روى الإمام مسلم بسنده عن عبد الله ابن مسعود قال: حدثنا رسو ل الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق قال: (إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما،ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح. ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد). رواه مسلم
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الأول أن الجنين يجمع خلقه في أربعين يوما، فما هو هذا الجمع للخلق؟ تعني كلمة (جمع) في اللغة (11): جمع الشيء عن تفرقة، قال ابن حجر(12): والمراد بالجمع ضم الشئ بعضه إلى بعض بعد الانتشار. فما هو الشيء المنتشر المفرق الذي يضم بعضه إلى بعض لتحقيق تكون الخلق؟ إن هذه العبارة النبوية غاية في الدقة العلمية ؛ حيث يمكن استنتاج أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار بها إلى انقسام وتكاثر الخلايا الجنينية الهائل والسريع وفي اتجاهات متفرقة، وعلى تمايز هذه الخلايا في طور العلقة، ثم تجمع خلايا كل عضو من أعضاء الجنين ليتم تكونه وتخلقه في طور المضغة في صورة براعم أولية، ولا تنتهي الأربعون يوماً الأولى إلا وخلايا جميع أعضاء الجنين المختلفة قد تمايزت وهاجر ما هاجر منها وتجمعت في أماكنها المحددة لها بعد أن كانت متشابهة وغير متمايزة في مرحلة التكاثر الهائل والسريع للخلايا الجنينية الأولية في الأسابيع الأولى.
كما أخبر(في نفس الحديث أن أطوار الجنين الأولى؛ العلقة والمضغة تبدأ وتكتمل أوصافها وتنتهي خلال هذه الأربعين. فالحديث يتكلم عن التحديد الزمني لقضيتين: الأولى: زمن جمع الخلق لخلايا أعضاء الجسم في صورة براعم أولية، والثانية: زمن أطوار الجنين؛ العلقة والمضغة نصا والنطفة لزوما؛ لأنه لا وجود لكلمة النطفة في الروايات الصحيحة.
وجه الإعجاز في حديث الأربعين
يدل ظاهر الحديث أن خلق الإنسان يجمع في الأربعين يوما الأولى فلا تكاد تمر إلا وقد تمايزت وتجمعت خلايا كل عضو من أعضاء الجنين وتخلقت في صورة براعم، واجتمعت كلها في حيز لا يزيد عن سنتيمتر واحد. ثم يذكر الحديث وصف طوري العلقة والمضغة في هذه المدة من الزمن: (ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك). أي ثم يكون علقة مكتملة الخلق المقدر لها مثل ما اكتمل جمع خلايا خلق الإنسان في الأربعين يوما الأولى. ويقرر العلم الحديث أن الجنين فيما بين اليوم الثامن والواحد والعشرين يأخذ صور العلق المختلفة من تعلق شيء بشيء ومن ظهوره كقطعة دم جامد، حتى تكتمل صورته كصورة العلقة التي تسبح في البرك وتتعلق بالماشية في نهاية الأسبوع الثالث. (ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك) حيث يأخذ الجنين شكل المضغة المستديرة المميزة بعلامات تشبه طبع الأسنان عليها، وبسطح غير منتظم، وتنتج الفراغات بين الكتل البدنية شكلا أشبه بالمادة الممضوغة. ويتجلى الإعجاز في التطابق بين الاسم والمسمى، مع أن الجنين من الصغر بحيث لا يزيد طوله عن قدر أنملة، والفترة الزمنية بين هذه الأطوار قصيرة، وتقدير عمر الجنين قبل اكتشاف البييضة وارتباط دورة الحيض بها أمر في غاية الصعوبة. كما أن النطفة، والعلقة، والمضغة، التي ذكرها القرآن الكريم لم تكن معروفة أصلا في تلك الأيام.كذلك فإن الأعضاء الأساسية للجنين في الداخل تبدأ في التمايز والتخلق، وبالتدريج يأخذ الجنين شكل المضغة المخلقة وغير المخلقة (10).