كانت مصر ولاية رومانية تابعة مباشرة لروما منذ عام 31 ق.م، حين استولى الرومان عليها وقضوا على حكم البطالسة فيها، واتخذها الإمبراطور أغسطس قيصر مخزنا يمد روما بحاجتها من الغلال.

اتصف الحكم الروماني لمصر بالتعسف، فقد برع الرومان في ابتكار الوسائل التي تتيح لهم استغلال موارد البلاد، ففرضوا على المصريين نظما ضريبية متعسفة شملت الأشخاص والأشياء والصناعات والماشية والأراضي، فضاق المصريون بها ذَرْعًا، وقاموا بعدة ثورات ضد الحكم الروماني لعل أشهرها تلك التي قامت في عهد الإمبراطور ماركوس أورليوس (161 – 180م)، م، وتعرف بحرب الزراع أو الحرب البوكولية، ولكن الرومان كانوا يقضون على هذه الثورات في كل مرة.

ظلت مصر تحت الحكم الروماني ما يزيد عن ستة قرون، وفي عام 395م انقسمت الإمبراطورية الرومانية إلى قسمين: شرقي وغربي، وعلى الرغم من استمرار فكرة الإمبراطورية، فقد حكم إمبراطوران مَعًا، واحد في الشرق وآخر في الغرب، وفي عام 476م سقط القسم الغربي في أيدي البرابرة الجرمان في حين نجا القسم الشرقي الذي عُرِفَ بالإمبراطورية البيزنطية، وعاصمته القسطنطينية.

وكان شمالي إفريقية - ومن ضمنه مصر - تابع لهذه الإمبراطورية من خلال ما كان يعرف بأرخونية إفريقية، إلا أنها بظروفها السياسية والدينية تُعَدُّ امتدادًا طبيعيًّا لبلاد الشام مع بعض الاختلاف في المدى الذي ترتبط به بالحكم المركزي في القسطنطينية؛ فقد وحدت بينهما العقيدة النصرانية، ولكن وفقا لمفهوم لا يتفق كثيرا مع المذهب الإمبراطوري الملكاني.

ومن ناحية أخرى، كان الحكم البيزنطي مباشرًا ومستبدًّا، يدار بواسطة حاكم يعينه الإمبراطور، لكن الحضور السياسي كان ضعيفا، مما أدى إلى انعدام التوازن في العلاقة بين الحكم المركزي والشعب المصري، وكان المظهر الوحيد للسيادة المركزية والإدارية التي تُؤَمِّنُ مصالح الدولة الحاكمة، هو وجود مراكز عسكرية في المدن الكبرى، وبعض الحاميات المنتشرة في الداخل.

وكانت مصر بوصفها مرتبطة مباشرة بالحكم المركزي تتأثر بما كان يحدث في البلاط البيزنطي من صراعات ومؤامرات من أجل السلطة؛ فَتَعَرَّضَ المصريون لأشد أنواع المضايقات في عهد الإمبراطور فوقاس (602 -610م)، فما اشتُهِرَ به عهدُه من المؤامرات والاغتيالات، إنما حدد الإطار الخارجي الذي جرى في نطاقه من العوامل ما أَدَّى إلى انتشار الفوضى والتفكك البطيء في الحكومة والمجتمع، وقد تأثرت مصر بذلك، فامتلأت أرض الصعيد بعصابات اللصوص وقطاع الطرق، وغزاها البدو وأهل النوبة، واضطربت أوضاع مصر السفلى أيضا وأضحت ميدانًا للشغب والفتن والثورات بين الطوائف، أوشكت أن تكون حربا أهلية. وانصرف الحكام إلى جمع المال لخزينة الإمبراطورية، بِغَضِّ النظر عن مشروعية الوسائل أو عدم مشروعيتها، فاضطرمت مصر بنار الثورة.


وتعرضت الإمبراطورية في هذه الأثناء إلى كارثة خطيرة، إذ هُزِمَتْ عسكريًّا في البلقان وآسيا الصغرى وبلاد الشام، واجتاحتها الجيوش الفارسية، ثم شرع الفرس يغزون مصر!