بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا،من يهده الله فلا مضل له،ومن يضلل فلا هادي له،وأشهد ألا إله إلا الله وحدهلا شريك له،وأن نبينا صلى الله عليه وسلم محمدا عبده ورسوله وبعد،فهذه قبسات من نورالعلم الرباني نقدمها بعون الله وتوفيقه بين أيديكم أخوتي وأخواتي ،راجين أن يجعل الله أعمالنا كلها صالحة ولوجهه خالصة مخلصة،وهذا العلم له أهمية كبرى ،إذ يقول العلماء رحمهم الله:"من حُرم الأصول،حُرم الوصول"،غير أنه يتطلب بعد الاستعانة بالله وحده شيئاً من التركيز والانتباه والله ولي التوفيق.
فالأصل: ما بني عليه غيره،و الفرع: ما يبنى على غيره.
والفقه: معرفة الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد.
والفرق الفقهي بين العلم والمعرفة هو أن العلم لما جزم أهل الاجتهاد وقطعوا به يقينا مثل متواتر القرآن والسنة ،والمعرفة تشمل ماثبت يقيناً بالإضافة إلى ما ثبت في الظن الغالب،أي رجح بين حكمين ظنيين،وهنا إشكال،ألا وهو كيف نوفق بين هذاالظن وبين قوله تعالى:" وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً"؟،والجواب:الظن قسمان ،محمود ومذموم،فأما المذموم فهو الشبهة والمرجوح بما هو أوثق منه كالواقف على شفا جرف هار وهو يملك اليقين والقطعي الثبوت،وأما الظن المحمود فهو المبني على الاجتهاد في طلب الأدلة في غياب ما هو قطعي الدلالة ومتواتر،وأدلته كثيرة نذكر منها ما رواه البخاري وغيره عن عمرو بن العاص رضي اللهعنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر"والحاكم هنا من تولى الحكم في قضية ماوهو كفؤ لها علماً واجتهاداً والله لا يكلف نفساً إلا وسعها،والدليل الآخر قصة اليهودي صافي بن صياد الطويلة التي ذكرتها كتب الحديث،والتي نجملها بكلمات موجزة ،فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشك في أنه الأعور الدجال،وذات يوم خرج إليه ومعه عمربن الخطاب رضي الله عنه ليتبين من حقيقة أمره ،وكان عمر صافي وقت هذه الحادثة عشرسنوات ،فلما وصل رآه مستلقياً على ظهره على الأرض،وكان يخرج أصواتاً وتمتمات غريبة،وبعد بضعة أسئلة سألها رسول الله صلى الله عليه وسلم لصافي غلب ظن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن صافي هو الأعورالدجال فقال عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم:" ائذن لي فأضرب عنقه"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" دعه إن يكنه فلا تطيقه وإن لم يكنه فلا خير لك فيقتله"،يعني يا عمر إن كان صافي هو الدجال فعلا فلن تستطيع قتله لأن له خوارق،وإن لميكن هو فستبوء بإثم دمه،والشاهد الذي يهمنا من هذه القصة هو أن عمر رضي الله عنه رجع إلى القوم وكان يقسم على أن صافي هو الدجال ورسول الله صلى الله عليه وسلم لاينكر عليه بناءاً على غلبة ظنه.
نعود إلى تعريف أصول الفقه فبعد أن فصلنا بين كلمة أصول وكلمة فقه ،وعرفنا كلا منهما على حدة،فإن تعريف أصول الفقه : هي الأصول التي يُبْنَى عليها استنباط و معرفة الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد.
ومن العلماء من عرفه بأنه القواعد التي يمكن بها استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية الفرعية،والفرق بين الفقه وأصول الفقه أن مدار بحث الفقه على الأدلة التفصيلية والأحكام المترتبة عليها،بينما يكون مدار بحث أصول الفقه على الأدلة الإجمالية والأحكام المترتبة عليها للتوصل بها إلى استنباط الأدلة من الأحكام التفصيلية،ثم إن الحكم هو إثبات شيء لشيء نفيا أو إيجابا .
والأحكام الشرعية بدورها تقسم إلى قسمان:نظرية خبرية،وعملية اجتهادية،فأما الخبرية فهي التي تتعلق بالنبوات والتوحيد والعقيدة ولا مدار للاجتهاد فيها لأنها ثابتة وقطعية،ومدار أصول الفقه الذي هو مقصودنا على الأحكام العملية الاجتهادية فقط.
ثم إن الأحكام العملية تقسم بدورها إلى قسمان:تكليفية ووضعية.
فأما التكليفية فهي المنوطة بالتكليف وقد كلف الله العباد بها وهي الواجب، والمندوب، والمباح، والمكروه، والمحظور.
وأما الوضعية فهي التي نصبها الشارع علامات يستنبط منها الأصوليون الأحكام التكليفية مثل الصحيح والباطل.
فالأحكام التكليفية غاية،والأحكام الوضعية وسيلة.
والأحكام سبعة: الواجب, والمندوب, والمباح, والمحظور, والمكروه، والصحيح, والباطل.
فالواجب: ما يثاب على فعله, ويعاقب على تركه،لكن الواجب صفة للحكم ،وأما من ناحية متعلقها بالشارع فنطلق عليه بالإيجاب ،ونلفت النظر إلى أن الأحناف هم الوحيدون الذين فرقوا بين الفرض والواجب،والأصح أن الواجب والفرض شيء واحد.
والمندوب: ما يثاب على فعله, ولا يعاقب على تركه،ومثاله نوافل الصلاة والصيام.
والمباح: ما لا يثاب على فعله, ولا يعاقب على تركه.
والمحظور أو المحرم: ما يثاب على تركه ويعاقب على فعله.
والمكروه: ما يثاب على تركه, ولا يعاقب على فعله،وهو بهذا المعنى حسب اصطلاح الأصوليين وليس بما في القرآن أو بعض نصوص السنة مثل قوله تعالى:" وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان"فلا يمكن أن يصل الكفر سواء كان أكبرا مخرجا عن الملة أو أقل منه لا يخرج عن الملة إلى المرتبة التي ذكرها الأصوليون من أنه يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله.
نلفت النظر إلى أن الثواب والعقاب على الأعمال والتروك ضابطه قصد المكلف ونيته،فلا يعاقب المضطر ولا المكره على سبيل المثال....يتبع




tw,g lk ugl hgHw,g