مشاهدة النسخة كاملة : حوار مع الدمشقي الأشعري.
الصفحات :
1
2
3
4
5
6
7
8
[
9]
الهزبر
2009-11-02, 10:01 PM
السلام عليكم
يا اخي لا يخفى عليك ما يفعل الاشاعرة. اما ان يجعلوا الدليل النقلي غير قطعي الثبوت غير قطعي الدلالة او احدهما فيردون الاثر او يؤولونه بمفهوم الاشاعرة للتاويل .
أهكذا تتهم الأشاعرة بهذه التهمة بأنهم يجعلوا الدليل النقلي دائما غير قطعي ؟؟!!!
يا دمشقي من سياق الحديث ونحن نتحدث عن الصفات والاختلافات بين منهج اهل السلف (نحن) واهل الخلف (اخوتنا منكم) او اهل الحديث والاشاعرة. ولذلك فان قولي واضح جدا الاشاعرة يؤولون احاديث الصفات او يجعلونها غير يقينية.
إليك شيء من أقوال ابن عاشور طالما أنك تستشهد بكلامه :
وأتبع ما دلّ على عظمة سلطانه تعالى بما يزيده تقريراً وهو جملة :} له ما في السمَّوات } الخ . فهي بيان لجملة { الرحمن على العرش استوى } . والجملتان تدلان على عظيم قدرته لأن ذلك هو المقصود من سعة السلطان .اهــ التحرير والتنوير
أليس هذا بتأويل ؟؟!!!
كما اقول لك دائما فاننا نقر كل عالم اتى بالصواب في قوله ونصوبه ان اخطأ. اما استشهادي بابن عاشور فلم يكن في الصفات وانما في بيان معنى التاويل ولذلك فان استشهادي ببعض ما قال لا يعتبر موافقة لكل ما يقول. وابن عاشور امام فذ وانا من المعجبين بفكره وتفسيره ولكن ذلك لا يجعلني انساق وراء كل ما يقول.
وابن عاشور ايها الدمشقي امام مجتهد وان صرح احيانا بانه اشعري الا انه يبقى بشرا يصيب ويخطئ.
واما ما نقلته من اقوال الامام ابن عاشور فلست هنا في مجال الرد على ابن عاشور وانما انا في حوار معك ولا يعرف الحق بالرجال وانما اعرف الحق تعرف اهله ومن هذا المنطلق فقد استشهدت بما اراه صحيحا من اقوال ابن عاشور وتركت ما اعتقد بانه رحمه الله اخطأ فيه ومن الادب بالنسبة لي كطويلب علم الا اخوض في في اخطاء العلماء وانقص من قدرهم.
و هل أنت يا الهزبر توافق ابن عاشور أو تخالفه و تقول إن التفويض و التسليم شر من التأويل و كلاهما شر
انا اوافق القران والسنة بفهم سلف الامة.
اما عن التفويض والتاويل فسأفرد لهما مداخلة باذن الله.
يتبع
الهزبر
2009-11-09, 09:26 PM
السلام عليكم
هذه المداخلة خاصة بالتفويض والتأويل.
تعريف التفويض
التفويض هو ” صرف اللفظ عن ظاهره مع عدم التعرض لبيان المعنى المراد منه بل يترك ويفوض علمه إلى الله“ (النظام الفريد بتحقيق جوهرة التوحيد. حاشية على إتحاف المريد بجوهرة التوحيد ص128).
قال القشيري ” صفة ذاتية لا يعقل معناها تمويه ضمنه تكييف وتشبيه ودعاء إلى الجهل .“
ونحن لا يمكن أن نتعرف على الله إلا من خلال رؤيته وهو محال في الدنيا.
أو التعرف عليه من خلال تدبر صفاته. وهذا محرم عند المفوضة.
ونتيجة ذلك تعطيل الله تماما في نفس البشر.
وقد قيل: الجهل بالصفات يؤدي إلى الجهل بالموصوف.
ويلزم منه وصف النبي بالجهل وأنه كان يدعو إلى الجهل بالله.
فالتفويض إذا دعوة غلى الجهل بالله
ويلزم منه أن ألفاظ الصفات في القرآن بأحرف عربية ولكن بلغة مبهمة لا نعرفها.
ويلزم أن الله لم ينزل آيات الصفات في القرآن العربي بصفات عربية مع أن آيات الصفات نزلت بلغة العرب فكيف تكون ألفاظا ذات معنى ولا يكون لها معنى؟؟؟
ألفاظ ذات معنى لكن لا معنى لها!!!
والتفويض هو إثبات لفظ الصفة مفرغة من المعنى وبتعبير آخر: قبول ألفاظ الصفات مع إخلائها من معانيها الصحيحة.
أراد به قسم من الأشاعرة الهروب من مصيدة تحريف معنى الصفة الذي يسميه أشاعرة آخرون (التأويل) ولكنهم سقطوا في مصيدة منع معنى الصفة، ظن المفوض أنه نجا بذلك ممن يجعلون لألفاظ الصفات معان باطلة، وإنما انتقل من المعنى الباطل إلى لا معنى.
والتفويض فرع مذهب المعتزلة الذين كانوا يعتبرون أسماء الله أعلاماً محضة، بينما يعتبر المفوض الصفات أعلاماً محضة. والنتيجة لكليهما التعطيل، وحينئذ لا فرق بين المعتزلة الذين جعلوا أسماء الله أعلاماً محضة وبين الأشاعرة المفوضة الذين جعلوا صفات الله أعلاماً محضة. فإنه لو كانت أسماء الله وصفاته أعلاماً محضة لم تكن حسنى.
والمفوضة ضاقوا ذرعاً بالتأويل ولم يحتملوا ما أثمره في قلوبهم من قسوة وظلمة ولكنهم لم يحلوا الإشكال الوارد في النصوص التي يسمونها «نصوص التشبيه» فكان الحل أن يُبقوا هذا الإشكال في صدورهم ولا يتحدثوا به. فمرض التشبيه باق ولكن اكتمه في صدرك ولا تحدث به واشك مصيبتك إلى الله!
لقد سُمِح بالتفويض في المذهب الأشعري لسببين:
السبب الأول: أن كثيراً من أئمة الأشاعرة كالغزالي والجويني والسمرقندي تركوا التأويل وكانوا قبل تركه يُكرهون فِطَرَهُم على قبول المحال والمتناقض ويرغمونها على ما تأباه وتنفر منه. كقولهم إن الله قَهَرَ العرش وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للجارية أين الله أي ما اعتقادك في عظمة الله فقالت في السماء أي عظيم القدر جداً.. الخ. ووجدوا من الصعوبة الجمع بين طلب التقوى والصدق مع الله، والقول على الله بهذه الاحتمالات في العقيدة التي تصيب القلب بالقسوة وقلة الورع. ولو لم يكن التأويل اجتهاداً ورأياً لما سُمِح بالتفويض. ولوجب الاقتصار على التأويل.
السبب الثاني: أن التفويض ينتهي إلى ما انتهى إليه التأويل، فهما يسيران في طريقين مختلفين ثم يلتقيان معاً في النهاية.
فإن المفوض يصرف اللفظ عن المعنى الراجح: ولكن لا إلى معنى، بينما المؤول يصرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى معنى مرجوح، فيتفقان في صرف اللفظ عن المعنى المتبادر. ويفترقان في أن أحدهما يعطيه معنى آخر محتملاً، والثاني يمنع عنه المعنى. ولكنهم في النهاية يلتقون عند نتيجة مشتركة: وهي: رفض وصف الله بما وصف به نفسه وتنزيهه عما وصف به نفسه.
ولهذا قيل إن التأويل والتفويض وجهان لعملة واحدة، فإنهما يلتقيان عند تعطيل معنى الصفة المرادة لله. ومن هنا ندرك سر الإذن به من قِبَل الأشاعرة والماتريدية. فنتائج التفويض مثل نتائج التأويل من حيث الجناية على النصوص وتعطيل معانيها.
اللجوء إلى مرض التفويض هرباً من مرض التأويل
التفويض مذهب ظاهره التقوى والكف، وباطنه سوء الظن بالنصوص وتجاهل ما أراد الله من عباده أن يعلموه، وثبت عن السلف تفسيره، فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس أن يفقهه الله في الدين، ويعلمه التأويل، أي التفسير.
وقد قال ابن عباس: « كلّ القرآن أعلم إلا أربع: حنان وأواه وغسلين والرقيم ». ثم علم ذلك بعد كما حكاه ابن قتيبة.
وهذا دليل على أن السلف كانوا إذا جهلوا شيئاً من القرآن صرحوا بذلك. وهم لم يصرحوا بنفي العلم بمعاني صفات الله تعالى. وإذا امتنع أحدهم عن تفسير لفظ ما فلا يدل على أن ذلك منهج لهم.
الدليل على أن السلف فسروا آيات الصفات
ونضرب مثالاً على أن السلف ما تجاهلوا معاني الصفات: فقد قال مجاهد: * اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش * [الفرقان 59]، أي علا على العرش. وقال أبو العالية استوى أي ارتفع [رواه البخاري في التوحيد باب وكان عرشه على الماء].
وعن ابن عباس في قوله تعالى: * وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا * [هود 37]، « أي بعين الله تبارك وتعالى ». وفي رواية أنه أشار بيده إلى عينه [روه البيهقي في الأسماء والصفات 396 واللالكائي في شرح أصول السنة 3/411].
وقد قال مجاهد أخذت التفسير عن ابن عباس من أوله إلى خاتمته أقفه آيةً آيةً. فلم يستثن من ذلك آيات الصفات. وقد ثبت تفسير مجاهد لصفةٍ كثر الجدل حولها وهي صفة الاستواء.
النبي يفسر الصفات
بل الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم تفسير الصفات:
ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة ” اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء الدين واغننا من الفقر“
قال القرطبي:
” عني بالظاهر الغالب والباطن العالم والله أعلم وهو بكل شيء عليم بما كان أو يكون فلا يخفى عليه شيء“ ((تفسير القرطبي17/236).).
أضاف القرطبي:
” قوله تعالى هو الأول والآخر والظاهر والباطن اختلف في معاني هذه الأسماء وقد بيناها في الكتاب الأسني وقد شرحها رسول الله ص شرحا يغني عن قول كل قائل“ (تفسير القرطبي17/236).
تأمل قول القرطبي: " وشرحها رسول الله".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يطوي الله عز وجل السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول أنا الملك: أين الجبارون أين المتكبرون؟» وفي رواية: « يأخذ الله عز وجل سماواته وأرضيه بيديه ويقول: أنا الله. ويقبض أصابعه ويبسطها ويقول: أنا الملك، قال ابن عمر: حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه، حتى إني أقول: أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم ؟» [رواه مسلم رقم (2788)].
وكذلك تلا صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: *إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيرًا * [النّساء 58]، قال أبو هريرة: « رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع إبهامه على أذنه والتي تليها على عينه. يقرؤها ويضع أصبعيه. قال المقرئ: يعني أن الله سميع بصير. قال أبو داود: وهذا رد على الجهمية » [رواه أبو داود في كتاب السنة باب في الجهمية 4/233 رقم (4728) وصححه الحاكم 1/24 وقال الذهبي "على شرط مسلم" وحسن إسناده الحافظ ابن حجر 13/373].
وفي رواية عن عقبة بن عامر قال: « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: « إن ربنا سميع بصير » وأشار إلى عينه » [ذكر هذه الرواية الحافظ ابن حجر في الفتح 13/373 نقلا عن البيهقي في الأسماء والصفات وقال "سنده حسن"].
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: « جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب فقال: يا أبا القاسم: إن الله يمسك السماوات على إصبع والأرضين على إصبع والشجر والثرى على إصبع والخلائق على إصبع ثم يقول: أنا الملك أنا الملك. فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه [تعجباً وتصديقا] ثم قرأ: * وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ * [الأنعام 91]. وحاشا لنبينا أن يُضحكه كفرٌ ثم يقره ولا ينكره.
وهذا يؤكد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بين لأصحابه معاني القرآن كما بين لهم ألفاظه كما أمره الله بذلك فقال: * وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِم * [النّحل 44].
وأما هؤلاء فينتهون إلى أنه صلى الله عليه وسلم اكتفى بإبلاغ الأمة الألفاظ وترك لهم هذا الباب دون بيان.
وهذا من المحال:
• إذ كيف يكون القرآن السراج المنير الذي أخر الله به الناس من الظلمات إلى النور وأنزل معه الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه أن يترك باب الإيمان بصفات الله مشتبهاً متلبساً بالـ - - - مما يضطر البعض أن يصف آياته ب «آيات التشبيه» أو «الآيات التي ظاهرها كفر». ولم يميز ما يجب وما لا يجوز عليه وما يستحيل؟
• وكيف يترك النبي صلى الله عليه وسلم هذا الباب ملتبساً مشتبهاً وهو الذي أشهد أمته على أنه بلغ وبين ونصح وقال: « تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك » [رواه أحمد 4/126 وابن ماجه (43) والحاكم 1/96 واللالكائي 1/22 قال الألباني إسناده صحيح (سلسلة رقم 937)].
والحديث يطول حول هذا الأمر.
يتبع باذن الله
الهزبر
2009-11-13, 05:38 PM
السلام عليكم
يقول الدمشقي بان ابا جرير الطبري قد أوّل كما تؤوّل الأشاعرة واستشهد بقول له.
وسنرى.
لقد قمت ببتر العبارة عن سياقها الكامل اخي الدمشقي.
فقد نقلت أنت
الإمام أبو جعفر الطبري قال في تفسيره :
فيقال له: زعمت أن تأويل قوله"استوى" أقبلَ، أفكان مُدْبِرًا عن السماء فأقبل إليها؟ فإن زعم أنّ ذلك ليس بإقبال فعل، ولكنه إقبال تدبير، قيل له: فكذلك فقُلْ: علا عليها علوّ مُلْك وسُلْطان، لا علوّ انتقال وزَوال. ثم لن يقول في شيء من ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله.اهــ
اما كامل كلام الطبري فهو
والعجبُ ممن أنكر المعنى المفهوم من كلام العرب في تأويل قول الله:"ثم استوى إلى السماء"، الذي هو بمعنى العلو والارتفاع، هربًا عند نفسه من أن يلزمه بزعمه -إذا تأوله بمعناه المفهم كذلك- أن يكون إنما علا وارتفع بعد أن كان تحتها - إلى أن تأوله بالمجهول من تأويله المستنكر. ثم لم يَنْجُ مما هرَب منه! فيقال له: زعمت أن تأويل قوله"استوى" أقبلَ، أفكان مُدْبِرًا عن السماء فأقبل إليها؟ فإن زعم أنّ ذلك ليس بإقبال فعل، ولكنه إقبال تدبير، قيل له: فكذلك فقُلْ: علا عليها علوّ مُلْك وسُلْطان، لا علوّ انتقال وزَوال. ثم لن يقول في شيء من ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله. ولولا أنا كرهنا إطالة الكتاب بما ليس من جنسه، لأنبأنا عن فساد قول كل قائل قال في ذلك قولا لقول أهل الحق فيه مخالفًا. وفيما بينا منه ما يُشرِف بذي الفهم على ما فيه له الكفاية إن شاء الله تعالى.
والطبري يستعمل كلمة التأويل بمعنى التفسير.
فالعجب منك اخي الدمشقي كما يقول الطبري لانك تغير المعنى الذي اتفقت حوله العرب حول معنى الاستواء.
ولزيادة الشرح أقول
هذه بعض الأقوال للطبري تبين أنه يفسر الاستواء كما يفسره أيمتنا أهل الأثر من غير الأشاعرة.
تفسير الطبري - (ج 1 / ص -430-429)
وقال بعضهم: الاستواء هو العلو، والعلوّ قال أبو جعفر: الاستواء في كلام العرب منصرف على وجوه: منها انتهاءُ شباب الرجل وقوّته، فيقال، إذا صار كذلك: قد استوى الرّجُل. ومنها استقامة ما كان فيه أوَدٌ من الأمور والأسباب، يقال منه: استوى لفلان أمرُه. إذا استقام بعد أوَدٍ، ومنه قول الطِّرِمَّاح بن حَكيم:
طَالَ عَلَى رَسْمِ مَهْدَدٍ أبَدُهْ... وَعَفَا وَاسْتَوَى بِهِ بَلَدُه و الارتفاع. وممن قال ذلك الربيع بن أنس.
يعني: استقام به. ومنها: الإقبال على الشيء يقال استوى فلانٌ على فلان بما يكرهه ويسوءه بَعد الإحسان إليه. ومنها. الاحتياز والاستيلاء ، كقولهم: استوى فلان على المملكة. بمعنى احتوى عليها وحازَها. ومنها: العلوّ والارتفاع، كقول القائل، استوى فلان على سريره. يعني به علوَّه عليه.
وأوْلى المعاني بقول الله جل ثناؤه:"ثم استوى إلى السماء فسوَّاهن"، علا عليهن وارتفع، فدبرهنّ بقدرته، وخلقهنّ سبع سموات.والعجبُ ممن أنكر المعنى المفهوم من كلام العرب في تأويل قول الله:"ثم استوى إلى السماء"، الذي هو بمعنى العلو والارتفاع، هربًا عند نفسه من أن يلزمه بزعمه -إذا تأوله بمعناه المفهم كذلك- أن يكون إنما علا وارتفع بعد أن كان تحتها - إلى أن تأوله بالمجهول من تأويله المستنكر. ثم لم يَنْجُ مما هرَب منه! فيقال له: زعمت أن تأويل قوله"استوى" أقبلَ، أفكان مُدْبِرًا عن السماء فأقبل إليها؟ فإن زعم أنّ ذلك ليس بإقبال فعل، ولكنه إقبال تدبير، قيل له: فكذلك فقُلْ: علا عليها علوّ مُلْك وسُلْطان، لا علوّ انتقال وزَوال. ثم لن يقول في شيء من ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله. ولولا أنا كرهنا إطالة الكتاب بما ليس من جنسه، لأنبأنا عن فساد قول كل قائل قال في ذلك قولا لقول أهل الحق فيه مخالفًا. وفيما بينا منه ما يُشرِف بذي الفهم على ما فيه له الكفاية إن شاء الله تعالى.
قال أبو جعفر: وإن قال لنا قائل أخبرنا عن استواء الله جل ثناؤه إلى السماء، كان قبل خلق السماء أم بعده؟
قيل: بعده، وقبل أن يسويهن سبعَ سموات، كما قال جل ثناؤه:
( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا ) [سورة فصلت: 11]. والاستواء كان بعد أن خلقها دُخانًا، وقبل أن يسوِّيَها سبعَ سموات.
وقال بعضهم: إنما قال:"استوى إلى السّماء"، ولا سماء، كقول الرجل لآخر:"اعمل هذا الثوب"، وإنما معه غزلٌ.
وأما قوله"فسواهن" فإنه يعني هيأهن وخلقهن ودبَّرهن وقوَّمهن. والتسوية في كلام العرب، التقويم والإصلاح والتوطئة، كما يقال: سوَّى فلان لفلان هذا الأمر. إذا قوّمه وأصلحه وَوَطَّأه له. فكذلك تسوية الله جل ثناؤه سمواته: تقويمه إياهن على مشيئته، وتدبيره لهنّ على إرادته، وتفتيقهنّ بعد ارتتاقهنّ .
تفسير الطبري - (ج 19 / ص 581)
وقوله:( لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى ) يقول: انظر إلى معبود موسى، الذي يعبده، ويدعو إلى عبادته( وَإِنِّي لأظُنُّهُ ) فيما يقول من أن له معبودا يعبده في السماء، وأنه هو الذي يؤيده وينصره، وهو الذي أرسله إلينا من الكاذبين; فذكر لنا أن هامان بنى له الصرح، فارتقى فوقه.
تفسير الطبري - (ج 23 / ص 237)
وعني بقوله:( هُوَ رَابِعُهُمْ )، بمعنى: أنه مشاهدهم بعلمه، وهو على عرشه. كما حدثني عبد الله بن أبي زياد، قال: ثني نصر بن ميمون المضروب، قال: ثنا بكير بن معروف، عن مقاتل بن حيان، عن الضحاك، في قوله:( مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ ) ... إلى قوله:( هُوَ مَعَهُمْ ) قال: هو فوق العرش وعلمه معهم( أَيْنَمَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) .
وقوله:( ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) يقول تعالى ذكره: ثم يخبر هؤلاء المتناجين وغيرهم بما عملوا من عمل، مما يحبه ويسخطه يوم القيامة.( إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) يقول: إن الله بنجواهم وأسرارهم، وسرائر أعمالهم، وغير ذلك من أمورهم وأمور عباده عليم.
تفسير الطبري - (ج 23 / ص 513)
يقول تعالى ذكره:( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ) أيها الكافرون( أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ) يقول: فإذا الأرض تذهب بكم وتجيئ وتضطرب( أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ) وهو الله( أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ) وهو التراب فيه الحصباء الصغار( فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ ) يقول: فستعلمون أيها الكفرة كيف عاقبة نذيري لكم، إذ كذبتم به، ورددتموه على رسولي.
وأقول.
أما رأيت أيها الدمشقي الأشعري قول الطبري رحمه الله.
"قيل له" انه في مقام عرض لاراء المعارضين ودحضها.
سأزيد الامر شرحا
أولا ينكر الطبري على المتكلمين عدم قبولهم للمعنى الذي يعرفه العرب من العبارة بقوله :"والعجبُ ممن أنكر المعنى المفهوم من كلام العرب في تأويل قول الله:"ثم استوى إلى السماء"، الذي هو بمعنى العلو والارتفاع، "
والجميع يعرف بأننا أهل الأثر وأحباب السلف نثبت ما أثبت الله لنفسه ومنه صفة العلو ولكننا لا نثبت الكيفية لأننا نجهلها.
ثم يقول :"هربًا عند نفسه من أن يلزمه بزعمه -إذا تأوله بمعناه المفهم كذلك- أن يكون إنما علا وارتفع بعد أن كان تحتها - إلى أن تأوله بالمجهول من تأويله المستنكر."
هنا يبين أن لهذا المستنكر شبهة وهي انه دخله التمثيل لذلك بانه بزعمه لو علا لكان تحتها قبل علوه وبين أن هذا التأويل مستنكر أصلا .
ثم يبين ازدواجة التفكير عندهم فهم هربوا من لفظ علا لانه بزعمهم يوجب التنقل :
" ثم لم يَنْجُ مما هرَب منه! فيقال له: زعمت أن تأويل قوله"استوى" أقبلَ، أفكان مُدْبِرًا عن السماء فأقبل إليها؟ فإن زعم أنّ ذلك ليس بإقبال فعل، ولكنه إقبال تدبير، قيل له: فكذلك فقُلْ: علا عليها علوّ مُلْك وسُلْطان، لا علوّ انتقال وزَوال"فهو فسر اقبل . الزم بأنك كما زعمت ان قبل العلو التحت فانه قبل الاقبال الادبار . وهو ما الزمه لغيره من قولهم علا أنه كان تحت . فيقول ابن جرير انه سيقول اقبل اقبال تدبير . فيقول له لماذا لم تقبل العلو بمثل ما قبلت الاقبال ؟ فهو من باب الزامه باللمعنى الصحيح بالالزام
قوله:" لا علوّ انتقال وزَوال"لان التنقل هو زيادة على الصفة فليس يلزمنا قياس فعل الخالق على افعالنا .لاختلاف صفاته وصفاتنا.
ولذلك يقول القحطاني :والله في القرآن أخبر أنه يأتي بغير تنقل وتدان
" ثم لن يقول في شيء من ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله. ولولا أنا كرهنا إطالة الكتاب بما ليس من جنسه، لأنبأنا عن فساد قول كل قائل قال في ذلك قولا لقول أهل الحق فيه مخالفًا. وفيما بينا منه ما يُشرِف بذي الفهم على ما فيه له الكفاية إن شاء الله تعالى"
يقول انه ان اراد ان يلزم المعنى المختار باي شيء الزم بمثله على ما يقول فلذلك قال ابن الاعرابي عندما قيل له استوى استولى لا يكون استولى حتى يكون خارج ملكه ثم يستوي عليه او بعبارة نحوها . وذلك من باب الزام الخصم فيما الزم نفسه . لبيان فساد صنيعه .
ثم يذكر ان عدم ارادته للاطالة هو ما دفعه للاختصار وما ذكره بانهم يلزموا من كل معنى بما يقابله في قولهم المخالف كان كافيا له ليعلم فساد قول وحجج أهل الباطل .
ومعلوم ان مذهب السلف ان الكيف غير معلوم لدينا لان الله قال" ولا يحيطون به علما " و"ليس كمثله شيء " فمن تكلم عن كيف او مثل انما قاس على فعل المخلوق وتوهم . لذلك قالوا لا يتوهم ولا يقال كيف .
أما كون الطبري يتكلم عن علو الذات فهو واضح من قوله :
"ومنها: العلوّ والارتفاع، كقول القائل، استوى فلان على سريره. يعني به علوَّه عليه.
وأوْلى المعاني بقول الله جل ثناؤه:"ثم استوى إلى السماء فسوَّاهن"، علا عليهن وارتفع، فدبرهنّ بقدرته، وخلقهنّ سبع سموات"
وخلاصة المداخلة.
لقد رميت أيها الدمشقي الأشعري الامام الطبري بما لم يقله وبترت كلامه وأولته واسمح لي بان أقول لقد حرفت معناه ولكن الحق بيّن لا يتأثر بالهوى والتوظيف الفاسد.
يتبع باذن الله (ومعه قريبا قائمة ببعض المصادر والمواقع التي استعملتها في الرد لتكون بيد كل شخص محب للسلف رضي الله عنهم)
يتبع
السيف الدمشقي
2010-01-24, 03:27 PM
السلام عليكم أخي الهزبر
ألا تريد أن تكمل الحوار
الهزبر
2010-04-05, 11:05 PM
السلام عليكم
السلام عليكم أخي الهزبر
ألا تريد أن تكمل الحوار
وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.
ايها الدمشقي. لقد غبت عن الموضوع مدة بسبب انشغالي بأمور اخرى أهم. ثم غبت عن المنتدى لأسباب أقوى.
وقد عدت بحمد الله. ومازلت أخي الدمشقي على هواك القديم بل أراك زدت فيه غلوّا. -ولا أحاسبك+ بل أصف واقعا أراه.
سنستأنف الحوار باذن الله تعالى عند تفرّغك واستعدادي لذلك.
فماذا ترى؟
السيف الدمشقي
2010-04-10, 10:59 AM
كما تريد أخي الكريم
تابع إن شئت
Powered by vBulletin® Version 4.2.0 Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir