الـــفـــصـــل الـــثــّـامـــن



ورثـــة قــســطــنــطــيــن


في الـظـلام ــــ إنتصار الهمجيـّة المسيحية




المسيحيـّة و عصور الظلام:
كانت روما قادرة على مقاومة و هزيمة و قهر البرابرة لألف سنة .


فما الذي اختلف بعد إنتصار المسيحية ؟

بفضل " الثورة الدينية " لقسطنطين و تأسيس كنيسة مسيحية تحظى بتأييد الدولة , فإن القوة البشرية التي كان من الممكن أن تدافع عن الإمبراطورية إنسحبت بصورة متزايدة نحو الرتب والمناصب الكهنوتية . لقد قدمت الكنيسة " لرتبة ضابط " مهنة بديلة عن تلك التي في المعسكرات و القلاع و الحاميات الحدودية , مهنة أعلى في جزالة الأعطيات و الجوائز و في الثروة و السلطة و النفوذ ــ و كل ذلك بأسلوب آمن و مريح . ليس من دون سبب ضبطت الكنيسة تسلسلها الوظيفي على نمط الجيش , لقد كانت حرفة رائعة للشاب الروماني اللامع الذي يفضل مقاتلة أورطات الشيطان على مقاتلة الفرسان من ألمانيا أو آسيا .

و قد ضرب المثل من أعلى , حيث أسس الأساقفة المسيحيين سيطرة عقلية على العاهل الضعيف و المؤمن بالخرافات سليل الأسرة الملكية .و في معظم عقود القرن الرابع كان الأباطرة لا يشتركون إلا في أقل القليل مع الرجال العسكريين الأقوياء , الذين كانوا يصلون إلى السلطة بصورة متكررة , قبل ذلك الزمن بقرن واحد .


أبناء قسطنطين الضعفاء جاء بعدهم أبناء فلينتيان ثم أبناء ثيوديسيوس المساوون لهم في الضعف . هؤلاء الأباطرة المراهقون " الورعون " الأشرار الذين كانوا يربون منذ الطفولة الباكرة على أيدي اساقفة خبثاء إنهمكوا جوهريا في شن الحروب الأهلية على مواطنيهم . و الإستثناء الوحيد اللامع كان جوليان ــ الذي ضرب بمسيحيته عرض الحائط لحظة إعتلائه للعرش ــ فتم قتله ( من المحتمل على يد جندي مسيحي ) في غضون ثلاث سنوات .

تحركت طبقة النبلاء الرومان بالجملة نحو المناصب العليا للكنيسة حين صارت العقوبات المالية تجعل من الحكمة هجر الوثنية, فيما التشريعات الجزائية جعلتها أمرا ذا اولوية . عموما , كان أساقفة غرب اوربا هم الطبقة الأرستوقراطية الرومانية القديمة مرتدية طاقية جديدة .
و بموافقة من الأباطرة , شرعت الكنيسة في الإستيلاء و مصادرة ثروات الإمبراطورية بشكل متزايد لمصلحتها الخاصة ــ و مع ذلك أصبحت في النهاية غير مبالية بمصير الإمبراطورية نفسها فالأم المقدسة الكنيسة هي كل ما يهم .

مع رغبة النخبة الرومانية في ملاقات الغزاة التي تآكلت على نحو جدّي , فالمدافع البديل الواحيد كان المرتزق البربري , الذي كان تحت أمرة الزعماء القبليين المستقلين ذاتيا بصورة مضطردة. و حين كان هؤلاء المرتزقة يفشلون كان يتم اللجوء إلى رشوة العدو لتسكينه و تهدئته مؤقتا .

إن عهدا فاسدا إستخدم الثروات المتراكمة خلال ألف سنة لكي يشتري الزمن ــ و بعد ذلك أنفق هذا الزمن في بناء الكثير من الكنائس , و في دعوة المجامع المطولة للإنعقاد لتسوية الفروقات في تفاصيل اللاهوت , و كذلك في مطاردة و إضطهاد المعارضة الداخلية .



منظر من القرن 19 يمثل نهب الوندال لمدينة روما سنة 455


سهل جدا لأن يكون صادقا


الصورة التقليدية " سلب و نهب و إغتصاب ". تخفي الميلودراما التأثير الماكر و الناخر الذي مارسته لكنيسة على عدة أجيال من الأمراء الرومانيين ضعفاء العقول .
أصبح الآن واضحا ان القبائل المهاجرة , غالبا في حالة يأس و على حافة المجاعة , كانت تمتلك ميثاقا أخلاقيا و إنسانيا أرقى من الرومان الفاسدين . و كانت حركتهم بعرباتهم و قطعان ماشيتهم أقل من هجمة بل بالأحرى رحلة يرثى لها .