خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز
الفصل الأول
نبذة عن العصر الأموي
بعد أن أظهر الله هذا الدين وتنفست الدنيا الصعداء على يد سيد المرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، تكونت أول نواة لدولة الإسلام في طيبة المدينة المنورة ثم جاء وعد الله وفتحت مكة وأزهق الله المشركين بكفرهم وتحطمت الأصنام حول الكعبة المشرفة ، بدأ عصر جديد عصر الدولة الإسلامية فانتشر هذا الدين شرقا و غربا ثم جاء عصر الخلافة الراشدة الذي أرسى دعائم الدولة وسير المجتمع الإسلامي على أروع صورة ذكرها التاريخ ثم رست سفينة هذا العصر ليبدأ عصر هو عصر الدولة الأموية والت منها خرج هذا الرجل الفذ ، عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه.
(( لم يكن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ( 61 - 101هـ / 681 - 720 م ) رجلا مغمورا في أسرته بني أمية ، وإنما كان علما مشهورا بالصلاح والاستقامة ، والمرونة الفصاحة ، فهو قرشي أصيل ينتمي إلى بني أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي الجد الخامـس للـرسـول صلى الله عليه وسلم، وزعيم قريش الذي أسس مجدها وكان أمية يعادل في الشرف و الرفعة عمه هاشم بن عبد مناف ، وكانا يتنافسان رئاسة قريش في الجاهلية )) (1).
وهنا نتصفح أوراق التاريخ لنسقط الضوء على أهم الأحداث التي جرت في عصر الخلافة الأموية والأوضاع التي آلة إليها دولة الإسلام من تمزق وشقاق وانتشار لظلم وفساد يحتاج لمن يقف أمامه وقفة المخلص الحازم ليوقف هذا التيار المدمر الناخر في جسد الأمة.
(( لكن نمط الحكم الأموي يختلف جذريا عن سيرة الخلفاء الراشدين في أمر أساسي ألا وهو جعل الحكم ملكا وراثيا ، بعد أن كان شورياً ، فصار الخليفة يوصي بالخلافة لمن شاء بعده على أن يبايعه المسلمون ، ويوافقوا على تعيينه موافقة صورية فقط ، بعد أن كانت البيعة و الاختيار هي طابع تعيين الخليفة ، على أساس الشورى و التعرف على آراء الناس ، مما حرم الأمة فرصة حرية التغيير و التبديل ، كما حرمها إمكان الإصلاح في ميادين الثروة الاقتصادية ، فانتشرت المظالم التي أدت إلى كراهية الحكم الأموي ، وإلى ظهور الثورات و الانتفاضات ضد الخلفاء الأمويين ، وكان الفقهاء في المدينة وغيرها في طليعة المعارضين أشد المعارضة للأمويين ، ووجهوا لهم سهام النقد الشديد ، بل لم يبايعوهم أحيانا ، لجعلهم الأمر ملكا ، ولإهمالهم التمسك بسنة السلف )) (2).
ولا شك أن ذلك سيكون له مردود سيئ للأمة ولبني أمية الذين حملوا أمانة و مسئولية حكم الرعية و السير بها إلى بر السلامة و الأمان بدلاً من السير بالأمة إلى فوهة عميقة لا يجد داخلها لا الأمان ولا الاطمئنان.
وأصبحت البلاد مرتعاً للفساد ، ومباءة للانقسام و التمزق و التفرق ، في عهد يزيد بن معاوية ( 60 - 64 هـ ) في فاجعة كربلاء ، وقتل الحسين و أقاربه إلا نفراً قليلاً رضي الله عنهم، وفي وقعة الحرة سنة 63 هـ بالمدينة التي ذهب ضحيتها الآلاف من أبناء الصحابة وزعماء المدينة ، مما أدى لظهور الشيعة بالكوفة ، فجمعوا السلاح ، ودعوا الناس للأخذ بثأر الحسين ، فصارت العراق مسرحاً للثورات و الفتن بين الخوارج والشيعة(3).
وحدث انقسام في الخلافة ، فبايعت الحجاز ثم العراق عبد الله بن الزبير، حتى قتل سنة 73 هـ ، وشاعت ظاهرة البذخ و الترف و الفساد و مجالس اللهو و الغناء في بلاط بعض الحكام ، و انغمس الناس في حياة الرفاهية و الإنفاق ، وأصبح الميل للمال في عهد الأمويين و بين جماعتهم هو التقليد السائد ، وجمع الولاة المال من الناس بالحق و بالباطل .
وكانت البلاد قبيل توليه عبد الملك بن مروان رضي الله عنه ( 65 - 86 هـ ) تغلي كالمراجل بالفوضى و الاضطراب ، ففي الحجاز عبد الله بن الزبير رضي الله عنه وقد بايعه أهلها ، وفي العراق ثورة الخوارج والشيعة ، وفي الشام عمرو بن سعيد بن العاص يطالب بالخلافة ، والبلاد الإسلامية مهددة من الشمال بخطر البيزنطيين ، ومن المغرب بثورة البربر، فقضى عبد الملك على الفتن و أسكتها ، وقمع ثورة الخوارج ، فلما ولي الوليد رضي الله عنه الخلافة وجد البلاد هادئة مطمئنة .
وتوسعت البلاد كثيرا في عهد الوليد بفتح الأندلس سنة 92 هـ بقيادة موسى بن نصير و مولاه طارق بن زياد، وأنتشر الإسلام في بلاد المغرب .
وحاول سليمان رضي الله عنه فتح القسطنطينية ، لولا إحراق الروم سفن المسلمين و فشل الحملة البحرية ، وأصبحت حدود الدولة الإسلامية من نهر السند و الصين شرقا إلى المحيط الأطلسي وجبال البرينية غربا ، ومن البحر العربي و الصحراء الأفريقية الكبرى جنوباً إلى جبال طوروس شمالا (4) .
ورغم هذه الأحداث الأليمة منها والسعيدة التي مرة بها الأمة إلا أن العصر الأموي يعد بحق من العصور الزاهرة ذات الفضل الجزيل على الأمة ويظهر ذلك جليا في خلافة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه الذي غير مجرى التاريخ بما هباه الله من خصائص و مميزات تؤهله لهذه المهمة السامية فأعاد الأمة من جديد إلى حظيرة الإسلام.
مغير مجرى التاريخ
إن في أعماق التاريخ أمثلة نادرة ذات أثر بالغ في الحياة ، لا يطويها الزمان ، ولا ينساها إنسان ، وإن تخليد سيرة الرجالات العظام المشتملة على المقدرة و التفوق، والخبرة و الكفاءة المتميزة ، والنزاهة و الاستقامة ، والتأثير في جوانب الحياة المتعددة واجب كل مخلص منصف غيور.
ومن أروع هذه الأمثلة سيرة أبي حفص عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه الذي أجمعت القلوب على محبته ، والنفوس على صفائه و عدله و استقامته ، وصلاحه و إصلاحه أمور الناس ، وسطر له التاريخ الإسلامي بأحرف من نور سيرة تفوح بالأريج المعطار في كل نواحي الحياة الخاصة و العامة ، فكان بحق كما أجمع المؤرخون خامس الخلفاء الراشدين ، و إمام الصالحين العادلين . . .
ذاعت أخباره ! وخلدت غرة التاريخ اسمه، وأترعت الكتب بحكاياته العجيبة ، وقصصه النادرة ؛ لأنه حول مجرى الحياة و التاريخ ، وأحدث انقلاباً في مفاهيم الناس و تصوراتهم و سلوكهم ، وصحح أخطاءهم في ضوء الإسلام و هديه بالدعوة السامية إلى الله تعالى ودينه ، وبالأخلاق الإسلامية ، و بالسياسة و الحكم السديد و إصلاح ميزان الاقتصاد وشؤون الإدارة و المال ، فجعل طريق الحكم على النمط الراشدي بالشورى و نشر العدل والتزام المساواة ، وأصلح شؤون المال و الأرضيين على وفق المنهج الإسلامي(5).
يتبع....
منصور محمد المهيري - أبوظبي
ohls hgogthx hgvha]dk ulv fk uf] hgu.d.
المفضلات