الفصل الثالث عشر
منظومة للناجحين
الحـمد لله الـذي ربـاني
وأزال عن قلبي العمى وهداني
وأغاثني كرماً وثبت حجتي
وأنا رهين الذنب والنقصان
ثم الصلاة مع السلام لأحمد
خير البرايا من بني الإنسان
والآل والصحب الكرام ومن سعى
لسبيله من تابعي الإحسان
هذي قصيدة كل شهم ناجح
ذي همة كالكواكب والنوراني
لأولي العزائم صغتها وحبكتها
تهدى لأهل الفضل من إخواني
يا من أراد المجد من أطرافه
اسمع هديت نصائحي وأعمل بها
واحرص عليها غاية الإمكان
اسمع للفظة سابقوا أو سارعوا
ويقول أحمد: بادروا بل فاغتنم
خمساً رواه أحمد الشيباني
والمؤمن الشهم القوي أحب من
عبد ضعيف خائر الأركان
احرص على النفع العظيم أتى به
ابن الحسين العالم الرباني
وتعوذ المختار من كسل ومن
عجز رواه عندنا الشيخان
هذا رسول الله قام لربه
فتفطرت لقيامه القدمان
بأبي وأمي خير من وطئ الثرى
وتهللت لقدومه الثقلان
أثر الحصير بجنبه وقميصه
صوف وتحت حزامه حجران
شتموه بل أدموه وهو مصابر
في همة ما كان بالمتوان
وضعوا السلى والشوك فوق جبينه
بل من أذاهم ضاق بالأوطان
وتراه في صبر وعزم راسخ
أقوى على الأبصار من ثهلان
حتى حباه الله أعظم نصره
فاق الخليقة أنسهم والجان
وأذكر أبا بكر وحسن جهاده
وثباته في السر والإعلان
يدعى لأبواب الجنان جميعها
من كثرة الأفضال والإحسان
في الغار صاحبه وفاز بهجرة
حتى أتى في الوحي ذكر الثاني
وانظر إلى الفاروق وأعرف قدره
في قوة الإخلاص والإيمان
ورسوخه في العلم بعد جهاده
في كل موقعة مع العدناني
وعزوفه عن كل مغرية ولو
جاءت إليه بزينة الألوان
وبكائه حتى تبلل خده
وصموده في حومة الميدان
والثالث البر الرشيد تحيتي
تسعى بما يشفي إلى عثمان
هو منفق الأموال ساعة عسرة
متهجداً في الليل بالقرآن
وأذكر أبا حسن وبجل قدره
خير الشيوخ وقدوة الشبان
وهو الذي ذبح الطغاة بسيفه
في بدر والأحزاب يوم الشأن
إذ بيته كوخ ومفرشه الحصى
مركوبه في عمره نعلان
وأبي في حفظ المثاني آية معلومة
ومعاذ ذو عزم بغير توان
وأبو هريرة جد في طلب العلى
والجوع يصرعه على الجدران
في الحفظ أصبح آية معلومة
لا تعتريه بوادر النسيان
أما ابن عباس فأخبر أنه
بلغ المدى في الصبر والإمعان
بل كان ينتظر الصحابة في الضحى
والشمس تصهره بحر دان
من أجل نيل العلم حتى حازه
لسفينة الآثار كالربان
حي العبادلة الكرام وجهدهم
في ضبط آثار وفهم قرآن
للعلم سافر جابر من طيبة
شهراً لمصر بهمة الشجعان
وابن المسيب للحديث محصل
يبقى ثلاثاً ليس بالوسنان
ولمالك صبر الرجال لنيله
أعلى المراتب عند أهل الشأن
ومشى ابن حنبل جامعاً لحديثه
حتى أتى لإمامها الصنعاني
جذ الحصاد بأجرة وتمزقت
بالمشي نعل الماجد الشيباني
وتألق الثوري في زهد وفي
ورع وفي علم وفي عرفان
والأصمعي طوى القفار جميعها
لمراد آداب وحسن بيان
وأقام دهراً سيبويه منقحاً
لعلومه في الحضر والبدوان
حتى روى ذاك الكتاب وإنه
اصل الأصول لنحو خير لسان
برع الكسائي باجتهاد دائم
هو واحد القراء للفرقان
وتفرد الزهري بالسنن التي
سارت مسير الشمس في البلدان
وابن المعين إمام كل معدل
علم الرواة وماله من ثان
أهدى الخليل النجم نوم عيونه
والعين سفر ظاهر البرهان
وأقام من علم العروض عجائباً
ما كان في خلد ولا حسبان
وروى ابن حبان حديث شيوخه
ألفين من شيخ ومن شبان
همم لو أن الدهر يحمل بعضها
لوجدته بالعزم في رجفان
هذا ابن عبد البر في تمهيده
أفنى ثلاثيناً من الأزمان
وكذا ابن حزم المعي زمانه
قد حل في العلياء أي مكان
والظاهري هو النهاية في العلا
بل قدوة لنوابغ الأزمان
أما ابن تيميه فأعظم قصة
في الجمع والتحقيق والإتقان
أنفاسه في العلم حتى حدثوا
عن عزمه قاصي الملا والداني
في اليوم يكتب عشر كراس كذا
تعليمه في همة وتفان
أهل النقول وحافظي البلدان
هذا البخاري أنفق الأوقات في
جمع الحديث وسنة العدناني
ولربما ترك الفراش بليلة
متذكراً ما غاب بالنسيان
قلبي على أهل الحديث وحزبهم
هم صفوة الأخيار كل زمان
كم فيهم من باذل لرقاده
من أجل قول رسول ذي الفرقان
ومشتت العزمات لا يلوي إلى
أهل ولا صحب ولا جيران
ألف النوى حتى كان رحيله
للبين رحلته إلى الأوطان
يا دمع أسعفني على ذكراهم
واهجر قفا نبكي لكل جبان
ذرعوا البلاد وخلفوا أوطانهم
قطعوا القفار بصحبة السرحان
جاعوا فما شبعوا وكل مرادهم
عن سعد عن عمار عن سلمان
وأذكر أبا اسحق من شيراز في
فقه وتأصيل وحسن بيان
مائة من المرات كرر درسه
من قبل شرح فيه للإخوان
ويكرر التنظير ألفاً صابراً
مع أنه في الزهد شيء ثان
ومحمد بن جرير في تاريخه
أملاه من ذهن بلا نسيان
تفسيره من حفظه فأعجب له
يا همة تسمو على كيوان
وأعرف جلال القدر لابن خزيمة
صافي القريحة فائق الأقران
وأبو الفداء ابن العقيل الحنبلي
حفاظ أنفاس ورب معان
وله الفنون يكون ألف مجلد
من غير ما أملاه في الديوان
بل كان أكل الكعك دون الخبز من
عاداته حفظاً لذي الأزمان
وأنظر إلى المزني كرر دهره
سفر الرسالة نسخة الرباني
خمس مئات وهو فيها دائب
من غير ما ملل ولا نكران
أما ابن جوزي الجليل فإنه
قد صاغ ألف مؤلف ببنان
جمع العلوم وجد في تحصيلها
حتى دعوه بواعظ البلدان
لا تنس حافظ عصره في مصره
ذا الفتح والتهذيب والميزان
شرح البخاري خير شرح كامل
لا هجرة من بعد فتح ثان
سلم على الذهبي وانظر جده
إذ بز حفظاً سائر الأقران
وله مع النبلاء تاريخ له
وتذكر الحفاظ من أزمان
هذا النواوي مات قبل مشيبه
من بعد تحقيق مع الإتقان
هجر الكرى للعلم وهو مثابر
فأجاد في تأليفه حتى غدا
شمس العلوم وقصة الركبان
هذا السيوطي فاق في تصنيفه
حتى لقد قالوا له مائتان
وعلى ابن خلدون تحية شاعر
يا عبقري الدهر نعم البان
لما نفوه أتى بتاريخ له
ذكراه من صنعا إلى تطوان
أما ابن سينا فهو صاحب همة
كالنار في حطب من العيدان
حتى على ظهر البعير تراه في
تأليفه يا صبر شيخ فان
وانظر إلى الرازي في تاريخه
وابن الكثير صاحب البرهان
والقيم الجوزي وابن دقيقهم
وابن الوزير وبعده الصنعاني
والعالم النحرير صاحب همة
وقادة أعني به الشوكاني
الكل في جلد على تحصيله
متدرعاً بالصبر والسلوان
وأراك في نوم عميق لاهياً
يا خيبة للفاشل الكسلان
قضيت عمرك في اللذائذ سادراً
يشجيك يا حيران صوت أغان
فأطرح أماني اللهو واصعد واثباً
للمجد واترك صحبة الولهان
شمر وواصل للمعالي دائباً
وأهجر فديت وساوس الشيطان
وأحفظ زمانك واحترس من فوته
وأذكر إذا ما صرت في الأكفان
وانظر إلى القمري أصبح غادياً
في نيل رزق ليس بالمتوان
والنمل ما عرف النكوص ولم يزل
متوثباً في الصخر والصوان
والنحل مص رحيقه من زهرة
والباز خلف الصيد في طيران
والسهم لولا وثبه من قوسه
المفضلات