السلام عليكم.
وهذه مقد مة أخرى في علم الاجتماع ولكن بأصول إسلامية إسلامية
أ ـ الإنسان نفس وبدن وروح، وقد ذكر القرآن الحكيم النفس وجعلها محتملة الأمرين، مثل قوله سبحانه: (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها، قد افلح من زكاها، وقد خاب من دساها)
وقد ذكر البدن بطور حيادي كأنه لا شأن له، مثل قوله سبحانه: (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين).
وذكر الروح بإعظام كالآية الآنفة وغيرها، فكأن البدن سفل، والروح علو، والنفس بينهما إن مالت إلى الأعلى كانت مع العليين، وإن مالت إلى الأسفل كانت في سجين.
والنفس يحيط بها البدن، والبدن في الاجتماع، ويحيط به المدينة ونحوها، وحولها المحيط الطبيعي، والنفس قادرة على إصلاح نفسها، ثم بدنها، ثم الاجتماع، ثم المحيط الاصطناعي، ثم المحيط الطبيعي، كما أن النفس قادرة على تخريب الكل، والمجتمع إنما يتولد من نقطة البدء، فاللازم في علم الاجتماع، أن نشرع من هنا، ونبني الهيكل الاجتماعي الصحيح من النفس النقية النظيفة، و[أفلح] و[خاب] في الآية الكريمة ليسا للآخرة فحسب، وإنما للدنيا أيضاً، فإنه وإن كان مطرح نظر القرآن الحكيم الآخرة فإن الدار الآخرة هي الحيوان، لكنه ينظر إلى الدنيا كقنطرة، ولذا ورد في القرآن الحكيم: (وابتغ فيما آتاك اله الدار الآخرة، ولا تنس نصيبك من الدنيا).
كيفية إعادة المجتمع الإسلامي
ب ـ وحيث أن الاجتماع الإسلامي لألف مليون مسلم قد تحطم، بل قد تحطم الاجتماع البشري كله، حيث استبد بالعالم قيادات غير رشيدة، فــاللازم أن نــتحرى أفضل السبل لإعادة الاجتماع الصحيح، لا بالنسبة إلى المسلمين فقط، بل بالنسبة إلى البشرية جمعاء.
قال سبحانه: (وما أرسلناك إلا كافة للناس).
و
: (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين)
وهذه الإعادة تكون بالأسس الخمسة بإذن الله تعالى، وهي:
التنظيم الحديدي الذي يراعى فيه جانب التنظيم من ناحية، وجانب الحرية من جانب آخر، حتى يكون التنظيم هيكلاً استشارياً في العمل.
قال سبحانه: (من كل شيء موزون)
وقال علي عليه السلام: (نظم أمركم)
وقال سبحانه: (يضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم).
التوعية الكاملة المناسبة للعصر، والتي تبدأ [بعد الإيمان الرشيد] بالسياسة، والاقتصاد، والاجتماع، فقد ورد: (وساسة العباد) و: (من لا معاش له لا معاد له) وقال علي عليه السلام: (واجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكره لها، ولا تظلم كما لا تحب أن لا تظلم، وأحسن كما تحب أن يحسن إليك).
السلم، فإن السلام نبتة لا تقلعها العواصف، قال سبحانه: (ادخلوا في السلم كافة) وشعار الإسلام السلام، وحتى الدولة المرهوبة الجانب، خير لها أن تحل كل مشاكلها بسلام، لأنّه أحمد عاقبة، وأهنأ مذاقاً، والقوة وضعت لقصوى حالة الضرورة، ولذا نرى شعار الأنبياء عند دعوتهم السلام وقد روي عن المسيح عليه السلام: (أحبوا أعداءكم).
الجماهيرية: فلا يكون التنظيم صنماً دون المبدأ، وكل حركة اتخذت الصنمية انفصلت عن الجماهير، وبذلك تذوي وتذبل، وجزاؤها حينئذ أن لا تصل إلى الهدف المنشود، بينما ترى غيرها تقدمت في الميادين، وأخذت الساحات، التي كانت الحركة تأمل كسحها، فالناس إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق.
ويأتي أخيراً، دور الاكتفاء الذاتي، فكل محتاج إلى غيره مقود له، وبذلك يفقد صفة القيادة.
قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: (احتج إلى من شئت تكن أسيره، واستغن عمن شئت تكن نظيره، وأحسن إلى من شئت تكن أميره).
تجنب الأخطاء حين العمل
ج ـ ويلزم تجنب الأخطاء التي كثيراً ما تقع فيها الجماعات العاملة مما يسبب وقوفها في منتصف الطريق، أو ارتدادها القهقري.
مثل الانتهازية بالأعمال النفعية، التي لا تؤمن بها الجماعة، وإنما لكسب القوة الوقتية، إذ بعد عمل أو عملين كهذه، تنكشف سوئة الجماعة، ومثل هذه الجماعة غير جديرة بالاعتماد، فينفضّ الناس من حولها، وكثيراً ما ترى حزباً يعمل خمسين سنة أو أكثر ولا يكون إلا كجمعية خيرية كبيرة، لها شعب وفروع وبينه وبين هدفه مسافة شاسعة، وليس ذلك إلاّ لارتكابه مثل هذا الخطأ أو غيره.
أو عدم أطروحة جديدة لهم، بعد نقدهم الأطروحة الموجودة المطبقة في الساحة، فنظامهم الذي يأملون تطبيقه، فيه إبهام وإجمال، من حيث الحريات، أو السياسة والاجتماع والاقتصاد، أو معاملة الأقليات، أو نحو ذلك والناس لا يتركون ما جربوه إلى شيء مجهول، فعلى الجماعة التي تريد التقدم والاشتهار، والسيطرة، أن يكون لها برنامج معلوم مفهوم، ويكون أفضل من البرنامج الموجود، وإلا باء بالفشل.
أو توجس الناس منهم خيفة، حيث لا سلام لهم مع الجماعات والقوى التي في الساحة، وبذلك يأخذون في هدمهم، وتفريق الناس من حولهم، وقد ورد في الحديث: (لو وضع الرفق على شيء زانه، ولو وضع عنه قط إلا شانه).
وفي الحديث: (إن جبرئيل عليه السلام، كلما نزل أمر الرسول صلى الله عليه وآله بمداراة الرجال…) وهكذا يلزم على كل جماعة عاملة أن تدقق في الأخطاء التي وقعت فيها الجماعات الأُخر، فيتجنّبها وإلا كان مصيرها الفشل، كما كان مصير تلك الجماعات.
مراحل العمل
د ـ ثم إن الطريق إلى جمع كلمة المسلمين، وإنقاذهم من براثن التخلف والذل، بعيد المدى، حيث أن الأمراض قد استفحلت فيهم، وقد انطبق على جملة منهم، قوله سبحانه: «في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً» هذا بالنسبة إلى إنقاذ المسلمين فحسب، فكيف بإنقاذ غيرهم، من الذين سقطوا في أنياب الطغاة؟ إذاً، فاللازم على الجماعة العاملة أن تخطط تخطيطاً سليماً، لأجل الوصول إلى الهدف، والتخطيط لابد وان يقسم إلى مراحل ثلاث:
1 ـ
المرحلة القصيرة المدة، بالتكـويــن والتنظيم بكـــل هدوء وحـــزم وتعقل، كـــالنبتة تكوّن نفسها ـ بــإذن الله تعالى ـ تحـــت التراب، فتمتص من الماء والنور والأملاح وغيرها حتى تتأهل، لأن تكون نبتة تخـــرج برأسها إلى السطح «كزرع أخرج شطئه»
2 ـ المرحلة المتوسطة المدة، وذلك بوضع الأسس الفكرية الصحيحة المتكاملة اللائقة المؤهلة، لأن تكون بديلة عن الأوضاع السائدة، وهذه المرحلة متوسطة بين الأولى والأخيرة، حيث تهضم في نفسها المرحلة السابقة، وتكون كالفرخ الذي يخرج من البيضة، وقد تقوى بالبيضة وجعلها قاعدة الانطلاق وهذه المرحلة تحمل أعباء المرحلة السابقة، من ناحية، وتؤهل نفسها للمرحلة اللاحقة.
3 ـ ثم يأتي دور المرحلة الأخيرة والنهائية بتجميع القوى والقدرات، وتكوين الأنصار والشمول والسعة، حتى تكون بالفعل بديلاً عن النظام القائم وبذلك تكون الجماعة قد وصلت إلى هدفها المنشود، وتمكّنت من إقامة حكم الله في الأرض، بما لا مثيل له، لا من حيث الحرية، ولا من حيث السلام، ولا من حيث الرفاه.
الميزانية الدقيقة
هو كما نشاهد في عالم الصناعات وجود الميزانية الدقيقة للأخذ والعطاء فإذا زادت الكهرباء مثلاً جعلت الميزانية الضغط منخفضاً، وإذا قلت جعلته عالياً، كل ذلك لحفظ التوازن المطلوب في المحل المجهز بالكهرباء، كذلك يلزم أن تكون الجماعات العاملة ذات ميزانيات دقيقة، تعرف كيف تأخذ الكر والفر مع الضغوط العالمية على البلاد الإسلامية، فإذا علا الضغط تخففه، وإذا انخفض تأخذ بالسير للأمام وهكذا، وهذا الأمر في الإنسان يحتاج إلى رؤية مســتقبــلية دقــيقة، بينما الماديات مثل الميزانية الكهربائية لا تحتاج إلى ذلك.
ثم لا يخفى أن ما ذكرناه في هذا الكتاب، كما أن ما ذكرناه في كتابي [الفقه: الاقتصاد] و [الفقه: السياسة] كان حسب ما وصل إلى الفكر مما يستنبط من الأدلة الأربعة مع أخذ الموضوعات من العرف، حسب (ما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) و(نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم) ولعل الله سبحانه يقيّض جماعة من علماء المسلمين ليستنبطوا هذه المواضيع الثلاثة بالإضافة إلى الكتب المعنية بهذه الشؤون من قبل، ليجد الطالب فيما يستخرجه من الأوفق بالحق منها بغيته، والله المسؤول أن يوفقنا لاتباع مراضيه، وهو الموفق المستعان.
يتبع
تحياتي عفوا على الإطالة
المفضلات