمون جماعة واحدة ، على اعتقاد واحد ، وعلى فهم واحد للكتاب والسنة ، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: " إنكم قد أصبحتم اليوم على الفطرة ، وإنكم ستحدثون ، ويحدث لكم ، فإذا رأيتم محدثة فعليكم بالعهد الأول " .
وقال الإمام مـالك: لم يكن شيء من هذه الأهواء على عهد رسول الله rوأبي بكر وعمر وعثمان ، لأن البدع ظهرت في آخر عهد الصحابة رضي الله عنهم .
كما أخبر النبي rفقال: " إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ " () .
فمن عاش من الصحابة ، ومن طال عمره من الصحابة رضي الله عنهم رأى مصداق ما أخبر به الرسول rمن ظهور البدع ، وظهور الاختلاف وظور الفرق .
كذلك أخبر النبي rأن الأمة سوف تفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة ، منها واحدة ناجية تصير إلى جنة عالية قطوفها دانية ، وبواقيها عادية ، تصير إلى الهاوية والنار الحامية ، فقال r: " افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، وافترقت النصارى على ثنتي وسبعين فرقة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، كلهم في النار إلا واحدة ، قالوا: من هم يا رسول الله؟ ، قال: هم الجماعة " ().
وليس المقصود بالجماعة أي جماعة في أي مكان ، لأن الجماعات تختلف بإختلاف الأمكنة واختلاف الأزمنة ففي بعض الأماكن ينتشر مذهب الشيعة ، وفي بعض الأماكن ينتشر فكر الصوفية ، وفي بعضها فكر الأشاعرة ، فهل يقصد النبي rأن الإنسان يكون مع أي جماعة في أي بلد وفي أي زمان ؟!.
ليس هذا هو المقصود قطعاً ، وأولى ما فسر به الحديث ، ولهذا الحديث رواية أخرى رواها الحاكم وهي بسند حسن لغيره ، قال: " هم من كانوا على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي " فيكون المقصود بالجماعة التي أخبر عنها النبي rفي رواية أخرى الجماعة التي هى على شاكلة الجماعة الأولى ، التي كانت على فكر واحد ، وعلى عقيدة واحدة ، وعلى فهم صحيح للكتاب والسنة .
فالجماعة من كان على فكر الجماعة الأولى ، وعلى معتقد الجماعة الأولى ، ولذلك لما سُئلَ الإمام ابن المُبارك –رحمة الله عليه- عن الجماعة قال: أبو بكر وعمر ، أي الجماعة أبو بكر وعمر ، فقيل له: قد مات أبو بكر وعمر ، فقال: فلان وفلان ، فقيل: قد مات فلان وفلان ، فقال أبو حمزة السكري جماعة ، أي أن المقصود بالجماعة من كان على شاكلة الجماعة الأولى أي من كان على شاكلة الصحابة رضي الله عنهم ، لأن الله تعالى جعل معتقد الصحابة هو المقياس للعقيدة الصحيحة فقال عز وجل: {فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ} (137) سورة البقرة .
فيجب على كل مسلم في كل زمان وفي كل مكان أن تكون عقيدته مطابقة لعقيدة الصحابة رضي الله عنهم ، وأن يكون فهمه للكتاب والسنة على فهم الصحابة رضي الله عنهم .
فالذي دعا إلى ظهور اسم السلفية ، أو أهل السنة والجماعة ، أو أنصار السنة ، أو أهل الحديث ، أو أهل الأثر ، ما حدث من افتراق الأمة ، ومن ظهور البدع التي أخبر عنها النبي rكالخوارج ، والمعتزلة ، والجمهية ، والقدرية ، والصوفية ، والشيعة ، وغيرها من فرق الضلالة ، فلما تفرقت الأمة ، ولما اختلف المناهج ، واختلف الأهواء ، والآراء ، والعقائد ، كان لابد لأهل الحق أن يتميزوا باسم ، وأن يتميزوا بمنهج .
فالذين يتميزون بمنهج أهل السنة ، أو السلفيون ، أو أهل الأثر ، أو أهل الحديث ...هم الذين يحافظون على معتقد الصحابة رضي الله عنهم ، ويحافظون على منهج السلف ، وفهم السلف للكتاب والسنة .
فالدعوة السلفية ليست فهم الإسلام بفهم شخص من الناس ، ليست فهم شيخ الإسلام ابن تيمية ، أو فهم العلامة ابن باز ، أو الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ، أو الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق ، أو الشيخ محمد بن إسماعيل ، ولكن المقصود بالسلفية: المُحافظة على معتقد السلف ، وعلى فهم السلف للكتاب والسنة ، وعلى منهج السلف رضي الله عنهم .
فالدعوة السلفية: هي المحافظة على ما مضى عليه سلف الأمة رضي الله عنهم ، ولا شك أنها الدعوة للتمسك بالسنة التي أمرنا بالتمسك بها رسول الله rفقال: " عليكم بسنتي ، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي " () .
إن السنة ليست مجرد إعفاء اللحية ، أو الثوب القصير مثلاً ، وليست بعض الأقوال والأفعال ، ولكن السنة تشمل ما مضى عليه النبي rوالصحابة رضي الله عنهم .
فالسنة أقوال وأفعال وعقائد ، السنة أن تكون على معتقد السلف ، وتقتدي بالنبي rفي هديه ، وفي سمته ، وفي أقواله وفي أعماله ، والسلفية أن نتمسك بالسنة وبما أمرنا بالتمسك به رسول الله r .
وقد بشر النبي rبأن طائفة من الأمة لا تزال ظاهرة على الحق ، ترفع راية السنة وتدعو إلى الفهم الصحيح ، للكتاب والسنة ، وأن هذه الطائفة تبقى في كل عصر ، وفي كل مصر ، تقيم الحجة على أهل عصرها ، أو أهل مصرها ، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك ، وأمرُ الله ريحاً تأتي من جهة الشمال فتأخذ المؤمنين من تحت آباطهم ، فتقبض كل روح مؤمنة ، ثم تقوم الساعة بعد ذلك على شرار الخلق فقال النبي r: " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك " () .
فلا شك أن هذه الظاهرة: هي الفرقة الناجية التي أخبر عنها المعصوم rفالطائفة الظاهرة هم أهل الحديث ، وهم أهل الأثر ، وليس المقصود بالظهور ظهور السلطان ، والسيف ، والسنان في كل مكان وزمان ، ولكن هذا الظهور ظهور الحجة ، كما قيل للإمام أحمد في زمن ظهور المعتزلة الرديئة بخلق القرآن ، وأَجَبَرَ المأمون بن هارون الرشيد بمقالة المعتزلة الردئية بخلق القرآن ، وأَجَبَرَ المأمون القضاة والمفتين والعلماء وعوام الناس على القول بخلق القرآن .
فقيل للإمام أحمد: ألاَ ترى إلى الباطل كيف يظهر على الحق فقال: " كلا إن ظهور الباطل على الحق أن نتقلب قلوبنا من الحق إلى الضلالة ، ولكن قلوبنا بعدُ ملازمة للحق " .
فكان الإمام أحمد في هذا الوقت هو والنفر اليسير من العلماء الذين ثبتوا على معتقد أهل السنة ، ودافعوا عن عقيدة أهل السنة حتى حفظ الله عزَّ وجلَّ بهم سُنة نبيه r .
كان الإمام أحمد ومن معه هم الجماعة في هذا الوقت ، مع أنه لم يكن سلطان ولا دولة ، فأدنى الظهور أن يكون ظهور حجة .
فأهل السنة ظهورهم إما ظهور كامل ظهور حكم ، وسلطان ، وسيف وسنان ، وأدنى الظهور كما قلنا ظهور الحجة والبيان: فلابد أن يبقى أناس يرفعون راية السنة ، ويَذُبُّونَ عن سنة رسول الله rويدافعون عن معتقد ومنهج أهل السنة والجماعة .
كذلك يقول الإمام ابن القيم: ظن بعض الناس أن الجماعة هي سواد الناس ، وأن من شذ شذ في النار ، ولقد شذ الناس كلهم في زمن الإمام أحمد إلا نفراً يسيراً فقيل للخليفة: أتكون أنت ، وولاتك ، وقضاتك ، وعوام الناس على الباطل ، وأحمد وحده على الحق ، فلم يتسع قلبه لذلك ، فأخذ الإمام أحمد بالضرب والتعذيب بعد السجن الطويل ، ثم ظهر الحق ، وبطل ما كانوا يَدَّعُون .
فالجماعة: ما وافق الحق وإن كنت وحدك فأهل السنة هو عالم متمسك بالحق وبالأثر وبما مضى عليه رسول الله rوأصحابه الكرام .
فليس المقصود بالجماعة: أي جماعة في أي زمان ، أو في أي مكان ، ولكن المقصود: أن تكون على شاكلة الجماعة الأولى التي أشار إليها النبي rعندما قال: " كلهم في النار إلا واحدة ، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: الجماعة " .
فلا يكفي اسم الإسلام حتى تكون من الناجحين يوم القيامة ، لأن الأمة كما قلنا تفرقت إلى ثلاث وسبعين فرقة ، فلابد أن تكون مسلماً على معتقد أهل السنة والجماعة ، وعلى فهم أهل السنة والجماعة للكتاب والسنة ، وعلى منهج أهل السنة .
فالشيعة أقاموا دولة يقولون إنها دولة إسلامية ، ويرفعون لافتة الإسلام ، ولكنها دولة شيعية ، وفرق كبير بين الإسلام الصحيح وبين أصحاب العقائد الخربة ، وهم يتمسحون باسم الإسلام مع أنهم يكفرون الصحابة إلا ثلاثة ، وعندهم من العقائد الباطلة من الطعن في كتاب الله عز وجل ، ومن الطعن في أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وأكثر الصحابة رضي الله عنهم ، ويتهمون السيدة عائشة المبرأة من فوق سبع سموات بما برأها الله منه .
فلا يكفي اسم الإسلام حتى تكون من الناجحين يوم القيامة ، وحتى تكون على الحق حتى تضم إلى ذلك أن تكون على معتقد أهل السنة والجماعة ، وعلى فهم أهل السنة والجماعة للكتاب والسنة
.
&
&&&
قواعد للمنهج السلفي
أول قاعدة من قواعد المنهج السلفي
: تقديم النقل على العقل
وفي الواقع إن هذه القاعدة هي التي تميز أصحاب المنهج الصحيح من أصحاب المناهج ، والآراء ، والأهواء المبتدعة ، فأهل السنة يقدمون النقل على العقل ، فمهما قال الله عز وجل فلا قول لأحدٍ ، وإذا قال رسول الله rفلا قول لأحد .
وهم يحترمون ويتأدبون مع النص الوارد في الكتاب والسنة الصحيحة ، عملاً بقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (1) سورة الحجرات ، أي: لا تقدموا قول أحد ولا هوى أحد على كلام الله عز وجل ، أو كلام رسول الله r، وهذا الفهم كان واضحاً جداً عند الصحابة رضي الله عنهم ، حتى قال ابن عباس كلمة ملأت الدنيا قال: " توشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء ، أقول: قال رسول الله rوتقولون: قال أبو بكر ، وقال عمر " .
فكان هذا المنهج واضحاً عند الصحابة ، فإذا قال رسول الله rفلا اعتبار بأي قول يُخالف قوله ، ولو كان قول أبي بكر أو عمر رضي الله عنهم ، وهما شيخا الإسلام والخليفتان الراشدان بعد رسول اللهr.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: " اتهموا الرأي في الدين ، فلقد وجدتني يوم أبي جندل أرده " يعني قول رسول الله rكان يقول: ألسنا على الحق وهم على الباطل ، علام نعطي الدَّنية في ديننا ، فيقول: له النبي rالزم غزرك ، فإنني رسول الله ولا يضيعني الله عز وجل ، ويذهب إلى أبي بكر ويقول له: علام نعطي الدنية في ديننا ، ونحن على الحق وهم على الباطل ، وكان يرى أن ما اتفق عليه في صلح الحديبية فيه حيف شديدٌ على المسلمين ثم ظهرت بعد ذلك بركات رسول الله r.
ففي عودة النبي rمن الحديبية نزلت سورة الفتح ، كلها بشريات ، وكلها خير لرسول الله rوللمؤمنين ، حتى قال الصحابة: أنتم تعدون الفتح: فتح مكة ، ونحن نعد الفتح: صلح الحديبية ، لما أتى بعده من الفتح ومن الخير ببركة التسليم لله عز وجل ، ولرسوله r.
كذلك يقول علي رضي الله عنه: ( لو كان الدين بالرأي لكان باطن الخُفِّ أَوْلَى بالمسح من ظاهره ) ، فالدين: بالنقل ، وليس بالعقل ، الشرع يقول: يمسح ظاهر الخف البعيد عن ملامسة الأرض والأتربة ، ولو كان الدين بالعقل ، لكان يمسح باطن الخف ، ولا يمسح ظاهر الخف .
فهذه أول قاعدة تميز أهل السنة والجماعة من غيرهم ، والسنة تجمع أهلها ، لذلك قال النبي r: " فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً " ثم قال: فعليكم بسنتي " فعلاج الاختلاف في اتباع السنة ، لأن السنة واحدة لا تتعدد ، ولكن لو اتبعت عقلي وهواي ، وعقل شيخي وهواه ، وأنت اتبعت عقلك أو هواك ، أو هوى المعظم عندك ، والآخر كذلك ، والأهواء مختلفة ، والآراء مختلفة ، فلابد أن تفترق الأمة ، ولكن لو أنني قدمت كلام رسول الله rعلى كلام أي أحد ، وأنت فعلت ذلك لابد أن نجتمع لأن السنة واحدة لا تختلف .
لذلك يقولون أهل السنة والجماعة ، وأهل البدعة والاختلاف فالسنة: تُجَمِّعُ والبدعة: تُفَرِّق .
وقد ذهب أحد المتأخرين إلى قاعدة سماها ذهبية ، وليس ذهبية ولا فضية يقول: (( نجتمع فيما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا فيما اختلفنا فيه )) ولا شك أن هذا الكلام مردود ، وإن قال به عالم من علماء المسلمين ، لأننا قد نختلف في قضية كلية لا تحتمل الاختلاف كالأسماء ، والصفات ، أو القضاء والقدر ، أو الكفر والإيمان .
لما قيل لعبد الله بن عمر: (( إن بقريتنا أناساً يقولون بأنه لا قدر وأن الأمر أُنُفٌ (أي مستأنف) بلا قدر سابق )) ، وهم القدرية: الذين ينفون علم الله عز وجل بالأشياء قبل كونها ، وينفون كتابة الله عز وجل للمقادير ، وينفون مشيئة الله عز وجل ، ويجعلون العباد يخلقون أفعالهم ، فهم ينفون كل مراتب الإيمان بالقضاء والقدر التي يثبتها أهل السنة والجماعة .
فلما بلغ ذلك عبد الله بن عمر ما قال: نجتمع فيما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا فيما اختلفنا فيه ، ولكن قال: (( أخبروهم أنهم ليسوا مني ، ولست منهم )) اهـ .
وكانت هذه قاعدة السلف في التعامل مع أهل البدع ، فالأمور الفقهية قد تحتمل أقوال وآراء واجتهادات... ولكن العقيدة لا تحتمل الاختلاف .
والفرقة: تكون فرقة إذا كان أصحابها يخالفون أهل السنة والجماعة في قضية كلية كالأسماء والصفات ، أو القضاء والقدر ، أو الكفر والإيمان ، أو أصحاب النبي rوأهل بيته ، أو يخالفون أهل السنة في كثير من الجزئيات ، فيعود ذلك على جزء كبير من الشريعة بالهدم فيقوم مقام القاعدة الكلية ، فبذلك تكون الفرقة فرقة .
ولما كانت البدعة تفرق صارت المعتزلة فرقاً ، والأشاعرة فرقاً ، والصوفية فرقاً ، والخوارج فرقاً ، وكل فرقة تُخطِّىء غيرها من الفرق ، كما قالت اليهود: ليس النصارى على شيء ، وقالت النصارى: ليس اليهود على شيء .
فالحاصل أن التمسك بالسنة هو علاج الفرقة ، لأن الأمة لا يمكن أن تجتمع قدراً ، ولا يجوز لها شرعاً أن تجتمع على غير الحق ، لأن الأمة لا تجتمع على ضلالة ، وإذا اجتمعت الأمة على شيء فلابد أن يكون هذا هو الحق ، لأن الله تعالى عصم إجماع أمة نبيه محمد r.
فلا يكون هناك إلا التمسك بالسنة وهذا هو علاج الاختلاف ، وليس بأن يعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه ، مهما كانت أوجه الاختلاف ، لذلك مدوا أيديهم للشيعة الذين يكفرون الصحابة ويطعنون في القرآن ، ولهم-الشيعة- كثير من الكفريات والأشياء المخرجة من الملة .
القاعدة الثانية للمنهج السلفي
: لافض التأويل الكلامي:
فالتأويل:يأتي بمعنى التفسير ، تأويل القرآن ، أي تفسير القرآن ، ومحاسن التأويل: أي محاسن التفسير ، والتأويل يأتي بمعنى ما يؤول إليه الأمر ، كما قال عزَّ وجلَّ: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} (53) سورة الأعراف ، فالله عز وجل يخبرنا عن يوم القيامة ويخبرنا عن الجنة والنار ، فتأويل ذلك أن يحدث ما أخبرنا الله عز وجل به ، فهذا المعنى الثاني للتأويل وهو ما يؤول إليه الأمر .
أما التأويل بالمعنى الاصطلاحي ، والذي استعمله السلف فهو: صرف اللفظ عن ظاهره إلى معنى آخر ، يعني: مرجوح ، فمثل هذا التأويل مردود عند السلف ، لأن ظاهر الكتاب والسنة يجب القول به ، والمصير إليه .
لأننا لو فتحنا باب التأويل لانهدم الدين ، ولكان لكل إنسان أن يقول: ظاهر الآية غير مراد ، وظاهر الحديث غير مراد ، إنما أراد الله عز وجل كذا ، وإنما أراد رسول الله rكذا ، كما فعلت الخوارج وغيرهم من أهل البدع ، فيفتح باب من أبواب الشر ، وما أريقت دماء المسلمين يوم الجمل وصفين ، إلا بالتأويل ، فالتأويل كان باب شر عظيم جداً للأمة ، فظاهر الكتاب والسنة يجب القول به ، والمصير إليه ، حتى يدل الدليل على أن الظاهر غير مراد ، فهذه القاعدة الثانية عند أهل السنة والجماعة هي رفض التأويل الكلامي .
&
&&&
والقاعدة الثالثة
: هي كثرة الاستدلال بالآيات والأحاديث ، فأهل السنة هم أسعد الناس بالكتاب والسنة
قال الله عز وجل: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} (33) سورة الفرقان ، فلا يؤصلون أصولاً من عند أنفسهم ، ثم ينظرون بعد ذلك في الكتاب والسنة ، فما وافق أصولهم أخذوا به ، وما خالفهم أوّلوه أو ردوه ، كما يفعل أهل البدع ، ولكن أهل السنة يجمعون النصوص من الكتاب والسنة في المسألة الواحدة ، ثم تكون هي أصولهم التي بها يقولون ، وحولها يدندنون ، فهم لم يؤصلوا غير ما أصله الله عز وجل ، أو رسوله r. فتجد دعاة التكفير مثلاً يقولون: بأن فاعل الكبيرة في النار ، فتكذبهم الآيات والأحاديث التي تخبر بمغفرة الله عز وجل للذنوب التي هي دون الشرك {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} (48) سورة النساء ، وأحاديث الشفاعة أنه يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان مع قول لا إله إلا الله .
فيرجعون إلى رد هذه الأحاديث أو تأويلها ، وتأويل الآيات التي يخبر فيها الله عز وجل بأنه يغفر الذنوب جميعاً مع التوبة ، ومع غير التوبة .
من مات على ذنب دون الشرك ، فهو في مشيئة العزيز الغفار ، إن شاء غفر بفضله ورحمته ، وإن شاء عَذَّبَ بعدله وحكمته .
فنحن نرجو للمحسنين من المسلمين الجنة ، ونخاف على المذنبين من المسلمين من النار ، ولكن لا نقطع لأحد من المسلمين المحسنين بالجنَّةِ ، إلا من قطع له الشرع الحنيف بالجنة ، كالعشرة المبشرين والمرأة السوداء وغير ذلك ، كما ثبت عن النبي r، ونخاف على المذنبين الذين ماتوا على التوحيد ولكن لا نقطع بأنهم من أهل النار .
فالحاصل:أن أهل البدع يؤصلون الأصول من عند أنفسهم ، ثم ينظرون بعد ذلك في الكتاب والسنة ، فما وافق أصولهم يأخذون به ، وما خالفه إما أن يردوه وإما أن يؤولوه ، فهم لا ينظرون في شريعة النبي rنظر الفقير المحتاج ، ولا يَرِدُون شرعه rورود العطشان كما فعل أهل السنة والجماعة ، فكان جزاؤهم من جنس العمل .
يقول النبي r: " أنا فَرْطُكم على الحوض " والفرط: هو السابق - العرب كانت ترسل واحداً يستكشف الطريق ، ويبحث عن الماء فيسبقهم إلى الماء ويجهز الدلاء – فيقول r: " أنا فَرْطُكم على الحوض – أي حوضه الشريف r- وليختلجن رجال دوني فأقول: يا رب أمتي أمتي – وفي رواية: " أصحابي أصحابي ، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول: فسحقاً فسحقاً فسحقاً " () .
فهم كما لم يَرِدُوا النصوص الشرعية مَوْرِدَ الفقير المحتاج ، يحرمون حوض النبي r، وتطردهم الملائكة عن حوضه r، مع أنهم يأتون بسيما هذه الأمة الغرة والتحجيل ، أي البياض في الجبهة والقوائم ، وينادي عليهم النبي r، ويقول: " ألا هلم ، ألا هلم " والملائكة تطردهم وتبعدهم عن الحوض فيقول: " أمتي أمتي ، إخواني إخواني ، أصحابي أصحابي " فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول: " فسحقاً فسحقاً فسحقاً " .
فهل يكفي أن يكون العبد مسلماً حتى يدخل الجنة ، وينجو من عذاب الله عز وجل أم لابد أن يكون على معتقد صحيح وعلى فهم صحيح للكتاب والسنة وهو معتقد الصحابة ، وفهم الصحابة رضي الله عنهم .
وهذه هي القاعدة الثالثة من قواعد المنهج السلفي ، وهي: كثرة الاستدلال بالآيات والأحاديث ، لذلك تجدون الكتب التي تنسب إلى أئمة السنة ومن ينتهج بهذا المنهج الواضح الحق ، يستدلون دائماً بالآيات والأحاديث ، فهي جنتهم التي فيها يرتعون ، وإليها ينقلبون ، بخلاف الكتب الفكرية ، وكتب أهل البدع ، والكتب التي تقول بأشياء تخالف النصوص ، فيرجعون إلى عقولهم ، أو بعض الآراء التي يستطيعون أن يروجوا على الناس بها باطلهم .
أهل السنة كذلك:هم أسعد الناس بإمامهم r، لأنهم لم يتخذوا إماماً دونه r، وعلماء المسلمين كالعلامة الألباني مثلاً ، أو العلامة ابن باز رحمه الله ، أو ابن عثيمين أو غيرهم من علماء السنة المعاصرين نحن لا نتعصب لواحد منهم بحيث إننا نأخذ كل ما قال به ، ونترك ما خالفه ، لأن هذه المنزلة ليست لأحد بعد رسول الله r، فالله عز وجل يقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} (7) سورة الحشر .
فالله عز وجل تعبدنا باتباع رسول الله rوقال: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (158) سورة الأعراف ، وهذه المنزلة لا يرتفع إليها أحد من علماء الأمة ولو كان أبا بكر أو عمر فضلاً عن الأئمة الأربعة وغيرهم .
وهكذا يتضح لنا المنهج السلفي ، وهو أن ندور مع الكتاب والسنة حيث دارا فلم باتباع أحد من علماء السنة ، ولكننا تعبدنا باتباع رسول الله rفهذه هي السلفية ، أن تكون على فهم الصحابة للكتاب والسنة ، وأن تدور مع الكتاب والسنة حيث دارا ، ولا تفهم الإسلام من خلال شخص غير معصوم ، فكل واحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله r.
&
&&&
الأصول العلمية للدعوة السلفية
ومعنى الأصول العلمية:القضايا الكلية التي تهتم بها هذه الدعوة ، وتجعلها نُصْبَ عينيها ، فتجدون بعض الدعوات ترفع راية الجهاد ، ويقصدون أن الجهاد هو الإسلام كله ، فكل سعى الجماعة للجهاد .
وقد لا يفهمون الجهاد كما في كتاب الله عز وجل ، أو سنة رسوله r، فيسمون الخروج على الحاكم مثلاً جهاداً ، والخروج على الحاكم شيء والجهاد شيء آخر .
وآخرون يخرجون إلى الدعوة ، أي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتكون هذه هي قضيتهم ولا يفهمون ولا يفهمون التوحيد فهماً صحيحاً ، ويقولون: الحب في الله هو أصل الأصول ، وهذا لا شك باطل ، لأن أصل الأصول هو التوحيد ، فما بعث الله عز وجل رسولاً إلاَّ بالتوحيد ، كما قال عز وجل: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} (45) سورة الزخرف ، وقال عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (25) سورة الأنبياء .
وهذه مقالة متكررة من كل رسول: {اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (50) سورة هود ، تجدون هود ، وصالح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، وكل نبي أتى قومه بهذه الكلمة {اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} فقضية الأنبياء واحدة ، كما أن قضية الدعاة إلى الله عز وجل واحدة .
كما أن القضية التي ينبغي أن تهتم بها كل دعوة تَدَّعِي أنها على الحق ، وأنها على السنة ، وأنها الفرقة الناجية ، هي قضية التوحيد أي: تعبيد الناس لله عز وجل .
فهذا رِبْعِيّ بن عامر الذي فهم عن رسول الله rورباه النبي rلما دخل على رستم سأله عما جاء به فقال: " إن الله أبتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ، ومن ضِيْقِ الدنيا إلى سعتها ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام " .
كيف فهم قضية الإسلام؟! وكيف تكون الدعوة إلى الله عز وجل؟! ما قال: إن الله بعثنا بالحب في الله ، أو للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أو لقضية الجهاد ، بل قال: إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد ، لأن الناس يعبدون الأشجار ، والأحجار ، والشمس ، والقمر ، والبقر ، والطواغيت ، والأموال ، والهوى ، والشياطين ، الناس يعبدون آلهة متعددة .
فوظيفة الرسل وأتباع الرسل هي:أنهم يخرجونهم من هذه العبادة الباطلة ، من عبادة غير غير الله ويعبّدونهم لله عز وجل ، يجعلونهم عبيداً حقيقيين لله عز وجل ، يعرفونهم التوحيد ويعرفونهم بالله عز وجل ، وهي القضية التي خلق الله من أجلها الخلق كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (56) سورة الذاريات ، والله عز وجل خلق الجن والإنس لعبادته .
فالرسل يوجهون الناس لهذه الوظيفة التي خلقهم الله عز وجل من أجلها ، فهل ترون قضية أهم من قضية التوحيد؟ هل ترون أن الناس يمكن أن ينصلح حالهم؟ أو يستقيم أمرهم ، وأن يسعدوا في الدنيا والآخرة بقضية غير قضية التوحيد؟ .
لذلك كانت قضية التوحيد هي القضية الأولى في هذه الدعوة ، لأنها قضية الرسل ، قضية تعبيد الناس لله عز وجل ، والتوحيد ليس هو التوحيد عند المعتزلة –وهو توحيد الصانع- ، وليس التوحيد عند الصوفية – وهو اعتقاد الحلول والاتحاد ووحدة الوجود- ، ولكن التوحيد أن تعتقد أن الله عز وجل واحد ، وما ينبغي أن تتعرف به على الله عز وجل ، وأن تثبته لله عز وجل من أسمائه وصفاته وربوبيته ، وكذلك إفراد الله عز وجل بكل ألوان العبادة .
ويدخل –لا شك- في قضية التوحيد الإيمانُ بالملائكة ، والرسل ، والكتب ، واليوم الآخر ، والقدر خيره وشره ، فكل هذا يدخل في قضية التوحيد ، فهذه القضية الأولى عند الرسل .
فأي دعوة لا تهتم بقضية التوحيد ، ولا تجعل قضية التوحيد نُصْبَ عينها فهي دعوة على غير هدي المرسلين .
مهما كانوا يقولون: دعوة عالمية ، ودعوة عمرها ثمانون سنة ، ودعوة منتشرة في بقاع الدنيا ، إذا كانت هذه الدعوة لا تهتم بقضية التوحيد فهي دعوة على غير هدى المرسلين ، لأن الرسل دعوتهم كانت للتوحيد ، والله عز وجل أرسل كل الرسل بدين واحد وهو التوحيد {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} (13) سورة الشورى .
فأصول العقائد واحدة لم تختلف من رسول إلى رسول ، فالذي جاء به نبينا محمد rمن التوحيد ، هو ما جاء به موسى ، وما جاء به عيسى ، وما جاء به إبراهيم ، وهو الإسلام إسلامُ الوجه لله والإيمانُ بأمورِ الإيمان الستة .
أما الشرائع فمختلفة ( تكاليف العبادات ) يحل الله عز وجل لهؤلاء ما حرم على هؤلاء ، ويحرم على هؤلاء ما أحل لهؤلاء ، كما قال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (48) سورة المائدة .
فكل أمة لها تشريع وتكاليف مختلفة ، ولكن قضية التوحيد قضية واحدة ، فالرسل كلهم دعوا إلى التوحيد ، والتوحيد واحد لا يختلف ، لذلك أي دعوة ينبغي أن تهتم بقضية التوحيد ، وأن تُعَلَّمَ التوحيد الذي تركنا عليه رسول الله rلقول الله عز وجل: {فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ} (137) سورة البقرة ، فعقيدة الصحابة: هي المقياس الصحيح للعقيدة ، فأي معتقد يخالف اعتقاد السلف فهو باطل ، لأن الحق هو ما تركنا عليه رسول الله r.
القضية الثانية أو الأصل الثاني من الأصول العلمية للدعوة السلفية هو الاتباع:
والاتباع يأتي بأحد معنيين: (( الاتباع الذي هو ضد الابتداع )) .
كما قال ابن مسعود: " اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم " فالاتباع يأتي بمعنى اتباع هدى النبي r، واتباع سنة النبي rكما قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} (7) سورة الحشر ، وقال: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ} (80) سورة النساء ، وقال: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (36) سورة الأحزاب .
والأحاديث كثيرة وشهيرة فمن ذلك قوله r:"فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي "() ، ومنه قوله r: " لكل عمل شِرّةٌ ، ولكل شرة فَتْرَةٌ ، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى ، ومن كانت فترته لغير ذلك فقد ضل "() .
فالحاصل:أن الله عز وجل تعبدنا باتباع رسوله r.
وخير أمرو الدين ما كان سنة وشر الأمور المحدثات البدائع
.
كما حذرنا الله عز وجل من مخالفة هديه rوقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (63) سورة النــور .
وقال النبي r: " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " () .
وقال r: " أما بعد ، فإن أحسن الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد r، وشر الأمرو محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة "() .
فكان هذا المنهج واضحاً جداً للصحابة رضي الله عنهم ، حتى لما طلب أبو بكر الصديق من زيد بن ثابت أن يجمع القرآن ، قال: (( كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله r)) ، لما أقتنع عمر بن الخطاب وذهب عمر وأبو بكر لزيد بن ثابت يطلبان منه أن يجمع القرآن ، ويتتبع آيات القرآن فقال: (( كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله r)) .
ولما أراد النبي rأن يؤدب الذين قتلوا قواده في مؤتة في شمال الجزيرة العربية من الروم ، فجهز جيشاً بقيادة أسامة بن زيد بن حارثة –حب رسول الله r- ثم شغلوا بمرض النبي rوكان الجيش معسكراً قريباً من المدينة ، فلما توفى رسول الله r، ولحق بالرفيق الأعلى ، وارتدت قبائل العرب ، وقيل لأبي بكر الصديق: " كيف يخرج هذا الجيش وقد ارتدت قبائل العرب ، وكيف نترك المدينة ، وقد يهجم هؤلاء المرتدون على المدينة " .
فغضب أبو بكر رضي الله عنه وقال: " أقاتلهم وحدي حتى تنفرد سالفتي " ، وقال: (( كيف أفك عقدة عقدها رسول اللهr؟! )) ، وصمم على خروج جيش أسامة بن زيد ، وخرج جيش أسامة ، وأرهب قبائل العرب ، وقالوا: (( ما خرج هذا الجيش إلا وبهم قوة ومنعة )) وكان هذا من بركة التسليم للسنة ، فذهب الجيش ، وغاب أربعين يوماً ، وعاد سالماً غانماً ، ثم جهز بعد ذلك أبو بكر الجيوش لقتال المرتدين ، فحفظ الله عز وجل بهم الدين ، وردهم إلى حديقة الإسلام مرة ثانية .
&&&&