أبو البراء المصري
2008-11-03, 06:15 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد:
الاصل الاول من اصول عقيدة اهل السنة والجماعة : ( الايمان واركانه )
الركن الاول , الإيمان بالله :
الإِيمان باللّه تعالى ؛ هو التصديقُ الجازم بوجود اللّه ، واتصافه بكل صفات الكمال ، ونعوت الجلال ، واستحقاقه وحده العبادة ، واطمئنان القلب بذلك اطمئنانا تُرى آثاره في سلوك الإنسان ، والتزامه بأَوامر اللّه ، واجتناب نواهيه . وهو أَساس العقيدة الإِسلامية ولُبَها ؛ فهو الأَصل ، وكل أَركان العقيدة مضافة إليه وتابعة له .
فالإِيمان باللّه يتضمن الإيمان بوحدانيته واستحقاقه للعبادة وحده ؛ لأَنَّ وجوده لا شك فيه ، وقد دلَّ على وجوده سبحانه وتعالى :
الفطرةُ ، والعقلُ ، والشرعُ ، والحسُّ .
ومن الإيمان باللّه تعالى ؛ الإِيمان بوحدانيَّته وألوهيته وأَسمائه وصفاته ، وذلك بإِقرار أَنواع التوحيد الثلاثة ، واعتقادها ، والعمل بها ، وهي : 1- توحيد الربوبية . 2- توحيد الألوهية . 3- توحيد الأَسماء والصفات .
1 - توحيد الربوبية :
معناه الاعتقاد الجازم بأَنَ اللّه وَحْدَهُ رَب كلِّ شيء ومليكه ، لا شريك له ، وهو الخالق وحده وهو مدبر العالم والمتصرف فيه ، وأَنَه خالق العباد ورازقهم ومحييهم ومميتهم ، والإِيمان بقضاء اللّه وقدره وبوحدانيته في ذاته ، وخلاصتهُ هو : توحيد اللّه تعالى بأفعاله .
وقد قامت الأدلة الشرعية على وجوب الإِيمان بربوبيته سبحانه وتعالى ، كما في قوله : { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } سورة الفاتحة (1) وقوله : { أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } سورة الأعراف آية رقم 54 . وقوله : { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا } سورة البقرة آية رقم 29 . وقوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } سورة الذاريات آية رقم 58 . وهذا النوع من التوحيد لم يخالف فيه كفار قريش ، وأكثر أَصحاب الملل والدِيانات ؛ فكلُهم يعتقدون أَن خالق العالم هو اللّه وحده ،
قال اللّه تبارك وتعالى عنهم :
{ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } سورة لقمان : الآية ، 25
وقال : { قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ }{ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ }{ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ }{ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ }{ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ }{ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ }{ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } سورة المؤمنون : الآية ، 84 - 90
وذلك لأَن قلوبَ العباد مفطورةٌ على الإِقرار بربوبيته- سبحانه وتعالى- ولذا فلا يُصْبِحُ مُعْتقِدُه مُوَحِّدا ، حتى يلتزم بالنوع الثاني من أَنواع التوحيد ، وهو :
2 - توحيد الألوهية :
هو إِفراد اللّه تعالى بأَفعال العباد ، ويسمى توحيد العبادة ، ومعناه الاعتقاد الجازم بأن اللّه- سبحانه وتعالى- هو :
الإلهُ الحق ولا إِلهَ غيره ، وكل معبود سواه باطل ، وإفراده تعالى بالعبادة والخضوع والطاعة المطلقة ، وأَن لا يشرك به أَحد كائنا من كان ، ولا يُصْرَف شيء من العبادة لغيره ؛ كالصلاة ، والصيام ، والزكاة ، والحج ، والدعاء ، والاستعانة ، والنذر ، والذبح ، والتوكُّل ، والخوف والرجاء ، والحُبّ ، وغيرها من أَنواع العبادة الظاهرة والباطنة ، وأَن يُعْبَدَ اللّهُ بالحُبِّ والخوفِ والرجاءِ جميعا ، وعبادتُه ببعضها دون بعض ضلال .
قال تعالى : { وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ } سورة المؤمنون : الآية ، 117
وتوحيد الربوبية من مقتضيات توحيد الأُلوهية ؛ لأنَّ المشركين لم يَعبدوا إِلها واحدا ، وإنٌما عَبَدُوا آلهة مُتَعَددَة ، وزعموا أَنَّها تقرِّبهم إِلى اللّه زلفى ، وهم مع ذلك معترفون بأَنها لا تضر ولا تنفع ، لذلك لم يجعلهم اللّه مؤمنين رغم اعترافهم بتوحيد الربوبية ؛ بل جعلهم في عداد الكافرين بإشراكهم غيره في العبادة .
ومن هنا يختلف مُعْتَقَدُ السَّلف- أَهل السُنَّة والجماعة- عن غيرهم في الألوهية ؛ فلا يعنون كما يعني البعض أَنَ معنى التوحيد أَنَّه لا خالق إِلا اللّه فحسب ؛ بل إِن توحيد الألوهية عندهم لاَ يتحقق إِلا بوجود أَصلين :
الأَول : أَن تُصرف جميع أَنواع العبادة له- سبحانه- دون ما سواه ، ولا يُعْطى المخلوق شيئا من حقوق الخالق وخصائصه .
فلا يُعبد إِلا اللّه ، ولا يصلى لغير اللّه ، ولا يُسْجَدُ لغير اللّه ، ولا يُنْذَرُ لغير اللّه ، ولا يُتَوكَّلُ على غير اللّه ، وإن توحيد الأُلوهية يقتضي إِفراد اللّه وحده بالعبادة .
والعبادة : إِما قول القلب واللسان وإمَّا عمل القلب والجوارح , قال تعالى : { أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ } سورة الزمر : الآية ، 3
الثاني : أَنْ تكون العبادة موافقة لما أَمر اللّه تعالى به ، وأَمر رسوله صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم , فتوحيد اللّه سبحانه بالعبادة والخضوع والطاعة هو تحقيق شهادة أَن : (لاَ إِلَهَ إِلَّا اللّه) ,
ومتابعة رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- والإِذعان لما أَمر به ونهى عنه هو تحقيق أَنَّ : ( مُحَمَدا رَسُولُ الله) .
فمنهج أَهل السنة والجماعة :
أَنَهم يَعْبُدُونَ الله تعالى ولا يشركون به شيئا ، فلا يسأَلون إِلِّا الله ، ولا يستعينون إِلِّا بالله ، ولا يستغيثون إِلا به سبحانه ، ولا يتوكلون إِلَّا عليه جلَّ وعلا ، ولا يخافون إِلِّا منه ، ويتقربون إِلى الله تعالى بطاعته ، وعبادته ، وبصالح الأَعمال ، قال تعالى : { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا } سورة النساء : الآية ، 36
3 - توحيد الأسماء الصفات :
معناه : الاعتقاد الجازم بأَنَّ الله- عزَّ وجلَّ- له الأَسماء الحسنى والصفات العُلى ، وهو متَّصف بجميع صفات الكمال ، ومنزَّهٌ عن جميع صفات النقص ، متفرد بذلك عن جميع الكائنات .
وأَهل السُنّة والجماعة :
يَعْرِفُونَ ربهم بصفاته الواردة في القرآن والسنَة ، ويصفون ربَّهم بما وصف به نفسه ، وبما وصفه به رسولهُ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ولا يحرِّفون الكَلِمَ عن مواضعه ، ولا يُلحدون في أَسمائه وآياته ، ويثبتون لله ما أَثبته لنفسه من غير تمثيل ، ولا تكييف ، ولا تعطيل ، ولا تحريف ، وقاعد تهم في كلِّ ذلك قول الله تبارك وتعالى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } سورة الشورى : الآية ، 11 . وقوله : { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } سورة الأعراف : الآية ، 180
و تعريف هذه المصطلحات :
الإلحاد : هو الميل عن الحق والانحراف عنه
التعطيل : عدم إِثبات الصفات ، أو إِثبات بعضها ونفي الباقي
التحريف : تغيير النص لفظا أو معنى ، وصرفه عن معناه الظاهر إلى معنى لا يدل عليه اللفظ
التكييف : بيان الهيئة التي تكون عليها الصفات
التمثيل : إِثبات المثل للشيء ؛ مشابها له من كل الوجوه .
وأَهل السنة والجماعة :
لا يُحدِّدون كيفية صفات الله- جل وعَلاَ- لأنه تبارك وتعالى لم يخبر عن الكيفية ، ولأَنه لا أَحد أَعلم من الله سبحانه بنفسه ، قال تعالى : { قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ }سورة البقرة : الآية ، 140 وقال تعالى : { فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } سورة النحل : الآية ، 74 ولا أَحدَ أَعلم بالله بعد الله من رسوله- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- الذي قال الله تبارك وتعالى في حقه : { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى }{ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى } سورة النجم : الآيتان ، 3-4
وأَهل السنة والجماعة :
يؤمنون أَن الله- سبحانه وتعالى- هو الأَول ليس قبله شيء ، والآخِرُ الذي ليس بعده شيء ، والظاهرُ الذي ليس فوقه شيء ، والباطنُ الذي ليس دونه شيء ، كما قال سبحانه : { هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } سورة الحديد : الآية ، 3
وكما أَنَّ ذاته- سبحانه وتعالى- لا تشبه الذوات ، فكذلك صفاتهُ لا تشبهُ الصفات ، لأنَّه سبحانه لا سميَّ له ، ولا كفءَ له ولا نِدَّ له ، ولا يُقاس بخلقه ؛ فيثبتون لله ما أَثبته لنفسه إثباتا بلا تمثيل وتنزيها بلا تعطيل , وأنَه لا يجوز أبدا أن يتخيل كيفية ذات الله أو كيفية صفاته
وأَنَّه- تعالى- محيطٌ بكلِّ شيء ، وخالق كل شيء ، ورازق كل حي ، قال الله تبارك وتعالى : { أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } سورة الملك : الآية ، 14 وقال : { إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } سورة الذاريات : الآية ، 58
ويؤمنون بأَن الله تعالى استوى على العرش فوق سبع سماوات ، بائن من خلقه ، أَحاط بكل شيء علما ، كما أَخبر عن نفسه في كتابه العزيز , قال تعالى : { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } سورة طه : الآية ، 5 وقال : { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } سورة الحديد : الآية ، 4 . وقال : { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ }{ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ } سورة الملك : الآيتان ، 16 -17 وقال النَبِيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم : « أَلاَ تَأمنُوني وأَنا أَمينُ مَنْ في السَّماءِ؟ » رواه البخاري ومسلم
وأَهل السنة والجماعة :
يؤمنون بأَن الكرسي والعرش حق . قال تعالى : { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ } سورة البقرة : الآية ، 255 , والعرش لا يقدر قدره إِلا الله ، والكرسي في العرش كحلقة ملقاة في فلاة وسع السموات والأَرض ، والله مستغن عن العرش والكرسي ، ولم يستوِ على العرش لاحتياجه إِليه ؛ بل لحكمة يعلمها ، وهو منزه عن أَن يحتاج إِلى العرش أَو ما دونه ، فشأن الله تبارك وتعالى أَعظم من ذلك ؛ بل العرش والكرسي محمولان بقدرته وسلطانه .
وأَنَ الله تعالى خلق آدم - عليه السلام- بِيَديه ، وأَن كلتا يديه يمين ويداه مبسوطتان يُنفق كيف يشاء كما وصف نفسه سبحانه ، فقال : { وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ } سورة المائدة : الآية ، 64 وقال : { مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } سورة ص : الآية ، 75
وأَهل السُّنَة والجماعة :
يثبتون للّه سمعا ، وبصرا ، وعلما ، وقدرة ، وقوة ، وعزا ، وكلاما ، وحياة ، وقدما وساقا ، ويدا ، ومعية . . وغيرها من صفاته - عزَّ وجل- التي وصف بها نفسه في كتابه العزيز ، وعلى لسان نبيه- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بكيفية يعلمها الله ولا نعلمها ؛ لأنَه تعالى لم يخبرنا عن الكيفية ، قال تعالى : { إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى } سورة طه : الآية ، 46 , وقال : { وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } سورة التحريم : الآية ، 2 { وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا } سورة النساء : الآية ، 164 { وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ } سورة الرحمن : الآية ، 27 { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ } سورة القلم : الآية ، 42 , وغيرها من ايات الصفات
وأهل السنة والجماعة :
يؤمنون بأَن المؤمنين يَرَونَ ربهم في الآخرة بأَبصارهم ، ويَزُورُونَه ، ويُكلِّمهُم ويكلِّمونه ، قال تعالى : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ }{ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } سورة القيامة : الآيتان ، 22 - 23 , وسوف يرونه كما يرون القمر ليلة البدر لا يُضامون في رؤيته ، كما قال النَّبِي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : « إِنكُمْ سَتَروْنَ رَبكُم كَمَا تَرَوْنَ القَمَرَ لَيلهَ البَدرِ ، لا تُضامُونَ في رُؤيتِه » . . " متفق عليه , وأَن الله تعالى ينزل إِلى السماء الدنيا في الثلث الأَخير من الليل نزولا حقيقيا يليق بجلاله وعظمته , قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم : « يَنزلُ ربنا إِلى السَّماء الدّنيا كل لَيْلَة حِينَ يَبْقى ثُلُثُ الليلِ الآخر ؛ فيقول : مَنْ يَدْعُوني فأستَجيبَ لهُ؟ مَنْ يَسأَلُني فأعطيه مَنْ يَسْتَغْفرُني فأغفرَ لهُ؟ » متفق عليه
ويؤمنون بأَنَّه تعالى يجيء يوم الميعاد للفصل بين العباد ، مجيئا حقيقيا يليق بجلاله ، قال سبحانه وتعالى : { كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا }{ وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا } سورة الفجر : الآيتان ، 21 - 22 , وقوله : { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ } سورة البقرة : الآية ، 210
فمنهج أَهل السنَّة والجماعة في كلِّ ذلك الإِيمان الكامل بما أَخبر به الله تعالى ، وأَخبر به رسوله- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- والتسليم به ؛ كما قال الإِمام الزُّهري رحمه الله تعالى : (مِنَ اللهِ الرِّسَالةُ وعلى الرسولِ البلاغُ وعلينا التَسليمُ) أخرجه الإمام البغوي في شرح السنة
بعض اقوال ائمة السلف -رحمهم الله- في الصفات :
الإمام الشافعي رحمه الله تعالى :(آمنتُ باللهِ ، وبما جاءَ عن اللهِ على مرادِ اللهِ ، وآمنتُ برسول الله وبما جاء عن رسولِ اللهِ على مُراد رَسُولِ الله ) انظر : لُمعة الاعتقاد الهادي إِلى سبيل الرشاد للإمام ابن قدامة المقدسي
وقال الإِمام مالك بن أنس - إِمام دار الهجرة- رحمه الله : (إِياكُم والبِدَع) قيل : وما البدع؟ قال : (أَهلُ البِدَعِ هُم الذينَ يتكلمونَ في أَسماء اللهِ وصفاتِهِ وكلامِه وعلمه وقُدرتِه ، ولا يَسْكُتونَ عمَا سَكَت عَنهُ الصحابةُ والتابعونَ لهم بإِحسان) أخرجه الإمام البغوي في : « شرح السنة ».
و دخل رجل على الامام مالك رحمه الله فساله عن قوله تعالى : { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } كيف استوى؟ فقال : (الاستواء معلوم ، والكيفُ مجهول ، والإِيمانُ به واجبٌ ، والسؤالُ عنهُ بدعة ، وما أراكَ إِلا ضالا) وأَمر به أن يُخرج من المجلس . أخرجه الإمام البغوي في : « شرح السنة »
وقال بعض السلف :(قَدَمُ الإِسلامِ لا تَثبتُ إِلَّا على قنطرة التسليم) رواه الإِمام البغوي في : « شرح السنة » لذا فإِنهُ من سلك مسلك السلف في الحديث عن ذات الله تعالى وصفاته ؛ يكون ملتزما بمنهج القرآن في أَسماء الله وصفاته سواء كان السالك في عصر السَّلف ، أَو في العصور المتأخرة .
وكلُّ من خالف السَّلف في منهجهم ؛ فلا يكون ملتزما بمنهج القرآن ، وإن كان موجودا في عصر السَّلف ، وبين أَظهر الصحابة والتابعين
أما بعد:
الاصل الاول من اصول عقيدة اهل السنة والجماعة : ( الايمان واركانه )
الركن الاول , الإيمان بالله :
الإِيمان باللّه تعالى ؛ هو التصديقُ الجازم بوجود اللّه ، واتصافه بكل صفات الكمال ، ونعوت الجلال ، واستحقاقه وحده العبادة ، واطمئنان القلب بذلك اطمئنانا تُرى آثاره في سلوك الإنسان ، والتزامه بأَوامر اللّه ، واجتناب نواهيه . وهو أَساس العقيدة الإِسلامية ولُبَها ؛ فهو الأَصل ، وكل أَركان العقيدة مضافة إليه وتابعة له .
فالإِيمان باللّه يتضمن الإيمان بوحدانيته واستحقاقه للعبادة وحده ؛ لأَنَّ وجوده لا شك فيه ، وقد دلَّ على وجوده سبحانه وتعالى :
الفطرةُ ، والعقلُ ، والشرعُ ، والحسُّ .
ومن الإيمان باللّه تعالى ؛ الإِيمان بوحدانيَّته وألوهيته وأَسمائه وصفاته ، وذلك بإِقرار أَنواع التوحيد الثلاثة ، واعتقادها ، والعمل بها ، وهي : 1- توحيد الربوبية . 2- توحيد الألوهية . 3- توحيد الأَسماء والصفات .
1 - توحيد الربوبية :
معناه الاعتقاد الجازم بأَنَ اللّه وَحْدَهُ رَب كلِّ شيء ومليكه ، لا شريك له ، وهو الخالق وحده وهو مدبر العالم والمتصرف فيه ، وأَنَه خالق العباد ورازقهم ومحييهم ومميتهم ، والإِيمان بقضاء اللّه وقدره وبوحدانيته في ذاته ، وخلاصتهُ هو : توحيد اللّه تعالى بأفعاله .
وقد قامت الأدلة الشرعية على وجوب الإِيمان بربوبيته سبحانه وتعالى ، كما في قوله : { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } سورة الفاتحة (1) وقوله : { أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } سورة الأعراف آية رقم 54 . وقوله : { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا } سورة البقرة آية رقم 29 . وقوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } سورة الذاريات آية رقم 58 . وهذا النوع من التوحيد لم يخالف فيه كفار قريش ، وأكثر أَصحاب الملل والدِيانات ؛ فكلُهم يعتقدون أَن خالق العالم هو اللّه وحده ،
قال اللّه تبارك وتعالى عنهم :
{ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } سورة لقمان : الآية ، 25
وقال : { قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ }{ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ }{ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ }{ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ }{ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ }{ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ }{ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } سورة المؤمنون : الآية ، 84 - 90
وذلك لأَن قلوبَ العباد مفطورةٌ على الإِقرار بربوبيته- سبحانه وتعالى- ولذا فلا يُصْبِحُ مُعْتقِدُه مُوَحِّدا ، حتى يلتزم بالنوع الثاني من أَنواع التوحيد ، وهو :
2 - توحيد الألوهية :
هو إِفراد اللّه تعالى بأَفعال العباد ، ويسمى توحيد العبادة ، ومعناه الاعتقاد الجازم بأن اللّه- سبحانه وتعالى- هو :
الإلهُ الحق ولا إِلهَ غيره ، وكل معبود سواه باطل ، وإفراده تعالى بالعبادة والخضوع والطاعة المطلقة ، وأَن لا يشرك به أَحد كائنا من كان ، ولا يُصْرَف شيء من العبادة لغيره ؛ كالصلاة ، والصيام ، والزكاة ، والحج ، والدعاء ، والاستعانة ، والنذر ، والذبح ، والتوكُّل ، والخوف والرجاء ، والحُبّ ، وغيرها من أَنواع العبادة الظاهرة والباطنة ، وأَن يُعْبَدَ اللّهُ بالحُبِّ والخوفِ والرجاءِ جميعا ، وعبادتُه ببعضها دون بعض ضلال .
قال تعالى : { وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ } سورة المؤمنون : الآية ، 117
وتوحيد الربوبية من مقتضيات توحيد الأُلوهية ؛ لأنَّ المشركين لم يَعبدوا إِلها واحدا ، وإنٌما عَبَدُوا آلهة مُتَعَددَة ، وزعموا أَنَّها تقرِّبهم إِلى اللّه زلفى ، وهم مع ذلك معترفون بأَنها لا تضر ولا تنفع ، لذلك لم يجعلهم اللّه مؤمنين رغم اعترافهم بتوحيد الربوبية ؛ بل جعلهم في عداد الكافرين بإشراكهم غيره في العبادة .
ومن هنا يختلف مُعْتَقَدُ السَّلف- أَهل السُنَّة والجماعة- عن غيرهم في الألوهية ؛ فلا يعنون كما يعني البعض أَنَ معنى التوحيد أَنَّه لا خالق إِلا اللّه فحسب ؛ بل إِن توحيد الألوهية عندهم لاَ يتحقق إِلا بوجود أَصلين :
الأَول : أَن تُصرف جميع أَنواع العبادة له- سبحانه- دون ما سواه ، ولا يُعْطى المخلوق شيئا من حقوق الخالق وخصائصه .
فلا يُعبد إِلا اللّه ، ولا يصلى لغير اللّه ، ولا يُسْجَدُ لغير اللّه ، ولا يُنْذَرُ لغير اللّه ، ولا يُتَوكَّلُ على غير اللّه ، وإن توحيد الأُلوهية يقتضي إِفراد اللّه وحده بالعبادة .
والعبادة : إِما قول القلب واللسان وإمَّا عمل القلب والجوارح , قال تعالى : { أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ } سورة الزمر : الآية ، 3
الثاني : أَنْ تكون العبادة موافقة لما أَمر اللّه تعالى به ، وأَمر رسوله صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم , فتوحيد اللّه سبحانه بالعبادة والخضوع والطاعة هو تحقيق شهادة أَن : (لاَ إِلَهَ إِلَّا اللّه) ,
ومتابعة رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- والإِذعان لما أَمر به ونهى عنه هو تحقيق أَنَّ : ( مُحَمَدا رَسُولُ الله) .
فمنهج أَهل السنة والجماعة :
أَنَهم يَعْبُدُونَ الله تعالى ولا يشركون به شيئا ، فلا يسأَلون إِلِّا الله ، ولا يستعينون إِلِّا بالله ، ولا يستغيثون إِلا به سبحانه ، ولا يتوكلون إِلَّا عليه جلَّ وعلا ، ولا يخافون إِلِّا منه ، ويتقربون إِلى الله تعالى بطاعته ، وعبادته ، وبصالح الأَعمال ، قال تعالى : { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا } سورة النساء : الآية ، 36
3 - توحيد الأسماء الصفات :
معناه : الاعتقاد الجازم بأَنَّ الله- عزَّ وجلَّ- له الأَسماء الحسنى والصفات العُلى ، وهو متَّصف بجميع صفات الكمال ، ومنزَّهٌ عن جميع صفات النقص ، متفرد بذلك عن جميع الكائنات .
وأَهل السُنّة والجماعة :
يَعْرِفُونَ ربهم بصفاته الواردة في القرآن والسنَة ، ويصفون ربَّهم بما وصف به نفسه ، وبما وصفه به رسولهُ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ولا يحرِّفون الكَلِمَ عن مواضعه ، ولا يُلحدون في أَسمائه وآياته ، ويثبتون لله ما أَثبته لنفسه من غير تمثيل ، ولا تكييف ، ولا تعطيل ، ولا تحريف ، وقاعد تهم في كلِّ ذلك قول الله تبارك وتعالى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } سورة الشورى : الآية ، 11 . وقوله : { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } سورة الأعراف : الآية ، 180
و تعريف هذه المصطلحات :
الإلحاد : هو الميل عن الحق والانحراف عنه
التعطيل : عدم إِثبات الصفات ، أو إِثبات بعضها ونفي الباقي
التحريف : تغيير النص لفظا أو معنى ، وصرفه عن معناه الظاهر إلى معنى لا يدل عليه اللفظ
التكييف : بيان الهيئة التي تكون عليها الصفات
التمثيل : إِثبات المثل للشيء ؛ مشابها له من كل الوجوه .
وأَهل السنة والجماعة :
لا يُحدِّدون كيفية صفات الله- جل وعَلاَ- لأنه تبارك وتعالى لم يخبر عن الكيفية ، ولأَنه لا أَحد أَعلم من الله سبحانه بنفسه ، قال تعالى : { قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ }سورة البقرة : الآية ، 140 وقال تعالى : { فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } سورة النحل : الآية ، 74 ولا أَحدَ أَعلم بالله بعد الله من رسوله- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- الذي قال الله تبارك وتعالى في حقه : { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى }{ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى } سورة النجم : الآيتان ، 3-4
وأَهل السنة والجماعة :
يؤمنون أَن الله- سبحانه وتعالى- هو الأَول ليس قبله شيء ، والآخِرُ الذي ليس بعده شيء ، والظاهرُ الذي ليس فوقه شيء ، والباطنُ الذي ليس دونه شيء ، كما قال سبحانه : { هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } سورة الحديد : الآية ، 3
وكما أَنَّ ذاته- سبحانه وتعالى- لا تشبه الذوات ، فكذلك صفاتهُ لا تشبهُ الصفات ، لأنَّه سبحانه لا سميَّ له ، ولا كفءَ له ولا نِدَّ له ، ولا يُقاس بخلقه ؛ فيثبتون لله ما أَثبته لنفسه إثباتا بلا تمثيل وتنزيها بلا تعطيل , وأنَه لا يجوز أبدا أن يتخيل كيفية ذات الله أو كيفية صفاته
وأَنَّه- تعالى- محيطٌ بكلِّ شيء ، وخالق كل شيء ، ورازق كل حي ، قال الله تبارك وتعالى : { أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } سورة الملك : الآية ، 14 وقال : { إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } سورة الذاريات : الآية ، 58
ويؤمنون بأَن الله تعالى استوى على العرش فوق سبع سماوات ، بائن من خلقه ، أَحاط بكل شيء علما ، كما أَخبر عن نفسه في كتابه العزيز , قال تعالى : { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } سورة طه : الآية ، 5 وقال : { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } سورة الحديد : الآية ، 4 . وقال : { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ }{ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ } سورة الملك : الآيتان ، 16 -17 وقال النَبِيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم : « أَلاَ تَأمنُوني وأَنا أَمينُ مَنْ في السَّماءِ؟ » رواه البخاري ومسلم
وأَهل السنة والجماعة :
يؤمنون بأَن الكرسي والعرش حق . قال تعالى : { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ } سورة البقرة : الآية ، 255 , والعرش لا يقدر قدره إِلا الله ، والكرسي في العرش كحلقة ملقاة في فلاة وسع السموات والأَرض ، والله مستغن عن العرش والكرسي ، ولم يستوِ على العرش لاحتياجه إِليه ؛ بل لحكمة يعلمها ، وهو منزه عن أَن يحتاج إِلى العرش أَو ما دونه ، فشأن الله تبارك وتعالى أَعظم من ذلك ؛ بل العرش والكرسي محمولان بقدرته وسلطانه .
وأَنَ الله تعالى خلق آدم - عليه السلام- بِيَديه ، وأَن كلتا يديه يمين ويداه مبسوطتان يُنفق كيف يشاء كما وصف نفسه سبحانه ، فقال : { وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ } سورة المائدة : الآية ، 64 وقال : { مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } سورة ص : الآية ، 75
وأَهل السُّنَة والجماعة :
يثبتون للّه سمعا ، وبصرا ، وعلما ، وقدرة ، وقوة ، وعزا ، وكلاما ، وحياة ، وقدما وساقا ، ويدا ، ومعية . . وغيرها من صفاته - عزَّ وجل- التي وصف بها نفسه في كتابه العزيز ، وعلى لسان نبيه- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بكيفية يعلمها الله ولا نعلمها ؛ لأنَه تعالى لم يخبرنا عن الكيفية ، قال تعالى : { إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى } سورة طه : الآية ، 46 , وقال : { وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } سورة التحريم : الآية ، 2 { وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا } سورة النساء : الآية ، 164 { وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ } سورة الرحمن : الآية ، 27 { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ } سورة القلم : الآية ، 42 , وغيرها من ايات الصفات
وأهل السنة والجماعة :
يؤمنون بأَن المؤمنين يَرَونَ ربهم في الآخرة بأَبصارهم ، ويَزُورُونَه ، ويُكلِّمهُم ويكلِّمونه ، قال تعالى : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ }{ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } سورة القيامة : الآيتان ، 22 - 23 , وسوف يرونه كما يرون القمر ليلة البدر لا يُضامون في رؤيته ، كما قال النَّبِي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : « إِنكُمْ سَتَروْنَ رَبكُم كَمَا تَرَوْنَ القَمَرَ لَيلهَ البَدرِ ، لا تُضامُونَ في رُؤيتِه » . . " متفق عليه , وأَن الله تعالى ينزل إِلى السماء الدنيا في الثلث الأَخير من الليل نزولا حقيقيا يليق بجلاله وعظمته , قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم : « يَنزلُ ربنا إِلى السَّماء الدّنيا كل لَيْلَة حِينَ يَبْقى ثُلُثُ الليلِ الآخر ؛ فيقول : مَنْ يَدْعُوني فأستَجيبَ لهُ؟ مَنْ يَسأَلُني فأعطيه مَنْ يَسْتَغْفرُني فأغفرَ لهُ؟ » متفق عليه
ويؤمنون بأَنَّه تعالى يجيء يوم الميعاد للفصل بين العباد ، مجيئا حقيقيا يليق بجلاله ، قال سبحانه وتعالى : { كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا }{ وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا } سورة الفجر : الآيتان ، 21 - 22 , وقوله : { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ } سورة البقرة : الآية ، 210
فمنهج أَهل السنَّة والجماعة في كلِّ ذلك الإِيمان الكامل بما أَخبر به الله تعالى ، وأَخبر به رسوله- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- والتسليم به ؛ كما قال الإِمام الزُّهري رحمه الله تعالى : (مِنَ اللهِ الرِّسَالةُ وعلى الرسولِ البلاغُ وعلينا التَسليمُ) أخرجه الإمام البغوي في شرح السنة
بعض اقوال ائمة السلف -رحمهم الله- في الصفات :
الإمام الشافعي رحمه الله تعالى :(آمنتُ باللهِ ، وبما جاءَ عن اللهِ على مرادِ اللهِ ، وآمنتُ برسول الله وبما جاء عن رسولِ اللهِ على مُراد رَسُولِ الله ) انظر : لُمعة الاعتقاد الهادي إِلى سبيل الرشاد للإمام ابن قدامة المقدسي
وقال الإِمام مالك بن أنس - إِمام دار الهجرة- رحمه الله : (إِياكُم والبِدَع) قيل : وما البدع؟ قال : (أَهلُ البِدَعِ هُم الذينَ يتكلمونَ في أَسماء اللهِ وصفاتِهِ وكلامِه وعلمه وقُدرتِه ، ولا يَسْكُتونَ عمَا سَكَت عَنهُ الصحابةُ والتابعونَ لهم بإِحسان) أخرجه الإمام البغوي في : « شرح السنة ».
و دخل رجل على الامام مالك رحمه الله فساله عن قوله تعالى : { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } كيف استوى؟ فقال : (الاستواء معلوم ، والكيفُ مجهول ، والإِيمانُ به واجبٌ ، والسؤالُ عنهُ بدعة ، وما أراكَ إِلا ضالا) وأَمر به أن يُخرج من المجلس . أخرجه الإمام البغوي في : « شرح السنة »
وقال بعض السلف :(قَدَمُ الإِسلامِ لا تَثبتُ إِلَّا على قنطرة التسليم) رواه الإِمام البغوي في : « شرح السنة » لذا فإِنهُ من سلك مسلك السلف في الحديث عن ذات الله تعالى وصفاته ؛ يكون ملتزما بمنهج القرآن في أَسماء الله وصفاته سواء كان السالك في عصر السَّلف ، أَو في العصور المتأخرة .
وكلُّ من خالف السَّلف في منهجهم ؛ فلا يكون ملتزما بمنهج القرآن ، وإن كان موجودا في عصر السَّلف ، وبين أَظهر الصحابة والتابعين