التوحيد الإسلامي الغامض..
التوحيد في الإسلام : هو الاعتقاد الجازم و الإيمان القاطع بأن الله تعالى واحد في ربوبيته لا شريك له و واحد في إلهيته لا ند و لا شريك له ، واحد في أسمائه و صفاته لا مثيل له و إفراد الله تعالى بهذه الأمور هو أصل الأصول و الإيمان به من أعظم الفرائض و الواجبات بل قل هو أعظمها و أهمها .


فإذا تبين لك هذا فاعلم أن التوحيد أنواع و هو كالآتي :

أولاً : توحيد الربوبية : و هو إفراد الله بأفعاله و ذلك بالاعتقاد الجازم و الإيمان القاطع أن الله وحده هو الرب الخالق الرازق المدبّر الآمر المحي المميت السيد المالك ، فالله مالك كل شئ و ما سواه مملوك و هو خالق كل شئ و ما سواه مخلوق .

((اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ )) الزمر 62 و قال ((وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا)) هود 6 و قال أيضاً ((هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )) يونس 56

ثانياً : توحيد الألوهية وهو إفراد الله بالعبودية و ذلك بالاعتقاد الجازم و الإيمان القاطع أن الله وحده هو الإله الحق المستحق لجميع أنواع العبادة و الخضوع و الطاعة المطلقة دون ما سواه فلا تصرف أي عبادة إلا له سبحانه سواءً كانت هذه العبادة من العبادات القلبية كالمحبة و الخوف و الرجاء و التوكل أو كانت هذه العبادة من العبادات القولية كالدعاء و الاستعاذة و الاستغاثة ، أو كانت هذه العبادة من العبادات العملية كالصلاة و الصوم و النحر . فإن الإله ( المألوه ) هو المعبود الذي تألهه القلوب محبةً و تعظيماً فحقيقة العبادة هي كمال المحبة مع كمال الخضوع و التعظيم و ذلك لا يكون إلا للإله الواحد .
و هذا التوحيد هو ما جاءت به كافة الأنبياء والرسل ودعت إليه و ذلك بإفراده تعالى بالعبادة و ترك عبادة ما سواه فالتوحيد هو العبادة كما جاء بالأثر عن ابن عباس رضي الله عنه
((وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ )) النحل 36
و ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ )) الأنبياء 25
وقد أخبر سبحانه عن نوح وهود وصالح وشعيب عليهم الصلاة والسلام أنهم قالوا لقومهم : { اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } هود 50 .

ثالثاً : توحيد الأسماء و الصفات : و هو الاعتقاد الجازم و الإيمان القاطع بأن الله تعالى له الأسماء الحسنى و الصفات العلى فهو سبحانه متصف بجميع صفات الكمال و نعوت الجلال و منزه عن جميع صفات النقص و العيب لا مثيل له لا في ذاته و لا في صفاته و لا في أفعاله . فنثبت له سبحانه من الأسماء و الصفات ما أثبته لنفسه في كتابه أو أثبته نبيه صلى الله عليه و سلم في سنته على الوجه اللائق به سبحانه إثباتاً من غير تمثيل و لا تكييف و تنزيهاً من غير تعطيل و لا تحريف . و كل ما ثبت لله تعالى من الصفات إنما هي من صفات الكمال التي يحمد عليها و ليس فيها نقص بأي وجه من الوجوه بل هي ثابتة له على أكمل وجه . و ننفي عنه سبحانه ما نفاه عن نفسه في كتابه أو نفاه نبيه في سنته من صفات النقص و العيب مع اعتقاد ثبوت كمال الضد للصفة المنفية عنه جل و علا . فنفي الظلم مثلاً يتضمن إثبات كمال العدل .

(( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )) الشورى 11

و قال أيضاً سبحانه (( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُون َ)) الأعراف 180

فإذا علمت أن الله سبحانه و تعالى ذات واحدة مقدسة لها الملك و التدبير و الأمر و هي وحدها المستحقة للعبادة وهي المتصفة بكافة صفات الكمال و نعوت الجلال و منزهة عن كل صفات النقص و العيوب تبيّن لك مفهوم التوحيد في الإسلام و حقيقته ، فهل لديك يا زميل أي اعتراض على هذا المفهوم و ما تضمنّه ؟؟؟؟
أنا حقيقةً كنت أنوي إهمال أغلب هذا الجزء من مشاركتك..والإكتفاء بجواب مسألة الثالوث الأقدس..ولكني غيّرتُ رأيي وقررتُ أن اُسجِّل بضع ملاحظاتٍ عن مقالك هذا ..حتى تعرف سبب عدم إرادتي اجابته كما سأصرح عنه بعد الشرح في نهاية المشاركة هذه
أما عن المقدمة من الإعتقاد الجازم بوحدانية الله لا شريك له ولا مثيل...فهذا نتّفِقُ عليهِ وهو ما اؤمن بهِ وهو ما يؤمن به حتى اليهود والصابئة المندائيين وغيرهم. بل الحقيقة الكثير مما ذكرت اتفق معك بها ككلام فلسفي مُمَنطَق (وليس كل الكلام)..مع اختلاف اني اؤمن بواحدانية جامعة..
..
قلت في معرض كلامك في ثانياً..ان الرسل كلهم جائوا بهذه الرسالة..تبقى المشكلة عندي في اثبات ذلك!! فأهم سؤال...لا يأتي في طرق وتسميات وكلاميات التوحيد بل الأهم الأهم هو في هوية من توحدون! فإن علمنا من توحدون فعندها يكون الكلام في ما بعد ذلك مما ذكرته من الكلام حول الافعال والصفات والاسماء..ولو سألتك عن ماهية وكينونة من تعبُد..فسيكون ملخص اجابتك "ليس كمثله شيء" وعزوف عن تقرير ماهية ووصف صفاته التي صرّح عنها في القران والسنة! اما الكينونة فتجهلونها جهلاً شبه كُلي ان لم يكُن كلياً فعلاً! فكل ما تعرفونه انه واحد وليس كمثله شيء!! الامر الذي توافقكم عليه ونزيد...واما ما تزيدونه على ذلك فكله يدخل في باب الصفات...
ومن هُنا..اُحِب أن أقول ان التثليث ليس مرفوضاً بل يمكن وجوده في الذات الالهية التي تعبدون ولكنكم تجهلونه وهذا الكلام نظرياً ممكن !!
فمعرفتي بوجود كأس غامق لا تمنع جهلي بمعرفة ما في داخله (جوهره)
وأذكر اني عندما كنت صغيراً كان من أول الكتب التي قرأتها في الدين كتاب اشترك في كتابته قس وشيخ أزهري...أخذت الكتاب من مكتبة جدي رحمه الله ولا اذكر له عنوانا ولا اسماء المؤلفين...وقرأت فيه كيف إن الاسلام لا يرفض في أي موضع ثالوث المسيحيين ولا ينقضه صراحة...وما يرفضه هو ثالوث المريميين الهراطقة! ولكنه لم يأتي على ذكر الثالوث الاقدس الذي آمنت به كنائس الشرق والغرب عندها! عموماً..دعني أرجع لِإُكرّر هدفي من كل الكلام هذا:
الإسلام لا يُعرّفُنا بجوهر الاله ولا يحدثنا عن الذات الالهية وماهيتها! ولكنه اكثر من الكلام في صفاتها..فيكتفي بقول "ليس كمثله شيء"
..
أما عن ثالثاً..فقد إختلفت في ما تتضمّن فرق المسلمين..
فنرى العديد من المدارس الفلسفية والفرق الكلامية ( كالاشعرية والمعتزلة والجهمية والماتريدية الى آخره)رفضت إقرار الصفات او على الاقل اختلفت مع من يسمون انفسهم بالسلفيين ! ..وإن تركنا تكفير البعض لهؤلاء جانباً..فإن من هؤلاء من كان من ائمة المسلمين وعلماؤهم وتجاهلهم هنا لن يكون عدلاً
أنا هنا أجتهد بإعتقادي انك لا تنتمي الى أي من هذه الفرق المذكورة المخالفة للتعريف المذكور في أولاً..وانما توافق السنة السلفيين في معتقدهم...وصححني رجاءاً لو كنتُ مخطئاً فقد كان الواجب ان أسالك قبل التحزُّر في الأمر.
وصدقني لا أعرِف إن كنتُ أبغي الدخول في الموضوع ذاك! فلست هنا أُناظِركم بها ولست متاكداً من الفائدة التي سنخلص اليها اصلاً ولكن مخلص الكلام ان تعريفك في هذه الجزئية لا يتفق فيه المسلمون.....
ولو أردت التكلم في الصفات لما انتهينا فلي من الاعتراضات عليها الكثير! وقولي "الاعتراضات" هو ما موجود عندي من نصوص اراه ينفي اقوالك وهنا اعني قولك "تنزيه الله عن كل عيب" وقولكم انه ما يتجسم والمكانية واللامكانية...وكل ذلك فيه من الكلام الكثير الكثير...ولكن ذلك سيكون كلاماً في الصفات...والكلام عن الثالوث هو كلام عن الجوهر الالهي...ومن هنا فسيختلف الموضوع...
وكان هذا مما اريد ايصاله لحضرتك...فأنت قلت لنعقد مقارنة...ثم خلطت بين الجوهر والصفات..والمقارنة تكون بين جوهر وجوهر او صفات وصفات وليس جوهر وصفات...
ومن هذا المنطلق..سأسكت عن التكلم في موضوع الصفات...وسأعتبره خارج عن موضوعنا...ولو شئت أمكننا التكلم فيه في نقاط مستقبلية..لان الخلط هذا يشتت القارئ والذهن..
أتمنى ان اكون وُفِقتُ في تبيان رأيي في رفض تداخل المواضيع خاصة وانها مواضيع كبيرة وعقيدية ليست بالسهلة وتداخلها سيكون مُشكلاً اكثر منه مفيداً لنا كمحاورين وللقراء المتابعين على حدٍ سواء..
يُتبع