زينب بنت محمد( رضى الله عنها ) الحلقة الثالثة

--------------------------------------------------------------------------------

بلغ الرسول – صلى الله عليه وسلم – أن قافلة لقريش قد أقبلت من الشام فأرسل زيد بن حارثة رضي الله عنه في سرية لاعتراض القافلة .. فاستولوا عليها وعادوا إلى المدينة ومعهم الأسرى الذين كانوا في حراسة القافلة ..

كان من ضمن حراس القافلة أبو العاص بن الربيع .. إلا أنه استطاع الهرب من جنود سرية زيد فلم يقع في الأسر معهم ..واختبأ في مكان بالقرب من المدينة .. وظل في مكمنه يعاني البرد الشديد وخوف الصير، وكان وهو في مقامه هذا يهفو قلبه المضطرب إلى الحبيبة ( زينب ) ..

( زينب ) .. التي ماعرف الهناءة والطمأنينة إلا بجوارها ، وما عرف السعادة والأمن إلا معها .
فكر ماذا يفعل؟ هل يقوم من مكمنه ويمضي باتجاه مكة وحيدا وليس معه زاد ولا ركوب ؟
أم يتخذ سبيله إلى بيت زينب حيث الحبيبة الوفية التي لا يمكن أن تتنكر له ، يستجير بها ويلوذ بحماها ؟
وغلبه حبه وصدق مشاعره ، فتسلل تحت جنح الليل مستتر بالظلام وقرع الباب وكانت طرقاته أخف من وجيب قلبه المضطرب .
وقامت زينب رضي الله عنها خائفة .. فمن ذا الذي يطرق بابها في مثل هذه الساعة المتاخرة من الليل ؟
ونادت :
- من بالباب .
وجاءها الصوت الذي تعرف .. هامسا خائفا مضطربا :
- أنا أبو العاص
وفتحت الباب واستقبلت الزوج الحبيب !!

لكن اللقاء تحدثت به العيون بدلا من الألسنة ، وتصافحت القلوب بدلا من الأيدي ، وتعانقت الأرواح بدلا من الأجساد ، وانهمرت الدموع من العيون مدرارا .
ظل أبوالعاص – رغم استعادته سكينته – قلقا وجما بعض الشيء ، قليل الكلام .
وعرفت زينب انه جاءها مستجيرا ، محتميا بحماها، طالبا شفاعتها عند أبيها ، فطمأنته أنها ستفعل في الغد إن شاء الله ..
فلما صلى رسول الله الفجر ، قامت زينب فنادت مستشفعة :
- إني قد اجرت أبا العاص بن الربيع
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم :
- أيها الناس هل سمعتم كما سمعت ؟
- قالوا : نعم
- فقال : فوالذي نفسي بيده ما علمت بشيء مما كان حتى سمعت بالذي سمعتم
- وأضاف : المؤمنون يد على من سواهم ، يجير عليهم أدناهم ، وقد أجرنا من أجارت

فلما انصرف عليه الصلاة والسلام إلى منزله ، دخلت عليه زينب فسألته أن يرد على أبي العاص ما أخذ منه ففعل وأمرها أن لا يقربها فإنها لا تحل له مادام مشركا .

وهذه الواقعة يجب ألا تفوتنا .

ذلك أن أبا العاص حين شعر بالامان يغمره في المدينة وأن الرسول قد أواه واجاره ورأى ما في الإسلام من سماحة أدرك ما كان فيه من جاهلية عمياء ..

كما أدرك أن حب زينب له وحبه لها أصيل ومتمكن من قلبيهما
أدرك كل ذلك .. وأراد أن يدخل في حوزة الدين الحنيف راغبا لا راهبا ، وان يعلن إسلامه ولكن .. !
وعند ( ولكن ) توقف أبو العاص .

ثارت في وجدانه شهامته العربية وإباؤه القبلي .. فأضمر في نفسه أن لا يكون إشهار إسلامه منعوتا بالتأثير والضغط .. فلا يقال في مكة بان أبا العاص أسلم رغبة في الحياة أو خوفا من الموت أو غير ذلك .. وصمم على أن يكون إشهاره لإسلامة في أندية مكة وعلى رؤوس الأشهاد .
وأيضا هناك أمر آخر وهو ما في ذمته من أموال لقريش ، فلو أنه بقى في المدينة وأعلن إسلامه فسيقولون بأنه قد تهرب من رد ودائعهم وأماناتهم .. وهذا ما تأباه نفسه
رجع أبو العاص بالمال إلى مكة وأعطى كل واحد من قريش نصيبه من المال ثم قال:" أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمد عبده ورسوله، والله ما منعني من الإسلام إلا أن تظنوا أني إنما أردت أن آكل أموالكم، فلما أداها الله إليكم فرغت منهم وأسلمت".جمع أبو العاص أغراضه وعاد إلى يثرب قاصداً مسجد الرسول r فإذا بالرسول r وأصحابه يفرحون بعودته، ليكمل فرحتهم تلك بالإسلام ورد عليه الرسول زينب فاجتمع الشمل ، واكتمل العقد وخيم على الدار ماكان من قبل من حبور وسرور ، وهناءة وسعادة .


وفاتها ( رضي الله عنها ) :

مضى على الزوجين الحبيبين عام واحد في المدينة ، يعبان من السعادة والفرحة ، ثم كان الفراق الأبدي الذي لا لقاء بعده إلا في الدار الأخرة .

إذ توفي الله تعالى إليه زينب – رضي الله عنها – في مستهل السنة الثامنة من الهجرة ، متأثرة بمرض النزف الذي لازمها منذ هجرتها .

وبكاها أبوالعاص بكاء حارا ، وتشبث بها حتى أبكى من حوله .

وجاء رسول الله دامع العين ، محزون الفؤاد ، وقد ذكره موتها فراق خديجة رضي الله عنها .
ثم قال للنسوة اللاتي اجتمعن حولها :

- اغسلنها وتراً، ثلاثاً أو خمساً .. واجعلن في الآخرة كافور
ثم صلى عليها ، وشيعها إلى القبر .


رضي الله عن زينب بنت الرسول صلى الله عليه وسلم ، وجزاها بما صبرت جنة وحريرا ,,

يتبع غدا باذن الله عن الابنة الثانية لسيد البشرية علية اطيب الصلاة والتسليم ( رقية ) رضي الله عنها



v]: lu kshx fdj hgkf,m