ركن الدين
2009-07-23, 09:04 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اطرح بين يديكم علما غفل عنه عامة الناس وبالكاد تجد احد يعرفه او حتى سمع عنه من عامة الناس وحتى من العلماء والفقهاء قليل ممن يخوض فيه فهو علم له عظماء اجتهدوا فيه الا وهو علم العلل واطلاعي عليه قليل جدا وقد نقلت هذا الموضوع لأتعلم واعلم
علم العلل
تعريف علم العلل :
هو عِلم برأسه ، وهو أَجَلُّ أنواع علم الحديث وأدَقُّها ، وأما أصحابه فهم جهابذة الفن في الحفظ والإتقان ، وأما أدواته فهي قواعد تُكشف بها الأسباب الخفية القادحة . وهو صاحب القول الفصل في قبول الحديث ورفضه ، حتى إنَّه لا يسلم كبار الحفاظ من نقده ، ولا يتكلم فيه إلا المتقنون لسائر علوم الحديث ، وأساسه التمرس والتجربة العملية الطويلة .
أهمية علم العلل :
إذا كان كل علم يشرف بمدى نفعه ، فإنَّ علم علل الحديث يعد من أشرف العلوم ؛ لأنَّه من أكثرها نفعاً ، فهو نوع من أَجَلِّ أنواع علم الحديث ، وفن من أهم فنونه ، قال الخطيب : (( معرفة العلل أَجَلُّ أنواع علم الحديث )) (1) ، ورحم الله الإمام النووي حيث قال : (( ومن أهم أنواع العلوم تحقيق معرفة الأحاديث النبويات ، أعني : معرفة متونها : صحيحها و حسنها و ضعيفها ، متصلها ومرسلها ومنقطعها ومعضلها ، ومقلوبها ، ومشهورها وغريبها وعزيزها ، ومتواترها وآحادها وأفرادها ، معروفها وشاذها ومنكرها ، ومعللها وموضوعها ومدرجها وناسخها ومنسوخها ... ))(2) .
فعلماء الحديث قد اهتموا بالحديث النبوي الشريف عموماً ؛ لأنَّه المصدر التشريعي الثاني بعد القرآن الكريم ، و قد اهتموا ببيان علل الأحاديث النبوية من حيث الخصوص ؛ لأنَّ بمعرفة العلل يعرف كلام النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم من غيره ، وصحيح الحديث من ضعيفه ، وصوابه من خطئه ، قيل لعبد الله بن المبارك(3) : هذه الأحاديث المصنوعة ؟ قال: (( تعيش لها الجهابذة ))(4) .
وقد ذكر الحاكم : (( أنَّ معرفة علل الحديث من أجَلِّ هذه العلوم )) (5) وقال : (( معرفة علل الحديث ، وهو علم برأسه غير الصحيح و السقيم ، والجرح والتعديل ))(6) .
وعلم العلل ممتد من مرحلة النقد الحديثي الذي ابتدأت بواكيره على أيدي كبار الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، حيث كان أبو بكر الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهما يحتاطان(7) في قبول الأخبار ، ويطلبان الشهادة على الحديث أحياناً ؛ من أجل تمييز الخطأ والوهم في الحديث النبوي ، ثم اهتم العلماء به من بعد ؛ لئلا ينسب إلى السنة المطهرة شيء ليس منها خطأ . فعلم العلل له مزية خاصة ، فهو كالميزان لبيان الخطأ من الصواب ، والصحيح من المعوج ، وقد اعتنى به أهل العلم قديماً وحديثاً ، ولا يزال الباحثون يحققون وينشرون تلكم الثروة العظيمة التي دَوَّنَها لنا أولئك الأئمة العظام كعلي ابن المديني ، و أحمد ، و البخاري ، و الترمذي ، و ابن أبي حاتم ، والدارقطني ، وغيرهم(8) .
وما ذلك إلا لأهمية هذا الفن فـ (( التعليل(9) أمر خفي ، لا يقوم به إلا نقاد أئمة الحديث دون الفقهاء الذين لا اطلاع لهم على طرقه وخفاياها ))(10) . ولأهميته أيضاً نجد بعض جهابذة العلماء يصرّح بأنَّ معرفة العلل والبحث عنها ، مقدم على مجرد الرواية دون سبر ولا تمحيص ، يقول عبد الرحمان بن مهدي : (( لأَنْ أعرف علة حديث هو عندي ، أحب إليَّ من أنْ أكتب حديثاً ليس عندي ))(11) .
ويزيد هذا العلم أهمية أنَّه من أشد العلوم غموضاً ، فلا يدركه إلا من رُزِقَ سعة الرواية ، وكان مع ذلك حاد الذهن ، ثاقب الفهم ، دقيق النظر ، واسع المران ، قال الحاكم : (( إنَّ الصحيح لا يعرف بروايته فقط ، وإنَّما يُعرف بالفهم والحفظ وكثرة السماع ، وليس لهذا النوع من العلم عون أكثر من مذاكرة أهل الفهم والمعرفة ، ليظهر ما يخفى من علة الحديث ، فإذا وُجد مثل هذه الأحاديث بالأسانيد الصحيحة غير مخرّجة في كتابي الإمامين البخاري ومسلم رضي الله عنهما ، لزم صاحب الحديث التنقير عن علته ، ومذاكرة أهل المعرفة به لتظهر علّته )) (12).
ونقل ابن أبي حاتم عن محمود بن إبراهيم بن سميع ، أنَّه قال : سمعت أحمد بن صالح(13) يقول : (( معرفة الحديث بمنـزلة معرفة الذهب – والشَّبَه ، فإنَّ الجوهري إنما يعرفة أهله ، وليس للبصير فيه حجة إذا قيل له : كيف قلت : إنَّ هذا بائن ؟! – يعني : الجيد أو الرديء ))(14) لذا فإنَّ وجود العارفين في فن العلل بين العلماء عزيز ، قال ابن رجب : (( وقد ذكرنا ... شرف علم العلل و عزته ، وأنَّ أهله المتحققين به أفراد يسيرة من بين الحفاظ وأهل الحديث ، وقد قال أبو عبد الله بن منده الحافظ : إنَّما خص الله بمعرفة هذه الأخبار نفراً يسيراً من كثير ممن يدّعي علم الحديث )) (15) .
وقال الحافظ ابن حجر : (( وهو من أغمض أنواع علوم الحديث وأدقها ، ولا يقوم به إلا من رزقه الله تعالى فهماً ثاقباً ، وحفظاً واسعاً ، ومعرفة تامة بمراتب الرواة ، وملكة قوية بالأسانيد والمتون ؛ ولهذا لم يتكلم فيه إلا قليل من أهل هذا الشأن : كعلي بن المديني ، وأحمد بن حنبل ، والبخاري ، ويعقوب بن شيبة ، وأبي حاتم ، وأبي زرعة ، والدارقطني ... )) (16).
وليس يلزم كشف العلة لأول وهلة ولا لثانيها ولا ولا .. يقول الخطيب : (( فمن الأحاديث ما تخفى علته ، فلا يوقف عليها إلا بعد النظر الشديد ، ومُضِيِّ الزمن البعيد ))(17) . وأسند عن علي بن المديني ، قال : (( ربما(18)أدركت علة حديث بعد أربعين سنة ))(19) .
بل ربما يكشف العالم ما خفي على من هو أعلم منه ، كالدارقطني ، وأبي علي الجياني ، وأبي مسعود الدمشقي ، وأبي الحسن بن القطان ، وابن تيمية ، وابن القيم ، وابن حجر ، وغيرهم من أئمة هذا الشأن ، فقد تعقّبوا البخاري ومسلماً - وهما من هما في الحفظ والإتقان ، بل وعلو الكعب في علم العلل عينه - في كثير من أحاديث صحيحيهما وبينوا عللها(20) ... أو قد يخالف ما قاله هو نفسه ، كما حصل لأبي حاتم الرازي حين سأله ابنه عن حديث ابن صائد أهو عن جابر أم عن ابن مسعود ؟ قال : (( عبد الله أصح ، لو كان عن جابر ، كان متصلاً . قلت : كيف كان ؟ قال : لأنَّ أبا نضرة قد أدرك جابراً ، ولم يدرك ابن مسعود ، وابن مسعود قديم الموت . وسألت أبي مرة أخرى عن هذا الحديث . فقال : يحيى القطان ومعتمر وغيرهما ، يقولون : عن التيمي ، عن أبي نضرة ، عن جابر ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وهو أشبه بالصواب ))(21) .
وقد يتوقف الناقد في حديث ما ؛ لخفاء علته ، وفي نفسه حجج للقبول والرد ولكن ليس له حجة ، قال السخاوي : (( يعني : يعبِّر بها غالباً ، وإلا ففي نفسه حجج للقبول وللدفع ))(22) ، وقال ابن حجر : (( وقد تقصر عبارة المعلل منهم ، فلا يفصح بما استقر في نفسه من ترجيح إحدى الروايتين على الأخرى ، كما في نقد الصيرفي سواء ))(23) .
من هذا العرض تتبين أهمية هذا العلم " علل الحديث " ؛ لارتباطه بالحديث النبوي أولاً ؛ ولأنَّه الفيصل بين الصحيح الذي ظاهره وباطنه السلامة وغيره .
موضوعه :
ليس كل الأحاديث ظاهرها السلامة ، ولا كل علة خفية ، فمن الأحاديث علتها ظاهرة جلية ، وهذه الأوصاف بحديث الضعيف ألصق ، وليست من علم العلل في شيء ، ومع ذلك وجدنا بعض العلماء قد أطلق العلة على الخفي منها والجلي ، واستعمال اللفظ بمعناه العام من باب التوسع .
أما الحديث المعل فهو ما اجتمع فيه ركنا العلة ، وهذا لا يكون سوى في أحاديث الثقات ؛ لأنَّ حديث الضعيف خطؤه بَيّن يتصدى له الناقد ، وفق قواعد معلومة ، أما أحاديث الثقات فهي موضوع علم العلل وميدانه بمعناه الدقيق ، ولا يتصدى لها إلا جهابذة النقاد .
وهذا النوع من النقد أوسع من الجرح والتعديل ؛ لأنَّه يواكب الثقة في حله وترحاله ، وأحاديثه عن كل شيخ من شيوخه ، ومتى ضبط ؟ ومتى نسي ؟ وكيف تحمّل ؟ وكيف أدَّى(24) ؟
إذن علم العلل يبحث عن أوهام الرواة الثقات ، ويعمل على تمحيص أحاديثهم وتمييزها ، وكشف ما يعتريها من خطأ ، إذ ليس يسلم من الخطأ أحد .
وهنا سؤال يطرح نفسه ، هل بنا اليوم حاجة إلى علم العلل ؟
لما رأى الناس ضعف المتأخرين والمعاصرين بهذا العلم ، أدركوا أنَّ الحاجة إليه لا زالت قائمة ، لاسيما أنَّ إعلال الأئمة للأحاديث مبنيٌّ على الاجتهاد وغلبة الظن ، وباب الاجتهاد لا يحل لأحد غلقه(25) ، وكذلك فإنَّ من واجب المتأخرين شرح كلام المتقدمين وبيان مرادهم في إعلالات الأحاديث ، والترجيح عند الاختلاف .
ثمرته :
لكل علم إذا استوى على سوقه ثمرة ، وثمرة علم علل الحديث الرئيسة حفظ السنة ، ففي حفظها صيانة لها ، ونصيحة الدين ، وتمييز ما قد يدخل على رواتها من الخطأ والوهم وكشف ما يعتريهم ، وبيان الدخيل فيها ، وبها تقوى الأحاديث السليمة ؛ لبـراءتها من العلل(26) .
تاريخه :
يمكن جعل البداية الحقيقية لهذا العلم من مرحلة النقد الحديثي الذي ابتدأت بواكيره على أيدي كبار الصحابة كأبي بكر وعمر وعلي(27) ، فهم أول من فتّش عن الرجال في الرواية ، وبحثوا عن النقل في الأخبار .
ثم تلقّى التابعون عن الصحابة نقد الأخبار وتمييز الروايات ، كسعيد بن جبير ، والشعبي ، وابن سيرين ، وفي هذا العصر ازدادت الحاجة إلى النقد ، حيث طرأت أمور دعتهم إلى نقد المرويات وتمييزها ، فقد كثرت الفتن ، وتعددت الفرق ، وظهرت البدع والمحدثات ، كبدعة التشيع والخوارج ، وكثر المشتغلون بعلم الحديث ، واتسعت دائرتهم ، وزادت أعداد حملة الآثار ، ونشطوا للرحلة والطلب .. فدخل في ذلك من يحسن ومن لا يحسن ، واختلفت أغراض الرواة ، وتعددت مشاربهم(28) .
وفي عصر تابعي التابعين زادت الأمور السالفة خطراً ، فانتشرت البدع بشكل متزايد ، وكثر موجودها ، وطالت الأسانيد وكثر رجالها ، ولم يبق الوهم مقتصراً على الحفظ والضبط ، بل دخل في المصنفات والكتب .
وذهب بعض الباحثين إلى أنَّ هذا المنهج تسارع ارتقاؤه ، وتعاظم ازدهاره في فترة زمنية قصيرة ، حصرها بين محمد بن سيرين المتوفى سنة (110هـ ) ويحيى بن معين المتوفى سنة (233هـ ) أي في خلال (120) سنة تقريباً ، زاعماً أنَّ هذه الفترة تضاعفت فيها أعداد الأسانيد حتى وصلت إلى المليون .
ولما دخل عصر التدوين كان هذا العلم أول ما عني به الأئمة .
وهذه المؤلفات تعطي لنا تصوراً مجملاً عن نشأة علم العلل ، وأنَّه بدأ في عصر مبكر جداً مقارنة مع بقية علوم الحديث ، وعلى الرغم من قدمِ نشأته فقد قوبل بقلة الاهتمام وضعف الجانب(29) .
مؤسسوه وأئمته :
أسهم الصحابة والتابعون من بعدهم في بناء صرح علم العلل ، وتوالتِ اللَّبناتُ ترص بعضها بعضاً حتى غدا علماً لا يُستهان بجنابه ، وقد مرّ علينا قبلُ أنَّ علم العلل بدأ بمحمد بن سيرين ؛ لأنَّه أول من اشتهر بالكلام في نقد الحديث ، مروراً بالزهري الذي كان يملي على تلامذته أشياء في نقد الأحاديث وإعلالها . حتى استقر عند شعبة بن الحجاج ، وقد جعل أحد الباحثين شعبة هو المؤسس الحقيقي لهذا العلم ؛ لأنَّ أحداً قبله لم يتكلم بالدقة والشمول اللذينِ تكلم بهما شعبة ؛ ولأنَّ الحديث أصبح صناعة(30) وفناً على يديه ، وهو أول من فتّش عن أمر المحدّثين(31) .
وقد شهد له من جاء بعده ، قال الشافعي : (( لولا شعبة ما عُرف الحديث بالعراق ))(32) وقال ابن رجب : (( وهو أول من وسّع الكلام في الجرح والتعديل ، واتصال الأسانيد وانقطاعها ، ونقّب عن دقائق علم العلل ، وأئمة هذا الشأن بعده تبع له في هذا العلم ))(33) ، وقال السمعاني : (( هو أول من فتّش بالعراق عن أمر المحدّثين ))(34) هذا هو أبو بسطام شعبة بن الحجاج المتوفَّى سنة (160هـ ) وحُقّ لعلم العلل أنْ يكون إناهُ على يديه .
وقد أخذ عن شعبة يحيى بن سعيد القطان ، وهو من أوائل من صنّف كتاباً في العلل كما ذكر ابن رجب(35) ، وأخذ عنه أيضاً عبد الرحمان بن مهدي وهو من رجال هذا الفن ، وعنهما أخذ يحيى بن معين وإليه تناهى علم العلل ، وفيه قال أحمد : (( ها هنا رجل خَلَقه الله لهذا الشأن ))(36) ، وعلي بن المديني شيخ البخاري الذي قال عنه أبو حاتم : (( كان علي بن المديني عَلَماً في الناس في معرفة الحديث والعلل ))(37) ، وأحمد بن حنبل ، ثم جاء بعدهم البخاري طبيب الحديث في علله ، ومسلم الذي أماط اللثام عن علل خفية في أحاديث الثقات في كتابه " التمييز " ، وأبو داود الذي قرر قاعدة عظيمة في هذا الباب مغزاها أنَّه قد يخرّج الحديث المعلول ، ويسكت عن بيان علته بقوله : (( لأنَّه ضرر على العامة أنْ يكشف لهم كل ما كان من هذا الباب ... ؛ لأنَّ علم العامة يقصر عن مثل هذا ))(38) ، وأبو زرعة الذي لمّ شتات هذا العلم مع أبي حاتم ، وجمع علمهما عبد الرحمان ابن أبي حاتم في مصنّفه ، وتلاهم جماعة منهم النسائي ، والعقيلي ، وابن عدي ، والدارقطني ولم يأتِ بعدهم من برع فيه ، وأخال ابن الجوزي قال قولته فيمن جاء بعدهم : (( قد قَلَّ من يفهم هذا بل عدم ))(39) .
.................................................. .
(1) " الجامع لأخلاق الراوي " قبيل (1908) .
(2) مقدمة شرحه لصحيح مسلم 1/6 .
(3) هو عبد الله بن المبارك المروزي ، ثقة ثبت ، فقيه عالم ، جواد مجاهد جمعت فيه صفات الخير . " التقريب " (3570) .
(4) أخرجه : ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 1/311 ( المقدمة ) ، وابن عدي في " الكامل " 1/192 ، وذكره ابن الجوزي في مقدمة " الموضوعات " 1/46 ط.الفكر وعقب (22) ط. أضواء السلف .
(5) " معرفة علوم الحديث " : 119 ط.العلمية و عقب (289) ط. ابن حزم .
(6) " معرفة علوم الحديث " : 112 ط.العلمية و قبيل (270) ط.ابن حزم .
(7) في احتياط الصحابة , انظر : " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي " لمصطفى السباعي : 75 , وكان علي ابن أبي طالب رضي الله عنه يستحلف الراوي أحياناً , فقد روى الإمام أحمد في مسنده 1/2 عن علي ، قال : (( كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً نفعني الله بما شاء منه ، وإذا حدثني عنه غيري استحلفته )) ، قال الحافظ ابن حجر في " تهذيب التهذيب " 1/267- 268 : (( هذا حديث جيد الإسناد )).
(8) انظر ماسيأتي من المصنفات فيه .
(9) قال البقاعي في " النكت الوفية " 1/503 بتحقيقي : (( صوابه الإعلال )) .
(10) " نكت ابن حجر " 2/714 و : 488 بتحقيقي .
(11) " علل الحديث " لابن أبي حاتم 1/387 ط. الحميّد (المقدمة ) , وقد نقله الحاكم في " معرفة علوم الحديث " : 112 ط.العلمية و (270) ط. ابن حزم , و ابن رجب في "شرح العلل " 1/199 ط. عتر و 1/470 ط.همام .
(12) " معرفة علوم الحديث " : 59-60 ط.العلمية وعقب ( 103) ط. ابن حزم .
(13) وهو أبو جعفر المعروف بابن الطبري ثقة حافظ . " تهذيب التهذيب " 1/49 ، و " التقريب" (48) .
(14)" الجامع لأخلاق الراوي " (1787) .
(15) " شرح علل الترمذي " 1/33-34 ط. عتر و 1/339-340 ط. همام .
(16) " نزهة النظر " : 72 .
(17) " الجامع لأخلاق الراوي " عقب (1788) .
(18) ربما هي ( رُبّ ) دخلت عليها ( ما ) الزائدة ، فكفتها عن الجر ، وأزالت اختصاصها بالأسماء ، ويكثر دخولها على الجملة الفعلية ، وترد للتكثير كثيراً وللتقليل قليلاً ، فليس معناها التقليل دائماً ، ولا التكثير دائماً . انظر : " مغني اللبيب " 1/118 ، و " معجم الشوارد النحوية " : 312 .
(19) " الجامع لأخلاق الراوي " عقب (1789) .
(20) وفي هذا المعنى قال شيخ الإسلام ابن تيمية في : مجموع الفتاوى " 1/183 : (( ولهذا كان جمهور ما أُنكر على البخاري مما صححه يكون قوله فيه راجحاً على قول من نازعة ، بخلاف مسلم بن الحجاج فإنَّه نُوزِع في عدة أحاديث مما خرجها ، وكان الصواب فيها مع من نازعه .. ) وانظر : " العلة وأجناسها " : 83 .
(21) " علل الحديث " لابن أبي حاتم (2754) .
(22) " فتح المغيث " 1/255 .
(23) " نكت ابن حجر " 2/711 و : 485 بتحقيقي .
(24) انظر : " مقدمة شرح علل الترمذي " 1/28 ط.همام .
(25) انظر : " تحرير علوم الحديث " 2/649 .
(26) انظر : " الخبر الثابت " : 125 ، و " العلة وأجناسها " : 8 .
(27) انظر : " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي " : 83-84 .
(28) انظر : " العلة وأجناسها " : 26-27 .
(29) انظر : " لمحات موجزة في أصول علل الحديث " :19-20 ، و " قواعد العلل وقرائن الترجيح " : 31-32 ، و " العلة وأجناسها " : 26-29 .
(30) إنَّ هذا المصطلح (( صناعة الحديث )) مصطلح قديم ، وُجد في العصر الذهبي لعلم العلل ، أي في منتصف القرن الثالث ، فقد قال مسلم في كتابه " التمييز " (102) : (( اعلم رحمك الله أنَّ صناعة الحديث ، ومعرفة أسبابه من الصحيح والسقيم ، إنَّما هي لأهل الحديث خاصة ؛ لأنَّهم الحّفاظ لروايات الناس ، العارفون لها دون غيرهم ... )) .
قلت : ومن يطالع كتب ابن حبان يجد عشرات الأقوال في استعمال هذا الاصطلاح .
(31) انظر : " اللباب في تهذيب الأنساب " 2/103 ، و " مقدمة شرح علل الترمذي " 1/30 ط.همام ، و " العلة وأجناسها " : 30 .
(32) " الجامع لأخلاق الراوي " (1522) .
(33) " شرح علل الترمذي " 1/172 ط.عتر و 1/448 ط. همام .
(34) " الأنساب " 3/318 ( العتكي ) .
(35) انظر : " شرح علل الترمذي " 2/805 ط.عتر و 2/892 ط.همام ، و " جامع العلوم والحكم " 2/133 ط.العراقية و : 579-580 ط.ابن كثير .
(36) " تاريخ بغداد " 16/268 ط. الغرب .
(37) " تقدمة المعرفة " :264 .
(38) " رسالة أبي داود إلى أهل مكة " : 50 .
(39) " الموضوعات " 1/102 ط.الفكر .
منقول للفائدة
اطرح بين يديكم علما غفل عنه عامة الناس وبالكاد تجد احد يعرفه او حتى سمع عنه من عامة الناس وحتى من العلماء والفقهاء قليل ممن يخوض فيه فهو علم له عظماء اجتهدوا فيه الا وهو علم العلل واطلاعي عليه قليل جدا وقد نقلت هذا الموضوع لأتعلم واعلم
علم العلل
تعريف علم العلل :
هو عِلم برأسه ، وهو أَجَلُّ أنواع علم الحديث وأدَقُّها ، وأما أصحابه فهم جهابذة الفن في الحفظ والإتقان ، وأما أدواته فهي قواعد تُكشف بها الأسباب الخفية القادحة . وهو صاحب القول الفصل في قبول الحديث ورفضه ، حتى إنَّه لا يسلم كبار الحفاظ من نقده ، ولا يتكلم فيه إلا المتقنون لسائر علوم الحديث ، وأساسه التمرس والتجربة العملية الطويلة .
أهمية علم العلل :
إذا كان كل علم يشرف بمدى نفعه ، فإنَّ علم علل الحديث يعد من أشرف العلوم ؛ لأنَّه من أكثرها نفعاً ، فهو نوع من أَجَلِّ أنواع علم الحديث ، وفن من أهم فنونه ، قال الخطيب : (( معرفة العلل أَجَلُّ أنواع علم الحديث )) (1) ، ورحم الله الإمام النووي حيث قال : (( ومن أهم أنواع العلوم تحقيق معرفة الأحاديث النبويات ، أعني : معرفة متونها : صحيحها و حسنها و ضعيفها ، متصلها ومرسلها ومنقطعها ومعضلها ، ومقلوبها ، ومشهورها وغريبها وعزيزها ، ومتواترها وآحادها وأفرادها ، معروفها وشاذها ومنكرها ، ومعللها وموضوعها ومدرجها وناسخها ومنسوخها ... ))(2) .
فعلماء الحديث قد اهتموا بالحديث النبوي الشريف عموماً ؛ لأنَّه المصدر التشريعي الثاني بعد القرآن الكريم ، و قد اهتموا ببيان علل الأحاديث النبوية من حيث الخصوص ؛ لأنَّ بمعرفة العلل يعرف كلام النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم من غيره ، وصحيح الحديث من ضعيفه ، وصوابه من خطئه ، قيل لعبد الله بن المبارك(3) : هذه الأحاديث المصنوعة ؟ قال: (( تعيش لها الجهابذة ))(4) .
وقد ذكر الحاكم : (( أنَّ معرفة علل الحديث من أجَلِّ هذه العلوم )) (5) وقال : (( معرفة علل الحديث ، وهو علم برأسه غير الصحيح و السقيم ، والجرح والتعديل ))(6) .
وعلم العلل ممتد من مرحلة النقد الحديثي الذي ابتدأت بواكيره على أيدي كبار الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، حيث كان أبو بكر الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهما يحتاطان(7) في قبول الأخبار ، ويطلبان الشهادة على الحديث أحياناً ؛ من أجل تمييز الخطأ والوهم في الحديث النبوي ، ثم اهتم العلماء به من بعد ؛ لئلا ينسب إلى السنة المطهرة شيء ليس منها خطأ . فعلم العلل له مزية خاصة ، فهو كالميزان لبيان الخطأ من الصواب ، والصحيح من المعوج ، وقد اعتنى به أهل العلم قديماً وحديثاً ، ولا يزال الباحثون يحققون وينشرون تلكم الثروة العظيمة التي دَوَّنَها لنا أولئك الأئمة العظام كعلي ابن المديني ، و أحمد ، و البخاري ، و الترمذي ، و ابن أبي حاتم ، والدارقطني ، وغيرهم(8) .
وما ذلك إلا لأهمية هذا الفن فـ (( التعليل(9) أمر خفي ، لا يقوم به إلا نقاد أئمة الحديث دون الفقهاء الذين لا اطلاع لهم على طرقه وخفاياها ))(10) . ولأهميته أيضاً نجد بعض جهابذة العلماء يصرّح بأنَّ معرفة العلل والبحث عنها ، مقدم على مجرد الرواية دون سبر ولا تمحيص ، يقول عبد الرحمان بن مهدي : (( لأَنْ أعرف علة حديث هو عندي ، أحب إليَّ من أنْ أكتب حديثاً ليس عندي ))(11) .
ويزيد هذا العلم أهمية أنَّه من أشد العلوم غموضاً ، فلا يدركه إلا من رُزِقَ سعة الرواية ، وكان مع ذلك حاد الذهن ، ثاقب الفهم ، دقيق النظر ، واسع المران ، قال الحاكم : (( إنَّ الصحيح لا يعرف بروايته فقط ، وإنَّما يُعرف بالفهم والحفظ وكثرة السماع ، وليس لهذا النوع من العلم عون أكثر من مذاكرة أهل الفهم والمعرفة ، ليظهر ما يخفى من علة الحديث ، فإذا وُجد مثل هذه الأحاديث بالأسانيد الصحيحة غير مخرّجة في كتابي الإمامين البخاري ومسلم رضي الله عنهما ، لزم صاحب الحديث التنقير عن علته ، ومذاكرة أهل المعرفة به لتظهر علّته )) (12).
ونقل ابن أبي حاتم عن محمود بن إبراهيم بن سميع ، أنَّه قال : سمعت أحمد بن صالح(13) يقول : (( معرفة الحديث بمنـزلة معرفة الذهب – والشَّبَه ، فإنَّ الجوهري إنما يعرفة أهله ، وليس للبصير فيه حجة إذا قيل له : كيف قلت : إنَّ هذا بائن ؟! – يعني : الجيد أو الرديء ))(14) لذا فإنَّ وجود العارفين في فن العلل بين العلماء عزيز ، قال ابن رجب : (( وقد ذكرنا ... شرف علم العلل و عزته ، وأنَّ أهله المتحققين به أفراد يسيرة من بين الحفاظ وأهل الحديث ، وقد قال أبو عبد الله بن منده الحافظ : إنَّما خص الله بمعرفة هذه الأخبار نفراً يسيراً من كثير ممن يدّعي علم الحديث )) (15) .
وقال الحافظ ابن حجر : (( وهو من أغمض أنواع علوم الحديث وأدقها ، ولا يقوم به إلا من رزقه الله تعالى فهماً ثاقباً ، وحفظاً واسعاً ، ومعرفة تامة بمراتب الرواة ، وملكة قوية بالأسانيد والمتون ؛ ولهذا لم يتكلم فيه إلا قليل من أهل هذا الشأن : كعلي بن المديني ، وأحمد بن حنبل ، والبخاري ، ويعقوب بن شيبة ، وأبي حاتم ، وأبي زرعة ، والدارقطني ... )) (16).
وليس يلزم كشف العلة لأول وهلة ولا لثانيها ولا ولا .. يقول الخطيب : (( فمن الأحاديث ما تخفى علته ، فلا يوقف عليها إلا بعد النظر الشديد ، ومُضِيِّ الزمن البعيد ))(17) . وأسند عن علي بن المديني ، قال : (( ربما(18)أدركت علة حديث بعد أربعين سنة ))(19) .
بل ربما يكشف العالم ما خفي على من هو أعلم منه ، كالدارقطني ، وأبي علي الجياني ، وأبي مسعود الدمشقي ، وأبي الحسن بن القطان ، وابن تيمية ، وابن القيم ، وابن حجر ، وغيرهم من أئمة هذا الشأن ، فقد تعقّبوا البخاري ومسلماً - وهما من هما في الحفظ والإتقان ، بل وعلو الكعب في علم العلل عينه - في كثير من أحاديث صحيحيهما وبينوا عللها(20) ... أو قد يخالف ما قاله هو نفسه ، كما حصل لأبي حاتم الرازي حين سأله ابنه عن حديث ابن صائد أهو عن جابر أم عن ابن مسعود ؟ قال : (( عبد الله أصح ، لو كان عن جابر ، كان متصلاً . قلت : كيف كان ؟ قال : لأنَّ أبا نضرة قد أدرك جابراً ، ولم يدرك ابن مسعود ، وابن مسعود قديم الموت . وسألت أبي مرة أخرى عن هذا الحديث . فقال : يحيى القطان ومعتمر وغيرهما ، يقولون : عن التيمي ، عن أبي نضرة ، عن جابر ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وهو أشبه بالصواب ))(21) .
وقد يتوقف الناقد في حديث ما ؛ لخفاء علته ، وفي نفسه حجج للقبول والرد ولكن ليس له حجة ، قال السخاوي : (( يعني : يعبِّر بها غالباً ، وإلا ففي نفسه حجج للقبول وللدفع ))(22) ، وقال ابن حجر : (( وقد تقصر عبارة المعلل منهم ، فلا يفصح بما استقر في نفسه من ترجيح إحدى الروايتين على الأخرى ، كما في نقد الصيرفي سواء ))(23) .
من هذا العرض تتبين أهمية هذا العلم " علل الحديث " ؛ لارتباطه بالحديث النبوي أولاً ؛ ولأنَّه الفيصل بين الصحيح الذي ظاهره وباطنه السلامة وغيره .
موضوعه :
ليس كل الأحاديث ظاهرها السلامة ، ولا كل علة خفية ، فمن الأحاديث علتها ظاهرة جلية ، وهذه الأوصاف بحديث الضعيف ألصق ، وليست من علم العلل في شيء ، ومع ذلك وجدنا بعض العلماء قد أطلق العلة على الخفي منها والجلي ، واستعمال اللفظ بمعناه العام من باب التوسع .
أما الحديث المعل فهو ما اجتمع فيه ركنا العلة ، وهذا لا يكون سوى في أحاديث الثقات ؛ لأنَّ حديث الضعيف خطؤه بَيّن يتصدى له الناقد ، وفق قواعد معلومة ، أما أحاديث الثقات فهي موضوع علم العلل وميدانه بمعناه الدقيق ، ولا يتصدى لها إلا جهابذة النقاد .
وهذا النوع من النقد أوسع من الجرح والتعديل ؛ لأنَّه يواكب الثقة في حله وترحاله ، وأحاديثه عن كل شيخ من شيوخه ، ومتى ضبط ؟ ومتى نسي ؟ وكيف تحمّل ؟ وكيف أدَّى(24) ؟
إذن علم العلل يبحث عن أوهام الرواة الثقات ، ويعمل على تمحيص أحاديثهم وتمييزها ، وكشف ما يعتريها من خطأ ، إذ ليس يسلم من الخطأ أحد .
وهنا سؤال يطرح نفسه ، هل بنا اليوم حاجة إلى علم العلل ؟
لما رأى الناس ضعف المتأخرين والمعاصرين بهذا العلم ، أدركوا أنَّ الحاجة إليه لا زالت قائمة ، لاسيما أنَّ إعلال الأئمة للأحاديث مبنيٌّ على الاجتهاد وغلبة الظن ، وباب الاجتهاد لا يحل لأحد غلقه(25) ، وكذلك فإنَّ من واجب المتأخرين شرح كلام المتقدمين وبيان مرادهم في إعلالات الأحاديث ، والترجيح عند الاختلاف .
ثمرته :
لكل علم إذا استوى على سوقه ثمرة ، وثمرة علم علل الحديث الرئيسة حفظ السنة ، ففي حفظها صيانة لها ، ونصيحة الدين ، وتمييز ما قد يدخل على رواتها من الخطأ والوهم وكشف ما يعتريهم ، وبيان الدخيل فيها ، وبها تقوى الأحاديث السليمة ؛ لبـراءتها من العلل(26) .
تاريخه :
يمكن جعل البداية الحقيقية لهذا العلم من مرحلة النقد الحديثي الذي ابتدأت بواكيره على أيدي كبار الصحابة كأبي بكر وعمر وعلي(27) ، فهم أول من فتّش عن الرجال في الرواية ، وبحثوا عن النقل في الأخبار .
ثم تلقّى التابعون عن الصحابة نقد الأخبار وتمييز الروايات ، كسعيد بن جبير ، والشعبي ، وابن سيرين ، وفي هذا العصر ازدادت الحاجة إلى النقد ، حيث طرأت أمور دعتهم إلى نقد المرويات وتمييزها ، فقد كثرت الفتن ، وتعددت الفرق ، وظهرت البدع والمحدثات ، كبدعة التشيع والخوارج ، وكثر المشتغلون بعلم الحديث ، واتسعت دائرتهم ، وزادت أعداد حملة الآثار ، ونشطوا للرحلة والطلب .. فدخل في ذلك من يحسن ومن لا يحسن ، واختلفت أغراض الرواة ، وتعددت مشاربهم(28) .
وفي عصر تابعي التابعين زادت الأمور السالفة خطراً ، فانتشرت البدع بشكل متزايد ، وكثر موجودها ، وطالت الأسانيد وكثر رجالها ، ولم يبق الوهم مقتصراً على الحفظ والضبط ، بل دخل في المصنفات والكتب .
وذهب بعض الباحثين إلى أنَّ هذا المنهج تسارع ارتقاؤه ، وتعاظم ازدهاره في فترة زمنية قصيرة ، حصرها بين محمد بن سيرين المتوفى سنة (110هـ ) ويحيى بن معين المتوفى سنة (233هـ ) أي في خلال (120) سنة تقريباً ، زاعماً أنَّ هذه الفترة تضاعفت فيها أعداد الأسانيد حتى وصلت إلى المليون .
ولما دخل عصر التدوين كان هذا العلم أول ما عني به الأئمة .
وهذه المؤلفات تعطي لنا تصوراً مجملاً عن نشأة علم العلل ، وأنَّه بدأ في عصر مبكر جداً مقارنة مع بقية علوم الحديث ، وعلى الرغم من قدمِ نشأته فقد قوبل بقلة الاهتمام وضعف الجانب(29) .
مؤسسوه وأئمته :
أسهم الصحابة والتابعون من بعدهم في بناء صرح علم العلل ، وتوالتِ اللَّبناتُ ترص بعضها بعضاً حتى غدا علماً لا يُستهان بجنابه ، وقد مرّ علينا قبلُ أنَّ علم العلل بدأ بمحمد بن سيرين ؛ لأنَّه أول من اشتهر بالكلام في نقد الحديث ، مروراً بالزهري الذي كان يملي على تلامذته أشياء في نقد الأحاديث وإعلالها . حتى استقر عند شعبة بن الحجاج ، وقد جعل أحد الباحثين شعبة هو المؤسس الحقيقي لهذا العلم ؛ لأنَّ أحداً قبله لم يتكلم بالدقة والشمول اللذينِ تكلم بهما شعبة ؛ ولأنَّ الحديث أصبح صناعة(30) وفناً على يديه ، وهو أول من فتّش عن أمر المحدّثين(31) .
وقد شهد له من جاء بعده ، قال الشافعي : (( لولا شعبة ما عُرف الحديث بالعراق ))(32) وقال ابن رجب : (( وهو أول من وسّع الكلام في الجرح والتعديل ، واتصال الأسانيد وانقطاعها ، ونقّب عن دقائق علم العلل ، وأئمة هذا الشأن بعده تبع له في هذا العلم ))(33) ، وقال السمعاني : (( هو أول من فتّش بالعراق عن أمر المحدّثين ))(34) هذا هو أبو بسطام شعبة بن الحجاج المتوفَّى سنة (160هـ ) وحُقّ لعلم العلل أنْ يكون إناهُ على يديه .
وقد أخذ عن شعبة يحيى بن سعيد القطان ، وهو من أوائل من صنّف كتاباً في العلل كما ذكر ابن رجب(35) ، وأخذ عنه أيضاً عبد الرحمان بن مهدي وهو من رجال هذا الفن ، وعنهما أخذ يحيى بن معين وإليه تناهى علم العلل ، وفيه قال أحمد : (( ها هنا رجل خَلَقه الله لهذا الشأن ))(36) ، وعلي بن المديني شيخ البخاري الذي قال عنه أبو حاتم : (( كان علي بن المديني عَلَماً في الناس في معرفة الحديث والعلل ))(37) ، وأحمد بن حنبل ، ثم جاء بعدهم البخاري طبيب الحديث في علله ، ومسلم الذي أماط اللثام عن علل خفية في أحاديث الثقات في كتابه " التمييز " ، وأبو داود الذي قرر قاعدة عظيمة في هذا الباب مغزاها أنَّه قد يخرّج الحديث المعلول ، ويسكت عن بيان علته بقوله : (( لأنَّه ضرر على العامة أنْ يكشف لهم كل ما كان من هذا الباب ... ؛ لأنَّ علم العامة يقصر عن مثل هذا ))(38) ، وأبو زرعة الذي لمّ شتات هذا العلم مع أبي حاتم ، وجمع علمهما عبد الرحمان ابن أبي حاتم في مصنّفه ، وتلاهم جماعة منهم النسائي ، والعقيلي ، وابن عدي ، والدارقطني ولم يأتِ بعدهم من برع فيه ، وأخال ابن الجوزي قال قولته فيمن جاء بعدهم : (( قد قَلَّ من يفهم هذا بل عدم ))(39) .
.................................................. .
(1) " الجامع لأخلاق الراوي " قبيل (1908) .
(2) مقدمة شرحه لصحيح مسلم 1/6 .
(3) هو عبد الله بن المبارك المروزي ، ثقة ثبت ، فقيه عالم ، جواد مجاهد جمعت فيه صفات الخير . " التقريب " (3570) .
(4) أخرجه : ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 1/311 ( المقدمة ) ، وابن عدي في " الكامل " 1/192 ، وذكره ابن الجوزي في مقدمة " الموضوعات " 1/46 ط.الفكر وعقب (22) ط. أضواء السلف .
(5) " معرفة علوم الحديث " : 119 ط.العلمية و عقب (289) ط. ابن حزم .
(6) " معرفة علوم الحديث " : 112 ط.العلمية و قبيل (270) ط.ابن حزم .
(7) في احتياط الصحابة , انظر : " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي " لمصطفى السباعي : 75 , وكان علي ابن أبي طالب رضي الله عنه يستحلف الراوي أحياناً , فقد روى الإمام أحمد في مسنده 1/2 عن علي ، قال : (( كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً نفعني الله بما شاء منه ، وإذا حدثني عنه غيري استحلفته )) ، قال الحافظ ابن حجر في " تهذيب التهذيب " 1/267- 268 : (( هذا حديث جيد الإسناد )).
(8) انظر ماسيأتي من المصنفات فيه .
(9) قال البقاعي في " النكت الوفية " 1/503 بتحقيقي : (( صوابه الإعلال )) .
(10) " نكت ابن حجر " 2/714 و : 488 بتحقيقي .
(11) " علل الحديث " لابن أبي حاتم 1/387 ط. الحميّد (المقدمة ) , وقد نقله الحاكم في " معرفة علوم الحديث " : 112 ط.العلمية و (270) ط. ابن حزم , و ابن رجب في "شرح العلل " 1/199 ط. عتر و 1/470 ط.همام .
(12) " معرفة علوم الحديث " : 59-60 ط.العلمية وعقب ( 103) ط. ابن حزم .
(13) وهو أبو جعفر المعروف بابن الطبري ثقة حافظ . " تهذيب التهذيب " 1/49 ، و " التقريب" (48) .
(14)" الجامع لأخلاق الراوي " (1787) .
(15) " شرح علل الترمذي " 1/33-34 ط. عتر و 1/339-340 ط. همام .
(16) " نزهة النظر " : 72 .
(17) " الجامع لأخلاق الراوي " عقب (1788) .
(18) ربما هي ( رُبّ ) دخلت عليها ( ما ) الزائدة ، فكفتها عن الجر ، وأزالت اختصاصها بالأسماء ، ويكثر دخولها على الجملة الفعلية ، وترد للتكثير كثيراً وللتقليل قليلاً ، فليس معناها التقليل دائماً ، ولا التكثير دائماً . انظر : " مغني اللبيب " 1/118 ، و " معجم الشوارد النحوية " : 312 .
(19) " الجامع لأخلاق الراوي " عقب (1789) .
(20) وفي هذا المعنى قال شيخ الإسلام ابن تيمية في : مجموع الفتاوى " 1/183 : (( ولهذا كان جمهور ما أُنكر على البخاري مما صححه يكون قوله فيه راجحاً على قول من نازعة ، بخلاف مسلم بن الحجاج فإنَّه نُوزِع في عدة أحاديث مما خرجها ، وكان الصواب فيها مع من نازعه .. ) وانظر : " العلة وأجناسها " : 83 .
(21) " علل الحديث " لابن أبي حاتم (2754) .
(22) " فتح المغيث " 1/255 .
(23) " نكت ابن حجر " 2/711 و : 485 بتحقيقي .
(24) انظر : " مقدمة شرح علل الترمذي " 1/28 ط.همام .
(25) انظر : " تحرير علوم الحديث " 2/649 .
(26) انظر : " الخبر الثابت " : 125 ، و " العلة وأجناسها " : 8 .
(27) انظر : " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي " : 83-84 .
(28) انظر : " العلة وأجناسها " : 26-27 .
(29) انظر : " لمحات موجزة في أصول علل الحديث " :19-20 ، و " قواعد العلل وقرائن الترجيح " : 31-32 ، و " العلة وأجناسها " : 26-29 .
(30) إنَّ هذا المصطلح (( صناعة الحديث )) مصطلح قديم ، وُجد في العصر الذهبي لعلم العلل ، أي في منتصف القرن الثالث ، فقد قال مسلم في كتابه " التمييز " (102) : (( اعلم رحمك الله أنَّ صناعة الحديث ، ومعرفة أسبابه من الصحيح والسقيم ، إنَّما هي لأهل الحديث خاصة ؛ لأنَّهم الحّفاظ لروايات الناس ، العارفون لها دون غيرهم ... )) .
قلت : ومن يطالع كتب ابن حبان يجد عشرات الأقوال في استعمال هذا الاصطلاح .
(31) انظر : " اللباب في تهذيب الأنساب " 2/103 ، و " مقدمة شرح علل الترمذي " 1/30 ط.همام ، و " العلة وأجناسها " : 30 .
(32) " الجامع لأخلاق الراوي " (1522) .
(33) " شرح علل الترمذي " 1/172 ط.عتر و 1/448 ط. همام .
(34) " الأنساب " 3/318 ( العتكي ) .
(35) انظر : " شرح علل الترمذي " 2/805 ط.عتر و 2/892 ط.همام ، و " جامع العلوم والحكم " 2/133 ط.العراقية و : 579-580 ط.ابن كثير .
(36) " تاريخ بغداد " 16/268 ط. الغرب .
(37) " تقدمة المعرفة " :264 .
(38) " رسالة أبي داود إلى أهل مكة " : 50 .
(39) " الموضوعات " 1/102 ط.الفكر .
منقول للفائدة