جامعة الخليل
كلية الآداب
قسم اللغة العربية
إعداد
علي "محمد زايد" غيث
بإشراف
الدكتور يوسف عمرو
قدم هذا البحث, استكمالا لمتطلبات مساق دراسات في القرآن والحديث, الفصل الثاني من عام 2009م
O
m
الحمد لله منزل أبلغ الكلام, معلم الإنسان البيان, وأفضل صلاة وأتم تسليم, على من أوتي جوامع الكلم, ومحاسن الحكم, القائل:" إِنَّ مِنَ البيانِ لَسِحْرًا", اصطفاه ربه من خيرة خلقه, وأعطاه فصاحة في قوله, فعبر عن مراده بأوجز عبارة, وألطف إشارة. وبعد:
فهذا البحث يلقي الضوء على عورة المرأة ولباسها وزينتها, وقد اضطرب فهم الناس ولا سيما المسلمين للنظام الاجتماعي في الإسلام اضطراباً عظيماً، وبعدوا في هذا الفهم عن حقيقة الإسلام ببعدهم عن أفكاره وأحكامه، وكانوا بين مفرِّط كل التفريط، يرى من حق المرأة أن تخلو بالرجل كما تشاء وأن تخرج كاشفة العورة باللباس الذي تهواه. وبين مفرط كل الإفراط لا يرى من حق المرأة أن تزاول التجارة أو الزراعة، ولا أن تجتمع بالرجال مطلقاً، ويرى أن جميع بدن المرأة عورة بما في ذلك وجهها وكفاها. وكان من جراء هذا الإفراط والتفريط انهيار في الخلق، وجمود في التفكير، نتج عنهما تصدع الناحية الاجتماعية وقلق الأسرة الإسلامية وغلبة روح التذمر والتأفّف على أعضائها، وكثرة المنازعات والشقاق بين أفرادها. وصار الشعور بالحاجة إلى جمع شمل الأسرة، وضمان سعادتها يملأ نفوس جميع المسلمين. وصار البحث عن علاج لهذه المشكلة الخطيرة يشغل بال الكثيرين. ولكن جميع أولئك وهؤلاء لم يوفقوا إلى العلاج، ولم يهتدوا إلى النظام، ولم يجدوا إلى ما يحسونه من إصلاح أي سبيل. لأنه قد عمي على معظم المسلمين أمر علاقة الجنسين: المرأة والرجل. وصاروا لا يعرفون الطريقة التي يتعاون فيها هذان الجنسان، حتى يكون صلاح الأمّة من هذا التعاون، وقد جهلوا أفكار الإسلام وأحكامه التي تتعلق باجتماع الرجل بالمرأة جهلاً تاماً، مما جعلهم يتناقشون ويتجادلون فيما هو حول طريقة العلاج، ويبعدون عن دراسة حقيقتها، حتى ازداد القلق والاضطراب من جراء محاولاتهم، وصارت في المجتمع هُوَّةً يخشى منها على كيان الأمّة الإسلامية، بوصفها أمّة متميزة بخصائصها. ويخشى على البيت الإسلامي أن يفقد طابع الإسلام، وعلى الأسرة الإسلامية أن تفقد استنارة أفكار الإسلام وتبعد عن تقدير أحكامه وآرائه.
وفي ضوء العلاقة بين المرأة والمجتمع, كان لا بد من انتهاج المنهج الاستقرائي؛ لأنَّ موضوع البحث هو في الأحكام الشرعية التي تخصُّ المرأة, ونحن لا بدَّ لنا من أن نكون وقَّافين عند حدِّ النص. إذن, لا بدَّ من منهج الاستقراء والاستنباط في هذا البحث. أي استقراء النصوص الشرعية, واستنباط الأحكام منها.
وقد كانت هيكلية البحث كالتالي:
بدأ البحث بمقدمة ذكر فيها ما يجب ذكره حسب المنهجية الحديثة للكتابة, ثم تلا هذه المقدمة تمهيد ذكر فيه عظمة الإسلام في تمام نعمته وإكمال شرائع, وبيِّن فيه حجم الهجمة على عفة المرأة وطهارتها, وأن موضوع البحث هو من ضمن علاقة الإنسان بنفسه, ثم أتبع هذا التمهيد بثلاثة فصول: فالأول كان بعنوان (عورة المرأة), وقد قسم إلى محاور ثلاثة, هي:
1. معنى العورة, لغة واصطلاحًا.
2. حكم النظر للعورة.
3. عورة المرأة: على الأجانب, وعلى المحارم والنساء والأطفال.
وأما الثاني كان بعنوان (لباس المرأة وزينتها), وقد قسم إلى محاور ثلاثة, هي:
1. الحياة الخاصة.
2. الحياة العامة.
3. لباس الحياة العامة.
وأما الثالث بعنوان (التبرج).
ثم تلا الفصور المذكورة خاتمة, ومِنْ ثَمَّ أُتبعتْ بالمصادر والمراجع, ثم بالفهرست.
وقد اعتمد في هذا البحث على المصادر والمراجع التالية: القرآن الكريم, وصحيح بخاري, وصحيح مسلم, ومستخرج أبي عوانة, وسنن الترمذي, وتاج العروس للزبيدي, ومختار الصحاح للرازي, ومستدرك الحاكم, وصحيح ابن حبان, ومراسيل أبي داود, ومسند الإمام أحمد, والموطأ للإمام مالك, والمبسوط للسرخسي, والنظام الاجتماعي للنبهاني.
ويجدر الإشارة إلى أن هذه المصادر كانت متيسرة, وإن خالط تكوين البحث صعوبة, فهي ليست آتيةً من البحث ذاته, وإنما هي من الظروف التي كتب خلالها البحث, إذ إن أبرز هذه الظروف آتٍ من كثرة الواجبات الجامعية من حيث إعدادُ البحوثِ والامتحانات, وكذلك من قلة الوقت المتاح لهذا البحث.
وإن نسيت, فلا أنسى شكر دكتوري الفاضل, يوسف عمرو؛ إذ إنه من اختار لي بحثي, وأرشدني إلى الخطوات السليمة في إعداد البحث.
وهنا, لا يسعني إلا أن أقول: كتب الله الكمال لكتابه, ونفاه عن غيره, وحسبي أني حاولت؛ فإن وفقت, فلله الحمد والمنة, وإلا فمن تقصيري ونقصي.
الباحث
الإثنين، 04 أيار، 2009
M
لقد بعث الله I محمدًا e بالهدى ودين الحق, وجعله رحمة مُهْداة للناس كافة, فقال الله Y: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾([1]). وقد أتمَّ الله U نعمته على النَّاس بكمال الدين, وتبيانه لكلِّ أمر في حياة الناس, يقول الله I: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾([2]). وقد كانت هذه_ أي تمام النعمة _مزية قد اختص الله بها أمة محمد e, وقد قال المشركون لسلمان الفارسي t عن النبي e:" إِنَّ هَذَا لَيُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ حَتَّى إِنَّهُ لَيُعَلِّمُكُمُ الْخِرَاءَ". فقال لهم سلمان:" إِنْ قُلْتُمْ ذَلِكَ, لَقَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ أَوْ نَسْتَدْبِرَهَا بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، أَوْ نَسْتَنْجِيَ بِأَيْمَانِنَا، وَقَالَ: لا يَكْفِي أَحَدَنَا دُونَ ثَلاثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ يَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ عَظْمٍ"([3]).
وعليه, قد نظَّم الإسلام علاقاتِ الإنسان الثلاث, وهي: علاقة الإنسان مع ربِّه المتمثلة بالعقائد والعبادات, وعلاقة الإنسان مع غيره المتعلقة بالعقوبات والمعاملات, وعلاقة الإنسان مع نفسه المتمثة بالأخلاق والمطعومات والمشروبات والملبوسات. وهذه العلاقات قد ألِّفت بها كتب عظام, وهذه الكتب ألِّفت في نظام الحكم, ونظام الاقتصاد, ونظام العقوبات, ووالنظام الاجتماعي, ...إلخ.
إذن, موضوع البحث هو ضمن علاقة الإنسان بنفسه؛ لأنَّ أحكام اللباس ضمن هذه العلاقة, وسأقصر في هذا البحث على أحكام اللباس والزينة بخصوص المرأة في الإسلام.
لما اجتمع أحد السفراء العثمانيين في بـلاد الإنجليز مع كبراء الدولـة, قال له أحد كبرائهم: لماذا تُصرّون على أَنْ تبقى المرأةُ المسلمةُ في الشـرق الإسـلاميِّ مُتخلِّفـةً معزولـةً عن الرجال, محجوبـةً عـن النور؟! فردّ السفير العثماني, وقد آتاه الله الحكمة وسرعـة بديهـة: لأنَّ نساءَنا المسلماتِ في الشرق لا يرغبنَ أَنْ يَلِـدْنَ مِنْ غير أزواجهـنَّ! فسكت ووجم, وبُهِتَ الذي كفر.
أرأيت_ يا أستاذي الكريم _هذا المكرَ والخبثَ؟! توصف المسلمة العفيفة الطاهرة بالتخلف والرجعية؛ لأنَّها تأبى إلا أن تكون عرضًا يجب أن يصان, لا سلعةً تباع وتشترى, فحسبي الله ونعم الوكيل.
إن أهلَ الباطل وأعوانَهم ما فتئوا يغذُّون السير؛ للنيل من عفة المرأة وكرامتها, ومن طهارتها وغيرتها على عرضها وشرفها, فوصلوا ليلهم بنهارهم من أجل تحقيق ما تصبو له أنفسم ممَّا سبق ذكره, وكان لباس المرأة الشرعي على رأس القائمة حتى تشيع الفاحشة في الذين آمنوا إذا ما استطاعوا أن يخرجوا المرأة من ثوب الحياء والطهارة, إلى ثوب الفاحشة والرذيلة, وصدق الله U: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾([4]).
لقد بدأت الحرب على اللباس الشرعيِّ فكريةً, ثمَّ انتقلت إلى طور الإجبار والقهر, وتزامن معه طور الخبث والدهاء؛ ففي بادئ الحرب على اللباس الشرعي حرص أهلُ الباطل على إظهار اللِّباس الشرعي بصفة التخلِّف والرجعية, وأنَّه لباس لم يَعُدْ صالحًا على مرِّ الدهور وكرِّ العصور, ونزعوا عنه صفة الالتزام الشرعي لمَّا علَّلُوا خمار المرأة مِنْ حَيْثُ كَوْنُ النِّساءِ يَعِشْنَ في بيئةٍ رمليةٍ, ولا بدَّ لهنَّ من غطاءٍ يحمي شعرهنَّ مِنَ الغبارِ والرمالِ, وهذا بخلاف ما تعيشه المرأة هذه الأيام, فلا لزومَ لأيِّ خمارٍ أو جلباب!!
وبعد هذه المرحلة سنَّت فرنسا سنَّةً سيِّئة ضمن محاربتها لعفَّة المرأة وطهارتها, فشرَّعت قانونًا يقضي بمنع اللِّباس الشرعيِّ_ وخصوصًا الخمارَ _في المؤسسات الرَّسمية, ثمَّ تبعها في هذه السنَّة القبيحة دولٌ أخرى مثل بريطانيا وإسبانيا وبلغاريا وغيرها, وهذا لا نعجب منه؛ لأنه دأب الكفر وأهله منذ الخليقة, ولكنَّ الذي يفطِّر القلبَ أسى, ويُدْمِعُ العينَ دمًا أَنْ يسير في ركب تلك الدول دويلاتٌ أهلها مسلمون, فليس ما فعلته تونس وتركيا وليبيا والجزائر عنكم ببعيد, فلا حول ولا قوَّة إلا بالله, إنَّا لله, وإنَّا إليه راجعون.
ولم يكتفِ الكفرُ وأهلُه بذلك, بل أرادوا أن يلبسوا على المسلمين اللِّباس الشرعي, وأرادوا إفساده كذلك, ورأوا في الموديلات خيرَ طريق وأيسرَه؛ لتحقيق مآربِهم الخبيثةِ تلك, فأصبحنا نرى العجب العجاب من أشكال الخمار والجلباب؛ فهذا خمار شكله كالعقال, وآخر نسج من البرق, وجلباب مفتوحٌ من الخلف, أو هو أكثر من قطعة, وهذا حجاب تركي, وآخر مغربي, وثالث ليس هذا ولا ذاك, وهي لا تمُّتُّ إلى الإسلام بصلة, بل هي_ كما سبقت الإيماءة إليه _داخلةٌ في مشروع إفساد اللِّباس الشرعي.
تجاه هذه الهجمة الشرسة, ينبغي أن نقف موقفًا يخلِّد ذكرنا بخير, وليس أقلَّ من أن نحرص على أن يلتزم أهلينا بما أوجبه الله عليهنَّ في الحياة العامة؛ فالمرأة إما أن تكون يوم القيامة لك رحمة أو نقمة. فإذا أدبتها فأحسنت تأديبها, وأحسنت صحبتها, واتقيت الله فيها كانت لك سترًا من النار كما جاء به وَحْيُ السماء, وإلا فإنَّها ستكون لك خصمًا يوم القيامة. تخيَّل يا من قصَّرت في حقِّ أهلك, وكنت تسير على الصراط آمنًا مطمئًا فإذا بيدٍ تخرج من النار؛ لتسحبك فيها, فإذا هي يد زوجك أو بنتك أو أختك أو أمك أو من لها حقُّ النصح والتأديب عليك, ألا فاتق الله في نفسك, واتق الله في أهلك, قال الله Y:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾([5]).
وأقول للتجار: ألا فاتقوا الله في أعراضكم, فلا تستوردوا إلا اللِّباس الشرعيَّ الحقَّ, ولا تقولوا إن النساء لا يشترين اللِّباس الشرعي, بل يشترين اللباس التركي أو المغربي أو غيرَه؛ ذلك أنَّه من ترك أمرًا لله عوضه خيرًا منه, ولولا أنَّكم جميعًا تأتون بهذه الألبسة لما عرفتها نساؤكم ولا بناتكم ولا أخواتكم, ألا فاتقوا الله.
الفصل الأول: عورة المرأة
1. معنى العورة:
ب- من حيث الشرع: هو ما طلب الشارع ستره من الإنسان.
- أ- من حيث اللغة: مأخوذة من العور, وهو: النقص والعيب والقبح. ومنه عور العين, والكلمة العوراء القبيحة([6]). جاء في مختار الصحاح ما يلي:" العَوْرَةُ سوءة الإنسان وكل ما يستحيا منه, والجمع عَوْرات بالتسكين"([7]). وسميت العورة عورة؛ لقبح ظهورها ولغض الأبصار عنها.
2. حكم النظر للعورة:
حرَّم الإسلام النَّظر للعورات إلا لحاجة أقرَّها الشرع. قال الله U: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾([8]). أي يخفضوا أبصارهم عند مشاهدة العورة, وعدم النظر لها. وإنَّما يرفع الإثم لمن شاهدها بغتة, وعليه أن يغضَّ بصره بعد هذه النظرة؛ لأنَّ النبي e قال لعلي بن أبي طالب t:" لَا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّمَا الْأُولَى لَك وَالْأُخْرَى عَلَيْك"([9]). وقال النبي e:" لاَ يَتظُرُ الرجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ ، وَلاَ اَلْمَرْأَةُ إِلَى عَورَةِ الْمَرْأَةِ"([10]). وقد قيل:" لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى الْعَوْرَةِ يُورِثُ النِّسْيَانَ"([11]). ولمَّا رأى الإمام الشافعي_ رحمه الله _كعب امرأة في السوق لاحظ أنَّه تأثَّر من حيث الحفظ, فشكى ذلك إلى شيخه وكيع, فقال الشافعي:
شَكَوْت إلَى وَكِيعٍ سُوءَ حِفْظِي.... فَأَرْشَدَنِي إلَى تَرْكِ الْمَعَاصِي
وَأَخْبـَرَنِي بِأَنَّ الْعِـلْمَ نُـورٌ.... وَنُـورُ اللَّهِ لَا يُهْدَى لِعَاصِي
وقد أباح الإسلام النَّظر للعورة لحاجة, فيجوز للطبيب والممرضة والمحقق والقاضي أن ينظر لمكان عورة بالقدر الذي يلزم, ولا يزد. ومن شاكل ذلك ممن تستدعي الحاجة أن ينظروا إليه من العورة وغيرها، فقد روي:"أن النبي e لما حكَّم سعداً في بني قريظة كان يكشف عن مؤتزرهم"([12]). وعن عثمان أنه أُتيَ بغلام قد سرق فقال:" انظروا إلى مؤتزره فوجدوه لم ينبت الشعر فلم يقطعه"([13]). وقد كان عمل عثمان هذا على مرأى ومسمع من الصحابة فلم ينكر عليه أحد.
3. عورة المرأة:
جعل المتأخرون من الفقهاء للمرأة خمس عورات: عورة في الصلاة، وعورة عند الرجال المحارم، وعورة عند الرجال الأجانب، وعورة عند النساء المسلمات، وعورة عند النساء الكافرات. والحقُّ أنَّ للمرأة عورتين: عورةً على الأجانب من الرجال, وعورة على النساء والمحارم والأطفال.
أ- على الأجنبي: يقول النبي e:" المرأة عورة"([14]). وهذا الحديث عام, وقد خصَّصه النبي e بقوله:" إن الجارية إذا حاضت لم يصلح أن يرى منها إلا وجهها ويداها إلى المفصل"([15]). وقد قال الله Y: Y: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾([16]), أي: الوجه والكفان حسب تفسير عائشة وابن عباس y.
إذن, لا يجوز للمرأة المسلمة أن تكشف أَيَّ جزء من بدنها خلا الوجه والكفين أمام الرجال الأجانب.
ب- على المحرم, والمرأة والطفل: يقول الله U: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ﴾([17]). تفصح لنا هذه الآية عن المواضع التي يجوز للمرأة أن تظهرها على مَنْ ذكروا فيها, وهذه المواضع هي مواضع الزينة. فهؤلاء جميعاً يجوز أن ينظروا من المرأة شعرها، ورقبتها، ومكان دملجها، ومكان خلخالها، ومكان عقدها، وغير ذلك من الأعضاء التي يصدق عليها أنها محل زينة، لأن الله يقول:﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾ أي محل زينتهن، إلا لهؤلاء الذين ذكرهم القرآن، فإنه يجوز لهم أن ينظروا إلى ما يبدو منها في ثياب البذلة، أي في حالة التبذل. وغير هذه المواضع لا يجوز النظر إليها, فمثلا لا يجوز للمرأة أن تظهر ثديها أمام أحد غير زوجها أو الطفل الصغير الذي لا يميز.
قال السرخسي:" وَلَمْ يُرِدْ بِهِ عَيْنَ الزِّينَةِ؛ فَإِنَّهَا تُبَاعُ فِي الْأَسْوَاقِ, وَيَرَاهَا الْأَجَانِبُ. وَلَكِنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَوْضِعُ الزِّينَةِ, وَهِيَ: الرَّأْسُ وَالشَّعْرُ وَالْعُنُقُ وَالصَّدْرُ وَالْعَضُدُ وَالسَّاعِدُ وَالْكَفُّ وَالسَّاقُ وَالرِّجْلُ وَالْوَجْهُ؛ فَالرَّأْسُ مَوْضِعُ التَّاجِ, وَالْإِكْلِيلِ وَالشَّعْرُ مَوْضِعُ الْقِصَاصِ, وَالْعُنُقُ مَوْضِعُ الْقِلَادَةِ, وَالصَّدْرُ كَذَلِكَ؛ فَالْقِلَادَةُ وَالْوِشَاحُ قَدْ يَنْتَهِي إلَى الصَّدْرِ, وَالْأُذُنُ مَوْضِعُ الْقُرْطِ, وَالْعَضُدُ مَوْضِعُ الدُّمْلُوجِ, وَالسَّاعِدُ مَوْضِعُ السِّوَارِ, وَالْكَفُّ مَوْضِعُ الْخَاتَمِ وَالْخِضَابِ, وَالسَّاقُ مَوْضِعُ الْخَلْخَالِ, وَالْقَدَمُ مَوْضِعُ الْخِضَابِ"([18]).
الفصل الثاني: لباس المرأة وزينتها
للمرأة في الإسلام حياتان: حياةٌ خاصة, وحياةٌ عامة. ولكلِّ حياة من هاتين الحياتين لباس ينماز عن الآخر ويمتاز.
1. الحياة الخاصة: هي الحياة التي تعيشها المرأة في منزل أبيها أو زوجها أو أحد محارمها. أما أحكام هذه الحياة الخاصة في الداخل فإن المرأة تعيش فيها مع النساء، أو مع محارمها، لأنهم هم الذين يجوز لها أن تبدي لهم محل زينتها من أعضائها، مما لا يستغنى عن ظهوره في الحياة الخاصة في البيت. وما عدا النساء ومحارمها لا يجوز أن تعيش معهم لأنه لا يجوز لها أن تبدي لهم محل زينتها من أعضائها، مما يبدو من المرأة أثناء قيام المرأة بأعمالها في البيت غير الوجه والكفين. فالحياة الخاصة مقصورة على النساء والمحارم، ولا فرق في النساء بين المسلمات وغير المسلمات فكلهن نساء. فكون المرأة منهية عن إبداء أعضائها التي تتزين بها للأجانب، وغير منهية عن إبدائها للمحارم، دليل واضح على اقتصار الحياة الخاصة على المحارم وحدهم.
وقد أباح الشارع للمرأة أن تبدي فيها ما يزيد عن الوجه والكفين مما يظهر عند المهنة، قال الله I:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء﴾([19]). فالله U أمر الصبيان الذين لم يبلغوا الحلم والعبيد بعدم الدخول على المرأة في هذه المرات الثلاث، ثم أباح لهم أن يدخلوا في غير هذه المرات الثلاث، إذ عقّب على ذلك بقوله: ﴿ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم﴾, وهذا صريح بأنه في غير هذه الحالات الثلاث يدخل الصبيان وعبيد النساء على النساء بغير استئذان, أي: وهن في ثياب المهنة، فيفهم منه أن للمرأة في بيتها أن تعيش في ثياب المهنة، وأن تظهر في هذه الثياب على الصبيان وعلى عبيدها. وعلى ذلك يجوز للمرأة أن تعيش في بيتها في ثياب المهنة ما في ذلك شك. ولا تكون آثمة في ذلك مطلقاً، ويجوز أن يراها على هذه الحال الصبيان وعبيدها ولا شيء عليها في ذلك، ولا تتستر منهم ولا يحتاجون إلى إذن بالدخول لأن الآية نصت على دخول الصبيان والعبيد دون استئذان إلا في العورات الثلاث.
وهنا لا بدَّ من ملاحظة أمر, وهو أنَّ الشرع لم يحدد اللِّباس للمرأة في حياتها الخاصة, وإنما أجاز كلَّ لباس من شأنه أن يستر عورتها مع مراعاة عدم التشبه بالرجال؛ ففي البخاري:" لعن رسول الله e المتشبهين من الرجال بالنساء, والمتشبهات من النساء بالرجال"([20]). أن يكون فضفاضًا, وأن لا يشفَّ ما تحته, ففي الحديث:" صِنْفَانِ مِنْ أهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَومٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأذْنَابِ البَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ المائِلَةِ, لاَ يَدْخُلْنَ الجَنَّةَ، وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا، وإنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكذَا"([21]). فمعنى قوله:" كاسيات عاريات", فإنه أراد اللواتي يلبسن من الثياب الشيء الخفيف الذي يصف ولا يستر؛ فهنَّ كاسيات بالاسم, عاريات في الحقيقة.
2. الحياة العامة: هي الحياة التي تعيشها المرأة في السوق والمستشفى والشارع والجامعة...إلخ. وقد يبدو لبعضهم أن يسأل: كيف يتأتى للمرأة أن تقوم بأعمالها التي أباحها لها الشرع؟ مثل كونها موظفة في الدولة، وقاضياً لفصل الخصومات، وعضواً في مجلس الأمّة تناقش الحكام وتحاسبهم، مع هذه القيود التي وضعها عليها من عدم الخلوة، وعدم التبرج، ومن عيشها في حياة خاصة مع النساء والمحارم.
وقد يبدو لبعضهم الآخر أن يسأل كيف يُصان الخلق؟ ويُحافَظ على الفضيلة؟ إذا أُبيح للمرأة أن تغشى الأسواق، وأن تناقش الرجال، وتقوم بالأعمال في الحياة العامة وفي المجتمع.
وهذان السؤالان وأمثالهما من الأسئلة التشكيكية، كثيراً ما تبدو لأولئك وهؤلاء، حين تعرض عليهم أحكام الشرع في النظام الاجتماعي، لأنهم يرون واقع الحياة التي يعيشونها تحت حكم النظام الرأسمالي، وفي ظل راية الكفر فيصعب عليهم تصور تطبيق الإسلام.
والجواب عن هذه الأسئلة هو: أن النظام الاجتماعي في الإسلام أحكام شرعية متعددة، آخذ بعضها برقاب بعض، ولا يعني طلب التقيد في حكم منها ترك التقيد في غيره، بل لا بد من تقيد المسلم والمسلمة في أحكام الشرع جميعها، حتى لا يحصل التناقض في الشخص الواحد، فيبدو التناقض في الأحكام. فالإسلام لا يعني في إباحة الأعمال للمرأة أن تذهب إلى دائرة الدولة تعمل فيها موظفة ولو ممرضة في مستشفى، بعد أن تكون قد أخذت زينتها، وأعدَّت نفسها كأنها ستزَف وهي عروس، وتذهب تتبدَّى للرجال بهذه الزينة المغرية، تهتف بهم أن تهفو شهواتهم نحوها. ولا يعني أن تذهب إلى المتجر في مثل هذه الزينة، تباشر البيع في حال من التطرّي والإغراء، وبأسلوب من الحديث يغري المشتري أن يتمتع بمساقطتها الحديث أثناء هذه المساومة، في سبيل أن تغلي عليه ثمن السلعة، أو تغريه بالشراء، ولا يعني الإسلام أن تشتغل كاتبة عند محام، أو سكرتيرة لصاحب أعمال، وتترك تختلي به كلما احتاج العمل إلى الخلوة، وتلبس له من الثياب ما يكشف شعرها وصدرها، وظهرها، وذراعيها، وساقيها، وتبدي له ما يشتهي من جسمها العاري.
كلا لا يعني الإسلام شيئاً من ذلك، ولا أمثاله مما يحصل في هذه الجماعة التي تعيش في مجتمع غير إسلامي، تسيطر عليه طريقة الغرب في الحياة. وإنما يعني الإسلام أن يطبق المسلم أحكام الإسلام كلها على نفسه. فحين أباح الإسلام للمرأة أن تباشر البيع والشراء في السوق منعها من أن تخرج إليه متبرجة، وأمرها أن تأخذ بالحكمين معاً. فالاعتقاد بالإسلام يحتم على المسلم تطبيق جميع أحكامه على نفسه. فقد شرع الإسلام أحكاما تشتمل على القيام بأعمال إيجابية، وأعمال سلبية، تحفظ المسلم رجلاً كان أو امرأة من الخروج عن جادة الفضيلة، وتكون وقاية له من الانزلاق إلى النظرة الجنسية، حين يكون في الجماعة.
3. لباس الحياة العامة: لباس المرأة في الحياة العامة قطعتان, وهما: الخمار, والجلباب.
أ- الخمار: دليله قول الله Y: ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾([22]). والخمر جمع خمار، وهو ما يغطى به الرأس، والجيوب جمع الجيب، وهو موضع القطع من الدرع والقميص. فأمر الله U بأن يلوى الخمار على العنق والصدر، فدل على وجوب سترهما، ولم يأمر بلبسه على الوجه، فدل على أنه ليس بعورة. وليس معنى كلمة الجيب هو الصدر كما يتوهم، بل الجيب من القميص طوقه وهو فتحته التي تكون حول العنق وأعلى الصدر، وضرب الخمار على الجيب ليُّه على طوق القميص من العنق والصدر. فالأمر بجعل غطاء الرأس يلوى على العنق والصدر استثناء للوجه، فدل على أنه ليس بعورة. وبذلك يكون النقاب غير موجود، ولم يشرعه الله I. وأنه وإن كان القول بالنقاب رأياً إسلامياً لأن له شبهة الدليل، وقد قال به أئمة مجتهدون من أصحاب المذاهب إلا أن شبهة الدليل التي يستدلون بها واهية، لا يكاد يظهر فيها الاستدلال.
ب- الجلباب: دليله قول الله Y: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾([23]). وما روي عن أم عطية أنها قالت: أمرنا رسول الله e أن نخرجهن في الفطر والأضحى، العواتق والحيّض وذوات الخدور، فأما الحيّض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير، ودعوة المسلمين. قلت: يا رسول الله, إحدانا لا يكون لها جلباب، قال e:" لتلبسها أختها من جلبابها"([24]). فقوله: ﴿ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ﴾, أي: يرخين عليهن أثوابهن التي يلبسنها فوق الثياب للخروج، من ملاءة وملحفة يرخينها إلى أسفل، وقال في الكيفية العامة التي يكون عليها هذا اللباس: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾, أي: لا يظهرن مما هو محل الزينة من أعضائهن كالأذنين والذراعين والساقين وغير ذلك إلا ما كان يظهر في الحياة العامة, وهو الوجه والكفان. وبهذا الوصف الدقيق يتضح بأجلى بيان ما هو لباس المرأة في الحياة العامة وما يجب أن يكون عليه، وجاء حديث أم عطية فبين بصراحة وجوب أن يكون لها ثوب تلبسه فوق ثيابها حين الخروج، حيث قالت للرسول e: إحدانا لا يكون لها جلباب. فقال لها e:" لتلبسها أختها من جلبابها", أي: حين قالت للرسول: إذا كان ليس لها ثوب تلبسه فوق ثيابها لتخرج فيها، فإنه u أمر أن تعيرها أختها من ثيابها التي تلبس فوق الثياب، ومعناه أنه إذا لم تعرها فإنه لا يصح لها أن تخرج، وهذا قرينة على أن الأمر في هذا الحديث للوجوب، أي يجب أن تلبس المرأة جلباباً فوق ثيابها إذا أرادت الخروج، وإن لم تلبس ذلك لا تخرج.
ويشترط في الجلباب أن يكون مرخياً إلى أسفل حتى يغطي القدمين، لأن الله يقول: ﴿ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ﴾, أي: يرخين جلابيبهن لأن ]مِنْ[ هنا ليست للتبعيض بل للبيان، أي يرخين الملاءة والملحفة إلى أسفل، ولأنه روي عن ابن عمر أنه قال: قال رسول الله e:" من جرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة". فقالت أم سلمة: فكيف يصنع النساء بذيولهن؟ قال:" يرخين شبرًا". قالت: إذن ينكشف أقدامهن. قال:" يرخين ذراعاً لا يزدن"([25]). فهذا صريح بأن الثوب الذي تلبسه فوق الثياب- أي الملاءة أو الملحفة -أن يرخى إلى أسفل حتى يستر القدمين، فإن كانت القدمان مستورتين بجوارب أو حذاء فإن ذلك لا يُغني عن إرخائه إلى أسفل بشكل يدل على وجود الإرخاء، ولا ضرورة لأن يغطي القدمين فهما مستورتان، ولكن لا بد أن يكون هناك إرخاء, أي يكون الجلباب نازلاً إلى أسفل بشكل ظاهر يعرف منه أنه ثوب الحياة العامة التي يجب أن تلبسه المرأة في الحياة العامة، ويظهر فيه الإرخاء أي يتحقق فيه قوله: ]يُدْنِينَ[, أي يرخين.
ومن هذا يتبين أنه يجب أن يكون للمرأة ثوب واسع تلبسه فوق ثيابها لتخرج فيه، فإن لم يكن لها ثوب وأرادت أن تخرج فعلى أختها_ أي أيّة مسلمة كانت _أن تعيرها من ثيابها التي تلبس فوق الثياب، فإن لم تجد من يعيرها فلا تخرج حتى تجد ثوباً تلبسه فوق ثيابها، فإن خرجت في ثيابها دون أن تلبس ثوباً واسعاً مرخياً إلى أسفل ثوبها فإنها تأثم ولو كانت ساترة جميع العورة، لأن الثوب الواسع المرخي إلى أسفل حتى القدمين فرض، فتكون قد خالفت الفرض، فتأثم عند الله وتعاقب من قبل الدولة عقوبة التعزير.
الفصل الثالث: التبرج
التبرج هو إظهار الزينة والمحاسن للأجانب. يقال: تبرجت المرأة: أظهرت زينتها ومحاسنها للأجانب([26]). وقد نهى الشرع المرأة عن التبرج؛ قال الله U: ﴿وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ﴾([27]). فنهى القواعد من النساء عن التبرج حين شرط عليهن في وضع الثياب التي سمح بوضعها_ أي بخلعها عنهن _أن يكون ذلك على غير تبرج، ومفهومه نهي عن التبرج. وإذا كانت القواعد قد نهيت عن التبرج, فإن غيرهن من النساء من باب أولى. وقال الله I: ﴿وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ﴾([28]). فإن مثل هذا يعتبر تبرجاً. وقد وردت عدة أحاديث في النهي عما يعتبر من التبرج. فعن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله e:" أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية"([29]). أي: هي كالزانية في الإثم. وقال e: صِنْفَانِ مِنْ أهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَومٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأذْنَابِ البَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ المائِلَةِ, لاَ يَدْخُلْنَ الجَنَّةَ، وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا، وإنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكذَا"([30]). فهذه الأدلة كلها صريحة في النهي عن التبرج. ولذلك كان التبرج حراماً. وعليه فكل زينة غير عادية تلفت نظر الرجال، وتظهر محاسن المرأة تكون من التبرج إذا ظهرت بها المرأة في الحياة العامة، أو ظهرت بها في الحياة الخاصة أمام الرجال الأجانب. كالتعطر ووضع الأصباغ على الوجه، ولبس الباروكة على الرأس دون خمار، ولبس البنطال دون جلباب عندما تخرج للحياة العامة.
وواقع التبرج أنه يدعو إلى إذكاء العواطف وإثارة غريزة النوع للاجتماع الجنسي عند الرجل والمرأة على السواء. وهو يدعو إلى تحرش الرجال بالنساء تحرشاً يجعل التقريب بينهما على أساس الذكورة والأنوثة، ويجعل الصلة بينهما صلة جنسية، ويفسد التعاون بينهما إفساداً يجعله تعاوناً على هدمهم كيان الجماعة، لا على بنائها، ويحول هذا التبرج بين التقريب الحقيقي الذي أساسه الطهارة والتقوى. وهذا التبرج يملأ فراغ الحياة بإشباب العواطف، وإثارة غريزة النوع، وما يكون للحياة إلا أن تملأ بالتبعات الجسام، والأمور العظام، والهموم الكبار، لا أن تصرف إلى إشباع جوعات الجسد، بما يثيره التبرج من هذه الجوعات، ويحول بها بين المسلم رجلاً كان أو امرأة وبين أداء رسالته في الحياة، وهي حمل الدعوة الإسلامية، والجهاد في سبيل إعلاء كلمة الله. ولهذا كان لا بد من تقدير خطر التبرج على الجماعة الإسلامية، وتقدير ما في التبرج الذي تتبدى فيه الأنثى للذكر تهيجه وتهتف به، من خطر على الجماعة وعلى صلاتها. هذا هو التبرج الذي حرمه الإسلام، وهذا هو واقعه، وما فيه من خطر على الجماعة الإسلامية. أما إظهار المحاسن والزينة في البيت وفي الحياة الخاصة فلا يعتبر تبرجاً ولا ينطبق عليه لفظ التبرج.
خاتمة:
بعد هذا العرض البسيط لواقع المرأة من حيث عورتها ولباسها وزينتها يتبين أنها عرض يجب أن يصان, لا سلعة تباع وتشترى, ولعلَّنا نستطيع أن نبرز هذه النقاط:
1. الأصل في المرأة أنها أُمٌّ وربَّة بيت وعرضٌ يجب أن يصان.
2. للمرأة حياتان: حياة خاصة وحياة عامة. ولك حياة منهما لباس ينماز عن الآخر ويمتاز.
3. لباس المرأة في الحياة العامة قطعتان: الخمار والجلباب.
4. لا يجوز للمرأة المسلمة أن تخرج دون اللِّباس الشرعي في الحياة العامة. ويجوز هذا للقواعد من النساء.
5. حرَّم الإسلام التبرُّج على المرأة المسلمة مهما كان عمرها.
6. إفساد المرأة المسلمة هدف يسعى له الكفار ويدأبون عليه, وفي إفسادها تشيع الفاحشة في المجتمع المسلم.
المصادر والمراجع:
القرآن الكريم.
كتب الأحاديث, وهي:
1. صحيح بخاري.
2. صحيح مسلم.
3. الموطَّأ للإمام مالك.
4. مسند الإمام أحمد.
5. سنن الترمذي
6. المستدرك للحاكم.
7. صحيح ابن حبان.
8. مراسيل أبي داود.
9. مستخرج أبي عوانة.
10. المعجم المتوسط والكبير للطبري.
كتب الفقه, وهي:
1. السرخسي, شمس الدين أبو بكر محمد بن أبي سهل: (المبسوط). تحقيق خليل محيي الدين. لبنان_بيروت, دار الفكر للطباعة, ط1, 2000م.
2. النبهاني, تقي الدين: (النظام الاجتماعي في الإسلام). لبنان_بيروت, دار الأمة للطباعة, 20003م.
كتب معاجم, وهي:
1. مرتضى الزبيدي, أبو الفيض محمّد بن محمّد الحسيني: (تاج العروس). ج: 26. تحقيق مصطفى حجازي. مصر_القاهرة, ط1, 1986م.
2. الرازي, محمد بن أبي بكر بن عبد القادر: (مختار الصحاح). تحقيق محمود خاطر. لبنان_بيروت, مكتبة لبنان ناشرون, ط1, 1995م.
n
مقدمة............................................. .......................(3)
تمهيد............................................. .......................(5)
الفصل الأول: عورة المرأة:
_ معنى العورة, لغة واصطلاحًا......................................... ..(7)
_ حكم النظر للعورة............................................ ........(7)
_ عورة المرأة: على الأجانب, وعلى المحارم والنساء والأطفال...............(7)
الفصل الثاني: لباس المرأة وزينتها:
_الحياة الخاصة............................................ ..............(9)
_الحياة العامة............................................ ..............(10)
_ لباس الحياة العامة............................................ ....... (11)
الفصل الثالث: التبرج:
خاتمة............................................. ......................(14)
المصادر والمراجع.......................................... ..............(15)
فهرس.............................................. ....................(16)
[1] الأنبياء, آية: 107.
[2] المائدة, آية: 3.
[3] مستخرج أبي عوانة, باب: (صِفَةُ مَا يَجِبُ فِي دُخُولِ الْخَلاءِ). رقم: (443).
[4] النور, آية: 19.
[5] التحريم, آية: 6.
[6] مرتضى الزَّبيدي, محمد بن محمد الحيني: (تاج العروس). مادة: (ع_و_ر).
[7] الرازي, محمد بن أبي بكر: (مختار الصحاح). مادة: (ع_و_ر).
[8] النور, آية: 30.
[9]أخرجه الحاكم في المستدرك (كتاب النكاح), وقال صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي على التصحيح.
[10] أخرجه مسلم برقم: (694).
[11] الزيلعي, جمال الدين أبو محمد: (نصب الراية لأحاديث الهداية).
[12]أخرجه الحاكم وابن حبان من طريق عطية القرظي.
[13]رواه مالك في الموطأ (كتاب الحدود), رقم: (23). والبيهقي (كتاب السرقة). ج:8, ص: 260.
[14] أخرجه الترمذي وابن حبان وابن خزيمة والطبراني. وهو حديث حسن صحيح.
[15] أخرجه أبو داود. وهو حديث مرسل صحيح.
[16] النور, آية: 31.
[17] الآية نفسها.
[18] السرخسي, شمس الدين: (المبسوط). ج: 10, ص: 256.
[19] النور, آية: 58.
[20]صحيح البخاري:ج:5, ص: 2207. رقم: 5546.
[21] متفق عليه.
[22] النور, آية: 31.
[23] الأحزاب, آية: 59.
[24]صحيح مسلم, ج: 2, ص: 606. رقم: 890.
[25]سنن الترمذي. ج: 4, ص: 223. رقم: 1731.
[26] النبهاني, تقي الدين: (النظام الاجتماعي). ص: 97.
[27] النور, آية: 60.
[28] النور, آية: 31.
[29]مسند أحمد: ج: 4, ص: 413. رقم: 19726.
[30] متفق عليه.fpe: u,vm hglvHm ,gfhsih ,.dkjih>
المفضلات