459 " الخلافة ثلاثون سنة , ثم تكون بعد ذلك ملكا " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 742 :

أخرجه أبو داود ( 4646 , 4647 ) و الترمذي ( 2 / 35 ) و الطحاوي في " مشكل
الآثار " ( 4 / 313 ) و ابن حبان في " صحيحه " ( 1534 , 1535 - موارد ) و ابن
أبي عاصم في " السنة " ( ق 114 / 2 ) و الحاكم ( 3 / 71 , 145 ) و أحمد في
" المسند " ( 5 / 220 , 221 ) و الروياني في " مسنده " ( 25 / 136 / 1 )
و أبو يعلى الموصلي في " المفاريد " ( 3 / 15 / 2 ) و أبو حفص الصيرفي في
" حديثه " ( ق 261 / 1 ) و خيثمة بن سليمان في " فضائل الصحابة " ( 3 / 108 -
109 ) و الطبراني في " المعجم الكبير " ( 1 / 8 / 1 ) و أبو نعيم في " فضائل
الصحابة " ( 2 / 261 / 2 ) و البيهقي في " دلائل النبوة " ( ج 2 ) من طرق عن
سعيد بن جمهان عن # سفينة أبي عبد الرحمن مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم #
قال : فذكره مرفوعا .

و لفظ أبي داود :
" خلافة النبوة ثلاثون سنة , ثم يؤتي الله الملك أو ملكه من يشاء " .
و زاد هو و الترمذي و ابن أبي عاصم و أحمد و غيرهم :
" قال سفينة : أمسك خلافة أبي بكر رضي الله عنه سنتين , و خلافة عمر رضي الله
عنه عشر سنين , و خلافة عثمان رضي الله عنه اثني عشر سنة , و خلافة على رضي
الله عنه ست سنين " .

و زاد الترمذي :
" قال سعيد : فقلت له : إن بنى أمية يزعمون أن الخلافة فيهم , قال : كذبوا بنو
الزرقاء , بل هم ملوك من شر الملوك " .

قلت : و هذه الزيادة تفرد بها حشرج بن نباتة عن سعيد بن جمهان , فهي ضعيفة لأن
حشرجا هذا فيه ضعف , أورده الذهبي في " الضعفاء " و قال :
" قال النسائي : ليس بالقوي " .
و قال الحافظ في " التقريب " : " صدوق يهم " .

قلت : و أما أصل الحديث فثابت .
قال الترمذي : " و هذا حديث حسن , قد رواه غير واحد عن سعيد بن جمهان , و لا
نعرفه إلا من حديث سعيد بن جمهان " .
و قال ابن أبي عاصم : " حديث ثابت من جهة النقل , سعيد بن جمهان روى عنه حماد
بن سلمة و العوام بن حوشب و حشرج " .

قلت : و قد وثقه جماعة من الأئمة منهم أحمد و ابن معين و أبو داود .
و قال الحافظ في " التقريب " : " صدوق له أفراد " :

قلت : و لذلك قوي حديثه هذا من سبق ذكره , و منهم الحاكم صحح إسناده هنا , كما
صححه في حديث آخر ( 3 / 606 ) قرنه أحمد بهذا الحديث , و وافقه الذهبي . و أشار
إلى مثل هذا التصحيح الحافظ في " الفتح " ( 13 / 182 ) فقال موافقا :
" و صححه ابن حبان و غيره " .
و احتج به الإمام ابن جرير الطبري في جزئه في " الاعتقاد " ( ص 7 ) .
و صححه شيخ الإسلام ابن تيمية في " قاعدة " له في هذا الحديث محفوظة في المكتبة
الظاهرية بخطه في " مسودته " ( ق 81 / 2 - 84 / 2 ) قال في مطلعها :
" و هو حديث مشهور من رواية حماد بن سلمة و عبد الوارث بن سعيد و العوام ابن
حوشب عن سعيد بن جمهان عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم , رواه أهل
السنن كأبي داود و غيره , و اعتمد عليه الإمام أحمد و غيره في تقرير خلافة
الخلفاء الراشدين الأربعة , و ثبته أحمد , و استدل به على من توقف في خلافة على
من أجل افتراق الناس عليه , حتى قال أحمد : " من لم يربع بعلى في الخلافة فهو
أضل من حمار أهله " . و نهى عن مناكحته , و هو متفق عليه بين الفقهاء , و علماء
السنة .... و وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كانت في شهر ربيع الأول سنة إحدى
عشرة هجرية , و إلى عام ثلاثين سنة كان إصلاح ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم
الحسن بن على السيد بين فئتين من المؤمنين بنزوله عن الأمر عام واحد و أربعين
في شهر جمادى الآخرة , و سمي عام الجماعة لاجتماع الناس على معاوية , و هو أول
الملوك , و في الحديث الذي رواه مسلم : " سيكون خلافة نبوة و رحمة , ثم يكون
ملك و رحمة , ثم يكون ملك و جبرية , ثم يكون ملك عضوض " ... " .

و قد وجدت للحديثين شاهدين :

الأول : عن أبي بكرة الثقفي .
أخرجه البيهقي في " الدلائل " من طريق على بن زيد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن
أبيه به نحوه .

و الآخر : عن جابر بن عبد الله الأنصاري .
أخرجه الواحدى في " الوسيط " ( 3 / 126 / 2 ) عن شافع بن محمد حدثنا ابن الوشاء
بن إسماعيل البغدادي : حدثنا محمد بن الصباح حدثنا هشيم بن بشير عن أبي الزبير
عنه به نحوه .

و في الأول علي بن زيد و هو ابن جدعان و هو ضعيف الحفظ , فهو صالح للاستشهاد به
.
و في الآخر شافع بن محمد حدثنا ابن الوشاء بن إسماعيل البغدادي , و لم أعرفهما
و لعل في النسخة تحريفا .

و جملة القول أن الحديث حسن من طريق سعيد بن جمهان , صحيح بهذين الشاهدين ,
لاسيما و قد قواه من سبق ذكرهم , و هاك أسماءهم :
1 - الإمام أحمد
2 - الترمذي
3 - ابن جرير الطبري
4 - ابن أبي عاصم
5 - ابن حبان
6 - الحاكم
7 - ابن تيمية
8 - الذهبي
9 - العسقلاني

أقول : لقد أفضت في بيان صحة هذا الحديث على النهج العلمي الصحيح و ذكر من صححه
من أهل العلم العارفين به , لأني رأيت بعض المتأخرين ممن ليس له قدم راسخة فيه
ذهب إلى تضعيفه , منهم ابن خلدون المؤرخ الشهير , فقال في " تاريخه " ( 2 / 458
طبع فاس بتعليق شكيب أرسلان ) ما نصه :
" و قد كان ينبغي أن نلحق دولة معاوية و أخباره بدول الخلفاء و أخبارهم , فهو
تاليهم في الفضل و العدالة و الصحبة , و لا ينظر في ذلك إلى حديث ( الخلافة
ثلاثون سنة ) فإنه لم يصح , و الحقيقة أن معاوية في عداد الخلفاء ... " .
و تبعه على ذلك العلامة أبو بكر بن العربي , فقال في " العواصم من القواصم "
( ص 201 ) :
" و هذا حديث لا يصح " !
هكذا أطلق الكلام في تضعيفه , دون أن يذكر علته , و ليس ذلك من الأسلوب العلمي
في شيء , لاسيما و قد صححه من عرفت من أهل العلم قبله , و لقد حاول صديقنا
الأستاذ محب الدين الخطيب أن يتدارك الأمر ببيان العلة فجاء بشيء لو كان كما
ذكره , لوافقناه على التضعيف المذكور , فقال في تعليقه عليه :
" لأن راويه عن سفينة سعيد بن جمهان ( الأصل : جهمان ) . و قد اختلفوا فيه ,
قال بعضهم لا بأس به . و وثقه بعضهم , و قال فيه الإمام أبو حاتم : " شيخ لا
يحتج به " .
و في سنده حشرج بن نباته الواسطي وثقه بعضهم . و قال فيه النسائي : ليس بالقوي
و عبد الله بن أحمد بن حنبل يروى هذا الخبر عن سويد الطحان قال فيه الحافظ ابن
حجر في " تقريب التهذيب " : لين الحديث " .

قلت : فقد أعله بثلاث علل , فنحن نجيب عنها بما يكشف لك الحقيقة إن شاء الله
تعالى :

الأولى : الاختلاف في سعيد بن جمهان . و الجواب أنه ليس كل اختلاف في الراوي
يضر , بل لابد من النظر و الترجيح , و قد ذكرنا فيما تقدم أسماء بعض الأئمة
الذين وثقوه و هم أحمد و ابن معين و أبو داود , و يضاف إليهم هنا ابن حبان فإنه
ذكره في " الثقات " و النسائي فإنه هو الذي قال : " ليس به بأس " .
و عارض هؤلاء قول البخاري : " في حديثه عجائب " .
و قول الساجى : " لا يتابع على حديثه " .

قلت : فهذا جرح مبهم غير مفسر , فلا يصح الأخذ به في مقابلة توثيق من وثقه كما
هو مقرر في " المصطلح " , زد على ذلك أن الموثقين جمع , و يزداد عددهم إذا ضم
إليهم من صحح حديثه , باعتبار أن التصحيح يستلزم التوثيق كما هو ظاهر .
و أيضا فإن ابن جمهان لم يتفرد بهذا الحديث , فقد ذكرنا له شاهدين كما سبق .

الثانية : أن في سنده حشرج بن نباتة ...

و أقول : هذا يوهم أنه تفرد به , و ليس كذلك , فقد تابعه جماعة من الثقات كما
سبقت الإشارة إلى ذلك في مطلع هذا التخريج و تقدم ذكرهم من قبل ابن تيمية رحمه
الله , و هم حماد بن سلمة و عبد الوارث ابن سعيد و العوام بن حوشب , ثلاثتهم قد
وافق حشرجا على أصل الحديث , فلا يجوز إعلال الحديث به , كما لا يخفى على
المبتدىء في هذا العلم , فضلا عن المبرز فيه . و لعل الأستاذ الخطيب لم يتنبه
لهذه المتابعات القوية ظنا منه أن الترمذي ما دام أنه رواه من طريق حشرج فكذلك
رواه الآخرون , و لكن كيف خفي عليه قول الترمذي عقب الحديث كما تقدم نقله عنه :
" و قد رواه غير واحد عن سعيد بن جمهان " ? !

الثالثة : أن عبد الله بن أحمد رواه من طريق سويد الطحان و هو لين الحديث .

فأقول : ذلك مما لا يضر الحديث إطلاقا , لأن من سبق عزو الحديث إليهم وهم جم
غفير قد رووه من طرق كثيرة و صحيحة عن سعيد بن جمهان , ليس فيها سويد هذا ! فهل
يضر الثقات أن يشاركهم في الرواية أحد الضعفاء ? !
فقد تبين بوضوح سلامة الحديث من علة قادحة في سنده , و أنه صحيح محتج به .
و بالله التوفيق .

و قد أعله الأستاذ الخطيب أيضا بعلة أخرى في متنه فقال :
" و هذا الحديث المهلهل يعارضه ذلك الحديث الصحيح الصريح الفصيح في كتاب
" الإمارة " من " صحيح مسلم " ... عن جابر بن سمرة قال :
" دخلت مع أبي على النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول : إن هذا الأمر لا
ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة ... كلهم من قريش " . و هذه المعارضة
مردودة , لأن من القواعد المقررة في علم المصطلح أنه لا يجوز رد الحديث الصحيح
بمعارضته لما هو أصح منه , بل يجب الجمع و التوفيق بينهما , و هذا ما صنعه أهل
العلم هنا , فقد أشار الحافظ في " الفتح " ( 13 / 182 ) نقلا عن القاضي عياض
إلى المعارضة المذكورة ثم أجاب أنه أراد في " حديث سفينة خلافة النبوة و لم
يقيد في حديث جابر بن سمرة بذلك " .

قلت : و هذا الجمع قوي جدا , و يؤيده لفظ أبي داود :
" خلافة النبوة ثلاثون سنة ... " .
فلا ينافي مجىء خلفاء آخرين من بعدهم لأنهم ليسوا خلفاء النبوة , فهؤلاء هم
المعنيون في الحديث لا غيرهم , كما هو واضح .
و يزيده وضوحا قول شيخ الإسلام في رسالته السابقة :
" و يجوز تسمية من بعد الخلفاء الراشدين خلفاء و إن كانوا ملوكا , و لم يكونوا
خلفاء الأنبياء بدليل ما رواه البخاري و مسلم في " صحيحيهما " عن أبي هريرة رضي
الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء , كلما هلك نبي خلفه نبي , و إنه لا نبي
بعدي , و ستكون خلفاء فتكثر , قالوا : فما تأمرنا ? قال : فوا ببيعة الأول
فالأول , و أعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم " .
فقوله : " فتكثر " دليل على من سوى الراشدين فإنهم لم يكونوا كثيرا .
و أيضا قوله " فوا ببيعة الأول فالأول " دل على أنهم يختلفون , " و الراشدون لم
يختلفوا " .