السيف البتار
2008-12-13, 09:18 PM
البَقَرَة
آية رقم : 106
{ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
ما هو السبب أن أهل الكتاب والمشركين لا يريدون خيراً للمؤمنين فى دينهم ؟
لأنهم أحسوا أن ما جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فى زمنه خير مما جاء به موسى وبقى إلى زمن محمد صلى الله عليه وسلم . وخير مما جاء به عيسى فى زمن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
وليس معنى ذلك أننا نحاول أن ننقص ما جاء به الرسل السابقون .. لكننا نؤكد أن الرسل السابقين جاءوا فى أزمانهم بخير ما وُجد فى هذه الأزمان .. فكل رسالة من الرسالات التى سبقت رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .. جاءت لقوم محددين ولزمن محدد..
ثم جاء نبى جديد لينسخ ما فى الرسالة السابقه لقوم محددين وزمن محدد .. واقرأ قول عيسى عليه السلام حينما بعث إلى بنى إسرائيل كما يروى لنا القرآن الكريم:
آلِ عِمْرَان
آية رقم : 50
{ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ }
فكأن عيسى عليه السلام جاء لينسخ بعض أحكام التوراة .. ويحل لبنى إسرائيل بعض ما حرمه الله عليهم .. و سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو الرسول الخاتم أعطى الخير كله .. لأن دينه للعالمين وباق إلى يوم القيامة.
وهكذا نرى أن المؤمنين بالرسل كلما جاء رسول جديد كانوا ينتقلون من خير إلى خير .. وفيما تتفق فيه الرسالات كانوا ينتقلون إلى مثل هذا الخير .. وذلك فيما يتعلق بالعقائد ، وإلى زيادة فى الخير فيما يتعلق بمنهج الحياة ..
هناك فى رسالات السماء كلها أمور مشتركة لا فرق فيها بين رسول ورسول وهى قضية الإيمان بإله واحد أحد له الكمال المطلق .. سبحانه فى ذاته ، وسبحانه فى صفاته ، وسبحانه فى أفعاله ..
كل ذلك قدر الرسالات فيه مشترك .. ولكن الحياة فى تطويرها توجد فيها قضايا لم تكن موجودة ولا مواجهة فى العصر الذى سبق .. فإذا قلنا إن رسالة بقيمتها العقائدية تبقى..فإنها لا تسطيع أن تواجه قضايا الحياة التى ستأتى بها العصور التى بعدها فيما عدا الإسلام .. لأنه جاء ديناً خاتماً لا يتغير ولا يتبدل الى يوم القيامة.. على أننا نجد من يقول وماذا عن قوله الله سبحانه وتعالى :
الشُّورَى
آية رقم : 13
{ شَرَعَ لَكُمْ مِن الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا والَّذِي أوْحَيْنَا إِلَيْكَ ومَا وَصَّيْنَا بِهِ إبْرَاهِيمَ ومُوسَى وعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ولا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى المُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيهِ مَن يَشَاءُ ويَهْدِي إِلَيهِ مَن يُنِيبُ *}
نقول إن هذا يأتى فى شئ واحد .. يتعلق بالأمر الثابت فى رسالات السماء وهو قضية قمة العقيدة والإيمان بالله الواحد .. أما فيما يتعلق بقضايا الحياة فإننا نجد أحكاماً فى هذه الحركة حسب ما طرأ عليها من توسعات .. ولذلك عندما جاء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أعطى أشياء يعالج قضايا لم تكن موجودة فى عهد الرسل السابقين.
ويقول الله تبارك وتعالى { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا } .. كلمة " ننسخ " معناها نزيل آية كانت موجودة ونأتى بآية أخرى بدلا منها ..
كما يقال نسخت الشمس الظل .. أى أن الظل كان موجودا وجاءت الشمس فمحته وحلت هى مكانه .. ويقال نسخت الكتاب أى نقلته إلى صور متعددة ، ونسخ الشيب الشباب أى أصبح الشاب شيخ ..
وفي صحيح مسلم .
{ لم تكن نبوة قط إلا تناسخت أي تحولت من حال إلى حال }
قال علماؤنا رحمهم الله تعالى :
جائز نسخ الأثقل إلى الأخف ، كنسخ الثبوت لعشرة بالثبوت لاثنين .
ويجوز نسخ الأخف إلى الأثقل ، كنسخ يوم عاشوراء والأيام المعدودة برمضان
وقال ابن جرير : "ما ننسخ من آية"، ما ننقل من حكم آية إلى غيره، فنبدله ونغيره، وذلك أن نحول الحلال حراماً، والحرام حلالاً، والمباح محظوراً، والمحظور مباحاً، ولا يكون ذلك، إلا في الأمر والنهي والحظر والإطلاق والمنع والإباحة، فأما الأخبار فلا يكون فيها ناسخ ولا منسوخ، وأصل النسخ من نسخ الكتاب وهو نقله من نسخة إلى أخرى غيرها .
نأتى للنسخ فى القرآن الكريم .. قوم قالوا لا نسخ فى القرآن أبداً .. لماذا ؟
لأن النسخ بداء من الله .. ما معنى البداء ؟
البداء : هو أن نأتى بحكم ثم يأتى التطبيق فيثبت قصور الحكم عن مواجهة القضية فيعدل الحكم .. وهذا محال أن يطلق على الله تبارك وتعالى ..
ولكننا نقول أن النسخ ليس بداء ، وإنما هو إزالة الحكم والمجئ بحكم أخر ..
ونقول لهم ساعة حكم الله الحكم أولاً فهو سبحانه يعلم أن هذا الحكم له وقت محدود ينتهى فيه ثم يحل مكانه حكم جديد .. ولكن الظرف والمعالجة يقتضيان أن يحدث ذلك بالتدريج .. وليس معنى ذلك أن الله سبحانه قد حكم بشئ ثم جاء واقع أخر أثبت أن الحكم قاصر فعدل الله عن الحكم .. إن هذا غير صحيح.
لماذا ؟.. لأنه ساعة حكم الله أولاً كان يعلم أن الحكم له زمن أو يطبق لفترة .. ثم بعد ذلك ينسخ أو يُبدل بحكم أخر.
إذن فالمشرع الذى وضع هذا الحكم وضعه على اساس أن سينتهى وسيحل محله حكم جديد ..
وليس هذا كواقع البشر .. فأحكام البشر وقوانينهم تُعدل لأن واقع التطبيق يثبت قصور الحكم عن مواجهة قضاية الواقع .. لأنه ساعة وضع الناس الحكم علموا أشياء وخفيت عنهم أشياء .. فجاء الواقع ليظهر ما خفى وأصبح الحكم لابد أن ينسخ أو يعدل .. ولكن الأمر مع الله سبحانه وتعالى ليس كذلك .. الله جعل الحكم موقوتاً ساعة جاء الحكم الأول .
مثلاً : حين وجه الله المسلمين الى بيت المقدس .. أكانت القضية عند الله أن القبلة ستبقى إلى بيت القدس طالما وجِد الأسلام وإلى يوم القيامة ؟ ثم بدا له سبحانه وتعالى أن يوجه المسلمين إلى الكعبة ؟
لا ..
لم تكن هذه هى الصورة .. ولكن كان فى شرع الله أن يتوجه المسلمون أولاً إلى بيت المقدس فترة ثم بعد ذلك يتوجهون إلى الكعبة إلى يوم القيامة
إذن فالواقع لم يضطر المشرع الى أن يعدل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة وإنما كان فى علمه وفى شرعه أنه سيغير القبله بعد فتره إلى الكعبة .. ولعل لذلك هدف إيمانياً فى أن العلة فى الأمور هى أنها من الله .. فالأتجاه الى بيت المقدس أو الأتجاه الى الكعبة لا يكلف المؤمنين جهداً إيمانياً إضافياً .. ولا يضع عليهم تكاليف جديده .. فنفس الجهد الذى أبذله للأتجاه الى الشرق أبذله للأتجاه الى الغرب .. ولكن الاختبار الإمانى أن تكون علة الأمر أنه صادر من الله .. فإذا قال الله أتجه الى بيت المقدس أتجهنا .. فإذا قال أتجه الى الكعبة أتجهنا .. ولا قدسية لشئ فى ذاته .. ولكن القدسية لأمر الله فيه .
والله تبارك وتعالى حين أمر الملائكة أن يسجدوا لآدم لم يسجدوا لذات آدم ولكنهم سجدوا لأمر الله بالسجود لآدم ، والله سبحانه وتعالى اختار الكعبة المشرفه بيتاً ومسجداً له فى الأرض ... واتخذت الكعبة مقامها العالى عند المسلمين ليس لأنها بقعة فى مكان ما جاءها إبراهيم والأنبياء وحج إليها الناس ، ولكن مقامها جاء من انها هى بيت الله باختيار الله لها .. وكل مساجد الأرض هى بيوت الله باختيار خلق الله .. ولكن المسجد الوحيد الذى هو بيت الله باختيار الله هو الكعبة .. ولذلك كان لابد لكل المساجد التى هى باختيار الله .. أن تتجه إلى المسجد الذى هو باختيار الله .. ولكن العلة الإيمانية الكبرى هى أن نؤمن أن صدور الأمر من الله هو الحيثية لاتباع هذا الأمر دون أن نبحث عن اسبابه الدنيوية .
فإذا قال الله سبحانه وتعالى الصلاة خمس مرات فى اليوم .. فدون أن نبحث عن السبب أو نقول لماذا خمسة ؟ فلننقص منها .. دون أن نفعل ذلك نصلى خمس مرات فى اليوم والسبب ان الله تعالى قال .. وهكذا الزكاة ، وهكذا الصوم وهكذا الحج .. كلها تتم طاعة لله .. وهكذا تغيير القبله تم اختباراً للطاعة الإيمانية لله ..
فالله موجود فى كل مكان .. فلا يأتى أحد ليقول لماذا الكعبة ؟ وهل الله ليس موجوداً إلا فى الكعبة ؟ نقول :
لا إنه موجود فى كل مكان .. ولكنه أمرنا ان نتجه الى الكعبة .. ونحن لا نتجه إليها لأننا نعتقد ان الله تبارك وتعالى موجود فى هذا المكان فقط .. ولكن طاعة لأمر الله الذى امرنا ان تكون قبلتنا الى الكعبة.
ولعل تغيير القبلة يعطينا فلسفة نسخ الآيات .. لماذا ؟
لأنه لم توجد أية ظروف أو تجد وقائع ، أو تظهر أشياء كانت خفية تجعل الاتجاه إلى بيت المقدس صعباً أو محوطاً بالمشاكل أو غير ذلك ، ولكن تغيير القبلة جاء هنا لأن الله سبحانه وتعالى شاء أن يتوجه المسلمون إلى بيت المقدس فترة ثم يتوجهوا إلى الكعبة إلى يوم القيامة .
إذن : فكل آية نُسخت كان فى علم الله سبحانه وتعالى أنها ستطبق لفترة معينة ثم بعد ذلك ستعدل .. وكان كل من الحكم الذى سينسخ ، والوقت الذى سيستغرقه ، والحكم الذى سيأتى بعده معلوماً عند الله تبارك و تعالى ومقررا منذ الأزل وقبل بداية الكون ... وأيضاً فإن الله أراد أن يلفتنا بالتوجه إلى بيت المقدس أولاً .. لأن الإسلام دين يشمل كل الأديان ، وأن بيت المقدس سيصبح من مقدسات الإسلام .. وأنه لا يمكن لأحد أن يدعى ان المسلمين لن يكون لهم شأن فى بيت المقدس ، لذلك أسرى الله سبحانه وتعالى برسوله صلى الله عليه وسلم من مكة الى بيت المقدس ... ليثبت أن لبيت المقدس قداسة فى الإسلام وإنه من المقدسات عند الله ..
ومن هنا كان التوجه إلى بيت المقدس كقبله أولى ، ثم نسخ الله القبلة إلى الكعبة .. فالحق جل جلاله يقول : { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها } ...
أى أن النسخ يكون إما أت يأتى الله سبحانه وتعالى بخير من هذه الآية أو يأتى بمثلها .. وهل الأية المنسوخة كان هناك خير منها ولم ينزله الله ؟ نقول :
لا .. المعنى ان الآية المنسوخة كانت خيراً فى زمانها .. والحكم الثانى كان زيادة فى الخير بعد فترة من الزمن .. كلاهما خير فى زمنه وفى أحكامه .. والله تبارك وتعالى أنزل الآية الكريمة :
آلِ عِمْرَان
آية رقم : 102
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ }
ولكن من يستطيع أن يتقى الله حق تقاته .. ذلك صعب على المسلمين .. ولذلك عندما نزلت الآية قالوا ليس منا من يستطيع أن يتقى الله حق تقاته .. فنزلت
الآية الكريمة :
التَّغَابُن
آية رقم : 16
{ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيرًا لأَنْفُسِكُم وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ }
الذى يتقى الله حق تقاته خير ، أم الذى يتقى الله ما أستطاع ؟ طبعاً حق تقاته خير من قدر الاستطاعة .. ولكن الله سبحانه وتعالى يقول { نأت بخير منها } ..
نقول إنك لم تفهم عن الله .. { اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } فى الآية الأولى أو { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم } فى الآية الثانية .. أى الحالتين أحسن ؟ بقول إن العبرة بالنتيجة .. عندما تريد أن تقيم شيئاً لابد أن تبحث عن نتيجته أولا .
ولنقرب المعنى للأذهان سنضرب مثلا ولله المثل الأعلى .. نفرض اِن هناك تاجر يبيع السلع بربح خمسين فى المائة .. ثم جاء تاجر أخر يبيع نفس السلع بربح خمسة عشر فى المائة .. ماذا يحدث ؟ سيقبل الناس طبعاً على ذلك الذى يبيع السلع بربح خمسة عشر فى المائة ويشترون منه كل ما يريدون ، والتاجر الذى يبيع السلع بربح خمسين فى المائة يحقق ربحاً أكبر .. ولكن الذى يبيع بربح خمسة عشر فى المائة يحقق ربحاً أقل ولكن بزيادة الكمية المبيعة .. يكون الربح فى النهاية أكبر .
والذى يكبق الآية الكريمة { اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } يحقق خيراً أكبر فى عمله .. ولكنه لا يستطيع أن يتقى الله حق تقاته إلا فى أعمال محدودة جداً .
إذن الخير هنا أكبر ولكن العمل الذى تنطبق عليه الآية محدود .
أما قوله تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم } فإنه قد حدد التقوى بقدر الأستطاعة .. ولذلك تكون الأعمال المقبوله كثيرة وإن كان الأجر عليها أقل .
عندما نأتى إلى النتيجة العامة .. أعمال أجرها أعلى ولكنها قليلة ومحدودة جداً .. وأعمال أجرها أقل ولكنها كثيرة .. أيهما فيه الخير ؟ طبعاً الأعمال الكثيرة ذات الأجر الأقل فى مجموعها تفوق الأعمال القليلة ذات الأجر المرتفع .
إذن : فقد نسخت هذه الآية بما هو خير منها .. رغم أن الظاهر لا يبدو كذلك ، لأن اتقاء الله حق تقاته خير من اتقاء الله قدر الاستطاعة .. ولكن فى المحصلة العامة الخير فى الأية التى نصت على الاستطاعة ..
نأتى بعد ذلك إلى قوله تعالى : { أَوْ مِثْلِهَا } .. هنا توقف بعض العلماء : قد يكون مفهومها أن ينسخ الله آية بخير منها ، ولكن ما هى الحكمة فى أن ينسخها بمثلها ؟
إذا كانت الآية التى نسخت مثل الأية التى جاءت .. فلماذا تم النسخ ؟
نقول : إننا إذا ضربنا مثلاً لذلك فهو مثل تغيير القبلة .. ان الله تبارك وتعالى حين أمر المسلمين بالتوجه إلى الكعبة بدلا من بيت المقدس نسخ آية بمثلها .. لأن التوجه إلى الكعبة لا يكلف المؤمن أية مشقة أو زيادة فى التكليف .. فالإنسان يتوجه ناحية اليمين أو الى اليسار أو الى الأمام أو الى الخلف وهو نفس الجهد .. والله سبحانه وتعالى كما قلنا موجود .. وهنا تبرز الطاعة الإيمانية التى تحدثنا عنها وأن هناك أفعالاً نقوم بها لأن الله قال .. وهذه تأتى فى العبادات لأن العبادة هى طاعة عابد لأمر معبود .. والله تبارك وتعالى يريد أن نثبت العبودية له عن حب واختيار .. فإن قال افعلوا كذا فعلنا .. وإن قال لا تفعلوا لا تفعل .. والعلة فى هذا أننا نريد اختياراً أن نجعل مراداتنا فى الكون خاضعة لمرادات الله سبحانه وتعالى .. إذن مثلها لم تأتى بلا حكمة بل جاءت لحكمة عالية .
والحق سبحانه وتعالى يقول { أَوْ نُنْسِهَا } ما معنى ننسها ؟
قال بعض العلماء : إن النسخ والنسيان شئ واحد .. ولكن ساعة قال الله الحكم الأول كان فى إرادته ومشيئته وعلمه أن يأتى حكم آخر بعد مدة .. ساعة جاء الحكم الأول ترك الحكم الثانى فى مشيئته قدراً من الزمن حتى يأتى موعد نزوله .
إذن فساعة يأتى الحكم الأول .. يكون الحكم مرجأ ولكنه فى علم الله . ينتظر انقضاء وقت الحكم الأول : { ما ننسخ من آية } هى الآية المنسوخة أو التى سيتم عدم العمل بها : { أو ننسها } .. أى لا يبلغها الله للرسول والمؤمنين عن طريق الوحى مع انها موجودة فى علمه سبحانه .. ويجب أن نتنبه إلى أن النسخ لا يحدث فى شيئين :
الأول :
أمور العقائد فلا تنسخ آية آية أخرى فى أمر العقيدة .. فالعقائد ثابته لا تتغير منذ عهد آدم حتى يوم القيامة .. فالله سبحانه واحد احد لا تغيير ولا تبديل ، والغيب قائم ، والآخرة قادمة والملائكة يقومون بمهامهم .. وكل ما يتعلق بأمور العقيدة لا ينسخ أبداً .
و الثانى :
الإخبار من الله عندما يعطينا الله تبارك وتعالى آية فيها خبر لا ينسخها بآية جديدة .. لأن الإخبار هو الإبلاغ بشئ واقع .. والحق سبحانه وتعالى إخباره لنا بما حدث لا ينسخ لأنه بلاغ صدق من الله .. فلا تروى لنا حادثة الفيل ثم تنسخ بعد ذلك وتروى بتفاصيل أخرى لأنها أبلغت كما وقعت .. إذن لا نسخ فى العقائد والإخبار عن الله .. ولكن النسخ يكون فى التكليف .. مثل قول الحق تبارك وتعالى : -
الأَنْفَال 65
{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ المُؤْمِنِينَ عَلَى القِتَالِ إِن يَّكُن مِّنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَّكُن مِّنْكُم مِّائَةٌ يَّغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ }
كأن المقياس ساعة نزول هذه الآية أن الواحد من المؤمنين يقابل عشرة من الكفار ويغلبهم .. ولكن كانت هذه عملية شاقة على المؤمنين .. ولذلك نسخها الله ليعطينا على قدر طاقتنا .. فنزلت الآية الكريمة :
الأَنْفَال 66
{ الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَّكُن مِّنْكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَّغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَّكُن مِّنْكُمْ أَلْفٌ يَّغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ }
والحق سبحانه وتعالى علم أن المؤمنين فيهم ضعف .. لذلك لن يستطيع الواحد منهم ان يقاتل عشرة ويغلبهم .. فنقلها إلى خير يسير يقدر عليه المؤمنون بحيث يغلب الؤمن الواحد اثنين من الكفار .. وهذا حكم لا يدخل فى العقيدة ولا فى الإخبار .. وفى أوا نزول القرآن كانت المرأم إذا زنت وشهد عليها أربعة يمسكونها فى البيت لا تخرج منه حتى الموت .. واقرأ قوله تعالى :-
النِّسَاء
آية رقم : 15
{ وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي البُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ المَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً }
وبعد أن شاع الإسلام وامتلأت النفوس بالإيمان .. نزل تشريع جديد هو الرجم أو الجلد .. ساعة نزل الحكم الأول بحبسهن كان الحكم الثانى فى علم الله .. وهذا ما نفهمه من قوله تعالى : { أو يجعل الله لهن سبيلا } .. وقوله سبحانه وتعالى { فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ } البَقَرَة آية رقم : 109
وقوله تعالى حتى يأتى الله بأمره .. كأن هناك حكماً أو أمراً فى علم الله سيأتى ليعدل الحكم الموجود .. إذن الله حين أبلغنا بالحكم الأول أعطانا فكرة .. ان هذا الحكم ليس نهائياً وأن حكماً جديداً سينزل .. بعد أن تتدرب النفوس على مراد الله من الحكم الأول .. ومن عظمة الله أن مشيئته اقتضت فى الميراث أن يعطى الوالدين اللذين بلغا أرذل العمر فقال جل جلاله :
البَقَرَة
آية رقم : 180
{ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الوَصِيَّةُ لِلوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى المُتَّقِينَ }
وهكذا جعلها فى أول الأمر وصية ولم تكن ميراثاً .. لماذا ؟ لإن الإنسان إن مات فهو الحلقة الموصولة بأبيه .. أما أبناؤه فحلقة أخرى .. ولما أستقرت الأحكام فى النفوس وأقبلت على تنفيذ ما أمر به الله .. جعل سبحانه المسألة فرضاً .. فيستوفى الحكم . ويقول جل جلاله :
النِّسَاء
آية رقم : 11
{ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فِلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُّوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا }
وهكذا بعد أن كان نصيب الوالدين فى تركه الإبن وصية .. إن شاء أوصى بها وإن شاء لم يوص أصبحت فرضاً .. وقوله تعالى : { ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير } ..
أى كل شئ يدخل فى إدارة الله وقدرته سبحانه وتعالى .. إذا قلنا إذا جاء الله بحكم لعصر فهذا هو قمة الخير .. لأنه إذا عُدل الحكم بعد أن أدى مهمته فى عصره ، فإن الحكم الجديد الذى يأتى هو قمة الخير أيضاً ، لأن الله على كل شئ قدير ، يواجه كل عصر بقمة الخير للموجودين فيه .. ولذلك فمن عظمة الله أنه لم يأت بالحكم خبراً من عنده ولكنه أشرك فيه المخاطب .. فلم يقل سبحانه { إن الله على كل شئ قدير } .. ولكنه قال { ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير } .. لأنه واثق أن كل من يسمع سيقول نعم .. وهذا ما يعرف بالأستفهام الإنكارى أو التقديرى .
=--------------------=
ملحوظة :
المقصود بقول أن الله موجود في كل مكان وأراد بذاته فهذا كفر لأنه فوق السماوات مستوٍ على عرشه.
فوجود الله تعالى وجود غير مادي ، فهو موجود في كل مكان ، وفي كل جهة ، قال تعالى : (( وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )) البقرة 115 .
أي أن الله تعالى يملك ما بين المشرق والمغرب ، فله تعالى السلطة والقدرة على ما بينهما ، فأينما توجهوا وجوهكم ، فهنالك وجه الله ، فقد وسع ذاتا وعلما وقدرة ورحمة وتوسعة على عباده ، وعليم بمصالح الكل ، وما يصدر عن الكل في كل مكان وجهة ، ولا يخفى عليه خافية .
وقال تعالى : (( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ )) ق 16 .
=----------------------=
يتبع
آية رقم : 106
{ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
ما هو السبب أن أهل الكتاب والمشركين لا يريدون خيراً للمؤمنين فى دينهم ؟
لأنهم أحسوا أن ما جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فى زمنه خير مما جاء به موسى وبقى إلى زمن محمد صلى الله عليه وسلم . وخير مما جاء به عيسى فى زمن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
وليس معنى ذلك أننا نحاول أن ننقص ما جاء به الرسل السابقون .. لكننا نؤكد أن الرسل السابقين جاءوا فى أزمانهم بخير ما وُجد فى هذه الأزمان .. فكل رسالة من الرسالات التى سبقت رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .. جاءت لقوم محددين ولزمن محدد..
ثم جاء نبى جديد لينسخ ما فى الرسالة السابقه لقوم محددين وزمن محدد .. واقرأ قول عيسى عليه السلام حينما بعث إلى بنى إسرائيل كما يروى لنا القرآن الكريم:
آلِ عِمْرَان
آية رقم : 50
{ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ }
فكأن عيسى عليه السلام جاء لينسخ بعض أحكام التوراة .. ويحل لبنى إسرائيل بعض ما حرمه الله عليهم .. و سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو الرسول الخاتم أعطى الخير كله .. لأن دينه للعالمين وباق إلى يوم القيامة.
وهكذا نرى أن المؤمنين بالرسل كلما جاء رسول جديد كانوا ينتقلون من خير إلى خير .. وفيما تتفق فيه الرسالات كانوا ينتقلون إلى مثل هذا الخير .. وذلك فيما يتعلق بالعقائد ، وإلى زيادة فى الخير فيما يتعلق بمنهج الحياة ..
هناك فى رسالات السماء كلها أمور مشتركة لا فرق فيها بين رسول ورسول وهى قضية الإيمان بإله واحد أحد له الكمال المطلق .. سبحانه فى ذاته ، وسبحانه فى صفاته ، وسبحانه فى أفعاله ..
كل ذلك قدر الرسالات فيه مشترك .. ولكن الحياة فى تطويرها توجد فيها قضايا لم تكن موجودة ولا مواجهة فى العصر الذى سبق .. فإذا قلنا إن رسالة بقيمتها العقائدية تبقى..فإنها لا تسطيع أن تواجه قضايا الحياة التى ستأتى بها العصور التى بعدها فيما عدا الإسلام .. لأنه جاء ديناً خاتماً لا يتغير ولا يتبدل الى يوم القيامة.. على أننا نجد من يقول وماذا عن قوله الله سبحانه وتعالى :
الشُّورَى
آية رقم : 13
{ شَرَعَ لَكُمْ مِن الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا والَّذِي أوْحَيْنَا إِلَيْكَ ومَا وَصَّيْنَا بِهِ إبْرَاهِيمَ ومُوسَى وعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ولا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى المُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيهِ مَن يَشَاءُ ويَهْدِي إِلَيهِ مَن يُنِيبُ *}
نقول إن هذا يأتى فى شئ واحد .. يتعلق بالأمر الثابت فى رسالات السماء وهو قضية قمة العقيدة والإيمان بالله الواحد .. أما فيما يتعلق بقضايا الحياة فإننا نجد أحكاماً فى هذه الحركة حسب ما طرأ عليها من توسعات .. ولذلك عندما جاء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أعطى أشياء يعالج قضايا لم تكن موجودة فى عهد الرسل السابقين.
ويقول الله تبارك وتعالى { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا } .. كلمة " ننسخ " معناها نزيل آية كانت موجودة ونأتى بآية أخرى بدلا منها ..
كما يقال نسخت الشمس الظل .. أى أن الظل كان موجودا وجاءت الشمس فمحته وحلت هى مكانه .. ويقال نسخت الكتاب أى نقلته إلى صور متعددة ، ونسخ الشيب الشباب أى أصبح الشاب شيخ ..
وفي صحيح مسلم .
{ لم تكن نبوة قط إلا تناسخت أي تحولت من حال إلى حال }
قال علماؤنا رحمهم الله تعالى :
جائز نسخ الأثقل إلى الأخف ، كنسخ الثبوت لعشرة بالثبوت لاثنين .
ويجوز نسخ الأخف إلى الأثقل ، كنسخ يوم عاشوراء والأيام المعدودة برمضان
وقال ابن جرير : "ما ننسخ من آية"، ما ننقل من حكم آية إلى غيره، فنبدله ونغيره، وذلك أن نحول الحلال حراماً، والحرام حلالاً، والمباح محظوراً، والمحظور مباحاً، ولا يكون ذلك، إلا في الأمر والنهي والحظر والإطلاق والمنع والإباحة، فأما الأخبار فلا يكون فيها ناسخ ولا منسوخ، وأصل النسخ من نسخ الكتاب وهو نقله من نسخة إلى أخرى غيرها .
نأتى للنسخ فى القرآن الكريم .. قوم قالوا لا نسخ فى القرآن أبداً .. لماذا ؟
لأن النسخ بداء من الله .. ما معنى البداء ؟
البداء : هو أن نأتى بحكم ثم يأتى التطبيق فيثبت قصور الحكم عن مواجهة القضية فيعدل الحكم .. وهذا محال أن يطلق على الله تبارك وتعالى ..
ولكننا نقول أن النسخ ليس بداء ، وإنما هو إزالة الحكم والمجئ بحكم أخر ..
ونقول لهم ساعة حكم الله الحكم أولاً فهو سبحانه يعلم أن هذا الحكم له وقت محدود ينتهى فيه ثم يحل مكانه حكم جديد .. ولكن الظرف والمعالجة يقتضيان أن يحدث ذلك بالتدريج .. وليس معنى ذلك أن الله سبحانه قد حكم بشئ ثم جاء واقع أخر أثبت أن الحكم قاصر فعدل الله عن الحكم .. إن هذا غير صحيح.
لماذا ؟.. لأنه ساعة حكم الله أولاً كان يعلم أن الحكم له زمن أو يطبق لفترة .. ثم بعد ذلك ينسخ أو يُبدل بحكم أخر.
إذن فالمشرع الذى وضع هذا الحكم وضعه على اساس أن سينتهى وسيحل محله حكم جديد ..
وليس هذا كواقع البشر .. فأحكام البشر وقوانينهم تُعدل لأن واقع التطبيق يثبت قصور الحكم عن مواجهة قضاية الواقع .. لأنه ساعة وضع الناس الحكم علموا أشياء وخفيت عنهم أشياء .. فجاء الواقع ليظهر ما خفى وأصبح الحكم لابد أن ينسخ أو يعدل .. ولكن الأمر مع الله سبحانه وتعالى ليس كذلك .. الله جعل الحكم موقوتاً ساعة جاء الحكم الأول .
مثلاً : حين وجه الله المسلمين الى بيت المقدس .. أكانت القضية عند الله أن القبلة ستبقى إلى بيت القدس طالما وجِد الأسلام وإلى يوم القيامة ؟ ثم بدا له سبحانه وتعالى أن يوجه المسلمين إلى الكعبة ؟
لا ..
لم تكن هذه هى الصورة .. ولكن كان فى شرع الله أن يتوجه المسلمون أولاً إلى بيت المقدس فترة ثم بعد ذلك يتوجهون إلى الكعبة إلى يوم القيامة
إذن فالواقع لم يضطر المشرع الى أن يعدل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة وإنما كان فى علمه وفى شرعه أنه سيغير القبله بعد فتره إلى الكعبة .. ولعل لذلك هدف إيمانياً فى أن العلة فى الأمور هى أنها من الله .. فالأتجاه الى بيت المقدس أو الأتجاه الى الكعبة لا يكلف المؤمنين جهداً إيمانياً إضافياً .. ولا يضع عليهم تكاليف جديده .. فنفس الجهد الذى أبذله للأتجاه الى الشرق أبذله للأتجاه الى الغرب .. ولكن الاختبار الإمانى أن تكون علة الأمر أنه صادر من الله .. فإذا قال الله أتجه الى بيت المقدس أتجهنا .. فإذا قال أتجه الى الكعبة أتجهنا .. ولا قدسية لشئ فى ذاته .. ولكن القدسية لأمر الله فيه .
والله تبارك وتعالى حين أمر الملائكة أن يسجدوا لآدم لم يسجدوا لذات آدم ولكنهم سجدوا لأمر الله بالسجود لآدم ، والله سبحانه وتعالى اختار الكعبة المشرفه بيتاً ومسجداً له فى الأرض ... واتخذت الكعبة مقامها العالى عند المسلمين ليس لأنها بقعة فى مكان ما جاءها إبراهيم والأنبياء وحج إليها الناس ، ولكن مقامها جاء من انها هى بيت الله باختيار الله لها .. وكل مساجد الأرض هى بيوت الله باختيار خلق الله .. ولكن المسجد الوحيد الذى هو بيت الله باختيار الله هو الكعبة .. ولذلك كان لابد لكل المساجد التى هى باختيار الله .. أن تتجه إلى المسجد الذى هو باختيار الله .. ولكن العلة الإيمانية الكبرى هى أن نؤمن أن صدور الأمر من الله هو الحيثية لاتباع هذا الأمر دون أن نبحث عن اسبابه الدنيوية .
فإذا قال الله سبحانه وتعالى الصلاة خمس مرات فى اليوم .. فدون أن نبحث عن السبب أو نقول لماذا خمسة ؟ فلننقص منها .. دون أن نفعل ذلك نصلى خمس مرات فى اليوم والسبب ان الله تعالى قال .. وهكذا الزكاة ، وهكذا الصوم وهكذا الحج .. كلها تتم طاعة لله .. وهكذا تغيير القبله تم اختباراً للطاعة الإيمانية لله ..
فالله موجود فى كل مكان .. فلا يأتى أحد ليقول لماذا الكعبة ؟ وهل الله ليس موجوداً إلا فى الكعبة ؟ نقول :
لا إنه موجود فى كل مكان .. ولكنه أمرنا ان نتجه الى الكعبة .. ونحن لا نتجه إليها لأننا نعتقد ان الله تبارك وتعالى موجود فى هذا المكان فقط .. ولكن طاعة لأمر الله الذى امرنا ان تكون قبلتنا الى الكعبة.
ولعل تغيير القبلة يعطينا فلسفة نسخ الآيات .. لماذا ؟
لأنه لم توجد أية ظروف أو تجد وقائع ، أو تظهر أشياء كانت خفية تجعل الاتجاه إلى بيت المقدس صعباً أو محوطاً بالمشاكل أو غير ذلك ، ولكن تغيير القبلة جاء هنا لأن الله سبحانه وتعالى شاء أن يتوجه المسلمون إلى بيت المقدس فترة ثم يتوجهوا إلى الكعبة إلى يوم القيامة .
إذن : فكل آية نُسخت كان فى علم الله سبحانه وتعالى أنها ستطبق لفترة معينة ثم بعد ذلك ستعدل .. وكان كل من الحكم الذى سينسخ ، والوقت الذى سيستغرقه ، والحكم الذى سيأتى بعده معلوماً عند الله تبارك و تعالى ومقررا منذ الأزل وقبل بداية الكون ... وأيضاً فإن الله أراد أن يلفتنا بالتوجه إلى بيت المقدس أولاً .. لأن الإسلام دين يشمل كل الأديان ، وأن بيت المقدس سيصبح من مقدسات الإسلام .. وأنه لا يمكن لأحد أن يدعى ان المسلمين لن يكون لهم شأن فى بيت المقدس ، لذلك أسرى الله سبحانه وتعالى برسوله صلى الله عليه وسلم من مكة الى بيت المقدس ... ليثبت أن لبيت المقدس قداسة فى الإسلام وإنه من المقدسات عند الله ..
ومن هنا كان التوجه إلى بيت المقدس كقبله أولى ، ثم نسخ الله القبلة إلى الكعبة .. فالحق جل جلاله يقول : { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها } ...
أى أن النسخ يكون إما أت يأتى الله سبحانه وتعالى بخير من هذه الآية أو يأتى بمثلها .. وهل الأية المنسوخة كان هناك خير منها ولم ينزله الله ؟ نقول :
لا .. المعنى ان الآية المنسوخة كانت خيراً فى زمانها .. والحكم الثانى كان زيادة فى الخير بعد فترة من الزمن .. كلاهما خير فى زمنه وفى أحكامه .. والله تبارك وتعالى أنزل الآية الكريمة :
آلِ عِمْرَان
آية رقم : 102
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ }
ولكن من يستطيع أن يتقى الله حق تقاته .. ذلك صعب على المسلمين .. ولذلك عندما نزلت الآية قالوا ليس منا من يستطيع أن يتقى الله حق تقاته .. فنزلت
الآية الكريمة :
التَّغَابُن
آية رقم : 16
{ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيرًا لأَنْفُسِكُم وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ }
الذى يتقى الله حق تقاته خير ، أم الذى يتقى الله ما أستطاع ؟ طبعاً حق تقاته خير من قدر الاستطاعة .. ولكن الله سبحانه وتعالى يقول { نأت بخير منها } ..
نقول إنك لم تفهم عن الله .. { اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } فى الآية الأولى أو { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم } فى الآية الثانية .. أى الحالتين أحسن ؟ بقول إن العبرة بالنتيجة .. عندما تريد أن تقيم شيئاً لابد أن تبحث عن نتيجته أولا .
ولنقرب المعنى للأذهان سنضرب مثلا ولله المثل الأعلى .. نفرض اِن هناك تاجر يبيع السلع بربح خمسين فى المائة .. ثم جاء تاجر أخر يبيع نفس السلع بربح خمسة عشر فى المائة .. ماذا يحدث ؟ سيقبل الناس طبعاً على ذلك الذى يبيع السلع بربح خمسة عشر فى المائة ويشترون منه كل ما يريدون ، والتاجر الذى يبيع السلع بربح خمسين فى المائة يحقق ربحاً أكبر .. ولكن الذى يبيع بربح خمسة عشر فى المائة يحقق ربحاً أقل ولكن بزيادة الكمية المبيعة .. يكون الربح فى النهاية أكبر .
والذى يكبق الآية الكريمة { اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } يحقق خيراً أكبر فى عمله .. ولكنه لا يستطيع أن يتقى الله حق تقاته إلا فى أعمال محدودة جداً .
إذن الخير هنا أكبر ولكن العمل الذى تنطبق عليه الآية محدود .
أما قوله تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم } فإنه قد حدد التقوى بقدر الأستطاعة .. ولذلك تكون الأعمال المقبوله كثيرة وإن كان الأجر عليها أقل .
عندما نأتى إلى النتيجة العامة .. أعمال أجرها أعلى ولكنها قليلة ومحدودة جداً .. وأعمال أجرها أقل ولكنها كثيرة .. أيهما فيه الخير ؟ طبعاً الأعمال الكثيرة ذات الأجر الأقل فى مجموعها تفوق الأعمال القليلة ذات الأجر المرتفع .
إذن : فقد نسخت هذه الآية بما هو خير منها .. رغم أن الظاهر لا يبدو كذلك ، لأن اتقاء الله حق تقاته خير من اتقاء الله قدر الاستطاعة .. ولكن فى المحصلة العامة الخير فى الأية التى نصت على الاستطاعة ..
نأتى بعد ذلك إلى قوله تعالى : { أَوْ مِثْلِهَا } .. هنا توقف بعض العلماء : قد يكون مفهومها أن ينسخ الله آية بخير منها ، ولكن ما هى الحكمة فى أن ينسخها بمثلها ؟
إذا كانت الآية التى نسخت مثل الأية التى جاءت .. فلماذا تم النسخ ؟
نقول : إننا إذا ضربنا مثلاً لذلك فهو مثل تغيير القبلة .. ان الله تبارك وتعالى حين أمر المسلمين بالتوجه إلى الكعبة بدلا من بيت المقدس نسخ آية بمثلها .. لأن التوجه إلى الكعبة لا يكلف المؤمن أية مشقة أو زيادة فى التكليف .. فالإنسان يتوجه ناحية اليمين أو الى اليسار أو الى الأمام أو الى الخلف وهو نفس الجهد .. والله سبحانه وتعالى كما قلنا موجود .. وهنا تبرز الطاعة الإيمانية التى تحدثنا عنها وأن هناك أفعالاً نقوم بها لأن الله قال .. وهذه تأتى فى العبادات لأن العبادة هى طاعة عابد لأمر معبود .. والله تبارك وتعالى يريد أن نثبت العبودية له عن حب واختيار .. فإن قال افعلوا كذا فعلنا .. وإن قال لا تفعلوا لا تفعل .. والعلة فى هذا أننا نريد اختياراً أن نجعل مراداتنا فى الكون خاضعة لمرادات الله سبحانه وتعالى .. إذن مثلها لم تأتى بلا حكمة بل جاءت لحكمة عالية .
والحق سبحانه وتعالى يقول { أَوْ نُنْسِهَا } ما معنى ننسها ؟
قال بعض العلماء : إن النسخ والنسيان شئ واحد .. ولكن ساعة قال الله الحكم الأول كان فى إرادته ومشيئته وعلمه أن يأتى حكم آخر بعد مدة .. ساعة جاء الحكم الأول ترك الحكم الثانى فى مشيئته قدراً من الزمن حتى يأتى موعد نزوله .
إذن فساعة يأتى الحكم الأول .. يكون الحكم مرجأ ولكنه فى علم الله . ينتظر انقضاء وقت الحكم الأول : { ما ننسخ من آية } هى الآية المنسوخة أو التى سيتم عدم العمل بها : { أو ننسها } .. أى لا يبلغها الله للرسول والمؤمنين عن طريق الوحى مع انها موجودة فى علمه سبحانه .. ويجب أن نتنبه إلى أن النسخ لا يحدث فى شيئين :
الأول :
أمور العقائد فلا تنسخ آية آية أخرى فى أمر العقيدة .. فالعقائد ثابته لا تتغير منذ عهد آدم حتى يوم القيامة .. فالله سبحانه واحد احد لا تغيير ولا تبديل ، والغيب قائم ، والآخرة قادمة والملائكة يقومون بمهامهم .. وكل ما يتعلق بأمور العقيدة لا ينسخ أبداً .
و الثانى :
الإخبار من الله عندما يعطينا الله تبارك وتعالى آية فيها خبر لا ينسخها بآية جديدة .. لأن الإخبار هو الإبلاغ بشئ واقع .. والحق سبحانه وتعالى إخباره لنا بما حدث لا ينسخ لأنه بلاغ صدق من الله .. فلا تروى لنا حادثة الفيل ثم تنسخ بعد ذلك وتروى بتفاصيل أخرى لأنها أبلغت كما وقعت .. إذن لا نسخ فى العقائد والإخبار عن الله .. ولكن النسخ يكون فى التكليف .. مثل قول الحق تبارك وتعالى : -
الأَنْفَال 65
{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ المُؤْمِنِينَ عَلَى القِتَالِ إِن يَّكُن مِّنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَّكُن مِّنْكُم مِّائَةٌ يَّغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ }
كأن المقياس ساعة نزول هذه الآية أن الواحد من المؤمنين يقابل عشرة من الكفار ويغلبهم .. ولكن كانت هذه عملية شاقة على المؤمنين .. ولذلك نسخها الله ليعطينا على قدر طاقتنا .. فنزلت الآية الكريمة :
الأَنْفَال 66
{ الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَّكُن مِّنْكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَّغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَّكُن مِّنْكُمْ أَلْفٌ يَّغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ }
والحق سبحانه وتعالى علم أن المؤمنين فيهم ضعف .. لذلك لن يستطيع الواحد منهم ان يقاتل عشرة ويغلبهم .. فنقلها إلى خير يسير يقدر عليه المؤمنون بحيث يغلب الؤمن الواحد اثنين من الكفار .. وهذا حكم لا يدخل فى العقيدة ولا فى الإخبار .. وفى أوا نزول القرآن كانت المرأم إذا زنت وشهد عليها أربعة يمسكونها فى البيت لا تخرج منه حتى الموت .. واقرأ قوله تعالى :-
النِّسَاء
آية رقم : 15
{ وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي البُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ المَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً }
وبعد أن شاع الإسلام وامتلأت النفوس بالإيمان .. نزل تشريع جديد هو الرجم أو الجلد .. ساعة نزل الحكم الأول بحبسهن كان الحكم الثانى فى علم الله .. وهذا ما نفهمه من قوله تعالى : { أو يجعل الله لهن سبيلا } .. وقوله سبحانه وتعالى { فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ } البَقَرَة آية رقم : 109
وقوله تعالى حتى يأتى الله بأمره .. كأن هناك حكماً أو أمراً فى علم الله سيأتى ليعدل الحكم الموجود .. إذن الله حين أبلغنا بالحكم الأول أعطانا فكرة .. ان هذا الحكم ليس نهائياً وأن حكماً جديداً سينزل .. بعد أن تتدرب النفوس على مراد الله من الحكم الأول .. ومن عظمة الله أن مشيئته اقتضت فى الميراث أن يعطى الوالدين اللذين بلغا أرذل العمر فقال جل جلاله :
البَقَرَة
آية رقم : 180
{ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الوَصِيَّةُ لِلوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى المُتَّقِينَ }
وهكذا جعلها فى أول الأمر وصية ولم تكن ميراثاً .. لماذا ؟ لإن الإنسان إن مات فهو الحلقة الموصولة بأبيه .. أما أبناؤه فحلقة أخرى .. ولما أستقرت الأحكام فى النفوس وأقبلت على تنفيذ ما أمر به الله .. جعل سبحانه المسألة فرضاً .. فيستوفى الحكم . ويقول جل جلاله :
النِّسَاء
آية رقم : 11
{ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فِلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُّوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا }
وهكذا بعد أن كان نصيب الوالدين فى تركه الإبن وصية .. إن شاء أوصى بها وإن شاء لم يوص أصبحت فرضاً .. وقوله تعالى : { ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير } ..
أى كل شئ يدخل فى إدارة الله وقدرته سبحانه وتعالى .. إذا قلنا إذا جاء الله بحكم لعصر فهذا هو قمة الخير .. لأنه إذا عُدل الحكم بعد أن أدى مهمته فى عصره ، فإن الحكم الجديد الذى يأتى هو قمة الخير أيضاً ، لأن الله على كل شئ قدير ، يواجه كل عصر بقمة الخير للموجودين فيه .. ولذلك فمن عظمة الله أنه لم يأت بالحكم خبراً من عنده ولكنه أشرك فيه المخاطب .. فلم يقل سبحانه { إن الله على كل شئ قدير } .. ولكنه قال { ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير } .. لأنه واثق أن كل من يسمع سيقول نعم .. وهذا ما يعرف بالأستفهام الإنكارى أو التقديرى .
=--------------------=
ملحوظة :
المقصود بقول أن الله موجود في كل مكان وأراد بذاته فهذا كفر لأنه فوق السماوات مستوٍ على عرشه.
فوجود الله تعالى وجود غير مادي ، فهو موجود في كل مكان ، وفي كل جهة ، قال تعالى : (( وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )) البقرة 115 .
أي أن الله تعالى يملك ما بين المشرق والمغرب ، فله تعالى السلطة والقدرة على ما بينهما ، فأينما توجهوا وجوهكم ، فهنالك وجه الله ، فقد وسع ذاتا وعلما وقدرة ورحمة وتوسعة على عباده ، وعليم بمصالح الكل ، وما يصدر عن الكل في كل مكان وجهة ، ولا يخفى عليه خافية .
وقال تعالى : (( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ )) ق 16 .
=----------------------=
يتبع