الباب السابع: رأسماليون من أعضاء الجماعات اليهودية فيالعالم(ما عدا الولايات المتحدة)


الرأسمالية اليهودية
Jewish Capitalism
«الرأسمالية اليهودية» مصطلح يفترضوجود تشكيل رأسمالي يهودي مستقل، وهو أمر مناف للواقع، ولذا فإننا نفضل استخداممصطلح «الرأسماليون الأمريكيون اليهود» أو «الرأسماليون الأمريكيون من اليهود» أو «الرأسماليون من أعضاء الجماعات اليهودية في الولايات المتحدة».

البورجوازية اليهودية
Jewish Bourgeoisie
«البورجوازية» كلمة مأخوذة بالنسب إلى كلمة «بورج» أي «المدينة»، وهي كلمة موجودة في عدة لغاتأوربية. وعبارة «البورجوازية اليهودية» تفترض وجود طبقة بورجوازية مستقلة عنالبورجوازيات المختلفة وهو ما يعني أيضاً وجود «تاريخ يهودي مستقل». وحيث إن أعضاءالجماعات اليهودية في العالم لا يلعبون دوراً مستقلاًّ عن المجتمعات التي يوجدونفيها، فلا يمكن الحديث عن بورجوازية يهودية بشكل عام، وإنما يمكن الحديث عن «اليهودمن أعضاء البورجوازية الإنجليزية» أو «اليهود من أعضاء البورجوازية الأمريكية» وهكذا. ومـع هـذا، فقد لعـب أعضاء الجمـاعات اليهـودية في الغـرب دوراً متـميِّزاًنوعـاً ما فـي نشــوء الرأسمـالية، وهي قضـية ناقشـها كل مـن ماركس وفيبر وسومبارت.

الرأسماليون من أعضاء الجماعات اليهودية
Jewish Capitalists
من المصطلحات الشائعة في الخطاب السياسي العربي والغربي مصطلح «الرأسماليةاليهودية» و«البورجوازية اليهودية» و«رأس المال اليهودي». وهي مصطلحات، شأنها شأنمصطلحات مثل «الشخصية اليهودية» و«القومية اليهودية»، تفترض أن ثمة وجوداًاقتصادياً يهودياً مستقلاًّ عن التشكيلات الاقتصادية المختلفة وتطوُّراً اقتصادياًيهودياً مستقلاً عن التطورات الاقتصادية العامة في المجتمعات التي عاش أعضاءالجماعات اليهودية في كنفها. وهذا افتراض غير دقيق ومقدرته التفسيرية والتصنيفيةضعيفة، ويؤدي في النهاية إلى عدم فهم حركيات التطور والتغيير بين أعضاء تلكالجماعات. ولذا، فإننا نفضل استخدام مصطلح «الرأسماليون الأمريكيون اليهود» أو «الرأسماليون من أعضاء الجماعات اليهودية» أو أي مصطلح مماثل يفيد عدم وجودرأسمالية يهودية مستقلة. فالرأسمالية الأمريكية، على سبيل المثال، تضم رأسماليينأمريكيين لهم انتماءات إثنية مختلفة، فالانتماء الإثني الخاص هو الفرع والجزء،والرأسمالية الأمريكية هي الأصل والكل.
ومما لا شك فيه أن أعضاء الجماعاتاليهودية لعبوا دوراً فعالاً في نشوء وتطوُّر الرأسمالية في العالم الغربي، ولكن لايمكن اعتبارهم مسئولين عن ظهورها. فتطوُّر الرأسمالية في الغرب مرتبط بظواهر لم يكنلليهود أي دور فيها، مثل: حركات الاكتشاف والقرصنة، ثم الاستعمار التجاريالاستيطاني في القرن السادس عشر، والإصلاح الديني، والترشيد والعلمنة. وقد تناولكلٌّ من ماركس وفيبر وسومبارت هذه القضية.

أما من ناحية تطوُّر اليهودكرأسماليين في إطار الحضارة الغربية، فهذا مرتبط بوضعهم كجماعة وظيفية تضطلع بوظائفمالية محددة، فقد كان منهم من اشتغل بالتجارة والربا، وكان منهم من اشتغل بالأعمالالمالية الأخرى، مثل يهود الأرندا ويهود البلاط، ثم كان منهم أخيراً الرأسماليونالمحدثون. وكان أعضاء الجماعة في وظائفهم المختلفة، حتى الانقلاب التجاري، تابعينللحاكم أو الطبقة الحاكمة وليس لهم أي استقلال اقتصادي عن النظم التي وجدوا فيها،فكانوا تابعين لها يعيشون على أطرافها وفي خدمتها. ومما لا شك فيه أن أعضاءالجماعات اليهودية استفادوا من العلاقات الدولية التي نشأت بينهم، فكان يهود البلاطيستوردون الحبوب من يهود الأرندا ويوفرون لبعضهم البعض نظاماً ائتمانياً يسهل عمليةانتقال البضائع والأرباح، ولكنهم مع هذا ظلوا أساساً جزءاً من كل.

ويمكنتقسيم دور بعض أعضاء الجماعات اليهودية كرأسماليين داخل التشكيل الحضاري الغربي،إلى ثلاثة أقسام:

1
ـ الرأسماليون من يهود اليديشية في شرق أوربا، خصوصاًروسيا. وبلغ بعضهم درجات عالية من الثراء وتخصَّصوا في بعض الصناعات والسلع مثلالسكك الحديدية والغلال، كما حدث مع أسرة جونزبرج. ولكنهم كانوا قلة نادرة تعيشخارج منطقة الاستيطان بعيداً عن أية جماهير يهودية وكانت حريصة على الاندماج فيالمجتمع الروسي. أما داخل منطقة الاستيطان ذاتها، فكان يوجد صغار الرأسماليين الذينامتلكوا نحو نصف الصناعات داخل المنطقة. ولم يكن هؤلاء قوة سياسية حقيقية، فقدكانوا يعانون ـ شأنهم شأن بقية قطاعات المجتمع الروسي ـ من التناقض الأساسي فيروسيا القيصرية بين الشكل السياسي المتكلس والوضع الاقتصادي المتطور. وكانوايستأجرون عمالاً من أعضاء الجماعات اليهودية، ولكن كثيراً ما كانت تنشأ الصراعاتالطبقية بين هؤلاء وأولئك فينظم العمال ضدهم الإضرابات، ويحاولون هم استئجار عمالغير يهود.

وقد قامت الثورة البلشفية بالقضاء على الرأسمالية الروسية بما فيذلك الرأسماليون من أعضاء الجماعات اليهودية. ومع هذا، استمر بعض التجار اليهود فيممارسة نشاطهم، بل ازدهروا في فترة النظام الاقتصادي الجديد (نيب)، بل كانت هناكنسبة من اليهود بين تجار السوق السوداء في الستينيات. ولكننا في هذه الحالة لانتحدث عن رأسماليين يمتلكون وسائل الإنتاج وإنما نتحدث عن صغار الانتهازيين وتجارالعملة وما شابه ذلك. وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي، وظهور الاقتصاد الحر في روسياوأوكرانيا وغيرهما من الجمهوريات التي تُوجَد بها جماعات يهودية كبيرة نسبية، نتوقعأن تشتغل أعداد كبيرة منهم في القطاع التجاري والصناعي الاستهلاكي (وهذا هو النمطالسائد في الغرب).

2
ـ في وسط أوربا، خصوصاً ألمانيا، برز كثير من أعضاءالجماعات اليهودية الرأسماليين، وهؤلاء هم ورثة يهود البلاط ولعبوا دوراً مهماً فيتطوُّر الرأسمالية والصناعة الألمانية. وقد تم القضاء على هؤلاء مع استيلاء هتلرعلى الحكم، فهاجرت أعداد كبيرة منهم إلى الولايات المتحدة وفلسطين بما تبقَّى منرؤوس أموالهم وصُودرت أموال الباقين.

3
ـ أما الرأسماليون من أعضاءالجماعات اليهودية في بلاد غرب أوربا والولايات المتحدة، فلهم مكانة مختلفة إذيُلاحَظ أن النُخَب الحاكمة في هذه البلاد، بعد أن ظهرت فيها ثورة تجارية، وبعد أنظهرت فيها طبقة بورجوازية محلية، وجدت أن استيطان الجماعات اليهودية فيها سيـساعدهاعلى تحقيق كثير من طموحـاتها وسـيزودها بكثير من الخدمات. ومن هذا المنظور، تمتوطين اليهود في هولندا وإنجلترا في القرن السابع عشر ثم في العالم الجديد. وقدازدهر الرأسماليون من أعضاء الجماعات اليهودية في هذه البلاد، ولكن نسبتهم ظلتصغيرة كما ظل رأس المال الذي يمتلكونه والصناعات التي يديرونها تتضاءل في الأهميةقياساً إلى المصانع ورؤوس الأموال الضخمة في هذه البلدان. وقد لاحظ كارل ماركس فيالمسألة اليهودية أن أصغر رأسمالي أمريكي يجعل روتشيلد يشعر وكأنه شحاذ.

ولعبت عائلة روتشيلد في إنجلترا وفرنسا، وعائلات مونتيفيوري وساسونومونتاجو في إنجلترا، دوراً مهماً في القطاع المالي والمصرفي في بلدهم حيث ساهموافي تمويل الحكومات والحروب وفي تطوير الرأسمالية في أوربا وفي تمويل المشاريعالرأسمالية الإمبريالية خلال القرن التاسع عشر. كما تخصَّص الرأسماليون اليهود فيإنجلترا مثل إسرائيل سيف وسيمون ماركس في القطاع التجاري، وبخاصة في مجال المتاجرالمتكاملة متعددة الأقسام. وفي فرنسا، برز خلال القرن العشرين بعض رجال الصناعةالمهمين من اليهود مثل مارسل داسو وأندريه سيتروين. ولكن رغم أهمية دورهم وحيويتهمفلم يكن لهم دور يهودي مستقل.

أما الرأسماليون من يهود الولايات المتحدة،فإن تجربتهم مختلفة إلى حدٍّ ما، فقد استقروا في مجتمع استيطاني يتسم بدرجات عاليةمن العلمنة والحركية، وقد استفاد المهاجرون اليهود من هذا الوضع وراكموا الثروات (انظر الأبواب المعنونة «فرنسا» ـ «إنجلترا» ـ «رأسماليون من أعضاء الجماعاتاليهودية في الولايات المتحدة»).

أما بالنسبة لدور أعضاء الجماعات اليهوديفي تطوُّر الرأسمالية في العالم العربي، فلا تمكن دراسته إلا في سياق الغزوالاستعماري الغربي للمنطقة وتحويل أعضاء الجماعات اليهودية في العالم العربي إلىمادة استيطانية تدور في فلك المنظومة الإمبريالية الغربية.

وستتناول مداخلهذا الباب بعض الرأسماليين من أعضاء الجماعات اليهودية في العالم، نبدؤها بعائلةروتشيلد التي كان لها فروع مختلفة في أوربا ثم نتناول بعض الرأسماليين من أعضاءالجماعة اليهودية في فرنسا ثم إنجلترا وألمانيا وروسيا وجنوب أفريقيا وكندا. ثمننتقل بعد ذلك إلى الشرق الأقصى، ونركز على الرأسماليين من أعضاء الجماعـةاليهـودية في مصر كدراسة حالة مُمثِّلة، وأخيراً بقية العالم العربي.