المــادة البشــرية
Human Material
مصطلح «مادة بشرية» يُستخدَم في الأدبيات الصهيونية حتى الوقت الحاضر للإشارةإلى البشر بشكل عام، بما في ذلك أعضاء الجماعات اليهودية. وقد استخدمه هرتزل فيكتابه دولة اليهود وفي مذكراته، وكـذا ناحـوم سوكولوف. ولا يزال المصطلح سائداً فيإسرائيل. والعبارة تشبه عبارات أخرى مثل «فائض بشري» أو «الفائض اليهودي»، وهي كلهاجزء من الخطاب السياسي الغربي العلماني، وتصلح للإشارة إلى الإنسان، لا باعتبارهمطلقاً، وإنما باعتباره مادة استعمالية نسبية يمكن توظيفها وحوسلتها. وقد تبنَّىالصهاينة هذا المصطلح، حيث طرحوا المشروع الصهيوني باعتباره مشروعاً يهدف إلى تحويلالفائض البشري اليهودي غير النافع إلى مادة استيطانية نافعة تُوظَّف في خدمةالاستعمار الغربي في أي مكان من العالم (ثم استقر الأمر على فلسطين). وهذا المصطلحمتَّسق تماماً مع الرؤية العلمانية للإنسان التي تخلع عنه كل قداسة وتحوسله وتنظرإليه بمقدار نفعه أو ضرره. وهو مصطلح متَّسق تماماً مع الرؤية المعرفية الإمبرياليةللعالم الذي تراه كله مسـرحاً لنشـاط الإنسـان الغربي يهيمن عليه ويوظفه لصالحه. والعبارة تصف، وبدقة شديدة، رؤية الإنسان الغربي إلى أعضاء الجماعات اليهودية، حيثكان يُنظَر إليهم ابتداءً من القرن السابع عشر كأداة تُستخدَم ويُحكَم عليها بمقدارنفعها. وقد تبنَّى النازيون المصطلح نفسه بالنسبة إلى الجنس البشري ككل، بما في ذلكأعضاء الجماعات اليهودية.

وفي إسرائيل، أشار أيخمان، في دفاعه عن نفسه، إلىالصفقة التي عقدها الصهاينة مع النازيين، حيث قام الصهاينة بتهدئة اليهود الذينكانوا في طريقهم إلى أفران الغاز في نظير تسليمهم بعض العناصر اليهودية الشابة التيوصفها أيخمان بأنها من أفضل المواد البيولوجية التي يمكن ترحيلها إلى فلسطين. ومصطلح «المادة البشرية» مرتبط، في افتراضاته المعرفية، بمصطلحات أخرى مثل «تحويلاليهود إلى قطاع اقتصادي منتج» و«تطبيع اليهود».

سيمون لوتسـاتو (1583-1663)
Simon Luzzato
حاخام إيطالي، من أهم كتبه مقال عن يهودالبندقية (1638) وهو محاولة للدفاع عن اليهود على أساس نفعهم. فهم يضطلعون بوظائفلا يستطيع غيرهم الاضطلاع بها، مثل التجارة، كما يطوِّرون فروعاً مختلفة منالاقتصاد. ولكنهم على عكس التجار الأجانب خاضعون لسلطة الدولة تماماً، ولا يبحثونعن المشاركة فيها، ولا ينقلون أرباحهم خارج البلاد (وهذا وصف دقيق لما نسميهبالجماعة الوظيفية الوسيطة). وقد بيَّن لوتساتو إمكانية زيادة ريع الدولة بتشجيعالنشاطات اليهودية، وأشار إلى الفوائد التي جنتها الدولة من علاقتها بهم. وهذه كانتأول مرة تُستخدَم أطروحة نَفْع اليهود التي دافع عنها بعد ذلك جون تولاند فيإنجلترا عام 1714، كما دافع عنها مفكرو عصر الاستنارة.

وكان لوتساتو منأوائل المؤلفين الذين قدموا تحليلاً لما يُسمَّى «الشخصية اليهودية»، فوصف اليهودبأنهم جبناء ومخنثون وجهلة لا يمكنهم أن يحكموا أنفسهم، يهتمون بمصالحهم وحسب ولايهتمون بالصالح العام. وبيَّن لوتساتو أن سلوك اليهود الاقتصادي يُعبِّر عن الطمعوالجشع، وأنهم يعيشون أسرى الماضي ولا يهتمون بالحاضر، كما يبالغون في اتباع تعاليمدينهم وشعائره. ولكن اليهود، مع هذا، يتمتعون أيضاً ببعض الصفات الحميدة، مثلالثبات والاحتمال والصمود والحفاظ على العقيدة وعلى نظام الأسرة، وهم مطيعونويخضعون لأي شخص إلا إخوانهم في الدين. ونقائص اليهود، كما يرى، هي نتيجة الجبنوالضعف لا القوة والوحشية. وقد ألَّف لوتساتو كتابه هذا وهو في حالة أزمة، إذاكتُشف أن بعض العائلات اليهودية التجارية كانت متورطة في عملية غش تجارية على نطاقواسع.

منَسَّـى بــن إســرائيل (1604-1657(
Manasseh Ben Israel
يهـودي من المارانـو، وحاخـام ومؤلف، وُلد في البرتغال وعمل فيها، ثم فر أبواهواستقرا في أمستردام حيث أصبح منَسَّى حاخاماً في أحد المعابد (1622 ـ 1639). أسسأول مطبعة عبرية في أمستردام عام 1626 نشرت عدة كتب من بينها معجم لأحد كتب المدراشوكتاب نحو اللغة العبرية وطبعة لكتاب المشناه. وقد كان منَسَّى نفسه مؤلفاً غزيرالإنتاج، وتعرَّف إلى كثير من الشخصيات المهمة في عصره، مثل هيوجو جروتيوس وملكةالسويد كريستينا، وكان يعرف كذلك رمبرانت الذي رسم صورته.

ويعد منَسَّىشخصية نماذجية للقيادة الجديدة التي تسلمت زمام الجماعات اليهودية من الحاخاماتوالتجار الهامشيين. فهو أولاً من يهود المارانو الذين كان تكوينهم الثقافيمُركَّباً، إذ كانوا على معرفة بكلٍّ من الحضارة الغربية المسيحية والتقاليدالدينية اليهودية. وقد انتقل من شبه جزيرة أيبريا إلى أمستردام في هولندا، أي مناقتصاد إقطاعي تقليدي وحضارة كاثوليكية إلى الاقتصاد الجديد والحضارة ذات التوجهالبروتستانتي التجاري. وفكَّر منَسَّى في الاستيطان في البرازيل، أي في التحرك معالتشكيل الغربي الاستيطاني. تلقَّى تعليماً حديثاً وتقليدياً وكان يؤمن إيماناًعميقاً بالقبَّالاه، وانشغل بالحسابات القبَّالية لمعرفة موعد وصول الماشيَّح،وتوصل إلى أن ذلك لن يتحقق إلا بعد أن يتم تشتيت اليهود في كل أطراف الأرض. وقد كانهذا المفهوم القبَّالي هو الديباجة التي استخدمها للدفاع عن ضرورة إعادة توطيناليهود في إنجلترا، وذلك في كتابه أمل إسرائيل الذي ترجمه إلى الإنجليزية عام 1650ولكن إلى جوار الديباجة القبَّالية كانت توجد ديباجة تجارية دنيوية. والواقع أنتداخل الديباجتين الدينية والدنيوية هو إحدى سمات الصهيونية الأساسية. وقد استرعىالكتاب اهتمام كرومويل (حكم في الفترة من 1648 حتى 1668) الذي دعا منَسَّى إلىزيارة إنجلترا لمناقشة الموضوع. وكان منَسَّى على اتصال بجماعات المارانو التي كانتقد استقرت بالفعل في الأراضي البريطانية، وانتهت المفاوضات بالفشل شكلياً. ولكنكرومويل أعطى أمره، مع هذا، للسلطات بالتغاضي عن استقرار اليهود. كما أن كرومويلمنح منَسَّى معاشاً سنوياً قدره مائة جنيه.

ويعود اهتمام كرومويل بطلبمنَسَّى واليهود عامة إلى عدة أسباب:

1
ـ كان الكسب التجاري هو الحافزالأساسي نحو اتخاذ خطوة توطين اليهود. فالحرب الأهلية التي سبقت العهد البيوريتاني،ألحقت ضرراً بالغاً بمركز إنجلترا كقوة تجارية وبحرية. وحين استقرت المنافسة بينالتجار البيوريتان والألمان، أراد التجار الإنجليز الاستفادة من خبرات التجارالمارانو واتصالاتهم الدولية، وبخاصة أنهم كانوا يعرفون الإسبانية والبرتغالية لغةالكتلة الكاثوليكية التجارية المعادية للكتلة البروتستانتية الناشئة في هولنداوإنجلترا.

2
ـ كان كرومويل يطمح إلى تحويل أعضاء الجماعات اليهودية إلىجواسيس يزوِّدونه بمعلومات عن السياسات التجارية للدول المنافسة له، وعن المؤامراتالتي يديرها أنصار الملكية في الخارج، بفضل اتصالاتهم وتنقلهم في أوربا، في وقت كانفيه الحصول على معلومات أمراً صعباً للغاية.

3
ـ كان كرومويل يطمح أيضاًإلى أن يستثمر التجار اليهود بعض رؤوس أموالهم الضخمة في الاقتصاد الإنجليزي.

ومن أهم مؤلفات منَسَّى الأخرى، كتابه الموفِّق، الذي حاول فيه أن يُوفِّقبين المتناقضات الواضحة في الكتاب المقدَّس، كما ألَّف كتاباً عن هنـود العالمالجـديد يُوضِّح فيه أنهم أسباط يسرائيل العشرة المفقودة. أما كتابه الدفاع عناليهود (الذي نُشر بعد وفاته عام 1666) فقد بيَّن فيه أن الدين يجب أن يظل مسألةاختيارية، وبالتالي يجب ألا يُسمح للسلطات الدينية بأن تفرض شيئاً على أتباع الدينقسراً. وقد وجد مندلسون أن الكتاب من الأهمية بمكان بحيث طلب إلى أحد أصدقائهترجمته، وكتب هو مقدمة له. ويُعَدُّ الكتاب، بذلك، من الكتب التي مهدت لحركةالتنوير والعلمنة بين اليهود.