أمة الله
2009-08-27, 11:10 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نقلا عن موقع قصة الإسلام
لا يستطيع أحد أن ينكر ما أكرم به الإسلام المرأة، وما أحاطها به من عناية واهتمام، ويزداد الأمر وضوحًا إذا نظرنا إلى حال المرأة قبل الإسلام، وكيف كان يتم التعامل معها، سواءً عند الرومان أو الفرس أو الهنود أو العرب أو غيرهم.
وقد تنوعت الحقوق التي أفاض بها الإسلام على المرأة، ابتداءً من حق الحياة، حيث كانوا في الجاهلية يقتلون الإناث خوف الفقر والعار، وكذلك حق الملكية والتصرف بأموالها، وحق الموافقة على الخاطب أو رفضه، وحق العلم والتعلُّم، وحق مفارقة الزوج إن تعسرت الحياة بينهما، وكذلك الحق في إعطاء الأمان والجوار.
بل إن هناك أمورًا تميَّزت فيها المرأة على الرجل في شريعة الإسلام، كإسقاط بعض العبادات عنها، وضمان النفقة لها...
غير أن بعض الغربيين وأعداء الإسلام قد أثاروا بعض الشبهات التي توحي بظلم الإسلام للمرأة وهضمه لحقوقها، كتعدد الزوجات، والطلاق، والقوامة، والتأديب، وهي كلها أباطيل تم الردُّ عليها بالحجج والبراهين والدلائل الواقعية.
المرأة في الحضارات الأخرى :
تبوَّأت المرأة في الإسلام مكانة سامقة, لم تبلغها في ملَّة ماضية, ولم تُدْرِكْها في أُمَّة تالية، وقد أَناط بها الشرع المسـئوليات التي تُلائم طبيعتـها وتكوينها الخِلْقِيِّ واستعدادها الفطري ودورها في الحياة، وجعلها بمستوًى واحدٍ مع الرجل في مجال الحقوق العامـَّة، ومنحها الإسلام من الحقوق منذ أربعةَ عَشَرَ قرنًا ما لا تزال المرأة الغربيَّة تُصارِع الآن للحصول عليه، ولكن هيهات! فهي بوصفها أُمًّا أو بنتًا أو أُخْتًا أو زوجة تَلْقَى كلَّ عناية وتقدير ممَّا ليس له نظير في غير دين الإسلام.
وإذا أردنا معرفة مكانة المرأة في الإسلام على وجه الحقيقة فلا بُدَّ لنا أوَّلاً من استجلاء وَضْعِها في الجاهليَّات القديمة والمعاصرة, لنرى الظلام الحقيقي الذي عانته، ومن ثَمَّ يستقيم لنا تقييم موقفها في ظلِّ الإسلام.
1- الحضارة الرومانية
فقد قضت الحضارة الرومانيَّة أن تكون المرأة رقيقًا تابعًا للرجل، لها حقوق القاصر، أو لا حقوق لها على الإطلاق، وقد اجتمع في روما مَجْمَعٌ كبير وبحث في شئون المرأة، فقرَّر أنها كائن لا نَفْسَ له، وأنها لهذا لن تَرِثَ الحياة الأُخْرَوِيَّة، وأنها رِجْس، يجب ألاَّ تأكل اللحم، وألاَّ تَضْحك، وعليها أن تُمْضِيَ وقتها في الصلاة والعبادة والخدمة، وليس لها الحقُّ في أن تتكلَّمَ، هذا غير العقوبات البدنيَّة التي كانت تُوَقَّع عليها باعتبار أنها أداة الإغواء، يستخدمها الشيطان لإفساد القلوب[1].
وكانت المرأة في أثينا تُعتبر من سَقَطِ المتاع، فكانت تُباع وتُشترى، وكانت تُعَدُّ رِجْسًا من عمل الشيطان.
2- عند الهنود
كما قضت شرائع الهند القديمة أنَّ الوباء والموت والجحيم والسمَّ والأفاعي والنار خير من المرأة، وكان حقُّها في الحياة ينتهي بانتهاء أَجَلِ زوجها الذي هو سيِّدها ومالكها، فإذا رَأَتْ جثمانه يُحْرَق أَلْقَتْ بنفسها في نيرانه، وإلاَّ حاقت عليها اللعنة الأبديَّة.
وجاء في شرائع "منو دهر ما ساسترا" عن المرأة ما يلي: تعيش المرأة وليس لها خيار، سواء كانت بنتًا صغيرة، أو شابة، أو عجوزًا، فالبنت في خيار أبيها، والمتزوِّجة في خيار بَعْلِها، والأرملة في خيار أبنائها، إن عاشت بعد وفاته، ولا تتزوَّج بعد وفاة زوجها أبدًا، بل تهجر ما تشتهيه من الأكل واللبس والزينة حتى تموت، ولا تملك الزوجة شيئًا، وكلُّ ما تُحْرِزه يذهب توًّا لزوجها[2].
3- عند الفرس
وعند الفُرْسِ أُبِيحَ الزَّوَاج بالأُمَّهات، والأخوات، والعمَّات، والخالات، وبنات الأخ، وبنات الأخت، وكانت تُنْفَى الأنثى في فترة الطَّمْث إلى مكان بعيد خارج المدينة، ولا يجوز لأحد مخالطتها إلاَّ الخُدَّام الذين يُقَدِّمون لها الطعام، وفضلاً عن هذا كلِّه فقد كانت المرأة الفارسيَّة تحت سُلْطَةِ الرجل المطْلَقَةِ، يحقُّ له أنْ يحكم عليها بالموت، أو يُنْعِمَ عليها بالحياة[3].
4- في العهد القديم
أمَّا رأي العهد القديم في المرأة فقد وضَّحه سفر الجامعة في الكلمات الآتية: "دُرْتُ أنا وقلبي لأعلم ولأبحث ولأطلب حكمة وعقلاً، ولأعرف الشرَّ أنه جهالة، والحماقة أنها جنون، فوجدتُ أمرَّ من الموت: المرأة التي هي شِبَاك، وقَلْبُها أشراك، ويداها قيود"[4].
أمَّا الكنيسة الكاثوليكيَّة فإن الكاتب الدانمركي Wieth Kondsen يشرح اتجاهها نحو المرأة بقوله: خلال العصور الوسطى كانت العناية بالمرأة الأوربيَّة محدودة جدًّا تَبَعًا لاتِّجاه المذهب الكاثوليكي الذي كان يعدُّ المرأة مخلوقًا في المرتبة الثانية.
وقد لخصَّ قاسم أمين حالة المرأة في العصور القديمة بقوله: ترتَّب على دخول المرأة في العائلة حِرْمَانها من استقلالها، لذلك كان رئيس العائلة عند الرومان واليونان والجرمانيين والهنود والصينيين مالكًا لزوجته، وكان يملكها كما يملك الرقيق بطريق البيع والشراء، بمعنى أنَّ عقد الزواج كان يحصُل على صورة بيع وشراء، وكان الرجل يشتري زوجتَه من أبيها، فتُنْقَل إليه جميعُ حقوق الأب، ويجوز للزوج أن يتصرَّف فيها بالبيع لشخص آخر[5].
5- في الجزيرة العربية قبل الإسلام
أمَّا وَضْعُ المرأة في الجزيرة العربيَّة فقد لخَّصه عمر بن الخطاب t بقوله: "والله إن كُنَّا في الجاهلية ما نعدُّ للنساء أمرًا حتى أنزل الله فيهن ما أنزل"[6].
فلم يكن للمرأة حقُّ الإرث، وكانوا يقولون في ذلك: "لا يرثُنَا إلاَّ مَنْ يحمل السيف ويحمي البَيْضَة"، فإذا مات الرجل وَرِثَهُ ابنه، فإن لم يكنْ فأقرب من وُجِدَ من أوليائه، أبًا كان أو أخًا أو عمًّا، على حين تُضَمُّ بناته ونساؤه إلى بنات الوارث ونسائه، فيكون لهنَّ ما لهنَّ، وعليهنَّ ما عليهنَّ، ولم يكن لها على زوجها أي حقٍّ، وليس للطلاق عددٌ محدود، ولا لتعدُّد الزوجات عدد مُعَيَّن، وكانوا إذا مات الرجل وله زوجة وأولاد من غيرها كان الولد الأكبر أحقَّ بزوجة أبيه من غيره، فهو يَعْتَبِرها إرثًا كبقيَّة أموال أبيه[7].
وقد عبَّر القرآن الكريم عن مكانة المرأة في المجتمع العربي الجاهلي في قوله تعالى: "وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ.[8]"، فكان الوَأْد عادة من أشنع العادات في الجاهليَّة، وإذا ما نَجَت الوليدة العربيَّة من الوأد وَجَدَتْ غالبًا في انتظارها حياة ظالمة
ولم يكن حقُّ المرأة في الزواج عند العرب بمَعْزِل عن الفساد أيضًا؛ إذ كانت تُزَوَّج على مَن لا تَرْتَضِيَه في أنواعٍ من أنْكِحَة الشَّغَار والبَدَل والاستبضاع والإكراه على البغاء، وإذا غَضِب عليها زوجُها تركها معلَّقة، لا هي بذات زوج ولا هي بمطلَّقة، كما كانت المرأة تُستَخدم في أحطِّ الأعمال كالدعارة؛ حتى كانوا يعدُّون أشكالاً هي من الدعارة يعدونها من الزواج؛ فقد روى البخاري في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "إِنَّ النِّكَاحَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْحَاءٍ:
- فَنِكَاحٌ مِنْهَا نِكَاحُ النَّاسِ الْيَوْمَ يَخْطُبُ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ وَلِيَّتَهُ أَوْ ابْنَتَهُ فَيُصْدِقُهَا ثُمَّ يَنْكِحُهَا.
- وَنِكَاحٌ آخَرُ كَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ لاِمْرَأَتِهِ إِذَا طَهُرَتْ مِنْ طَمْثِهَا: أَرْسِلِي إِلَى فُلاَنٍ فَاسْتَبْضِعِي مِنْهُ، وَيَعْتَزِلُهَا زَوْجُهَا وَلاَ يَمَسُّهَا أَبَدًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي تَسْتَبْضِعُ مِنْهُ، فَإِذَا تَبَيَّنَ حَمْلُهَا أَصَابَهَا زَوْجُهَا إِذَا أَحَبَّ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ رَغْبَةً فِي نَجَابَةِ الْوَلَدِ، فَكَانَ هَذَا النِّكَاحُ نِكَاحَ الاِسْتِبْضَاعِ.
- وَنِكَاحٌ آخَرُ يَجْتَمِعُ الرَّهْطُ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ كُلُّهُمْ يُصِيبُهَا، فَإِذَا حَمَلَتْ وَوَضَعَتْ وَمَرَّ عَلَيْهَا لَيَالٍ بَعْدَ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا أَرْسَلَتْ إِلَيْهِمْ فَلَمْ يَسْتَطِعْ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنْ يَمْتَنِعَ حَتَّى يَجْتَمِعُوا عِنْدَهَا، تَقُولُ لَهُمْ: قَدْ عَرَفْتُمُ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِكُمْ، وَقَدْ وَلَدْتُ فَهُوَ ابْنُكَ يَا فُلاَنُ. تُسَمِّي مَنْ أَحَبَّتْ بِاسْمِهِ، فَيَلْحَقُ بِهِ وَلَدُهَا، لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْهُ الرَّجُلُ.
- وَنِكَاحُ الرَّابِعِ يَجْتَمِعُ النَّاسُ الْكَثِيرُ فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ لاَ تَمْتَنِعُ مِمَّنْ جَاءَهَا، وَهُنَّ الْبَغَايَا كُنَّ يَنْصِبْنَ عَلَى أَبْوَابِهِنَّ رَايَاتٍ تَكُونُ عَلَمًا، فَمَنْ أَرَادَهُنَّ دَخَلَ عَلَيْهِنَّ، فَإِذَا حَمَلَتْ إِحْدَاهُنَّ وَوَضَعَتْ حَمْلَهَا جُمِعُوا لَهَا وَدَعَوْا لَهُمُ الْقَافَةَ ثُمَّ أَلْحَقُوا وَلَدَهَا بِالَّذِي يَرَوْنَ، فَالْتَاطَ بِهِ وَدُعِيَ ابْنَهُ لاَ يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ"[9].
هذا، وقد بَقِيَت المرأة مستضعَفَة مهـضـومة الـحقوق, مَهِيضَة الجناح, مسلوبة الإرادة، حتى جاء الإسلام بشريعته الغرَّاء ووَضَعَ الميزان الحقَّ في إقراره لكرامة المرأة وإنسانيَّتها وأهليَّتها؛ لأداء رسالة سامية في المجتمع, وأعطاها مكانة عالية؛ لِتَجِدَ ممَّن حولها التقدير والاحترام اللائق بها، كأُمٍّ مربِّيَة للأجيال, وزوجة لها حقوق وعليها واجبات, وفتاة يُصَانُ عِرْضُها مِن عَبَث العابثين وأصحاب الشهوات[10].
-----------------------------------------------------
[1] عفيف طيارة: روح الدين الإسلامي، ص 281.
[2] انظر أحمد شلبي: مقارنة الأديان 4/72، 74.
[3] محمد رشيد رضا: حقوق المرأة في الإسلام، ص 27، 28.
[4] الإصحاح السابع، الفقرتان 25 – 26.
[5] انظر: كتاب المرأة الجديدة، ص 18.
[6] البخاري: كتاب التفسير، باب تفسير سورة الطلاق، (4629)، عن ابن عباس t، وابن حجر: فتح الباري 8/ 658.
[7] انظر: محمد أحمد إسماعيل المقدم: المرأة بين تكريم الإسلام وإهانة الجاهلية، ص 57.
[8] (النحل: 58، 59).
[9] البخاري: كتاب النكاح، باب من قال لا نكاح إلا بولي، (4834).
[10] راجع فاطمة بنت خليل محمد محسن: دور المرأة المسلمة بين الأصالة والمعاصرة
نقلا عن موقع قصة الإسلام
لا يستطيع أحد أن ينكر ما أكرم به الإسلام المرأة، وما أحاطها به من عناية واهتمام، ويزداد الأمر وضوحًا إذا نظرنا إلى حال المرأة قبل الإسلام، وكيف كان يتم التعامل معها، سواءً عند الرومان أو الفرس أو الهنود أو العرب أو غيرهم.
وقد تنوعت الحقوق التي أفاض بها الإسلام على المرأة، ابتداءً من حق الحياة، حيث كانوا في الجاهلية يقتلون الإناث خوف الفقر والعار، وكذلك حق الملكية والتصرف بأموالها، وحق الموافقة على الخاطب أو رفضه، وحق العلم والتعلُّم، وحق مفارقة الزوج إن تعسرت الحياة بينهما، وكذلك الحق في إعطاء الأمان والجوار.
بل إن هناك أمورًا تميَّزت فيها المرأة على الرجل في شريعة الإسلام، كإسقاط بعض العبادات عنها، وضمان النفقة لها...
غير أن بعض الغربيين وأعداء الإسلام قد أثاروا بعض الشبهات التي توحي بظلم الإسلام للمرأة وهضمه لحقوقها، كتعدد الزوجات، والطلاق، والقوامة، والتأديب، وهي كلها أباطيل تم الردُّ عليها بالحجج والبراهين والدلائل الواقعية.
المرأة في الحضارات الأخرى :
تبوَّأت المرأة في الإسلام مكانة سامقة, لم تبلغها في ملَّة ماضية, ولم تُدْرِكْها في أُمَّة تالية، وقد أَناط بها الشرع المسـئوليات التي تُلائم طبيعتـها وتكوينها الخِلْقِيِّ واستعدادها الفطري ودورها في الحياة، وجعلها بمستوًى واحدٍ مع الرجل في مجال الحقوق العامـَّة، ومنحها الإسلام من الحقوق منذ أربعةَ عَشَرَ قرنًا ما لا تزال المرأة الغربيَّة تُصارِع الآن للحصول عليه، ولكن هيهات! فهي بوصفها أُمًّا أو بنتًا أو أُخْتًا أو زوجة تَلْقَى كلَّ عناية وتقدير ممَّا ليس له نظير في غير دين الإسلام.
وإذا أردنا معرفة مكانة المرأة في الإسلام على وجه الحقيقة فلا بُدَّ لنا أوَّلاً من استجلاء وَضْعِها في الجاهليَّات القديمة والمعاصرة, لنرى الظلام الحقيقي الذي عانته، ومن ثَمَّ يستقيم لنا تقييم موقفها في ظلِّ الإسلام.
1- الحضارة الرومانية
فقد قضت الحضارة الرومانيَّة أن تكون المرأة رقيقًا تابعًا للرجل، لها حقوق القاصر، أو لا حقوق لها على الإطلاق، وقد اجتمع في روما مَجْمَعٌ كبير وبحث في شئون المرأة، فقرَّر أنها كائن لا نَفْسَ له، وأنها لهذا لن تَرِثَ الحياة الأُخْرَوِيَّة، وأنها رِجْس، يجب ألاَّ تأكل اللحم، وألاَّ تَضْحك، وعليها أن تُمْضِيَ وقتها في الصلاة والعبادة والخدمة، وليس لها الحقُّ في أن تتكلَّمَ، هذا غير العقوبات البدنيَّة التي كانت تُوَقَّع عليها باعتبار أنها أداة الإغواء، يستخدمها الشيطان لإفساد القلوب[1].
وكانت المرأة في أثينا تُعتبر من سَقَطِ المتاع، فكانت تُباع وتُشترى، وكانت تُعَدُّ رِجْسًا من عمل الشيطان.
2- عند الهنود
كما قضت شرائع الهند القديمة أنَّ الوباء والموت والجحيم والسمَّ والأفاعي والنار خير من المرأة، وكان حقُّها في الحياة ينتهي بانتهاء أَجَلِ زوجها الذي هو سيِّدها ومالكها، فإذا رَأَتْ جثمانه يُحْرَق أَلْقَتْ بنفسها في نيرانه، وإلاَّ حاقت عليها اللعنة الأبديَّة.
وجاء في شرائع "منو دهر ما ساسترا" عن المرأة ما يلي: تعيش المرأة وليس لها خيار، سواء كانت بنتًا صغيرة، أو شابة، أو عجوزًا، فالبنت في خيار أبيها، والمتزوِّجة في خيار بَعْلِها، والأرملة في خيار أبنائها، إن عاشت بعد وفاته، ولا تتزوَّج بعد وفاة زوجها أبدًا، بل تهجر ما تشتهيه من الأكل واللبس والزينة حتى تموت، ولا تملك الزوجة شيئًا، وكلُّ ما تُحْرِزه يذهب توًّا لزوجها[2].
3- عند الفرس
وعند الفُرْسِ أُبِيحَ الزَّوَاج بالأُمَّهات، والأخوات، والعمَّات، والخالات، وبنات الأخ، وبنات الأخت، وكانت تُنْفَى الأنثى في فترة الطَّمْث إلى مكان بعيد خارج المدينة، ولا يجوز لأحد مخالطتها إلاَّ الخُدَّام الذين يُقَدِّمون لها الطعام، وفضلاً عن هذا كلِّه فقد كانت المرأة الفارسيَّة تحت سُلْطَةِ الرجل المطْلَقَةِ، يحقُّ له أنْ يحكم عليها بالموت، أو يُنْعِمَ عليها بالحياة[3].
4- في العهد القديم
أمَّا رأي العهد القديم في المرأة فقد وضَّحه سفر الجامعة في الكلمات الآتية: "دُرْتُ أنا وقلبي لأعلم ولأبحث ولأطلب حكمة وعقلاً، ولأعرف الشرَّ أنه جهالة، والحماقة أنها جنون، فوجدتُ أمرَّ من الموت: المرأة التي هي شِبَاك، وقَلْبُها أشراك، ويداها قيود"[4].
أمَّا الكنيسة الكاثوليكيَّة فإن الكاتب الدانمركي Wieth Kondsen يشرح اتجاهها نحو المرأة بقوله: خلال العصور الوسطى كانت العناية بالمرأة الأوربيَّة محدودة جدًّا تَبَعًا لاتِّجاه المذهب الكاثوليكي الذي كان يعدُّ المرأة مخلوقًا في المرتبة الثانية.
وقد لخصَّ قاسم أمين حالة المرأة في العصور القديمة بقوله: ترتَّب على دخول المرأة في العائلة حِرْمَانها من استقلالها، لذلك كان رئيس العائلة عند الرومان واليونان والجرمانيين والهنود والصينيين مالكًا لزوجته، وكان يملكها كما يملك الرقيق بطريق البيع والشراء، بمعنى أنَّ عقد الزواج كان يحصُل على صورة بيع وشراء، وكان الرجل يشتري زوجتَه من أبيها، فتُنْقَل إليه جميعُ حقوق الأب، ويجوز للزوج أن يتصرَّف فيها بالبيع لشخص آخر[5].
5- في الجزيرة العربية قبل الإسلام
أمَّا وَضْعُ المرأة في الجزيرة العربيَّة فقد لخَّصه عمر بن الخطاب t بقوله: "والله إن كُنَّا في الجاهلية ما نعدُّ للنساء أمرًا حتى أنزل الله فيهن ما أنزل"[6].
فلم يكن للمرأة حقُّ الإرث، وكانوا يقولون في ذلك: "لا يرثُنَا إلاَّ مَنْ يحمل السيف ويحمي البَيْضَة"، فإذا مات الرجل وَرِثَهُ ابنه، فإن لم يكنْ فأقرب من وُجِدَ من أوليائه، أبًا كان أو أخًا أو عمًّا، على حين تُضَمُّ بناته ونساؤه إلى بنات الوارث ونسائه، فيكون لهنَّ ما لهنَّ، وعليهنَّ ما عليهنَّ، ولم يكن لها على زوجها أي حقٍّ، وليس للطلاق عددٌ محدود، ولا لتعدُّد الزوجات عدد مُعَيَّن، وكانوا إذا مات الرجل وله زوجة وأولاد من غيرها كان الولد الأكبر أحقَّ بزوجة أبيه من غيره، فهو يَعْتَبِرها إرثًا كبقيَّة أموال أبيه[7].
وقد عبَّر القرآن الكريم عن مكانة المرأة في المجتمع العربي الجاهلي في قوله تعالى: "وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ.[8]"، فكان الوَأْد عادة من أشنع العادات في الجاهليَّة، وإذا ما نَجَت الوليدة العربيَّة من الوأد وَجَدَتْ غالبًا في انتظارها حياة ظالمة
ولم يكن حقُّ المرأة في الزواج عند العرب بمَعْزِل عن الفساد أيضًا؛ إذ كانت تُزَوَّج على مَن لا تَرْتَضِيَه في أنواعٍ من أنْكِحَة الشَّغَار والبَدَل والاستبضاع والإكراه على البغاء، وإذا غَضِب عليها زوجُها تركها معلَّقة، لا هي بذات زوج ولا هي بمطلَّقة، كما كانت المرأة تُستَخدم في أحطِّ الأعمال كالدعارة؛ حتى كانوا يعدُّون أشكالاً هي من الدعارة يعدونها من الزواج؛ فقد روى البخاري في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "إِنَّ النِّكَاحَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْحَاءٍ:
- فَنِكَاحٌ مِنْهَا نِكَاحُ النَّاسِ الْيَوْمَ يَخْطُبُ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ وَلِيَّتَهُ أَوْ ابْنَتَهُ فَيُصْدِقُهَا ثُمَّ يَنْكِحُهَا.
- وَنِكَاحٌ آخَرُ كَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ لاِمْرَأَتِهِ إِذَا طَهُرَتْ مِنْ طَمْثِهَا: أَرْسِلِي إِلَى فُلاَنٍ فَاسْتَبْضِعِي مِنْهُ، وَيَعْتَزِلُهَا زَوْجُهَا وَلاَ يَمَسُّهَا أَبَدًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي تَسْتَبْضِعُ مِنْهُ، فَإِذَا تَبَيَّنَ حَمْلُهَا أَصَابَهَا زَوْجُهَا إِذَا أَحَبَّ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ رَغْبَةً فِي نَجَابَةِ الْوَلَدِ، فَكَانَ هَذَا النِّكَاحُ نِكَاحَ الاِسْتِبْضَاعِ.
- وَنِكَاحٌ آخَرُ يَجْتَمِعُ الرَّهْطُ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ كُلُّهُمْ يُصِيبُهَا، فَإِذَا حَمَلَتْ وَوَضَعَتْ وَمَرَّ عَلَيْهَا لَيَالٍ بَعْدَ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا أَرْسَلَتْ إِلَيْهِمْ فَلَمْ يَسْتَطِعْ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنْ يَمْتَنِعَ حَتَّى يَجْتَمِعُوا عِنْدَهَا، تَقُولُ لَهُمْ: قَدْ عَرَفْتُمُ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِكُمْ، وَقَدْ وَلَدْتُ فَهُوَ ابْنُكَ يَا فُلاَنُ. تُسَمِّي مَنْ أَحَبَّتْ بِاسْمِهِ، فَيَلْحَقُ بِهِ وَلَدُهَا، لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْهُ الرَّجُلُ.
- وَنِكَاحُ الرَّابِعِ يَجْتَمِعُ النَّاسُ الْكَثِيرُ فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ لاَ تَمْتَنِعُ مِمَّنْ جَاءَهَا، وَهُنَّ الْبَغَايَا كُنَّ يَنْصِبْنَ عَلَى أَبْوَابِهِنَّ رَايَاتٍ تَكُونُ عَلَمًا، فَمَنْ أَرَادَهُنَّ دَخَلَ عَلَيْهِنَّ، فَإِذَا حَمَلَتْ إِحْدَاهُنَّ وَوَضَعَتْ حَمْلَهَا جُمِعُوا لَهَا وَدَعَوْا لَهُمُ الْقَافَةَ ثُمَّ أَلْحَقُوا وَلَدَهَا بِالَّذِي يَرَوْنَ، فَالْتَاطَ بِهِ وَدُعِيَ ابْنَهُ لاَ يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ"[9].
هذا، وقد بَقِيَت المرأة مستضعَفَة مهـضـومة الـحقوق, مَهِيضَة الجناح, مسلوبة الإرادة، حتى جاء الإسلام بشريعته الغرَّاء ووَضَعَ الميزان الحقَّ في إقراره لكرامة المرأة وإنسانيَّتها وأهليَّتها؛ لأداء رسالة سامية في المجتمع, وأعطاها مكانة عالية؛ لِتَجِدَ ممَّن حولها التقدير والاحترام اللائق بها، كأُمٍّ مربِّيَة للأجيال, وزوجة لها حقوق وعليها واجبات, وفتاة يُصَانُ عِرْضُها مِن عَبَث العابثين وأصحاب الشهوات[10].
-----------------------------------------------------
[1] عفيف طيارة: روح الدين الإسلامي، ص 281.
[2] انظر أحمد شلبي: مقارنة الأديان 4/72، 74.
[3] محمد رشيد رضا: حقوق المرأة في الإسلام، ص 27، 28.
[4] الإصحاح السابع، الفقرتان 25 – 26.
[5] انظر: كتاب المرأة الجديدة، ص 18.
[6] البخاري: كتاب التفسير، باب تفسير سورة الطلاق، (4629)، عن ابن عباس t، وابن حجر: فتح الباري 8/ 658.
[7] انظر: محمد أحمد إسماعيل المقدم: المرأة بين تكريم الإسلام وإهانة الجاهلية، ص 57.
[8] (النحل: 58، 59).
[9] البخاري: كتاب النكاح، باب من قال لا نكاح إلا بولي، (4834).
[10] راجع فاطمة بنت خليل محمد محسن: دور المرأة المسلمة بين الأصالة والمعاصرة