480 " هو الطهور ماؤه , الحل ميتته " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 786 :

أخرجه مالك ( 1 / 44 ـ 45 ) عن صفوان بن سليم عن سعيد بن سلمة من آل بني الأزرق
عن المغيرة بن أبي بردة و هو من بني عبد الدار أنه سمع # أبا هريرة # يقول :
" جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقال : يا رسول الله إنا نركب
البحر , و نحمل معنا القليل من الماء , فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ به ? فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره .

و من طريق مالك أخرجه أصحاب السنن و غيرهم و صححه الترمذي و جماعة من المتقدمين
و المتأخرين ذكرت أسماءهم في " صحيح أبي داود " ( 76 ) .

و هذا إسناد رجاله ثقات غير سعيد بن سلمة , و قد ادعى بعضهم أنه مجهول لم يرو
عنه غير صفوان , و مع ذلك وثقه النسائي و ابن حبان , لكن قيل : إنه روى عنه
أيضا الجلاح أبو كثير , و فيه نظر عندي يأتي بيانه .

قال الحافظ في " التلخيص " ( 1 / 10 ) :
" و أما سعيد بن سلمة , فقد تابع صفوان بن سليم على روايته له عند الجلاح
أبو كثير , رواه عنه الليث بن سعيد , و عمرو بن الحارث و غيرهما , و من طريق
الليث رواه أحمد و الحاكم و البيهقي عنه " .

قلت : يعني أن الجلاح هذا رواه أيضا عن سعيد بن سلمة , فيكون له راويان صفوان
و الجلاح .
و حينئذ فعزو هذه المتابعة لأحمد فيه نظر , لأن السند عنده ( 2 / 378 ) هكذا :
" حدثنا قتيبة بن سعيد عن ليث عن الجلاح أبي كثير عن المغيرة بن أبي بردة عن
أبي هريرة ... " .
فالجلاح في هذا السياق متابع لسعيد بن سلمة , لا لصفوان كما أدعى الحافظ
رحمه الله , نعم إنما تصح دعواه بالنظر إلى سياق الحاكم لإسناده ( 1 / 141 )
و عنه تلقاه البيهقي ( 1 / 3 ) , رواه من طريق عبيد بن عبد الواحد بن شريك
حدثنا يحيى بن بكير : حدثني الليث عن يزيد بن أبي حبيب حدثني الجلاح ( أبو )
كثير أن ابن سلمة المخزومي حدثه أن المغيرة بن أبي بردة أخبره به .

فهذا السياق مخالف لسياق أحمد في موضعين :

الأول : أنه أدخل بين الليث و الجلاح يزيد بن أبي حبيب , و الأول أسقطه من
بينهما .

و الآخر : أنه أدخل بين الجلاح و بين المغيرة بن سلمة المخزومي و هو سعيد ابن
سلمة , و الآخر أسقطه .

و هذا الاختلاف كما يبدو لأول وهلة إنما هو بين قتيبة بن سعيد و يحيى بن بكير ,
و لو ثبتت هذه المخالفة عن يحيى لكانت مرجوحة لأنه دون قتيبة في الحفظ و الضبط
فقد أطلق النسائي فيه الضعف , و تكلم فيه غيره , لكن قال ابن عدي :
هو أثبت الناس في الليث . و هذا القول اعتمده الحافظ في " التقريب " فقال :
" ثقة في الليث " . و قال في قتيبة : " ثقة ثبت " .

و إذا تبين الفرق بين الرجلين , فالنفس تطمئن لرواية قتيبة المتفق على ثقته
و ضبطه , أكثر من رواية يحيى بن بكير المختلف فيه , و لو أن عبارة ابن عدي تعطي
بإطلاقها ترجيح روايته عن الليث خاصة على رواية غيره عنه .

و مع ذلك فإن في ثبوت هذا السياق عن يحيى نظر , لأن الراوي عنه عبيد ابن
عبد الواحد بن شريك فيه كلام أيضا . و إليك ما جاء في ترجمته عند الخطيب في
" تاريخ بغداد " ( 11 / 99 ) :
" قال الدارقطني : صدوق . و قال أبو مزاحم موسى بن عبيد الله : كان أحد الثقات
و لم أكتب عنه في تغيره شيئا . و قال ابن المنادي ( يعني في تاريخه ) :
أكثر الناس عنه , ثم أصابه أذى فغيره في آخر أيامه , و كان على ذلك صدوقا .
و قال الخطبي : لم أكتب عنه شيئا " .

و يتلخص مما سبق أن سياق أحمد عن الليث عن الجلاح أبي كثير عن المغيرة ابن أبي
بردة عن أبي هريرة , هو الصحيح عن الليث و الجلاح .

و إذا تبين هذا , فالسند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير المغيرة و هو ثقة
كما قال النسائي , و ذكره ابن حبان في " الثقات " ( 1 / 218 - 219 ) و روى عنه
جماعة .

و لتمام الفائدة يحسن أن أسوق الآن لفظ هذا الإسناد فإنه أتم , قال أبو هريرة
رضي الله عنه :
" أن ناسا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : إنا نبعد في البحر , و لا
نحمل من الماء إلا الإداوة و الإداوتين , لأنا لا نجد الصيد حتى نبعد , أفنتوضأ
بماء البحر ? قال : نعم فإنه الحل ميتته , الطهور ماؤه " .

من فقه الحديث :
----------------
و في الحديث فائدة هامة و هي حل كل ما مات في البحر مما كان يحيى فيه , و لو
كان طافيا على الماء , و ما أحسن ما روي عن ابن عمر أنه سئل : آكل ما طفا على
الماء ? قال : إن طافيه ميتته , و قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
إن ماءه طهور , و ميته حل .
رواه الدارقطني ( 538 ) . و حديث النهي عن أكل ما طفا منه على الماء لا يصح كما
هو مبين في موضع آخر .