أسد الدين
2007-11-17, 05:05 AM
أرسل أحد النصارى هذا التعليق فقال :
أنتم تتهموننا نحن – المسيحيين العرب – بالشرك في كل مقالاتكم، ونحن نؤمن بإله واحد ولا نشرك به أحداً، وكون دينكم الإسلامي تحدث عن مجموعة من البشر كانت تعتنق هذا الفكر في زمن الإسلام وكتب عنها القرآن - فلا ذنب لنا في أنكم لا تفهمون هذه الحقيقة، ولكن المسيحيين ليسوا بمشركين كما تظنون.
وتأكيداً لهذا: اقرؤوا القرآن بتمعُّن أكثر؛ تجدوا أن الطائفة النصرانية هي المشركة في بداية الإسلام، ولكن مسيحيي اليوم لا يمتون بصلة لهذه الطائفة، التي أبيدت عن آخرها منذ زمن بعيد.
اقرؤوا التاريخ؛ كي لا تقذفوا الناس بأبشع الاتهامات، وأنتم لا تدرون.
الرد بقلم الشيخ خالد عبد المنعم
المدير السابق لمعهد الدعاة بالعزيز بالله
والرد بعون الله
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فأهلا ومرحبا بك، فنحن نرحب بمناقشتك وبالرد على ما عندك من شبهات، ونسأل الله أن يشرح صدرك، وأن يوفقك إلى ما يحبه ويرضاه.
أولاً: تعريف الشرك:
في البداية قلت إننا نتهمكم بالشرك؛ فلنعرف أولاً ما الشرك؟ الشرك في اللغة: هو المقارنة وخلاف الانفراد، ويطلق على المخالطة, والمصاحبة والمشاركة.
والشرك في الاصطلاح: هو اتخاذ الند مع الله تعالى؛ أي: جعل شريك مع الله في التوحيد.
ثانياً: الأدلة على أن اعتقادات النصارى شرك بالله من كتبهم:
وكما تعلم: إن طوائف النصارى الثلاث: الكاثوليك والأرثوذكس والبروتستانت، قد أجمعوا على القول بألوهية المسيح عليه السلام، وأنه نزل ليُصلَب تكفيراً لخطيئة آدم عليه السلام.
فالعقيدة التي يعتنقها جميع النصارى -على اختلاف مذاهبهم- هي عقيدة أن الإله واحد في أقانيم ثلاثة: الأب، والابن، والروح القدس، والمسيح هو "الابن"، وهم يضطربون في تفسير الأقانيم: فتارة يقولون أشخاص، وتارة خواص، وتارة صفات، وتارة جواهر، وتارة يجعلون الأقنوم اسما للذات والصفة معاً، ومحصل كلامهم يؤول إلى التمسك بأن عيسى إله؛ ونحن لم نستق تلك المعارف من القرآن وحده – وإن كان كافياً – ولكن من كتب النصارى أنفسهم، ومن الأناجيل وشروحها وكلام علمائهم؛ فكلها طافحة بذلك، والعجيب أنك لم تطَّلِع عليها!
يقول الدكتور بوست في "قاموس الكتاب المقدس": "طبيعة الله عبارة عن ثلاثة أقانيم متساوية: الله الأب، والله الابن، والله الروح القدس، فإلى الأب ينتمي الخلق بواسطة الابن، وإلى الابن الفداء، وإلى الروح القدس التطهير".
وجاء في كتاب "سوسنة سليمان" لنوفل بن نعمة الله بن جرجس – النصراني -: "إن عقيدة النصارى التي لا تختلف بالنسبة لها الكنائس، وهي أصل الدستور الذي بينه المجمع النيقاوي، هي الإيمان بإله، واحد: أب واحد، ضابط الكل، خالق السماوات والأرض، كل ما يرى وما لا يرى، وبرب واحد يسوع، الابن الوحيد المولود من الأب قبل الدهور من نور الله، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق، مساوٍ للأب في الجوهر، ومن أجل خطايانا نزل من السماء، وتجسَّد من الروح القدس، ومن مريم العذراء تأنَّس، وصُلِب عنا على عهد بيلاطس، وتألم وقبِّر، وقام من الأموات في اليوم الثالث - على ما في الكتب - وصعد إلى السماء وجلس على يمين الرب، وسيأتي بمجد ليدين الأحياء والأموات، ولا فناء لملكه، والإيمان بالروح القدس، الرب المحيي المنبثق من الأب، الذي هو الابن يسجد له، ويمجده، الناطق بالأنبياء".
واختلفت مذاهب النصارى في المسيح؛ أهو ذو طبيعة لاهوتية وطبيعة ناسوتية، أم ذو طبيعة واحدة لاهوتية فقط؟! وهل هو ذو مشيئة واحدة مع اختلاف الطبيعتين؟! وهل هو قديم كالأب؟!
ونظرا لصعوبة تصور الأقانيم الثلاثة في واحد، وصعوبة الجمع بين التوحيد والتثليث؛ فإن علماء النصارى الذين كتبوا عن اللاهوت حاولوا تأجيل النظر العقلي في هذه القضية، التي يرفضها العقل ابتداءً.
قال القس بوطر في رسالة "الأصول والفروع": "قد فهمنا ذلك على قدر طاقة عقولنا، ونرجو أن نفهمه فهماً أكثر جلاءً في المستقبل، حين يكشف لنا الحجاب عن كل ما في السماوات وما في الأرض، وأما في الوقت الحاضر ففي القدر الذي فهمناه كفاية".
فعقيدة الثالوث - التي قدمها النصارى للمجتمع الإنساني، واتفقوا عليها - عجيبة وغريبة، وتبدو غرابتها واضحة وجلية عند عرضها على صفحة العقل، الذي كرم الله به الإنسان، ولكن النصارى يرون أن التثليث لا يعالج بمنطق العقل، ولكن بالإيمان والوجدان، وهذا هروب من النصارى في بداية الطريق.
فلا بأس أن نعتمد على الإيمان القلبي في قضية من القضايا الغيبية، ولكن بشرط ألا يحكم العقل فيها حكماً بديهياً باستحالتها وتناقضها.
وإذا كان النصارى يقولون: إن التثليث يصعب تصوره على العقل، فإننا نقول بل يستحيل تصوره لدى العقل، ومن أول جولة معه يخرجه بجذوره ويلقيه في دائرة اللامعقول، ومهما حاول النصارى أن يعللوا هذا التثليث، فسيبقى مراً في حلوق العقلاء.
ولعل هذا ما دفعك للمسارعة بإنكاره والبراءة منه وإلصاقه بمن مات في القرن الغابر! ولن ينفعك ما تدعيه من توحيد مادمت على غير عقيدة الإسلام؛ فإن البراءة من الشرك والدخول في التوحيد لا يتحقق إلا بالدخول في الإسلام، بنطق الشهادتين.
وقد حاول بعضهم التنصل من الشرك؛ فادعى أن الأقانيم الثلاثة هذه ثلاث صفات لذات واحدة، وهي دعوى تبرهن على التناقض؛ لأنه يلزمهم على ذلك أن لا يكون المسيح إلهاً خالقاً رازقاً لأن الصفة ليست إلها خالقا رازقا، وأيضاً فالصفة لا تفارق الموصوف وهم متفقون على أن المسيح إله حق من إله حق من جوهر أبيه، وهذا يدل على استحالة الجمع بين التثليث والتوحيد.
وسيظل العقل النصراني يئن تحت وطأة هذا التناقض، وكيف لا يئن ويشتكي أمام قول إثناسيوس الرسولي: "فالأب هو الله والابن هو الله وروح القدس هو الله، وكلهم هو الله"؟!
واعتقادهم أن كل أقنوم من الثلاثة يختص بعمل معين - كما سبق من كلام الدكتور بوست في "قاموس الكتاب المقدس" وكما في الأمانة التي اتفق عليها النصارى" - فبهذا يظهر أمامهم ثلاثة آلهة تبرز برؤوسها، والثلاثة معاً الله، والله يتفرق فيكون ثلاثة، ويجتمع فيكون إلهاً، أين العقل الذي يحتمل ذلك؟! وهذه المقولات بعينها من العقائد التي تتضمن، القول بألوهية المسيح عليه السلام، والقول بأن الله ثالث ثلاثة، -وإن حاولت بعض الدراسة إنكارها-
والمتتبع لأطوار العقيدة النصرانية عبر التاريخ، يجد أن عقيدة التثليث، وكذلك عقيدة بنوة المسيح لله – تعالى الله عما يقولون علواً عظيماً- وعقيدة ألوهية أمه مريم، ودخولها في التثليثات المتعددة الأشكال ونحو ذلك من الانحرافات، كلها لم تصاحب النصرانية الأولى، وإنما دخلت إليها على فترات متفاوتة عبر التاريخ، مع الوثنيين الذي دخلوا في النصرانية، وهم لم يبرؤوا بعد من التصورات الوثنية والآلهة المتعددة.
وفيما يلي سنذكر نبذ مختصرة عن أسباب وقوع النصارى في الشرك الصريح بجميع طوائفهم قديما وحديثا - إلا بقايا قليلة منهم قبل بعثة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ومن أهم تلك الأسباب على الإطلاق تحريف الإنجيل.
فاعلم أن النصارى كلهم مجمعون على اعتبار الكتب الأربعة: متى ومرقس ولوقا ويوحنا وبقية العهد الجديد، مع العهد القديم - هي الكتب المقدسة، وكذلك اتفقوا على أن لوقا ومرقس لم يريا المسيح وإنما رآه متى ويوحنا، إلا أنهم يختلفون في بعض الأمور الأخرى، وخلاصة ما قاله المؤرخون عن تلك الأناجيل وعن تحديد الزمان والمكان والكيفية التي كتبت بها، أن ذلك كله مجهول؛ فلم ينته الخلاف بعد حول كاتب كل إنجيل وزمن كتابته، والمكان الذي كتب فيه، واللغة الأصلية التي كتب بها، والجهة التي كتب لها، حتى أن أحد قساوستهم عندما سئل عن مؤلف إنجيل يوحنا قال: "لا يعلم إلا الله وحده مَن الذي كتب هذا الإنجيل"، كما في كتاب "مدخل إلى العهد الجديد" لـ فهيم عزيز، وما يقال عن إنجيل يوحنا يقال عن بقية الأناجيل، وهذه الأناجيل المحرفة كانت من أعظم أسباب تحريف رسالة عيسى عليه السلام، التي هي في أصلها رسالة توحيد.
والنصارى لا يزعمون أنهم يملكون كلام السيد المسيح أو حتى جملة واحدة منه؛ فكل ما عندهم عبارة عن كلام عن السيد المسيح مكتوب باللغة اليونانية، أي كلام من شخص ثالث مجهول عن السيد المسيح، وهذا الكلام إما انه مترجم من نص عبري مفقود، أو كلام إنسان مجهول كتبه باللغة اليونانية، ومن هنا نجد استحالة أن يكون الكلام المنسوب للسيد المسيح في كتبهم له.
وقد كتبت أصول هذه الأناجيل باللغة اليونانية فيما عدا "إنجيل متى" الذي كتب بالعبرانية، لكن أياً من اللغتين لم تكن لغة للمسيح، الذي كان يتكلم السريانية كما دلت على ذلك الأناجيل فمن الذي ترجم هذه الأناجيل؟! وأين النسخ الأصلية؟! فهذه أسئلة لا تجدون لها جواباً، وهي تفقد أي ثقة في هذا الأناجيل، وكذلك كُتاب الأناجيل ليسوا من تلامذة المسيح المباشرين، بل اقتبسوا من أفكار بولس الإلحادية والوثنية، ونسبوها إلى المسيح عليه السلام، والأناجيل الأربعة المشهورة لم تعرف إلا في أوائل القرن الثالث، وأول من ذكرها أرينوس سنة 209م، وقد امتدت إليها يد التحريف والتعديل على مر التاريخ حتى لا تكاد توجد نسخة تشبه الأخرى.
ومن نظر في الأناجيل الأربعة وجد كثيراً من الاختلافات الجوهرية والأغلاط، التي يستحيل معها أن يكون هذا الموجود بين أيديهم موحى به من عند الله فمنها على سبل المثال:
الاختلافات الكبيرة في قصة الصلب، برغم أنها من صلب عقيدتهم.
ومنها: اختلافهم في نسب (المسيح)؛ فقد أعطاه متى نسباً مخالفاً لما دوَّنه لوقا.
ومنها: الاختلاف في تعيين أسماء الحواريين؛ أصحاب عيسى عليه السلام،
ومن الأغلاط الظاهرة: قول متى في إنجيله بعد الصلب المزعوم للمسيح: "وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل، والأرض تزلزلت والصخور تفتقت والقبور تفتحت وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا للكثيرين"؛ فهذه الآية التي - لو حدثت - لنقلت بالتواتر؛ لأنها آية عظيمة تتوافر الهمم على نقلها، لكن لم يعلم بها أصحاب الأناجيل الثلاثة: لوقا ومرقص ويوحنا، مع اهتمامهم بذكر أمور بسيطة لا تدعو حاجة ولا ضرورة إلى ذكرها مما يدل على أنه محض خيال توهمه الكاتب.
وما جاء في إنجيل لوقا (1/30) في البشارة بالمسيح قوله: "ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويُمَلَّك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية". وهذا خطأ فاحش فإن المسيح لم يكن ملكاً لليهود، ولا ملكاً على آل يعقوب ولا حصل له شيء من ذلك، فهل يتخلف وعد الله؟!
فهذا كله وأضعافه، مما يورث اليقين بأن هذه الأناجيل ليست هي الإنجيل الذي أنزله الله على عيسى.
يقول كلارك ـ شارح الكتاب المقدس في أربعة أجزاء ـ: "إن هناك أربعين ألف خطأ في الكتاب المقدس من الترجمات والحذف والنقل وغيرها".
وهذا ما دفع الكثير من علمائهم المنصفين إلى اعتناق الإسلام وكان من بينهم" فارس الشدياق" الذي عكف - هو ولجنة من علماء النصارى العرب - على إعادة صياغة الكتاب المقدس بأسلوب عربي رصين، وبعد أن أتم العمل أسلم؛ لما شاهده من التحريف والتبديل، وقال: "هؤلاء قوم يهرفون بما لا يعرفون، وكلما ضاق بهم الأمر كتبوا ما يريدون".
وقال ديورانت في "قصة الحضارة"(ج12/ ص7): "وترجع أقدم النسخ التي لدينا من الأناجيل الأربعة إلى القرن الثالث، أما النسخ الأصلية، فيبدو أنها كتبت بين عامي 60، 120م، ثم تعرضت بعد كتابتها مدى قرنين من الزمان الأخطاء في النقل، ولعلها تعرضت أيضاً لتحريف مقصود يراد به التوفيق بينها وبين الطائفة التي ينتمي إليها الناسخ أو أغراضها".
فلا عجب أن نرى في كل فترة من الزمان نسخة جديدة من الإنجيل مكتوباً عليها: "مزيدة ومنقحة!!".
وقد احتوت الأناجيل على الوثنية الواضحة، فضلاً عن الاختلاف البيِّن بين طوائف المسيحية في إلوهية المسيح عليه السلام؛ فيستحيل حصول اليقين بنسبة تلك الكتب للمسيح؛ لانعدام الأسانيد الصحيحة الثابتة، بل إن الأدلة قائمة على أن هذه الكتب لم تعرف إلا بعد موت من نسبت إليه بعشرات السنين، وهذا باعتراف النصارى أنفسهم؛ فرسائل بولس وكذلك الرسائل الأخرى، وأعمال الرسل ليس في شيء منها الإشارة إلى واحد من هذه الكتب الأربعة؛ مما يعني أن هذه الكتب لم تكن معروفة في ذلك الزمن، ولم يطلع عليها أحد منهم، ويعترف النصارى أن تاريخ اعتبار هذه الكتب كتباً مقدسة لا يزال مجهولاً.
كما يعترفون أيضاً بأنه لم ينص على قانونيتها إلا في القرن الرابع الميلادي، وأن أول ذكر صريح لمجموعة من الكتب المدونة كان من طريق جاستن، الذي قتل عام 165م، وهذا لا يدل صراحةً على أنها الأناجيل الأربعة، ويعترفون بأن أول محاولة للتعريف بهذه الأناجيل الأربعة ونشرها كانت عن طريق تاتيان، الذي جمع الأناجيل الأربعة في كتاب واحد سماه "الدياطسرن" في الفترة 166-170م، وهذا هو التاريخ الذي يمكن أن يعزى إليه وجود هذه الكتب، وهو تاريخ متأخر جداً عن وفاة من تُعزى إليهم؛ مما يدل على أنهم براء منها.
ولو سلمنا جدلاً أن لهؤلاء الأربعة أناجيل فليبين لنا النصارى أسانيدهم التي توصلهم إلى أصحاب هذه الأناجيل، بل إن بعض أصحاب الأناجيل أنفسهم - كمرقص ولوقا - لا تزال شخصياتهم في عداد المجهولين فإن المعلومات عنهم قليلة جداً، فغاية ما يعرف عن الاثنين أنهما يسميان بهذين الاسمين وأنهما صحبا بولس.
ولم تذكر المعلومات علم هذين الرجلين ولا دينهما ولا أمانتهما مما لا بد منه فيمن ينقل كتاباً مقدساً.
ويمكن القول: إن التحريف بدأ منذ أن ظهر بولس فهو أول من حرَّف دين النصارى فتنصر فيما بين عام 51-55 م، ليعمل على تقويضها من داخلها، وأخذ في كتابة رسائله الوثنية، التي تحتل جزءاً كبيراً من الكتاب المقدس – لدى النصارى - وتشتمل على مبادئ في العقيدة والشريعة وأصول الدين التي ابتدعها، وفي هذه الرسائل ينص على أنه تعلَّم هذه المبادئ والأحكام من المسيح –عليه الصلاة والسلام- وأنه تلقى منه الإنجيل، جاء في رسالة بولس إلى غلاطية: "وأعرفكم أيها الإخوة الإنجيل الذي بشرت به أنه ليس بحسب إنسان، لأني لم أقبله من عند إنسان ولا علمته بل بإعلان يسوع المسيح". [رسالة بولس إلى غلاطية؛ عدد 12-11 الإصحاح الأول].
وأخذ عن فلاسفة اليونان فكرة اتصال الإله بالأرض، عن طريق الكلمة، أو ابن الإله أو الروح القدس؛ وترتب على ذلك القول بعقيدة الصلب والفداء، وقيامة المسيح، وصعوده إلى السماء؛ ليجلس على يمين الرب؛ ليحاسب الناس في يوم المحشر، وهكذا كرر بولس نفس الأمر مع بطرس الذي هاجمه، وانفصل عنه مما أثار الناس ضده، لذا كتب بولس رسالة إلى أهل غلاطية ضمَنَّها عقيدته ومبادئه، وقد استمرت المقاومة الشديدة لأفكار بولس عبر القرون الثلاثة الأولى؛ ففي القرن الثاني الميلادي تصدى هيولتس وإيبيي فايتس وأوريجين لها، وأنكروا أن بولس كان رسولاً، وظهر بولس الشمشاطي في القرن الثالث وتبعه فرقته البوليسية إلا أنها كانت محدودة التأثير، وهكذا بدأ الانفصال عن شريعة التوراة، وبذرت بذور التثليث والوثنية في النصرانية.
يقول الدكتور رؤوف شلبي في كتاب "يا أهل الكتاب تعالوا ": إن بولس هذا هو الذي أخرج ملة عيسى من ثوبها الطبيعي إلى ثوب جديد، وهو الذي بدل وصف عيسى من ابن الإنسان الذي كان يطلقه عليه الحواريون إلى ابن الله، وهو الذي ألغى اختصاص ملة عيسى بشعبه اليهودي، وسمح للمشركين عامة بالدخول فيها، وأنه ألغى شريعة موسى في الختان، وكثيراً من الشرائع؛ إرضاء للجدد من المشركين وبقية المجتمع اليوناني... وأنه صاحب فضيحة الصلب والعشاء الرباني".
أما قول بعض النصارى: " نحن نؤمن بإله واحد ولا نشرك به أحداً" فعلى فرض صحته فإن مجرد هذا الإقرار لا ينفعكم ما دمتم جاحدين لما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي نسخ الله به كل الشرائع والأديان السابقة، وختم به الأنبياء والمرسلين.
فالموحدون - حقا - هم الذين يؤمنون بالله إلها لا شريك له، ويؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا ويقرون بكل ما جاء به، ملتزمين شريعته ظاهراً وباطناً، لاسيما وقد بشر به المسيح ابن مريم عليه الصلاة والسلام، ولا تزال هذه البشارة موجودة في الأناجيل، برغم استمرار التحريف والتبديل؛ ففي إنجيل يوحنا في قول عيسى عليه السلام وهو يخاطب أصحابه: لكني أقول لكم إنه من الخير لكم أن أنطلق؛ لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي الفارقليط"، وكلمة (الفارقليط) أصلها منقول عن الكلمة اليونانية باراكلي طوس، المحرفة عن الكلمة بيركلوطوس، التي تعني محمداً أو أحمد.
وفي إنجيل متى جاء: "قال لهم يسوع أما قرأتم قط في الكتب؟! الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية، من قبل الرب كان هذا، وهو عجيب في أعيننا؛ لذلك أقول لكم: إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره".
وهذا معناه أن الرسالة تنتقل من بني إسرائيل إلى أمة أخرى، فيكون الرسول المبشر به من غير بني إسرائيل.
والدليل أكثر جلاءً في إنجيل برنابا، وهو الإنجيل الذي استبعدته الكنيسة في عهدها القديم عام 492م بأمر من البابا جلاسيوس، وحرمت قراءته وصودر من كل مكان، لكن مكتبة البابا كانت تحتوي على هذا الكتاب، وشاء الله أن يظهر هذا الإنجيل على يد راهب لاتيني اسمه (فرامرينو)، الذي عثر على رسائل (الإبريانوس)، وفيها ذكر إنجيل برنابا يستشهد به، فدفعه حب الاستطلاع إلى البحث عن إنجيل برنابا؛ وتوصل إلى مبتغاه عندما صار أحد المقربين إلى البابا (سكتش الخامس)، وقد أسلم فرامرينو وعمل على نشر هذا الإنجيل الذي حاربته الكنيسة بين الناس.
في الباب الثاني والعشرين من هذا الإنجيل – إنجيل برنابا - جاء: "وسيبقى هذا إلى أن يأتي محمد رسول الله الذي متى جاء كشف هذا الخداع للذين يؤمنون بشريعة الله". وجاء في سفر أشعيا: "إني جعلت اسمك محمداً يا محمد، يا قدوس الرب: اسمك موجود من الأبد". وجاء في سفر حبقوق: "إن الله جاء من التيمان والقدوس من جبل فاران، لقد أضاء السماء من بهاء محمد، وامتلأت الأرض من حمده".
كما جاء في سفر أشعيا: "وما أعطيته لا أعطيه لغيره، أحمد يحمد الله حمداً حديثاً يأتي من أفضل الأرض؛ فتفرح به البرية، ويوحدون على كل شرف، ويعظمونه على كل رابية".
ويقول البروفيسير عبد الأحد داود الآشوري مطران الموصل السابق الذي هداه الله للإسلام في كتابه "محمد في الكتاب المقدس"): "إن العبارة الشائعة عن النصارى: المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة. لم تكن هكذا، بل كانت: المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض إسلام، وللناس أحمد". وفي هذا النقل عن عالم من علماء النصارى دليل على إثبات التحريف وكيفيته.
ثالثاً: القرآن يحارب الفكر المنحرف وكل من يعتقد به على مر العصور؛ وليس فئة في عصر معين:
وأما قولك: "كون دينكم الإسلامي تحدث عن مجموعة من البشر كانت تعتنق هذا الفكر في زمن الإسلام وكتب عنها القرآن...": فقد مر بك أن التثليث هو جِمَاع دين النصارى قديماً وحديثاً؛ وإن كان الثابت بالأسانيد الصحيحة أن من نصارى العرب من لم يَعْمِهُم التعصب عن قبول الحق، كبحيرا الراهب الذي شهد للنبي في صغره بالنبوة لما رأى معجزة تظليل السحابة له، وورقة بن نوفل، وسلمان الفارسي، وزيد بن سعنة، وعدي بن حاتم الطائي والنجاشي ونصارى نجران وغيرهم كانوا جميعاً على النصرانية الحقة ولذلك أسلموا جميعاً لله طائعين؛ وقد أثني الله عليهم وعلى كل من حذا حذوهم في القرآن العظيم؛ فقال تعالى:{وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ} [المائدة:83-85].
وما ذكرته أيها النصراني فحجة عليك لا لك من أوجه:
منها: أنه يدل على وجود انقطاع بينكم وبين سلفكم، وهو دليل ظاهر على انقطاع سند الإنجيل بينكم وبينهم.
ومنها: أنها شهادة منك عليهم بالشرك، ومن المعلوم أنهم كانوا متبعين للأناجيل الأربعة؛ فتكون هي التي قادتهم للشرك؛ فيلزمك - هداك الله - ألا تؤمن بها؛ لأنها لم تصل إليكم إلا من طريقهم، لاسيما وقد زادت تحريفاً على تحريفها السابق، كما مر بك طرفاً يسيراً من ذلك.
فلعلك أدركت الآن من الذي لا يفهم الحقيقة، بل من الذي يعتقد وهو أعمى، ويجعل الثلاثة واحداً، ويجمع بين المستحيلات، ويقول: "إن الأب هو الله والابن هو الله وروح القدس هو الله، وكلهم هو الله"، ولو أبصر لأسلم لله رب العالمين.
وقولك: "لا يمتون بصلة لهذه الطائفة التي أبيدت عن أخرها": فإن كنت تقصد أن المسلمين أبادوهم، فهو خلاف الحقيقة؛ إذ ظلت النصرانية ظاهرة في أوربا وغيرها، وحتى من كان منهم تحت ولاية المسلمين في بلاد الإسلام كمصر والشام، كانوا يتمتعون بحرية العبادة فما عرف دين يحمي حرية الأديان كما حماها الإسلام، ولم توجد أمة وسعت مخالفيها وأفسحت لهم صدورها كما فعل المسلمون، ووفقا للعهدة العمرية، فلم يبادوا وما تزال كنائسهم موجودة في البلاد التي دخلها الإسلام؛ ويشهد على ذلك كنائس مصر والشام الباقية من زمن الفتح الإسلامي، وإلى اليوم والتي تعلَّم فيها نصارى الشرق جيلاً بعد جيل يتعلمون فيها ما أسميته أنت شركاً كابراً عن كابر إلى يومنا هذا، ودون ذلك خرط القتاد!
رابعا: بالقراءة وإعمال العقل يظهر الحق:
وختاماً: فأنا أدعوك إلى الدخول في الإسلام؛ دين الله الحق، وإلى قراءة الكتب التي تعرف بها حقيقة الإسلام؛ مثل: "الإسلام يتحدى" لوحيد الدين خان، "الإسلام أصوله ومبادئه" لمحمد بن عبدالله السحيم، "الإسلام دين الوسطية والفضائل والقيم الخالدة" لعبدالسلام الهراس، "الإسلام ونبي الإسلام" للشيخ / محمدُ بنُ رِزْق بنِ طَرْهُوني، وكتب مقارنة الأديان؛ مثل كتب الشيخ أحمد ديدات، وجميع الكتب موجودة على الإنترنت، وإلى قراءة كتبكم بتمعن بعيداً عن التعصب؛ لترى ما فيها من تناقض، وقد قرأها قبلك كثيرون؛ فشرح الله صدرهم للخير وعتقهم من النار، ويمكنك قراءة قصص إسلامهم على الإنترنت؛ مثل:
-رئيس لجان التنصير بأفريقيا القس المصري السابق، إسحق هلال مسيحه.
- إبراهيم خليل فلوبوس، أستاذ اللاهوت المصري السابق.
- القس المصري السابق فوزي صبحي سمعان.
- القمص السابق المصري عزت إسحاق معوض.
- أمين عام مجلس الكنائس العالمي لوسط وشرق إفريقيا سابقًا أشوك كولن يانج.
- الدكتور المصري عبده إبراهيم والد د.عيسي عبده رائد الاقتصاد الإسلامي.
- المستشار الدكتور المصري محمد مجدي مرجان، رئيس محكمة الجنايات والاستئناف العليا.
- عالم الجيولوجيا الألماني ألفريد كرونير.
- عالم التشريح التايلندي تاجاتات تاجسن.
- رئيس جمهورية جامبيا.
- مدير دريم بارك الأمريكي في مصر.
- رئيس المعهد الدولي التكنولوجي بالرياض الدكتور أسبر إبراهيم شاهين.
- لاعب السلة الأمريكي محمود عبدالرؤوف.
- لاعب كرة القدم الفرنسي نيكولاس أنيلكا ،،، وغيرهم ويتزايدون يومياً في العالم كله؛ ويمكنك القراءة عنهم - وعن غيرهم - في كتاب "رجال ونساء أسلموا"، وتجده في عدة مواقع منها:
http://www.newmuslims.tk
http://www.saaid.net
واقرأ القرآن الكريم بتدبر وتؤدة، وستجد فيه الجواب الشافي والترياق الوافي لكل ما يدور في خلدك، ولعل الله أن يشرح صدرك للإسلام.
ولتعلم أن محاولة دفع ما أتفقت عليه النصارى من التثليث لا ينفعك، وهو من المباهة؛ لأنه مسطر في كتبكم القديمة والجديدة فلا مناص منها إلا بالإسلام، والله نسأل أن يشرح صدرك للإسلام، وأن يهديك سواء السبيل.
ومرحبا بك في أي استفسار أو رد شبهة وستجد عندنا - دائماً - سعة الصدر والتحمل،، وإلى اللقاء.
من موقع طريق الاسلام (http://www.islamway.com/?iw_s=Article&iw_a=view&article_id=2237)
أنتم تتهموننا نحن – المسيحيين العرب – بالشرك في كل مقالاتكم، ونحن نؤمن بإله واحد ولا نشرك به أحداً، وكون دينكم الإسلامي تحدث عن مجموعة من البشر كانت تعتنق هذا الفكر في زمن الإسلام وكتب عنها القرآن - فلا ذنب لنا في أنكم لا تفهمون هذه الحقيقة، ولكن المسيحيين ليسوا بمشركين كما تظنون.
وتأكيداً لهذا: اقرؤوا القرآن بتمعُّن أكثر؛ تجدوا أن الطائفة النصرانية هي المشركة في بداية الإسلام، ولكن مسيحيي اليوم لا يمتون بصلة لهذه الطائفة، التي أبيدت عن آخرها منذ زمن بعيد.
اقرؤوا التاريخ؛ كي لا تقذفوا الناس بأبشع الاتهامات، وأنتم لا تدرون.
الرد بقلم الشيخ خالد عبد المنعم
المدير السابق لمعهد الدعاة بالعزيز بالله
والرد بعون الله
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فأهلا ومرحبا بك، فنحن نرحب بمناقشتك وبالرد على ما عندك من شبهات، ونسأل الله أن يشرح صدرك، وأن يوفقك إلى ما يحبه ويرضاه.
أولاً: تعريف الشرك:
في البداية قلت إننا نتهمكم بالشرك؛ فلنعرف أولاً ما الشرك؟ الشرك في اللغة: هو المقارنة وخلاف الانفراد، ويطلق على المخالطة, والمصاحبة والمشاركة.
والشرك في الاصطلاح: هو اتخاذ الند مع الله تعالى؛ أي: جعل شريك مع الله في التوحيد.
ثانياً: الأدلة على أن اعتقادات النصارى شرك بالله من كتبهم:
وكما تعلم: إن طوائف النصارى الثلاث: الكاثوليك والأرثوذكس والبروتستانت، قد أجمعوا على القول بألوهية المسيح عليه السلام، وأنه نزل ليُصلَب تكفيراً لخطيئة آدم عليه السلام.
فالعقيدة التي يعتنقها جميع النصارى -على اختلاف مذاهبهم- هي عقيدة أن الإله واحد في أقانيم ثلاثة: الأب، والابن، والروح القدس، والمسيح هو "الابن"، وهم يضطربون في تفسير الأقانيم: فتارة يقولون أشخاص، وتارة خواص، وتارة صفات، وتارة جواهر، وتارة يجعلون الأقنوم اسما للذات والصفة معاً، ومحصل كلامهم يؤول إلى التمسك بأن عيسى إله؛ ونحن لم نستق تلك المعارف من القرآن وحده – وإن كان كافياً – ولكن من كتب النصارى أنفسهم، ومن الأناجيل وشروحها وكلام علمائهم؛ فكلها طافحة بذلك، والعجيب أنك لم تطَّلِع عليها!
يقول الدكتور بوست في "قاموس الكتاب المقدس": "طبيعة الله عبارة عن ثلاثة أقانيم متساوية: الله الأب، والله الابن، والله الروح القدس، فإلى الأب ينتمي الخلق بواسطة الابن، وإلى الابن الفداء، وإلى الروح القدس التطهير".
وجاء في كتاب "سوسنة سليمان" لنوفل بن نعمة الله بن جرجس – النصراني -: "إن عقيدة النصارى التي لا تختلف بالنسبة لها الكنائس، وهي أصل الدستور الذي بينه المجمع النيقاوي، هي الإيمان بإله، واحد: أب واحد، ضابط الكل، خالق السماوات والأرض، كل ما يرى وما لا يرى، وبرب واحد يسوع، الابن الوحيد المولود من الأب قبل الدهور من نور الله، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق، مساوٍ للأب في الجوهر، ومن أجل خطايانا نزل من السماء، وتجسَّد من الروح القدس، ومن مريم العذراء تأنَّس، وصُلِب عنا على عهد بيلاطس، وتألم وقبِّر، وقام من الأموات في اليوم الثالث - على ما في الكتب - وصعد إلى السماء وجلس على يمين الرب، وسيأتي بمجد ليدين الأحياء والأموات، ولا فناء لملكه، والإيمان بالروح القدس، الرب المحيي المنبثق من الأب، الذي هو الابن يسجد له، ويمجده، الناطق بالأنبياء".
واختلفت مذاهب النصارى في المسيح؛ أهو ذو طبيعة لاهوتية وطبيعة ناسوتية، أم ذو طبيعة واحدة لاهوتية فقط؟! وهل هو ذو مشيئة واحدة مع اختلاف الطبيعتين؟! وهل هو قديم كالأب؟!
ونظرا لصعوبة تصور الأقانيم الثلاثة في واحد، وصعوبة الجمع بين التوحيد والتثليث؛ فإن علماء النصارى الذين كتبوا عن اللاهوت حاولوا تأجيل النظر العقلي في هذه القضية، التي يرفضها العقل ابتداءً.
قال القس بوطر في رسالة "الأصول والفروع": "قد فهمنا ذلك على قدر طاقة عقولنا، ونرجو أن نفهمه فهماً أكثر جلاءً في المستقبل، حين يكشف لنا الحجاب عن كل ما في السماوات وما في الأرض، وأما في الوقت الحاضر ففي القدر الذي فهمناه كفاية".
فعقيدة الثالوث - التي قدمها النصارى للمجتمع الإنساني، واتفقوا عليها - عجيبة وغريبة، وتبدو غرابتها واضحة وجلية عند عرضها على صفحة العقل، الذي كرم الله به الإنسان، ولكن النصارى يرون أن التثليث لا يعالج بمنطق العقل، ولكن بالإيمان والوجدان، وهذا هروب من النصارى في بداية الطريق.
فلا بأس أن نعتمد على الإيمان القلبي في قضية من القضايا الغيبية، ولكن بشرط ألا يحكم العقل فيها حكماً بديهياً باستحالتها وتناقضها.
وإذا كان النصارى يقولون: إن التثليث يصعب تصوره على العقل، فإننا نقول بل يستحيل تصوره لدى العقل، ومن أول جولة معه يخرجه بجذوره ويلقيه في دائرة اللامعقول، ومهما حاول النصارى أن يعللوا هذا التثليث، فسيبقى مراً في حلوق العقلاء.
ولعل هذا ما دفعك للمسارعة بإنكاره والبراءة منه وإلصاقه بمن مات في القرن الغابر! ولن ينفعك ما تدعيه من توحيد مادمت على غير عقيدة الإسلام؛ فإن البراءة من الشرك والدخول في التوحيد لا يتحقق إلا بالدخول في الإسلام، بنطق الشهادتين.
وقد حاول بعضهم التنصل من الشرك؛ فادعى أن الأقانيم الثلاثة هذه ثلاث صفات لذات واحدة، وهي دعوى تبرهن على التناقض؛ لأنه يلزمهم على ذلك أن لا يكون المسيح إلهاً خالقاً رازقاً لأن الصفة ليست إلها خالقا رازقا، وأيضاً فالصفة لا تفارق الموصوف وهم متفقون على أن المسيح إله حق من إله حق من جوهر أبيه، وهذا يدل على استحالة الجمع بين التثليث والتوحيد.
وسيظل العقل النصراني يئن تحت وطأة هذا التناقض، وكيف لا يئن ويشتكي أمام قول إثناسيوس الرسولي: "فالأب هو الله والابن هو الله وروح القدس هو الله، وكلهم هو الله"؟!
واعتقادهم أن كل أقنوم من الثلاثة يختص بعمل معين - كما سبق من كلام الدكتور بوست في "قاموس الكتاب المقدس" وكما في الأمانة التي اتفق عليها النصارى" - فبهذا يظهر أمامهم ثلاثة آلهة تبرز برؤوسها، والثلاثة معاً الله، والله يتفرق فيكون ثلاثة، ويجتمع فيكون إلهاً، أين العقل الذي يحتمل ذلك؟! وهذه المقولات بعينها من العقائد التي تتضمن، القول بألوهية المسيح عليه السلام، والقول بأن الله ثالث ثلاثة، -وإن حاولت بعض الدراسة إنكارها-
والمتتبع لأطوار العقيدة النصرانية عبر التاريخ، يجد أن عقيدة التثليث، وكذلك عقيدة بنوة المسيح لله – تعالى الله عما يقولون علواً عظيماً- وعقيدة ألوهية أمه مريم، ودخولها في التثليثات المتعددة الأشكال ونحو ذلك من الانحرافات، كلها لم تصاحب النصرانية الأولى، وإنما دخلت إليها على فترات متفاوتة عبر التاريخ، مع الوثنيين الذي دخلوا في النصرانية، وهم لم يبرؤوا بعد من التصورات الوثنية والآلهة المتعددة.
وفيما يلي سنذكر نبذ مختصرة عن أسباب وقوع النصارى في الشرك الصريح بجميع طوائفهم قديما وحديثا - إلا بقايا قليلة منهم قبل بعثة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ومن أهم تلك الأسباب على الإطلاق تحريف الإنجيل.
فاعلم أن النصارى كلهم مجمعون على اعتبار الكتب الأربعة: متى ومرقس ولوقا ويوحنا وبقية العهد الجديد، مع العهد القديم - هي الكتب المقدسة، وكذلك اتفقوا على أن لوقا ومرقس لم يريا المسيح وإنما رآه متى ويوحنا، إلا أنهم يختلفون في بعض الأمور الأخرى، وخلاصة ما قاله المؤرخون عن تلك الأناجيل وعن تحديد الزمان والمكان والكيفية التي كتبت بها، أن ذلك كله مجهول؛ فلم ينته الخلاف بعد حول كاتب كل إنجيل وزمن كتابته، والمكان الذي كتب فيه، واللغة الأصلية التي كتب بها، والجهة التي كتب لها، حتى أن أحد قساوستهم عندما سئل عن مؤلف إنجيل يوحنا قال: "لا يعلم إلا الله وحده مَن الذي كتب هذا الإنجيل"، كما في كتاب "مدخل إلى العهد الجديد" لـ فهيم عزيز، وما يقال عن إنجيل يوحنا يقال عن بقية الأناجيل، وهذه الأناجيل المحرفة كانت من أعظم أسباب تحريف رسالة عيسى عليه السلام، التي هي في أصلها رسالة توحيد.
والنصارى لا يزعمون أنهم يملكون كلام السيد المسيح أو حتى جملة واحدة منه؛ فكل ما عندهم عبارة عن كلام عن السيد المسيح مكتوب باللغة اليونانية، أي كلام من شخص ثالث مجهول عن السيد المسيح، وهذا الكلام إما انه مترجم من نص عبري مفقود، أو كلام إنسان مجهول كتبه باللغة اليونانية، ومن هنا نجد استحالة أن يكون الكلام المنسوب للسيد المسيح في كتبهم له.
وقد كتبت أصول هذه الأناجيل باللغة اليونانية فيما عدا "إنجيل متى" الذي كتب بالعبرانية، لكن أياً من اللغتين لم تكن لغة للمسيح، الذي كان يتكلم السريانية كما دلت على ذلك الأناجيل فمن الذي ترجم هذه الأناجيل؟! وأين النسخ الأصلية؟! فهذه أسئلة لا تجدون لها جواباً، وهي تفقد أي ثقة في هذا الأناجيل، وكذلك كُتاب الأناجيل ليسوا من تلامذة المسيح المباشرين، بل اقتبسوا من أفكار بولس الإلحادية والوثنية، ونسبوها إلى المسيح عليه السلام، والأناجيل الأربعة المشهورة لم تعرف إلا في أوائل القرن الثالث، وأول من ذكرها أرينوس سنة 209م، وقد امتدت إليها يد التحريف والتعديل على مر التاريخ حتى لا تكاد توجد نسخة تشبه الأخرى.
ومن نظر في الأناجيل الأربعة وجد كثيراً من الاختلافات الجوهرية والأغلاط، التي يستحيل معها أن يكون هذا الموجود بين أيديهم موحى به من عند الله فمنها على سبل المثال:
الاختلافات الكبيرة في قصة الصلب، برغم أنها من صلب عقيدتهم.
ومنها: اختلافهم في نسب (المسيح)؛ فقد أعطاه متى نسباً مخالفاً لما دوَّنه لوقا.
ومنها: الاختلاف في تعيين أسماء الحواريين؛ أصحاب عيسى عليه السلام،
ومن الأغلاط الظاهرة: قول متى في إنجيله بعد الصلب المزعوم للمسيح: "وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل، والأرض تزلزلت والصخور تفتقت والقبور تفتحت وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا للكثيرين"؛ فهذه الآية التي - لو حدثت - لنقلت بالتواتر؛ لأنها آية عظيمة تتوافر الهمم على نقلها، لكن لم يعلم بها أصحاب الأناجيل الثلاثة: لوقا ومرقص ويوحنا، مع اهتمامهم بذكر أمور بسيطة لا تدعو حاجة ولا ضرورة إلى ذكرها مما يدل على أنه محض خيال توهمه الكاتب.
وما جاء في إنجيل لوقا (1/30) في البشارة بالمسيح قوله: "ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويُمَلَّك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية". وهذا خطأ فاحش فإن المسيح لم يكن ملكاً لليهود، ولا ملكاً على آل يعقوب ولا حصل له شيء من ذلك، فهل يتخلف وعد الله؟!
فهذا كله وأضعافه، مما يورث اليقين بأن هذه الأناجيل ليست هي الإنجيل الذي أنزله الله على عيسى.
يقول كلارك ـ شارح الكتاب المقدس في أربعة أجزاء ـ: "إن هناك أربعين ألف خطأ في الكتاب المقدس من الترجمات والحذف والنقل وغيرها".
وهذا ما دفع الكثير من علمائهم المنصفين إلى اعتناق الإسلام وكان من بينهم" فارس الشدياق" الذي عكف - هو ولجنة من علماء النصارى العرب - على إعادة صياغة الكتاب المقدس بأسلوب عربي رصين، وبعد أن أتم العمل أسلم؛ لما شاهده من التحريف والتبديل، وقال: "هؤلاء قوم يهرفون بما لا يعرفون، وكلما ضاق بهم الأمر كتبوا ما يريدون".
وقال ديورانت في "قصة الحضارة"(ج12/ ص7): "وترجع أقدم النسخ التي لدينا من الأناجيل الأربعة إلى القرن الثالث، أما النسخ الأصلية، فيبدو أنها كتبت بين عامي 60، 120م، ثم تعرضت بعد كتابتها مدى قرنين من الزمان الأخطاء في النقل، ولعلها تعرضت أيضاً لتحريف مقصود يراد به التوفيق بينها وبين الطائفة التي ينتمي إليها الناسخ أو أغراضها".
فلا عجب أن نرى في كل فترة من الزمان نسخة جديدة من الإنجيل مكتوباً عليها: "مزيدة ومنقحة!!".
وقد احتوت الأناجيل على الوثنية الواضحة، فضلاً عن الاختلاف البيِّن بين طوائف المسيحية في إلوهية المسيح عليه السلام؛ فيستحيل حصول اليقين بنسبة تلك الكتب للمسيح؛ لانعدام الأسانيد الصحيحة الثابتة، بل إن الأدلة قائمة على أن هذه الكتب لم تعرف إلا بعد موت من نسبت إليه بعشرات السنين، وهذا باعتراف النصارى أنفسهم؛ فرسائل بولس وكذلك الرسائل الأخرى، وأعمال الرسل ليس في شيء منها الإشارة إلى واحد من هذه الكتب الأربعة؛ مما يعني أن هذه الكتب لم تكن معروفة في ذلك الزمن، ولم يطلع عليها أحد منهم، ويعترف النصارى أن تاريخ اعتبار هذه الكتب كتباً مقدسة لا يزال مجهولاً.
كما يعترفون أيضاً بأنه لم ينص على قانونيتها إلا في القرن الرابع الميلادي، وأن أول ذكر صريح لمجموعة من الكتب المدونة كان من طريق جاستن، الذي قتل عام 165م، وهذا لا يدل صراحةً على أنها الأناجيل الأربعة، ويعترفون بأن أول محاولة للتعريف بهذه الأناجيل الأربعة ونشرها كانت عن طريق تاتيان، الذي جمع الأناجيل الأربعة في كتاب واحد سماه "الدياطسرن" في الفترة 166-170م، وهذا هو التاريخ الذي يمكن أن يعزى إليه وجود هذه الكتب، وهو تاريخ متأخر جداً عن وفاة من تُعزى إليهم؛ مما يدل على أنهم براء منها.
ولو سلمنا جدلاً أن لهؤلاء الأربعة أناجيل فليبين لنا النصارى أسانيدهم التي توصلهم إلى أصحاب هذه الأناجيل، بل إن بعض أصحاب الأناجيل أنفسهم - كمرقص ولوقا - لا تزال شخصياتهم في عداد المجهولين فإن المعلومات عنهم قليلة جداً، فغاية ما يعرف عن الاثنين أنهما يسميان بهذين الاسمين وأنهما صحبا بولس.
ولم تذكر المعلومات علم هذين الرجلين ولا دينهما ولا أمانتهما مما لا بد منه فيمن ينقل كتاباً مقدساً.
ويمكن القول: إن التحريف بدأ منذ أن ظهر بولس فهو أول من حرَّف دين النصارى فتنصر فيما بين عام 51-55 م، ليعمل على تقويضها من داخلها، وأخذ في كتابة رسائله الوثنية، التي تحتل جزءاً كبيراً من الكتاب المقدس – لدى النصارى - وتشتمل على مبادئ في العقيدة والشريعة وأصول الدين التي ابتدعها، وفي هذه الرسائل ينص على أنه تعلَّم هذه المبادئ والأحكام من المسيح –عليه الصلاة والسلام- وأنه تلقى منه الإنجيل، جاء في رسالة بولس إلى غلاطية: "وأعرفكم أيها الإخوة الإنجيل الذي بشرت به أنه ليس بحسب إنسان، لأني لم أقبله من عند إنسان ولا علمته بل بإعلان يسوع المسيح". [رسالة بولس إلى غلاطية؛ عدد 12-11 الإصحاح الأول].
وأخذ عن فلاسفة اليونان فكرة اتصال الإله بالأرض، عن طريق الكلمة، أو ابن الإله أو الروح القدس؛ وترتب على ذلك القول بعقيدة الصلب والفداء، وقيامة المسيح، وصعوده إلى السماء؛ ليجلس على يمين الرب؛ ليحاسب الناس في يوم المحشر، وهكذا كرر بولس نفس الأمر مع بطرس الذي هاجمه، وانفصل عنه مما أثار الناس ضده، لذا كتب بولس رسالة إلى أهل غلاطية ضمَنَّها عقيدته ومبادئه، وقد استمرت المقاومة الشديدة لأفكار بولس عبر القرون الثلاثة الأولى؛ ففي القرن الثاني الميلادي تصدى هيولتس وإيبيي فايتس وأوريجين لها، وأنكروا أن بولس كان رسولاً، وظهر بولس الشمشاطي في القرن الثالث وتبعه فرقته البوليسية إلا أنها كانت محدودة التأثير، وهكذا بدأ الانفصال عن شريعة التوراة، وبذرت بذور التثليث والوثنية في النصرانية.
يقول الدكتور رؤوف شلبي في كتاب "يا أهل الكتاب تعالوا ": إن بولس هذا هو الذي أخرج ملة عيسى من ثوبها الطبيعي إلى ثوب جديد، وهو الذي بدل وصف عيسى من ابن الإنسان الذي كان يطلقه عليه الحواريون إلى ابن الله، وهو الذي ألغى اختصاص ملة عيسى بشعبه اليهودي، وسمح للمشركين عامة بالدخول فيها، وأنه ألغى شريعة موسى في الختان، وكثيراً من الشرائع؛ إرضاء للجدد من المشركين وبقية المجتمع اليوناني... وأنه صاحب فضيحة الصلب والعشاء الرباني".
أما قول بعض النصارى: " نحن نؤمن بإله واحد ولا نشرك به أحداً" فعلى فرض صحته فإن مجرد هذا الإقرار لا ينفعكم ما دمتم جاحدين لما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي نسخ الله به كل الشرائع والأديان السابقة، وختم به الأنبياء والمرسلين.
فالموحدون - حقا - هم الذين يؤمنون بالله إلها لا شريك له، ويؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا ويقرون بكل ما جاء به، ملتزمين شريعته ظاهراً وباطناً، لاسيما وقد بشر به المسيح ابن مريم عليه الصلاة والسلام، ولا تزال هذه البشارة موجودة في الأناجيل، برغم استمرار التحريف والتبديل؛ ففي إنجيل يوحنا في قول عيسى عليه السلام وهو يخاطب أصحابه: لكني أقول لكم إنه من الخير لكم أن أنطلق؛ لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي الفارقليط"، وكلمة (الفارقليط) أصلها منقول عن الكلمة اليونانية باراكلي طوس، المحرفة عن الكلمة بيركلوطوس، التي تعني محمداً أو أحمد.
وفي إنجيل متى جاء: "قال لهم يسوع أما قرأتم قط في الكتب؟! الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية، من قبل الرب كان هذا، وهو عجيب في أعيننا؛ لذلك أقول لكم: إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره".
وهذا معناه أن الرسالة تنتقل من بني إسرائيل إلى أمة أخرى، فيكون الرسول المبشر به من غير بني إسرائيل.
والدليل أكثر جلاءً في إنجيل برنابا، وهو الإنجيل الذي استبعدته الكنيسة في عهدها القديم عام 492م بأمر من البابا جلاسيوس، وحرمت قراءته وصودر من كل مكان، لكن مكتبة البابا كانت تحتوي على هذا الكتاب، وشاء الله أن يظهر هذا الإنجيل على يد راهب لاتيني اسمه (فرامرينو)، الذي عثر على رسائل (الإبريانوس)، وفيها ذكر إنجيل برنابا يستشهد به، فدفعه حب الاستطلاع إلى البحث عن إنجيل برنابا؛ وتوصل إلى مبتغاه عندما صار أحد المقربين إلى البابا (سكتش الخامس)، وقد أسلم فرامرينو وعمل على نشر هذا الإنجيل الذي حاربته الكنيسة بين الناس.
في الباب الثاني والعشرين من هذا الإنجيل – إنجيل برنابا - جاء: "وسيبقى هذا إلى أن يأتي محمد رسول الله الذي متى جاء كشف هذا الخداع للذين يؤمنون بشريعة الله". وجاء في سفر أشعيا: "إني جعلت اسمك محمداً يا محمد، يا قدوس الرب: اسمك موجود من الأبد". وجاء في سفر حبقوق: "إن الله جاء من التيمان والقدوس من جبل فاران، لقد أضاء السماء من بهاء محمد، وامتلأت الأرض من حمده".
كما جاء في سفر أشعيا: "وما أعطيته لا أعطيه لغيره، أحمد يحمد الله حمداً حديثاً يأتي من أفضل الأرض؛ فتفرح به البرية، ويوحدون على كل شرف، ويعظمونه على كل رابية".
ويقول البروفيسير عبد الأحد داود الآشوري مطران الموصل السابق الذي هداه الله للإسلام في كتابه "محمد في الكتاب المقدس"): "إن العبارة الشائعة عن النصارى: المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة. لم تكن هكذا، بل كانت: المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض إسلام، وللناس أحمد". وفي هذا النقل عن عالم من علماء النصارى دليل على إثبات التحريف وكيفيته.
ثالثاً: القرآن يحارب الفكر المنحرف وكل من يعتقد به على مر العصور؛ وليس فئة في عصر معين:
وأما قولك: "كون دينكم الإسلامي تحدث عن مجموعة من البشر كانت تعتنق هذا الفكر في زمن الإسلام وكتب عنها القرآن...": فقد مر بك أن التثليث هو جِمَاع دين النصارى قديماً وحديثاً؛ وإن كان الثابت بالأسانيد الصحيحة أن من نصارى العرب من لم يَعْمِهُم التعصب عن قبول الحق، كبحيرا الراهب الذي شهد للنبي في صغره بالنبوة لما رأى معجزة تظليل السحابة له، وورقة بن نوفل، وسلمان الفارسي، وزيد بن سعنة، وعدي بن حاتم الطائي والنجاشي ونصارى نجران وغيرهم كانوا جميعاً على النصرانية الحقة ولذلك أسلموا جميعاً لله طائعين؛ وقد أثني الله عليهم وعلى كل من حذا حذوهم في القرآن العظيم؛ فقال تعالى:{وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ} [المائدة:83-85].
وما ذكرته أيها النصراني فحجة عليك لا لك من أوجه:
منها: أنه يدل على وجود انقطاع بينكم وبين سلفكم، وهو دليل ظاهر على انقطاع سند الإنجيل بينكم وبينهم.
ومنها: أنها شهادة منك عليهم بالشرك، ومن المعلوم أنهم كانوا متبعين للأناجيل الأربعة؛ فتكون هي التي قادتهم للشرك؛ فيلزمك - هداك الله - ألا تؤمن بها؛ لأنها لم تصل إليكم إلا من طريقهم، لاسيما وقد زادت تحريفاً على تحريفها السابق، كما مر بك طرفاً يسيراً من ذلك.
فلعلك أدركت الآن من الذي لا يفهم الحقيقة، بل من الذي يعتقد وهو أعمى، ويجعل الثلاثة واحداً، ويجمع بين المستحيلات، ويقول: "إن الأب هو الله والابن هو الله وروح القدس هو الله، وكلهم هو الله"، ولو أبصر لأسلم لله رب العالمين.
وقولك: "لا يمتون بصلة لهذه الطائفة التي أبيدت عن أخرها": فإن كنت تقصد أن المسلمين أبادوهم، فهو خلاف الحقيقة؛ إذ ظلت النصرانية ظاهرة في أوربا وغيرها، وحتى من كان منهم تحت ولاية المسلمين في بلاد الإسلام كمصر والشام، كانوا يتمتعون بحرية العبادة فما عرف دين يحمي حرية الأديان كما حماها الإسلام، ولم توجد أمة وسعت مخالفيها وأفسحت لهم صدورها كما فعل المسلمون، ووفقا للعهدة العمرية، فلم يبادوا وما تزال كنائسهم موجودة في البلاد التي دخلها الإسلام؛ ويشهد على ذلك كنائس مصر والشام الباقية من زمن الفتح الإسلامي، وإلى اليوم والتي تعلَّم فيها نصارى الشرق جيلاً بعد جيل يتعلمون فيها ما أسميته أنت شركاً كابراً عن كابر إلى يومنا هذا، ودون ذلك خرط القتاد!
رابعا: بالقراءة وإعمال العقل يظهر الحق:
وختاماً: فأنا أدعوك إلى الدخول في الإسلام؛ دين الله الحق، وإلى قراءة الكتب التي تعرف بها حقيقة الإسلام؛ مثل: "الإسلام يتحدى" لوحيد الدين خان، "الإسلام أصوله ومبادئه" لمحمد بن عبدالله السحيم، "الإسلام دين الوسطية والفضائل والقيم الخالدة" لعبدالسلام الهراس، "الإسلام ونبي الإسلام" للشيخ / محمدُ بنُ رِزْق بنِ طَرْهُوني، وكتب مقارنة الأديان؛ مثل كتب الشيخ أحمد ديدات، وجميع الكتب موجودة على الإنترنت، وإلى قراءة كتبكم بتمعن بعيداً عن التعصب؛ لترى ما فيها من تناقض، وقد قرأها قبلك كثيرون؛ فشرح الله صدرهم للخير وعتقهم من النار، ويمكنك قراءة قصص إسلامهم على الإنترنت؛ مثل:
-رئيس لجان التنصير بأفريقيا القس المصري السابق، إسحق هلال مسيحه.
- إبراهيم خليل فلوبوس، أستاذ اللاهوت المصري السابق.
- القس المصري السابق فوزي صبحي سمعان.
- القمص السابق المصري عزت إسحاق معوض.
- أمين عام مجلس الكنائس العالمي لوسط وشرق إفريقيا سابقًا أشوك كولن يانج.
- الدكتور المصري عبده إبراهيم والد د.عيسي عبده رائد الاقتصاد الإسلامي.
- المستشار الدكتور المصري محمد مجدي مرجان، رئيس محكمة الجنايات والاستئناف العليا.
- عالم الجيولوجيا الألماني ألفريد كرونير.
- عالم التشريح التايلندي تاجاتات تاجسن.
- رئيس جمهورية جامبيا.
- مدير دريم بارك الأمريكي في مصر.
- رئيس المعهد الدولي التكنولوجي بالرياض الدكتور أسبر إبراهيم شاهين.
- لاعب السلة الأمريكي محمود عبدالرؤوف.
- لاعب كرة القدم الفرنسي نيكولاس أنيلكا ،،، وغيرهم ويتزايدون يومياً في العالم كله؛ ويمكنك القراءة عنهم - وعن غيرهم - في كتاب "رجال ونساء أسلموا"، وتجده في عدة مواقع منها:
http://www.newmuslims.tk
http://www.saaid.net
واقرأ القرآن الكريم بتدبر وتؤدة، وستجد فيه الجواب الشافي والترياق الوافي لكل ما يدور في خلدك، ولعل الله أن يشرح صدرك للإسلام.
ولتعلم أن محاولة دفع ما أتفقت عليه النصارى من التثليث لا ينفعك، وهو من المباهة؛ لأنه مسطر في كتبكم القديمة والجديدة فلا مناص منها إلا بالإسلام، والله نسأل أن يشرح صدرك للإسلام، وأن يهديك سواء السبيل.
ومرحبا بك في أي استفسار أو رد شبهة وستجد عندنا - دائماً - سعة الصدر والتحمل،، وإلى اللقاء.
من موقع طريق الاسلام (http://www.islamway.com/?iw_s=Article&iw_a=view&article_id=2237)