مكسيم جوركي
في عام 1868 م ، وفي بلدة نيجني نوفجورود ، ولد اليكسي بيشكوف ، الذي عرف باسم مكسيم جوركي فيما بعد ، كان والده في بدء حياته نجارا ومنجدا للمفروشات ، وقد تزوج ابنة رجل موفور الدخل ، على الرغم من والدها ، ثم ارتقى حتى أصبح مديرا لميناء ( استراخان ) ، ولكنه لم ينعم بهذه الوظيفة طويلا ، لأنه ـ بعد عام من هذا التعيين ـ توفي بالكوليرا ، وعادت الأرملة الشابة ، وابنها اليكسي ذو الأعوام الاربعة ، الى نيجني نوفجورود ، ليكونا في كنف والد الأم .
و قد كان جده لأمه رجلا قاسي القلب ، لا يعرف للحنان معنى ، على عكس جدته لأمه كانت حنونة وطيبة ، وقد تركت هذه الجدة في نفس الصبي اليكسي أطيب الآثار ، ولم تلبث الأرملة الشابة ، أم اليكسي ، أن تزوجت ، فكانت هذه أول صدمة يعانيها الصبي ولم يستطع أن يغفر لها عملها هذا .
بعد سنوات قليلة ماتت الجدة ثم الأم ، فما كان من الجد الا أن طرد اليكسي من بيته ، وبهذا أصبح الصبي متشردا ، لا يجد مأوى ولا مسكنا ، وهو مازال ابن احد عشر عاما ، ولم يكن قد أنهى المدرسة الابتدائية بعد ، و في هذه السن المبكرة عرف اليكسي الجوع ، ونام على الارصفة ، وقد كانت هذه الفترة من حياة روسيا قاسية والعاطلون بلا عدد ، وخاصة بعد ان صدر قانون عام 1861 بتسريح عبيد الأرض ، وبعد أن ظهرت المصانع الكبيرة التي قضت على أصحاب المصانع الصغيرة ، وقد تنقل الصبي اليكسي بين أعمال كثيرة ، وهو يصف هذه الفترة من حياته فيقول : (( لقد بدأت حياتي بأن عملت مساعدا لدهان ، وخبازا ، وداهنا للأيقونات ، وسائسا للخيل ، وحفارا للقبور ، وحمالا ، وحارسا ليليا ، وبستانيا . . . وقد تركت فيّ هذه الحياة آثارا عميقة ، جسمية ونفسية ، فأصبت بضعف في الأعصاب ، وآلام في الصدر . . . و فوق كل هذا فهمت الحياة على حقيقتها )) .
و عندما بلغ جوركي الخامسة عشرة قرر أن ينتقل إلى قازان ليدرس في مدرستها ، ثم ليلتحق بجامعتها ، فوصل إليها وليس في جيبه سوى روبل واحد ، ولم يجد له مأوى سوى قبو في بيت مهجور .. (( وقد أثبت هذا القبو أنه خير جامعة تستطيع أن تعلمني )) .
وفي قازان وجد اليكسي بأن من المستحيل عليه أن يكمل تعليمه ، وهو لا يملك قوت يومه ، ولهذا انضم الى فئات المشردين والسراق والمجرمين ، وكاد أن يصبح واحدا منهم ، تطارده السلطات ، لولا أن أتيح له أن يلتقي ببعض طلبة قازان ، ويقرأ في اجتماعاتهم السرية تلك الكتب الممنوعة ككتب جون ستيوارت مل … (( وقد استطاعت هذه الكتب أن تنقذني من ذلك المصير الرهيب )) .
وأخذ جوركي ينتقل من بلد الى آخر ، ومن عمل الى آخر ، وهو يذكر كيف أنه عمل حارسا ليليا في محطة سكة حديد صغيرة ، وكان عليه أن يحرس قطارات البضائع ، والمخازن ، من اللصوص ، ولكنه اكتشف أن اللص الأكبر كان هو ناظر المحطة نفسه ، وقد سجل جوركي تجربته هذه في قصة (( حارس الليل )) .
وقد تبدو بعض شخصيات قصص جوركي غير واقعية ، ولكنها في الحقيقة واقعية الى ابعد حد ، فقد يكون من الواقع احيانا ما يفوق الخيال ، لقد صور جوركي في احد قصصه ما راه بعينيه عندما كان يمر بقرية من قرى مقاطعة خرسون ، لقد رأى امرأة عارية تجر عربة ، ورجل يضربها بسوط وقد نزف الدم من جسدها ، ولما تقدم لانقاذها كاد يفتك به اهل القرية ، ثم عرف منهم ان هذا هو عقاب الزانية .
ومكسيم جوركي من الكتاب الذي لم ينتظروا طويلا حتى يشتهروا : لقد صدر له عام 1898 جزءان من الاقاصيص ، فاستقبلها القراء بكل حماسة ، واصبح جوركي ليجد نفسه وقد صار فجأة مشهورا ، وقد اعيد طبع هذين الجزأين للمرة الثانية بعد عام ، مع جزء ثالث ، واصبحت صور المتشرد بالامس تملأ الاعلانات ، وتزين علب السجائر ، وشتى وسائل الدعاية ، ولكن كل هذه الشهرة لم تدر راس جوركي ، فبقي متواضعا بسيطا لا ينفق على نفسه من دخله الكبير سوى القليل .
وفي هذا العام نفسه ، عام 1901 ، ألقي القبض عليه ، وزج في سجن نيجني نوفجورود لاتهامه بالقيام بنشاط ثوري ، ولكنه اطلق سراحه بعد شهر ، بعد أن توسط له تولستوي ، وفي عام 1902 ، اختير جوركي عضوا في الأكاديمية ، ولكن القيصر نيقولا الثاني ألغى هذا الاختيار ، فقدم كل من تشيكوف وكورولنكو استقالته احتجاجا ، أما تولستوي فلم يعر الأمر اهتماما ، لأنه هو نفسه لم يكن حسن الظن بالأكاديمية .
يتبع بعون اللهl;sdl [,v;d
المفضلات