|
-
سرايا الملتقى
رقم العضوية : 4248
تاريخ التسجيل : 15 - 6 - 2011
الدين : الإسلام
الجنـس : ذكر
العمر: 42
المشاركات : 1,333
- شكراً و أعجبني للمشاركة
- شكراً
- مرة 2
- مشكور
- مرة 5
- اعجبه
- مرة 37
- مُعجبه
- مرة 8
التقييم : 11
البلد : مصر - الاسكندرية
معدل تقييم المستوى
: 15
فتوحــــات الشــــام ... متجدد
-
مراقبة الأقسام العامة
رقم العضوية : 3445
تاريخ التسجيل : 4 - 3 - 2011
الدين : الإسلام
الجنـس : أنثى
المشاركات : 4,093
- شكراً و أعجبني للمشاركة
- شكراً
- مرة 3
- مشكور
- مرة 13
- اعجبه
- مرة 4
- مُعجبه
- مرة 25
التقييم : 13
البلد : الأردن - بلاد الشام
الاهتمام : متابعة حوارات الأديان
الوظيفة : صيدلانية
معدل تقييم المستوى
: 18
تسجيل متابعــــــة
جزاكم الله خيراً أخينا الفاضل أبو فارس
بارك الله فيكم ونفع بكم
-
سرايا الملتقى
رقم العضوية : 4248
تاريخ التسجيل : 15 - 6 - 2011
الدين : الإسلام
الجنـس : ذكر
العمر: 42
المشاركات : 1,333
- شكراً و أعجبني للمشاركة
- شكراً
- مرة 2
- مشكور
- مرة 5
- اعجبه
- مرة 37
- مُعجبه
- مرة 8
التقييم : 11
البلد : مصر - الاسكندرية
معدل تقييم المستوى
: 15
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة pharmacist
تسجيل متابعــــــة
جزاكم الله خيراً أخينا الفاضل أبو فارس
بارك الله فيكم ونفع بكم
وجزاك الله أختنا خيراً
-
سرايا الملتقى
رقم العضوية : 4248
تاريخ التسجيل : 15 - 6 - 2011
الدين : الإسلام
الجنـس : ذكر
العمر: 42
المشاركات : 1,333
- شكراً و أعجبني للمشاركة
- شكراً
- مرة 2
- مشكور
- مرة 5
- اعجبه
- مرة 37
- مُعجبه
- مرة 8
التقييم : 11
البلد : مصر - الاسكندرية
معدل تقييم المستوى
: 15
البعوث إلى الشام
بعد أن أُعِدَّتِ العُدَّة خرج أبو بكر ذات يوم ومعه رجال من الصحابة حتى انتهى إلى عسكرهم فرأى عدة حسنة لم يرض عدتها للروم؛ فقال لأصحابه: ما ترون في هؤلاء أن نشخصهم إلى الشام في هذه العدة؟ فقال عمر: ما أرضى هذه العدة لجموع بني الأصفر؛ فقال لأصحابه: ماذا ترون أنتم؟ فقالوا: نحن نرى ما رأى عمر؛ فقال: ألا أكتب كتابًا إلى أهل اليمن ندعوهم إلى الجهاد ونرغبهم في ثوابه؟ فرأى ذلك جميع أصحابه؛ فقالوا: نِعْمَ ما رأيت افعل فكتب:
"بسم الله الرحمن الرحيم من خليفة رسول الله إلى من قُرِئ عليه كتابي هذا من المؤمنين والمسلمين من أهل اليمن سلام عليكم..
فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، أما بعدُ فإن الله تعالى كتب على المؤمنين الجهاد، وأمرهم أن ينفروا خفافًا وثقالاً ويجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، والجهاد فريضة مفروضة والثواب عند الله عظيم،وقد استنفرنا المسلمين إلى جهاد الروم بالشام وقد سارعوا إلى ذلك، وقد حسنت في ذلك نيتهم، وعظمت حسبتهم, فسارعوا عباد الله إلى ما سارعوا إليه, ولتحسن نيتكم فيه فإنكم إلى إحدى الحسنيين إما الشهادة وإما الفتح والغنيمة, فإن الله تبارك وتعالى لم يرضَ من عباده بالقول دون العمل، ولا يزال الجهاد لأهل عداوته حتى يدينوا بدين الحق ويقروا لحكم الكتاب.
ثم يختم الصديق خطبته لهم: حفظ الله لكم دينكم وهدى قلوبكم وزكي أعمالكم ورزقكم أجر المجاهدين الصابرين".
وهنا نلمح ملحمًا رائعًا عند الصديق ، وهو حسن الظن بالمؤمنين، وذلك سيرًا على منهج رسول الله ، الذي قال فيما يرويه ابن ماجة وأحمد والترمذي وحسنه والحاكم وصححه، وضعفه الألباني عن أبي سَعِيدٍ الخدري : "إِذَا رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسَاجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالإِيمَانِ"، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} [التوبة: 18].
كما يوضح الصديق أن الجهاد في الإسلام ليس فقط للدفاع عن الإسلام من القوى الخارجية، ولكن لتحرير الشعوب من حكامهم المستبدين، ونشر دين الله في الأرض، ثم ترك حرية الاختيار لهم بعد ذلك.
وهكذا نرى الصديق رقيقًا في التعامل مع الجنود المسلمين، حتى وإن كان من حقه الإمرة عليهم، وتوجيه الأوامر المباشرة،ويجب عليهم طاعته..
وهكذا يجب أن يكون كل والٍ على أي أمر من أمور المسلمين، يجب أن يتحلى برقة الطبع، والرقة في الطلب، وذلك يشمل المسئول في عمله، كما يشمل الرجل في أهل بيته، انطلاقًا من قول رسول الله : "كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته". الحديث.
وبعث بهذا الكتاب مع أنس بن مالك الذي يروي ما كان من أمر هذه الرسالة إذ يقول: (أتيت أهل اليمن جناحًا جناحًا وقبيلة قبيلة أقرأ عليهم كتاب أبي بكر، وإذا فرغت من قراءته قلت:
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله. بسم الله الرحمن الرحيم، أما بـعد.
فإني رسول خليفة رسول الله ، ورسول المسلمين إليكم. ألا وإني قد تركتهم مُعَسكِرِين ليس يمنعهم من الشخوص إلى عدوهم إلا انتظاركم، فعجلوا إلى إخوانكم، رحمة الله عليكم أيها المسلمون, يقول: فكان من أقرأ عليه ذلك الكتاب،ويسمع مني هذا القول يحسن الرد علي، ويقول: ونحن سائرون، وكأنا قد فعلنا، حتى انتهيت إلى ذي الكلاع، فلما قرأتُ عليه الكتاب، وقلت هذا المقال دعا بفرسه وسلاحه، ونهض في قومه من ساعته، ولم يؤخر ذلك، وأمر بالمعسكر، فما برحنا حتى عسكر وعسكر معه جموع كثيرة من أهل اليمن، وسارعوا، فلما اجتمعوا إليه قام فيهم فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي ، ثم قال: "أيها الناس، إن من رحمة الله إياكم، ونعمته عليكم أن بعث فيكم رسولاً، وأنزل عليكم كتابًا فأحسن عنه البلاغ، فعلَّمكم ما يرشدكم ونهاكم عما يفسدكم، حتى علمكم ما لم تكونوا تعلمون، ورغبكم فيما لم تكونوا ترغبون، ثم دعاكم إخوانكم الصالحون إلى جهاد المشركين، واكتساب الأجر العظيم، فلينفر من أراد النفير معي الساعة".
وهنا يبدو لنا في موقف ذي الكلاع الحميري ، أنه سارع مباشرة في تنفيذ أمر أنس بن مالك، وطاعة خليفة المسلمين، ذلك أن المسلم مأمورٌ ليس بفعل الخير فحسب، بل مأمورٌ بالمسارعة إليه والقيام إليه دون تكاسل أو توانٍِ؛ فالمسارعة في الخيرات هي أسلوب القرآن الكريم دائمًا: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133].
أبو بكر يودع الجيش قبل تحركه:
بدا لأبي بكر أن ينصرف إلى المدينة، فقام في الجيش، فحمد الله وأثنى عليه، ثم أمرهم بالمسير، وبشرهم بالفتح، وقال: "حتى تبنوا فيها المساجد، فلا يعلم أنكم تأتونها تلهيًا، والشام أرض شبيعة، يكثر لكم فيها من المطعم والمشرب، فإياكم والأشر، أما ورب الكعبة لتأشرنَّ، ولتبطرن، أوصيكم بتقوى الله ، ولا تهدموا بيتًا ولا بيعة، ولا تقطعوا شجرًا مثمرًا، ولا تعقروا بهيمة إلا لأكل، ولا تحرقوا نخلاً ولا تعزقوه، ولا تعصوا، ولا تجبنوا".
ونلاحظ أن الصديق يوصي الجيش بمثل ما وصى به قائده، حتى يقول لهم: "إذا أنا انصرفت من مقامي هذا فاركبوا ظهوركم (أي خيولكم) ثم صفوا إليَّ صفًّا واحدًا حتى آتيكم" فمرَّ على أولهم، حتى أتى على آخرهم يسلم عليهم جميعًا!!
كم يستغرق وقت ذلك التوديع المهيب من خليفة المسلمين، وأعلى قيادة في الدولة لهذا الجيش الأول الخارج لحرب إحدى أعظم قوتين في العالم آنـذاك؟!
فإذا كان الجيش قد بلغ 7 آلاف وخمسمائة مجاهد فلا بد أن ذلك استغرق من أبي بكر وقتًا كبيرًا (قد يصل إلى 10 ساعات!!)، وكل ذلك من أجل رفع الروح المعنوية للجيش المسلم، وتقوية رصيده الإيماني حتى يهجموا على الروم هجمة واحدة بعون الله..
وهكـذا سار يزيد بجنده إلى الشام، فكان أبو بكر يدعو في كل يوم غدوة وعشيًّا بعد صلاة الفجر، وبعد صلاة العصر، فيقول: (اللهم إنك خلقتنا ولم نك شيئًا، ثم بعثت إلينا رسولاً رحمة منك لنا، وفضلاً منك علينا فهديتنا وكنا ضُلالاً، وحببت إلينا الإيمان وكنا كفارًا، وكثرتنا وكنا قليلاً، وجمعتنا وكنا أشتاتًا، وقويتنا وكنا ضعافًا، ثم فرضت علينا الجهاد، وأمرتنا بقتال المشركين حتى يقولوا: "لا إله إلا الله", ويعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون..
اللهم إنا نطلب رضاك، ونجاهد أعداءك، من عدل بك وعبد معك إلهًا غيرك، تعاليت عما يقولون علوًّا كبيرًا، اللهم فانصر عبادك المسلمين على عدوك من المشركين، اللهم افتح لهم فتحًا يسيرًا، وانصرهم نصرًا عزيزًا، واجعل لهم من لدنك سلطانًا نصيرًا، اللهم شجع جبنهم، وثبت أقدامهم، وزلزل بعدوهم، وأدخل الرعب في قلوبهم، واستأصل شأفتهم، واقطع دابرهم، وأَبِدْ خضراءهم، وأورثنا أرضهم وديارهم وأموالهم، وكن لنا وليًّا وبنا حفيًّا، وأصلح لنا شأننا كله، ونياتنا وقضاءنا وتبعاتنا، واجعلنا لأنعمك من الشاكرين، واغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات.. الأحياء منهم والأموات، ثبتنا الله وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخـرة إنه بالمؤمنين رءوف رحيم".
وجَدَّ القوم في السير، فقال ربيعة بن عامر: ما هذا السير يا يزيد؟ وقد أمرك أبو بكر أن ترفق بالناس في سيرك، فقال يزيد: يا عامر إن أبا بكر سيعقد العقود ويرسل الجيوش فأردت أن أسبق الناس إلى الشام, فلعلنا أن نفتح فتحًا قبل تلاحق الناس بنا فيجتمع بذلك ثلاث خصال: رضاء الله ، ورضاء خليفتنا، وغنيمة نأخذها. فقال ربيعة: فَسِرِ الآن ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم, قال: فأخذ القوم في السير على وادي القرى ليخرجوا على تبوك ثم على الجابية إلى دمشق.
وكان خروج يزيد من المدينة في 23 رجب 12هـ، في حين كان خالد بن الوليد وعياض بن غنم يحاصران دومة الجندل ضمن عملياتهما في فتح العراق, وما لبثت دومة الجندل أن سقطت في يد خالد في 24 من رجب، ولا شك أن ذلك كان له أثر في تأمين الطريق من المدينة إلى الشام، وقد كانت دومة الجندل محاصرة منذ أوائل ذلك العام.
سار يزيد بجيشه من المروة سالكًا طريق تبوك كما أمره أبو بكر، وكانت تبوك على نشز مرتفع في سهل رملي بين جبل حسمى إلى الغرب، وجبل شرودي في شرقيها، وعلى الحدود الشمالية لبلاد العرب، ومن بعدها تبدأ حدود الدولة الرومية..
ويمتد الطريق من المدينة إلى تبوك، ومنها إلى ذات المنازل.. وهو طريق شاق وصفه ابن بطوطة بأنه طريق وعر، ليس يسيرًا السير فيه، ولكن يزيد سار بجيش المسلمين فيه، ووصل إلى البلقاء فنزلهـا، وانتظر أوامر أبي بكر.
وصية أبي بكر ليزيد:
وقام أبو بكر الصديق من ساعته يمشي على قدميه وحوله جماعة من الأصحاب منهم عمر وعثمان وعلي أجمعين، وخرجوا إلى ظاهر المدينة، ووقع النداء في الناس، فكبروا بأجمعهم فرحًا لخروجهم وأجابتهم الجبال لدوي أصواتهم، وعلا أبو بكر على دابته حتى أشرف على الجيش فنظر إليهم قد ملأوا الأرض فتهلل وجهه، وقال: اللهم أنزل عليهم الصبر، وأيدهم، ولا تسلمهم إلى عدوهم {إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26].
وكان أول من دعاه أبو بكر يزيد بن أبي سفيان، وعقد له راية وأمَّره على ألف فارس من سائر الناس، ودعا بعده رجلاً من بني عامر بن لؤي يقال له: ربيعة بن عامر، وكان فارسًا مشهورًا في الحجاز فعقد له راية وأمره على ألف فارس، ثم أقبل أبو بكر على يزيد بن أبي سفيان، وقال له: هذا ربيعة بن عامر من ذوي العلا والمفاخر قد علمت صولته وقد ضممته إليك، وأمَّرْتُك عليه؛ فاجعله في مقدمتك، وشاوره في أمرك ولا تخالفه؛ فقال يزيد: حبًّا وكرامة.
وأسرعت الفرسان إلى لبس السلاح، واجتمع الجند، وركب يزيد بن أبي سفيان، وربيعة بن عامر، وأقبلا بقومهما على أبي بكر ؛ فأقبل يمشي مع القوم؛ فقال يزيد: يا خليفة رسول الله الناجي من غضب الله من رضيت عنه، لا نكن على ظهور خيولنا، وأنت تمشي فإما أن تركب وإما أن ننزل. فقال: ما أنا براكب وما أنتم بنازلين، وسار إلى أن وصل إلى ثنية الوداع فوقف هناك؛ فتقدم إليه يزيد فقال: يا خليفة رسول الله أوصنا، فقال أبو بكر :
يا يزيد إني أوصيك بتقوى الله وطاعته، والإيثار له والخوف منه، إذا سرت فلا تضيق على نفسك، ولا على أصحابك في مسيرك، ولا تغضب على قومك ولا على أصحابك، وشاورهم في الأمر، واستعمل العدل، وباعد عنك الظلم والجور؛ فإنه لا أفلح قوم ظلموا، ولا نُصِروا على عدوهم، وإذا لقيتم القوم {فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ *وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال: 15، 16]، وإذا أظفرك الله عليهم فلا تَغلُل ولا تمثل ولا تغدر ولا تجبن ولا تقتلوا ولدًا ولا شيخًا ولا امرأة ولا طفلاً، ولا تعقروا بهيمة إلا بهيمة المأكول، ولا تغدروا إذا عاهدتم ولا تنقضوا إذا صالحتم، وستمرون على قوم في الصوامع رهبانًا يزعمون أنهم ترقبوا في الله، فدعوهم ولا تهدموا صوامعهم.
(وهكذا تكون فتوحات المسلمين دائمًا، يحرص المسلمون كل الحرص على ألا يؤذوا المدنيين، ولا يلحقوا الضرر بالمصالح العامة للمدن والبلاد المفتوحة، حتى إن تاريخ حروب المسلمين كله لم يُذكر فيه قتل لأي شيخ (إلا ما كان في موقعة الشيخ في فتوح فارس، لأنه كان قائد جيش الفرس) ولم تقتل النساء أبدًا، إلا المرة الوحيدة التي قُتلت فيها امرأة، كانت التي وضعت السم لرسول الله في فتح خيبر؛ لأنها قتلت بذلك السم أحد الصحابة..
أما المدنيون الذين لا يحاربون المسلمين، ولا يمنعونهم من إيصال دعوة الله إلى الناس، فلا يقاتلهم المسلمون أبدًا عملاً بقوله تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8] وكذلك يحرص الخليفة على أن ينبههم إلى عدم قطع النخل والشجر، لأن ذلك يضر بالمصلحة العامة، ولم يحدث أن قطع المسلمون نخلاً أو شجرًا إلا ما كان للضرورة في غزوة بني النضير عندما اضطر المسلمون لحرق النخل؛ لأن اليهود كانوا يستخدمونها في حربهم، ولأن ذلك يفت في عضد الجيش الضخم الكبير.
ثم يواصل الصديق وصيته: "وستجدون قومًا آخرين من حزب الشيطان وعبدة الصلبان، قد حلقوا أوساط رءوسهم حتى كأنها مناحيض العظام (هؤلاء يحرضون على قتال المسلمين)، فاعلوهم بسيوفكم حتى يرجعوا إلى الإسلام أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، فإذا لقيتم العدو من المشركين إن شاء الله، فادعوهم إلى ثلاث خصال، فإن أجابوكم فاقبلوا منهم، وكفوا عنهم، ثم ادعوهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، فإن هم فعلوا فأخبروهم أن لهم مثل ما للمهاجرين (المجاهدين)، وعليهم ما على المهاجرين، وإن هم دخلوا في الإسلام، واختاروا دارهم على دار المهاجرين، فأخبروهم أنهم كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله الذي فرض على المؤمنين، وليس لهم في الفيء والغنائم شيء حتى يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا أن يدخلوا في الإسلام، فادعوهم إلى الجزية، فإن هم فعلوا، فاقبلوا منهم، وكفوا عنهم، وإن هم أبوا فاستعينوا بالله عليهم، فقاتلوهم إن شاء الله, ولينصرن الله من ينصره ورسله بالغيب, وقد استودعتكم الله، وعليكم سلام الله ورحمته".
يُتبع إن شاء الله ...
-
سرايا الملتقى
رقم العضوية : 4248
تاريخ التسجيل : 15 - 6 - 2011
الدين : الإسلام
الجنـس : ذكر
العمر: 42
المشاركات : 1,333
- شكراً و أعجبني للمشاركة
- شكراً
- مرة 2
- مشكور
- مرة 5
- اعجبه
- مرة 37
- مُعجبه
- مرة 8
التقييم : 11
البلد : مصر - الاسكندرية
معدل تقييم المستوى
: 15
خروج جيش أبي عبيدة وشرحبيل للشام
بعد أن خرج جيش يزيد إلى الشام في 23 من رجب عام 12هـ أرسل الصديق المدد له حتى بلغ قوام الجيش في علياء نحو 7500 مقاتل, وواكب ذلك سقوط "دومة الجندل" في يد خالد بن الوليد 24 من رجب, وبذلك تم تأمين طريق المسلمين إلى الشام, وبقيت القوة التي يرأسها خالد بن سعيد في تيماء, وبعد خروج يزيد بثلاثة أيام فقط أمر الصديق بخروج الجيش الثالث لفتح الشام, والذي كان بقيادة شرحبيل بن حسنة .فأحضره الصديق, وأخذ يوصيه للقتال فقال له: أسمعت وصيتي إلى يزيد بن أبي سفيان. قال له: نعم. قال: فإني أوصيك بمثلها, غير أني قد سهوت عن بعض الأمور فإني أحدثك إياها, ويبلغها من يبلغها بعد ذلك إلى يزيد, فقال له: أوصيك بالصلاة على وقتها ويظهر من هذا الموقف أن المسلمين كانوا يحرصون على الصلاة على وقتها, حتى في أحلك المواقف, فإنهم كانوا يجمعون الظهر بالعصر. والمغرب مع العشاء. بحيث لا يفوتهم وقت الصلاة, ويصلون الصبح قبل طلوع الشمس دائمًا, حتى أنهم عندما فاتتهم صلاة الصبح في فتح تستر, وكانوا آنذاك على أبواب الفتح, وكان أمامهم إما حرب الفرس والفتح, وإما صلاة الصبح, فاختار أبو موسى الأشعري الدخول في الفتح, ثم ندم على ذلك ندمًا عظيمًا. وقال: لقد أضعت اليوم صلاة ما أود أن لي الدنيا جميعًا بهذه الصلاة, وهذا على الرغم من أن المسلمين كانوا مضطرين لفعل ذلك, وإلا لهاجمهم الفرس وقتلوهم..ثم قال له: وبالصبر يوم البأس حتى تظفر أو تقتل (فالمسلم دائمًا بين إحدى هاتين الحسنيين. إما النصر وإما الشهادة, فليس لديه الهزيمة ولا الفرار, وحتى إن فرَّ المسلم فإنما يفرُّ متحفزًا لقتال) ثم يوصيه بثلاث وصايا أخرى. وهي وصايا قد لا يتوقع أحد أن يُوصَى بها قائد معركة. يقول له: وبعيادة المرضى. وبحضور الجنائز (وللصديق مغزى من ذكر ذلك الأمر؛ لأن هذا الجيش الكبير الذي سيخرج لملاقاة عدو خطير كالروم لا بد أنه سيكون فيه جرحى وقتلى كثيرون؛ فينبهه بوجوب عيادة هؤلاء المرضى وحضور جنائز من يُتَوفىَّ من الشهداء, وإذا كان هذا الأمر للمحارب, فلا شك أننا أولى به في أمور السلم) ثم الوصية الأخيرة: وذكر الله كثيرًا في كل حال (وقد علمنا من الحروب السابقة أن القائد كان يجعل لهم شعارًا يرددونه طوال الحرب, ويكون عادةً نوعًا من الذكر, يتواصى المسلمون به دائمًا).وكان أبو سفيان (والد يزيد ) حاضرًا تلك الوصية, فقال: رحمك الله يا أبا بكر, لقد كان يزيد بهذه الأمور مستوصيًا, وبها عاملاً قبل أن يسير إلى الشام, وهو الآن لها ألزم إن شاء الله. (فيطمئن الصديق على أن يزيدَ كان ينفذ ما في الوصية وهو في المدينة, ويطمئنه أنه لا شك سيأخذ بها أثناء حربه).ويخرج جيش شرحبيل بن حسنة يوم 27 من المروة إلى مكان يسمى بصرى في شمال عمان, ويمر بنفس طريق يزيد ويتجاوز جيش يزيد في علياء, ويعسكر في منطقة بصرى كما وصف له الصديق تمامًا, ويمكث في انتظار أوامر الصديق .
الروم يستعدون لمواجهة المسلمين :
توجه خالد بن سعيد إلى منطقة الجابية وانضم إلى جيش أبي عبيدة, وسمع الروم عن استعدادات المسلمين لقتالهم, وأن هناك ثلاثة جيوش بدأت تحاصر الشام من الشرق والجنوب, وكان هرقل -قيصر الروم آنذاك- موجودًا في فلسطين. (وكان هرقل عندما وصلته رسالة رسول الله قد أخبرهم أن هـذا الرجل -أي رسول الله - على الحق, وأنه يجب أن نتبعه, ولكن البطاركة وأهل السطوة والنفوذ في الجيش رفضوا ذلك, وثاروا عليه, فتراجع عما قاله, وزعم أنه كان يختبر مدى ولائهم لدولة الروم), ولم يستجب لرسول الله, ففي قلبه منذ ذلك الحين شعور أن هذا الجيش الإسلامي القادم جيش منصور؛ لأنه على الحق, فكان يخشى ملاقاته..
ولذا قرر أنه لن يقاتل المسلمين, وقال لهم: إني أرى أنه لو قاتلنا هؤلاء القوم لغلبونا على الشام, ولقاتلونا على جبال الروم. (أي أنه يخشى أن ينتصر المسلمون عليهم فيأخذوا الشام, ويصلوا إلى حدود دولة الروم) قال: فأرى أن نقسم معهم الشام, فنصف الأرض أحسن من ضياعها, لكن حاشيته وقادته ثارت عليه, ورفض أخوه ذلك الأمر, وطالبوه بالحرب.
فلما لم يجد هرقل أي استجابة منهم لرأيه وافق على الحرب, وبدأ يحمس الناس على حرب المسلمين, على الرغم من يقينه بأن هذه المعارك خاسرة.
قام قيصر الروم بإلقاء خطبة فيهم في بيت المقدس فقال: "يا أهل هذا الدين (أي النصرانية, وهو يخاطبهم من منطلق ديني) إن الله قد كان إليكم محسنًا, وكان لدينكم معزًّا وله ناصرًا على الأمم الخالية وعلى كسرى والمجوس والترك الذين لا يعلمون, وعلى من سواهم من الأمم كلها, وذلك أنكم كنتم تعملون بكتاب ربكم, فلما بدلتم وغيرتم أطمع ذلك فيكم قومًا ما كنا نعتدهم, ولا نخاف أن نُبتلى بهم, وقد ساروا إلينا حفاة عراة جياعًا, أخرجهم إلى بلادكم قحط المطر, وجدوبة الأرض, وسوء الحال, فسيروا إليهم فقاتلوهم عن دينكم وعن بلادكم وعن نسائكم وأولادكم", فهذه خطبة قيصر الروم, نلاحظ أنه يغلب على أكثر ما قال الصحة, وخاصة ما يتعلق بـ "كنتم تعملون بكتاب ربكم فلما بدلتم وغيرتم أطمع فيكم أقوامًا", إذ يرى قيصر الروم أن القوم إذا عملوا بكتاب الله نصرهم الله, وهذا صحيح تمام الصحة, وإذا بدلوا وغيروا فإن الله سبحانه يمكن منهم أي قوم آخرين, حتى وإن كانوا أضعف منهم وأقل عدة, وحتى إن كانوا من قبلُ أذلاء لا يُعتد بهم مطلقًا..
ونجد هذا الأصل باقيًا عندنا في الإسلام, وقد حضَّ عليه رسول الله كثيرًا, إذ قال: "يوشك أن تتداعى عليكم الأمم, كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها", قالوا: أومن قلة نحن يومئذٍ يا رسول الله؟ قال: "بل أنتم يومئذٍ كثير, ولكنكم غثاء كغثاء السيل, ولينزعن الله من قلوب أعدائكم المهابة منكم, وليقذفن في قلوبكم الوهن", قالوا: وما الوهن يا رسول الله: قال: "حب الدنيا وكراهية الموت". رواه الترمذي من حديث ثوبان .
فها هو رسول الله يقول أننا إذا اتبعنا كتاب الله وسنة رسوله كتبت لنا الغلبة على كل الشعوب, أما إذا بدلنا وغيرنا واتبعنا هوى أنفسنا, فإن ذاك سينزع المهابة من قلوب أعداء الله, ويضع فينا حب الدنيا وكراهية الموت (أي في سبيل الله), فليس المقصود أن نتمنى الموت, وإنما أن نكون زاهدين في الدنيا ومحبين للشهادة في سبيل الله, فإذا عظمت عندنا الدنيا عن الشهادة في سبيل الله, فهذا هو الوهن وهذا ما يمكن الأعداء مهما كانت قلتهم منا, (كما نرى عدد اليهود بالمقارنة بعدد المسلمين اليوم!) فهذا من ضعف المسلمين, وليس من قوة اليهود!!
ولكن لديه جزء واحد فقط أخطأ في تقديره, وهو قوله عن المسلمين أنهم ساروا (حفاة عراة جياعًا, أخرجهم قحط المطر, وجدوبة الأرض, وسوء الحال!), فلم يكن هذا هو ما أخرج المسلمين قطعًا.
فلم يخرج المسلمون أبدًا رغبة في رغد العيش في الشام أو رغبة في ثمار الشام, وإنما خرجوا لنصر الله ونشر دينه في الأرض, وتعبيد الناس لرب العالمين, وكان خلفاء المسلمين دائمًا يوصون قادتهم بألا يجعلوا الدنيا أبدًا في أعينهم, وأن يجعلوا الآخرة هي همهم الدائم.
بعد تلك الخطبة ترك هرقل بيت المقدس فورًا وانطلق إلى دمشق, فألقى خطابًا مثل ذلك الخطاب في أهل دمشق يحمسهم على القتال, ثم خرج إلى حمص فخطب نفس الخطبة, ثم خرج من حمص إلى أقصى شمال الشام في أنطاكية وخطب فيها نفس الخطبة, وعسكر هناك, وجعلها مقره, فأتته جموع شتى.
يقول الرواة (جموع لا يعلم عددها إلا الله) من كثرتها, ثم يقول القيصر بعد ذلك: وإني أعلم أن جيوش المسلمين إذا جمعت بكاملها تكون أقل من مدينة من مدن الروم (أي أنه يستقل بجيش المسلمين), ومع ذلك -يقول لهم- فإني ممدكم بالرجال حتى لا تستطيع أرض الشام أن تتحملهم. كل ذلكم كي يلقي الحمية في قلوب جيشه, ويجعلهم واثقين من النصر.
الصِّدِّيق يرسل المدد :
بدأ الصديق في إنفاذ وعده, فاستحث المسلمين على الخروج مرة أخرى, واستحضر اثنين من القادة العظماء هما: هاشم بن عتبة بن أبي وقاص[1], وسعيد بن عامر.
فيخرج مع هاشم ألف مقاتل يرسلهم أبو بكر إلى جيش أبي عبيدة بن الجراح ويوصيه أبو بكر , فيقول له: يا هاشم, إنه من حظك, ومن كرم الله عليك أن يجعل المسلمين يستعينون بك, فعش مجاهدًا في سبيل الله.
ثم يوصيه سعد بن أبي وقاص , فيقول: يا ابن أخي, لا تضرب ضربة بسيف ولا طعنة برمح إلا في سبيل الله, (أي يحثه على أن تكون نيته خالصة, وأن ينبذ الدنيا من أمامه), فيقول هاشم: وكيف أجعل يا عمي الدنيا في عيني, وقد علمت أني عائدٌ إلى ربي.
ويخرج مع سعيد بن عامر سبعمائة ويرسله الصديق إلى جيش يزيد بن أبي سفيان ويخرج في جيش سعيد بن عامر مؤذن رسول الله الصحابي الجليل بلال بن رباح يريد أن يخرج للجهاد في سبيل الله, إلا أن أبا بكر الصديق يسترجعه في أمر خروجه, إذ كان يريده أن يبقى معه في المدينة, فيقول له بلال: يا أبا بكر إن كنت قد أعتقتني[2] لأقعد معك بجانبك, فإني سأفعل, وإن كنت قد أعتقتني لله, فخلِّ بيني وبين الجهاد في سبيل الله.
فيقول له الصديق : والله إني ما أعتقتك إلا لله, ولكني أريدك أن تؤذن للمسلمين, وإني أستأنس برأيك ومشورتك, فيقول بلال: فإن هواي في الجهاد. فيقول له أبو بكر: إذًا اخرج للجهاد في سبيل الله, فيخشى بلال أن يكون قد أجبر خليفة رسول الله على رأي لا يريده, فيقول: إن شئت بقيت معك, فيقول له أبو بكر: لا. بل اخرج للجهاد في سبيل الله, ولكني أودعك وداعًا, فلعلي لا ألقاك بعده إلا في يوم البعث! ويودعه. (ويحدث ما توقعه الصديق, إذ لا يرى بلالاً بعد ذلك في الدنيا رضي الله عنهما).
فيخرج سعيد بن عامر بقيادة الجيش, ويخرج معه بلال وأرضاه يجاهد في أرض الشام.
خرج أيضًا من المسلمين حمزة بن مالك على رأس ألفي مقاتل من المسلمين جاءوا من همذان, وخرجت جموع أخرى كثيرة مددًا للمسلمين كما وعد أبو بكر الصديق.
استكمل الجيش الإسلامي عدته في أرض الشام, وجمُِعت بعضُ القوات الرومية في غزة, وتقدمت هذه القوات بقيادة سرجيوس أحد كبار القادة الرومان, وتوجهت خلف الجيش الإسلامي, حتى تقاتل المسلمين من الخلف!!!
فماذا كان ردُّ فعل المسلمين على هذا الالتفاف الرومي؟ هذا ما سنعرفه في المقال القادم إن شاء الله.
خروج جيش أبي عبيدة :
بعد نحو 10 أيام من خروج جيش شرحبيل يأمر الصديق بخروج جيش أبي عبيدة, وكان فيهم قيس بن مكشوح أحد الذين ارتدوا مرتين: في حياة الرسول ثم عاد، وبعد وفاته مرة أخرى ثم عاد إلى الإسلام.
وقبل الصديق أن يخرج في جيش المسلمين إلى الشام, لما رأى له من المكانة والرأي والبأس, وكان قد اطمئن لمكانته وإسلامه, وكان يخشى أن يكون في صدر أبا عبيدة مأخذًا عليه, أو ألا يستعين به في القتال, فذهب إلى أبي عبيدة, وقال له: إنه قد صحبك رجل عظيم الشرف, فارس من فرسان العرب, ليس للمسلمين غناء عن رأيه ومشورته وبأسه في الحرب, فأدنه, وأره أنك غير مستغنٍ عن رأيه ولا مستهين بأمره, فإنك تستخرج بذلك نصيحته لك وجهده وجده على عدوك.
ثم يقول لقيس: إني بعثتك مع أبي عبيدة بن الجراح الأمين الذي إذا ظُلِم لم يظلم, وإذا أُسِيءَ إليه غفر, وإذا قُطِعَ وصل (وهو هنا يعظم له من شأن أبي عبيدة بما فيه من خصائل حميدة, وذلك حتى لا يعلو على أمره, ولكي يستجيب لتعليماته؛ لأن قيسًا كان من كبار الناس في الجاهلية, وخشي الصديق أن يختلف مع أبي عبيدة.. وجدير بالذكر أن تلك الصفات يجب أن يتحلى بها كل مسلم. ولكن الأجدر بها هو من يملك زمام الأمور؛ لأنه إذا كانت عنده القدرة على الظلم فظلم فإن لذلك مضار كثيرة على المسلمين, أما من لا يملك السلطة فإن قدرته على الظلم ستكون ضعيفة) رحيم بالمؤمنين, شديدٌ على الكافرين، فلا تَعْصينَّ له أمرًا ولا تخالفنَّ له رأيًا, فإنه لن يأمرك إلا بخير, وقد أمرته أن يسمع منك. (يشير له أنه لم يغفل مكانته عند أبي عبيدة, وأنه عظَّم من شأنه) فلا تأمره إلا بتقوى الله, فإنا كنا نسمع أنك شريفٌ ذو بأس, سيد مجرب في زمان الجاهلية, فلا تنصحه إلا بخير فإنه سيسمع لك, فاجعل بأسك وشدتك ونجدتك في الإسلام على المشركين, وعلى من كفر بالله وعبد معه غيره, فقد جعل الله في ذلك الأجر العظيم والثواب الجزيل.
فيقول قيس بن مكشوح وقد انشرح صدره من هذه الكلمات: إن بقيت وأبقاك الله, فسيبلغك عني من حيطتي للمسلمين, وجهدي على الكافرين ما تحب, وتُسَرُّ إن شاء الله رب العالمين.
وقد كان على عهده وأبلى بلاءً حسنًا في حروب الشام, وقال أبو بكر بعد أن رأى له بعض المواقف المشهودة في فتح الشام, قال: صدق قيس بن مكشوح.
ثم يقول أبو بكر لأبي عبيدة: إنك تخرج في أشراف الناس, وبيوتات العرب, وصلحاء المسلمين وفرسان الجاهلية, كانوا يقاتلون قبل ذلك على الحمية, وهم يقاتلون اليوم على النية الحسنة, أَحْسِنْ صحبة من صحبك, وليكن الناس عندك في الحق سواء.
ثم يوصيه وصية أخرى بعد أن ولىَّ بكلمات كأنها الوداع الأخير له (لأن أبا بكر قد توفاه الله قبل أن يعود أبو عبيدة بجيشه) يقول له: "يا أبا عبيدة, اعمل صالحًا, وعش مجاهدًا, وتوفَّ شهيدًا, يعطك الله كتابك بيمينك, وتقر عينك في دنياك وآخرتك, فوالله إني لأرجو أن تكون من التوابين الأوابين المخشعين الزاهدين في الدنيا, والراغبين في الآخرة, إن الله قد صنع بك خيرًا, وساقه إليك إذ جعلك في جيش من المسلمين إلى عدوه من المشركين, فقاتل من كفر بالله وأشرك معه غيره".
وهي وصية جامعة من أبي بكر الصديق إلى أبي عبيدة الجراح رضي الله عنهما يجب أن نحفظها جيدًا ونتذكرها جيدًا ,ونتوقف هنا عندها قليلاً:
يقول له: "اعمل صالحًا" وهذا جُمَّاع كل خير, أن يعمل المرء الأعمال الصالحة في حياته, ولن يقبل الله سبحانه منا مجرد النيات, وإنما يقبل العمل الصالح الموافق لسنة رسول الله , وأفضل هذا العمل الجهاد في سبيل الله؛ لذلك يقول له: "عش مجاهدًا".
فضل الجهاد والشهادة:
وفي فضل الجهاد والشهادة في سبيل الله يروى عن التابعيِّ الجليل عبد الله بن المبارك رحمه الله أنه عندما كان يجاهد في بلاد الشام أتته رسالة من الفضيل بن عياض -وكان مجاورًا بالحرمين الشريفين، ويلقب بعابد الحرمين- يدعوه فيها إلى المجاورة معه؛ فأراد أن يعرفه أن الاعتكاف -على عظم أجره- لا يُقارن بالجهاد في سبيل الله؛ فأرسل إليه قائلاً:
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا *** لعلمت أنك بالعبادة تلعب
من كان يخضب خده بدموعه *** فنحورنا بدماءنا تتخضب
أو كان يتعب خيله في باطل *** فخيولنا يوم الصبيحة تتعب
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا *** وهج السنابك والغبار الأطيب
ولقد أتانا من مقال نبـينا *** قول صحيح صادق لا يكـذب
لا يستوي غبار خيل الله في *** أنف امرئ ودخان نار تلهب
هـذا كتاب الله ينطق بيننا *** ليس الشهيد بميـت لا يكذب
ويسمع الفضيل ذلك فتذرف عيناه, ويقول: صدق أبو عبد الرحمن. ثم قال لمن جاءه بالرسالة: أأنت ممن يكتب الحديث؟ قال: نعم. قال له: فاكتب هذا الحديث.
[1] ابن أخِ سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما.
[2] حينما كان في مكة. واشتراه أبو بكر. ثم أعتقه.
-
سرايا الملتقى
رقم العضوية : 4248
تاريخ التسجيل : 15 - 6 - 2011
الدين : الإسلام
الجنـس : ذكر
العمر: 42
المشاركات : 1,333
- شكراً و أعجبني للمشاركة
- شكراً
- مرة 2
- مشكور
- مرة 5
- اعجبه
- مرة 37
- مُعجبه
- مرة 8
التقييم : 11
البلد : مصر - الاسكندرية
معدل تقييم المستوى
: 15
خروج جيش عمرو بن العاص إلى الشام
بعد أن وصلت الجيوش الإسلامية إلى منطقة الأردن وسوريا جنوب دمشق بنحو 50 كلم، لم يحدث أي نوع من القتال، وتجمع جيش رومي قوامه 3 آلاف مقاتل من غزة، بقيادة سرجيوس، أراد أن يلتف حول المسلمين من الخلف حتى يفاجئهم، ويقطع المدد القادم من المدينة المنورة جنوبًا، فاتجه إلى منطقة العربة جنوب البحر الميت، وكانت عيون المسلمين منتشرة في المكان، فاستطاعت أن تنقل ما حدث إلى أبي عبيدة بن الجراح ، فأمد جيش يزيد الذي كان قوامه 3 آلاف مقاتل بألف من المجاهدين من جيش شرحبيل بن حسنة فأصبح جيش يزيد 4 ألاف مقاتل، وأمره بالتوجه إلى العربة، قبل أن يتخطاها جيش سرجيوس، ودار بين الفريقين قتالٌ عنيف، وكان النصر-بفضل الله - للمسلمين.
ولا تُّعدُّ هذه الموقعة من المواقع الكبرى في حروب المسلمين مع الروم، إذ إنها بين قوة إسلامية أكبر من قوة الروم (4 آلاف من المسلمين، يواجهون 3 آلاف من الروم) وعلى الرغم من هزيمة جيش الروم فيها، إلا أنه لم يُقتل منه الكثير، وفرَّ معظمه عائدًا إلى غزة، وفي اليوم التالي تتبع الجيش الإسلامي جيش الروم داخل الأراضي الفلسطينية، فقابله جيش الروم في منطقة داثنة شرق غزة، وحدث قتالٌ آخر، وانتصر فيه المسلمون أيضًا، وقتل من جيش الروم أحد قواده، وفر سرجيوس إلى بيت المقدس، ثم إلى دمشق شمالاً, وبعد انتصار المسلمين في العربة وداثنة عاد يزيد بن أبي سفيان بقواته إلى معسكره مرة أخرى.
في الوقت ذاته يصل المدد الذي أرسله أبو بكر الصديق إلى جيشي يزيد وأبي عبيدة، ثم يأتي بطاركة العرب (نصارى العرب الموجودن في المنطقة، وأكثرهم من قبائل غسان) وينضمون إلى جيش الروم، فزاد عدده مرة أخرى، وأرسل أبو عبيدة بذلك إلى الصديق طالبًا المدد..
أسباب اختيار مسار الجيش:
ولهذا الاختيار حكمته وأهدافه التي نحاول أن نبينها كما يلي:
1- تواجدت الجيوش الإسلامية الثلاثة في شرق الشام حتى الآن (بين بصرى وعلياء جنوب دمشق) فلم يبق إلا جنوب الشام، الذي إن حوصر فإن الروم سيكونون بذلك محاصرين تمامًا، لأن البحر الأبيض المتوسط في الغرب، ولم يكن هناك حروب بحرية آنذاك!
2- تأمين الجيش الإسلامي الموجود في شرق الشام، كان إحدى غايات الصديق من هذا الجيش، لأنه منذ أيام حدثت موقعتا العربة وداثنة، والتف جيش جرجيوس خلف الجيش الإسلامي، ولولا بعد نظر العيون الإسلامية المنتشرة في المكان لفوجئ جيش المسلمين بذلك الأمر، ولكن الله سلم، وبهذا الجيش يؤمَّنُّ الجيش الإسلامي الموجود في الشرق، ويقطع الطريق على الرومان من الالتفات خلفه مرة أخرى.
3- يوجد في منطقة أيلة مسلمون من بعض البطون من قضاعة، وبعض القبائل الأخرى كجثام وهم لم يخرجوا للجهاد قبل ذلك، لا ضد الفرس ولا ضد الروم، فيمر بهم جيش عمرو بن العاص، لكي يحمسهم على الخروج للجهاد في سبيل الله، حتى يخرج منها من استطاع، ويعمل ذلك على زيادة الصف المسلم.
4- كان لتغيير مسار الجيش الرابع أثر بالغ حتى لا يتمكن الروم من متابعة مسار الجيوش الإسلامية، ولا يرصدون خط سير المسلمين، (فإذا كانوا قد علموا بالجيوش الثلاثة، وأنها مرت من تبوك، فلا يعرفون أمر هذا الجيش لأنه مر من طريق مختلف تمامًا، وغير مأهول) على الرغم من أن هذا الطريق أشد وعورة وخطورة من الطريق الآخر المعروف المعتاد.
موقعة مرج الصفـر ووضع المسلمين بعدها:
في الرابع من محرم عام 13هـ، تصل الأخبار إلى المسلمين أن عددًا من الروم قد خرج من دمشق متجهًا لجيش أبي عبيدة لقتاله، وعرف المسلمون أنهم مجموعة قليلة، وليسوا جيشًا كبيرًا، فأخرج لهم أبو عبيدة فرقة من جيشه، بقيادة خالد بن سعيد (الذي كان أبو بكر قد عينه قائدًا عامًّا على الجيوش ثم عزله لتسرعه في القتال بناءً على نصيحة عمر بن الخطاب) مع أهله وقبيلته وعشيرته مع بعض المسلمين لقتال الروم جنوب دمشق، والتقى معهم خالد في مرج الصفر.
وكان الروم بقيادة باهان في مجموعة من الجنود توازي مجموعة خالد بن سعيد ، فتسرع خالد في قتالهم، (وهو لا يجيد التخطيط للحرب كما قال عنه عمر: ضعيف التروءة) دون أن يحمي ظهره.
(كان خالد بن الوليد ، بعبقريته الفذة في القتال في حروب فارس -مثلاً- حريصًا كل الحرص على حماية ظهره حتى لا يلتف من خلفه أحد) فالتف جيش باهان الرومي حول المسلمين في مرج الصفر ففاجأهم وقاتلهم، وحدثت مقتلة عظيمة، قُتِلَ فيها كثير من المسلمين، واستشهد سعيد بن خالد بن سعيد في هذه المعركة، فلما قُتِلَ ابنه، تسرع خالد بن سعيد في الهروب ، فثبت بعض المسلمين مع سيدنا عكرمة بن أبي جهل وقاتلوا باهان حتى ردوه عن مرج الصفر، ولم يقتل عدد يذكر من جيش الروم، فَعُدَّتْ هذه هزيمة لجيش المسلمين، وهي أول هزيمة للمسلمين في الفتوحات بشكل عام.... (وظهر بذلك بُعْدُ نظر عمر ، حينما عارض أبا بكر في أن يقود خالد بن سعيد جيش المسلمين كله، وقال عنه: إنه ضعيف التروءة، وفعلاً ظهر ذلك في هزيمة تلك الفرقة أمام الروم) وأحدثت تلك الهزيمة هزة نفسية للمسلمين في الشام، وفي المدينة المنورة، إذ وصلت الأنباء لأبي بكر الصديق في المدينة، وحزن حزنًا شديدًا، وجمع حوله عمر بن الخطاب، ومستشاريه لكي يقيموا الأمر من جديد.
وضع المسلمين آنذاك:
- في الشام: انتصر المسلمون في العربة وداثنة، وهما موقعتان صغيرتان، وخسروا في مرج الصفر، جيش أبو عبيدة (7 آلاف مقاتل)، جيش شرحبيل (7 آلاف مقاتل), جيش يزيد (7 آلاف مقاتل )، جيش عمرو بن العاص (3 آلاف مقاتل), أي أن جيش المسلمين بالشام 24 ألف مقاتل, خرجوا في رجب 12هـ، وهم الآن محرم 13هـ، أي أنهم قد أمضوا (5 أشهر) داخل الشام..
- في فـارس: عين أبو بكر جيشين لفتح العراق من الجنوب بقيادة خالد بن الوليد، ومن الشمال مرورًا بدومة الجندل بقيادة عياض بن غنم، وقد مر عليهما عام في قتال الفرس، التقى فيها خالد مع الفرس في موقعة كاظمة (المعروفة بذات السلاسل) وانتصر عليهم، ثم فتح الحيرة (9 مواقع في شهرين حتى فتح الحيرة)، وبينما استعصت دَوْمَة الجندل على عياض بن غنم، تقدم خالد أيضًا وفتح الأنبار، وعين التمر، وانتصر (18 ألف ضد 100 ألف من فارس)، ثم أُمِرَ أن يذهب لنجدة عياض بن غنم في دومة الجندل, فذهب إليه بـ9 آلاف، وانتصر على الفرس هناك بعد يومين من وصوله، وفتح دومة الجندل, كان ذلك في 24 رجب 12هـ..
حقق جيش خالد بن الوليد انتصاراتٍ متتالية في فارس، حتى دانت له السيطرة غرب الفرات دون قتال، وغدا مالكًا لكل أرض العراق حتى نهر دجلة، كل ذلك في أقل من سنة, إنجازٌ لا يتخيله عقل مما جعل الصديق يفكر في إرسال خالد لقيادة قوات المسلمين في الشام، وكان عمر يرفض ذلك، ويرى عزل خالد، حتى لا يقترن النصر في أذهان المسلمين بشخص خالد بن الوليد .
ولكن أبا بكر اتخذ قرارًا حاسمًا بنقل سيدنا خالد من العراق لقيادة جيوش المسلمين في الشام..
الصديق يبحث عن المدد:
نفد الرجال عند الصديق (بعد أن أرسل كل من كان عنده من الرجال في المدينة، وبعد أن استعان بأهل اليمن، فقرر الاستعانة بأهل مكة، الذين يُعدُّون حديثي عهد بالإسلام (أسلموا في فتح مكة، العام الثامن للهجرة)، وكانوا قادة الكفر في الجاهلية، فكانت استعانة المسلمين بهم يجب أن تكون على حذر، وقبل أن يرسل لهم الصديق رسالة للاستعانة بهم، كانوا يفكرون -من تلقاء أنفسهم- في الخروج للجهاد في سبيل الله، ويعدون لذلك العدة، وأراد الصديق أن يستفيد من خبرتهم في التعامل مع الروم (في رحلات التجارة) في كيفية حربهم، بعد أن اطمأنَّ الصديق لإسلامهم، فتحدث إلى عمر بن الخطاب ، أن يرسل إلى رءوس القبائل الموجودة بمكة، حتى يعقدوا مجلسًا للشورى في كيفية إدارة القتال داخل أرض الروم، لكن عمر رفض ذلك، وأصرَّ على ألا يستشيرهم الصديق، وقال: إنا كنا منذ قليل نقاتلهم، وكانوا يقاتلوننا، وكانوا يعبدون من دون الله آلهة أخرى، فكيف إذا نصرنا الله عليهم، وجاءت الغنيمة، جئنا بهم نستشيرهم؟ فليس من العدل أن تقدم هؤلاء على قدامى المسلمين من المهاجرين والأنصار (فكان عمر يرى أن الأولى بالمشورة، والأولى بالنصيحة هم هؤلاء المهاجرون والأنصار، ما دامت لديهم الحكمة، والخبرة في القتال، ولا نقدم عليهم الذين أتوا بعدهم، وكانوا مقاتلين لرسول الله لأمد طويل) فوافقه أبو بكر رأيه، وقال: إن كان ذلك فنعم. (وهذا من طبع الصديق ، أنه لين الجانب، حسن الظن بالمسلمين، فيريد أن يستشيرهم، ولكن عمر ينظر إلى الأمر من زاوية العدل، والعدل يقتضي ألا يضيع حق من سبقوا بالإسلام).
وصل ذلك إلى سادة القبائل في مكة، وعلموا أن أبا بكر كان يريد أن يستشيرهم، وأن عمر رفض ذلك، فقال الحارث بن هشام (وهو من كبار سادات قريش): إن عمر بن الخطاب في شدته علينا قبل أن نسلم كان مصيبًا، أما الآن فلا نراه إلا قاطعًا (يقصد قاطعًا للرحم) فرأى أن يجمع وفدًا منهم، ويذهبوا إلى الصديق لكي يعرضوا عليه ذلك الأمر، وكان هو على رأس هذا الوفد، ومعه سهيل بن عمرو, وهو من أحكم العرب في الجاهلية والإسلام.
موقف مُسْلِمَة الفتح:
وصل الوفد إلى أبي بكر، وكان عمر بن الخطاب عنده، فقالوا له: أما أنت فقد برئت ذمتك منا، أما أنت يا عمر فلا نراك إلا قاطعًا.
فقال عمر: والله ما فعلت ذلك إلا عدلاً، وإني لأُفَضِّلُ من هو أفضل منكم.
فلم يكن من سهيل بن عمرو إلا أن قال يخاطب أهل المجلس كله بما فيه من المهاجرين والأنصار: فإن قلتم إنما فَضَلْتُمُونا بالجهاد في سبيل الله، فوالله لنستكثرنَّ منه (أي من الجهاد)، وأشهدكم أني حبيسٌ في سبيل الله، ووالله لأقفنَّ مكان كل موقف وقفته على حرب رسول الله موقفين على أعداء الله، ولأنفقن مكان كل نفقة أنفقتها على حرب رسول الله، نفقتين في سبيل الله، وهي منتهى الحكمة من هذا الصحابي الجليل ، إذ إنه يعلم أن المهاجرين والأنصار يفضلون أهل مكة في كل شيء، في الصلاة والصيام والزكاة والذكر والطاعة، ويفضلونهم في الجهاد، ولكنه يعلم أن هذا الجهاد هو الذي رفع درجتهم عاليًا, وخَصَّ الجهاد؛ لأنه ذروة سنام الإسلام.
ومن حكمته أنه وجه حميته توجيهًا صحيحًا، فلم ينطلق للتحدي، أو الانتصار لنفسه، ولكنه قال إنه سينافسهم فيما فضلوه فيه، ونأخذ من حديثه أيضًا المسارعة في الخيرات، وأنه إذا حدثتك نفسك بخير، فلا تؤخر ذلك الخير، فها هو سهيل يتمنى لو كان قد أسلم مع المهاجرين منذ البداية، ولكن هيهات!!... والله يقول: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [الحديد: 21]، ويقول في صفة أهل الإيمان: {كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} [الأنبياء: 90], ويقول: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاَّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد: 10], فمن ينفق في وقت الضعف والحصار، أعظم ممن ينفق في وقت العز والتمكين، وكذلك من يجاهد في حالة الضعف أعظم ممن يجاهد بعد أن استقرت الأمور وأصبح الإسلام قويًّا..
(ولا شك أن سهيل بن عمرو يتذكر الآن ما حدث بينه وبين رسول الله، حينما كان يحارب رسول الله في صفوف المشركين، فسهيل هو الذي وقف لرسول الله في صلح الحديبية، وكان يعترض على ما يكتبه الرسول في ورقة الصلح، فقال له: اكتب (من محمد بن عبد الله، لو كنت رسول الله ما كتبنا هذه المعاهدة)، وهو الآن يندم على موقفٍ كهذا..
وهذا إشارة لنا ألا نؤخر خيرًا قط راودتنا به أنفسنا، ونذكر موقف المخلفين الثلاثة في غزوة تبوك، وكيف أن نياتهم كانت للخروج في سبيل الله، ولكنهم أخروا الخروج يومًا بعد يوم، حتى تغلب عليهم الشيطان، ولم يخرجوا للجهاد في سبيل الله.
بعد أن خرج سهيل بن عمرو، وسادات قريش معه من عند أبي بكر الصديق، يلتفت سهيل إليهم، ويقول: "لا تجزعوا مما ترون، فإنهم دُعُوا ودُعِينا؛ فأجابوا وأبطأنا، ولو ترون فضائل من سبقكم إلى الإسلام عند الله عليكم، ما نفعكم عَيْشٌ، وما من أعمال عند الله أفضل من الجهاد في سبيل الله، فانطلقوا حتى تكونوا بين المسلمين وبين عدوهم، فتجاهدوهم دونهم حتى تموتوا (يلفت أنظارهم إلى أنهم يجب أن يكونوا في مقدمة جيش المسلمين، وأن يقاتلوا ليس للنصر، وإنما للشهادة في سبيل الله) فعَلَّنا أن نبلغ بذلك فضل المجاهدين".
وهكذا بكل حكمة، ورغبة في الخير، يريد سهيل أن يقدم لله ورسوله كل ما يستطيع، آملاً أن يحصل على أجر، وثواب من الله، ربما يوازي ثواب المهاجرين الذين سبقوه إلى الإسلام.
عمرو بن العاص أمير على المدد:
بعد أن وافق الصديق على خروج سادات قريش للجهاد في سبيل الله، أخذ يفكر فيمن يضعه أميرًا عليهم، وكلهم سادات وأمراء، وكان من حكمته ، أنه لم يؤمر عليهم إلا سيدًا شريفًا مثلهم، حتى لا يوغر صدورهم، فهم حديثو عهدٍ بالإسلام، ومتوجهون للجهاد في سبيل الله، وأمامهم معركة شديدة مع الروم، فيجب أن تكون أنفسهم راضية تمامًا بمن سيؤمر عليهم، حتى يسمعوا له ويطيعوا.
فوفقه الله لاختيار عمرو بن العاص ، وهو من أشراف العرب، وحكمائهم، ومن أفضل المقاتلين في الجاهلية والإسلام، أسلم عام 7هـ، بعد فتح خيبر، لم يمض على إسلامه أكثر من 6 سنوات، ولكن حسُنَ إسلامه، حتى إن رسول الله أَمَّره على غزوة ذات السلاسل، وكان في جيشه –آنذاك- أبو عبيدة .
وكان رسول الله قد بعثه جابيًا لصدقات المسلمين من قبائل قضاعة شمال الجزيرة العربية قبل وفاته، واستدعاه أبو بكر في حروب الرِّدَّة، وأمره على الجيش الخامس لمقاتلة مرتدي قضاعة، ولم يحدث قتال، فأعاده بعد الحرب إلى جمع الصدقات منهم.
فأرسل الصديق خطابًا له يطلب منه المجيء لكي يقود الجيوش الإسلامية الخارجة من مكة، فقال له: "إني كنت قد رددتك إلى العمل الذي كان رسول الله ولاَّكه مرة، وقد أحببت -أبا عبد الله- أن أفرغك لما هو خير لك في حياتك ومعادك، إلا أن يكون الذي أنت فيه أحب إليك", نلحظ في هذا الخطاب التأدب مع رسول الله ، في هذا الخطاب يقول أن رسول الله كان قد ولاه هذا الأمر، فهو يستحيي أن يعزله منه، ويوليه في أمر آخر -حتى وإن كان هذا الأمر أفضل منه- دون استئذانه، مع أن هذا الأمر من رسول الله ليس أمرًا تشريعيًّا، ولكنه أمر يتغير بتغير الأحوال، واختلاف الأمراء، لكن الصديق في أدب مع رسول الله، يستأذن عمْرًا في أن يستجيب لطلبه، ويخاطبه بكنيته (أبو عبد الله) فيناديه بأحب الأسماء إليه، ويقول له: (إلا أن يكون ما أنت فيه أحب إليك)..
وهذا من ذكاء الصديق ، وهو يعلم أنه بهذه المقولة، من الصعب جدًّا على عمرو أن يرفض طلبه، وهذا ما حدث من ابن العاص ، إذ سَرْعَان ما اختار الجهاد في سبيل الله، وأرسل للصديق يقول له: "إني سهم من سهام الإسلام، وإنك بعد الله الرامي بها والجامع لها، فانظر أشدها وأخشاها وأفضلها فارم به شيئًا إن جاءك من ناحية من النواحي", وجاء إلى المدينة في جيش من قضاعة، على الرغم من أن الصديق لم يطلب منه ذلك، إلا أنه شعر أن من مسئولياته الدعوة إلى الجهاد في سبيل الله..
(في غزوة ذات السلاسل كان عمرو قد أُمِّرَ على المسلمين، وعندما وصل إلى ذات السلاسل وجد أن عدد المشركين في ذلك الوقت كبير، فطلب المدد من رسول الله ، فأرسل له الرسول مع أبي عبيدة مددًا، وقال له إذا أتيت عمرو بن العاص فلا تختلفا، ولكنه لم يحدد له من الذي سيقود الجيش، فلما جاءه أبو عبيدة، قال له عمرو: جئتني مددًا، ولم يجعله أمير الجيوش، فلم يكن من أبي عبيدة إلا أن قال له: أمرني رسول الله ألا نختلف، ولئن عصيتني لأطيعنك، ودخل تحت إمرة عمرو في تلك الغزوة).
وهنا لا شك أن الصديق يذكر ذلك الموقف، وكذلك عمرًا، وأبو عبيدة هو أمير الجيوش في الشام، فمن الممكن أن يتكرر الموقف مرة أخرى، يقول أبو بكر: يا عمرو؛ هؤلاء أشراف قومك يخرجون مجاهدين في سبيل الله، بائعين أنفسهم لله، فاخرج فعَسْكِرْ حتى أندب الناس معك، فقال عمرو: يا خليفة رسول الله ألستُ أنا الوالي على الناس؟ قال: بلى، أنت الوالي على من أبعثه معك من هاهنا؛ فقال: بل على من أُقْدِمُ عليه من المسلمين؛ فقال أبو بكر: لا، ولكن أحد الأمراء فإن جمعتكم حرب فأبو عبيدة أميركم؛ فسكت عمرو, وكلنا نعلم منزلة أبي عبيدة في الإسلام، وعند أبي بكر..
(ولكن لماذا ولىَّ أبو بكر أبا عبيدة على الجيوش الإسلامية الأربعة، ولا يولي عمرًا، مع أن عمرًا أحكم في القتال من أبي عبيدة وأقدر وأعلم بالحرب؟ فأبو عبيدة من المقاتلين المهرة، ولكن حكمة ودراية ابن العاص تفوقه، ولا شك!).
-
مشرفة منتدى التاريخ
رقم العضوية : 2403
تاريخ التسجيل : 10 - 7 - 2010
الدين : الإسلام
الجنـس : أنثى
المشاركات : 1,551
- شكراً و أعجبني للمشاركة
- شكراً
- مرة 17
- مشكور
- مرة 5
- اعجبه
- مرة 26
- مُعجبه
- مرة 7
التقييم : 12
البلد : مصر الاسلامية
معدل تقييم المستوى
: 16
بارك الله فيكم
من اى كتاب ؟؟ او موقع يعنى
إذا اشتملتْ على اليأس القلوبُ وَضَاْقَ بِمَا بِهِ الصَّدْرُ الرَّحِيْبُ
و أوطنت المكارهُ واستقرت وَأَرْسَتْ فِي أَمَاكِنِهَا الخُطُوْبُ
و لم ترَ لانكشاف الضرِّ وجهاً و لا أغنى بحيلته الأريبُ
أتاكَ على قنوطٍ منك غوثُ يمنُّ به اللطيفُ المستجيبُ
و كلُّ الحادثاتِ اذا تناهتْ فَمَوْصُولٌ بِهَا فَرَجٌ قَرْيَبُ
-
سرايا الملتقى
رقم العضوية : 4248
تاريخ التسجيل : 15 - 6 - 2011
الدين : الإسلام
الجنـس : ذكر
العمر: 42
المشاركات : 1,333
- شكراً و أعجبني للمشاركة
- شكراً
- مرة 2
- مشكور
- مرة 5
- اعجبه
- مرة 37
- مُعجبه
- مرة 8
التقييم : 11
البلد : مصر - الاسكندرية
معدل تقييم المستوى
: 15
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سوفانا
بارك الله فيكم
من اى كتاب ؟؟ او موقع يعنى
انه من موقع قصة الاسلام للدكتور راغب السرجاني وكنت سأضع الرابط بنهاية الموضوع ( علشان مفيش حد يسبق الأحداث والناس كلها تستنى الموضوع :) ) بس بما أنك مستعجله أمري لله والرابط أهه
http://islamstory.com/ar/taxonomy/term/91
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سوفانا
(ولكن لماذا ولىَّ أبو بكر أبا عبيدة على الجيوش الإسلامية الأربعة، ولا يولي عمرًا، مع أن عمرًا أحكم في القتال من أبي عبيدة وأقدر وأعلم بالحرب؟ فأبو عبيدة من المقاتلين المهرة، ولكن حكمة ودراية ابن العاص تفوقه، ولا شك!).هل هذا سؤال نجاوب عنه ؟؟لان الرسول صل الله عليه وسلم قد امر ابو عبيدة على ابى بكر وعمر ..رضي الله عنهم لما ارسلهم مددا لعمرو بن العاص فى احد المعارك ولقربه من الرسول صل الله عليه وسلم وكذلك لانه من المبشرين بالجنة ..!!؟؟ صح ؟
هو سؤال يسأله الكاتب للقارئ للبحث عن الإجابة والبحث عن شخصيات هذا السؤال ... ونعم إجابتك صحيحه ( على حد علمي أنا أيضا لانها تعتبر نفس إجابتي )
-
مشرفة منتدى التاريخ
رقم العضوية : 2403
تاريخ التسجيل : 10 - 7 - 2010
الدين : الإسلام
الجنـس : أنثى
المشاركات : 1,551
- شكراً و أعجبني للمشاركة
- شكراً
- مرة 17
- مشكور
- مرة 5
- اعجبه
- مرة 26
- مُعجبه
- مرة 7
التقييم : 12
البلد : مصر الاسلامية
معدل تقييم المستوى
: 16
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ABO FARES
انه من موقع قصة الاسلام للدكتور راغب السرجاني وكنت سأضع الرابط بنهاية الموضوع ( علشان مفيش حد يسبق الأحداث والناس كلها تستنى الموضوع :) ) بس بما أنك مستعجله أمري لله والرابط أهه
http://islamstory.com/ar/taxonomy/term/91
لا لا انا كنت عاوزة اعرف اسم الكاتب او المؤلف عشان طريقته لا تدل انه من المعاصرين
وطلع فعلا من كبار المؤرخين القدامى
بارك الله فيك لعى النقل الطيب
إذا اشتملتْ على اليأس القلوبُ وَضَاْقَ بِمَا بِهِ الصَّدْرُ الرَّحِيْبُ
و أوطنت المكارهُ واستقرت وَأَرْسَتْ فِي أَمَاكِنِهَا الخُطُوْبُ
و لم ترَ لانكشاف الضرِّ وجهاً و لا أغنى بحيلته الأريبُ
أتاكَ على قنوطٍ منك غوثُ يمنُّ به اللطيفُ المستجيبُ
و كلُّ الحادثاتِ اذا تناهتْ فَمَوْصُولٌ بِهَا فَرَجٌ قَرْيَبُ
-
سرايا الملتقى
رقم العضوية : 4248
تاريخ التسجيل : 15 - 6 - 2011
الدين : الإسلام
الجنـس : ذكر
العمر: 42
المشاركات : 1,333
- شكراً و أعجبني للمشاركة
- شكراً
- مرة 2
- مشكور
- مرة 5
- اعجبه
- مرة 37
- مُعجبه
- مرة 8
التقييم : 11
البلد : مصر - الاسكندرية
معدل تقييم المستوى
: 15
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سوفانا
لا لا انا كنت عاوزة اعرف اسم الكاتب او المؤلف عشان طريقته لا تدل انه من المعاصرين
وطلع فعلا من كبار المؤرخين القدامى
بارك الله فيك لعى النقل الطيب
وبارك الله فيكي على المتابعة
وهذا رابط للتعريف بالدكتور راغب السرجاني لمن لا يعرفه
http://islamstory.com/node/2917
|
|
المفضلات