لماذا لم يغفر ليهوذا
كلما توغلنا أكثر وأكثر في شرح قساوسة المسيحية وعلمائهم لمسائل عقيدتهم التي تتعلق بالصلب والفداء , كلما ظهر لنا مدى تخبطهم وتناقضهم , وكلما شعرنا بنعمة الإسلام التي أنعم الله تعالى بها علينا.
وعلى الرغم من زعمهم بأن المسيح عليه السلام قد جاء خصيصاً لفداء البشر والتكفير عن خطاياهم من خلال قتله على الصليب , إلا أنهم يعتقدون أن يهوذا الإسخريوطي الذي عاون في إتمام عملية الكفارة والفداء وخلاص البشر من الخطية المورورثة بإبلاغه الرومان عن شخص المسيح عليه السلام هو خائن ولا يستحق الغفران !!!!
فالغريب أنه لولا وشاية يهوذا الإسخريوطي عن شخص المسيح لما تم تقديمه للصلب , ولما تم تكفير خطايا البشر وفقاً لزعم النصارى , ولظلوا حتى هذه اللحظة حاملين للخطيئة الجدية الموروثة عن أبيهم آدم وفقاً لزعمهم !!!!!
والأكثر غرابة أن المسيح نفسه وفقاً لروايات الأناجيل كان يسعى جاهداً للهرب من اليهود وجنود بيلاطس , ولم يكن وفقاً لروايات الأناجيل ينوي تقديم نفسه طواعية لتحقيق الغرض المزعوم من مجيئه وهو الصلب والفداء .. ولم يكن ليتم هذا بدون تدخل يهوذا الأسخريوطي عندما وشى عن مكان المسيح
وتم بفضله إتمام عملية الصلب والكفارة !!!!!
والأكثر وأكثر غرابة هو أننا نجد أن المسيح – وفقاً لزعمهم – قد غفر للذين قبضوا عليه وعلقوه على الصليب وقتلوه ودفنوه تحت التراب , وفي نفس الوقت لم يغفر ليهوذا الذي وشى عليه لهؤلاء القتلة !!!!!
ورغم هذا وذاك , نجد أن علماء المسيحية وقساوستهم ينظرون ليهوذا نظرة الخائن غير المستحق للغفران , ويقعون في تناقضات صارخة مخزية عندما يحاولون تبرير عدم استحقاقه لغفران مثل بقي البشر .. كيف ذلك ؟؟
فقد قام أحد أتباع الكنيسة القبطية بتوجيه سؤال للأنبا شنودة تحت عنوان: (لماذا لم يغفر ليهوذا) , وأجاب عليه البابا شنودة في كتاب له بعنوان: (أسئلة لاهوتية وعقائدية أ) بالصفحة رقم 110 حيث ورد ما نصه :
سؤال : لماذا لم يغفر الرب ليهوذا مثلما غفر لصالبيه ولبطرس الذي أنكر ؟؟ .. وإن كان يهوذا قد انتحر , ألا يجوز أن نعتبر أنه لم يكن حينذاك متمالكاً لعقله , بحيث يغفر له ضمن الذين لا تقع عليهم مسؤولية بسبب حالتهم العقلية ؟؟
كما أنه أليس الشيطان هوالمحرك ليهوذا ؟؟ .. فلماذا يتحمل الدينونة
ويبدو أن السؤال قد استفز البابا شنودة , ويتضح هذا من الجملة التي بدأ بها جوابه حيث قال :
الجواب : عجيب يا أخي كل هذا الدفاع عن يهوذا , الذي ثبت أنه هلك !!
وقبل أن أدرج إجابة البابا شنودة على الشق الأول من السؤال الذي يتعلق بالاستفسار عن عدم غفران ذنب يهوذا مثل باقي البشر .. أنوه للقارئ الكريم أن البابا شنودة لن يجيب على هذا الشق من السؤال الذي يتعلق بالسبب وإنما سيدرج عدة نصوص من الأناجيل تتعلق بإثبات أن يهوذا لم يغفر له المسيح ولا تتعلق بسبب عدم الغفران .
مع العلم أن السائل لم يكن بحاجة إلى أن يتأكد ما إذا كان يهوذا قد غفر له أم لا , فقد كان يعلم ذلك , وإنما كان يسأل عن السبب ولم يكن يسأل عن الإثبات والدليل.
فأجاب البابا شنودة قائلاً بالنص :
(( فقد قال عنه الرب " ويل لذلك الرجل الذي به يسلم ابن الإنسان , كان خيراً لذلك الرجل لو لم يولد " (مت26 : 24)
وفي مناجاته للآب قال " الذين أعطيتني حفظتهم ولم يهلك منهم أحد , إلا ابن الهلاك ليتم الكتاب " (يو17 : 12)
وفي كلامه مع بيلاطس , قال له " .. لذلك الذي أسلمني إليك له خطية أعظم " (يو19 : 11)
وعندما غسل الرب أرجل تلاميذه , قال لهم " أنتم طاهرون , ولكن ليس كلكم , لأنه عرف مسلمه " (يو:13 : 10-11)
وعندما اختار الآباء الرسل بديلاً ليهوذا , تذكروا ما قيل عنه في سفر المزامير " لتصر داره خراباً , ولا يكون فيها ساكن , وليأخذ وظيفته (أسقفيته) آخر " (أع1 : 20) (مز69 : 25) ))
ونلاحظ مما سبق أن البابا شنودة لم يجب على السؤال ولم يذكر لنا سبب عدم الغفران ليهوذا , وكل الذي فعله هو أنه استشهد بخمسة نصوص من الأناجيل التي تثبت أن المسيح لم يغفر ليهوذا , وأجاب على سؤال آخر غير هذا السؤال وكأن السائل يسأله : ما هي الأدلة على أن يهوذا لم يغفر له ؟؟
وأنا أؤكد للأنبا شنودة أن السائل يعلم جيداً أن يهوذا قد أخطأ عندما وشى بالمسيح , ويعلم كذلك كافة هذه الأدلة التي وردت بشأن عدم الغفران ليهوذا ولم يكن بحاجة إلى أن تذكر له , ولكنه كان يسأل عن سبب عدم الغفران مثل باقي البشر الذين غفر لهم المسيح واقترفوا خطايا أعظم بكثير مما اقترفه يهوذا ولم يندموا مثلما ندم يهوذا .
ثم نجد البابا شنودة يحاول الإجابة على الشق الثالث من السؤال قبل الشق الثاني وهو:
((كما أنه أليس الشيطان هوالمحرك ليهوذا ؟؟ .. فلماذا يتحمل الدينونة ؟؟))
ويجيب البابا شنودة قائلاً:
(( فهذا صحيح , والشيطان كما حرك يهوذا حرك رؤساء الكهنة أيضاً وهو يحرك أعوانه في كل زمان ومكان , وهو الذي حرك حواء في الخطية الأولى))
حتى الآن , ما ذكره البابا شنودة كلام جميل ولا غبار عليه , ولكن مادام الشيطان هو الذي حرك يهوذا كما حرك الكهنة وحواء وأعوانه في كل مكان وزمان .. فلماذا غفر المسيح لكافة هؤلاء واستثنى يهوذا بالذات ؟؟
فيستطرد البابا شنودة حديثه معللاً ذلك الاستثناء ويقول:
(( ولكن كان على يهوذا عدم الخضوع لمشورة الشيطان))
وتعليقاً على الإجابة السابقة:
فيقول البابا شنودة في بداية إجابته: ((ولكن كان على يهوذا عدم الخضوع لمشورة الشيطان))
وأنا أتساءل : هل عدم الخضوع للشيطان كان ينبغي على يهوذا فقط دون غيره من البشر الذين أخطئوا ؟؟
ألم يكن على الكهنة وحواء وكافة الذين أخطئوا من البشر عدم الخضوع للشيطان هم كذلك ؟؟
فلماذا استثنى يهوذا بالذات لأنه خضع للشيطان على الرغم أن كافة البشر الذين أخطئوا خضعوا للشيطان الذي حركهم باعتراف البابا شنودة نفسه عندما قال بالنص : ((والشيطان كما حرك يهوذا حرك رؤساء الكهنة أيضاً , وهو يحرك أعوانه في كل زمان ومكان , وهو الذي حرك حواء في الخطية الأولى)) ؟؟؟؟؟
ثم يستطرد البابا شنودة في إجابته بعدة نصوص من رسائل العهد الجديد تتحدث عن ضرورة مقاومة الشيطان فيقول :
والكتاب يقول: " قاوموا إبليس فيهرب منكم " (يع3 : 7). ويقول أيضاً: " قاوموه راسخين في الإيمان , عالمين أن نفس هذه الآلام تجري على إخوتكم الذين في العالم " (1بط5 : 9).
الشيطان عمله أن يحرك الناس نحو الخطية , ولكن عليهم ألا يستسلموا له , بل يقاوموه بكل قوة , والرسول يوبخ على عدم الجدية في المقاومة فيقول: " لم تقاوموا بعد حتى الدم , مجاهدين ضد الخطية " (عب12 : 4) ))
إنتهت إجابة البابا شنودة
وأنا أتساءل : فهل كانت هذه النصوص التي أدرجها البابا شنودة موجهة ليهوذا الإسخريوطي وحده فقط دون باقي البشر ؟؟
وإذا كانت الإجابة بالنفي .. فلماذا لم يتم غفران خطيئة يهوذا الإسخريوطي فقط وفقاً لها , وتم غفران خطايا غيره ؟؟
في الواقع أيها القارئ الكريم .. فالبابا شنودة حتى هذه اللحظة لم يجب على السؤال.
ثم نجد البابا شنودة وقد عاد وقفز إلى الشق الثاني من السؤال الذي يتعلق بالسؤال عن عدم الغفران ليهوذا وفي نفس الوقت الغفران لبطرس الذي نكر المسيح
فقال بالنص :
(( أما عن المقارنة بإنكار بطرس, فنقول هناك فرق بين خطية الضعف وخطية الخيانة.
بطرس الرسول كان يحب المسيح من كل قلبه , وقد أنكره عن خوف في حالة ضعف وبعدها بكى بكاءً مراً.
وبعدها قال للسيد : " يارب , أنت تعلم كل شيء , أنت تعلم أني أحبك".
أما يهوذا فقد كان خائناً , إذ باع سيده بالمال , وسلمه إلى أيدي أعدائه بنفسية رخيصة , ولم يبال بكل الإنذارات التي وجهها إليه الرب وهي كثيرة))
ونلاحظ هنا أن البابا شنودة قد فرق في إجابته بين خطية الضعف الممثلة في بطرس من جهة , وبين خطية الخيانة الممثلة في يهوذا من جهة أخرى .. واعتبر أن خطية الخيانة لا توازيها أية خطية ولا تستحق الغفران.
وقبل أن أعلق على تبرير البابا شنودة أرجو من الإخوة القراء أن يهيئوا أنفسهم للصدمة التالية :
هذه الصدمة باختصار عبارة عن نص آخر للأنبا شنودة مناقض لما ذكره بالفرق بين خطية الخيانة وخطية الضعف , وذلك في كتاب له غير هذا الكتاب بعنوان: (عشرة مفاهيم) , بالصفحة رقم 43 , بداية من السطر رقم 13 , في موضوع يتحدث عن مفهوم الخطية عندما قال بالنص:
(( هل تظنون أن يهوذا وحده هو الذي خان المسيح ؟!
كلا بل أن كل من يخطئ , يخون المسيح , يخون معموديته وميرونه , ويخون الدم الكريم الذي طهرنا من كل خطية (1يو1 : 7) ))
أي أن البابا شنودة يقرر في كتابه: (عشرة مفاهيم) أنه لا فرق بين أية خطية فكلها خيانة مثلما فعل يهوذا .. وهو يناقض ما ذكره في كتابه: (أسئلة لاهوتية وعقائدية أ) بوجود فرق كبير بين خطية الخيانة .. فأيهما نصدق بالله عليكم يا أخواني القراء ؟؟
فإذا سلمنا بما ذكره البابا شنودة بكتابه الأول بضرورة التفرقة بين خطية الخيانة وأية خطية أخرى:
فلماذا غفر الرب – بزعمهم – للنبي داوود عليه السلام برغم ما ادعاه الكتاب المقدس بسفر صموئيل الثاني عن خيانة داوود لصديقه الحميم وقائد جيوشه أوريا الحثي عندما اغتصب بتشابع زوجته ثم قتله وتزوجها بعد ذلك ؟؟
أليست هذه خيانة كبرى من نبي لأخلص أصدقائه وقائد جيوشه ؟؟
أليست هذه خيانة لا تتوقف عند حد قتله فقط , بل تطرقت إلى حد اغتصاب زوجته ثم زواجه منها بعد قتله أوريا ؟؟
إن هذه الخطية التي اقترفها داوود عليه السلام – بزعم الكتاب المقدس – لهي أشد وأكبر من خطية يهوذا .. فلماذا غفر لداود ولم يغفر ليهوذا ؟؟
وإذا سلمنا بما ذكره البابا شنودة بكتابه الثاني بتساوي كافة الخطايا مع خطية الخيانة ليهوذا :
فلماذا غفر لكافة البشر ولم يغفر ليهوذا بالذات ؟؟
ألا يعتبر هذا ظلم ليهوذا ؟؟
ثم يستطرد البابا شنودة في رده على السؤال محاولاً تبرير عدم استحقاق يهوذا للغفران فيقول :
(( فعل هذا وكان واحداً من تلاميذه , وفي موقع المسؤولية))
وأنا أتساءل: ألم يكن كافة الأنبياء الذين أخطئوا - وفقاً لمزاعم الكتاب المقدس – في موقع المسؤولية هم أيضاً ؟؟
بل كانوا أكثر مسؤولية من يهوذا حيث أن يهوذا لم يكن في النهاية إلا مجرد واحداً من تلامذة المسيح في حين أن أولئك الأنبياء كانوا رسل محملين برسالة من عند ربهم ومرسلين إلى قومهم لهدايتهم , وكان يتحتم عليهم أن يكونوا قدوة لهم.
ألم تكن أخطاؤهم - وفقاً لمزاعم الكتاب المقدس – أكثر فداحة و جرماً من جريمة يهوذا ؟؟
ألم يكن من الأولى أن يتم عقابهم قبل أن يتم معاقبة يهوذا ؟؟
والمثير للدهشة أن البابا شنودة قد ذكر في نهاية إجابته على هذا السؤال (والذي لم يجب عليه) ما نصه :
(( ولمزيد من الشرح يمكن أن تقرأ كتابنا : (الخلاص في المفهوم الأرثوذكسي) ))
وأعتقد أن البابا شنودة كان يتحتم عليه أن يضيف: (( ولكن إياك أن تقرأ كتابنا: (عشرة مفاهيم) حتى لا تكتشف التناقض))
منقول
glh`h gl dytv gdi,`h
المفضلات