صفحة 31 من 54 الأولىالأولى ... 2127282930313233343541 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 301 إلى 310 من 531
 
  1. #301
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي



    ويتسع نطاق العلمانية ويصل إلى درجة كاسحة حين يؤكد لنا العظمة أن العلمانية تتبدَّى في تاريخ الإنسانية بأسره فهي ذات "وجهة تاريخية، على نحو مقرر، لا انفكاك عنه أو على جميع الصعد". وهذه لغة هيجلية، لغة نهاية التاريخ التي لا تُبقي ولا تذر، تُذكِّر الدارس بفلسفات القرن التاسع عشر التي كانت تحاول تفسير كل الظواهر بردها إلى عنصر واضح حاسـم، وتُدخِلـه كله منظومة عضوية واحـدة لا تتخللها أية ثغرات أو أي شكل من أشـكال عدم الانقطاع. وبالفعل نكتشف أن العلمانية في كتابات الدكتور عظمة هي "العالمية" (أو "الزمانية العالمية" في رواية أخرى) وأن مسـيرة التاريخ الكوني آيلة إلى العلمـانية وهو أمر "تمليه القـيم العالمية". وإن تسـاءلت عن مضمون هذه القيم، جاءتك الإجابة أن "الكونية الفكرية مؤسسة على مركب علماني من النفعية والعلموية والتطورية". (هل التطورية هذه محاولة لبقة من جانبه لتحاشي وجه الداروينية القبيح؟). مهما كان الأمر فإن الفلسفات الثلاث التي ذكرها فلسفات ذات مرجعية زمنية مادية لا تُهمِّش الدين وحسب وإنما تُهمِّش القيم الأخلاقية والغائيات الإنسانية وفكرة الكل وأي شكل من أشكال الثبات وأي شكل من أشكال الخصوصية، فهي "كونية" و"عالمية" و"حتمية".

    ومشكلة المشاكل بالنسبة لنا (نحن المتمسكين بالقيمة وبالخصوصية والغائيات الإنسانية) أننا لا نعرف الحتميات التاريخية اليقينية التي بيَّنها الدكتور العظمة. فإذا كانت مسيرة التاريخ الكوني آيلة إلى العلمانية بمعناها الشامل (كنفعية وعلموية وتطورية)، فمسيرة التاريخ الثقافي العربي محكومة بهذا المسار. ولذا بدلاً من أن نسبح مع التيار وبدلاً من أن نلقي بأنفسنا (في سعادة غامرة، محايدة وموضوعية) في السيل الدفاق للعالمية والكونية (ونزع الخصوصية) وبدلاً من أن نتصالح مع الحتمية التاريخية لهذه السيولة، تجدنا نشعر بعُقَد النقص تجاهها.






  2. #302
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي




    ولكن المشكلة ـ في تصوُّرنا ـ أننا إن قررنا أن نسبح مع هذا التيار العالمي الحتمي سنكتشف أنه في واقع الأمر غربي (تماماً كما بيَّن لنا الدكتور العراقي). فثمة تَرادُف بين العالمية والغرب، فالواحد هو الآخر. وهو أمر مفهوم تماماً في إطار النموذج الأحادي الاتجاه (يوني لينيار unilinear) (والنماذج المادية لابد أن تكون أحادية صلبة أو ذرية [بالإنجليزية: أتومتستيك atomistic لا مركز لها). فثمة نقطة واحدة، عالمية نهائية سننتهي فيها جميعاً. وهناك من خضع للحتمية وحث الخطى (مثل أهل الغرب) فوصل إلى أرض الموعد والمنتهى، ولكن هناك من يمارس عُقَد النقص ويقاوم. ولذا ينصحنا الدكتور العظمة، بدلاً من أن نضيع الوقت ونكد ونتعب، أن نُوجِّه أنظارنا حيث نجد تطبيقاً متبلوراً للقوانين العالمية العامة الحتمية، فتبني المُثُل الغربية هو تبني المُثُل العالمية، والمُثُل العالمية (كما بيَّن لنا هاشم صالح) تعني سيادة القوانين المادية الطبيعية العالمية التي لا تعرف المكان أو الزمان أو الغائيات الإنسانية أو الخصوصيات القومية (فهي "زمانية عالمية") تحوِّل الإنسان إلى كيان طبيعي/مادي لا يختلف كثيراً عن الكائنات الطبيعية/المادية الأخرى، يسري عليه ما يسري عليها من قوانين. ومن ثم يمكن تطبيق النماذج الكمية أحادية الخط العالمية. وهكذا ننتهي بإنكار، لا الميتافيزيقا وحسب، وإنما الإنسان المتجاوز للطبيعة ولمفهوم الكل والماهية.







  3. #303
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي




    وثمة مشكلات أساسية في التعريفات السابقة، الجزئي منها والشامل، نورد بعضها فيما يلي:

    أ ) تعاملت معظم التعريفات مع التعريفات المعجمية العامة للكلمة وأصولها اللغوية واشتقاقاتها ومعناها، ولم تتعامل مع مدلول الكلمة في معاجم علم الاجتماع أو علم الفلسفة، كما لم يتصد أحد تقريباً لتطوُّر الحقل الدلالي للكلمة.

    ب) أهملت معظم التعريفات قضية المرجعية النهائية للكلمة (والمفهوم)، وميتافيزيقا العلمانية الكامنة.

    جـ) تعرضت كثير من التعريفات للعلمانية باعتبارها أساساً ظاهرة غربية وحسب.

    د ) تناولت معظم التعريفات إشكالية الأصول، أي كيف نشأت العلمانية في الغرب، ولكنها أهملت دراسة المجتمعات العلمانية المختلفة في الغرب (باعتبارها الترجمة الفعلية للنموذج العلماني).

    هـ) تجاهلت معظم التعريفات الظواهر المصاحبة لظهور العلمانية مثل الإمبريالية والاستهلاكية والحروب العالمية والحركات الشمولية ولم تحاول اكتشاف ما إذا كان ثمة علاقة بين تصاعد معدلات العلمنة في المجتمع وتزايد مركزية هذه الظواهر وهيمنتها.

    و ) لم تحاول أي من التعريفات دراسة النظريات الاقتصادية والسياسية المختلفة، خاصةً المعادي منها للإنسان (النظريات التنموية ـ نظريات الدولة ـ نظرية المواطن) وعلاقتها بالعلمانية.

    ز ) لم يُناقش أي من التعريفات بعض المسلمات النظرية الأساسية التي تُعَدُّ ترجمة مباشرة للرؤية العلمانية مثل الماكيافيلية والهوبزية والداروينية والفرويدية ونظرية بنتام في المنفعة.

    ح) لم يُناقش أي من التعريفات المصطلحات والمفاهيم المستخدمة في العلوم الإنسانية الغربية لوصف بعض جوانب المجتمعات العلمانية الحديثة مثل الاغتراب والتشيؤ والتسلع والأنومي (اللامعيارية).

    ط) لم يتناول أي من التعريفات الحركات الفنية والأدبية الحديثة وعلاقتها بتصاعد معدلات العلمنة.

    ي) ولكن من أكثر الأشياء غرابة أن أياً من التعريفات لم تحاول أن تربط بين العلمانية وتاريخ الفلسفة في الغرب، ولم يحاول أي من الدارسين أن يُبيِّن علاقة البنيوية (التي تميت الإنسان على حد قول جارودي)، وما بعد البنيوية (التي تحاول أن تذيبه)، بالعلمانية. الجميع قد يشير إلى كانط وربما إلى هيجل، ولكن الجميع يبتعد عن نيتشه ودريدا ومن ثم لم يتناول أي منهم قضية العدمية والفوضوية.

    ك) لم تتناول أي من التعريفات الحياة اليومية في المجتمعات العلمانية في الوقت الحاضر، وماذا حدث للإنسان بعد أربعة قرون من ازدهار العلمانية وترعرها في المجتمعات الغربية (ظهور ثقافة شعبية منحطة ـ انتشار العنف ـ انتشار المخدرات ـ أمركة العالم).

    ل) لم يتعرض أحد للتراث الغربي الثري في نقد العلمانية وما بعد الحداثة، فهم يلزمون الصمت تجاهه، أو يدرسونه ويعرضون له في دراسات تبيِّن مدى "موضوعية" الغرب و"مدى مقدرته على تصحيح أخطائه" دون أن يستوعبوا هذا النقد في تعريفهم للعلمانية.






  4. #304
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي




    وما حدث هو أن دارسي العلمانية فصلوا المصطلح (والظاهرة) عن غيره من المصطلحات بحيث تحولت العلمانية من كونها رؤية للكون (بالألمانية: فلتنشوونج Weltanschauung) إلى ظاهرة مستقلة من ضمن ظواهر عديدة، لها تاريخ مستقل. بل الأسوأ من هذا أن تاريخ العلمانية أصبح جزءاً من تاريخ الأفكار فتجمد المصطلح وانفصل عن مضامينه التاريخية والحضارية، وأصبحت العلمانية، في كثير من الدراسات، برنامجاً إصلاحياً أو برنامجاً تآمرياً وتم تجاهل عمليات العلمنة البنيوية الكامنة المسئولة الأساسية عن تحوُّل المجتمع. ثم تدهور الأمر بين أعداء العلمانية ودعاتها إذ يقول أتباع الفريق الأول: "إن العلمانية كفر وإلحاد وغزو ثقافي" ثم يضيفون إلى هذا كل ما يبدو شراً مستطيراً. أما أتباع الفريق الثاني فيقولون: "إن العلمانية هي أن يكون الإنسـان إنسـاناً وأن يُحكِّم ضميره ويحب الخير كنهاية في ذاته ويُدافع عنه وعـن حرية الفكر والإبداع والتسامح والمحبة"، ثم يضيفون إلى هذا كل ما يبدو جميلاً ورائعاً ونبيلاً. وانطلق دعاة العلمانية يلهجون بالثناء عليها ويتحدثون عن أن لا سلطان للعقل إلا للعقل ويشيرون إلى أوربا مهد النور والعقل والعلمانية... إلخ.

    ولا شك في أن مثل هذه التعريفات المريحة لها قيمة نفسية عالية بالنسبة لمستخدميها، فهي ولا شك تُدخل على قلوبهم الراحة ولكن ليست لها أية قيمة تفسيرية، فهي ليست بتعريفات تحاول وصف الواقع وتفسيره وإنما هي أحـكام أخلاقية تعكـس لنا رؤية أصـحابها وموقفهم النفـسي والأخـلاقي من ظاهرة لم يقوموا بتعريف حدودها.

    وربما كان الأجدى أن ينظروا إلى تاريخ أوربا الاستعماري من نهب وسرق وتدمير (لبلادنا ولبلاد غيرنا) ولعلهم لو فعلوا لعرفوا أن العقل لم يحكم حضارة العقل كثيراً، ولو نظروا لتاريخ أوربا المعاصر، ورأوا هتلر وستالين ومسرح العبث وسياسات النظام العالمي الجديد والعنصرية القديمة والنازية القديمة والجديدة ومادونا وأفلام العنف لأدركوا أن المقدمات العقلية للعلمانية لم تؤد دائماً إلى ازدهار العقل والمرشد.

    ولكن بدلاً من مناقشة العلمانية في هذا الإطار المُركَّب أصبحت القضية: متى نشأت العلمانية وأين؟ هل العلمانية نسبة إلى العالَم أم إلى العلم؟ وهذا أمر مثير للدهشة باعتبار أن دعاة العلمانية هم في غالب الأمر دعاة لتَبنِّي مُثُل الحضارة الغربية ومن بينها الرؤية النقـدية. ولعلـهم لو قامـوا بتعريف العلمانية مسترشدين بدراسـة متعمقة للحضارة الغربية، مبينين حلوهـا من مرها، ولو قدَّموا لنا حساب المكسب والخسارة في التجربة العلمانية في الغرب لتم الحوار بشأن العلمانية بطريقة أكثر تركيبية ورحابة وأقل حدة.


    يتبع ما بعد العلمانية





  5. #305
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي




    ما بعد العلمانية
    »ما بعد العلمانية» (بالإنجليزية: بوست سيكولايزم post-secularism) مصطلح سكه البروفسير جون كين على وزن «ما بعد الحداثة» و«ما بعد الأيديولوجيا» وغيره من المصطلحات التي تتحدث عن «ما بعد». وكلمة «ما بعد» هنا تعني في واقع الأمر «نهاية»، و«ما بعد الحداثة» تعني «نهاية الحداثة»، و«ما بعد الأيديولوجيا» تعني «نهاية الأيديولوجيا» (ويظهر هذا في مصطلح «نهاية التاريخ»). ولكن أصحاب هذه المصطلحات آثروا أن يستخدموا الكاسحة «بوست (ما بعد)» ليشيروا إلى أن النموذج المهيمن قد فقد فعاليته، ولكن النموذج الجديد البديل لم يحل محله بعد، و«ما بعد العلمانية» تعني أن نموذج العلمانية قد دخل مرحلة الأزمة، ولكن لم يحل محله نموذج آخر. وبالفعل يتحدث البروفسير كين عن أن العلمانية لم تف بوعودها لا في العالم الأول (حيث تنتشر العنصرية والجريمة والنسبية الفلسفية) ولا في العالم الثالث (حيث تحالفت العلمانية مع الفاشية والقوى العسكرية).

    العلمانية الفاشية
    «العلمانية الفاشية» (بالإنجليزية: فاشست سيكولايزم Fascist secularism) مصطلح شاع في الآونة الأخيرة في بعض الصحف الغربية للإشارة إلى العلمانية في تركيا. فالمؤسسة العسكرية هناك هي التي تقوم بالدفاع عن «العلمانية» التي تعني في المعجم العلماني التركي «محاربة الدين». وكي تنجز المؤسسة العسكرية هذا الهدف تلجأ للأساليب الفاشية المعروفة ومنها التهديد بقلب نظام الحكم. وقد ضغطت المؤسسة العسكرية في الآونة الأخيرة، ونجحت بالفعل، في إقصاء حكومة أربكان عن الحكم رغم أن حزب الرفاه قد حصل على عدد من أصوات الناخبين يفوق ما حصل عليه أي حزب آخر، أي أن القوى العلمانية في تركيا معادية للديموقراطية، ومن هنا تسميتها «العلمانية الفاشية».











  6. #306
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي




    الباب الثالث: نموذج تفسيري مركب وشـامل للعلمانية

    فشل علم الاجتماع الغربى فى تطوير نموذج مركب وشامل للعلمانية
    علم الاجتماع الغربي والعلوم الإنسانية الغربية ككل هي جزء من المجتمع الغربي، أفقها محدد بأفق مجتمعها في معظم الأحيان، ولذا نجد أن علم الاجتماع الغربي يتأرجح بين العلمانية الشاملة والجزئية فيُنظر إلى العلمانية باعتبارها «فصل الدين عن الدولة» أو باعتبارها «مجموعة أفكار وممارسات ومخططات واضحة محددة» أو باعتبارها «فكرة ثابتة لا مثالية نماذجية آخذة في التحقق». كما أن علم الاجتماع الغربي قد ورث أيضاً الاختلاط في الحقل الدلالي لكلمة «علمانية».

    كل هذه العناصر ساهمت ولا شك في أن يفشل علم الاجتماع الغربي في أن يطوِّر نموذجاً شاملاً ومركباً للعلمانية. ولكن أهم العناصر التي ساهمت في ذلك الإخفاق أن مرجعية علم الاجتماع الغربي والعلوم الغربية الإنسانية ومنطلقاتها هي العلمانية الشاملة. فعلى سبيل المثال ترى هذه العلوم أنه يجب فصل الواقع (الحياة الدنيا) عن كل القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية حتى تصبح العلوم محايدة، خالية من القيمة (بالإنجليزية: فاليو فري value ياتجهت العلوم الاجتماعية والإنسانية الغربية نحو النماذج الكمية والنماذج المادية لتركز الاهتمام على تلك الظواهر التي توجد داخل هذا النطاق وحسب. ومن هذا المنظور تم تقويض مفهوم الإنسانية المشتركة إلى أن اختفى مع سيادة الواحدية المادية الموضوعية. ثم انتهى بأن ثبتت هذه العلوم ميتافيزيقا العلمانية الشاملة من إيمان بحتمية التقدم وبأن العقل المادي لا نهائي قادر على تسجيل كل شيء... إلخ. لكل هذا أصبح علم الاجتماع الغربي نفسه جزءاً من المنظومة العلمانية الكلية الشاملة لا توجد مسافة تفصل بين الواحد والآخر. فبدأ يدرك الواقع كأجزاء متناثرة، وخصوصاً أن مصطلح «علمانية» كان قد عُرِّف وتكلّس قبل ظهور كثير من الظواهر العلمانية الأساسية.

    ومما زاد الموضوع تفاقماً أن الإنسان الغربي حينما بدأ مشروعه التحديثي كان ممتلئاً بالتفاؤل بشأنه، وكان يتوقع أن يحقق له هذا المشروع السعادة الكاملة أو على الأقل قسطاً كبيراً من السعادة. ولذا، حينما كانت تظهر جوانب سلبية، كان يصنفها على أنها "ظواهر هامشية" أو "نتائج جانبية" أو "ثمن معقول" للتقدم. ورغم تزايد الجوانب السلبية، إلا أنه استمر في التركيز على المتتالية المثالية السعيدة فتحكمت في إدراكه وأحكامه ومن ثم استمر في تهميش الجوانب السلبية وتهميش المصطلحات التي تشير إليها وظلت هذه المصطلحات، بمدلولها السلبي، خارج نطاق عملية تعريف ـ أو إعادة تعريف ـ العلمانية.






  7. #307
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي



    ويمكن أن نضيف أيضاً أن علم الاجتماع الغربي قد تحددت مقولاته الإدراكية والتحليلية قبل أن تتم عملية التلاقي بين الرأسمالية والاشتراكية وقبل أن تظهر الوحدة الكامنة وراء كثير من الظواهر. ولذا كان علم الاجتماع الغربي يتصور أن الثنائيات التي ظهرت داخل المنظومة العلمانية الغربية ثنائيات حقيقية ذات مقدرة تفسيرية عالية. فكان يرصد الواقع من خلال نموذج الإنسانية مقابل الطبيعية، ونموذج الرأسمالية مقابل الاشتراكية، وهكذا دون إدراك الوحدة النهائية الكامنة فيما بين هذه الثنائيات، ودون إدراك أنها ثنائيات واهية في طريقها إلى الزوال بفعل عوامل التعرية التاريخية وآليات التلاقي.

    لكل هذا نجد أن علم الاجتماع الغربي يرصد الواقع العلماني (في الشرق والغرب) لا باعتباره كلاً متكاملاً وإنما باعتباره مجموعة من ظواهر مختلفة مستقلة لها تواريخ مستقلة. فكلما اتضحت معالم ظاهرة ما فإنه كان يحصر سماتها ويُطلق عليها اسماً، الظاهرة تلو الأخرى، دون أن يربط بعضها ببعض داخل نموذج تفسيري واحد. ولذا ظهرت نماذج تفسيرية متعددة، ونجد أن هناك حديثاً عن «الترشيد» مستقلاً عن حديث «الاستنارة» وعن حديث «التفكيك» وعن حديث «العلمانية»، ولم يتم رصد علاقة مفهوم الإنسان الطبيعي وتعاظم نفوذ الدولة القومية بضمور الحس الخُلقي ثم بضمور الحس السياسي والإباحية وتزايد الحياد والتجريد والتنميط. وأصبح تاريخ العلمانية مستقلاً تماماً عن تاريخ الفلسفة الغربية الحديثة وعن تاريخ الاستعمار الغربي وحركات مثل النازية والصهيونية. وقد ظهر عدد لا حصر له من المصطلحات يُشير بعضها إلى الثمرات الإيجابية لعملية التحديث أو الترشيد أو العلمنة، من بينها: التقدم ـ الحراك ـ زيادة الإنتاج ـ هزيمة الطبيعة ـ معرفة قوانين الواقع والتحكم فيه. كما ظهرت أيضـاً مجموعة من المصطلحات المحايدة ( على الأقل من وجهة نظر أصحابها ) من بينها: التلاقي ـ المجتمع التكنولوجي ـ المجتمع ما بعد الصناعي ـ زمانية كل الظواهر ونسبيتها.

    في الوقت نفسه، ظهرت مصطلحات عديدة تشير إلى بعض نتائجها السلبية غير المقصودة أو إلى ظواهر سلبية مرتبطة بها أو ناجمة عنها، من بينها: أزمة الحضارة الحديثة ـ أزمة الإنسان في العصر الحديث ـ ثمن التقدم ـ النتائج السلبية لعملية التحديث ـ التلوث البيئي ـ





  8. #308
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي


    هيمنة النماذج المادية والكمية والآلية ـ الاغتراب ـ أزمة المعنى ـ ضمور الحس الخلقي ـ هيمنة القيم النفعية ـ غياب المركز ـ تفشِّي النسبية المعرفية والأخلاقية ـ اللامعيارية (الأنومي) ـ تفتُّت المجتمع ـ سيادة العلاقات التعاقدية بدلاً من العلاقات التراحمية ـ إشكالية الجماينشافت مقابل الجيسيلشافت ـ سيطرة الدولة على الفرد من خلال أجهزتها العديدة ـ هيمنة المؤسسات والبيروقراطيات ـ تآكل الأسرة ـ بداية اختفاء ظاهرة الإنسان ـ ظهور فلسفات معادية للإنسان ـ العدمية الفلسفية ـ الإحساس بالعبث ـ التدويل ـ تراجُع الفردية والخصوصية ـ أمركة العالم ـ التنميط ـ سيطرة أجهزة الإعلام على البشر ـ ما بعد الأيديولوجيا ـ ظهور الحتميات والجبريات المختلفة (البيولوجية والبيئية والوراثية والتاريخية) ـ العالم الحديث كقفص حديدي ـ التسلع (أي تحوُّل الإنسان إلى سلعة) ـ التشيؤ (أي تحوُّل الإنسان إلى شيء) ـ موت الإله ـ موت الإنسان (ويُلاحَظ أن معظم المصطلحات السلبية هي نتاج ما نسميه «العلمانية الشاملة»).

    ورغم دقة هذه المصطلحات، كلٌّ في حد ذاته، إلا أنها ظلت متباعدة. وقد صُنِّفت أحياناً إلى مجموعات أكبر، ولكن ظل هناك غياب ملحوظ للنموذج التفسيري الكلي الذي يُبيِّن الوحدة الكامنة وراء التعدد.

    ورغم أن نطاق عمليات العلمنة قد اتسع، ورغم أن الكثيرين اتضح لهم أنها تشكل في مجموعها منظومة متكاملة يمكن رؤيتها في مقدمتها وحلقات تطورها ونتائجها الإيجابية المقصودة والسلبية غير المقصودة، ورغم أن المتتالية المتحققة التي انتهت بالإمبريالية ونهب العالم والإبادة النازية والتلوث البيئي والإباحية وتآكل الأسرة وانتشار المخدرات والجريمة والإيدز والتي ظهرت بدلاً من المتتالية المثالية المُفْتَرَضة السعيدة، ورغم ثمن العلمانية الشاملة الفادح، حيث لم يعد هناك مجال للحديث عن استقلالية الحياة الخاصة، ورغم تَساقُط الثنائيات المختلفة وهو ما أدَّى إلى تهميش الفلسفة الإنسانية الهيومانية وسقوط النموذج الاشتراكي، ورغم تآكل بقايا المسيحية وتَغوُّل الدولة ووسائل الإعلام وقطاع اللذة، رغم كل هذا، فإن الإنسان الغربي لم ير الوحدة الكامنة ولم يتوصل إلى نموذج تفسيري شامل مركب متكامل لظاهرة العلمانية، واكتفى بمراجعة كثير من المصطلحات التي سكها لوصف واقعه التحديثي في ضوء ما تَكشَّف له من خلال عملية التحقق التاريخي. ولذا، فهو لم يعد يتحدث عن «الاستنارة» وحسب، وإنما أصبح يتحدث أيضاً عن «الاستنارة المظلمة». ولم يعد يتحدث عن «العقل الخلاق» وحسب، وإنما يتحدث أيضاً عن «تآكل العقل النقدي» وعن «العقل التفكيكي» و«العقل الأداتي» الذي لا يكترث بالإنسان ولا بالمضمون الخلقي لعملية الترشيد. وهو لا يتحدث عن «مركزية الإنسان» و«الإنسانية الهيومانية» وحسب، وإنما يتحدث أيضاً عن «الإنسان ذي البُعد الواحد» و«الإنسان الشيء» وعن «استبعاد الإنسان من المركز» وعن «العداء للإنسانية (أنتي هيومانيزم anti-humanism)». كما أنه لا يتحدث عن «التقدم» وحسب وإنما يتحدث أيضاً عن «نهاية التاريخ» و«عبثية الواقع» و«ثمن التقدم».






  9. #309
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي




    ورغم أن الإنسان الغربي أعاد صياغة المصطلحات وربط بعضها بالبعض الآخر (فالترشيد الذي كان مرتبطاً بالانعتاق ظهرت علاقته بالتنميط وبالاغتراب)، فقد ظلت في معظمها محتفظة باستقلاليتها لا تنتظمها منظومة واحدة. ولعل ماكس فيبر هو عالم الاجتماع الغربي الذي اقترب من عملية الربط بين كل المصطلحات والظواهر بطريقة تكاد تكون شاملة من خلال مفهوم الترشيد.

    لقد أخفقت العلوم الاجتماعية والإنسانية الغربية في رصد ظاهرة العلمانية وفي تطوير نموذج شامل ومركب لها أو رؤيتها من منظور إنساني عالمي مقارن. وإن كان من الممكن تفسير إخفاق العلوم الاجتماعية والإنسانية الغربية في التوصل إلى نموذج شامل ومركب ومتكامل للعلمانية، فإن تفسير إخفاقنا نحن غير ممكن، فنحن نرى ظاهرة العلمانية ونرى الإنسان الذي يتفاعل معها من الخارج (حتى الآن على الأقل). ولهذا، فلابد أن نرى الأمور بشكل أكثر تركيباً وشمولاً وكلية، ولابد أن يكون بوسعنا رؤية علاقة كامنة شاملة بين العناصر والجوانب المختلفة التي قد تبدو مستقلة. وليس هناك ما يدعو لأن نقبل تصنيفات الإنسان الغربي ومصطلحاته لوصف واقعه. فالواجب العلمي يفرض علينا أن نبحث عن مثل هذه العلاقة الشاملة الكامنة. ولعل الوقت قد حان الآن لإعادة النظر في كل مصطلحات العلوم الاجتماعية (ذات الأصل الغربي) لصياغة نماذج ومصطلحات جديدة تتفق مع تجربتنا الوجودية المتعينة بعد سقوط المنظومة الاشتراكية وبعد علمنة السلوك في العالم الغربي وضمور رقعة الحياة الخاصة وتهميش المسيحية تماماً وظهور أدبيات غربية مراجعة تساعدنا في عملية التعريف وإعادة التعريف.






  10. #310
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,235
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 34

    افتراضي




    نحو نموذج تفسيرى مركب وشامل للعلمانية
    بعد أن رصدنا فشل علم الاجتماع الغربي في تطوير نموذج شامل ومركب للعلمانية، وبعد أن بيَّنا أن مصطلح «علماني» شائع لأقصى درجة، وخلافي لأقصى درجة، فإننا سنحاول أن نقوم بتطوير نموذج تحليلي جديد وسنؤسس عليه تعريفاً لما نسميه «العلمانية الشاملة». وقد لجأنا لعدة إستراتيجيات:

    1 ـ التعريف من خلال دراسة مجموعة من المصطلحات المتقاربة ذات الحقل الدلالي المشترك أو المتداخل.

    2 ـ تطوير مصطلحات تحليلية جديدة لبلورة النموذج الكامن.

    3 ـ دراسة النمط الأساسي الكامن وراء عمليات العلمنة وتوضيح علاقة العلمانية بالتفكيك وما بعد الحداثة.

    4 ـ توضيح علاقة العلمانية بالإمبريالية.

    ثم طرحنا بعد ذلك تعريفنا للعلمانية الشاملة.


    العلمانية : التعريف من خلال دراسة مجموعة من المصطلحات المتقاربة ذات الحقل الدلالى المشترك أو المتداخل
    مصطلح «العلمانية» ـ كما تَقدَّم ـ مُبهَم ومُختلَط، ولو كان الأمر بيدنا لاستغنينا تماماً عنه ولاستخدمنا بعض المصطلحات الأخرى (وخصوصاً مصطلح «نزع القداسة» أو «الواحدية الكونية المادية») نظراً لأنها مصطلحات أكثر شمولاً وأكثر عمقاً ودقة من لفظ «العلمانية»، كما أنها مصطلحات جديدة غير محملة بأعباء أو أخلاقيات أيديولوجية وعقائدية حادة كما هو الحال مع لفظ «علمانية».

    ولكن هناك إشكالية تواجهنا جميعاً، وهي أن هذا المصطلح قد أحرز شيوعاً غير عادي بين دعاة العلمانية وأعدائها، وبين أعضاء النخبة والجماهير على حدٍّ سواء. ولذا، لا مناص من استخدامه، فالبدء من نقطة الصفر مسألة مستحيلة في مثل هذه الأمور. وما سنلجأ إليه هو إعادة تعريف مصطلح «علمانية» بحيث يصبح مجاله الدلالي أكثر اتساعاً وشمولاً. كما أننا سنستخدم مصطلح «علمنة» على نطاق واسع (لتأكيد البُعد الزمني للمصطلح).






 

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. اليهود واليهودية والصهاينة والصهيونية الجزء السادس
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى منتدى التاريخ
    مشاركات: 61
    آخر مشاركة: 2010-10-27, 05:20 AM
  2. اليهود واليهودية والصهاينة والصهيونية الجزء الخامس
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى منتدى التاريخ
    مشاركات: 60
    آخر مشاركة: 2010-10-26, 05:58 AM
  3. اليهود واليهودية والصهاينة والصهيونية الجزء الرابع
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى منتدى التاريخ
    مشاركات: 28
    آخر مشاركة: 2010-10-25, 05:39 AM
  4. اليهود واليهودية والصهاينة والصهيونية الجزء الثالث
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى منتدى التاريخ
    مشاركات: 69
    آخر مشاركة: 2010-10-25, 05:31 AM
  5. اليهود واليهودية والصهيونية والصهاينة الجزء الثاني
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى منتدى التاريخ
    مشاركات: 96
    آخر مشاركة: 2010-10-25, 05:04 AM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
RSS RSS 2.0 XML MAP HTML