صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 15
 

العرض المتطور

  1. #1

    عضو مميز

    الصورة الرمزية المشتاقة لرضي ربها
    المشتاقة لرضي ربها غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 2955
    تاريخ التسجيل : 20 - 11 - 2010
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 268
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    البلد : الإسكندرية
    معدل تقييم المستوى : 15

    سؤال وماذا بعد الظلم ؟ ( أحداث تاريخية هامة وقصص واقعية عن نهاية الظلم )


    بسم الله الرحمن الرحيم


    (توطئـة)


    الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على مَنْ لا نبيَّ بعدَه نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن سار على نَهْجه واقتفى أثرَه إلى يوم الدين

    أما بعد


    فإن الناظرَ في أحوال الأمم والشُّعوب قبلنا - وبخاصة الظالمين منهم - ممَّن أهلكه الله – تعالى - لَيَأْخذ من ذلك عظات وعبرًا؛ كيف لا وقد قال - سبحانه

    لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ .يوسف: 111.


    إنَّ في تأمُّل مصير الظالمين وما جرى عليهم من الإهلاك عبرةً لكلِّ جبَّار عنيد؛ نعم؛ الجبَّارُ الذي ما كان يَهْدَأُ له بال في الدُّنيا إلَّا وهو يرى بأمِّ عينيه دماءَ الأبرياء من المؤمنين تنـزف على يد زبانيته المجرمين، فما يحرك له ذلك ساكنا؛ بل وكأنَّ شيئًا لم يكن!!! وهو – زيادة على ذلك - قد أطلق لنفسه العنان، فأغرقها في الشَّهَوات والشُّبُهات؛ منتهكًا بذلك الحرمات، ضاربًا بالشَّرع المطهَّر عرضَ الحائط

    وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ. البروج: 8- 9.


    أَيُّها الأخ الكريم


    ما المصيرُ الذي صار إليه أولئك الطُّغاة الذين ملكوا القوَّةَ والمالَ وأسبابَ البقاء والغَلَبة؟!

    ألم يأخذهم الله جميعًا بعدما فَتَنوا النَّاسَ وآذَوهم طويلًا!

    فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [العنكبوت: 40].

    وهكذا يكون مصيرُ كلِّ ظالم ومتجبِّر على مَرِّ الأزمان والدُّهور، ولا يَبْقى إلَّا حماية الله – تعالى - وركنه القويّ الرَّكين.
    إنَّها حقيقةٌ ضخمة عُني بها القرآن الكريم؛ حيث قرَّرها في نفوس الفئة المؤمنة، فكانت بذلك أقوى من جميع القوى التي وَقَفَتْ في طريقها، وداست بها على كبرياء الجبابرة في الأرض، ودكَّت بها المعاقلَ والحصونَ.

    لقد استقرَّتْ هذه الحقيقةُ الضَّخمةُ في كلِّ نفس، وعمَّرت كلَّ قلب، واختلطت بالدم، وجرت معه في العروق، ولم تَعُدْ كلمة تقال باللِّسان، ولا قضية تحتاج إلى جدل؛ بل بديهة مستقرة في النَّفس لا يجول غيرها في حسٍّ أو خيال.

    قوَّةُ الله هي القوة، وولاية الله هي الولاية، وما عداها فهو واهنٌ ضئيلٌ هزيلٌ مهما علا واستطال، ومهما تَجَبَّرَ وطَغَى، ومهما مَلَكَ من وسائل البَطْش والطُّغيان والتَّنكيل.


    أيُّها الأخ المبارك


    وبعد هذا الاسترسال المفيد - بإذن الله - نقول إنَّ هذا الكتابَ

    "وماذا بعد الظلم"

    يدور حولَ بسط عدد من النَّماذج التي استعرضها الحافظ ابن كثير – رحمه الله - في كتابه العظيم (البداية والنهاية) لنهاية كثير من الطُّغاة والظالمين؛ بدءاً بفرعون وقومه حتى العصر الذي عاش فيه ابن كثير – رحمه الله.

    وحقيقةً.. إنَّ كتابَ "البداية والنهاية"

    كتاب جليل القدر، عظيم النفع لمن تأمله، وهذا ما دعانا إلى إصدار الجزء الأول من هذه السِّلسلة المبارَكة؛

    (إحياء كتب التراث الإسلاميّ)؛

    سائلين الله – تعالى - أن يجعلَها خالصةً لوجهه، نافعةً لعباده؛ إنَّه أعظمُ مسؤول، وأكرمُ مأمول.

    سبحان ربِّك ربِّ العزَّة عمَّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين.

    ,lh`h fu] hg/gl ? ( Hp]he jhvdodm ihlm ,rww ,hrudm uk kihdm hg/gl )





    شبكة ومنتديات طريقنا للجنة
    http://way2gannaaa.com/vb/index.php
    يشرفنا تواصلكم معنا

  2. #2

    عضو مميز

    الصورة الرمزية المشتاقة لرضي ربها
    المشتاقة لرضي ربها غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 2955
    تاريخ التسجيل : 20 - 11 - 2010
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 268
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    البلد : الإسكندرية
    معدل تقييم المستوى : 15

    افتراضي


    (1)

    نهاية فرعون وجنوده


    لما تمادى قبطُ مصر على كفرهم وعُتُوِّهم وعنادهم متابعةً لملكهم فرعون ومخالفةً لنبيِّ الله ورسوله وكليمه موسى بن عمران- عليه السلام، وأقام الله على أهل مصر الحجج العظيمة القاهرة وأراهم من خوارق العادات ما بهر الأبصار وحيَّر العقول، وهم مع ذلك لا يرعوون ولا ينتهون ولا ينـزعون ولا يرجعون، ولم يؤمن منهم إلا القليل - قيل ثلاثة هم امرأة فرعون ولا علم لأهل الكتاب بخبرها، ومؤمن آل فرعون، والرجل الناصح الذي جاء يسعى من أقصى المدينة فقال
    يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين
    . قاله ابنُ عبَّاس فيما رواه ابنُ أبي حاتم عنه، ومرادُه غير السَّحَرة؛ فإنَّهم كانوا من القبط. وقيل: بل آمن طائفة من القبط من قوم فرعون والسَّحرة كلِّهم وجميع شعب بني إسرائيل.

    ويدلُّ على هذا قولُه تعالى

    فَمَا آَمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ [يونس: 83]؛

    فالضمير في قوله: إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عائد على فرعون؛ لأنَّ السِّياقَ يدلُّ عليه.

    وقيل: على موسى؛ لقربه. والأَوَّلُ أظهر كما هو مقرَّرٌ في التَّفسير، وإيمانهم كان خفيةً لمخافتهم من فرعون وسطوته وجبروته وسلطته، ومن ملائهم أن ينموا عليهم إليه فيفتنهم عن دينهم؛

    قال الله تعالى مخبرًا عن فرعون وكفى بالله شهيدا

    وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ؛ أي جبار عنيد مستعل بغير الحقِّ، وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ أي في جميع أموره وشؤونه وأحواله؛ ولكنه جرثومة قد حان انجعافها، وثمرة خبيثة قد آن قطافها، ومهجة ملعونة قد حتم إتلافها،

    وعند ذلك قال موسى

    يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ * فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ؛

    يأمرهم بالتَّوَكُّل على الله والاستعانة به والالتجاء إليه، فأتمروا بذلك، فجعل الله لهم مما كانوا فيه فرجا ومخرجا.

    وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآَ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ يونس: 85،

    - أوحى الله تعالى إلى موسى وأخيه هارون- عليهما السلام- أن يتَّخذوا لقومهما بيوتًا متميزةً فيما بينهم عن بيوت القبط؛ ليكونوا على أهبة في الرَّحيل إذا أمروا به ليعرف بعضهم بيوت بعض.

    وقوله: وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً: قيل: مساجد. وقيل: معناه كثرة الصَّلاة فيها. قاله مجاهد، وأبو مالك، وإبراهيم النخعي، والربيع، والضَّحَّاك، وزيد بن أسلم، وابنه عبد الرحمن، وغيرهم؛ ومعناه على هذا الاستعانة على ما هم فيه من الضُّرِّ والشِّدَّة والضِّيق بكثرة الصَّلاة؛ كما وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ [البقرة: 153]، وكان رسول الله صل الله عليه وسلم إذا حَزَبَه أمرٌ صلَّى. وقيل: معناه أنهم لم يكونوا حينئذ يقدرون على إظهار عبادتهم في مجتمعاتهم ومعابدهم فأمروا أن يصلوا في بيوتهم؛ عوضًا عمَّا فاتهم من إظهار شعار الدِّين الحقِّ في ذلك الزَّمان الذي اقتضى حالُهم إخفاءَه؛ خوفاً من فرعون وملئه. والمعنى الأوَّلُ أقوى؛ لقوله: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ، وإن كان لا يُنافي الثَّاني أيضاً، والله أعلم.

    وقال سعيد بن جبير: وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً: أي متقابلة.

    وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ * قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ

    هذه دعوةٌ عظيمةٌ دعا بها كليمُ الله موسى على عدوِّ الله فرعون غضبًا لله عليه؛ لتكبُّره عن اتِّباع الحقِّ وصدِّه عن سبيل الله ومعاندته وعُتُوِّه وتمرُّده واستمراره على الباطل ومكابرته الحقّ الواضح الجليّ الحسِّيّ والمعنويّ والبرهان القطعيّ؛ فقال: رَبَّنَا إِنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ: يعني قومَه من القبط ومن كان على ملته ودان بدينه: ( زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ)، أي وهذا يغترُّ به من يعظم أمر الدنيا فيحسب الجاهل أنهم على شيء؛ لكون هذه الأموال وهذه الزِّينة من اللِّباس والمراكب الحسنة الهنيَّة والدُّور الأنيقة والقصور المبنيَّة والمآكل الشَّهيرة، والمناظر البهيَّة، والملك العزيز، والتَّمكين والجاه العريض في الدُّنيا لا الدِّين.

    ( رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ): قال ابن عباس ومجاهد: أي أهلكها. وقال أبو العالية والربيع بن أنس والضَّحَّاك: اجعلها حجارةً منقوشةً كهيئة ما كانت. وقال قتادة: بلغنا أن زروعَهم صارت حجارةً. وقال محمد بن كعب: جعل سكرهم حجارة. وقال أيضاً: صارت أموالهم كلُّها حجارة.

    ذُكر ذلك لعمر بن عبد العزيز فقال عمر بن عبد العزيز لغلام له: قم ائتني بكيس. فجاءه بكيس فإذا فيه حمص وبيض قد حول حجارة. رواه ابن أبي حاتم.

    وقولُه: وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ: قال ابن عباس: أي اطبع عليها؛ وهذه دعوة غضب لله تعالى ولدينه ولبراهينه؛ فاستجاب الله تعالى لها وحقَّقها وتقبَّلها كما استجاب لنوح في قومه؛ حيث قال:

    رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا.

    ولهذا مخاطباً لموسى حين دعا على فرعون وملئه وأَمَّنَ أخوه هارون على دعائه فنـزل منـزلة الداعي أيضاً

    قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [يونس: 89].




    شبكة ومنتديات طريقنا للجنة
    http://way2gannaaa.com/vb/index.php
    يشرفنا تواصلكم معنا

  3. #3

    عضو مميز

    الصورة الرمزية المشتاقة لرضي ربها
    المشتاقة لرضي ربها غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 2955
    تاريخ التسجيل : 20 - 11 - 2010
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 268
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    البلد : الإسكندرية
    معدل تقييم المستوى : 15

    افتراضي


    قال المفسِّرون وغيرُهم من أهل الكتاب

    استأذن بنو إسرائيل فرعون في الخروج إلى عيد لهم، فأذن لهم وهو كارهٌ؛ ولكنَّهم تجهَّزوا للخوارج وتأهَّبوا له؛ وإنما كان في نفس الأمر مكيدةٌ بفرعون وجنوده ليتخلَّصوا منهم ويخرجوا عنهم، وأمرهم الله تعالى فيما ذكره أهل الكتاب أن يستعيروا حليًّا منهم فأعاروهم شيئًا كثيرًا فخرجوا بليل فساروا مستمرِّين ذاهبين من فورهم طالبين بلادَ الشَّام، فلما علم بذهابهم فرعون حنق عليهم كل الحنق واشتدَّ غضبُه عليهم، وشرع في استحثاث جيشه وجميع جنوده؛ ليلحقهم ويمحقَهم؛

    قال الله تعالى

    وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ * فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ * فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ * فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآَخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ. [الشعراء: آية 53 وما بعدها].

    قال علماءُ التَّفسير

    لما ركب فرعون في جنوده طالباً بني إسرائيل يقفو أثرهم كان في جيش كثيف عرمرم حتى قيل: كان في خيوله مائة ألف. فَحَلَّ أدهم، وكانت عدة جنوده تزيد على ألف ألف وست مائة ألف؛ فالله أعلم.

    والمقصود أنَّ فرعونَ لحقهم بالجنود فأدركهم عند شروق الشَّمس وتراءى الجمعان ولم يبق ثمَّ ريبٌ ولا لبسٌ، وعاين كلٌّ من الفريقين صاحبَه وتحقَّقَه ورآه ولم يبقَ إلا المقاتلة والمجادلة والمحاماة؛ فعندها قال أصحابُ موسى وهم خائفون: إنا لمدركون. وذلك لأنَّهم اضطروا في طريقهم إلى البحر؛ فليس لهم طريق ولا محيد إلا سلوكه وخوضه؛ وهذا ما لا يستطيعه أحد ولا يقدر عليه، والجبال عن يسرتهم، وعن أيمانهم وهي شاهقة منيفة، وفرعون قد غالقهم وواجههم وعاينوه في جنوده وجيوشه وعَدَدِه وعُدده وهم منه في غاية الخوف والذُّعر لما قاسوا في سلطانه من الإهانة والمنكر، فشكوا إلى نبيِّ الله ما هم فيه قد شاهدوه وعاينوه، فقال لهم الرسول الصَّادق المصدوق: كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ.

    وكان في السَّاقة فتقدَّم إلى المقدمة ونظر إلى البحر وهو يتلاطم بأمواجه، ويتزايد زبد أجاجه وهو يقول: ههنا أمرت. ومعه أخوه هارون ويوشع بن نون، وهو يومئذ من سادات بني إسرائيل وعلمائهم وعبَّادهم الكبار، وقد أوحى الله إليه وجعله نبيًّا بعد موسى وهارون - عليهما السلام - ومعهم أيضاً مؤمن آل فرعون وهم وقوف، وبنو إسرائيل بكمالهم عليهم عكوف.
    ويقال: إن مؤمن آل فرعون جعل يقتحم بفرسه مراراً في البحر هل يمكن سلوكه فلا يمكن، ويقول لموسى عليه السلام: يا نبي الله أههنا أمرت. فيقول: نعم. فلما تفاقم الأمر وضاق الحال واشتدَّ الأمر واقترب فرعون وجنودُه في جدهم وحدهم وحديدهم وغضبهم وحنقهم وزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر؛ فعند ذلك أوحى الحليم العظيم القدير ربُّ العرش الكريم إلى موسى الكليم: أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ. فلمَّا ضربه - يقال: إنه قال له: انفلق بإذن الله. ويقال: إنه كنَّاه بأبي خلد. فالله أعلم.

    قال الله تعالى

    فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ [الشعراء: 63].

    ويقال: إنَّه انفلق اثني عشر طريقاً لكلِّ سبط طريق يسيرون فيه، حتى قيل: إنه صار أيضاً شبابيك لَيَرَى بعضُهم بعضاً، وفي هذا نظر؛ لأن الماء جرم شفاف إذا كان من ورائه ضياء حكاه.

    وهكذا كان ماءُ البحر قائماً مثل الجبال مكفوفاً بالقدرة العظيمة الصَّادرة من الذي يقول للشيء كن فيكون، وأمر الله ريح الدبور فلقحت حال البحر فأذهبته حتى صار يابساً لا يعلق سنابك الخيول والدَّوابّ؛

    قال الله تعالى

    وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى * فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ * وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى [طه: آية 79 وما بعدها].







    شبكة ومنتديات طريقنا للجنة
    http://way2gannaaa.com/vb/index.php
    يشرفنا تواصلكم معنا

  4. #4

    عضو مميز

    الصورة الرمزية المشتاقة لرضي ربها
    المشتاقة لرضي ربها غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 2955
    تاريخ التسجيل : 20 - 11 - 2010
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 268
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    البلد : الإسكندرية
    معدل تقييم المستوى : 15

    افتراضي


    (2)

    نهــاية قـارون


    قال الله تعالى:

    إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ * فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ * فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ * تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص: آية 76].

    قال الأعمش عن المنهال بن عمرو بن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان قارون ابنَ عمّ موسى، وكذا قال إبراهيم النَّخعيُّ وعبد الله بن الحرث بن نوفل، وسماك بك حرب، وقتادة، ومالك بن دينار، وابن جريج، وزاد فقال: هو قارون بن يصهر بن قاهث، وموسى بن عمران بن قاهث. قال ابنُ جريج: وهذا قولُ أكثر أهل العلم؛ أنَّه كان ابنَ عمِّ موسى، ورَدَّ قولَ ابن إسحاق؛ أنَّه كان عمَّ موسى، قال قتادة: وكان يسمَّى النور لحسن صوته بالتَّوراة، ولكنَّ عدوَّ الله نافق كما نافق السَّامريُّ فأهلكه البغي؛ لكثرة ماله.

    وقال شهر بن حوشب: زاد في ثيابه شبراً طولاً ترفُّعاً على قومه. وقد ذكر الله تعالى كثرة كنوزه حتى إنَّ مفاتيحه كان يثقل حملها على القيام من الرِّجال الشِّداد، وقد قيل: إنَّها كانت من الجلود، وإنها كانت تحمل على ستين بغلا. فالله أعلم.

    وقد وعظه النُّصَحاءُ من قَوْمه قائلين: لا تفرح. أي لا تبطر بما أُعطيت وتفخر على غيرك؛
    أنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ. يقولون: لتكن همَّتُك مسروفةً لتحصيل ثواب الله في الدَّار الآخرة؛ فإنَّه خيرٌ وأبقى، ومع هذا: }لَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا{. أي: وتناول منها بمالك ما أحلَّ الله لك. فتمتع لنفسك بالملاذِّ الطَّيِّبة الحلال، }وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ{: أي وأحسن إلى خَلْق الله كما أحسن اللهُ خالقُهم وبارئُهم إليك. }وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ{: أي ولا تسئ إليهم ولا تفسد فيهم فتقابلهم ضدَّ ما أمرت فيهم فيعاقبك ويَسلبك ما وَهَبَك؛ }إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ{.
    فما كان جواب قومه لهذه النَّصيحة الصحيحة الفصيحة إلا أن }قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي{؛ يعني: أنا لا أحتاج إلى استعمال ما ذكرتم ولا إلى ما إليه أشرتم؛ فإنَّ اللهَ إنَّما أعطاني هذا لعلمه أنِّي أستحقه وأنِّي أهل له، ولولا أنِّي حبيبٌ إليه وحظي عنده لما أعطاني ما أعطاني.

    قال الله تعالى ردًّا على ما ذهب إليه: أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ: أي قد أهلكنا من الأمم الماضية بذنوبهم وخطاياهم مَنْ هو أَشَدُّ من قارون قوَّةً وأكثر أموالاً وأولاداً؛ فلو كان ما قال صحيحاً لم نعاقب أحداً ممَّن كان أكثر مالاً منه ولم يكن ماله دليلاً على محبَّتنا له واعتنائنا به؛ كما : وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا [سبأ: 37]، و: أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ [المؤمنون: 55].
    وهذا الرَّدُّ عليه يدلُّ على صحَّة ما ذهبنا إليه من معنى قوله: }إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي{. وأمَّا مَن زَعَمَ أنَّ المرادَ من ذلك أنَّه كان يعرف صَنْعَةَ الكيمياء أو أنَّه كان يحفظ الاسم الأعظم فاستعمله في جمع الأموال فليس بصحيح؛ لأنَّ الكيمياء تخييلٌ وصبغةٌ لا تحيل الحقائق ولا تشابه صنعةَ الخالق، والاسم الأعظم لا يصعد الدُّعاء به من كافر به، وقارون كان كافراً في الباطن منافقاً في الظاهر.

    ثم لا يصحُّ جوابُه لهم بهذا على هذا التَّقدير، ولا يبقى بين الكلامين تلازُمٌ، وقد وضَّحنا هذا في كتابنا "التفسير" ولله الحمد؛ قال الله تعالى: }فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ{: ذكر كثيرٌ من المفسِّرين أنَّه خرج في تجمُّل عظيم من ملابس ومراكب وخَدَم وحَشَم، فلما رآه مَن يُعَظِّم زهرةَ الحياة الدُّنيا تَمَنَّوا أن لو كانوا مثلَه وغبطوه بما عليه وله؛ فلمَّا سمع مقالتهم العلماء ذوو الفهم الصحيح الزُّهَّاد الألبَّاء قالوا لهم: }وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا{: أي ثواب الله في الدَّار الآخرة خير وأبقى وأجلّ وأعلى؛ قال الله تعالى: }وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ{: أي وما يلقَّى هذه النَّصيحة وهذه المقالة وهذه الهمَّة السَّامية إلى الدَّار الآخرة العليَّة عند النَّظَر إلى زهرة هذه الدُّنيا الدَّنيَّة إلا مَن هدى اللهُ قلبَه وثبَّتَ فؤادَه وأَيَّدَ لبَّه وحقَّقَ مرادَه، وما أحسن ما قال بعضُ السَّلَف: إنَّ اللهَ يحبُّ البصرَ النَّافذَ عندَ ورود الشُّبُهات، والعقل الكامل عند حلول الشَّهوات؛ قال الله تعالى: فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ.

    لمَّا ذَكَرَ تعالى خروجَه في زينته واختياله فيها وفخرَه على قومه بها قال: }فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ{. كما روى البخاريُّ من حديث الزُّهريِّ عن سالم عن أبيه عن النبي صل الله عليه وسلم قال: «بينا رجلٌ يَجُرُّ إزارَه إذ خُسف به فهو يَتَجَلْجَلُ في الأرض إلى يوم القيامة». ثم رواه البخاري من حديث جرير بن زيد عن سالم عن أبي هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام نحوه.

    وقد ذَكَرَ ابنُ عبَّاس والسُّدِّيُّ أنَّ قارون أعطى امرأةً بغيًّا مالاً على أن تقولَ لموسى - عليه السلام - وهو في ملأ من الناس: إنك فعلت بي كذا وكذا. فيقال: إنها قالت له ذلك فأرعد من الفرق وصلى ركعتين، ثم أقبلَ عليها فاستحلفها من ذلك على ذلك وما حملك عليه؟ فذكرت أنَّ قارون هو الذي حَمَلَها على ذلك، واستغفرت وتابت إليه، فعند ذلك خرَّ موسى ساجداً ودعا الله على قارون، فأوحى اللهُ إليه: إنِّي قد أَمَرْتُ أن تطيعَك فيه. فأمر موسى الأرضَ أن تبتلعَه ودارَه فكان ذلك، فالله أعلم.

    وقد قيل: إنَّ قارون لما خرج على قومه في زينته مَرَّ بجحفله وبغاله وملابسه على مجلس موسى - عليه السلام - وهو يذكِّر قومَه بأيَّام الله، فلما رآه النَّاسُ انصرفت وجوهُ كثير من النَّاس ينظرون إليه، فدعا موسى - عليه السلام - فقال له: ما حملك على هذا؟ فقال: يا موسى، أما لئن كنتَ فضِّلتَ عليَّ بالنُّبوَّة فلقد فضلت عليك بالمال، ولئن شئتَ لتخرجن فلتدعون عليَّ ولأدعونَّ عليك.

    فخرج وخرج قارون في قومه فقال له موسى: تدعو أو أدعو؟ قال: أدعو أنا. فدعى قارون فلم يجب في موسى، فقال موسى: أدعو؟ قال: نعم. فقال موسى: اللهمَّ مر الأرضَ فلتطعن اليوم، فأوحى الله إليه: إني قد فعلت. فقال موسى: يا أرض خذيهم. فأخذتهم إلى أقدامهم، ثم قال: خذيهم. فأخذتهم إلى ركبهم، ثم إلى مناكبهم، ثم قال: أقبلي بكنوزهم وأموالهم. فأقبلت بها، حتى نظروا إليها.

    ثم أشار موسى بيده فقال: اذهبوا بني لاوي. فاستوت بهم الأرض. وقد روي عن قتادة أنَّه قال: يخسف بهم كلَّ يوم قامة إلى يوم القيامة، وعن ابن عبَّاس أنَّه قال: خُسف بهم إلى الأرض السابعة.

    وقد ذكر كثيرٌ من المفسِّرين ههنا إسرائيليَّات كثيرة أضربنا عنها صفحاً وتركناها قصداً.

    وقولُه تعالى: فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ. لم يكن له ناصر من نفسه ولا من غيره؛ كما قال: }فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ{. ولما حلَّ به ما حلَّ من الخسف وذهاب الأموال وخراب الدَّار وإهلاك النَّفس والأهل والعقار ندم مَن كان تَمَنَّى مثل ما أُوتي وشكروا الله تعالى الذي يدبِّر عبادَه بما يشاء من حُسْن التَّدْبير المخزون، ولهذا قالوا: }لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ{. وقد قال قتادة: "ويكأن" بمعنى ألم تر أن، وهذا قول حسن من حيث المعنى والله أعلم.

    ثم أخبر تعالى أنَّ }الدَّارَ الْآَخِرَةَ{؛ وهي دارُ القرار، وهي الدَّار التي يغبط من أعطيها ويعزَّى مَنْ حُرمها؛ إنَّما هي مُعَدَّةٌ للذين لا يريدون عُلُوًّا في الأرض ولا فساداً؛ فالعُلُوُّ هو التَّكَبُّر والفخر، والأشر والبطر والفساد هو عمل المعاصي اللَّازمة والمتعدِّدة من أَخْذ أموال النَّاس وإفساد معايشهم والإساءة إليهم وعدم النُّصْح لهم، ثم : }وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ{.

    وقصَّةُ قارون هذه قد تكون قبل خروجهم من مصر؛ لقوله: فخسفنا به وبداره الأرض. فإنَّ الدَّارَ ظاهرةٌ في البُنْيان، وقد تكون بعد ذلك في التيه وتكون الدَّارُ عبارةً عن المحلة التي تضرب فيها الخيام؛ كما قال عنترة:

    يا دار عبلة بالجواء تكلمي
    وعمي صباحا دار عبلة واسلمي


    والله أعلم.





    شبكة ومنتديات طريقنا للجنة
    http://way2gannaaa.com/vb/index.php
    يشرفنا تواصلكم معنا

  5. #5

    عضو مميز

    الصورة الرمزية المشتاقة لرضي ربها
    المشتاقة لرضي ربها غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 2955
    تاريخ التسجيل : 20 - 11 - 2010
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 268
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    البلد : الإسكندرية
    معدل تقييم المستوى : 15

    افتراضي


    (3)
    نهاية أمية بن خلف


    قال ابن إسحاق: وحدثني يحيى بن عبَّاد بن عبد الله بن الزُّبير عن أبيه، وحدثنيه أيضاً عبد الله بن أبي بكر وغيرهما، عن عبد الرحمن بن عوف، قال: كان أميةُ بن خلف لي صديقاً بمكة، وكان اسمي عبد عمرو، فتسمَّيْتُ حين أسلمتُ عبد الرحمن، فكان يلقاني ونحن بمكة فيقول: يا عبد عمرو أرغبت عن اسم سمَّاكَه أبوك؟ قال: فأقول نعم! قال: فإني لا أعرف الرحمن، فاجعل بيني وبينك شيئاً أدعوك به؛ أما أنت فلا تجيبني باسمك الأول، وأما أنا فلا أدعوك بما لا أعرف. قال: وكان إذا دعاني يا عبد عمرو لم أجبه. قال: فقلت له: يا أبا علي، اجعل ما شئت. قال: فأنت عبد الإله. قال: قلت: نعم! قال: فكنت إذا مررت به قال: يا عبد الإله. فأجيبه فأتحدث معه، حتى إذا كان يوم بدر مررتُ به وهو واقفٌ مع ابنه عليّ وهو آخذٌ بيده، قال: ومعي أدراع لي قد استلبتها فأنا أحملها، فلما رآني قال: يا عبد عمرو. فلم أجبه، فقال: يا عبد الإله. فقلت: نعم! قال: هل لك فيّ؛ فأنا خير لك من هذه الأدراع التي معك؟ قال: قلت: نعم ها الله. قال: فطرحت الأدراع من يدي وأخذت بيده وبيد ابنه وهو يقول: ما رأيت كاليوم قط، أما لكم حاجة في اللبن؟ ثم خرجت أمشي بهما.

    قال ابن إسحاق: حدثني عبد الواحد بن أبي عون عن سعد بن إبراهيم عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف، قال: قال لي أميَّةُ بن خلف وأنا بينه وبين ابنه آخذاً بأيديهما: يا عبد الإله من الرجل منكم المعلم بريشة نعامة في صدره؟ قال: قلت حمزة. قال: ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل. قال عبد الرحمن: فوالله إني لأقودهما إذ رآه بلال معي– وكان هو الذي يعذب بلالا بمكة على الإسلام- فلما رآه قال: رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا. قال: قلت- أي بلال: أسيري. قال: لا نجوتَ إن نجا. قال: ثم صرخ بأعلى صوته: يا أنصار الله، رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا. فأحاطوا بنا حتى جعلونا في مثل المسكة() فأنا أَذُبُّ عنه. قال: فأخلف رجل السيف فضرب رجل ابنه فوقع، وصاح أميَّة صيحة ما سمعت بمثلها قط. قال: قلت: انج بنفسك ولا نجاء، فوالله ما أغني عنك شيئا.

    قال: فهبروهما بأسيافهم حتى فرغوا منهما. قال: فكان عبد الرحمن يقول: يرحم الله بلالاً فجعني بأدراعي وبأسيري. وهكذا رواه البخاريُّ في صحيحه قريباً من هذا السِّياق فقال في الوكالة: حدَّثنا عبد العزيز– هو ابن عبد الله- حدَّثنا يوسف- هو ابن الماجشون- عن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن جدِّه عبد الرحمن بن عوف قال: كاتبتُ أمية بن خلف كتاباً بأن يحفظني في صاغيتي() بمكة وأحفظه في صاغيته بالمدينة، فلما ذكرت الرحمن قال: لا أعرف الرحمن، كاتبني باسمك الذي كان في الجاهلية. فكاتبتُه عبد عمرو، فلمَّا كان يوم بدر خرجتُ إلى جبل لأحرزه حين نام الناس، فأبصره بلال فخرج حتى وقف على مجلس من الأنصار فقال: أمية بن خلف؟ لا نجوت إن نجا أمية بن خلف. فخرج معه فريق من الأنصار في آثارنا فلما خشيت أن يلحقونا خلَّفْت لهم ابنَه لأشغلهم فقتلوه، ثم أتوا حتى تبعونا وكان رجلاً ثقيلاً، فلما أدركونا قلت له: ابرك. فبرك، فألقيتُ عليه نفسي لأمنعه فتخلَّلوه بالسُّيوف من تحتي حتى قتلوه، وأصاب أحدهم رجلي بسيفه، فكان عبد الرحمن بن عوف يرينا ذلك في ظهر قدمه. سمع يوسف صالحاً وإبراهيم أباه. تفرد به البخاري من بينهم كلهم، وفي مسند رفاعة بن رافع أنَّه هو الذي قتل أميةَ بن خلف.




    شبكة ومنتديات طريقنا للجنة
    http://way2gannaaa.com/vb/index.php
    يشرفنا تواصلكم معنا

  6. #6

    عضو مميز

    الصورة الرمزية المشتاقة لرضي ربها
    المشتاقة لرضي ربها غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 2955
    تاريخ التسجيل : 20 - 11 - 2010
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 268
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    البلد : الإسكندرية
    معدل تقييم المستوى : 15

    افتراضي


    يتبــــــــــــع بأذن الله




    شبكة ومنتديات طريقنا للجنة
    http://way2gannaaa.com/vb/index.php
    يشرفنا تواصلكم معنا

  7. #7

    عضو مميز

    الصورة الرمزية المشتاقة لرضي ربها
    المشتاقة لرضي ربها غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 2955
    تاريخ التسجيل : 20 - 11 - 2010
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 268
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    البلد : الإسكندرية
    معدل تقييم المستوى : 15

    افتراضي


    والمقصود أنه لما آل أمر البحر إلى هذه الحال بإذن الرَّبِّ العظيم الشَّديد المحال أمر موسى - عليه السلام - أن يجوزه ببني إسرائيل، فانحدروا فيه مسرعين مستبشرين مبادرين وقد شاهدوا من الأمر العظيم ما يحيِّر النَّاظرين ويهدي قلوبَ المؤمنين؛ فلمَّا جاوزوه وخرج آخرهم منه وانفصلوا عنه - كان ذلك عند قدوم أوَّل جيش فرعون إليه ووفودهم عليه - فأراد موسى - عليه السلام - أن يضربَ البحرَ بعصاه ليرجع كما كان عليه؛ لئلَّا يكون لفرعون وجنوده وصولٌ إليه ولا سبيل عليه؛ فأمره القدير ذو الجلال أن يترك البحرَ على هذه الحال؛ كما قال وهو الصَّادق في المقال:

    وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ * أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آَتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ * وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ * فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ * فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ * وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ * كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آَخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ * وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ * مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ * وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَآَتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآَيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ. [الدُّخان: آية 17 وما بعدها].

    فقوله تعالى: وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا: أي ساكناً على هيئته لا تغيِّره عن هذه الصِّفة.

    قاله عبد الله بن عبَّاس ومجاهد وعكرمة والرَّبيع والضَّحَّاك وقتادة وكعب الأحبار وسماك بن حرب وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم.
    فلما تركه على هيئته وحالته وانتهى فرعون فرأى ما رأى وعاين ما عاين هاله هذا المنظر العظيم وتحقَّق ما كان يتحقَّقه قبل ذلك من أنَّ هذا من فعل ربِّ العرش الكريم؛ فأحجم ولم يتقدَّم وندم في نفسه على خروجه في طلبهم والحالة هذه؛ حيث لا ينفعه النَّدم؛ لكنه أظهر لجنوده تجلُّداً وعاملهم معاملة العدا وحملته النفس الكافرة والسجية الفاجرة على أن قال لمن استخفَّهم فأعطوه وعلى باطله تابعوه: انظروا كيف انحسر البحر لي لأدرك عبيدي الآبقين من يدي الخارجين عن طاعتي وبلدي. وجعل يوري في نفسه أن يذهب خلفهم ويرجو أن ينجو، وهيهات، ويقدم تارة ويحجم تارات.
    فذكروا أنَّ جبريل - عليه السلام - تبدَّى في صورة فارس راكب على رمكة حايل؛ فمرَّ بين يدي فحل فرعون - لعنه الله - فحمحم وأقبل عليها، وأسرع جبريل بين يديه فاقتحم البحرَ واستبق الجواد وقد أجاد فبادر مسرعا، هذا وفرعون لا يملك من نفسه ضرًّا ولا نفعاً؛ فلمَّا رأتْه الجنودُ قد سلك البحر اقتحموا وراءه مسرعين فحصلوا في البحر أجمعين أكتعين أبصعين حتى همَّ أوَّلُهم بالخروج منه، فعند ذلك أمر الله تعالى كليمه فيما أوحاه إليه أن يضرب البحر بعصاه فضربه، فارتفع عليهم البحر كما كان، فلم ينجُ منهم إنسان؛

    قال الله

    وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ [الشعراء: آية 65]؛

    أي في إنجائه أولياءه؛ فلم يغرق منهم أحد، وإغراقه أعداءه فلم يخلص منهم أحد.

    آية عظيمة وبرهان قاطع على قدرته تعالى العظيمة وصدق رسوله فيما جاء به عن ربِّه من الشَّريعة الكريمة والمناهج المستقيمة،

    و

    وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ [يونس: آية 90]؛

    يخبرُ تعالى عن كيفية غرق فرعون زعيم الكفرة القبط، وأنه لما جعلت الأمواج تخفضه تارةً وترفعه أخرى وبنو إسرائيل يَنظرون إليه وإلى جنوده: ماذا أحلَّ اللهُ به وبهم من البأس العظيم والخطب الجسيم؛ ليكون أقر لأعين بني إسرائيل وأشفى لنفوسهم!

    فلما عاين فرعون الهلكةَ وأحيط به وباشر سكرات الموت أناب حينئذ وتاب وآمن حين لا ينفع نفساً إيمانُها؛

    كما

    إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آَيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ [يونس: آية 96]،

    و

    فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ [غافر: آية 84].

    وهكذا دعا موسى على فرعون وملئه أن يطمس على أموالهم ويَشْدُدَ على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذابَ الأليم؛ أي حين لا ينفعهم ذلك، ويكون حسرة عليهم، وقد لهما - أي لموسى وهارون - حين دعوا بهذا: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا [يونس: 89]؛ فهذا من إجابة الله تعالى دعوةَ كليمه وأخيه هارون - عليهما السلام.

    ومن ذلك الحديث الذي رواه الإمام أحمد: حدَّثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم لما قال فرعون: آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ [يونس: 89]، قال: قال لي جبريل: لو رأيتني وقد أخذت من حال البحر فدسسته في فيه مخافةَ أن تنالَه الرَّحمة.
    ورواه الترمذيُّ وابن جرير وابن أبي حاتم عند هذه الآية من حديث حمَّاد بن سلمة. وقال التِّرْمذيُّ: حديث حسن.

    وقال أبو داود الطَّيالسيّ: حدَّثنا شعبةُ عن عديِّ بن ثابت وعطاء بن السَّائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم «قال لي جبريل: لو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر فأدسّه في فم فرعون مخافةَ أن ينالَه الرَّحمة». ورواه التِّرمذيُّ وابن جرير من حديث شعبة، وقال التِّرمذيُّ: حسن غريب صحيح. وأشار ابنُ جرير في رواية إلى وَقْفه، وقال ابنُ أبي حاتم: حدَّثنا أبو سعيد الأَشَجُّ، حدَّثنا أبو خالد الأحمر، عن عمر بن عبد الله بن يعلى الثَّقَفيّ عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما أغرق اللهُ فرعونَ أشار بإصبعه ورفع صوته: آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ. قال: فخاف جبريل أن تسبقَ رحمة الله فيه غضبه فجعل يأخذ الحال بجناحيه فيضرب به وجهه فيرمسه، ورواه ابن جرير من حديث أبي خالد به، وقد رواه ابن جرير من طريق كثير بن زاذان وليس بمعروف، وعن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم «قال لي جبريل يا محمد لو رأيتني وأنا أغطه وأدس من الحال في فيه مخافة أن تدركه رحمة الله فيغفر له». يعني فرعون.

    وقد أرسله غيرُ واحد من السَّلَف؛ كإبراهيم التَّيميّ وقتادة وميمون بن مهران، ويقال أنَّ الضَّحَّاكَ بن قيس خطب به الناس، وفي بعض الرِّوايات: «إن جبريل قال: ما بغضت أحدا بغضي لفرعون حين قال أنا ربكم الأعلى ولقد جعلت أدس في فيه الطين حين قال ما قال».

    وقولُه تعالى

    آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ: استفهامُ إنكار ونص على عدم قبوله تعالى منه ذلك؛ لأنَّه - والله أعلم - لو ردَّ إلى الدُّنيا كما كان لعاد إلى ما كان عليه كما أخبر – تعالى - عن الكفار إذا عاينوا النار وشاهدوها أنَّهم يقولون: يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآَيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنعام: 27]؛ قال الله تعالى: بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [الأنعام: 28]، وقوله: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً [يونس: 92].

    قال ابنُ عبَّاس وغيرُ واحد: شَكَّ بعضُ بني إسرائيل في موت فرعون حتى قال بعضهم: إنه لا يموت. فأمر اللهُ البحرَ فرفعه على مرتفع – قيل: على وجه الماء، وقيل: على نجوة من الأرض - وعليه درعُه التي يعرفونها من ملابسه؛ ليتحقَّقوا بذلك هلاكَه ويعلموا قدرةَ الله عليه؛ ولهذا قال: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ؛ أي مصاحباً درعَك المعروفة بك؛ (لتكون) - أي أنت - آية (لمن خلفك)؛ أي من بني إسرائيل، دليلًا على قدرة الله الذي أهلكه. ولهذا قرأ بعض السَّلَف: لتكون لمن خلفك آية.

    ويُحْتَمَلُ أن يكون المرادُ: ننجِّيك مصاحباً لتكون درعك لمن خلفك آية. ويُحتمل أن يكون المرادُ: ننجيك مصاحباً لتكون درعُك علامةً لمن وراءك من بني إسرائيل على معرفتك وأنَّك هلكتَ. والله أعلم.

    وقد كان هلاكُه وجنودُه في يوم عاشوراء كما قال الإمام البخاريُّ في صحيحه: حدَّثنا محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قدم النبيُّ عليه الصلاة والسلام المدينة واليهود تصوم يوم عاشوراء، فقالوا: هذا يوم ظَهَرَ فيه موسى على فرعون. قال النبى صل الله عليه وسلم «أنتم أحق بموسى منهم فصوموا». وأصلُ هذا الحديث في الصحيحين وغيرهما، والله أعلم.





    شبكة ومنتديات طريقنا للجنة
    http://way2gannaaa.com/vb/index.php
    يشرفنا تواصلكم معنا

  8. #8

    عضو مميز

    الصورة الرمزية المشتاقة لرضي ربها
    المشتاقة لرضي ربها غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 2955
    تاريخ التسجيل : 20 - 11 - 2010
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 268
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    البلد : الإسكندرية
    معدل تقييم المستوى : 15

    افتراضي



    وقد ذكر الله تعالى مذمَّةَ قارون في غير ما آية من القرآن؛ قال الله:


    وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ [غافر: آية 34]،

    و في سورة العنكبوت بعد ذكر عاد وثمود وقارون وفرعون وهامان:


    وَلَقَدْ جَاءَتهمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ * فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ. [العنكبوت: آية 39]؛

    فالذي خسف به الأرض قارونُ كما تقدَّم، والذي أغرق فرعون وهامان وجنودهما أنَّهم كانوا خاطئين.
    وقد قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو عبد الرحمن، حدثنا سعيد، حدثنا كعب بن علقمة، عن عيسى بن هلال الصدفي، عن عبد الله بن عمرو، عن النبيِّ صل الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوماً فقال: «مَنْ حافظ عليها كانت نوراً وبرهاناً ونجاةً يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبيّ بن خلف». [انفرد به أحمد رحمه الله].




    شبكة ومنتديات طريقنا للجنة
    http://way2gannaaa.com/vb/index.php
    يشرفنا تواصلكم معنا

  9. #9
    الطامع في رحمة الله
    الصورة الرمزية ابوالسعودمحمود
    ابوالسعودمحمود غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 2222
    تاريخ التسجيل : 31 - 5 - 2010
    الدين : الإسلام
    الجنـس : ذكر
    العمر: 68
    المشاركات : 8,532
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 16
    البلد : ارض الله
    الاهتمام : لن نسمح بالتطاول على أشرف الخلق التوحيد ""حق الله على العباد"", روعة القرآن دى بقى مش فاهمها
    الوظيفة : سائق
    معدل تقييم المستوى : 23

    افتراضي


    متابع اختنا الكريمه المشتاقه لرضا ربها






  10. #10

    عضو مميز

    الصورة الرمزية المشتاقة لرضي ربها
    المشتاقة لرضي ربها غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 2955
    تاريخ التسجيل : 20 - 11 - 2010
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 268
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    البلد : الإسكندرية
    معدل تقييم المستوى : 15

    افتراضي


    جزاكم الله خيرا علي المرور الطيب




    شبكة ومنتديات طريقنا للجنة
    http://way2gannaaa.com/vb/index.php
    يشرفنا تواصلكم معنا

 

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. الظلم الذي لا يرد
    بواسطة الهزبر في المنتدى التواصل واستراحة المنتدى
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 2011-02-12, 03:30 PM
  2. علم العلل
    بواسطة ركن الدين في المنتدى مصطلح الحديث وعلومه
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 2009-08-06, 04:45 PM
  3. يسوع كلي العلم
    بواسطة ذو الفقار في المنتدى دراسة نسخ الكتاب المقدس
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 2008-09-26, 05:55 PM
  4. الظلم الإجتماعي
    بواسطة ronya في المنتدى قضايا الأسرة والمجتمع
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 2008-07-31, 09:16 AM
  5. افة العلم والنسيان
    بواسطة بنت خويلد في المنتدى العلم والثقافة العامة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 2007-12-26, 02:55 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
RSS RSS 2.0 XML MAP HTML