الشبهة العاشرة:قال محمد صدقي:" أجمع جمهور المسلمين على عدم تكفير من أنكر أي حديث منها (يعني الآحاد)".
الجواب:لم نفهم عن إجماع أي جمهور وأي علماء يتكلم هذا الأستاذ المبجل،فيما إذا كان يقصد إخوانه جمهور علماء الروافض والجهمية والمعتزلة،أو جمهور علماء أهل السنة والجماعة،ومع ذلك فسنرد على هذا الكلام المرسل الخالي من الأدلة والدقة والأمانة العلمية كما تعودنا منهم فنقول:
أولاً:هذا يناقض قول أخيه في عداء السنة وأهلها المدعو محمود أبو رية،فلقد قال هذا المعتوه الآخر:"إن شيوخ الدين يعتقدون أن الأحاديث كآيات القرآن في وجوب التسليم لها وفرض الإذعان لأحكامها بحيث يأثم أو يرتد أو يفسق من خالفها ويستتاب من أنكرها أو شك فيها"وهذه المقولة وإن كانت على سبيل التهكم والسخرية فهو حق ،وسنأتي الآن بدليل من القرآن الذي اتفق كل من الأخوين أبو رية ومحمد صدقي(ومحمد والصدق والصديق منه براء)على أنه حق وسنعلق عليه،يُقسِمُ الله تبارك وتعالى مخاطباً نبيه محمد صلى الله عليه وسلم قائلاً:" فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً" النساء:65،يقول العلامة السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية بما معناه:"فأما تحكيم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمور فهو مرتبة الإسلام،وأما انتفاء الحرج عن النفوس من قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مرتبة الإيمان،وأما التسليم تسليماً فهو مرتبة الإحسان"ونعلق قليلاً على هذا الكلام الذي يكتب بماء الذهب والياقوت فنقول،الفئة الأولى حكَّموا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يشترط فيهم أن ينتفي الحرج عن صدورهم،فهم رضوا بالحكم ظاهراً وباطنهم ربما كان فيه شيء من الحرج وهذا هو الإسلام ،ويجليه قوله تعالى:" قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم"،وأما الطائفة الثانية فلقد عملوا بالقضاء ظاهراً وانتفى الحرج عن صدورهم باطناً،ولا يشترط من انتفاء الحرج أن يكون رضاً وتسليماً مطلقاً فلربما كان حالة وسطاً بين الرضا والحرج فذلك هو الإيمان،وأما الطائفة الثالثة فلقد حكَّموا رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ثم لم يجدوا أي حرج في قضائه،ثم سلموا تسليماً مطلقاً فذلك هو الإحسان،وإن هذه الآية وحدها تسلخ لحومهم ولحوم كل من تبعهم وهو راضٍ وعالم بحقيقتهم بسياط ملتهبة إلى يوم الدين،ثم طالما أنهم يتحدثون عن علماء أهل السنة،علماء أهل السنة ميزوا بين نوعين رئيسين لرد السنة فضلاً عن القرآن،فأما النوع الأول فهو رد جحود وإنكار،مثل أن يقول بأنه لا يوجد شيء اسمه صلاة المغرب،فهذا لا شك في كفره على الإطلاق،طبعاً بعد قيام القرائن والحجة وتوافر الشروط وانتفاء الموانع والاستتابة،وأما النوع الثاني فهو رد الكسل،وهذا أيضاً له تفصيل مستقل،فلقد اختلف أهل العلم أيضاً فيمن ترك الصلاة كسلاً على سبيل المثال وهو يقر بوحوبها وقال بعضهم بكفره وبعضهم قالوا فاعل كبيرة لا يُكَفر لنطقه بالشهادتين مع قيامه بمضمونهما،ومثال آخر كأن يقر بأن الزنا حرام وكبيرة من الكبائر،ويقع فيه نتيجة هوى أو إغراء أو نزغ شيطان، وهذا لا يكفر على الإطلاق طالما أن لديه أركان الإيمان وشروطه وموانع الكفر التي فصلها أهل العلم والاختصاص فأين تذهبون؟!.
ثانياً:نقول للأخوين في إنكار السنة محمود أبو رية و محمد صدقي ومن تبعهم،لقد قوَّلتم علماء أهل السنة ما لم يقولوا ولم يقصدوا،فإن علماء السنة من أشد الناس حرصاً على ضبط التكفير والتفسيق والتبديع،وأهم شرط لتكفير من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أن يصله من العلم ما تقوم به عليهم الحجة،لكنكم كما أسلفنا،خطلتم أوراق أهل السنة والجماعة مع أوراق الروافض والخوارج والمعتزلة وغيرهم ونسأل الله أن يشفيكم.
الشبهة الحادية عشرة: قال محمد صدقي: " إن تناقضها كثير، ومعرفة ناسخها من منسوخها عسير أو مستحيل، وكذلك أكثر أسباب قولها ".
الجواب:أولاً:نقول لمحمد صدقي ولمن على شاكلته،قولك إن تناقضها كثير يخالف القرآن الذي تدعي أنه هو الدين وحده،فالسنة سواءاً كانت متواتراً أو آحاداً هي وحي من عند الله وليست من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى،إن هو إلا وحي يوحى،وكيف تفسر يا صاحب العقل المستنير قوله تعالى:" وَلَوْ كَـانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَـدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً"؟!
وثانياً:قولك بأن معرفة ناسخها ومنسوخها عسير ومستحيل لا نختلف عليه وأوافقك وأقول بكل قوة وبكل جرأة وبكل صراحة "إنه حق وصدق ويقين ولا غبار عليه"،نعم هو عسير ومستحيل عليك وعلى أمثالك،لأنك لم تقرأ ولم تعرف كتاب ابن تيمية رحمه الله "درء تعارض العقل والنقل،ولم تقرأ ولم تعرف كتاب "الناسخ والمنسوخ"ابن النحاس رحمه الله ،ولم تقرأ ولم تعرف كتاب تأويل"مختلف الحديث"للشافعي رحمه الله الذي تحتج بكلام يتماشى مع جهلك وحماقاتك وغاياتك القذرة،ولم تقرأ ولم تعرف كتابي:" تأويل مختلف الحديث"و "مشكل القرآن"لابن قتيبة رحمه الله،ولم تقرأ ولم تعرف كتاب "مشكل الآثار" للإمام الطحاوي الحنفي الذي تحتج بكلام مبتور مدلس عنه وعن الأحناف رحمهم الله،ولم تقرأ ولم تعرف كتاب" دفع إيهام الاضطراب"للعلامة الشنقيطي رحمه الله،وليتك قرأت هذه المقولة لابن خزيمة أحد مشايخ البخاري رحمهما الله وقبلت تحديه إن كنت تعي ما تقول:" لا أعرف أنه روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثان بإسنادين صحيحين متضادان، فمن كان عنده فليأت به حتى أؤلف بينهما" الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (ص473)،لكنك تهرف بما لا تعرف،مثلك كمثل رسام تشكيلي، اختطفه عدد من الرجال وعصبوا عينيه ووضعوا في يديه القيود،ثم اقتادوه إلى غرفة العناية المشددة في إحدى المشافي ليجري عملية جراحية لأحد المرضى،فلما وقف أمام المريض وفي يده المبضع والابرة المخدرة ونظر إلى المريض المستلقي أمامه صرخ قائلاً:"يستحيل على أحد –أو يصعب كثيراً-أن يجري عملية جراحية لأي مريض،أتركوا جميع المرضى، وإياكم ومحاولة إجراء أي عملية لأي مريض وإلا فسوف يموتون ويهلكون بين أيديكم، وذنبهم في رقابكم ورقبتي يوم القيامة".
الشبهة الثانية عشرة: قال محمد صدقي:"نهى بعضهم عن التحديث، وكذلك علماء التابعين".
الجواب:أولاً:يريد بذلك أيضاً الروايات التي ظاهرها التناقض بين مشروعية الكتابة ومنعها،التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فضلاً عن صحابته الكرام رضوان الله عليهم،وتابعيهم بإحسان رحمهم الله،فنقول بإيجاز ،صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله:" لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه"وورد أيضاً في الصحيحين القائل:"سمعت أبا هريرة يقول ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثا عنه مني إلا كان من عبد الله بن عمرو(ابن العاص) فإنه كان يكتب ولا أكتب"والزيادة بين القوسين( )مني للتوضيح،وأقوال العلماء متعددة في تفسير هذه المسألة ونكتفي بقولين لهما،الأول:أن الأمر بمنع الكتابة كان في بدء البعثة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرد اختلاط القرآن بالسنة عند الناس وأن ينصب اهتمامهم على القرآن،ثم سمح بها فيما بعد عندما تمكنت الدعوة الإسلامية،أي أن المنع منسوخ والسماح ناسخ.
والثاني:من البديهي أنه ليست الكتابة هي الوسيلة الوحيدة للحفظ على الإطلاق،فلقد كان العرب مشهورون بصفاء ذهنهم وقوة حافظتهم،ولقد أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ولمن بعدهم أن يحملوا السنة والقرآن في قلوبهم وعقولهم ليطبقوها واقعاً في حياتهم العملية،لكن طبعاً ليس كل الناس فضلاً عن الصحابة رضوان الله عليهم بنفس قوة الحفظ والقدرة عليه فهم بحاجة إلى وسائل أخرى وهي الكتابة،فلذلك أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكتابة لمن لا يقوى على الحفظ بغيرها،وكذلك الأمر بالنسبة لما يظهر من اختلاف أقوال الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم في اختلافهم حول مشروعية الكتابة ومنعها،فلقد كان التابعين رضوان الله عليهم يفتخرون بقوة حفظهم ،حتى قال احدهم:"ما كتبت حديثاً قط"بل والكثير منهم كان يحرق ما يكتبه بعد أن يحفظه ويعيه في قلبه ويعلمه لغيره ويطبقه واقعاً في حياته،وهذه من مشكلاتنا اليوم ،نحن الذين صرنا نعتمد على القص واللصق وميزات البحث المتقدمة الهائلة وتركنا الحفظ وأهملناه والله المستعان على كل الأمور.
ثانياً:ليس هنالك أسهل من رمي الأكاذيب والشبهات والدعاوي العريضة والكلام المجمل، ولكن كما أسلفنا ليس هناك أصعب على هؤلاء من إتيان دليل ساطع كالشمس يجلو الأبصار والبصائر والأفهام،فلقد أيده فيها أيضاً أخوه في عداء السنة وأهلها المدعو محمود أبو رية(وهو ليس بمحمود على الإطلاق)واعتمدوا على رواية أوردها الإمام الذهبي رحمه الله في "تذكرة الحفاظ" حيث قال في ترجمة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه: "ومن مراسيل ابن أبي مليكة أن أبا بكر جمع الناس بعد وفاة نبيهم فقال: إنكم تحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث تختلفون فيها والناس بعدكم أشد اختلافاً فلا تحدثوا عن رسول الله شيئاً فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه"فبتر تعليق الذهبي عليها بأنها مرسلة،والمرسل من أقسام الضعيف الذي لا نحتج عليه على الإطلاق،وكنت بفضل الله ثم بفضل أهل العلم قد فصلت حكم الحديث الضعيف وتفصيل أقوال العلماء في ذلك،ومن أراد الرجوع إليه فعليه بهذا الرابط
http://www.a7babfealah.com/vb/showthread.php?t=1447
...يتبع