ذو الفقار
2007-12-11, 01:28 PM
الزمان/ الثلاثاء 18 صفر – 16 هـ
المكان/ المدائن عاصمة كسرى على نهر دجلة.
الموضوع/ جيوش الإسلام بقيادة سعد بن أبي وقاص تفتح المدائن عاصمة الفرس.
الأحداث/
بعد الانتصار الباهر الذي حققه المسلمون في القادسية، وما تحقق فيه من كسر لمعظم قوات الفرس، أصبح الطريق بعدها مفتوحًا لعاصمة الفرس العظمى 'المدائن'؛ فجاء الأمر من الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالتوجه مباشرة للمدائن، فتحركت الجيوش الإسلامية ف أواخر شوال 15 هـ، وقد تحولت كلها لسلاح الفرسان لكثرة ما غنمه المسلمون من الخيل في موقعة القادسية، وأثناء الطريق للمدائن أزالت الجيوش الإسلامية الحاميات الفارسية الموجودة في الطريق حتى انتهى المسلمون لمدينة بهرسير الحصن الأول لمدينة المدائن، وذلك في غرة صفر سنة 16 هجرية، حيث فرض المسلمون حصارًا شديدًا على المدينة، وضربوها بالأسلحة الثقيلة، وحاول يزدجرد أن يطلب المصالحة، ولكن المسلمين يرفضون، وتحدث كرامة لأحد المسلمين من الصحابة تجعل الفرس يفرون من المدينة بسرعة كبيرة؛ حيث تكلم أبو مغرز الأسود بن قطبة بكلام بالفارسي عن سر من أسرار كسرى لا يعلمه إلا المقربون؛ مما جعل الفرس يعتقدون أن المسلمين ليسوا بشرًا؛ بل من الملائكة والجن! ففروا مسرعين من المدينة، ودخلها المسلمون في 16 صفر من الهجرة النبوية الشريفة.
عندما تحرك المسلمون من بهرشير متوجهين إلى المدائن، وكان ذلك في أثناء الليل والأشجار كثيفة، وأثناء مواصلة التقدم ناحية المدائن لاح لهم وسط الظلام، وفي ضوء القمر القصر الأبيض؛ حيث إيوان كسرى، فصاح المسلمون كلهم بصوت واحد: 'الله أكبرً! أبيض كسرى[1]، هذا ما وعد الله ورسوله!' نعم، لقد وعدهم الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك أثناء حصار المشركين للمدينة في غزوة الخندق، عندما اعترضت صخرة عظيمة طريق الحفر، فنزل لها النبي صلوات الله وسلامه عليه، فضرب أول معول فيها، فخرج شرر ولمعان، ثم ضرب الثانية والثالثة فظهر مثل ذلك، وهو يكبر ويقول: 'أعطيت مفاتيح الشام، وإني لأنظر قصورها الحمر الساعة'، ثم قال: 'أعطيت فارس، إني لأبصر قصر المدائن الآن' وقد كان الوعد الحق.
توجهت الجيوش الإسلامية بعد مدينة بهرشير للمدائن، وكان يفصل بينهم نهر دجلة، وكان شديد الجريان، وفي وقت المد وارتفاع المياه، وحث الناس القائد سعدًا بالعبور، ولكنه أحجم خوفًا على أرواح الجند، ثم جاءه رجل من الفرس فقال له: 'لماذا هذا الانتظار؟ لا يأتي عليك ثلاثة أيام إلا ويكون يزجرد قد نقل كل كنوز الفرس وفر بها إلى حلوان' ووافق هذا الكلام عند سعد أنه رأى في نفس الليلة رؤيا حق، أن المسلمين يعبرون بخيولهم نهر دجلة، فقام في الناس خطيبًا يحثهم على الجهاد في سبيل الله والصبر، وعزم عليهم في قطع نهر دجلة سباحة للطرف الآخر حيث مدينة المدائن.
كان للفرس على الطرف الآخر للنهر حامية قرية تدافع عن الشاطئ في حالة عبور المسلمين في السفن؛ حيث لم يدر بخلدهم أن العبوس سوف يكون سباحة على الخيل! فندب سعد الناس أن يبدأ ويحمي لنا الغراض [أي الشاطئ] حتى تتلاحق به الناس لكيلا يمنعوهم من الخروج، فقام أول فدائي متطوع، وكان بطلاً من بني تميم وفارسها 'عاصم بن عمرو'، وتبعه في التطوع ستمائة من ذوي البأس والشجاعة النادرة، ثم انتخب من هؤلاء الستمائة ستين من أشجعهم حتى يكونوا رأس حربة هذه الكتيبة التي عُرفت في التاريخ باسم: 'كتيبة الأهوال'، فاندفعت الكتيبة داخل مياه دجلة الهادرة، وأمواجه المتلاطمة، لتعبر إلى الطرف الآخر، وما إن اقتربت من الطرف الآخر للشاطئ حتى صُعق الفرس من هول المفاجأة، واندفعوا هم الآخرون داخل النهر حتى يصدوا هجوم كتيبة الأهوال، وعندها أمر القائد عاصم بن عمرو باستخدام الرماح، والتركيز على العيون، وضغط المسلمون على الفرس في النهر حتى دفعوهم للخروج إلى الشاطئ مسرعين، ثم عاودوا القتال مع الكتيبة حتى جاء رجل من الفرس، فقال لإخوانه من الفرس: 'علام تقاتلون وقد هرب أهل فارس والمدائن وتركوكم؟!' فعندها فرت الحامية الفارسية من على الشاطئ، واصبح الشاطئ خاليًا، وعندها أرسل القائد عاصم بن عمرو إشارة للقائد سعد بأن الشاطئ قد أصبح خاليًا، والطريق أصبح مفتوحًا لعبور باقي الجيش.
أعجب عبور في التاريخ!: هذا هو أدق وصف لعبور جيوش المسلمين في نهر دجلة؛ حيث أمر القائد سعد الجيوش بنزول الماء وعبوره على ظهور الخيل، وقام رضي الله عنه ودعا للجيش دعوة خاصة ـ وكان مستجاب الدعوة ـ، واندفع الجيش المسلم، وتعداده ستة وعشرين ألفًا على خيولهم يعبرون النهر الهادر في منظر فريد وعجيب من نوعه، فغطوا الماء حتى ما يُرى الماء من الشاطئ، وصار كل اثنين من الجيش يتحادثان فيما بينهما كأنهما يمشيان في البر في أمن وسلام! ولم يفقد منهم شيء من متاعهم ولا رجالهم، ولم يغرق رجل واحد، وكلما صادفتهم منطقة عميقة في النهر ظهر للمسلمين صخور يقفون عليها حتى لا يغرقوا، وذلك من عناية الله بهم وكرامته لجند المسلمين، وتكامل عبور الجيش كله، ودخلوا المدائن وقد أصيب الفرس بالرعب والدهشة، وظنوا أن الملائكة هي التي حملت المسلمين أثناء العبور، وفر يزدجرد ومن معه من خواصه وحاشيته وأهل بيته إلى مدينة حلوان، وكان أول المسلمين دخولاً هم كتيبة الأهوال، فلم تجد أي مقاومة أثناء الدخول، ثم دخل باقي الجيش واستقر في المدينة، ودخل سعد رضي الله عنه إيوان كسرى 'القصر الأبيض'، أحد عجائب الدنيا، وهو يقرأ قول الحق: {كم تركوا من جنات وعيون * وزروع ومقام كريم * ونعمة كانوا فيها فاكهين * كذلك وأورثناها قومًا آخرين}، وصلى في الإيوان صلاة الفتح، ثم جعله مسجدًا بعد ذلك والحمد لله رب العالمين.
*******************************************
[1] حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِىُّ قَالاَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ « لَتَفْتَحَنَّ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ كَنْزَ آلِ كِسْرَى الَّذِى فِى الأَبْيَضِ » . قَالَ قُتَيْبَةُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ . وَلَمْ يَشُكَّ. [البخاري:7515]
المكان/ المدائن عاصمة كسرى على نهر دجلة.
الموضوع/ جيوش الإسلام بقيادة سعد بن أبي وقاص تفتح المدائن عاصمة الفرس.
الأحداث/
بعد الانتصار الباهر الذي حققه المسلمون في القادسية، وما تحقق فيه من كسر لمعظم قوات الفرس، أصبح الطريق بعدها مفتوحًا لعاصمة الفرس العظمى 'المدائن'؛ فجاء الأمر من الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالتوجه مباشرة للمدائن، فتحركت الجيوش الإسلامية ف أواخر شوال 15 هـ، وقد تحولت كلها لسلاح الفرسان لكثرة ما غنمه المسلمون من الخيل في موقعة القادسية، وأثناء الطريق للمدائن أزالت الجيوش الإسلامية الحاميات الفارسية الموجودة في الطريق حتى انتهى المسلمون لمدينة بهرسير الحصن الأول لمدينة المدائن، وذلك في غرة صفر سنة 16 هجرية، حيث فرض المسلمون حصارًا شديدًا على المدينة، وضربوها بالأسلحة الثقيلة، وحاول يزدجرد أن يطلب المصالحة، ولكن المسلمين يرفضون، وتحدث كرامة لأحد المسلمين من الصحابة تجعل الفرس يفرون من المدينة بسرعة كبيرة؛ حيث تكلم أبو مغرز الأسود بن قطبة بكلام بالفارسي عن سر من أسرار كسرى لا يعلمه إلا المقربون؛ مما جعل الفرس يعتقدون أن المسلمين ليسوا بشرًا؛ بل من الملائكة والجن! ففروا مسرعين من المدينة، ودخلها المسلمون في 16 صفر من الهجرة النبوية الشريفة.
عندما تحرك المسلمون من بهرشير متوجهين إلى المدائن، وكان ذلك في أثناء الليل والأشجار كثيفة، وأثناء مواصلة التقدم ناحية المدائن لاح لهم وسط الظلام، وفي ضوء القمر القصر الأبيض؛ حيث إيوان كسرى، فصاح المسلمون كلهم بصوت واحد: 'الله أكبرً! أبيض كسرى[1]، هذا ما وعد الله ورسوله!' نعم، لقد وعدهم الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك أثناء حصار المشركين للمدينة في غزوة الخندق، عندما اعترضت صخرة عظيمة طريق الحفر، فنزل لها النبي صلوات الله وسلامه عليه، فضرب أول معول فيها، فخرج شرر ولمعان، ثم ضرب الثانية والثالثة فظهر مثل ذلك، وهو يكبر ويقول: 'أعطيت مفاتيح الشام، وإني لأنظر قصورها الحمر الساعة'، ثم قال: 'أعطيت فارس، إني لأبصر قصر المدائن الآن' وقد كان الوعد الحق.
توجهت الجيوش الإسلامية بعد مدينة بهرشير للمدائن، وكان يفصل بينهم نهر دجلة، وكان شديد الجريان، وفي وقت المد وارتفاع المياه، وحث الناس القائد سعدًا بالعبور، ولكنه أحجم خوفًا على أرواح الجند، ثم جاءه رجل من الفرس فقال له: 'لماذا هذا الانتظار؟ لا يأتي عليك ثلاثة أيام إلا ويكون يزجرد قد نقل كل كنوز الفرس وفر بها إلى حلوان' ووافق هذا الكلام عند سعد أنه رأى في نفس الليلة رؤيا حق، أن المسلمين يعبرون بخيولهم نهر دجلة، فقام في الناس خطيبًا يحثهم على الجهاد في سبيل الله والصبر، وعزم عليهم في قطع نهر دجلة سباحة للطرف الآخر حيث مدينة المدائن.
كان للفرس على الطرف الآخر للنهر حامية قرية تدافع عن الشاطئ في حالة عبور المسلمين في السفن؛ حيث لم يدر بخلدهم أن العبوس سوف يكون سباحة على الخيل! فندب سعد الناس أن يبدأ ويحمي لنا الغراض [أي الشاطئ] حتى تتلاحق به الناس لكيلا يمنعوهم من الخروج، فقام أول فدائي متطوع، وكان بطلاً من بني تميم وفارسها 'عاصم بن عمرو'، وتبعه في التطوع ستمائة من ذوي البأس والشجاعة النادرة، ثم انتخب من هؤلاء الستمائة ستين من أشجعهم حتى يكونوا رأس حربة هذه الكتيبة التي عُرفت في التاريخ باسم: 'كتيبة الأهوال'، فاندفعت الكتيبة داخل مياه دجلة الهادرة، وأمواجه المتلاطمة، لتعبر إلى الطرف الآخر، وما إن اقتربت من الطرف الآخر للشاطئ حتى صُعق الفرس من هول المفاجأة، واندفعوا هم الآخرون داخل النهر حتى يصدوا هجوم كتيبة الأهوال، وعندها أمر القائد عاصم بن عمرو باستخدام الرماح، والتركيز على العيون، وضغط المسلمون على الفرس في النهر حتى دفعوهم للخروج إلى الشاطئ مسرعين، ثم عاودوا القتال مع الكتيبة حتى جاء رجل من الفرس، فقال لإخوانه من الفرس: 'علام تقاتلون وقد هرب أهل فارس والمدائن وتركوكم؟!' فعندها فرت الحامية الفارسية من على الشاطئ، واصبح الشاطئ خاليًا، وعندها أرسل القائد عاصم بن عمرو إشارة للقائد سعد بأن الشاطئ قد أصبح خاليًا، والطريق أصبح مفتوحًا لعبور باقي الجيش.
أعجب عبور في التاريخ!: هذا هو أدق وصف لعبور جيوش المسلمين في نهر دجلة؛ حيث أمر القائد سعد الجيوش بنزول الماء وعبوره على ظهور الخيل، وقام رضي الله عنه ودعا للجيش دعوة خاصة ـ وكان مستجاب الدعوة ـ، واندفع الجيش المسلم، وتعداده ستة وعشرين ألفًا على خيولهم يعبرون النهر الهادر في منظر فريد وعجيب من نوعه، فغطوا الماء حتى ما يُرى الماء من الشاطئ، وصار كل اثنين من الجيش يتحادثان فيما بينهما كأنهما يمشيان في البر في أمن وسلام! ولم يفقد منهم شيء من متاعهم ولا رجالهم، ولم يغرق رجل واحد، وكلما صادفتهم منطقة عميقة في النهر ظهر للمسلمين صخور يقفون عليها حتى لا يغرقوا، وذلك من عناية الله بهم وكرامته لجند المسلمين، وتكامل عبور الجيش كله، ودخلوا المدائن وقد أصيب الفرس بالرعب والدهشة، وظنوا أن الملائكة هي التي حملت المسلمين أثناء العبور، وفر يزدجرد ومن معه من خواصه وحاشيته وأهل بيته إلى مدينة حلوان، وكان أول المسلمين دخولاً هم كتيبة الأهوال، فلم تجد أي مقاومة أثناء الدخول، ثم دخل باقي الجيش واستقر في المدينة، ودخل سعد رضي الله عنه إيوان كسرى 'القصر الأبيض'، أحد عجائب الدنيا، وهو يقرأ قول الحق: {كم تركوا من جنات وعيون * وزروع ومقام كريم * ونعمة كانوا فيها فاكهين * كذلك وأورثناها قومًا آخرين}، وصلى في الإيوان صلاة الفتح، ثم جعله مسجدًا بعد ذلك والحمد لله رب العالمين.
*******************************************
[1] حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِىُّ قَالاَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ « لَتَفْتَحَنَّ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ كَنْزَ آلِ كِسْرَى الَّذِى فِى الأَبْيَضِ » . قَالَ قُتَيْبَةُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ . وَلَمْ يَشُكَّ. [البخاري:7515]