الداعي
2009-07-12, 06:36 PM
الفاضلة أيام, تحيةً طيبةً, وبعد:
فإنَّ الله I يقول مخاطبًا سيدنا محمدًا e: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾, (آل عمران: 7).
الآيات في كتاب الله نوعان: آيات محكمة, وآيات متشابهة. فالآيات المحكمات: هي التي معانيها واضحة بيِّنة لا تحتاج إلى جهد كبير لفهمها, بل يستطيع فهمها من آتاه الله علما مناسبا, فمعناها ظاهر منكشف, نحو: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾, (البقرة: 275). والآيات المتشابهات: هي التي يتشابه معناها على السامع؛ فتحتمل أكثر من معنى, وهذا الاحتمال نوعان:
1. نوع على جهة التساوي, نحو: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾, (البقرة: 228)؛ فلظ (قُرُوءٍ) يحتمل أن يكون الحيض أو الطهر. ونحو: ﴿إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾, (البقرة: 237)؛ فلظ (الَّذِي) يحتمل أن يكون الزوج أو الولي.
2. نوع على غير جهة التساوي, نحو: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾, (آل عمران: 54). ونحو: ﴿وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾, (الزمر: 67). ونحو: ﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا﴾, (الجن: 3).
والآيات المتشابهة تحتاج إلى جهد كبير؛ لتعيين المقصود منها, وهي لا تحتاج إلى علماء فحسب, بل تحتاج إلى علماء راسخين في العلم؛ ذلك أنَّ الآيات المتشابهات لا يعلمها إلا اثنان: الله, والراسخون في العلم. قال الله U: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾, ويكون حال الراسخين في العلم تجاه هذا المتشابه هو: ﴿يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾.
ويقول عالم الأصول الجليل, الشيخ عطاء بن خليل أبو الرشته, معلِّقأ على قوله: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾:" إنَّ الذين في قلوبهم شكٌّ وانحراف عن الحقِّ يخوضون في المتشابه, وهم ليسوا له بأهل؛ وذلك طلباً لإيقاع الفتنة والانحراف بالتفسير والتأويل؛ لإحداث تشويه وتضليل. ولذلك فإنَّ الذي يخوض في المتشابه وهو ليس له بأهل يقع في إثم كبير قد يوصله إلى الكفر إن قاده إلى إنكار العقيدة, أو إلى حكم معلوم من الدين بالضرورة. ومن لم يعلم تأويل المتشابه فليقل: لا أدري؛ فإنَّ الأمر عظيم, وهو لا يحتاج إلى علم فحسب, بل إلى رسوخ في العلم. فإن لم يكن من أهله فلينقل من المجتهدين من أهله, وليتعلم منهم حتى لا يقع في غضب من الله كبير". (أبو يسين (عطاء بن خليل): التيسير في أصول التفسير. ص: 31).
ويقول القاضي تقيُّ الدين النَّبهاني عن المتشابه:" فإنه يحتمل عدة معان, حسب فهم اللغة العربية من حيث أساليب العرب, وحسب المعاني الشرعية, فهذا كله متشابه. وإنما سمي متشابها؛ لاشتباه معناه على السامع, وليس المتشابه هو الذي لا يفهم معناه؛ لأنه لا يوجد في القرآن شيء لا يفهم معناه؛ لأن اشتمال القرآن على شيء غير مفهوم يخرجه عن كونه بيانا للناس, وهو خلاف قوله تعالى: ﴿هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ﴾. وأما حروف المعجم في أوائل السور فإن لها معنى؛ لأنها أسماء للسور, ومعرِّفة لها, فيقال: سورة ألم البقرة, وسورة ألم آل عمران, وسورة كهيعص مريم, وسورة حم فصلت...إلخ. ولا يوجد في القرآن شيء لا معنى له ولا يمكن فهمه, بل كل ما ورد في القرآن يمكن فهمه, وتعالى الله عن أن يخاطب الناس بما يستحيل عليهم فهمه". ( أبو إبراهيم (تقي الدين النبهاني): الشخصية الإسلامية (أصول الفقه). ج: 3, ص: 72).
والإسلام قد أقرَّ اختلاف الأفهام مادام حسب اللغة العربية, وحسب أصول التفسير. فالنبي e قد أقرَّ اختلاف الأفهام في الآيات والأحاديث. عن ابن عمر, قال:" قَالَ النَّبِيُّ e يَوْمَ الأَحْزَابِ:" لا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ"، فَأَدْرَكَ بَعْضُهُمُ الْعَصْرَ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لا نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نُصَلِّي لَمْ يُرِدْ مِنَّا ذَلِكَ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ e, فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ", متفق عليه. ونفهم من هذا الحديث ما يلي:
1. قول النبي e متشابه, له معنيان, وهما:
أ- منطوق الكلام, أي ما يدلُّ عليه ظاهر اللفظ, وهذا فهم من قال:" لا نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا"؛ لأنَّهم اعتبروا قول النبي e نهيا عن الصلاة بغير بني قريظة.
ب- لازم الكلام, وهو ما يعرف بالكناية, وهذا فهم من قال:" بَلْ نُصَلِّي لَمْ يُرِدْ مِنَّا ذَلِكَ"؛ لأنَّهم فهموا من الكلام الحثَّ على أن يسرعوا بالخروج. فمثلا نقول: مُدَّ يدك, فقد نفهم من العبارة حقيقتها فنمدَّ يدنا, وقد نفهم من العبارة لازمها (الكناية)؛ فنعلم أنَّه يقصد بلفظ (مدَّ يدك) طلب المساعدة.
2. النبي e قد أقرَّ الفريقين على الاختلاف في المعنى, وهذا ظاهر في قول ابن عمر:" فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ e فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ".
وأخيرًا, فإن كانت هناك آية متشابهة, وآية محكمة, فإنَّ الآية المتشابهة تحمل على المحكمة في تفسيرها. وإن كانت هناك قراءتان للآية: إحداها متشابهة, والثانية محكمة, فإنَّ المحكم قاضٍ على المتشابه.
بانتظار تعليقاتك أو استفساراتك, أو ما ترومين. أيتها الفاضلة.
فإنَّ الله I يقول مخاطبًا سيدنا محمدًا e: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾, (آل عمران: 7).
الآيات في كتاب الله نوعان: آيات محكمة, وآيات متشابهة. فالآيات المحكمات: هي التي معانيها واضحة بيِّنة لا تحتاج إلى جهد كبير لفهمها, بل يستطيع فهمها من آتاه الله علما مناسبا, فمعناها ظاهر منكشف, نحو: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾, (البقرة: 275). والآيات المتشابهات: هي التي يتشابه معناها على السامع؛ فتحتمل أكثر من معنى, وهذا الاحتمال نوعان:
1. نوع على جهة التساوي, نحو: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾, (البقرة: 228)؛ فلظ (قُرُوءٍ) يحتمل أن يكون الحيض أو الطهر. ونحو: ﴿إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾, (البقرة: 237)؛ فلظ (الَّذِي) يحتمل أن يكون الزوج أو الولي.
2. نوع على غير جهة التساوي, نحو: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾, (آل عمران: 54). ونحو: ﴿وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾, (الزمر: 67). ونحو: ﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا﴾, (الجن: 3).
والآيات المتشابهة تحتاج إلى جهد كبير؛ لتعيين المقصود منها, وهي لا تحتاج إلى علماء فحسب, بل تحتاج إلى علماء راسخين في العلم؛ ذلك أنَّ الآيات المتشابهات لا يعلمها إلا اثنان: الله, والراسخون في العلم. قال الله U: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾, ويكون حال الراسخين في العلم تجاه هذا المتشابه هو: ﴿يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾.
ويقول عالم الأصول الجليل, الشيخ عطاء بن خليل أبو الرشته, معلِّقأ على قوله: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾:" إنَّ الذين في قلوبهم شكٌّ وانحراف عن الحقِّ يخوضون في المتشابه, وهم ليسوا له بأهل؛ وذلك طلباً لإيقاع الفتنة والانحراف بالتفسير والتأويل؛ لإحداث تشويه وتضليل. ولذلك فإنَّ الذي يخوض في المتشابه وهو ليس له بأهل يقع في إثم كبير قد يوصله إلى الكفر إن قاده إلى إنكار العقيدة, أو إلى حكم معلوم من الدين بالضرورة. ومن لم يعلم تأويل المتشابه فليقل: لا أدري؛ فإنَّ الأمر عظيم, وهو لا يحتاج إلى علم فحسب, بل إلى رسوخ في العلم. فإن لم يكن من أهله فلينقل من المجتهدين من أهله, وليتعلم منهم حتى لا يقع في غضب من الله كبير". (أبو يسين (عطاء بن خليل): التيسير في أصول التفسير. ص: 31).
ويقول القاضي تقيُّ الدين النَّبهاني عن المتشابه:" فإنه يحتمل عدة معان, حسب فهم اللغة العربية من حيث أساليب العرب, وحسب المعاني الشرعية, فهذا كله متشابه. وإنما سمي متشابها؛ لاشتباه معناه على السامع, وليس المتشابه هو الذي لا يفهم معناه؛ لأنه لا يوجد في القرآن شيء لا يفهم معناه؛ لأن اشتمال القرآن على شيء غير مفهوم يخرجه عن كونه بيانا للناس, وهو خلاف قوله تعالى: ﴿هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ﴾. وأما حروف المعجم في أوائل السور فإن لها معنى؛ لأنها أسماء للسور, ومعرِّفة لها, فيقال: سورة ألم البقرة, وسورة ألم آل عمران, وسورة كهيعص مريم, وسورة حم فصلت...إلخ. ولا يوجد في القرآن شيء لا معنى له ولا يمكن فهمه, بل كل ما ورد في القرآن يمكن فهمه, وتعالى الله عن أن يخاطب الناس بما يستحيل عليهم فهمه". ( أبو إبراهيم (تقي الدين النبهاني): الشخصية الإسلامية (أصول الفقه). ج: 3, ص: 72).
والإسلام قد أقرَّ اختلاف الأفهام مادام حسب اللغة العربية, وحسب أصول التفسير. فالنبي e قد أقرَّ اختلاف الأفهام في الآيات والأحاديث. عن ابن عمر, قال:" قَالَ النَّبِيُّ e يَوْمَ الأَحْزَابِ:" لا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ"، فَأَدْرَكَ بَعْضُهُمُ الْعَصْرَ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لا نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نُصَلِّي لَمْ يُرِدْ مِنَّا ذَلِكَ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ e, فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ", متفق عليه. ونفهم من هذا الحديث ما يلي:
1. قول النبي e متشابه, له معنيان, وهما:
أ- منطوق الكلام, أي ما يدلُّ عليه ظاهر اللفظ, وهذا فهم من قال:" لا نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا"؛ لأنَّهم اعتبروا قول النبي e نهيا عن الصلاة بغير بني قريظة.
ب- لازم الكلام, وهو ما يعرف بالكناية, وهذا فهم من قال:" بَلْ نُصَلِّي لَمْ يُرِدْ مِنَّا ذَلِكَ"؛ لأنَّهم فهموا من الكلام الحثَّ على أن يسرعوا بالخروج. فمثلا نقول: مُدَّ يدك, فقد نفهم من العبارة حقيقتها فنمدَّ يدنا, وقد نفهم من العبارة لازمها (الكناية)؛ فنعلم أنَّه يقصد بلفظ (مدَّ يدك) طلب المساعدة.
2. النبي e قد أقرَّ الفريقين على الاختلاف في المعنى, وهذا ظاهر في قول ابن عمر:" فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ e فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ".
وأخيرًا, فإن كانت هناك آية متشابهة, وآية محكمة, فإنَّ الآية المتشابهة تحمل على المحكمة في تفسيرها. وإن كانت هناك قراءتان للآية: إحداها متشابهة, والثانية محكمة, فإنَّ المحكم قاضٍ على المتشابه.
بانتظار تعليقاتك أو استفساراتك, أو ما ترومين. أيتها الفاضلة.