ديفيـد شـمعوني (1866-1956(
David Shimoni
شاعر يكتب العبرية، وُلد في منسك (روسيا)، وهاجر إلى فلسطين عام 1909 حيث عمل حارساً وعاملاً زراعياً في إحدى المستوطنات اليهودية، ثم رحل إلى ألمانيا عام 1911 حيث تلقى تعليمه في عدة جامعات بها. وعند اندلاع الحرب العالمية الأولى عاد إلى روسيا وظل بها حتى وضعت الحرب أوزارها، ثم رحل ثانيةً إلى فلسطين عام 1921 واستقر بها حتى وفاته.

ونشر شمعوني أولى مجموعاته الشعرية بعنوان البرية (1911) وأتبعها بالمجموعة الثانية العاصفة والسكون (1912)، ثم بدأ بعد ذلك نشر الأناشيد الرعوية التي اقترنت بها شهرته. وقد جُمعت أعماله ونشرت في أربعة مجلدات حملت العناوين التالية: قصائد غنائية (1925)، و أناشيد رعوية وأغان شعبية عن الحياة في فلسطين الجديدة (1927)، و ملحمة وأعمال شعرية تأملية (1930)، و شعر الترحال (1931).

ويعكس شعر شمعوني قيم وهموم الجيل الثاني من المهاجرين اليهود إلى فلسطين، فرغم أنه شعر يحاول الاحتفاء ببطولات ما يُسمَّى «الرواد الصهاينة» إلا أن الإحساس بالحزن والكآبة وبحتمية المصير المأساوي يغلب عليه، شأنه في ذلك شأن معظم كتابات المستوطنين الصهاينة في فلسطين قبل قيام الدولة الصهيونية. كما يشيع في كثير من قصائده طابع تعليمي مباشر ينأى بها عن الجماليات الشعرية ويجعلها أقرب ما تكون إلى المواعظ والإشارات.

وينتمي شمعوني إلى ذلك الجيل من الأدباء الذين بهرهم شعر بياليك وخلَّف أثراً واضحاً في كتاباتهم، إلا أنه لم يسع إلى تجديد شكل القصيدة ولم يغامر بالبحث عن إيقاعات وأخيلة مغايرة، ولم يتجاوز أسلوبه ذلك الأسلوب التقليدي للشعر المكتوب بالعبرية في عصره، والذي بدأت تظهر فيه بوادر اضمحلاله بجلاء نظراً لعدم قدرته على التعبير عن الواقع المتغيِّر والمضطرب. ولهذا كله جاء شعره رتيباً ونمطياً في مجمله.

وبالإضافة إلى أعماله الشعرية، ترجم شمعوني إلى العبرية العديد من أعمال الكُتّاب الروس أمثال بوشكين وليرمنتوف وتولستوي.

حاييــم بياليـك (1873-1934(
Hayyim Bialik
أهم شاعر روسي يهودي كتب بالعبرية في العصر الحديث. وُلد لأبوين فقيرين، وكان أبوه عالماً دينياً وتاجر أخشاب فقيراً. وقد عمل الشاعر نفسه بعض الوقت كتاجر أخشاب، وتزوج من ابنة رجل يعمل بنفس المهنة. قام جـده بتربيته بعـد وفاة أبيه، فدرس في مدرسة تلمودية، لكنه قرأ، في الوقت نفسه، العديد من كتب حركة التنوير اليهودية سراً. رحل بياليك إلى فولوجين، مركز الحركة الحسيدية، إذ تصوَّر خطأً أن المدرسة التلمودية في هذه المدينة تجمع بين الدراسات العلمانية والدراسات الدينية، وبقي في هذه المدرسة ثمانية عشر شهراً، وهناك بدأ في الكتابة الأدبية، والتحق بجماعة أحباء صهيون. وفي عام 1891، ذهب إلى أوديسا التي كانت آنذاك مركزاً للبعث الثقافي الروسي اليهودي حيث تعرَّف إلى "آحاد هعام" الذي شجعه على الكتابة والنشر. هاجر بياليك من روسيا السوفيتية عام 1921، ومكث ثلاث سنوات في برلين، ثم هاجر بعدئذ إلى تل أبيب. وقد درس بياليك أدب العبرية التقليدية، ولكنه في الوقت نفسه قرأ واستوعب الكثير من الأعمال الأدبية الأوربية الروسية والألمانية، وبخاصة أعمال المرحلة الرومانتيكية.

ولعل الموضوع الأساسي في أعمال بياليك هو الشد والجذب بين القديم والجديد والبحث عن مخَرَج من الأزمة المستحكمة. وقد عبَّر الشاعر عن تطلعاته الصهيونية من خلال ثلاث فكرات أساسية هي: فكرة العودة إلى الأرض والطبيعة، وفكرة الماشيَّح المخلِّص، وفكرة نبذ حركة الاستنارة اليهودية وحركة الاندماج في الشعوب الأخرى. وقد استخدم الشاعر أدوات وقوالب تعبيرية متنوعة، فكتب قصائد في وصف الطبيعة وقصائد مناسبات وقصائد ذات طابع أسطوري. ويتميَّز شعره بالنبرة الغاضبة وبتواتر صور الهلاك والثأر والصور المرتبطة بآخر الأيام.

من أهم قصائده قصيدتا «حقاً إن الشعب لشعب» و«في مدينة الذبح» حيث يتمرد على خنوع اليهود أمام هجوم الروس عليهم، وخصوصاً في كيشينيف، وكذلك قصيدتا «إلى الهاجاداه» و«على أعتاب بيت هامدراش» حيث يتأوه من أجل الماضي اليهودي الذي ولَّى ولم يَعُد له وجود.

وقد كتب بياليك قصائد للأطفال وترجم بعض الأعمال الأدبية العالمية إلى العبرية. وكانت له نشاطات ثقافية بين أدباء التجمع الاستيطاني الصهيوني. وبعد عام 1934، أُنشئت في إسرائيل جائزة أدبية تحمل اسمه. وقد نُشرت أعماله الكاملة بالعبرية، كما تُرجمت معظم قصائده إلى الإنجليزية والفرنسية والعربية.

موردخــاي فويربــرج (1874-1899(
Mordecai Feuerberg
أديب روسي يهودي يكتب بالعبرية، وُلد في نوفجورد لأسرة حسيدية شديدة التدين. وكان أبوه رجل دين متزمتاً. درس في صباه القبَّالاه وفلسفة يهودا اللاوي وابن ميمون. ولكنه اتجه بعدئذ للدراسات العلمانية والأدبية الحديثة المرتبطة بفكر حركة التنوير اليهودية.

أدَّت هذه الدراسات العلمانية إلى غضب أبيه وتوتر علاقتهما في الوقت الذي توطدت فيه علاقته بجماعة أحباء صهيون. وقد حاول أبوه إثناءه عن هذه الارتباطات فافتتح له محل بقالة وخطب له ابنة رجل دين حسيدي آخر. لكن هذه الزيجة فشلت بسبب ضعف صحة فويربرج وإصابته بالسل.

ارتحل فويربرج إلى وارسو عام 1896 محاولاً أن يصنع لنفسه اسماً في عالم الأدب العبري حيث كانت وارسو عاصمة الأدب العبري. وهناك قابل ناحوم سوكولوف الذي كان يصدر مجلة أدبية عبرية وعرض عليه إنتاجه الأدبي من شعر وقصة قصيرة، فنصحه سوكولوف بالتركيز على القصة القصيرة وترك الشعر. ونشر فويربرج قصته الأولى المسماة الحارس ياكوف عام 1897. تعرف أيضاً إلى آحاد هعام وتوثقت علاقتهما، ونشر له آحاد هعام قصصه كلها في المجلة التي كان يصدرها، واشتغل معه فويربرج مراسلاً صحفياً أعوام 1897 ـ 1899.

وكان فويربرج يخطط عام 1899 لكتابة رواية تاريخية عن حياة إسرائيل بعل شيم طوف مؤسس الحسيدية في الوقت الذي أعدَّ فيه آحاد هعام رواية فويربرج الوحيدة والمسماة لماذا؟ للنشر. وكان آحاد هعام قد أدخل عليها تعديلات كثيرة بموافقة فويربرج.

تُوفي فويربرج من جراء إصابته بالسل عام 1899 ولم يستطع أن يتم أياً من مشاريعه الأدبية التي كلم آحاد هعام عنها. ونُشرت روايته وبعض قصصه بعد موته.

ورغم أن أعماله الأدبية ينقصها النضج الحرفي، ورغم قلة ما كتب عموماً، سواء من الأدب أو الصحافة، فإنه يُعتبَر من أهم كُتَّاب العبرية الحديثة. والموضوع الرئيسي الذي تدور حوله أعماله هي قضية الصراع بين عملية العلمنة المتزايدة وسيطرة النزعة الأوربية الغربية على اليهود من جهة والقيم الأرثوذكسية التقليدية في اليهودية من جهة أخرى. وقد استخدم القصة القصيرة الشعرية لبيان الاعترافات الداخلية لإنسان بائس وروح مُمزَّقة مهزومة وتحمل رمزاً عاماً في طياتها.

وكان فويربرج يؤمن بأن وظيفة الأدب العبري هي وصف "صورة اليهودي الأصيلة" والتي تعبِّر عن حالة يهود شرق أوربا الخاصة والتي حكمتها طريقة التربية والنشأة وظروف البيئة المحيطة والتقاليد. ومرجع هذه الرؤية يعود إلى أنه كان يؤمن بأن اليهودي حالة خاصة يختلف عن غيره من البشر حتى أن ما يراه وما يحسه وما يسمعه وما يأكله ليس هو حالة الأشياء في ذاتها وإنما هو قيمة خاصة لا يعرفها ولا يحبها إلا اليهودي. ومن ثم،كان يؤمن بأن محاولة الأدب العبري التعبير عن موضوعات عامة وعالمية أو التشبه بالأدب الأوربي هي محاولة محكوم عليها بالفشل. وتعبِّر قصصه عن مجمل آرائه هذه فهي تذخر بالشخصيات المترددة التي تتأرجح بين التقاليد الأرثوذكسية اليهودية وبين قيم الحياة الأوربية العصرية، مثل ياكوف (الجندي الروسي) في قصته «الحارس ياكوف»، وناثان في روايته لماذا؟.

وتمتلئ قصصه أيضاً بوصف حياة التجمعات اليهودية في أوربا الشرقية. وقد استخدم فويربرج كذلك الأساطير الحسيدية كآلية ربط بين البطل وبين التقاليد الدينية كما في قصته «في المساء» من ثلاثية ذكريات الطفولة .

وتُعتبَر روايته لماذا؟، برغم الضعف البنيوي وتفكُّك اللغة واستخدام الألفاظ الرنانة والانفعالية، من أهم روايات الأدب العبري المعاصر حيث تعبِّر عن معاناة البطل وتمزُّقه بين الإيمان الديني والعلمانية ومحاولته الوصول إلى الخلاص أولاً من خلال المشيحانية ثم من خلال الإيمان بالعلم الخالص، وتنتهي الرواية بخطاب يوجهه ناثان البطل للشعب اليهودي يحثه فيه على التوجه إلى الشرق باعتبار أن تلك الفكرة هي الخلاص الحقيقي.

ويُعتبَر فويربرج رائد تيار خاص في الأدب الحديث المكتوب بالعبرية معاد للفكر التنويري.

جـوزيف كـلاوزنـر (1874-1958(Joseph Klausner
مؤرخ وناقد يكتب بالعبرية. وُلد في أولينسك (ليتوانيا) وتلقى تعليماً دينياً تقليدياً، كما درس اللغات السامية والحديثة وعلم اللغة والتاريخ في جامعة هايدلبرج (ألمانيا) حيث حصل على درجة الدكتوراه عام 1902. ثم تولى تدريس التاريخ اليهودي في المدرسة التلمودية الحديثة في أوديسا إلى أن عُيِّن عام 1917 أستاذاً للدراسات الشرقية في جامعة أوديسا. وفي عام 1919، هاجر إلى فلسطين حيث واصل أنشطته الأدبية والبحثية حين عُيِّن عام 1926 أستاذاً لأدب العبرية في الجامعة العبرية. وفي عام 1944، عُيِّن أستاذاً لما يسمونه «تاريخ الهيكل الثاني» في الجامعة نفسها وظل يشغل هذا المنصب حتى وفاته. كما عمل كلاوزنر في مجال الصحافة حيث خلف آحاد هعام في رئاسة تحرير المجلة العبرية هاشيلواح، وظل يشغل هذا المنصب لفترة طويلة (من 1903 حتى 1926). وقد كان يشاركه في بعض الأحيان كلٌّ من حاييم بياليك ويعقوب فيشمان. وفي عامي 1933 و1934، رأس كلاوزنر تحرير المجلة العبرية بيتار لسان حال حزب الصهاينة التصحيحيين، كما أشرف منذ عام 1950 على تحرير دائرة المعارف العبرية.

خلَّف كلاوزنر عدداً كبيراً من المؤلفات تتوزع بين الدراسات التاريخية والنقد الأدبي وعلم اللغة، ولكنه وجَّه جل اهتمامه إلى إحياء اللغة العبرية وتوسيع نطاق استخدامها. ومن أبرز مؤلفاته في هذا المجال كتاب اللغة العبرية لغة حية (1896) والذي دعا فيه إلى توسيع معجم العبرية لتلبية احتياجات العصر الحديث من خلال تعديل الاستخدامات اللغوية في التلمود والمشناه على أساس استخدامات العهد القديم، وكذلك كتاب موجز نحو اللغة العبرية (1935) الذي كان من المحاولات لوضع قواعد حديثة للعبرية.

ومن أهم كتابات كلاوزنر مجموعة من المقالات في مجال النقد الأدبي نُشرت في ثلاثة مجلدات بعنوان الخالقون والبناءون (1925 ـ 1929)، يناقش فيها المهام الوظيفية للأدب المكتوب بالعبرية في مرحلة ما أسماه «البعث القومي»، وكذلك كتابه تاريخ الأدب العبري الحديث (1930 ـ 1950) الذي يعرض فيه إسهامات الأدباء في تطوير اللغة العبرية ثم علاقة الأدب المكتوب بالعبرية بالأدب العالمي وكذلك علاقته بما يُسمَّى «القومية اليهودية». ويستخدم كلاوزنر في هذه الكتابات الطرق التقليدية في البحث الأدبي التي كانت سائدة في القرن التاسع عشر بين النقاد الوضعيين، فكان يعطي اهتماماً بالغاً للسيرة الذاتية للكاتب ولعناصر الزمان والمكان والهوية القومية بوصفها عناصر حاسمة في الإبداع الفني، إلا أن رؤيته لتأثير تلك العناصر تشوبها نزعة آلية وعنصرية. وفي تقييمه للأعمال الأدبية، ينطلق كلاوزنر في معظم الأحيان من أحكام أيديولوجية مسبقة تتسم بالثبات والصرامة، الأمر الذي يقوده إلى إغفال خصوصية العمل الفني وجمالياته واستخلاص نتائج قد تبدو مُقحَمة أو مفتَعلة.

وتكشف كتابات كلاوزنر التاريخية عن ملامح فكره بشكل أكثر وضوحاً. ومن أبرز مؤلفاته في هذا المجال كتاب التاريخ اليهودي (1907)، وكتاب اليهودية والإنسانية (1910)، وكتاب تاريخ الهيكل الثاني (1949). وفي هذه الكتابات، يسعى كلاوزنر إلى تقييم أحداث الماضي لا على أساس سياقها التاريخي بل على أساس قيم الحاضر، كما يسعى إلى إثبات المقولات الأساسية التي تشكل عصب الفكرة الصهيونية مثل تميز اليهود وتفوقهم، ووجود سمات مشتركة بين الجماعات اليهودية في العالم تجعل منها شعباً واحداً له خاصية « الاستمرار التاريخي » والذي لم تَشُبه شائبة منذ بدء الخليقة حتى العصر الراهن. وبالإضافة إلى ذلك، كتب كلاوزنر بعض الدراسات المثيرة للجدل حول تاريخ المسيحية، منها كتاب يسوع الناصري: حياته وعصره وتعاليمه (1922) الذي يتناول فيه يسوع المسيح بوصفه شخصية يهودية زاعماً أنه كان يهودياً قومياً ولم يتخل عن يهوديته قط، وكذلك كتاب من يسوع إلى بولس (1939 ـ 1940) الذي يتتبع فيه تطور المسيحية استناداً إلى مصادر دينية يهودية. ورغم كل دعاوى التجرد والموضوعية في البحث، يظل مفهوم كلاوزنر للتاريخ مفهوماً أسطورياً يتحايل بكل السبل من أجل إيجاد مسوغات للمزاعم الصهيونية التقليدية، الأمر الذي جعل كتاباته تنضح بالتعصب الشديد لليهود وبالازدراء التام لكل ما هو غير يهودي في التاريخ الإنساني بأسره.

ولم تكن صهيونية كلاوزنر هذه مجرد نزعة فكرية بل كانت قضية حياته بأسرها. فقد انضم في شبابه إلى حركة أحباء صهيون وكان من أنشط أعضائها، كما حضر المؤتمر الصهيوني الأول (1897) وجميع المؤتمرات التالية تقريباً حتى المؤتمر الحادي عشر. ومنذ عام 1930، قام كلاوزنر بدور بارز في صفوف حزب الصهاينة التصحيحيين ثم في حزب حيروت الذي جاء على أنقاضه. وكان يُعَدُّ أحد المنظِّرين الأساسيين للتيار الذي عبَّر عنه الحزبان. وفي عام 1949، قدمه حزب حيروت مرشحاً عنه ضد حاييم وايزمان في أول انتخابات لرئاسة الدولة الصهيونية.