من دار الارقم
2009-05-28, 05:07 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد بذلت الدولة الفاطمية جهودًا خبيثة في محو السنة ونشر التشيع، وكانت خطتها المتبعة أنه في حال غياب الدولة توزع الدعاة سرًا ليقوموا بالدعوة إلى مذهب الإسماعيلية([1]) الشيعي، وفي حالة أن تكون لهم دولة فإنهم يجعلون الدين الرسمي للدولة هو المذهب الشيعي.
وعندما بدأ الفاطميون دعوتهم في بلاد المغرب، وجدوا أن التشيع كان منتشرًا هناك، لأن دولة الأدارسة التي أقامها إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب سنة 172هـ هي في الأصل دولة علوية شيعية، فمن ثم أصبحت بلاد المغرب صالحة للدعوة الإسماعيلية، فانتشر التشيع واعتنقه كثير من البربر، حتى إن أكثر وزراء الأغالبة (في تونس) كانوا على المذهب الشيعي، وكان من أبرز الدعاة للفاطميين في تلك البلاد رجل يقال له أبو عبد الله الشيعي من بلاد اليمن، له من ضروب الحيل ما لا يحصى([2]) .
ولم يكتف أبو عبد الله الشيعي بنشر الدعوة للفاطميين في بلاد المغرب، بل أخذ يعمل على بسط نفوذهم في شمال إفريقية فوقعت في يده عدة مدن، وأعلن الفاطميون قيام دولتهم سنة 296هـ إثر انتصارهم على الأغالبة في موقعة الأربس([3]) .
ورأى الفاطميون بعد أن أمتد نفوذهم في بلاد المغرب، أن هذه البلاد لا تصلح لتكون مركزًا لدولتهم، ففضلاً عن ضعف مواردها كان يسودها الاضطراب من حين لآخر، لذلك اتجهت أنظارهم إلى مصر لوفرة ثرواتها وقربها من بلاد المشرق الأمر الذي يجعلها صالحة لإقامة دولة مستقلة تنافس العباسيين([4]) .
وقد وجه الفاطميون أكثر من حملة للاستيلاء على مصر بدءًا من 301- وحتى 350هـ وفي سنة 358هـ عهد الخليفة الفاطمي إلى جوهر الصقلي كتابًا بالأمان وفيه:
"... أن يظل المصريون على مذهبهم أي لا يلزمون بالتحول إلى المذهب الشيعي، وأن يجري الأذان والصلاة وصيام شهر رمضان وفطره والزكاة والحج والجهاد على ما ورد في كتاب الله ورسوله"([5]) .
ولم يكن كتاب جوهر لأهل مصر إلى مجرد مهادنة، وعندما وصل الخليفة المعز لدين الله الفاطمي إلى القاهرة في سنة 362هـ ركز اهتمامه في تحويل المصريين إلى المذهب الشيعي، واتبعت الخلافة الفاطمية في ذاك عدة طرق منها: إسناد المناصب العليا وخاصة القضاء إلى الشيعيين، واتخاذ المساجد الكبيرة مراكز للدعاية الفاطمية، كالجامع الأزهر وجامع عمرو ومسجد أحمد بن طولون([6])، كذلك أمعن الشيعة الفاطميون في إظهارهم شعائرهم المخالفة لشعائر أهل السنة، الآذان بحي على خير العمل، والاحتفال بيوم العاشر من المحرم الذي قتل فيه الحسين بكربلاء([7]) .
وكان الفاطميون لا يقتصرون في تهييج أهل السنة على إقامة الشعائر الشيعية بل كانوا يرغمون أهل السنة ويعتدون عليهم ليشاركوهم طقوسهم.
قال المقريزي:
"وفي العاشر من المحرم سنة 363هـ سار جماعة من المصريين الشيعيين والمغاربة في موكبهم ينوحون ويبكون على الحسين، وصاروا يعتدون على كل من لم يشاركهم في مظاهر الأسى والحزن مما أدى إلى تعطيل حركة الأسواق وقيام القلائل"([8]) .
ولما آلت الخلافة إلى العزيز سنة 365هـ عني كأبيه المعز بنشر المذهب الشيعي وحتم على القضاة أن يصدروا أحكامهم وفق المذهب الشيعي كما قصر المناصب الهامة على الشيعيين، وأصبح لزامًا على الموظفين السنيين الذين تقلدوا بعض المناصب الصغيرة أن يسيروا طبقًا لأحكام المذهب الإسماعيلي، وإذا ما ثبت على أحدهم التقصير في مراعاتها عزل عن وظيفته، وكان ذلك مما دفع الكثيرين من الموظفين السنيين إلى اعتناق المذهب الفاطمي.([9])
ولما قبض الحاكم بأمر الله زمام الأمور عمد إلى إصدار كثير من الأوامر والقوانين المبنية على التعصب الشديد للمذهب الفاطمي، فأمر في سنة 395هـ بنقش سب الصحابة على جدران المساجد وفي الأسواق والشوارع والدروب وصدرت الأوامر إلى العمال في البلاد المصرية بمراعاة ذلك([10]) .
ومن الأسماء الشيعية الشهيرة في العصر الفاطمي وزير الخليفة الفاطمي المستنصر الذي كان يسمى بدر الجمالي، وكان مغاليًا في مذهب الشيعة فأظهر روح العداء والكراهة إزاء أهل السنة فجدد ما كان من أوامر ب*** الصحابة وإضافة عبارة حي على خير العمل للآذان – وغير ذلك([11]) .
وبرغم ما فعلت الخلافة الفاطمية من محاولات للقضاء على أهل السنة ومذهبهم إلا أن المذهب السني ظل محتفظًا بقوته رغم تحول بعض المصريين إلى المذهب الفاطمي.
ولم يؤثر أن الخلافة الفاطمية قامت بغزو أو عمليات عسكرية ضد الفرنجة لتوطيد أركان الإسلام، بل الثابت تاريخيًّا أنهم كانوا حربًا على أهل الإسلام سلمًا على أعدائه، فهم يضيقون الخناق على أهل السنة ويجيشون الجيوش لإرغامهم على التشيع، بينما هم مع الفرنجة سلم لهم، بل يستنجدون بهم على أهل السنة وغير ذلك.
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) الإسماعيلية: وتسمى الإمامية الإسماعيلية، وهم الذين يقولون بإمامة إسماعيل بن جعفر الصادق، وكان أكبر أولاد أبيه جعفر. وهناك الإمامية الموسوية وهم الذين قالوا بإمامة موسى الكاظم بن جعفر الصادق وهم الاثنى عشرية. وكلا الأماميتين خبيث.
([2]) انظر: المقريزي/ اتعاظ الحنفا (ص75- 77).
([3]) حسن إبراهيم/ تاريخ الدولة الفاطمية (ص50، 51).
([4]) د/ جمال الدين سرور/ الدولة الفاطمية في مصر (ص59).
([5]) المقريزي: اتعاظ الحنفا (ص148).
([6]) القلقشندي / صبح الأعشى في صناعة الإنشاء (3/483).
([7]) المقريزي : الخطط والآثار (1/389).
([8]) المقريزي : اتعاظ الحنفا (ص198).
([9]) المقريزي : الخطط والآثار (2/486).
([10]) ابن خلكان، وفيات الأعيان (2/166).
([11]) أبو المحاسن ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة في أخبار ملوك مصر والقاهرة (5/120) بتصرف.
</i>
لقد بذلت الدولة الفاطمية جهودًا خبيثة في محو السنة ونشر التشيع، وكانت خطتها المتبعة أنه في حال غياب الدولة توزع الدعاة سرًا ليقوموا بالدعوة إلى مذهب الإسماعيلية([1]) الشيعي، وفي حالة أن تكون لهم دولة فإنهم يجعلون الدين الرسمي للدولة هو المذهب الشيعي.
وعندما بدأ الفاطميون دعوتهم في بلاد المغرب، وجدوا أن التشيع كان منتشرًا هناك، لأن دولة الأدارسة التي أقامها إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب سنة 172هـ هي في الأصل دولة علوية شيعية، فمن ثم أصبحت بلاد المغرب صالحة للدعوة الإسماعيلية، فانتشر التشيع واعتنقه كثير من البربر، حتى إن أكثر وزراء الأغالبة (في تونس) كانوا على المذهب الشيعي، وكان من أبرز الدعاة للفاطميين في تلك البلاد رجل يقال له أبو عبد الله الشيعي من بلاد اليمن، له من ضروب الحيل ما لا يحصى([2]) .
ولم يكتف أبو عبد الله الشيعي بنشر الدعوة للفاطميين في بلاد المغرب، بل أخذ يعمل على بسط نفوذهم في شمال إفريقية فوقعت في يده عدة مدن، وأعلن الفاطميون قيام دولتهم سنة 296هـ إثر انتصارهم على الأغالبة في موقعة الأربس([3]) .
ورأى الفاطميون بعد أن أمتد نفوذهم في بلاد المغرب، أن هذه البلاد لا تصلح لتكون مركزًا لدولتهم، ففضلاً عن ضعف مواردها كان يسودها الاضطراب من حين لآخر، لذلك اتجهت أنظارهم إلى مصر لوفرة ثرواتها وقربها من بلاد المشرق الأمر الذي يجعلها صالحة لإقامة دولة مستقلة تنافس العباسيين([4]) .
وقد وجه الفاطميون أكثر من حملة للاستيلاء على مصر بدءًا من 301- وحتى 350هـ وفي سنة 358هـ عهد الخليفة الفاطمي إلى جوهر الصقلي كتابًا بالأمان وفيه:
"... أن يظل المصريون على مذهبهم أي لا يلزمون بالتحول إلى المذهب الشيعي، وأن يجري الأذان والصلاة وصيام شهر رمضان وفطره والزكاة والحج والجهاد على ما ورد في كتاب الله ورسوله"([5]) .
ولم يكن كتاب جوهر لأهل مصر إلى مجرد مهادنة، وعندما وصل الخليفة المعز لدين الله الفاطمي إلى القاهرة في سنة 362هـ ركز اهتمامه في تحويل المصريين إلى المذهب الشيعي، واتبعت الخلافة الفاطمية في ذاك عدة طرق منها: إسناد المناصب العليا وخاصة القضاء إلى الشيعيين، واتخاذ المساجد الكبيرة مراكز للدعاية الفاطمية، كالجامع الأزهر وجامع عمرو ومسجد أحمد بن طولون([6])، كذلك أمعن الشيعة الفاطميون في إظهارهم شعائرهم المخالفة لشعائر أهل السنة، الآذان بحي على خير العمل، والاحتفال بيوم العاشر من المحرم الذي قتل فيه الحسين بكربلاء([7]) .
وكان الفاطميون لا يقتصرون في تهييج أهل السنة على إقامة الشعائر الشيعية بل كانوا يرغمون أهل السنة ويعتدون عليهم ليشاركوهم طقوسهم.
قال المقريزي:
"وفي العاشر من المحرم سنة 363هـ سار جماعة من المصريين الشيعيين والمغاربة في موكبهم ينوحون ويبكون على الحسين، وصاروا يعتدون على كل من لم يشاركهم في مظاهر الأسى والحزن مما أدى إلى تعطيل حركة الأسواق وقيام القلائل"([8]) .
ولما آلت الخلافة إلى العزيز سنة 365هـ عني كأبيه المعز بنشر المذهب الشيعي وحتم على القضاة أن يصدروا أحكامهم وفق المذهب الشيعي كما قصر المناصب الهامة على الشيعيين، وأصبح لزامًا على الموظفين السنيين الذين تقلدوا بعض المناصب الصغيرة أن يسيروا طبقًا لأحكام المذهب الإسماعيلي، وإذا ما ثبت على أحدهم التقصير في مراعاتها عزل عن وظيفته، وكان ذلك مما دفع الكثيرين من الموظفين السنيين إلى اعتناق المذهب الفاطمي.([9])
ولما قبض الحاكم بأمر الله زمام الأمور عمد إلى إصدار كثير من الأوامر والقوانين المبنية على التعصب الشديد للمذهب الفاطمي، فأمر في سنة 395هـ بنقش سب الصحابة على جدران المساجد وفي الأسواق والشوارع والدروب وصدرت الأوامر إلى العمال في البلاد المصرية بمراعاة ذلك([10]) .
ومن الأسماء الشيعية الشهيرة في العصر الفاطمي وزير الخليفة الفاطمي المستنصر الذي كان يسمى بدر الجمالي، وكان مغاليًا في مذهب الشيعة فأظهر روح العداء والكراهة إزاء أهل السنة فجدد ما كان من أوامر ب*** الصحابة وإضافة عبارة حي على خير العمل للآذان – وغير ذلك([11]) .
وبرغم ما فعلت الخلافة الفاطمية من محاولات للقضاء على أهل السنة ومذهبهم إلا أن المذهب السني ظل محتفظًا بقوته رغم تحول بعض المصريين إلى المذهب الفاطمي.
ولم يؤثر أن الخلافة الفاطمية قامت بغزو أو عمليات عسكرية ضد الفرنجة لتوطيد أركان الإسلام، بل الثابت تاريخيًّا أنهم كانوا حربًا على أهل الإسلام سلمًا على أعدائه، فهم يضيقون الخناق على أهل السنة ويجيشون الجيوش لإرغامهم على التشيع، بينما هم مع الفرنجة سلم لهم، بل يستنجدون بهم على أهل السنة وغير ذلك.
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) الإسماعيلية: وتسمى الإمامية الإسماعيلية، وهم الذين يقولون بإمامة إسماعيل بن جعفر الصادق، وكان أكبر أولاد أبيه جعفر. وهناك الإمامية الموسوية وهم الذين قالوا بإمامة موسى الكاظم بن جعفر الصادق وهم الاثنى عشرية. وكلا الأماميتين خبيث.
([2]) انظر: المقريزي/ اتعاظ الحنفا (ص75- 77).
([3]) حسن إبراهيم/ تاريخ الدولة الفاطمية (ص50، 51).
([4]) د/ جمال الدين سرور/ الدولة الفاطمية في مصر (ص59).
([5]) المقريزي: اتعاظ الحنفا (ص148).
([6]) القلقشندي / صبح الأعشى في صناعة الإنشاء (3/483).
([7]) المقريزي : الخطط والآثار (1/389).
([8]) المقريزي : اتعاظ الحنفا (ص198).
([9]) المقريزي : الخطط والآثار (2/486).
([10]) ابن خلكان، وفيات الأعيان (2/166).
([11]) أبو المحاسن ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة في أخبار ملوك مصر والقاهرة (5/120) بتصرف.
</i>