يقول الضيف المحترم الذى لم يعتذر الى الآن :

وما هو الدليل على انها منسوبة كالناقة وليست كالصفة ؟
أولا : من يحدد أنها ليست من الصفات الإلهية ؟

فالظاهر أنك لا تدري ما تقول وإلا لما أوردت هذا السؤال الدال على عظيم الجهل بالرب تعالى وما يجب له وما يمتنع عليه، وحاشا لله أن تكون صفاته أعيانا قائمة بنفسها، بل صفاته هي صفاته تعالى، تضاف إليه إضافة الصفة إلى الموصوف، وأما الأعيان: فإذا أضيفت إلى الرب تعالى فإضافتها إضافة تشريف.

قال ابن القيم ـ رحمه الله: والمضاف إِلَى الرَّبِّ تَعَالَى نَوْعَانِ: أَعْيَانٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا كَبَيْتِ اللَّهِ وَنَاقَةِ اللَّهِ وَرُوحِ اللَّهِ وَعَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِ اللَّهِ، فَهَذَا إِضَافَةُ تَشْرِيفٍ وَتَخْصِيصٍ، وَهِيَ إِضَافَةُ مَمْلُوكٍ إِلَى مَالِكِهِ.


الثَّانِي: صِفَاتٌ لَا تَقُومُ بِنَفْسِهَا كَعِلْمِ اللَّهِ وَحَيَاتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَعِزَّتِهِ وَسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَنُورِهِ وَكَلَامِهِ، فَهَذَا إِذَا وَرَدَتْ مُضَافَةً إِلَيْهِ فَهِيَ إِضَافَةُ صِفَةٍ إِلَى الْمَوْصُوفِ بِهَا.

و يقول
الدكتور الشيخ سفر الحوالى :
وإذا أضيفت المعاني إِلَى الله تَعَالَى مثل حياة الله، حكمة الله، علو الله، عزة الله، فهي صفات، فإذا قلنا: حكمة الله فالمقصود بها صفة الله التي هي الحكمة، ورحمة الله أي: الصفة التي يتصف بها الله عَزَّ وَجَلَّ،
ولا بد أن نفرق بين الأعيان وبين المعاني، فما أضيف إِلَى الله عَزَّ وَجَلَّ من الأعيان أي من الذوات فهذا يضاف للتشريف، فمثلاً كل النوق خلقها الله فكلها نوق لله، لكن عندما نقول: ناقة الله (بالذات) فهذه فيها إضافة تشريف، لأن هذه الناقة أخرجها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لتكون آية لثمود، فهي تختلف عن أي ناقة أخرى ولدت بطريقة طبيعية، كما شاء الله عَزَّ وَجَلَّ أن يطبع المخلوقات في التناسل والتتابع.


وبيت الله مثلاً، كل البيوت بيوت الله، والمساجد (بالذات) بيوت اللهفِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ[النور:36] لكن إذا قلنا: بيت الله فإن التشريف هنا يحصل للكعبة أول بيت وضع للناس، وهكذا مثلاً رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنه ذات معينة مخلوقة فنقول: رَسُول الله هنا للتشريف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

أما إذا قلنا: حكمة الله، حياة الله، علم الله، ومنها كلام الله؛ فلا يمكن أن يكون هذا مخلوقاً وإنما هي صفات، ولذلك لا نضيف إِلَى الله إلا الحق لأننا إذا أضفنا إليه شيئاً فإن هذا يدخل ضمن ما يوصف به الله في الجملة .

و يقول الشيخ محمد صالح المنجد حفظه الله :وربما أشكل على بعض الناس قوله سبحانه في شأن عيسى عليه السلام : ( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ) النساء/171 . فظنوا كما ظنت النصارى أن (مِن) للتبعيض ، وأن الروح جزء من الله . والحق أن (مِن) هنا لابتداء الغاية ، أي هذه الروح من عند الله ، مبدأها ومنشأها من الله تعالى ، فهو الخالق لها ، والمتصرف فيها.

قال ابن كثير رحمه الله: فقوله في الآية والحديث : ( وَرُوحٌ مِنْهُ ) كقوله : ( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ) أي من خلقه ومِنْ عنده ، وليست (مِنْ) للتبعيض كما تقوله النصارى عليهم لعائن الله المتتابعة ، بل هي لابتداء الغاية كما في الآية الأخرى ، وقد قال مجاهد في قوله : (وروح منه) أي ورسول منه ، وقال غيره : ومحبة منه ، والأظهر الأول ، وهو أنه مخلوق من روح مخلوقة . وأضيفت الروح إلى الله على وجه التشريف ، كما أضيفت الناقة والبيت إلى الله في قوله : ( هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ ) الأعراف/73 ، وفي قوله : ( وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ ) الحج/26 . وكما روي في الحديث الصحيح : ( فأدخل على ربي في داره ) أضافها إليه إضافة تشريف ، وهذا كله من قبيل واحد ونمط واحد " انتهى من "تفسير ابن كثير" (1/784).

وقال الألوسي رحمه الله : حكي أن طبيبا نصرانيا حاذقا للرشيد ناظر على بن الحسين الواقدى المروزى ذات يوم فقال له : إن في كتابكم ما يدل على أن عيسى عليه السلام جزء منه تعالى ، وتلا هذه الآية : ( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ) فقرأ الواقدي قوله تعالى : ( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ) الجاثـية/13 . فقال : إذاً يلزم أن يكون جميع الأشياء جزءاً منه سبحانه وتعالى علوا كبيرا ، فانقطع النصراني فأسلم ، وفرح الرشيد فرحا شديدا".

و لا حجة للضيف ولا لباقى النصارى باحتجاجهم إذ ان الروح ذكرت فى كتابهم و وضح انها لا تلزم ان تكون صفةً للإله ففى :

رسالة يوحنا الأولى [ 4 : 1 ] : (( أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح ، بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله ؟ لأن أنبياء كذبة كثيرينقد خرجوا إلي العالم ))

ان قول يوحنا : (( لا تصدقوا كل روح)) يفيد أن الروح شخص ، فهو صادق إذا قامت البراهين على صدقه ، وكاذب إن دلت الأدلة على كذبه . و قد نسبت الروح ايضاً الى الله .

و جاء برسالة بولس الأولى إلي كورنثوس [ 11 : 12 ] : ((ولكن جميــــع الأشياء هي من الله))

بل إن سفر التكوين يقول عن يوسف عليه السلام :
هل نجد مثل هذارجلاً فيه روح الله سفر التكوين [ 41 : 38 ]

وللزم أن يكون يوسف عليه السلام جزء من الله بحكم ما ورد بسفر التكوين[ 41 : 38] وللزم أن تكون الأشياء كلها أجزاء من الله كما جاء في رسالة بولس الأولي إلي كوزموس[ 11 : 12 ].