إهدنا الصراط المستقيم

هذا دعاء ولا دعاء مفروض على المسلم قوله غير هذا الدعاء فيتوجب على المسلم قوله عدة مرات في اليوم وهذا بدوره يدل على اهمية الطلب وهذا الدعاء لان له اثره في الدنيا والآخرة ويدل على ان الانسان لا يمكن ان يهتدي للصراط المستقيم بنفسه الا اذا هداه الله تعالى لذلك. اذا ترك الناس لانفسهم لذهب كل الى مذهبه ولم يهتدوا الى الصراط المستقيم وبما ان هذا الدعاء في الفاتحة ولا صلاة بدون فاتحة فلذا يجب الدعاء به في الصلاة الفريضة وهذا غير دعاء السنة في (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة) (البقرة آية 201)

والهداية هي الالهام والدلالة. وفعل الهداية هدى يهدي في العربية قد يتعدى بنفسه دون حرف جر مثل اهدنا الصراط المستقيم (تعدى الفعل بنفسه) وقد يتعدى بإلى
(وانك لتهدي الى صراط مستقيم)
(الشورى آية 52)

(واهديك الى ربك فتخشى)
(النازعات آية 19)

وقد يتعدى باللام

(الحمد لله الذي هدانا لهذا )
(الاعراف 43)

(بل الله يمن عليكم ان هداكم للايمان)
(الحجرات آية 17)

ذكر اهل اللغة ان الفرق بين التعدية بالحرف والتعدية بالفعل نفسه ان التعدية بالحرف تستعمل عندما لا تكون الهداية فيه بمعنى ان المهدي كان خارج الصراط فهداه الله له فيصل بالهداية اليه. والتعدية بدون حرف تقال لمن يكون فيه ولمن لا يكون فيه كقولنا هديته الطريق قد يكون هو في الطريق فنعرفه به وقد لا يكون في الطريق فنوصله اليه.

(فاتبعني اهدك صراطا سويا)
(مريم آية 43)

ابو سيدنا ابراهيم لم يكن في الطريق

(ولهديناهم صراطا مستقيما)
(النساء آية 68)

والمنافقون ليسوا في الطريق.

واستعملت لمن هم في الصراط

(وقد هدانا سبلنا)
(ابراهيم آية 12)

قيلت في رسل الله تعالى و مخاطبا رسوله

(ويهديك صراطا مستقيما)
(الفتح آية 2)

والرسول مالك للصراط . استعمل الفعل المعدى بنفسه في الحالتين.

التعدية باللام والى لمن لم يكن في الصراط

(فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا الى سواء الصراط)
(ص آية 22)

(هل من شركائكم من يهدي الى الحق)
(يونس آية 35)

وتستعمل هداه له بمعنى بينه له والهداية على مراحل وليست هداية واحدة فالبعيد عن الطريق، الضال، يحتاج من يوصله اليه ويدله عليه (نستعمل هداه اليه) والذي يصل الى الطريق يحتاج الى هاد يعرفه باحوال الطريق واماكن الامن والنجاة والهلاك للثقة بالنفس ثم اذا سلك الطريق في الاخير يحتاج الى من يريه غايته واستعمل سبحانه اللام

(الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله)
(الاعراف آية 43)

وهذه خاتمة الهدايات.

ونلخص ما سبق على النحو التالي:

-انسان بعيد يحتاج من يوصله الى الطريق نستعمل الفعل المتعدي بإلى

-اذا وصل ويحتاج من يعرفه بالطريق واحواله نستعمل الفعل المتعدي بنفسه

-اذا سلك الطريق ويحتاج الى من يبلغه مراده نستعمل الفعل المتعدي باللام

الهداية مع اللام لم تستعمل مع السبيل او الصراط ابدا في القرآن لان الصراط ليست غاية انما وسيلة توصل للغاية واللام انما تستعمل عند الغاية. وقد اختص سبحانه الهداية باللام له وحده او للقرآن لأنها خاتمة الهدايات كقوله

(ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم)
(الاسراء آية 9)

وقوله

(يهدي الله لنوره من يشاء)
(النور آية 35)

قد نقول جاءت الهدايات كلها بمعنى واحد مع اختلاف الحروف.

# (قل هل من شركائكم من يهدي الى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي الى الحق احق ان يتبع امن لا يهدي الا ان يهدى)
(يونس آية 35)

جاءت يهدي للحق المقترنة بالله تعالى لان معنى الآيات تفيد هل من شركائكم من يوصل الى الحق قل الله يهدي للحق الله وحده يرشدك ويوصلك الى خاتمة الهدايات، يعني ان الشركاء لا يعرفون اين الحق ولا كيف يرشدون اليه ويدلون عليه.

# (يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات الى النور باذنه ويهديهم الى صراط مستقيم)
(المائدة آية 16)

استعمل الهداية معداة بنفسها بدون حرف واستعملها في سياق واحد مع الفعل المعدى بالى ومعنى الآيات انه من اتبع رضوان الله وليس بعيدا ولا ضالا استعمل له الفعل المعدى بنفسه والذي في الظلمات هو بعيد عن الصراط ويحتاج الى من يوصله الى الصراط لذا قال يهديهم الى صراط مستقيم (استعمل الفعل المعدى بإلى)

نعود الى الآية اهدنا الصراط المستقيم (الفعل معدى بنفسه) وهنا استعمل هذا الفعل المعدى بنفسه لجمع عدة معاني فالذي انحرف عن الطريق نطلب من الله تعالى ان يوصله اليه والذي في الطريق نطلب من الله تعالى ان يبصره باحوال الطريق والثبات والتثبيت على الطريق.

وهنا يبرز تساؤل آخر ونقول كما سبق وقدم سبحانه مفعولي العبادة والاستعانة في (اياك نعبد واياك نستعين) فلماذا لم يقل سبحانه ايانا اهدي؟ هذا المعنى لا يصح فالتقديم باياك نعبد واياك نستعين تقيد الاختصاص ولا يجوز ان نقول ايانا اهدي بمعنى خصنا بالهداية ولا تهدي احدا غيرنا فهذا لا يجوز لذلك لا يصح التقديم هنا. المعنى تطلب التقديم في المعونة والاستعانة ولم يتطلبه في الهداية لذا قال اهدنا الصراط المستقيم.

فلم قال اهدنا ولم يقل اهدني؟

لانه مناسب لسياق الآيات السابقة وكما في ايات الاستعانة والعبادة اقتضى الجمع في الهداية ايضا.

فيه اشاعة لروح الجماعة وقتل لروح الاثرة والانانية وفيه نزع الاثرة والاستئثار من النفس بان ندعو للآخرين بما ندعو به لانفسنا.

الاجتماع على الهدى وسير المجموعة على الصراط دليل قوة فاذا كثر السالكون يزيد الانس ويقوى الثبات فالسالك وحده قد يضعف وقد يمل او يسقط او تأكله الذئاب. فكلما كثر السالكون كان ادعى للاطمئنان والاستئناس.

والاجتماع رحمة والفرقة عذاب يشير لله تعالى الى امر الاجتماع والانس بالاجتماع وطبيعة حب النفس للاجتماع كما ورد في قوله الكريم

(ومن يطع الله ورسوله ندخله جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها)
(النساء آية 13)

خالدين جاءت بصيغة الجمع لان المؤمنين في الجنة يستمتعون بالانس ببعضهم وقوله :

(ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين)
(النساء آية 14)

في العذاب فيزيد على عذاب الكافر عذاب الوحدة فكأنما عذبه الله تعالى بشيئين النار والوحدة.

لذا فعندما قال سبحانه وتعالى اهدنا الصراط المستقيم فيه شئ من التثبيت والاستئناس هذا الدعاء ارتبط باول السورة وبوسطها وآخرها. الحمد لله رب العالمين مهمة الرب هي الهداية وكثيرا ما اقترنت الهداية باسم الرب فهو مرتبط برب العالمين وارتبط بقوله الرحمن الرحيم لان من هداه الله فقد رحمه وانت الان تطلب من الرحمن الرحيم الهداية اي تطلب من الرحمن الرحيم ان لا يتركك ضالا غير مهتد ثم قال اياك نعبد واياك نستعين فلا تتحقق العبادة الا بسلوك الطريق المستقيم وكذلك الاستعانة ومن الاستعانة طلب الهداية للصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم اي صراط الذين سلكوا الصراط المستقيم، ولا الضآلين، والضالون هم الذين سلكوا غير الصراط المستقيم فالهداية والضلال نقيضان والضالين نقيض الذين سلكوا الصراط المستقيم.

لماذا اختار كلمة الصراط بدلا من الطريق او السبيل؟ لو لاحظنا البناء اللغوي للصراط هو على وزن (فعال بكسر الفاء) وهو من الاوزان الدالة على الاشتمال كالحزام والشداد والسداد والخمار والغطاء والفراش، هذه الصيغة تدل على الاشتمال بخلاف كلمة الطريق التي لا تدل على نفس المعنى. الصراط يدل على انه واسع رحب يتسع لكل السالكين اما كلمة طريق فهي على وزن فعيل بمعنى مطروق اي مسلوك والسبيل على وزن فعيل ونقول اسبلت الطريق اذا كثر السالكين فيها لكن ليس في صيغتها ما يدل على الاشتمال. فكلمة الصراط تدل على الاشتمال والوسع هذا في اصل البناء اللغوي (قال الزمخشري في كتابه الكشاف الصراط من صرط كانه يبتلع السبل كلما سلك فيه السالكون وكانه يبتلعهم من سعته).

يتبع
.