صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 14
 

العرض المتطور

  1. #1
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 32

    افتراضي قواعد الاستدلال على مسائل الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة


    المبحث الأول:
    انضباط مصادر أدلة الاعتقاد والاعتماد على ما صح منها


    العقيدة توقيفية؛ فلا تثبت إلا بدليل من الشارع، ولا مسرح فيها للرأي والاجتهاد، ومن ثَمَّ فإن مصادرها مقصورة على ما جاء في الكتاب والسنة؛ لأنه لا أحد أعلمُ بالله وما يجب له وما ينزه عنه من الله، ولا أحد بعد الله أعلمُ بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا كان منهج السلف الصالح ومن تبعهم في تلقِّي العقيدة مقصورًا على الكتاب والسنة. فما دلّ عليه الكتاب والسنة في حق الله تعالى آمنوا به، واعتقدوه وعملوا به.

    وما لم يدل عليه كتاب الله ولا سنة رسوله نفَوْهُ عن الله تعالى ورفضوه؛ ولهذا لم يحصل بينهم اختلاف في الاعتقاد، بل كانت عقيدتهم واحدة، وكانت جماعتهم واحدة؛ لأن الله تكفّل لمن تمسك بكتابه وسنة رسوله باجتماع الكلمة، والصواب في المعتقد واتحاد المنهج، قواعد الاستدلال مسائل الاعتقاد السنة: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} [آل عمران: 103]. وقواعد الاستدلال مسائل الاعتقاد السنة: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} [طه: 123]. ولذلك سُمُّوا بالفرقة الناجية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم شهد لهم بالنجاة حين أخبر بافتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، ولما سئل عن هذه الواحدة قال: ((هي من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي)) .
    وقد وقع مصداق ما أخبر به صلى الله عليه وسلم فعندما بنى بعض الناس عقيدتهم على غير الكتاب والسنة، من علم الكلام، وقواعد المنطق الموروثَيْن عن فلاسفة اليونان؛ حصل الانحرافُ والتفرق في الاعتقاد مما نتج عنه اختلافُ الكلمة، وتفرُّقُ الجماعة، وتصدع بناء المجتمع الإسلامي
    هذا وإن من منة الله على أهل الإسلام، أن وحد لهم مصدرهم في التلقي، فلا تذبذب ولا اضطراب في تلقي التصورات والأفكار والعقائد من هنا وهناك بل مصدر تلقي العقائد كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن من تطلب الهداية بعيدا عن هذين الأصلين فهو الواقع في شَرَك الضلال والعياذ بالله، يقول ابن أبي العز: (فكل من طلب أن يحكم في شيءٍ من أمر الدين غير ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ويظن أن ذلك حسن، وأن ذلك جمع بين ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وبين ما يخالفه فله نصيب من ذلك، بل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم كاف كامل، يدخل فيه كل حق، وإنما وقع التقصير من كثير من المنتسبين إليه)

    r,hu] hghsj]ghg ugn lshzg hghujrh] uk] Hig hgskm ,hg[lhum






  2. #2
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 32

    افتراضي


    المبحث الثاني: حجية فهم السلف الصالح لنصوص الكتاب والسنة



    إذا اختلف أهل القبلة وتنازعوا الحق والنجاة والفلاح في الدنيا والآخرة، فإن أجدر الفرق بالصواب وأولاها بالحق وأقربها إلى التوفيق من كان في جانب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وإذا كان الكتاب الكريم حمال أوجه في الفهم مختلفة؛ فإن بيان أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم له حجة وأمارة على الفهم الصحيح. أبر الأمة قلوباً، وأعمقها علما، وأقلها تكلفاً، وأصحها فطرة، وأحسنها سريرة، وأصرحها برهاناً، حضروا التنزيل وعلموا أسبابه، وفهموا مقاصد الرسول صلى الله عليه وسلم وأدركوا مراده، اختارهم الله تعالى على علم على العالمين سوى الأنبياء والمرسلين، (وكل من له لسان صدق من مشهور بعلم أو دين، معترف بأن خير هذه الأمة هم الصحابة رضي الله عنهم) .
    (فمن أخبرنا الله عز وجل أنه علم ما في قلوبهم، فرضي عنهم، وأنزل السكينة عليهم، فلا يحل لأحد التوقف في أمرهم، أو الشك فيهم البتة) .
    قال قتادة رحمه الله في قوله تعالى: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [سبأ: 6] (أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم) .
    وقال سفيان رحمه الله في قوله تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النحل:59] (هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم) .
    وفي منزلة علمهم واجتهادهم وفتاواهم قال الشافعي رحمه الله:... فعلموا ما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم عاماً وخاصاً، وعزما وإرشاداً، وعرفوا من سنته ما عرفنا وجهلنا، وهم فوقنا في كل علم واجتهاد، وورع وعقل، وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من رأينا عند أنفسنا، ومن أدركنا ممن يرضى أو حكى لنا عنه ببلدنا صاروا فيما لم يعلموا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيه سنة إلى قولهم إن اجتمعوا، أو قول بعضهم إن تفرقوا، وهكذا نقول، ولم نخرج عن أقاويلهم، وإن قال أحدهم ولم يخالفه غيره أخذنا بقوله .
    وأفضل علم السلف ما كانوا مقتدين فيه بالصحابة.
    يقول ابن تيمية رحمه الله: ولا تجد إماماً في العلم والدين، كمالك، والأوزاعي، والثوري، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، ومثل: الفضيل وأبي سليمان، ومعروف الكرخي، وأمثالهم، إلا وهم مصرحون بأن أفضل علمهم ما كانوا فيه مقتدين بعلم الصحابة، وأفضل عملهم ما كانوا فيه مقتدين بعمل الصحابة، وهم يرون الصحابة فوقهم في جميع أبواب الفضائل والمناقب .
    ثم إن التابعين وتابعيهم قد حصل لهم من العلم بمراد الله ورسوله ما هو أقرب إلى منزلة الصحابة ممن هم دونهم؛ وذلك لملازمتهم لهم، واشتغالهم بالقرآن حفظا وتفسيراً، وبالحديث رواية ودراية، ورحلاتهم في طلب الصحابة وطلب حديثهم وعلومهم مشهورة معروفة، (ومن المعلوم أن كل من كان بكلام المتبوع وأحواله وبواطن أموره وظواهرها أعلم، وهو بذلك أقوم كان أحق بالاختصاص به، ولا ريب أن أهل الحديث أعلم الأمة وأخصها بعلم الرسول صلى الله عليه وسلم) .
    والمسلمون في شأن العقيدة يحتاجون إلى (معرفة ما أراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بألفاظ الكتاب والسنة، وأن يعرفوا لغة القرآن التي بها نزل، وما قاله الصحابة والتابعون لهم بإحسان وسائر علماء المسلمين في معاني تلك الألفاظ، فإن الرسول لما خاطبهم بالكتاب والسنة، عرفهم ما أراد بتلك الألفاظ، وكانت معرفة الصحابة لمعاني القرآن أكمل من حفظهم لحروفه، وقد بلغوا تلك المعاني إلى التابعين أعظم مما بلغوا حروفه، فإن المعاني العامة التي يحتاج إليها عموم المسلمين، مثل معنى التوحيد، ومعنى الواحد والأحد والإيمان والإسلام، ونحو ذلك.. فلابد أن يكون الصحابة يعرفون ذلك، فإن معرفته أصل الدين) .
    فمذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم، لا كما يدعيه المخالفون، باختلاف نحلهم ومذاهبهم، فتارة يقول أهل السياسة والملك: إنهم لم يمهدوا قواعد الحكم والسياسة والتدبير لانشغالهم بالعلم والعبادة، وتارة يدعي أهل التصوف أنهم ما حققوا المقامات والأحوال لانشغالهم بالجهاد والقتال وهكذا...
    والحق أن (كل هؤلاء محجوبون عن معرفة مقادير السلف، وعمق علومهم، وقلة تكلفهم، وكمال بصائرهم، وتالله ما امتاز عنهم المتأخرون إلا بالتكلف والاشتغال بالأطراف التي كانت همة القوم مراعاة أصولها، وضبط قواعدها، وشد معاقدها، وهممهم مشمرة إلى المطالب العالية في كل شيء، فالمتأخرون في شأن، والقوم في شأن آخر، وقد جعل الله لكل شيء قدراً)

    وقال ابن رجب رحمه الله: فمن عرف قدر السلف، عرف أن سكوتهم عما سكتوا عنه من ضروب الكلام، وكثرة الجدل والخصام، والزيادة في البيان على مقدار الحاجة؛ لم يكن عيا، ولا جهلا، ولا قصورا، وإنما كان ورعاً وخشية لله، واشتغالاً عما لا ينفع بما ينفع .
    وفي تحديد مفهوم السلف، قال سبحانه: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100]، فالسلف اسم يجمع الصحابة فمن بعدهم ممن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وفي الصحيح: ((خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم..)) .
    وهذه الخيرية خيرية علم وإيمان وعمل، ولقد حكى ابن تيمية رحمه الله الإجماع على خيرية

    القرن الأول ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.. وأنهم أفضل من الخلف في كل فضيلة .
    ولقد اعتصم أهل السنة والجماعة بحجية فهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين فعصمهم هذا من التفرق والضلال، فقالوا بما قال به السلف، وسكتوا عما سكتوا عنه، ووسعهم ما وسع السلف.
    أما أهل الضلال والابتداع، فمذهبهم الطعن في الصحابة وتنكب طريق السلف، قال الإمام أحمد رحمه الله: (إذا رأيت الرجل يذكر أحداً من الصحابة بسوء، فاتهمه على الإسلام) .
    فالصحابة يكفرهم الرافضة تارة، والخوارج أخرى، والمعتزلة يقول قائلهم وهو عمرو بن عبيد – عليه من الله ما يستحق -: لو شهد عندي علي وطلحة والزبير وعثمان، على شراك نعل ما أجزت شهادتهم! .
    وصدق أبو حاتم الرازي رحمه الله حين قال: علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر .
    ورضي الله عن أبي زرعة الرازي حيث قال: إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدّى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا، ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة





  3. #3
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 32

    افتراضي


    المبحث الثالث: الإيمان والتسليم والتعظيم لنصوص الوحيين
    ومن أصول عقيدة السلف الصالح؛ أهل السنة والجماعة في منهج التلقي والاستدلال اتباع ما جاء في كتاب الله عز وجل وما صح من سنة نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ظاهراً وباطناً، والتسليم لها، قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُّبِينًا} [الأحزاب: 36]
    وأهل السنة والجماعة: لا يقدمون على كلام الله، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم كلام أحد من الناس، : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات: 1]. ويعلمون بأن التقدم بين يدي الله ورسوله من القول على الله بغير علم، وهو من تزيين الشيطان
    ومما روي عن السلف في الإيمان والتسليم للنصوص:
    (قال رجل للزهري: يا أبا بكـر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من لطم الخدود)) ، ((وليس منا من لم يوقر كبيرنا))

    وما أشبه هذا الحديث؟ فأطرق الزهري ساعة، ثم رفع رأسه فقال: من الله عز وجل العلم، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم).
    ولما ذكر عبدالله بن المبارك رحمه الله حديث: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن...)) ، فقال فيه قائل: ما هذا! على معنى الإنكار، فغضب ابن المبارك وقال: يمنعنا هؤلاء الأنان أن نحدث بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أكلما جهلنا معنى حديث تركناه! لا بل نرويه كما سمعنا، ونلزم الجهل أنفسنا.

    ومما يحسن إيراده في هذا الموضع ما قاله ابن تيمية: ينبغي للمسلم أن يقدر قدر كلام الله ورسوله.. فجميع ما قاله الله ورسوله يجب الإيمان به، فليس لنا أن نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض، وليس الاعتناء بمراده في أحد النصين دون الآخر بأولى من العكس، فإذا كان النص الذي وافقه يعتقد أنه اتبع فيه مراد الرسول، فكذلك النص الآخر الذي تأوله، فيكون أصل مقصوده معرفة ما أراده الرسول بكلامه.

    وقال محمد بن نصر المروزي في معنى الإيمان:
    الإيمان بالله: أن توحده، وتصدق به بالقلب واللسان، وتخضع له ولأمره، بإعطاء العزم للأداء لما أمره، مجانباً للاستنكاف، والاستكبار، والمعاندة، فإذا فعلت ذلك لزمت محابه، واجتنبت مساخطه... وإيمانك بمحمد صلى الله عليه وسلم إقرارك به، وتصديقك إياه، واتباعك ما جاء به، فإذا اتبعت ما جاء به، أديت الفرائض، وأحللت الحلال، وحرمـت الحرام، ووقفت عند الشبهات، وسارعت في الخيرات





  4. #4
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 32

    افتراضي


    المبحث الخامس: اشتمال الوحي على مسائل التوحيد بأدلتها
    إن المصدر الذي تؤخذ منه مسائل أصول الدين هو الوحي، فكل ما يلزم الناس اعتقاده أو العمل به، قد بينه الله تعالى بالوحي الصادق عن طريق كتابه العزيز، أو بالواسطة من كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم، أو ما يرجع إليهما من إجماع صحيح، أو عقل صريح دل عليه النقل وأرشد إليه.
    : {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89].
    وقال سبحانه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9].
    وفي الحديث قوله عليه الصلاة والسلام: ((.. وأيم الله، لقد تركتكم على البيضاء، ليلها ونهارها سواء، قال أبو الدرداء: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، تركنا والله على مثل البيضاء، ليلها ونهارها سواء)) ، وفي رواية أخرى: ((لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك)) .
    وفي صحيح مسلم لما قيل لسلمان الفارسي رضي الله عنه: ((قد علمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة! فقال: أجل..)) .

    ودخول مسائل التوحيد وقضاياه في هذا العموم من باب الأولى؛ بل (من المحال أن يترك تعليمهم ما يقولونه بألسنتهم، ويعتقدونه بقلوبهم في ربهم ومعبودهم رب العالمين، الذي معرفته غاية المعارف، وعبادته أشرف المقاصد، والوصول إليه غاية المطالب) .
    والرسول صلى الله عليه وسلم بين مسائل التوحيد تارة بأدلتها النقلية مباشرة كأحوال البرزخ، ومسائل الآخرة، وتارة يجمع إلى الأدلة النقلية الأدلة العقلية ويرشد إليها، فإما أن تكون أدلة مسائل علم التوحيد أدلة نقلية، أو أدلة نقلية عقلية.
    وبهذا الأصل المبارك اعتصم أهل السنة والجماعة، فصدروا عن الوحي في تعلم التوحيد في مسائله وأدلته، (ولم ينصبوا مقالة ويجعلوها من أصول دينهم وجمل كلامهم، إن لم تكن ثابتة فيما جاء به الرسل؛ بل يجعلون ما بعث به الرسول من الكتاب والحكمة، هو الأصل يعتقدونه ويعتمدونه) .

    وردوا عند التنازع في مسألة ما إلى نصوص الوحي، امتثالاً لقوله تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:59]، ومعنى الرد إلى الله سبحانه: الرد إلى كتابه، ومعنى الرد إلى رسوله صلى الله عليه وسلم: الرد إلى سنته بعد وفاته، وهذا مما لا خلاف فيه بين جميع المسلمين" .
    وفي إعمال هذه القاعدة نظر إلى الوحي بعين الكمال، واستغناء به عن غيره، واعتماد عليه، وتجنب اللوازم الباطلة لمذهب من يعول على العقل أو الذوق دون الشرع، وتحقيق للإيمان بالله واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، ونجاة من مسالك أهل الأهواء الذين يتقدمون بين يدي الله ورسوله بعلومهم وعقولهم وأذواقهم، وحسم لمادة التقليد الباطلة، مع تحقيق الاجتماع والألفة ونبذ الاختلاف والفرقة.





  5. #5
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 32

    افتراضي


    المبحث الرابع: جمع النصوص في الباب الواحد، وإعمالها بعد تصحيحها


    إن معقد السلامة من الانحراف عند بيان قضية عقدية وتفصيل أحكامها هو جمع ما ورد بشأنها من نصوص الكتاب والسنة على درجة الاستقصاء، مع تحرير دلالات كلٍ، وتصحيح النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، واعتماد فهم الصحابة والثقات من علماء السلف الصالح رضي الله عنهم، فإن بدا ما ظاهره التعارض بين نصوص الوحيين عند المجتهد - لا في الواقع ونفس الأمر، فينبغي الجمع بين هذه الأدلة برد ما غمض منها واشتبه إلى ما ظهر منها واتضح، وتقييد مطلقها بمقيدها، وتخصيص عامها بخاصها، فإن كان التعارض في الواقع ونفس الأمر فبنسخ منسوخها بناسخها - وذلك في الأحكام دون الأخبار فلا يدخلها نسخ - وإن لم يكن إلى علم ذلك من سبيل، فيرده إلى عالمه تبارك وتعالى.

    قال سبحانه: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ} [آل عمران: 7].
    و في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام: ((نزل الكتاب الأول من باب واحد على حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف، زاجرا وآمرا، وحلالا وحراما، ومحكما ومتشابها، وأمثالا، فأحلوا حلاله، وحرموا حرامه، وافعلوا ما أمرتم به، وانتهوا عما نهيتم عنه، واعتبروا بأمثاله، واعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، وقولوا آمنا به كل من عند ربنا)) .
    قال ابن عباس رضي الله عنهما: يؤمن بالمحكم ويدين به، ويؤمن بالمتشابه ولا يدين به، وهو من عند الله كله .
    وقال الربيع بن خثيم رحمه الله: يا عبد الله، ما علمك الله في كتابه من علم فاحمد الله، وما استأثر عليك به من علم فكله إلى عالمه، لا تتكلف فإن الله يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86] .
    وإذا اتضح هذا؛ فإنه لا يجوز أن يؤخذ نص وأن يطرح نظيره في نفس الباب، أو أن تعمل مجموعة من النصوص وتهمل الأخرى؛ لأن هذا مظنة الضلال في الفهم، والغلط في التأويل ، قال الإمام أحمد رحمه الله: الحديث إذا لم تجمع طرقه لم تفهمه، والحديث يفسر بعضه بعضا .
    وقال الشاطبي رحمه الله: ومدار الغلط في هذا الفصل إنما هو على حرف واحد، وهو الجهل بمقاصد الشرع، وعدم ضم أطرافه بعضها لبعض، فإن مأخذ الأدلة عند الأئمة الراسخين، إنما هو على أن تؤخذ الشريعة كالصورة الواحدة، بحسب ما ثبت من كلياتها وجزئياتها المرتبة عليها.. .
    ومما يلتحق بهذا المعنى جمع روايات الحديث الواحد والنظر في أسانيده وألفاظه معاً وقبول ما ثبت، وطرح ما لم يثبت، وكما قيل: والحديث إذا لم تجمع طرقه لم تتبين علله، ثم النظر في الحديث بطوله وفي الروايات مجتمعة.
    وقد كانت لأهل البدع مواقف خالفوا بها إجماع أهل السنة بسبب مخالفتهم لهذا الأصل العظيم، فكانوا يجترئون من النصوص بطرف، مع إغضاء الطرف عن بقية الأطراف، فصارت كل فرقةٍ منهم من الدين بطرف، وبقي أهل السنة في كل قضية عقدية وسطاً بين طرفين، فهم - مثلاً - وسط في باب الوعيد بين غلاة المرجئة القائلين بأنه لا يضر مع الإيمان ذنب، وبين الوعيدية من الخوارج والمعتزلة القائلين بتخليد عصاة الموحدين في النار، كما أنهم وسط في باب أسماء الإيمان والدين بين المرجئة القائلين بأن مرتكب الكبيرة كامل الإيمان، وبين الوعيدية القائلين بتكفيره - كما هو عند الخوارج - أو يجعله بمنزلة بين المنزلتين - كما هو عند المعتزلة -، وهم وسط في باب القدر بين القدرية النفاة لمشيئته تعالى وخلقه أفعال العباد، وبين الجبرية النفاة لقدرة العبد واختياره ومشيئته ونسبة فعله إليه حقيقة، والقاعدة الهادية عند اشتباه الأدلة: (أن من رد ما اشتبه إلى الواضح منها، وحكم محكمها على متشابهها عنده، فقد اهتدى، ومن عكس انعكس) .
    واتفق لأهل السنة والجماعة (موافقة طريقة السلف من الصحابة والتابعين، وأئمة الحديث والفقه في الدين، كالإمام أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، والبخاري، وإسحاق، وغيرهم، وهي رد المتشابه إلى المحكم، وأنهم يأخذون من المحكم ما يفسر لهم المتشابه ويبينه لهم، فتتفق دلالته مع دلالة المحكم، وتوافق النصوص بعضها بعضاً، ويصدق بعضها بعضاً، فإنها كلها من عند الله، وما كان من عند الله فلا اختلاف فيه ولا تناقض، وإنما الاختلاف والتناقض فيما كان من عند غيره) .
    : {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [النساء: 82]، و: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 41-42].
    وقد حكى الباقلاني الإجماع على منع التعارض بين الأدلة الشرعية في نفس الأمر مطلقاً، كما روى الخطيب البغدادي عنه ذلك فقال: يقول الباقلاني: وكل خبرين علم أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم بهما، فلا يصح دخول التعارض فيهما على وجه، وإن كان ظاهرهما متعارضين؛ لأن معنى التعارض بين الخبرين والقرآن من أمر ونهي وغير ذلك، أن يكون موجب أحدهما منافياً لموجب الآخر، وذلك يبطل التكليف إن كان أمراً ونهياً، وإباحة وحظرا، أو يوجب كون أحدهما صدقاً والآخر كذباً إن كانا خبرين، والنبي صلى الله عليه وسلم منزه عن ذلك أجمع، ومعصوم منه باتفاق الأمة، وكل مثبت للنبوة .
    ولما خالف أهل البدع هذه القاعدة كفر بعضهم بعضا، حيث آمن بعضهم بنصوص وكفروا بأخرى، فقد آمن - مثلاً- الوعيدية: من الخوارج والمعتزلة بنصوص الوعيد ، وكفروا بنصوص الوعد، وقابلهم المرجئة فآمنوا بنصوص الوعد وكفروا بنصوص الوعيد، وأهل السنة والجماعة آمنوا بكل وجمعوا بين النصوص، واعتمدوا على قول الله تعالى: {عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156].
    و: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [النساء: 48].
    وكذا الجبرية آمنوا بما كفر به القدرية، وكفروا بما آمن به القدرية، والحق الإيمان بجميع النصوص، واعتقاد نفي التعارض بينها، : {لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاؤُونَ إِلا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: 28-29]، فأثبت مشيئة للإنسان مقيدة بمشيئة الرحمن.
    فالتفّت – بحمد الله – النصوص واجتمعت، وزالت الشبه وارتفعت الحجب وانقلعت.
    (وقد استعمل هذه القاعدة كثير من أئمة العلم والدين في كسر المبتدعة وتفنيد شبهاتهم، كصنيع الإمام الشافعي رحمه الله في كتاب الرسالة، وفي كتاب مختلف الحديث، وكذلك الإمام أحمد رحمه الله في الرد على الجهمية، والإمام ابن قتيبة رحمه الله في كتاب مختلف الحديث، والطحاوي رحمه الله في مشكل الآثار، وغير هؤلاء كثير من أئمة السنة)





  6. #6
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 32

    افتراضي


    المبحث السادس: الإيمان بالنصوص على ظاهرها ورد التأويل

    يقصد بظاهر النصوص مدلولها المفهوم بمقتضى الخطاب العربي، لا ما يقابل النص عند متأخري الأصوليين، والظاهر عندهم ما احتمل معنى راجحاً وآخر مرجوحاً، والنص هو ما لا يحتمل إلا معنى واحدا، (فلفظة الظاهر قد صارت مشتركة، فإن الظاهر في الفطر السليمة، واللسان العربي، والدين القيم، ولسان السلف، غير الظاهر في عرف كثير من المتأخرين) ، فالواجب في نصوص الوحي إجراؤها على ظاهرها المتبادر من كلام المتكلم، واعتقاد أن هذا المعنى هو مراد المتكلم، ونفيه يكون تكذيباً للمتكلم، أو اتهاما له بالعي وعدم القدرة على البيان عما في نفسه، أو اتهاما له بالغبن والتدليس وعدم النصح للمكلف، وكل ذلك ممتنع في حق الله تعالى وحق رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم.

    ومراد المتكلم يعلم إما باستعماله اللفظ الذي يدل بوضعه على المعنى المراد مع تخلية السياق عن أية قرينة تصرفه عن دلالته الظاهرة، أو بأن يصرح بإرادة المعنى المطلوب بيانه، أو أن يحتف بكلامه من القرائن التي تدل على مراده، وعلى هذا فصرف الكلام عن ظاهره المتبادر - من غير دليل يوجبه أو يبين مراد المتكلم - تحكم غير مقبول سببه الجهل أو الهوى، وهذا وإن سماه المتأخرون تأويلاً إلا أنه أقرب إلى التحريف منه إلى التأويل ، ولا يسلم لهذا المتأول تأويله حتى يجيب على أمور أربعة:

    أحدهما: أن يبين احتمال اللفظ لذلك المعنى الذي أورده من جهة اللغة.
    الثاني: أن يبين وجه تعيينه لهذا المعنى أنه المراد.
    الثالث: أن يقيم الدليل الصارف للفظ عن حقيقته وظاهره؛ لأن الأصل عدمه، قال ابن الوزير رحمه الله: من النقص في الدين رد النصوص والظواهر، ورد حقائقها إلى المجاز من غير طريق قاطعة تدل على ثبوت الموجب للتأويل.. .
    الرابع: أن يبين سلامة الدليل الصارف عن المعارض، إذ دليل إرادة الحقيقة والظاهر قائم، وهو إما قطعي، وإما ظاهر، فإن كان قطعيا لم يلتفت إلى نقيضه، وإن كان ظاهراً فلابد من الترجيح .

    ومما يدل على إعمال الظواهر أنه لا يتم بلاغ ولا يكمل إنذار، ولا تقوم الحجة ولا تنقطع المعذرة بكلام لا تفيد ألفاظه اليقين، ولا تدل على مراد المتكلم بها؛ بل على خلاف ذلك، فينتفي عن
    القرآن والعياذ بالله – معنى الهداية، وشفاء الصدور، والرحمة، التي وصف الله تعالى بها كتابه الكريم، ومعاني الرأفة والرحمة والحرص على رفع العنت والمشقة عن الأمة، التي وصف الله تعالى بها نبيه صلى الله عليه وسلم في كتابه العزيز، وهو الذي ترك الأمة على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فلا التباس في أمره ونهيه، ولا إلغاز في إرشاده وخبره، باطنه وظاهره سواء، كيف لا، وهو القائل: ((إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم...)) .

    ودلالته صلى الله عليه وسلم للأمة في شأن اعتقادها أهم أعماله، وأولاها بالإيضاح والإفهام بلسان عربي مبين، والجزم واقع بأن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم فهموها على وجهها الذي يفهمه العربي، بغير تكلف ولا تمحل في صرف ظواهرها، ومن كان باللسان العربي أعرف ففهمه لنصوص الوحي أرسخ، وقد قال عمر رضي الله عنه: (يا أيها الناس، عليكم بديوان شعركم في الجاهلية، فإن فيه تفسير كتابكم، ومعاني كلامكم) .

    وقال ابن تيمية رحمه الله: لم يكن في الصحابة من تأول شيئا من نصوصه – أي نصوص الوحي – على خلاف ما دل عليه، لا فيما أخبر به الله عن أسمائه وصفاته، ولا فيما أخبر به عما بعد الموت... .

    وفي إنكار التأويل الكلامي ومناهج الفلاسفة ومن تأثر بهم من المتكلمين، يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: وقد توسع من تأخر عن القرون الثلاثة الفاضلة في غالب الأمور التي أنكرها أئمة التابعين وأتباعهم، ولم يقتنعوا بذلك حتى مزجوا مسائل الديانة بكلام اليونان، وجعلوا كلام الفلاسفة أصلاً يردون إليه ما خالفه من الآثار بالتأويل – ولو كان مستكرهاً – ثم لم يكتفوا بذلك حتى زعموا أن الذي رتبوه هو أشرف العلوم، وأولاها بالتحصيل، وأن من لم يستعمل ما اصطلحوا عليه فهو عامي جاهل، فالسعيد من تمسك بما كان عليه السلف، واجتنب ما أحدثه الخلف .

    ويقول ابن تيمية رحمه الله مبيناً خطورة التأويل: فأصل خراب الدين والدنيا، إنما هو من التأويل الذي لم يرده الله ورسوله بكلامه، ولا دل عليه أنه مراده، وهل اختلفت الأمم على أنبيائهم إلا بالتأويل وهل وقعت في الأمة فتنة كبيرة أو صغيرة إلا بالتأويل، وهل أريقت دماء المسلمين في الفتن إلا بالتأويل، وليس هذا مختصاً بدين الإسلام فقط؛ بل سائر أديان الرسل لم تزل على الاستقامة والسداد حتى دخلها التأويل، فدخل عليها من الفساد ما لا يعلمه إلا رب العباد .

    ففي لزوم الإيمان بالنصوص على ظاهرها ودفع التأويل المتعسف بغير دليل موافقة لنصوص الكتاب والسنة لفظا ومعنى، مع بعد عن التكلف في الدين، والقول على الله بغير علم، والافتراء على رسوله الأمين، فضلاً عن ما في ذلك من مصلحة سد باب الخروج على العقيدة ببدعة محدثة، وسد باب الخروج على الشريعة، والاجتراء على الحرمات، والتهاون بالطاعات والوقوع في المنكرات، بصرف ألفاظ الوعد والوعيد عن حقيقتها وظاهرها، ودعوى أن كل ذلك غير مراد.
    (وهذه القاعدة تفيد بطلان مذهب المفوضة في الصفات، الذين يفوضون معاني النصوص إلى الله، مدعين أن هذا هو مذهب السلف، وقد علم براءة مذهب السلف من هذا المذهب بتواتر الأخبار عنهم بإثبات معاني هذه النصوص على الإجمال والتفصيل، وإنما فوضوا العلم بكيفيتها لا العلم بمعانيها) .

    قال ابن تيمية رحمه الله: إن الصحابة والتابعين لم يمتنع أحد منهم عن تفسير آية من كتاب الله، ولا قال هذه من المتشابه الذي لا يعلم معناه، ولا قال قط أحد من سلف الأمة ولا من الأئمة المتبوعين: إن فيالقرآن آيات لا يعلم معناها، ولا يفهمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أهل العلم والإيمان جميعهم، وإنما قد ينفون علم بعض ذلك عن بعض الناس، وهذا لا ريب فيه .

    بل كان قول أهل العلم: من الله البيان، وعلى رسوله البلاغ، وعلينا التسليم.
    ومما يشهد للصحابة في فهمهم مراد الله ومراد نبيه صلى الله عليه وسلم، والأخذ بظواهر النصوص، وتفسيرها مما يظهر منها: قول ابن مسعود رضي الله عنه: والله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين نزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيمن أنزلت، ولو أعلم أحداً أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه .

    وقال مسروق رحمه الله: كان عبد الله يقرأ علينا السورة ثم يحثنا فيها ويفسرها عامة النهار ، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: نعم ترجمان القرآن ابن عباس .
    وقال مجاهد رحمه الله: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات، من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها .
    فلم يتوقف الصحابة عن تفسير النصوص والأخذ بظواهرها؛ ويستثنى من ذلك النصوص الخاصة بصفات الله تعالى، فقد أخذوا بظواهرها فأثبتوها دون تفسير أو تكييف لمعناها.
    قال الذهبي: قال سفيان وغيره: قراءتها – أي آيات الصفات – تفسيرها، يعني أنها بينة واضحة في اللغة، لا يبتغى بها مضايق التأويل والتحريف .

    والواجب في نصوص القرآن والسنة إجراؤها على ظاهرها دون تحريف لاسيما نصوص الصفات حيث لا مجال للرأي فيها.
    ودليل ذلك: السمع، والعقل.
    أما السمع: فقوله تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 192-195] وقوله: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: 2]. وقوله: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الزخرف: 3]. وهذا يدل على وجوب فهمه على ما يقتضيه ظاهره باللسان العربي إلا أن يمنع منه دليل شرعي.

    وقد ذم الله تعالى اليهود على تحريفهم، وبين أنهم بتحريفهم من أبعد الناس عن الإيمان. فقال: {أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 75]. و:{مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} الآية [النساء: 46].
    وأما العقل: فلأن المتكلم بهذه النصوص أعلم بمراده من غيره، وقد خاطبنا باللسان العربي المبين فوجب قبوله على ظاهره وإلا لاختلفت الآراء وتفرقت الأمة.

    واعلم أن من قواعد أهل السنة المقررة أن الأصل أن يحمل النص على ظاهره، وأن الظاهر مراد، وأن الظاهر ما يتبادر إلى الذهن من المعاني، وأنه لا يخرج عن هذا الظاهر إلا بدليل، فإن عدم الدليل كانالحمل على الظاهر هو المتعين، والحمل على خلافه تحريف، فالنصوص الشرعية نصوص هداية ورحمة لا نصوص إضلال، فلو قدر أن المتكلم أراد من المخاطب حمل كلامه على خلاف ظاهره وحقيقته من غير قرينة ولا دليل ولا بيان لصادم هذا الفعل مقصود الإرشاد والهداية وأن ترك المخاطب والحالة هذه بدون ذلك الخطاب خير له وأقرب إلى الهدى...

    ومن أسباب إخراج النصوص عن ظواهرها عند البعض دعوى معارضتها للمعقول كالشأن في كثير من العقائد الإسلامية، إذ أن من طالع كتب المؤولة وجد عندهم توسعا عجيبا في هذا الباب، وكلما خاضوا بالتأويل في باب جرهم ذلك إلى استسهال التأويل في باب آخر وهكذا حتى آل الأمر بالباطنية مثلا إلى تأويل جملة الشريعة حتى ما يتعلق منها بالأحكام الشرعية كالصلاة والزكاة والصيام والحج، وجعل ذلك كله من قبيل الباطن المخالف للظاهر،... والذي يعنينا هنا أن نؤكد على أن هذه النصوص الشرعية يجب حملها على ظواهرها ولا يصح تأويلها لمجرد تنزيلها على واقع حالي أو لتوهم معارضتها للمعقول، وأن تأويلها والحالة هذه مخرج لها عن قصد الشارع وبالتالي فتنزيلها بعد التأويل تنزيل لها على واقع غير مراد ولا مقصود للشارع








  7. #7
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 32

    افتراضي


    المبحث الثامن: السكوت عما سكت عنه الله ورسوله وأمسك عنه السلف


    كل مسألة من المسائل الشرعية - ولاسيما مسائل الاعتقاد- لا يحكم فيها، نفياً أو إثباتاً إلا بدليل، فما ورد الدليل بإثباته أثبت، وما ورد بنفيه نفي، وما لم يرد بإثباته ولا بنفيه دليل توقفنا، ولم نحكم فيه بشيء؛ لا إثباتاً ولا نفياً، ولا يعني هذا أن المسألة خلية عن الدليل، بل قد يكون عليها دليل، لكن لا نعلمه، فالواجب التوقف: إما مطلقا أو لحين وجدان الدليل.
    قال شيخ الإسلام رحمه الله: ما لم يرد به الخبر إن علم انتفاؤه نفيناه وإلا سكتنا عنه فلا نثبت إلا بعلم ولا ننفي إلا بعلم... فالأقسام ثلاثة: ما علم ثبوته أثبت، وما علم انتفاؤه نفي، وما لم يعلم نفيه ولا إثباته سكت عنه، هذا هو الواجب، والسكوت عن الشيء غير الجزم بنفيه أو ثبوته .

    وقد وردت كثير من نصوص الكتاب والسنة، وأقوال الصحابة والتابعين وأئمة السلف وأهل السنة بالأمر بالكف عما لم يرد في الشرع، والسكوت عما سكت عنه الله ورسوله وأمسك عنه السلف، وترك الخوض فيما لا علم للإنسان به من دليل أو أثر.
    : {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء: 36] قال قتادة: لا تقل رأيت ولم تر، وسمعت ولم تسمع، وعلمت ولم تعلم، فإن الله سائلك عن ذلك كله .
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ذروني ما تركتكم؛ فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه)) .

    وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله عز وجل فرض فرائض فلا تضيعوها، وحرم حرمات فلا تنتهكوها، وحد حدودا فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء من غير نسيان، فلا تبحثوا عنها)) .
    وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (من علم فليقل، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: لا أعلم؛ فإن الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86]) .
    وترجم الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الاعتصام من (صحيحه): باب: ما يكره من كثرة السؤال، ومن تكلف ما لا يعنيه، وقوله تعالى: {لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة:101]، وباب: ما يذكر من ذم الرأي وتكلف القياس {وَلاَ تَقْفُ} لا تقل {مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] .

    وسأل رجل أبا حنيفة رحمه الله: ما تقول فيما أحدثه الناس في الكلام في الأعراض والأجسام؟ فقال: مقالات الفلاسفة، عليك بالأثر وطريق السلف، وإياك وكل محدثةٍ فإنها بدعة .
    وروى اللالكائي بسنده عن أبي إسحاق قال: سألت الأوزاعي فقال: (اصبر نفسك على السنة، وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا، وكف عما كفوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح؛ فإنه يسعك ما وسعهم) .
    وقال إبراهيم النخعي: (بلغني عنهم – يعني الصحابة – أنهم لم يجاوزوا بالوضوء ظفرا ما جاوزته به، وكفى على قوم وزرا أن تخالف أعمالهم أعمال أصحاب نبيهم صلى الله عليه وسلم) .
    وقال الشعبي: (عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوها لك بالقول). وقال أيضا: (ما حدثوك به عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فخذه وما حدثوك به عن رأيهم فانبذه في الحش) .

    وقال ابن عبد الهادي رحمه الله: (ولا يجوز إحداث تأويل في آية أو سنة، لم يكن على عهد السلف، ولا عرفوه ولا بينوه للأمة، فإن هذا يتضمن أنهم جهلوا الحق في هذا، وضلوا عنه، واهتدى إليه هذا المعترض المستأخر) .
    وقال ابن رجب رحمه الله: (فالعلم النافع من هذه العلوم كلها: ضبط نصوص الكتاب والسنة، وفهم معانيها، والتقيد في ذلك بالمأثور عن الصحابة وتابعيهم في معاني القرآن والحديث، وفيما ورد عنهم من الكلام في مسائل الحلال والحرام، والزهد والرقاق، والمعارف، وغير ذلك، والاجتهاد على تمييز صحيحه من سقيمه أولا، ثم الاجتهاد على الوقوف على معانيه وتفهمه ثانيا، وفي ذلك كفاية لمن عقل، وشغل لمن بالعلم النافع عني واشتغل)





  8. #8
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 32

    افتراضي


    المبحث التاسع: موافقة النصوص لفظا ومعنى أولى من موافقتها في المعنى دون اللفظ

    لا شك أن متابعة الكتاب والسنة في اللفظ والمعنى أكمل وأتم من متابعتهما في المعنى دون اللفظ، ويكون ذلك باعتماد ألفاظ ومصطلحات الكتاب والسنة عند تقرير مسائل الاعتقاد وأصول الدين، والتعبير بها عن المعاني الشرعية، وفق لغة القرآن وبيان الرسول صلى الله عليه وسلم.
    قال شيخ الإسلام رحمه الله: (الأحسن في هذا الباب مراعاة ألفاظ النصوص، فيثبت ما أثبته الله ورسوله باللفظ الذي أثبته، وينفي ما نفاه الله ورسوله كما نفاه) .

    وقال ابن القيم رحمه الله: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحافظ على ألفاظ القرآن تقديما وتأخيرا، وتعريفا وتنكيرا كما يحافظ على معانيه، ومنه قوله وقد بدأ بالصفا: ((أبدأ بما بدأ الله به)) ، ومنه بداءته في الوضوء بالوجه ثم اليدين اتباعا للفظ القرآن ومنه قوله في حديث البراء بن عازب: ((آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت)) موافقة لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ} [ الأحزاب: 45])

    ولهذا منع جمع من العلماء نقل حديث الرسول بالمعنى، ومن أجازه اشترط أن يكون الناقل عالما بما يحيل المعنى من اللفظ، مدركا لأساليب العرب حتى يستبين الفروق، وأما شأن العقيدة خاصة فهو أعظم وأخطر؛ لذا كان هدي أهل السنة والسلف مراعاة الألفاظ ومعانيها معا.
    قال شيخ الإسلام رحمه الله: (إن السلف كانوا يراعون لفظ القرآن والحديث فيما يثبتونه وينفونه في الله وصفاته وأفعاله، فلا يأتون بلفظ محدث مبتدع في النفي والإثبات؛ بل كل معنى صحيح فإنه داخل فيما أخبر به الرسول) .

    وقال رحمه الله: (والتعبير عن حقائق الإيمان بعبارات القرآن أولى من التعبير عنها بغيرها، فإن ألفاظ القرآن يجب الإيمان بها، وهي تنزيل من حكيم حميد، والأمة متفقة عليها، ويجب الإقرار بمضمونها قبل أن تفهم، وفيها من الحكم والمعاني ما لا تنقضي عجائبه.

    والألفاظ المحدثة فيها إجمال واشتباه ونزاع، ثم قد يجعل اللفظ حجة بمجرده وليس هو قول الرسول الصادق المصدوق وقد يضطرب في معناه، وهذا أمر يعرفه من جربه من كلام الناس، فالاعتصام بحبل الله يكون بالاعتصام بالقرآن والإسلام كما : {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [ آل عمران: 103].

    ومتى ذكرت ألفاظ القرآن والحديث وبين معناه بيانا شافيا فإنها تنتظم جميع ما يقوله الناس من المعاني الصحيحة، وفيها زيادات عظيمة لا توجد في كلام الناس، وهي محفوظة مما دخل في كلام الناس من الباطل كما قال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [ الحجر: 9]
    و: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [ فصلت: 41-42]
    و: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}[هود: 1]
    وقال: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} [يونس: 1]، وفيه من دلائل الربوبية والنبوة والمعاد ما لا يوجد في كلام أحد من العباد ففيه أصول الدين المفيدة لليقين، وهي أصول دين الله ورسوله لا أصول دين محدث ورأي مبتدع) .

    والألفاظ التي لم ترد في الكتاب والسنة إما أن تكون اصطلاحات متعينة للدلالة على الحق ولا تستعمل في غير هذا، فيلزم استعمالها فيما اصطلح عليه من المعاني الصحيحة، وهكذا الأمر فيما استعمله السلف الصالح من الألفاظ الشرعية.
    وإما ألا تتعين للدلالة على الحق، بل تكون مجملة تحتمل حقا وباطلا، فإذا عرف مراد صاحبها وكان موافقا للمعنى الصحيح، قبل منه المعنى، ومنع من التكلم باللفظ المجمل، وعلم الألفاظ الشرعية في ذلك









  9. #9
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 32

    افتراضي


    المبحث العاشر: الإيمان بجميع نصوص الكتاب والسنة


    إن ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه تعالى، فإنه يجب الإيمان به – سواء عرفنا معناه، أو لم نعرف – لأنه الصادق المصدوق، فما جاء في الكتاب والسنة، وجب على كل مؤمن الإيمان به، وإن لم يفهم معناه، وكذلك ما ثبت باتفاق الأمة وأئمتها، مع أن هذا الباب (مسائل الاعتقاد) يوجد عامته منصوصا في الكتاب والسنة، متفقا عليه بين سلف الأمة .
    آمن أهل الإسلام بأن الله تعالى ربهم، ومليكهم، وأنه حكيم، عليم، قدير، رحمن، رحيم، أرسل الرسل لهدايتهم، وأنزل معهم الكتاب والميزان، فما أخبر به الرسول عن الله، فالله أخبر به، وهو سبحانه إنما يخبر بعلمه، ويمتنع أن يخبر بنقيض علمه، وما أمر به الرسول فهو من حكم الله، والله أمر به، وهو العليم الحكيم.
    : {لَّكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا} [ النساء: 166] وهذا يقتضي أن ما بلغه الرسول صلى الله عليه وسلم حق من عند الله يوافق علم الله ومراده، فالواجب على كل أحد أن يقابل ما أمر به، أو نهى عنه بالطاعة والانقياد، فمن قبل عن الرسول ما أخبر به فعن الله قبل، ومن أطاع الرسول فيما أمر به فقد أطاع الله.
    الإيمان بالنصوص ضربان:

    والإيمان بنصوص الكتاب والسنة على ضربين:
    أحدهما: إيمان مجمل وهذا من فروض الأعيان، فيجب على كل أحد – ممن أسلم وجهه لله تعالى، ورضي بالإسلام دينا، وبالرسول صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا – الإيمان بنصوص الكتاب والسنة، سواء أظهرت له معانيها ووضحت مدلولاتها، أم لا، فهذا حظ العامة، ومن لا يفهم العربية ومن في معناهما ممن اشتبه عليه معنى آية أو حديث، فما زال كثير من الصحابة، ومن بعدهم، يمر بآية أو لفظ وهو لا يدرك معناه، إلا ويؤمن به، وبكل ما أمره إلى عالمه، ومثله وقع لأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما .

    وهذا لا يعني أن في النصوص ما لا يدرك معناه بحال، بل معاني النصوص مفهومة من لغة التخاطب، لكن قد يقوم بالشخص من عوامل القصور ما هو مدعاة إلى عدم الفهم، ووضوح الخطاب عنده.
    فالواجب على المسلم الإيمان بالنص – بعد معرفة صحة مخرجه – إيمانا عاما مجملا، من غير أن يشترط فهم معناه، أو إدراك حقيقته أو سلامته عن المعارض العقلي – كما يقوله أرباب الكلام – أو موافقته للذوق والكشف – كما يدعيه غلاة المتصوفة-.

    الثاني: إيمان مفصل، وهذا من الفروض الكفائية، هو خاص بكل من قام عنده الدليل، وبان له المدلول، وظهر معناه، فإذا حصل ذلك عنده، صار الإيمان في حقه فرضا متعينا، وإلا فالأصل فيه أنه كفائي، قال شارح الطحاوية: (ولا ريب أن معرفة ما جاء به الرسول على التفصيل فرض على الكفاية) لكن من قدر عليه وجب عليه تحصيله، طلبا لحماية الدين، وكفاية المسلمين بتعليمهم وتفهيمهم إياه، وهو بحر تتفاوت فيه همم الطالبين، وتتطاول عنده أعناق الراغبين، وبقدر المعرفة به، تكمل المعرفة بالله وبدينه: : {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [ المجادلة: 11]








  10. #10
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 32

    افتراضي


    المبحث الحادي عشر: لا نسخ في الأخبار ولا في أصول الدين



    إن مسائل الاعتقاد – من الإيمان بالله تعالى، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، ورسالاته، واليوم الآخر ونحو ذلك من الأمور الثوابت، التي جاءت بها جميع رسل الله تعالى، من لدن آدم إلى محمد عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم لا يدخلها نسخ أو تعديل.......،

    والشريعة نوعان:
    خبر وأمر، الخبر يدخل فيه الماضي والمستقبل والوعد والوعيد، ويشمل ما أخبر الله تعالى به عن ذاته، وصفاته، وأفعاله، وما أخبر أنه كان، أو سيكون من مفعولاته، وما قص علينا من أخبار الأمم الماضية، وأخبار الرسل ودعواتهم، وما فعل بأعدائهم، وما أعده لأوليائهم، ويدخل فيه – أيضا – ما ذكره الله من أخبار خلق السموات والأرض، وما فيها من الأحياء والأشياء، وما ذكره من أخبار الجنة والنار، والحساب والعقاب، والبعث والحشر والجزاء؛ كل هذا ونظيره يدخل في جملة الأخبار، والتي يجب على المسلم مقابلتها بالتصديق والتسليم، ويعلم أنها كلها حق، مطابقة للأمر في نفسه، لا يجوز أن تختلف أو تتعارض – وإن ظهر شيء من ذلك فإنما هو عارض يعرض على الأذهان يزول عند التحقيق، والنظر الدقيق – ومن ثم فلا يجوز أن يدخل أخبار الله تعالى النسخ أو التبديل، بل هي محكمة ثابتة؛ لأنه تعالى إذا أخبر عن شيء فإنما يخبر بعلمه، وعلمه أزلي لا أول له، وهو مطابق للأمر في نفسه، علم ما كان، وما يكون، وما سيكون، فلو أخبر عن شيء أنه كان أو سيكون، ثم أخبر بنقيض ذلك أو برفعه، لكان ذلك خلفا وكذبا، مستلزما سبق الجهل، وحدوث العلم وتجدده، وهذا مما يعلم ضرورة أن الله تعالى منزه عنه، بل هو من صفات المخلوقين المربوبين، لا من صفات الخالق سبحانه .

    فالخبر عن شيء أنه كان أو سيكون ثم أخبر بخلاف ذلك كان مكذبا لنفسه، وذلك غير جائز على الله تعالى، ولا على رسوله صلى الله عليه وسلم من جهة كونه مبلغا عن الله تعالى، فمن قال: سمعت كذا ورأيت كذا، ثم قال بعد: لم يكن ما أخبرت أني سمعته ورأيته موافقا للصواب؛ فقد أكذب نفسه، أو دل على أنه أخبر بما لا علم له به، أو تعمد الكذب في ذلك، أو قال بالظن وكان جاهلا لحقيقة الأمر ثم رجع عن ظنه، وهذا كله لا يجوز وصف الخالق سبحانه به، بل لم يزل الله تعالى عالما بما يكون، وما سيكون، ومريدا له، لم يستحدث علما لم يكن، ولا إرادة لم تكن، فهو العالم بعواقب الأمور، الفعال لما يريد

    ولهذا قال أبو جعفر النحاس رحمه الله - في معرض الرد على من يجوز النسخ في الأخبار -: (وهذا القول عظيم جدا، يؤول إلى الكفر؛ لأن قائلا لو قال: قام فلان، ثم قال: لم يقم، ثم قال: نسخته لكان كاذبا) .
    أما النوع الثاني
    – من نوعي الشريعة – فهو الأمر، والنهي منه؛ لأنه أمر بالترك. ويدخل في ذلك العبادات: أصولها وفروعها، وجميع المعاملات، وكذا فضائل الأخلاق.

    والأمر وإن كان النسخ يدخله في الجملة، لكن تستثنى منه كليات الشريعة، من الضروريات والحاجيات والتحسينات، فالشريعة مبنية على حفظ هذه الكليات ، فأصول العبادات: كالصلاة والصوم، والزكاة، والحج، وما يحفظ الضروريات الخمس، وما يحقق العدل والإحسان، وما يجلب الفضيلة، ويدفع الرذيلة، كل ذلك لا يقع فيه النسخ، وإنما يقع في تفاصيل هذه المسائل، وهو ما يتعلق بالهيئات، والكيفيات، والأمكنة، والأزمنة، والأعداد، وهو جزء يسير إذا ما قورن بكليات الشريعة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (كتاب الله نوعان: خبر وأمر، أما الخبر فلا يجوز أن يتناقض، ولكن قد يفسر أحد الخبرين الآخر، ويبين معناه، وأما الأمر فيدخله النسخ، ولا ينسخ ما أنزل الله إلا بما أنزله الله، فمن أراد أن ينسخ شرع الله الذي أنزله برأيه وهواه كان ملحدا، وكذلك من دفع خبر الله برأيه ونظره كان ملحدا)






 

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. من هم أهل السنة والجماعة أرجو المتابعة
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى العقـيدة الإسلامية
    مشاركات: 16
    آخر مشاركة: 2010-11-25, 10:34 PM
  2. كلمات في ميزان الاعتقاد (1- أهل السنة و الجماعة)
    بواسطة أبو صهيب المصري في المنتدى العقـيدة الإسلامية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 2010-11-02, 06:22 AM
  3. التحذير من موقع أهل السنة والجماعة
    بواسطة أمـــة الله في المنتدى القسم الإسلامي العام
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 2010-08-28, 11:04 AM
  4. خصائص أهل السنة والجماعة
    بواسطة أسد الدين في المنتدى العقـيدة الإسلامية
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 2008-08-23, 11:48 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
RSS RSS 2.0 XML MAP HTML