أبوحمزة السيوطي
2008-11-26, 05:01 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الواحد الصمد الذي لم يكن له كفؤا أحد والصلاة والسلام على الرحمة المهداه النبي الحبيب البشير النذير نفديه بآبائنا وأمهتنا وأولادنا ومن في الأرض جميعا .
النبي الذي هو عرضنا وشرفنا وفخرنا وكرامتنا فهو أحب إلينا من أنفسنا وأولى في الذب من أنفسنا وودت والله يشهد لو ينال العالم مني ومن أهلي ولا يمسون الحبيب طيب السيره نقي النسل والقبيلة طاهر الذيل وأشرف الخلق وسيد ولد آدم وكلنا فخر .
ولكن لم تخلوا الأرض من كافرين حاقدين يبدون البغضاء ويخفون لا يدعون نبيا ولا مقدسا ولا مؤمنا إلا ويسخرون قاتلهم الله أنى يؤفكون ..
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤذى ويُسَب وكان ذلك يشق عليه صلى الله عليه وسلم وهو حي فيكفيه الله المستهزئين وقد رزقه الله من الأتباع والحواري الذين يفدونه بأرواحهم وذويهم ومنهم أصحابه فلم يحتملوا عليه شيئا وكانوا ينافحون عنه ويناضلون ويؤذون من أذاه ويهجون من هجاه ويسبون من سبه اذا لم يتمكنوا منه ولا إحسان إلا للمحسنين ...
وفي هذا الزمان السوء قل المناضلون وكثر الحاقدون ولا سبيل للذود في زمن الانحطاط إلا رد الاساءة بالاساءة سبابا أو قتالا أو هجاءً نعم كذلك كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
فهل يجوز ذلك ؟
اعلم أيها الغيور أن الأمر على ثلاث مراتب :
1- المرتبة الأولى : لا يجوز البدء بالسب أو الاساءة قال الله عز وجل :
" وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَعَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108) " الأنعام
التحريم في حالة البدء لأن الآية متعلقة بسب الله عز وجل والنهي عن البدء بسبهم حتى لا يسبوا رب العزة وهم جهلة فلا تسبوهم فيسبوا ربكم . وهذا نهي عن البدء بسبهم مطلقا .
وقد أمر الله بالاحسان والرفق في كل شيء وأمرنا أن نبر ونقسط إلى أهل الكتاب والقسط العدل والبر إحسان ولكن للذين لم يقاتلونا في الدين ولم يحاربونا فأما الذين ظلموا فلا تأخذنا بهم رأفة في دين الله .
وأمرنا الله عز وجل أن ندعوهم بالتي هي أحسن وأنه إذا استجارنا أحدا منهم نجره و نسمعه كلام ربنا ونبلغه مأمنه إلا الذين ظلموا منهم .
ولكن هناك مرتبتان القول فيهم بالجواز بل بالإيجاب ولكن بتفصيل مستنبط من قوله تعالى :
" فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) " البقرة
2- المرتبة الثانية : اذا عرض الذمي الأذى أو السب ولم يتلفظ به صراحة :
فالواجب الرد ولكن بالمثل ولا نزيد وهذا من تمام العزة مع كمال العدل والرحمة ودليل ذلك :
روى أحمد في مسنده عن أنس رضي الله عنه قال :
" أن اليهود دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا السام عليك فقال النبي صلى الله عليه وسلم السام عليكم فقالت عائشة السام عليكم يا إخوان القردة والخنازير ولعنة الله وغضبه فقال يا عائشة مه فقالت يا رسول الله أما سمعت ما قالوا قال أوما سمعت ما رددت عليهم يا عائشة "
في رواية مسلم أن عائشة رضي الله عنها : قالت: " ألم تسمع ما قالوا؟ قال "قد قلت: وعليكم".
فما نهاها صلى الله عليه وسلم وما حرم عليها رد الاساءة وإنما فرق النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم لم يسبوه جهارا إنما عرضوا بسب وأذى فرد عليهم بمثل فعلهم .
وقد بوب البخاري رحمه الله باب فقال :
باب: إذا عرَّض الذمِّيُّ بسب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصرِّح ..
ففي الحديث دلالة على وجوب الرد لكن بنفس القدر ..
3- المرتبة الثاثة : وجوب الذب عن عرض النبي صلى الله عليه وسلم والرد على كل من يناله بشيء :
نعم اذا هم بدءوا العداء فيرد عليهم هذا العداء
والااعتداء على النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم الاعتداء على المسلمين ..
وكيف لا ولم يخلقنا الله عز وجل معاشر المؤمنين إلا أعزة على الكافرين ظاهرين عليهم دائما ...
إن الرد على إساءة عباد الصليب وغيرهم كان واجب لأنه كان يشق على النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم بخبثهم تطرقوا الى عرضه ونسبه والى شرف زوجاته والطعن فيهن وهذا مما لا يجوز السكوت عنه أو العفوا والصفح .
وأما قوله تعالى : (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) البقرة/109
ذكر ابن كثير نسخ هذه الآية بآية السيف أو القتال قال :
فنسخ هذا عفوه عن المشركين، وكذا قال أبو العالية والربيع بن أنس وقتادة والسدي: إنها منسوخة بآية السيف، ويرشد إلى ذلك أيضاً قوله تعالى: { حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ } ، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي أخبرنا أبو اليمان أخبرنا شعيب، عن الزهري، أخبرني عروة بن الزبير أن أسامة بن زيد أخبره قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب، كما أمرهم الله، ويصبرون على الأذى، قال الله تعالى: { فَٱعْفُواْ وَٱصْفَحُواْ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ } وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتأول من العفو ما أمره الله به، حتى أذن الله فيهم بالقتل، فقتل الله به من قتل من صناديد قريش، وهذا إسناده صحيح .
قلت : ودل عليه فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما في المرتبة الثانية وأيضا ما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها :
"(لما أن هجت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم أحزنه ذلك ) ما بين القوسين رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق عن أبي سلمة بن عبد الرحمن مرسلا ورواه أبو سلمة كما في مسلم عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "اهجو قريشا. فإنه أشد عليهم من رشق بالنبل" فأرسل إلى ابن رواحة فقال "اهجهم" فهجاهم فلم يرض. فأرسل إلى كعب بن مالك. ثم أرسل إلى حسان بن ثابت. فلما دخل عليه، قال حسان: قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه. ثم أدلع لسانه فجعل يحركه. فقال: والذي بعثك بالحق! لأفرينهم بلساني فري الأديم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تعجل. فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها. وإن لي فيهم نسبا. حتى يلخص لك نسبي" فأتاه حسان. ثم رجع فقال: يا رسول الله! قد لخص لي نسبك. والذي بعثك بالحق! لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين.
قالت عائشة: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحسان "إن روح القدس لا يزال يؤيدك، ما نافحت عن الله ورسوله".
وقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "هجاهم حسان فشفى واشتفى".
قال حسان:
هجوت محمدا فأجبت عنه * وعند الله في ذاك الجزاء
هجوت محمدا برا تقيا * رسول الله شيمته الوفاء
فإن أبي ووالده وعرضي * لعرض محمد منكم وقاء
ثكلت بنيتي إن لم تروها * تثير النقع من كنفي كداء
يبارين الأعنة مصعدات * على أكتافها الأسل الظماء
تظل جيادنا متمطرات * تلطمهن بالخمر النساء
فإن أعرضتمو عنا اعتمرنا * وكان الفتح وانكشف الغطاء
وإلا فاصبروا لضراب يوم * يعز الله فيه من يشاء
وقال الله: قد أرسلت عبدا * يقول الحق ليس به خفاء
وقال الله: قد يسرت جندا * هم الأنصار عرضتها اللقاء
لنا في كل يوم من معد * سباب أو قتال أو هجاء
فمن يهجو رسول الله منك * ويمدحه وينصره سواء
وجبريل رسول الله فينا * وروح القدس ليس له كفاء
في لسان العرب :
يفري يقطع إما للافساد أو للاصلاح فإذا سبقها الهمزة كما قال حسان لأفرينهم فهي للافساد والأديم هو الجلد والمعنى لأقطنعهم وأمزقنهم كا يمزق الجلد ...
وأيضا عن عائشة رضي الله عنها :
" كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يضع لحسان منبرا في المسجد يقوم عليه قائما يفاخر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أو قال ينافح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ويقول رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الله يؤيد حسان بروح القدس ، ما يفاخر ، أو ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "
الراوي: عائشة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2846
خلاصة الدرجة: حسن وقاال ابن حجر في الفتوحات الربانية حسن صحيح ..
والهجاءُ الشتم والسب وفي لسان العرب :
هَجاه يَهْجُوه هَجْواً وهِجاء وتَهْجاء، مدود: شتمه بالشِّعر، وهو خلاف المَدْح. قال الليث: هو الوَقِيعةُ في الأَشْعار.
وروي عن النبي،صلى الله عليه وسلم، أَنه قال: اللهم إِنَّ فلاناً هَجاني فاهْجُه اللهم مكانَ ما هَجاني؛ معنى قوله اهْجُه أَي جازِه على هِجائه إِيايَ جَزاءَ هِجائه، وهذا كقوله عز وجل: وجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها، وهو كقوله تعالى: فمَنِ اعْتَدى عليكم فاعْتَدُوا عليه .
قلت : وكذلك يكون الذود عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن علمائنا وعن الديانة وقبل ذلك كله الذود عن رب العالمين بل إن منافحتنا عن الدين ورد سباب الفاسقين والمشركين واستهزائهم إنما هو نفاحا عن رب العالمين في المرتبة الأولى .
و لما سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بحضرته وقال عروة وكان سفير قريش في الحديبية :
" عند ذلك : أي محمد ، أرأيت إن استأصلت أمر قومك ، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك ، وإن تكن الأخرى ، فإني والله لأرى وجوها ، وإني لأرى أشوابا من الناس خليقا أن يفروا ويدعوك ، فقال له أبو بكر : امصص ببظر اللات ، أنحن نفر عنه وندعه ؟ فقال : من ذا ؟ قالوا : أبو بكر " رواه البخاري من حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنه .
وكان ذلك بحضرت النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينهه لأن الأمر اذا وصل للسب والتجريح والنيل من المؤمنين وجب وأقول وجب رد الإساءة بالاساء ولا إحسان في ذلك ولا عفو ونقل شيخ الاسلام بن تيميةاجماعا أن ساب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل سواء كافرا أو مسلما ونحن لا نملك مثل هذا فهو أمر له أهله لكن لنا في حسان بن ثابت اسوة حسنة وفي أبو بكر وغيرهم ...
والله أعلم ...
ونحن بهذا المقال نثلج صدر إخواننا ممن يرون بأس في نيلنا من النصارى سواء بأشعار أو باللهجة الشديدة وغيره وأقول لهم لا بأس كما بينا ..
إننا إنما نرد على الذي ظلموا منهم وأما المحترم فنخاطبه بكل أدب واحترام ولو تجولت بعينك لن تجد على صفحات زرائبهم إلا سب واستهزاء برب العالمين واتهام حبيبك النبي صلى الله عليه وسلم بأخس التهم وأبشع المفال والطعن فيه وفي نسبه وفي عرضه والطعن في أشرف النساء مطلقا وهم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وفي شرفهم قبح الله قولهم ناهيك عن الاستخفاف بعقول المسلمين مع أنهم أخف خلق الله عقلا وأضلهم سبيلا عباد الخشب وينالون من الدين كله وقد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر ..
وهذا فقهنا فكما شنعت أحد المواقع أو الزرائب في تعليقاتها على مقال شيخنا أبو عبد الرحمن الأثري أنه لا يجوز سبهم وهذا حقا ولكنهم قالوا أننا نخالف ديننا ونسبهم ونستهزء بهم فنقول لهم هل جزاء الاحسان الا الاحسان وأما المسيء فعليه اسائته فان أحسنتم أحسنا وإن أسئتم أذقناكم ويل غضبنا فاتقوا غضبنا وما سطره شيخنا الأثري كله حق وقد أشرت لذلك أما المسيء الذي يبدأ بهذه الاساء وهذا الفجور على ديننا فلا رحمة ولا شفقة .
هذا رأيي ووزفرات همي وتنفيث لما في صدري من أسى وحزن لما نراه من هتك لعرض نبينا أشرف الخلق نسبا ومحتدا والموضوع للمناقشة فمن رأى خطأي فليعلمني فأنا أقلكم علما وفهما وربما التبس علي فيبصرني نصحكم بارك الله فيكم ولكم
والحمد لله رب العالمين
الحمد لله رب العالمين الواحد الصمد الذي لم يكن له كفؤا أحد والصلاة والسلام على الرحمة المهداه النبي الحبيب البشير النذير نفديه بآبائنا وأمهتنا وأولادنا ومن في الأرض جميعا .
النبي الذي هو عرضنا وشرفنا وفخرنا وكرامتنا فهو أحب إلينا من أنفسنا وأولى في الذب من أنفسنا وودت والله يشهد لو ينال العالم مني ومن أهلي ولا يمسون الحبيب طيب السيره نقي النسل والقبيلة طاهر الذيل وأشرف الخلق وسيد ولد آدم وكلنا فخر .
ولكن لم تخلوا الأرض من كافرين حاقدين يبدون البغضاء ويخفون لا يدعون نبيا ولا مقدسا ولا مؤمنا إلا ويسخرون قاتلهم الله أنى يؤفكون ..
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤذى ويُسَب وكان ذلك يشق عليه صلى الله عليه وسلم وهو حي فيكفيه الله المستهزئين وقد رزقه الله من الأتباع والحواري الذين يفدونه بأرواحهم وذويهم ومنهم أصحابه فلم يحتملوا عليه شيئا وكانوا ينافحون عنه ويناضلون ويؤذون من أذاه ويهجون من هجاه ويسبون من سبه اذا لم يتمكنوا منه ولا إحسان إلا للمحسنين ...
وفي هذا الزمان السوء قل المناضلون وكثر الحاقدون ولا سبيل للذود في زمن الانحطاط إلا رد الاساءة بالاساءة سبابا أو قتالا أو هجاءً نعم كذلك كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
فهل يجوز ذلك ؟
اعلم أيها الغيور أن الأمر على ثلاث مراتب :
1- المرتبة الأولى : لا يجوز البدء بالسب أو الاساءة قال الله عز وجل :
" وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَعَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108) " الأنعام
التحريم في حالة البدء لأن الآية متعلقة بسب الله عز وجل والنهي عن البدء بسبهم حتى لا يسبوا رب العزة وهم جهلة فلا تسبوهم فيسبوا ربكم . وهذا نهي عن البدء بسبهم مطلقا .
وقد أمر الله بالاحسان والرفق في كل شيء وأمرنا أن نبر ونقسط إلى أهل الكتاب والقسط العدل والبر إحسان ولكن للذين لم يقاتلونا في الدين ولم يحاربونا فأما الذين ظلموا فلا تأخذنا بهم رأفة في دين الله .
وأمرنا الله عز وجل أن ندعوهم بالتي هي أحسن وأنه إذا استجارنا أحدا منهم نجره و نسمعه كلام ربنا ونبلغه مأمنه إلا الذين ظلموا منهم .
ولكن هناك مرتبتان القول فيهم بالجواز بل بالإيجاب ولكن بتفصيل مستنبط من قوله تعالى :
" فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) " البقرة
2- المرتبة الثانية : اذا عرض الذمي الأذى أو السب ولم يتلفظ به صراحة :
فالواجب الرد ولكن بالمثل ولا نزيد وهذا من تمام العزة مع كمال العدل والرحمة ودليل ذلك :
روى أحمد في مسنده عن أنس رضي الله عنه قال :
" أن اليهود دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا السام عليك فقال النبي صلى الله عليه وسلم السام عليكم فقالت عائشة السام عليكم يا إخوان القردة والخنازير ولعنة الله وغضبه فقال يا عائشة مه فقالت يا رسول الله أما سمعت ما قالوا قال أوما سمعت ما رددت عليهم يا عائشة "
في رواية مسلم أن عائشة رضي الله عنها : قالت: " ألم تسمع ما قالوا؟ قال "قد قلت: وعليكم".
فما نهاها صلى الله عليه وسلم وما حرم عليها رد الاساءة وإنما فرق النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم لم يسبوه جهارا إنما عرضوا بسب وأذى فرد عليهم بمثل فعلهم .
وقد بوب البخاري رحمه الله باب فقال :
باب: إذا عرَّض الذمِّيُّ بسب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصرِّح ..
ففي الحديث دلالة على وجوب الرد لكن بنفس القدر ..
3- المرتبة الثاثة : وجوب الذب عن عرض النبي صلى الله عليه وسلم والرد على كل من يناله بشيء :
نعم اذا هم بدءوا العداء فيرد عليهم هذا العداء
والااعتداء على النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم الاعتداء على المسلمين ..
وكيف لا ولم يخلقنا الله عز وجل معاشر المؤمنين إلا أعزة على الكافرين ظاهرين عليهم دائما ...
إن الرد على إساءة عباد الصليب وغيرهم كان واجب لأنه كان يشق على النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم بخبثهم تطرقوا الى عرضه ونسبه والى شرف زوجاته والطعن فيهن وهذا مما لا يجوز السكوت عنه أو العفوا والصفح .
وأما قوله تعالى : (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) البقرة/109
ذكر ابن كثير نسخ هذه الآية بآية السيف أو القتال قال :
فنسخ هذا عفوه عن المشركين، وكذا قال أبو العالية والربيع بن أنس وقتادة والسدي: إنها منسوخة بآية السيف، ويرشد إلى ذلك أيضاً قوله تعالى: { حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ } ، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي أخبرنا أبو اليمان أخبرنا شعيب، عن الزهري، أخبرني عروة بن الزبير أن أسامة بن زيد أخبره قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب، كما أمرهم الله، ويصبرون على الأذى، قال الله تعالى: { فَٱعْفُواْ وَٱصْفَحُواْ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ } وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتأول من العفو ما أمره الله به، حتى أذن الله فيهم بالقتل، فقتل الله به من قتل من صناديد قريش، وهذا إسناده صحيح .
قلت : ودل عليه فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما في المرتبة الثانية وأيضا ما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها :
"(لما أن هجت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم أحزنه ذلك ) ما بين القوسين رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق عن أبي سلمة بن عبد الرحمن مرسلا ورواه أبو سلمة كما في مسلم عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "اهجو قريشا. فإنه أشد عليهم من رشق بالنبل" فأرسل إلى ابن رواحة فقال "اهجهم" فهجاهم فلم يرض. فأرسل إلى كعب بن مالك. ثم أرسل إلى حسان بن ثابت. فلما دخل عليه، قال حسان: قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه. ثم أدلع لسانه فجعل يحركه. فقال: والذي بعثك بالحق! لأفرينهم بلساني فري الأديم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تعجل. فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها. وإن لي فيهم نسبا. حتى يلخص لك نسبي" فأتاه حسان. ثم رجع فقال: يا رسول الله! قد لخص لي نسبك. والذي بعثك بالحق! لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين.
قالت عائشة: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحسان "إن روح القدس لا يزال يؤيدك، ما نافحت عن الله ورسوله".
وقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "هجاهم حسان فشفى واشتفى".
قال حسان:
هجوت محمدا فأجبت عنه * وعند الله في ذاك الجزاء
هجوت محمدا برا تقيا * رسول الله شيمته الوفاء
فإن أبي ووالده وعرضي * لعرض محمد منكم وقاء
ثكلت بنيتي إن لم تروها * تثير النقع من كنفي كداء
يبارين الأعنة مصعدات * على أكتافها الأسل الظماء
تظل جيادنا متمطرات * تلطمهن بالخمر النساء
فإن أعرضتمو عنا اعتمرنا * وكان الفتح وانكشف الغطاء
وإلا فاصبروا لضراب يوم * يعز الله فيه من يشاء
وقال الله: قد أرسلت عبدا * يقول الحق ليس به خفاء
وقال الله: قد يسرت جندا * هم الأنصار عرضتها اللقاء
لنا في كل يوم من معد * سباب أو قتال أو هجاء
فمن يهجو رسول الله منك * ويمدحه وينصره سواء
وجبريل رسول الله فينا * وروح القدس ليس له كفاء
في لسان العرب :
يفري يقطع إما للافساد أو للاصلاح فإذا سبقها الهمزة كما قال حسان لأفرينهم فهي للافساد والأديم هو الجلد والمعنى لأقطنعهم وأمزقنهم كا يمزق الجلد ...
وأيضا عن عائشة رضي الله عنها :
" كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يضع لحسان منبرا في المسجد يقوم عليه قائما يفاخر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أو قال ينافح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ويقول رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الله يؤيد حسان بروح القدس ، ما يفاخر ، أو ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "
الراوي: عائشة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2846
خلاصة الدرجة: حسن وقاال ابن حجر في الفتوحات الربانية حسن صحيح ..
والهجاءُ الشتم والسب وفي لسان العرب :
هَجاه يَهْجُوه هَجْواً وهِجاء وتَهْجاء، مدود: شتمه بالشِّعر، وهو خلاف المَدْح. قال الليث: هو الوَقِيعةُ في الأَشْعار.
وروي عن النبي،صلى الله عليه وسلم، أَنه قال: اللهم إِنَّ فلاناً هَجاني فاهْجُه اللهم مكانَ ما هَجاني؛ معنى قوله اهْجُه أَي جازِه على هِجائه إِيايَ جَزاءَ هِجائه، وهذا كقوله عز وجل: وجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها، وهو كقوله تعالى: فمَنِ اعْتَدى عليكم فاعْتَدُوا عليه .
قلت : وكذلك يكون الذود عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن علمائنا وعن الديانة وقبل ذلك كله الذود عن رب العالمين بل إن منافحتنا عن الدين ورد سباب الفاسقين والمشركين واستهزائهم إنما هو نفاحا عن رب العالمين في المرتبة الأولى .
و لما سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بحضرته وقال عروة وكان سفير قريش في الحديبية :
" عند ذلك : أي محمد ، أرأيت إن استأصلت أمر قومك ، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك ، وإن تكن الأخرى ، فإني والله لأرى وجوها ، وإني لأرى أشوابا من الناس خليقا أن يفروا ويدعوك ، فقال له أبو بكر : امصص ببظر اللات ، أنحن نفر عنه وندعه ؟ فقال : من ذا ؟ قالوا : أبو بكر " رواه البخاري من حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنه .
وكان ذلك بحضرت النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينهه لأن الأمر اذا وصل للسب والتجريح والنيل من المؤمنين وجب وأقول وجب رد الإساءة بالاساء ولا إحسان في ذلك ولا عفو ونقل شيخ الاسلام بن تيميةاجماعا أن ساب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل سواء كافرا أو مسلما ونحن لا نملك مثل هذا فهو أمر له أهله لكن لنا في حسان بن ثابت اسوة حسنة وفي أبو بكر وغيرهم ...
والله أعلم ...
ونحن بهذا المقال نثلج صدر إخواننا ممن يرون بأس في نيلنا من النصارى سواء بأشعار أو باللهجة الشديدة وغيره وأقول لهم لا بأس كما بينا ..
إننا إنما نرد على الذي ظلموا منهم وأما المحترم فنخاطبه بكل أدب واحترام ولو تجولت بعينك لن تجد على صفحات زرائبهم إلا سب واستهزاء برب العالمين واتهام حبيبك النبي صلى الله عليه وسلم بأخس التهم وأبشع المفال والطعن فيه وفي نسبه وفي عرضه والطعن في أشرف النساء مطلقا وهم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وفي شرفهم قبح الله قولهم ناهيك عن الاستخفاف بعقول المسلمين مع أنهم أخف خلق الله عقلا وأضلهم سبيلا عباد الخشب وينالون من الدين كله وقد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر ..
وهذا فقهنا فكما شنعت أحد المواقع أو الزرائب في تعليقاتها على مقال شيخنا أبو عبد الرحمن الأثري أنه لا يجوز سبهم وهذا حقا ولكنهم قالوا أننا نخالف ديننا ونسبهم ونستهزء بهم فنقول لهم هل جزاء الاحسان الا الاحسان وأما المسيء فعليه اسائته فان أحسنتم أحسنا وإن أسئتم أذقناكم ويل غضبنا فاتقوا غضبنا وما سطره شيخنا الأثري كله حق وقد أشرت لذلك أما المسيء الذي يبدأ بهذه الاساء وهذا الفجور على ديننا فلا رحمة ولا شفقة .
هذا رأيي ووزفرات همي وتنفيث لما في صدري من أسى وحزن لما نراه من هتك لعرض نبينا أشرف الخلق نسبا ومحتدا والموضوع للمناقشة فمن رأى خطأي فليعلمني فأنا أقلكم علما وفهما وربما التبس علي فيبصرني نصحكم بارك الله فيكم ولكم
والحمد لله رب العالمين